المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض، مع الأدلة والمناقشة

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌الفتاوى

- ‌ كان مرة يتوضأ فلفت نظره أحد الناس إلى لمعة في قدمه

- ‌ اغتسال الجنب في الماء الدائم

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌رجل غاب عن زوجته أربع سنوات ثم ولدت بعد المدة المذكورة فهل يلحقه الولد

- ‌ كتابة بعض الآيات من القرآن لتعلق

- ‌رجل صائم في رمضان واشتد به العطش فشرب

- ‌ حكم الطريقة التيجانية

- ‌البدعة وأثرهافي الانحراف في الاعتقاد

- ‌أولا: ما نسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌ثانيا: ما نسبه إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الأسس المنهجية لموقف أهل السنةمن قضية الصفات وضوابطها

- ‌قضية الصفات وأهميتها:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌أسس موقف أهل السنة من قضية الصفات وضوابطه:

- ‌الخلاف حول صفات الحركة:

- ‌صفات الحركة في الآخرة:

- ‌منهج وتطبيقه:

- ‌اعتراض وجوابه:

- ‌خاتمة:

- ‌شيخ الإسلام ابن تيميةحامل راية الكتاب والسنة

- ‌حياته ونشأته:

- ‌كبار مشايخه:

- ‌براعته في تفسير القرآن الكريم:

- ‌براعته في علوم السنة:

- ‌دعوته للرجوع إلى الكتاب والسنة:

- ‌تجديده لمعالم الدين:

- ‌محاربته للعقائد والأفكار المضادة للكتاب والسنة:

- ‌محاربته للتصوف الزائف:

- ‌استقلاله في أخذ الفقه من الكتاب والسنة:

- ‌المحن التي ابتلي بها:

- ‌زهده في الدنيا ومكارم أخلاقه:

- ‌وفاته - رحمة الله عليه

- ‌أسس اختيار الزوجة

- ‌اجتناب المحرمات:

- ‌رضا المخطوبة

- ‌موافقة الولي

- ‌النظر إليها

- ‌عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجيالصحابي السفير

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌عمرو بن حزم في التاريخ

- ‌رؤية فكرية وتاريخيةلرعاية الحرمين الشريفين

- ‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

- ‌ثانيا: مواجهة الحرمين الشريفين للحركات المعادية قديما:

- ‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌إفشاء السلام:

- ‌أوقات الصلاة:

- ‌الإمام والصفوف:

- ‌الإمام والمؤتمون:

- ‌متى ثبتت رؤية الهلال ثبوتا شرعيا وجب العمل بها

- ‌تعقيب على فضيلة الشيخعبد الله كنون

- ‌قرار هيئة كبار العلماءرقم 148 وتاريخ 12/ 1 / 1409ه

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

اقتضت حكمة الله أن يجمع الموحدين من البشر على قبلة واحدة، فأوحى الله إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام أن يقيم قواعد البيت العتيق ليكون أول بيت يذكر فيه اسمه، وليكون أيضا مثابة للناس وأمنا، تشد الناس إليه الرحال من كل فج عميق.

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (1).

وقد شاء الله تعالى أن يبقى هذا البيت مصدرا للإشعاع والنور الرباني منذ أن أقيمت قواعده إلى أن تقوم الساعة، وجاءت الرسالة المحمدية بحكم أنها خاتمة الرسالات لتقر هذا المعنى وتؤكد هذه الحقيقة، إذ أمر المولى تعالى رسوله الكريم بالتوجه إليه في الصلاة بعد أن توجه إلى بيت المقدس ما يقرب من ستة عشر شهرا؛ وذلك ليعيد لأمة التوحيد متمثلة في الأمة المحمدية قيادة ركب البشرية وهدايتها، يقول الله تعالى:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2).

فلا غرو بعد هذا أن تكون قبلة أبي الأنبياء " إبراهيم خليل الرحمن " رمزا للتوحيد، ومظهرا حقيقيا للإيمان، تشرئب إليها القلوب، وتتطاول إليها أعناق المسلمين؛ لأنها مظهر وحدتهم، وسر اجتماع كلمتهم، ومحور شعائرهم، وقد أكد القرآن الكريم هذه المعاني في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3).

ومن هذا المنطلق أرسى النبي صلى الله عليه وسلم للبيت العتيق رسالته الصحيحة، وسن للمسلمين شعائر حجهم على أكمل وجه، وجعلها ركنا أساسيا من أركان الإسلام لا يكتمل إسلام المرء بدونه.

(1) سورة الحج الآية 28

(2)

سورة الحج الآية 78

(3)

سورة البقرة الآية 144

ص: 311

ومن هذا التاريخ تصدرت مكانة الحرم المكي وأخذت الكعبة المشرفة أهميتها البارزة في عقيدة المسلمين وسائر عباداتهم، ثم عاش النبي - صلوات الله وسلامه عليه - الفترة الباقية من النبوة في المدينة المنورة يرسي قواعد الدولة الإسلامية متخذا من مسجده الشريف مقرا لإدارة الدولة، ومدرسة فكرية لتربية أصحابه، يزاولون فيه شعائر عباداتهم، ويتلقون من نبيهم تعاليم دينهم إلى أن استبان المنهج، واكتملت الرسالة، ولم يعد سوى أن يتابع رجاله السير على هداه، وبعدها لحق رسولنا الكريم بالرفيق الأعلى، تاركا لنا ميراث نبوته في كتاب الله وسنته المشرفة.

ومن هذا المنطلق احتل مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في طيبة الطيبة في حياته وبعد مماته مكانته المقدسة في قلوب المسلمين جميعا، وبجواره رقد النبي صلى الله عليه وسلم رقدته الأخيرة إلى أن يلقى ربه، وصار المسجد النبوي ثاني الحرمين الذي تشد إليه الرحال من كل فج؛ ليشارك الحرم الأول رسالته السامية في تعميق مشاعر الإيمان في قلوب المؤمنين.

وإيمانا بأهمية رسالة كل من الحرمين الشريفين حرص خلفاء المسلمين ومن جاء بعدهم من الحكام على إبقاء هذه الرسالة حية ومتجددة على الدوام، تؤتي أكلها وثمارها في كل حين، وذلك برعايتهما وصيانتهما من كل حركة معادية أو اتجاه هدام؛ لأن إلحاق الضرر - لا قدر الله، مهما كان نوعه أو درجته يمس الحرمين من قريب أو بعيد - إنما هو ضرر يمس قبل كل شيء عقيدة المسلمين، ويوهن من مشاعرهم وشعائرهم، وتؤدي إلى تمزيق وحدتهم التي من الله عليهم بها في قوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (1).

وإن كانت خدمات حكام المسلمين من: أمويين وعباسيين وفاطميين وعثمانيين وسعوديين إزاء هذين الحرمين عبر فترات التاريخ الإسلامي قد تنوعت، فشملت السقاية والرفادة وكسوة الكعبة،

(1) سورة آل عمران الآية 103

ص: 312

والتوسعة والبناء والترميم، وجميعها بلا شك خدمات جليلة يشهد بها التاريخ في الماضي، ويقرها الواقع اليوم، فإن هناك بجانب هذه الخدمات رعاية أخرى أسمى وأعمق؛ لنواجه بها بكل حزم وقوة تلك الاتجاهات المضللة والنحل الضالة، التي أرادت أن توهن من قدر هذه المقدسات، وأن تبعد أنظار المسلمين عنها إلى أماكن أخرى مزعومة، ومراكز فكرية تبث سمومها الإلحادية ضد معتقد المسلمين، وتغزو عقولهم غزوا فكريا يصعب انتزاعه، وفي اعتقادي أن مثل هذه الرعاية تعد أسمى أنواع الرعايات وأنفعها، وسوف تعود بالخير العميم على الحرمين من جهة، وعلى المسلمين من جهة أخرى، حتى يظل التأثير والتأثر بين الطرفين باقيا، وتظل المناعة الوقائية للحرمين ضد شتى الحملات العدائية قوية وباقية. فإذا تهيأ للحرمين أداء دورهما على هذا النحو انسابت آثارهما قوية في نفوس المؤمنين تعصمهم من كل بدعة أو انحراف، وتصحح المعتقد كلما طرأ عليه من الظواهر والمتغيرات ما يحيد بهم عن المنهج الرباني؛ فإنه لا يسوغ لأحد من أهل التوحيد أن يشد رحاله إلى غير الحرمين والمسجد الأقصى، أو يمكث في الأرض بعيدا عنهما، كما ينبغي أن تمتد حركة التصحيح بوسائلها المختلفة من هذين الحرمين إلى الطوائف المخالفة لهذا الحكم الإسلامي؛ لأن هذين الحرمين مصدران للإشعاع الإيماني الذي يواجه كل باطل وانحراف.

ولم تقتصر رسالة الحرمين على مواجهة النحل الضالة وقطع دابرها من الأرض، وإنما لمن يقوم بخدمتها دور قيادي باعتباره الممثل الشرعي للمسلمين، والجامع لكلمتهم، والمعبر عن آمالهم، وهذا الدور الطليعي ينبغي أن يؤتي ثماره في المجالين الإسلامي والدولي، وعلى كافة محاور الأنشطة الدينية والسياسية والحربية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الدور الطليعي الذي يضطلع به من يقوم بخدمة الحرمين ليس هو وليد اليوم، وإنما هو تكليف شرعي شرف الله به كل

ص: 313