الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لتأخذوا عني مناسككم (1)» فالصواب لا بد منه مع الإخلاص في العبادة، وكل عمل ليقبل عند الله ويكون ناجحا في الدنيا، كما تشمل الاستطاعة الشرعية وجود محرم للنساء، فلا يجوز سفر المرآة حتى لو كان السفر لحج أو عمرة دون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لامرآة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم (2)» .
وفي هذا اللقاء الدولي الواسع تتسع دائرة التعارف والتحابب والتآخي في الله إلى دائرة الإنسانية المسلمة، وتتجاهل الفوارق العرقية والقومية والدولية، ويشهد المسلمون منافع لهم في معرفة أحوالهم وما لديهم من إيجابيات يستفيدون منها، وسلبيات يتعاونون على التخلص منها ويلتقي القادة والموجهون والعلماء والمفكرون لإعادة الدولة المسلمة وتوحيد صفوف الأمة، ونسف الحواجز الفاصلة والمجزئة، والقضاء على الخلافات والفوارق بينها؛ فتعود إلى عز وحدتها وقوة تماسكها، وتتبوأ مكان الصدارة والشهادة بين الناس، وتؤدي رسالتها العالمية في قيادة البشرية الشاردة، وإعادتها لعبودية ربها، وتعاون أممها وتسخير ما خلق لها ربها في حضارة الخير والرشاد والصلاح والوداد لحضارة المادة والروح والعلم والأخلاق؛ فتسعد البشرية وتسعد من حولها ويتحقق قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (3).
ويتحقق قول رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه أحمد ومسلم والنسائي.
(2)
متفق عليه.
(3)
سورة الصف الآية 9
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 103).
إفشاء السلام:
إن توافد الرجال إلى مسجد الحي خمس مرات يوميا لتأدية الصلاة، ولقاء بعضهم بعضا بالابتسامة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تبسمك في وجه أخيك صدقة (1)» ، وتحية بعضهم بعضا بتحية الإسلام، وتحية أهل الجنة:" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "، فهذه الجملة التي تربط المسلم بالمسلم عليه برباط يبدأ باسم الجلالة، وينتهي به أو بضمير يعود إليه هي رباط إلهي بين مسلمين بأخوة الإسلام، هذا السلام الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وسائل التحابب في الله عندما حض على إفشائه بين المسلمين. كما أن التحابب في الله أحد النماذج السبعة التي تستظل بظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وقد زهد بتحية الإسلام وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام كثير من مسلمي اليوم، وقد أهملوا وسائل التحابب وخيره الوفير، وأجره العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فحل التباغض والنفور محل المحبة والوئام، والعداوة والبغضاء محل المودة والإخاء واستبدل بعضهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، عندما فضل تحية الأمم الأخرى محل تحية الإسلام، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيا بتحية الجاهلية عم صباحا أن يستبدلها بتحية خير منها، ألا وهي تحية الإسلام، كما بين عليه الصلاة والسلام الكيفية عندما سأله أحد الصحابة قائلا:«يلقى أحدنا أخاه أيقبله؟ قال: لا، قالوا: أينحني له؟ قال: لا، قالوا: أيصافحه؟ قال: نعم (2)» .
وكم هو مؤسف ما يتبناه اليوم بعض من ينتسب للإسلام في تحيتهم للمسلمين بتحية غيرهم من الأمم تقليدا لهم وانقيادا وتبعية إليهم في الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يكون أبعد الناس عن التقليد وخاصة في دين العزيز الحكيم الذي جعل العلم والمعرفة فرضا على كل مسلم ومسلمة ما دام منح من خالقه العظيم نعمة العقل ونعمة آيات الله المسطورة والمنظورة؛ لأن التقليد جهل، والعلم والتقليد يتنافران ولا ينشط أحدهما إلا في غياب الآخر، وقد نهى الأئمة رحمهم الله أتباعهم عن التقليد وحضوهم على
(1) رواه الترمذي في باب البر 36.
(2)
رواه الترمذي في باب الاستئذان 31.
التبصر بالأحكام ودراسة الأمور والبحث عن الأدلة واختيار ما صح منها، وما زالت أقوالهم تشهد وتحكم على خطأ كثير ممن ينتسب إليهم اليوم فقد قلبوا الأمور فأباحوا التقليد، بل وأوجبوه عندما قسموا الأمة إلى مجتهدين ومقلدين فقط، وأغلق بعضهم باب الاجتهاد صراحة، وبعضهم جعلوه مستحيلا بالتشديد على شروطه، والأغرب من ذلك أن بعض من تقلد مناصب الإفتاء في بعض بلاد المسلمين أقر على نفسه بالتقليد الذي هو رديف الجهل، فالمقلد هو العامي الجاهل الذي فرض دينه عليه أن يتعلم، وجعل العلم فوق العبادة ليجتاز مرحلة التقليد هذه بسرعة؛ لأنها غير مرغوب بها، وإنما تباح مؤقتا في حالة عدم العلم بأمر الله ورسوله.
وحقيقة الأمر أن الأمة تقسم إلى ثلاث طبقات: المجتهدون والمتبعون والمقلدون، ولا يعقل لمقلد الأمس أن يطفر فيصبح مجتهد اليوم دون أن يمر على مراحل، مرحلة مرحلة، وبعض المراحل قد تستغرق عمره، وهي مرحلة الاتباع التي يأخذ فيها أدلة الأحكام الشرعية من قول الله تعالى وقول وفعل وإقرار رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه أجمعين.
وبعضهم عوضا أن يلتقي مع أخيه ويبادره بتحية الإسلام يبادره بقوله تقبل الله، التي لا ضير منها إذا تبعت تحية الإسلام لا أن تحل محلها. وبعضهم وقع في ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخسر أجر إحياء السنة عندما التزم تقبيل الأيدي أو الرأس أو الوجه أو الانحناء، كل هذا صد لقوله عليه الصلاة والسلام «. . . . وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم (1)» . . .، وهي جملة في خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بها خطبه، ونهيب بالإخوة الدعاة وخطباء المساجد والوعاظ تذكير الناس بها عمليا إحياء لهذا السنة المباركة عند افتتاح الخطب عموما وخطب الجمعة والأعياد خصوصا.
أما على أثر السفر فقد ورد عن بعض الصحابة المعانقة والمصافحة بين المسلمين تسبب تساقط ذنوبهم كما تتساقط أوراق الشجر حسب الحديث
(1) صحيح البخاري الأدب (6098)، سنن الدارمي المقدمة (207).
الصحيح، على أن تكون ضمن الجنس الواحد أو مع المحارم، أما مصافحة الرجال للنساء فهي محرمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأن يطعن رأس أحدكم بمخيط خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» ، فلم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء مطلقا واكتفى بأخذ البيعة من نساء بيعة العقبة الثانية شفاها، وقال:«إني لا أصافح النساء (1)» . . . . رواه أحمد بسند صحيح.
وهكذا تتبين لنا الحكمة في أمور متعددة:
1 -
عندما جعل الرجل المعلق قلبه في المساجد أحد السبعة تحت ظل العرش، وذلك بسبب سعة صحبته وتحاببه مع إخوانه المصلين.
2 -
عندما منع الإسلام المصلي أن يلتزم مكانا خاصا في المسجد؛ لأن ذلك يحد من اختلاط وتعارف المسلمين.
3 -
ما نجده لدى بعض المسلمين من تغيير المكان عند صلاته النفل، وهذا له حكمة في إتاحة جوار جديد للمصلي، وزيادة الاختلاط والتعارف بين المصلين، وأن تشهد له الأرض التي صلى عليها يوم القيامة.
في المسجد: وعندما يأتي المسلم لبيت الله يجب عليه اختيار أنظف وأفضل الثياب لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (2).
واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعة له في حضه على السواك وحبه للطيب وأمره بالاغتسال كل يوم جمعة كحد أدنى فضلا عن اغتسال الطهارة.
هذه الأمور تجعل المسلم مهتما بنظافة جسمه ولباسه؛ لأنه يتردد على بيوت الله كل يوم خمس مرات، وهكذا الإسلام نظافة المظهر ونظافة القلب إلا أنه يلقى اليوم من بعض أتباعه كل بلاء وإيذاء فلا يدركون هذه الحقائق ولا يمتثلون لها في واقع حياتهم، حيث نجدهم ويا للأسف في بعض بيوت الله
(1) سنن الترمذي السير (1597)، سنن النسائي البيعة (4181)، سنن ابن ماجه الجهاد (2874)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 357)، موطأ مالك الجامع (1842).
(2)
سورة الأعراف الآية 31
تفوح منهم ومن ألبستهم روائح كريهة تؤذي المسلمين والملائكة في بيوت الله.
ويجب أن يكون المجيء لبيت الله بوقار وسكينة؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا ومافاتكم فأتموا (1)» .
وكذلك في واقع الحياة يجب أن تكون تصرفات المسلم تتصف بالاتزان والسكينة والوقار؛ لأنه نموذج وقدوة حسنة.
يدخل المسجد مبتدأ باليمنى قائلا: (بسم الله، اللهم صل على محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، وهذا ما يعلمنا في واقع الحياة التيامن في كل شيء، فنبدأ من اليمين في الضيافة والدخول والخروج والمصافحة حتى لو كان أصغر القوم، وهذه مثالية المساواة التي لم تعرفها حتى الديمقراطية التي يتبجحون بها، وكذلك يعلمنا في واقع الحياة أن نبدأ أمورنا كلها بذكر الله كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر وجزئية أن نفتتحه بذكر الله وقد استبدلت، ففي بعض بلاد المسلمين - ويا للأسف - افتتاح المنجزات المادية باسم الشعب أو الوطن أو غيرها. عوضا أن تكون موحدة باسم رب العالمين العزيز الحكيم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم، المقدر لذلك الأمر والمسهل سبحانه لكل أمر صعب.
إن حضور المصلين إلى المساجد غالبا ما يكون خلال وقت يبدأ بالأذان وينتهي بانتهاء الجماعة مما لا يتيح لهم فرص اللقاء على نطاق واسع، وتبقى في هذا الوقت الذي يسبق قيام الفريضة تحية بيت الله بصلاة ركعتين سنة في جميع الأوقات قبل الجلوس حتى أثناء الخطبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا أتى أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وليتجوز بهما (2)» .
حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استثنى سنة تحية المسجد من
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان 20.
(2)
رواه البخاري في كتاب الجمعة - 33.
أوقات الكراهة، وتتوقف كل صلاة نفل عند الإقامة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1)» .
وهذا يفيدنا في واقع الحياة تفضيل الأهم الواجب على المهم المندوب عندما يقعان في وقت واحد، ومن يدخل المسجد وقد شرع المصلون في صلاة الفجر فيسرع في صلاة السنة، ثم يلتحق بالفريضة يكون بالإضافة إلى مخالفته للحديث السابق، وتقديم رأيه أو رأي من قلده على الدليل قد حرم نفسه شطرا من صلاة الفريضة في الوقت الذي أدى نفلا في هذا الوقت فضلا عن عدم اطمئنانه في نفله.
أما تحية المسجد في المسجد الحرام فيسبقها الطواف سبعة أشواط حول الكعبة، ولا بد من السلام على المصلين والملائكة بتحية الإسلام، إلا أثناء الخطبة فلا سلام ولا كلام، وإلقاء السلام سنة حتى لو كان المصلون في الصلاة، ورده واجب، وفي هذه الحالة يكون برفع اليد اليمنى موازية للأرض وراحتها للأسفل اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسبب جهل كثير من المسلمين لهذه السنة أهملوها بل ولا يردونها وهم في الصلاة، بل إنهم يستنكرون هذه السنة من أصلها بسبب بعدهم عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد حرص الإسلام على لقاء المسلمين عند انتهائهم من صلاة الجماعة في حضه على جعل صلاة النفل في البيوت، وأكد على صلاة الفريضة في المسجد مع الجماعة، فعند انتهائها يخرج المسلمون في وقت واحد، وهذا ما يتيح لهم فرصا أكبر في اللقاء والتعارف والتحاب والتعاون على البر والتقوى، كما أن تأدية السنن في البيت تعلم الصغار الصلاة عمليا من آبائهم وأمهاتهم والكبار، واليوم مع الأسف ترك بعض المصلين صلاة الجماعة الراتبة وجعلوها في بيوتهم في بعض بلاد المسلمين، وبعضهم الآخر أهمل صلاة النفل في البيت وجعله بمثابة المقبرة. ونقل صلاة السنن
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710)، سنن الترمذي الصلاة (421)، سنن النسائي الإمامة (865)، سنن أبو داود الصلاة (1266)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 455)، سنن الدارمي الصلاة (1448).