الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدعة وأثرها
في الانحراف في الاعتقاد
الشيخ / عبد الله بن سليمان المنيع
الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله، وكما ينبغي لكمال وجهه، والصلاة والسلام على رسوله الهادي إلى صراطه المستقيم بالحكمة والبصيرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره، واستن بسنته، وسلك سبيله، إلى يوم الدين، وبعد:
لا شك أن الله سبحانه وتعالى أكرمنا - معشر بني آدم - بجلائل النعم، وفضلنا على كثير من خلقه، فلقد أكرمنا أول إكرام بخلقه تعالى أبانا بيديه الشريفتين، قال تعالى:{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (1).
وبنفخه سبحانه الروح فيه من روحه، قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (2).
وبأمره سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود له تقديرا لمقامه، ورفعا لذكره، وتعبيرا عن إكرامه وتقديره، قال تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (3){إِلَّا إِبْلِيسَ} (4).
(1) سورة ص الآية 75
(2)
سورة ص الآية 72
(3)
سورة ص الآية 73
(4)
سورة ص الآية 74
وبجعله خليفة في أرضه، قال تعالى في حق آدم:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (1).
وبخلقه تعالى ما في الأرض جميعا لآدم وبنيه، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (2).
وبتعليمه أبانا آدم الأسماء كلها، ثم أمره تعالى آدم أن يخبر الملائكة بأسمائهم، ليظهر فضله وعلو مقامه، ودقة حكم الله تعالى فيما يقدره ويقضيه، قال تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3){قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (4){قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} (5).
الآية، ثم إن من أكبر فضل الله على آدم وبنيه أن خلقهم في أحسن تقويم، وصورهم فأحسن صورهم، قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (6).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (7){الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} (8){فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (9).
وأن ميزهم على كثير ممن خلق بعقل يميزون به بين الصالح والطالح، والهدى والضلال، عقل يستطيع به الإنسان أن يدرك وجود الله وتفرده بالخلق والتكوين، وبالتالي إفراده بالعبادة والتعظيم والإجلال.
لقد أكبر العقلاء نعمة العقل حتى تطرف بعضهم فاعتبروه وحده حجة الله على عباده في إفراده تعالى بالعبادة، وأن رسالة الرسل تعني التذكير من الله تعالى بما يدعو إليه العقل من حقوق الله على عباده،
(1) سورة البقرة الآية 30
(2)
سورة البقرة الآية 29
(3)
سورة البقرة الآية 31
(4)
سورة البقرة الآية 32
(5)
سورة البقرة الآية 33
(6)
سورة التين الآية 4
(7)
سورة الانفطار الآية 6
(8)
سورة الانفطار الآية 7
(9)
سورة الانفطار الآية 8
ولهذا يعتبر العقل من أسس التكليف إن لم يكن الأساس الوحيد للتكليف، فإن قلتم: التكليف مرفوع عن ثلاثة أحدهم: المجنون - فاقد العقل -، والثاني: النائم حتى يستقيظ، والثالث: الصغير حتى يبلغ. ولا شك أن الاثنين - النائم والصغير - ليس لديهما عقل مؤهل للتكليف، فرفع عنهما التكليف حتى يكتمل عقل كل واحد منهما.
إننا لو أردنا أن نسلك مسلك إحصاء نعم الله تعالى على آدم وبنيه لركبنا شططا، فنعمه عظيمة لا تحصى، وآلاؤه جليلة لا تعد، والأمر في ذلك ما قاله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (1).
لقد تجبر إبليس على ربه فعصى، وغمر الحقد والحسد إبليس فحسد آدم وحقد عليه؛ فامتنع من الامتثال لأمر الله تعالى حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم، فقال:
{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (2){قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} (3).
نعم، لقد استكثر إبليس على ربه ما تفضل به على آدم من وجه الإكرام والاحترام، وما خصه به من آيات التقدير، فامتنع على رب العالمين حقدا وحسدا لآدم:
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (4){قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} (5){قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (6){قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} (7){قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (8){ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (9).
(1) سورة إبراهيم الآية 34
(2)
سورة الإسراء الآية 61
(3)
سورة الإسراء الآية 62
(4)
سورة الأعراف الآية 12
(5)
سورة الأعراف الآية 13
(6)
سورة الأعراف الآية 14
(7)
سورة الأعراف الآية 15
(8)
سورة الأعراف الآية 16
(9)
سورة الأعراف الآية 17
وقال تعالى عن الشيطان ورغبته الصادقة في إضلال عباد الله:
{لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (1){وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (2).
بعد خلق الله تعالى لآدم وزوجه في أحسن تقويم، وإنعامه عليهما بصنوف النعم وضروب التكريم، أنعم عليهما بإسكانهما الجنة، قال تعالى:{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3).
ولكن الشيطان قد آلى على نفسه أن يضل من يستطيع إضلاله من بني آدم مبتدئا بآدم نفسه وبزوجه، قال تعالى:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (4){وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (5){فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} (6).
فعصى آدم ربه فغوى، فكان ذلك أول غواية لآدم، وكانت هذه الغواية أول شرارة أطلقها الشيطان في تنفيذ مخططه العدواني لآدم وبنيه، وكانت نتيجة ذلك حكم الله تعالى على آدم وزوجه بحرمانهما من الاستمرار في سكن الجنة، وأمره تعالى بإهباطهم إلى الأرض ليتأصل العداء بين الفريقين:
(1) سورة النساء الآية 118
(2)
سورة النساء الآية 119
(3)
سورة الأعراف الآية 19
(4)
سورة الأعراف الآية 20
(5)
سورة الأعراف الآية 21
(6)
سورة الأعراف الآية 22
(7)
سورة الأعراف الآية 24
ولكن آدم عنصر فطره الله على فطرة الحق فقد ندم ندما عظيما، واستشعر مع زوجه ثقل المعصية:
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1){فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2).
فعصم الله آدم وزوجه من الانقياد لوساوس الشيطان، فيئس إبليس من معاودة الكرة عليهما للغواية والإضلال؛ فاتجه إلى ذرية آدم يبدئ ويعيد، غواية وإضلالا، حتى استطاع أن يوجد بين ولدي آدم هابيل وقابيل ما باعد بينهما، فأضمر أحدهما للآخر ما يضمره العدو لعدوه، حتى وصلت عداوتهما إلى أن قتل أحدهما الآخر عمدا وعدوانا وبغيا وانقيادا لوساوس الشيطان ومكايده، قال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (3){لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (4){إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} (5){فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (6).
ثم إن الله سبحانه وتعالى تابع على بني آدم نعمه، بإرساله رسله إليهم مبشرين ومنذرين ومحذرين من عداوة الشيطان لهم، فكان أول رسول من الله لعباده نوحا عليه السلام، فكان من قومه معه العناد والاستكبار حتى يئس من هدايتهم؛ فأغرقهم الله، إلا من هداه الله فاتبع رسوله فأنجاهم الله من الهلاك، ثم إنه كان من هؤلاء رجال امتازوا على غيرهم بالصلاح والاستقامة وقوة الإيمان، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى
(1) سورة الأعراف الآية 23
(2)
سورة البقرة الآية 37
(3)
سورة المائدة الآية 27
(4)
سورة المائدة الآية 28
(5)
سورة المائدة الآية 29
(6)
سورة المائدة الآية 30
خلفهم بأن يصوروا صورهم وينصبوها في مجالسهم ليكون ذلك ذكرى لما هم عليه من التقى والصلاح فتزيد ذكراهم من تذكرهم في العمل الصالح ففعلوا، حتى إذا هلك أولئك الذين صوروا تلك الصور، جاء الشيطان إلى خلفهم ووسوس إليهم أن الغرض من تصوير هذه الصور عبادتهم، فانقادوا لوساوسه فعبدوهم، وفي هذا المعنى جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد. أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، أو ما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، وفعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. اه.
وبذلك حصل الشرك بالله وعبادة الأوثان، ثم تتابعت القرون تلو القرون، وتتابع إرسال الرسل، فجاءت رسل الله بالحق وبالسلطان المبين مبشرين ومنذرين ومبلغين رسالات رب العالمين، فكان منهم هود: إلى عاد، وصالح: إلى ثمود، ولوط: إلى قومه، وإبراهيم وبنوه وأحفاده وأسباطه، وكان الحق في صراع مع الباطل، والشيطان في حرب مستمر مع عباد الله، يضل ويغوي ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، حتى وصلت الرسالة إلى موسى عليه السلام، فتبعه من بني إسرائيل من تبعه على الرغم مما صار منهم من التعنت والتجبر والاستطالة، والكفر بنعم الله انقيادا لوساوس الشيطان وإيحاءاته، ثم ما برح الشيطان بهم يضلهم ويمنيهم حتى كان منهم من آذى رسل الله بعد موسى بالقتل والتنكيل والاستهزاء والسخرية، وقد كان للشيطان في سبيل الغواية والإضلال طرق مختلفة وخطط ملتوية، فلئن كان هدفه ممن يمكن إضلالهم بالكفر
والجحود والتنكر لحقوق الله تعالى زاد في إغوائهم ليصلوا إلى الكفر بالله وبفضله وبنعمه، بل بوجوده، فهذا ضحيته فرعون يقول: ما علمت لكم من إله غيري، وهذا ضحيته الآخر قارون يقول حينما خرج في زينته واغتر بما تحت يده من كنوز تنوء بمفاتيحها العصبة، يقول في كفر وتبجح بالكفر: إنما أوتيته على علم عندي. ولهذين الضحيتين أمثال وأشكال.
ولئن كان هدف الشيطان ممن يريد إضلاله بالانحراف عن دين الله ممن أنار الله بصائرهم بالهدى واتباع سبل الحق، فإن طريقه نحو إضلالهم: الدخول عليهم من باب الغلو في الدين والابتداع في أصوله وقواعده ومقتضياته، فكان من أحبار اليهود ورهبانهم من حرفوا كتاب الله، وغيروا فيه، وأخفوا ما لا يتفق مع أهوائهم ونزعاتهم، وجعلوا لله شركاء في ملكه وربوبيته وألوهيته، فقالوا: عزير ابن الله، حتى جاءت الديانة اليهودية ديانة ممسوخة مشوهة مبنية على التعالي على عباد الله، واستباحة حرماتهم من أموال ونفوس وأعراض، على حد قولهم: ليس علينا في الأميين سبيل، لقد دأب إبليس وما زال في حرصه ودأبه على القيام بما التزم به من احتناك ذرية آدم وإغوائهم وإضلالهم، فلقد أراد الله لعباده الخير وإنقاذهم من المسالك اليهودية في استباحة حرمات الله وحرمات عباده، حيث كانت المجتمعات الإنسانية تئن تحت وطأة مظالم اليهود وتجبرهم وتعاليهم على غيرهم، ومحاولتهم السيطرة على المجتمعات الإنسانية بدعواهم الآثمة الطاغية:
{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (1) الآية (75) من سورة آل عمران.
وبدعواهم الكاذبة: نحن أبناء الله وأحباؤه. فأرسل الله عيسي عليه السلام رسولا من عند الله مؤيدا بالمعجزات الباهرة، والآيات الدالة على صدقه رسولا من رب العالمين، يدعو الناس إلى إفراد الله بالعبادة والتعامل مع عباد الله بما يحفظ لهم كراماتهم وحقوقهم، وأن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن الكل عباد الله وخلقه، وأن الله تعالى
(1) سورة آل عمران الآية 75
وليهم وحسبهم، فاستجاب لدعوته عدد كبير من عباد الله إلا أن الشيطان غاظته هذه الاستجابة فخطط للفساد والإفساد، والضلال والإضلال، وعامل كل فريق بما يستحقه من أسباب الغواية والكفر والانحراف، فاتجه بثقله إلى أتباع عيسى عليه السلام، يوحي إليهم أن عيسى ليس من طينة البشر، فقد جاء من غير أب، وهذا يعني أن الله أبوه، تعالى الله وتقدس، وأنه يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخبر الناس بما يأكلونه وما يدخرونه في بيوتهم، ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا، فما يقوم به عيسى ليس من جنس المعجزات الدالة على النبوة والرسالة، وإنما هي من القدرات الإلهية، فهو رب من الأرباب، ينبغي أن يعبد كما يعبد رب الأرباب، فغلا فيه قومه وأتباعه حتى جعلوه معبودا مع الله.
ثم اتجه إبليس إلى اليهود المعاصرين لرسالة عيسى عليه السلام ليتمادى بهم في الكفر والضلال، والتجبر والعناد، فكفروا برسالة عيسى عليه السلام ورموا أمه العذراء بالإفك والإثم والفجور، وقالوا عن عيسى إنه ابن زنا وسفاح، وناصبوه وأمه وأتباعه العداء، وهموا بقتله، فقتلوا من ظنوه عيسى، ثم قالوا تبجحا وعنادا وطغيانا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم. ولكن الأمر كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (1){بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (2).
ثم استمر الشيطان في تنفيذ مخططه الغوغائي، فبعد أن استقامت الديانة المسيحية وقتا ما، أوحى الشيطان إلى أحبارها ورهبانها بالوساوس وخواطر السوء، فقاموا بتحريف كتاب الله الإنجيل وتبديله والتغيير فيه،
(1) سورة النساء الآية 157
(2)
سورة النساء الآية 158
وإخفاء ما فيه إقرار حق أو إيجاب عقوبة، ففعلوا بكتاب الله الإنجيل كما فعل اليهود بكتاب الله التوراة، فانحرفت الديانة المسيحية عن الاتجاه السليم، وانطمست معالمها الأصيلة وأصبحت ديانة لا تعرف مقتضياتها إلا من الأحبار والرهبان، يحلون ما شاءوا، ويحرمون ما شاءوا، باسم الإله، وباسم كتاب الله، وقد انتشرت الديانة المسيحية في بعض الجهات والجزيرة العربية كاليمن ونجران وغيرها. أما الحجاز وقلب الجزيرة العربية فقد كان فيها من تدين بالمسيحية إلا أن عبد الشيطان ووليه عمرو بن لحي استجاب لداعي الشيطان وخواطره، فنقل مجموعة من الأصنام، ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا، وغيرها إلى مكة المكرمة وغيرها، ثم تكاثرت الأصنام في مكة وحول الكعبة حتى بلغ عددها ثلاثمائة وستين صنما، فعكف الناس عليها عبادة وتعظيما وأملا في شفاعتها على حد زعمهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1)
ولكن الله بفضله ورحمته وشمول رعايته خلقه قضى بإنقاذ عباده من مكايد الشيطان ومخططاته، فأرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وبعد أن تحولت الديانات السماوية بفعل الأحبار والرهبان إلى ديانات ممسوخة، يمجها العقل، وتأباها الفطر السليمة، سواء ما كان منها متعلقا بعلاقة العبد بربه، أو ما كان متعلقا بعلاقة العباد مع بعضهم، فجاء صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا، ورسولا عاما للثقلين الجن والإنس، مؤيدا بكتاب كريم من رب رحيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيه العظة والعبرة، وفيه الحكمة والموعظة، وفيه الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وفيه التشريع الضامن لأحسن علاقة بين العبد وبين ربه، وبين العباد فيما بينهم ضمن لهم الحفاظ على كامل الحقوق الأساسية - الدين والنفس والعقل والمال والعرض - وعلى كامل ما تفرع عنها مما يعود عليه بالكمال ورفع الحرج.
جاء صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه:
(1) سورة الزمر الآية 3
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1)(التوبة / 128) فبلغ صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، وأمانة من أرسله، ونصح صلى الله عليه وسلم للأمة النصح الكامل، ما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه، فانقاد لدعوته صلى الله عليه وسلم صفوة مختارة من عباد الله، آمنوا بالله، وأخلصوا دينهم لله، وجاهدوا مع رسول الله حق الجهاد، مضحين في سبيل الله بأموالهم وديارهم وأهليهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، وحطم صلى الله عليه وسلم الأصنام التي حول الكعبة وهو يقول:
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (2)(الإسراء / 81).
وكان صلى الله عليه وسلم مدركا أن الشيطان حريص على نقض ما أبرمه صلى الله عليه وسلم من وحدة إسلامية ترجع في حياتها وفي تكييف علاقاتها إلى كتاب الله وإلي سنة رسول الله، وأن مداخل الشيطان على عباد الله مختلفة ومتنوعة، فمن كان إيمانه ضعيفا انقض عليه بخيله ورجله في التشكيك وطرح الشبهات في أصول الإيمان وفروعه؛ حتى يرتد عن دين الله بالكفر والإلحاد والزندقة. وإن كان إيمانه قويا لا مدخل عليه في التشكيك والزعزعة دخل عليه من باب الابتداع، ومن باب الغلو في الدين وأتباعه كما هي حاله لعنه الله مع الأحبار والرهبان من اليهود والنصارى، حيث انقادوا لوساوس الشيطان ومكايده وضلالالته، فحرفوا كتب الله، وغيروا مقتضيات شرعه، حتى صارت ديانات ممسوخة ليس لها عند الله قبول، قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) آل عمران / 85.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدركا طرق غواية الشيطان وإضلاله؛ فركز صلى الله عليه وسلم لحماية هذا الدين على أمرين:
أحدهما: التحذير من الغلو والإفراط في الدين ومجاوزة الحد في المدح والثناء إذا كان ذلك لغير الله، ففي الصحيحين عن عمر بن
(1) سورة التوبة الآية 128
(2)
سورة الإسراء الآية 81
(3)
سورة آل عمران الآية 85
الخطاب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (1)» .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو (2)» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
ولمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون (3)» قالها ثلاثا. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال:«أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (4)» .
ولهما عنها قالت: «لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال: وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم (5)» مساجد يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
ولمسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (6)» .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده (7)» . رواه النسائي وابن ماجه.
ولأبي داود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 47).
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3057).
(3)
صحيح مسلم العلم (2670)، سنن أبو داود السنة (4608)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 386).
(4)
صحيح البخاري الصلاة (434)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528)، سنن النسائي المساجد (704)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 51).
(5)
صحيح البخاري الصلاة (436)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531)، سنن النسائي المساجد (703)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 146)، سنن الدارمي الصلاة (1403).
(6)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(7)
سنن ابن ماجه الكفارات (2117)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 214).
الأموال فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، سبحان الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد (1)».
ولأبي داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: «انطلقت مع وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى. فقلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا. فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان (2)» .
فهذه الأحاديث وغيرها من عشرات الأحاديث ومئات أمثالها كلها تؤكد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على سلامة أمته من وساوس الشيطان وخواطره وإيحاءاته وهمزاته، وتحذر هذه الأمة أن يدخل الشيطان عليها من مداخله على من سبقها من الأمم، من يهودية ونصرانية وغيرهما، فإن أكبر باب للشيطان للضلالة والإضلال هو باب الغلو والابتداع، فلقد نهى صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتجاوزوا الحد في إطرائه ومدحه وتعظيمه، وحمى جناب التوحيد من أن تدنس مقتضياته أو تطمس معالمه، وأوضح في أكثر من مقام أن ضلال من قبلنا من اليهود والنصارى وغيرهم كان بسبب غلوهم في أنبيائهم وصالحيهم حيث كانوا يتخذون المساجد على قبورهم، فيعظمونها على سبيل العبادة، وكانوا بذلك شرار الخلق عند الله، وكانوا بذلك أبعد الخلق عن الله، وكانوا بذلك أولياء الشيطان وحزبه.
{أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (3) المجادلة / 19.
ومع هذا الحرص الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناقل علماء السنة الآثار الواردة في ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وإشاعتها بين عباد الله؛ إلا أن الشيطان
(1) سنن أبو داود السنة (4726).
(2)
سنن أبو داود الأدب (4806)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 25).
(3)
سورة المجادلة الآية 19
كان دائب الحركة في سبيل الغواية والضلال والإضلال، وقد وجد له من الصوفية والمتصوفة من اتخذهم له أولياء واتخذوه وليا فغلوا في دين الله، وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، فاعتقدوا النفع والضر عند غير الله، والمنع والعطاء لدى غير الله، لدى مشايخ الطرق وأدعياء التصوف والدجل والشعوذة أحياء وأمواتا، وصرفوا للمخلوق مما هو محض حق الخالق حقوقا لا تصح نسبتها إلا لله، فهذا البوصيري يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
…
سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا البرعي يقول:
يا سيدي يا رسول الله يا أملي
…
يا موئلي يا ملاذي يوم تلقاني
فأنت أقرب من ترجى عواطفه
…
عندي وإن بعدت داري وأوطاني
وهذا البكري يقول:
وناده إن أزمة أنشبت
…
أظفارها واستحكم المعضل
عجل بإذهاب الذي أشتكى
…
فإن توقفت فمن أسأل
وهذا رابع يقول:
يا سيدي يا صفي الدين يا سندي
…
يا عمدتي بل ويا ذخري ومفتخري
فإنني عبدك الراجي بودك ما
…
أملته يا صفي السادة الغرر
وبالرغم من حركات الشيطان في الغواية والإضلال، وقدرته على اصطفاء مجموعة من عباد الله ليكونوا أعوانا في الضلال والإضلال؛ إلا أن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فلقد وعد الله تعالى بحفظ كتابه من التحريف والتغيير والتبديل، وتم وعد الله؛ فلقد مضى على نزوله أكثر من أربعة عشر قرنا وهو محفوظ بكل وسائل الحفظ سراجا منيرا ومحجة بيضاء، كما أن الله تعالى قيض لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رجالا أتقياء أذكياء صالحين نقلوها إلى الأمة الإسلامية نقية صافية، وبذلك
تحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك (1)» ، وقوله:«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنة رسوله (2)» .
الأمر الثاني من الأمرين اللذين ركز عليهما صلى الله عليه وسلم في حماية الدين: الابتداع في الدين.
لقد عرف العلماء البدعة بأنها طريقة محدثة في الدين يضاهى بها أحد مقتضياته، إلا أن هذه المضاهاة تنطلق من معقول بشري محدود ليس له القدرة على استطلاع حكمة الله في تشريعه، ولا علم الله بما تصلح به أمور عباده، يأتي العقل البشري فيرى حسنا ما ليس بالحسن، ويظن نقصا فيما فيه الكمال، فيقول اجتهادا أو انسياقا وراء هوى أو إغواء شيطان ما ليس في الدين في شيء مما هو محض الإحداث والابتداع.
لقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على تجنيب أمته شر الابتداع؛ فأكثر من ذم الابتداع، وحض الأمة على التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، فقال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (3)» .
وقال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4)» ، وفي رواية:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (5)» .
وقال: «إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (6)» .
ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم ذلك إلا أن التشريع مكتمل، فما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه، وقد حكى الله سبحانه وتعالى كمال الدين فقال:
(1) سنن ابن ماجه المقدمة (44).
(2)
موطأ مالك الجامع (1661).
(3)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(4)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(5)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
(6)
صحيح البخاري الأدب (6098)، سنن الدارمي المقدمة (207).
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) المائدة / 3.
فلقد وقف صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع ومعه جمع كبير من أصحابه، فذكرهم ووعظهم، وبين لهم ما على العبد من حقوق لله وحقوق لعباده، وكان صلى الله عليه وسلم في كل أمر يقول لهم: ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، ثم انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة أتم بلاغ، وأدى الأمانة أتم أداء، ونصح للأمة النصح البالغ، وبين لهم حبائل الشيطان ووساوسه وخواطره ومكائده، ومداخله على العباد.
لا شك أن الابتداع الطريق القصير إلى تشويه الدين، وطمس معالم الإشراق فيه، والتحكم على الله وعلى رسوله، والاشتراك مع الله تبارك وتعالى في التشريع بما لم يأذن به الله، وفضلا عن هذا الأثر السيئ للابتداع؛ فإنه يستلزم أمورا مهينة أهمها ما يلي:
أولا: القول بلسان المقال أو بلسان الحال أن الدين ناقص، وأن هناك جوانب تكميلية ينبغي الأخذ بها تكملة للدين، وفي هذا رد قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2)
كما أن فيه تكذيبا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك (3)» ، فإن من يبتدع يعترف أن لا سند لبدعته من كتاب ولا سنة، ولكنه يدعي أنها عمل صالح. فما صلاح عمل لم يأمر به الله ولم يفعله رسول الله؟! وما صلاح عمل يراد به إكمال ما أكمله الله على أتم وجه ورضيه؟! ولكنها وساوس الشيطان وهمزاته.
ثانيا: إن الابتداع يستلزم القدح في إبلاغ رسول الله رسالة ربه، فلقد أرسل الله بالهدى ودين الحق، وأمره بإبلاغ الرسالة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (4) المائدة / 67،
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
سنن ابن ماجه المقدمة (44).
(4)
سورة المائدة الآية 67
فبلغها صلى الله عليه وسلم أتم بلاغ.
فإذا كان المبتدع يرى في بدعته الخير والعمل الصالح، ويعترف أن لا سند لبدعته من كتاب ولا سنة، ولكنها حسنة في نفسها - حسب زعمه - فإن هذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشاه وكلا - بين أمرين:
إما أن يكون جاهلا بما ينفع الأمة، وأن هناك جملة من جوانب الخير لا يعلمها، فجاء معاصرو القرون المتأخرة فأخروجها للأمة وأضافوها إلى الدين، أو أن يكون صلى الله عليه وسلم يعلم حسن هذه الأعمال المبتدعة، إلا أنه كتمها عن الأمة، وهذا يعني تخونه والقدح في أدائه رسالة ربه، وكلا الأمرين شر وقدح في شهادة أن محمدا رسوله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبرأ عنهما معا.
ثالثا: إن في الابتداع مخالفة صريحة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم أكد ضرورة التمسك بسنته، والابتعاد عن الابتداع والإحداث في الدين، كما أكد أن الإحداث في الدين مردود، ولا شك أن مخالفته صلى الله عليه وسلم مظنة الفتنة. قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) النور / 63.
ولقد فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم هذا الفهم، ففي الجامع لأبي بكر الخلال أن رجلا جاء إلى مالك بن أنس فقال: من أين أحرم؟ قال: من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم منه. فقال الرجل: فإن أحرمت من أبعد منه؟ فقال مالك: لا أرى ذلك. فقال الرجل: ما تكره من ذلك؟ قال: أكره عليك الفتنة. قال: وأي فتنة من ازدياد الخير؟ فقال مالك: فإن الله تعالى يقول:
وأي فتنة أكبر من أنك خصصت بفضل لم يخص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله، واختيار رسوله!
(1) سورة النور الآية 63
(2)
سورة النور الآية 63
لقد حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبليغ الأمة سنة رسول الله من قول أو فعل أو تقرير، وبالغوا في التحذير عما يخالفها من قول أو فعل مهما كان ذلك وعلى أي وجه يكون، ولم يفرقوا في الإنكار بين ما ظاهره الحسن وما ظهر وقولا، فلم يقولوا بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، بل اعتبروا البدعة أمرا منكرا وزورا من القول والعمل، وقولا على الله بلا علم، وتشريعا من الدين بما لم يأذن به الله، حجتهم في ذلك الإيمان بأن الله أكمل دينه، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم بلغ رسالة ربه، وأدى أمانته، وبين لعباد الله خصائص دينهم ومقتضيات أعمالهم، وأن الأخذ بالبدعة يعني مناقضة ذلك الإيمان باعتبار أن البدعة - في ظن مبتدعيها والآخذين بها - إكمال نقص في الدين، كما أن حجتهم كذلك الامتثال للانتهاء عن الابتداع مطلقا مهما كان، وعلى أي سبيل يقع، يستوي في ذلك حسنه وسيئه للعموم في نفي البدع والابتداع، فقد حذر صلى الله عليه وسلم عن الابتداع بلفظ العموم فقال:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» ، وبلفظ الاختصاص والحصر، فقال:«إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (2)» .
ومن حججهم رحمهم الله في رد الابتداع إدراك أن الابتداع باب الشيطان إلى الغواية والإضلال والضلال، فمنه دخل على الأمم السابقة يضلهم ويمنيهم ويغويهم ويزين لهم أبواب الابتداع حتى غيروا كتب الله، وحرفوها وبدلوها؛ فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله.
أدرك أصحاب رسول الله ذلك وكانوا حربا على البدع والابتداع، والإحداث والمحدثات، وفيما يلي مجموعة من الآثار الواردة عن أصحاب رسول الله في محاربة البدعة.
فقد روى محمد بن وضاح القرطبي في كتاب البدع النهي عنها بإسناده، فقال: بلغ ابن مسعود رضي الله عنه أن عمرو بن عتبة - في أصحاب له - بنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد
(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(2)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، سنن الدارمي المقدمة (95).
فهدم، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحا معلوما، ويهللون ويكبرون، قال: فلبس برنسا ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يفعلون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما، قال: فقال عمرو بن عتبة: والله، ما فضلنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما، ولا جئنا ببدعة ظلما، ولكننا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى والذي نفس ابن مسعود بيده، لئن أخذتم آثار القوم لتسبقن سبقا بعيدا، ولئن حرتم يمينا أو شمالا لتضلن ضلالا بعيدا.
وذكر بإسناده عن بعض أصحاب عبد الله بن مسعود قال: مر عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول: سبحوا عشرا، وهللوا عشرا، فقال عبد الله: إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أضل، بل هذه، بل هذه، يعني: أضل.
وروي بإسناده عن أبان بن أبي عياش قال: لقيت طلق بن عبد الله بن كرز الخزاعي، فقلت له: قوم من إخوانك من أهل السنة والجماعة، لا يطعنون على أحد من المسلمين، يجتمعون في بيت هذا يوما، وفي بيت هذا يوما، ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونهما، فقال طلق: بدعة من أشد البدع، والله، لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من غيرهما، ثم استيقظ أنس بن مالك فوثبت إليه فسألته كما سألت طلقا فرد علي كما رد علي طلق، كأنما كانوا على ميعاد.
وروى بإسناده قال: ثوب المؤذن في المدينة في زمان مالك، فأرسل إليه مالك فجاءه، فقال له مالك: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا. فقال له مالك: لا تفعل، لا تحدث في بلدنا شيئا لم يكن فيه، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البلد عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه. فكف المؤذن عن ذلك، وأقام زمانا، ثم إنه تنحنح
في المنارة عند طلوع الفجر فأرسل إليه مالك فقال: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر. فقال: ألم أنهك لا تحدث عندنا ما لم يكن؟! فقال: إنما نهيتني عن التثويب، فقال له مالك: لا تفعل. فكف أيضا زمانا ثم جعل يضرب الأبواب، فأرسل مالك إليه فقال له: ما هذا الذي تفعل؟ فقال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر، فقال له مالك: لا تفعل، لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله تفسير التثويب الذي نهى عنه مالك رحمه الله بأن المؤذن كان إذا أذن فأبطأ الناس قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الفلاح.
وذكر الشاطبي في كتابه الاعتصام قال: وقال ابن حبيب، أخبرني ابن الماجشون أنه سمع مالكا يقول: من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين؛ لأن الله تعالى يقول:
وأختتم هذا البحث بما روى أبو داود والترمذي عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، فقلت: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال:«أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة (2)» . قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الله بن سليمان بن منيع
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
رد أوهام أبي زهرة في حق شيخ
الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب
رحمهما الله
صالح بن فوزان
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد؛ فإنه كان من الواجب علينا احترام علمائنا في حدود المشروع كما قال تعالى:
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (1).
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
(1) سورة المجادلة الآية 11
(2)
سورة الزمر الآية 9
وقال صلى الله عليه وسلم: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب (1)» ولا سيما العلماء المجددون لدين الله، والدعاة المخلصون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن - فكان حقهم علينا الاقتداء بهم، واحترامهم، والترحم عليهم، والدعاء لهم لقاء ما قاموا به من الواجب، وما بينوه من الحق وردوا الباطل - إلا أننا نجد بدلا من ذلك من بعض حملة الأقلام والمتطفلين على العلم والتأليف من يكيل التهم في حقهم ويرميهم بما هم بريئون منه، ويحاول صرف الناس عن دعوتهم بدافع الحقد أو سوء الاعتقاد - أو الاعتماد على ما يقوله أعداؤهم وخصومهم - ومن ذلك أني قد اطلعت على كتاب بعنوان " تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد "، " وتاريخ المذاهب الفقهية "، للشيخ محمد أبي زهرة. تعرض فيه لإمامين عظيمين، وداعيين إلى الله مخلصين، هما: شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - ووجه ضدهما نفس التهم التي يروجها ويرددها أعداؤهما المضلون في كل زمان، حيث تروعهما دعوة الإصلاح، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويريدون أن يبقى الناس في ظلام، ويعيشوا في ضلال، حتى يتسنى لخرافاتهم أن تروج، وما كان يليق بباحث يتحرى الحقيقة مثل الشيخ أبي زهرة أن يعتمد في حق هذين الإمامين الجليلين على كلام خصومهما، بل كان الواجب عليه وعلى كل باحث منصف أن يرجع إلى كلام من يريد أن يقدم للناس معلومات عنه من كتبه، ويوثق ذلك بذكر اسم الكتاب المنقول عنه، مع ذكر الصفحة والسطر، حتى تحصل القناعة التامة من صحة ما يقول؛ لأننا والحمد لله في عصر قد وضعت فيه ضوابط للبحث العلمي، وأصبح لا يقبل فيه إطلاق القول على عواهنه من غير تقيد بتلك الضوابط،
(1) سنن الترمذي العلم (2682)، سنن أبو داود العلم (3641)، سنن ابن ماجه المقدمة (223)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 196).