المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض، مع الأدلة والمناقشة

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌الفتاوى

- ‌ كان مرة يتوضأ فلفت نظره أحد الناس إلى لمعة في قدمه

- ‌ اغتسال الجنب في الماء الدائم

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌رجل غاب عن زوجته أربع سنوات ثم ولدت بعد المدة المذكورة فهل يلحقه الولد

- ‌ كتابة بعض الآيات من القرآن لتعلق

- ‌رجل صائم في رمضان واشتد به العطش فشرب

- ‌ حكم الطريقة التيجانية

- ‌البدعة وأثرهافي الانحراف في الاعتقاد

- ‌أولا: ما نسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌ثانيا: ما نسبه إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الأسس المنهجية لموقف أهل السنةمن قضية الصفات وضوابطها

- ‌قضية الصفات وأهميتها:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌أسس موقف أهل السنة من قضية الصفات وضوابطه:

- ‌الخلاف حول صفات الحركة:

- ‌صفات الحركة في الآخرة:

- ‌منهج وتطبيقه:

- ‌اعتراض وجوابه:

- ‌خاتمة:

- ‌شيخ الإسلام ابن تيميةحامل راية الكتاب والسنة

- ‌حياته ونشأته:

- ‌كبار مشايخه:

- ‌براعته في تفسير القرآن الكريم:

- ‌براعته في علوم السنة:

- ‌دعوته للرجوع إلى الكتاب والسنة:

- ‌تجديده لمعالم الدين:

- ‌محاربته للعقائد والأفكار المضادة للكتاب والسنة:

- ‌محاربته للتصوف الزائف:

- ‌استقلاله في أخذ الفقه من الكتاب والسنة:

- ‌المحن التي ابتلي بها:

- ‌زهده في الدنيا ومكارم أخلاقه:

- ‌وفاته - رحمة الله عليه

- ‌أسس اختيار الزوجة

- ‌اجتناب المحرمات:

- ‌رضا المخطوبة

- ‌موافقة الولي

- ‌النظر إليها

- ‌عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجيالصحابي السفير

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌عمرو بن حزم في التاريخ

- ‌رؤية فكرية وتاريخيةلرعاية الحرمين الشريفين

- ‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

- ‌ثانيا: مواجهة الحرمين الشريفين للحركات المعادية قديما:

- ‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌إفشاء السلام:

- ‌أوقات الصلاة:

- ‌الإمام والصفوف:

- ‌الإمام والمؤتمون:

- ‌متى ثبتت رؤية الهلال ثبوتا شرعيا وجب العمل بها

- ‌تعقيب على فضيلة الشيخعبد الله كنون

- ‌قرار هيئة كبار العلماءرقم 148 وتاريخ 12/ 1 / 1409ه

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة

هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية، إذ الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية، وما يتبع ذلك الضعف من الانتقاض والاضمحلال الملازم له سوف يقضي بعد انتشاره في كل الجهات إلى انحلال الروح الدينية من أساسها لا إلى نشأتها بشكل آخر ".

أما عن المرحلة الأخرى وهي الهدم فيقول: ". . . ولكننا نعود فنقول: إنه مهما اختلفت الآراء في نتائج أعمال المبشرين من حيث الشطر الثاني من خطتهم، وهو " الهدم "، فإن نزع الاعتقادات الإسلامية ملازم دائما للمجهودات التي تبذل في سبيل التربية النصرانية، والتقسيم السياسي الذي طرأ على الإسلام سيمهد السبل لأعمال المدنية الأوروبية، إذ من المحقق إن الإسلام يضمحل من الوجهة السياسية، وسوف لا يمضي غير زمن قصير حتى يكون الإسلام في حكم مدينة محاطة بالأسلاك الأوروبية ".

هذا هو الخطر المعادي الثاني، والذي يتمثل في الحقد الصليبي في العصور الوسطى، وما تمخض عنه اليوم من حركات تنصيرية أخذت طريقها في بلاد المسلمين.

ص: 323

‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة

.

يواجه الحرمان الشريفان اليوم تحديات كثيرة، البعض منها يمسها مباشرة، والبعض الآخر يمس الإسلام: عقيدته وشريعته، وتاريخه ولغته ونظمه وثقافته وفكره، والبعض الثالث يستهدف المسلمين أنفسهم؛ لكسر شوكتهم وتمزيق صفهم، وإبعادهم عن دينهم الحنيف، وانتزاعهم من ماضيهم المجيد، وليس بخاف على أحد أن التحديات الثلاثة تعمل جميعها في مخطط واحد، تعاونت قوى الشر والضلال على تنفيذه بكل دقة، فجندت له كل عربيد خارج عن الدين، وشحذت له كل لسان متفوه، واستأجرت له كل قلم مريب، ثم نفخت في كير كل دعوة منشقة عن

ص: 323

الإسلام، وقدمت لها الدعم المالي والسياسي في كثير من أرجاء عالمنا الإسلامي.

وقد تسربت هذه التحديات جميعا إلى عقول المسلمين في غفلة منهم، فإن ما تمر به أمتنا الإسلامية اليوم كان حصاد قرن من الزمان، عمل خلاله الاستعمار العسكري الأوروبي بتوجيه الصهيونية العالمية لحسابه، وتمكنت من اقتطاع فلسطين لحسابها، ودبرت الجولات الثلاث مع إسرائيل، حصدت فيها ثلاثة أجيال من الأمة، وأشعلت نار الحرب في أماكن إسلامية أخرى: كحرب الصحراء المغربية، وحرب الصحراء المغربية وحرب الخليج، واحتلال أفغانستان، مع عربدة على الساحة العربية في غزة والضفة الغربية للأردن والجولان، وتهويد بيت المقدس، واحتلال جنوب لبنان، ومذابح صبرا وشاتيلا والبقاع.

وفي ظل العتمة الحالكة التي شغلت المسلمين عن وجودهم المعنوي جاء الغزو الفكري الجائح للموقع الديني برمته: مقدساته وفكره ومعتنقيه، مستهدفين قبل كل شيء ذلك الحصن المنيع الذي يعد مناط الأمة وأساس وجودها وبقائها. فماذا أعدوا لذلك؟

أ - العزلة الفكرية بين جناحي الأمة الإسلامية.

لعبت عوامل كثير في اصطناع هذه العزلة وفرض جدار قوي يحول دون التبادل الثقافي والفكري بين جناحي الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب، ومن هذه العوامل ما هو تاريخي يعود إلى جذور شعوبية أو عصبية بغيضة قضى عليها الإسلام بتعاليمه السمحاء، ومنها ما يعود إلى الاستعمار وحلفائه من الصهاينة والماسونية والماركسيين الذين دعوا إلى ظهور الدعوات المختلفة لتعميق الهوة الفاصلة بين رقعة العالم الإسلامي، وترسيب كثير من الرواسب التي ساهمت في إثارة مواقف فكرية مضادة، كان مؤداها ظهور القوميات التي مزقت الكيان الفكري

ص: 324

والاجتماعي للأمة الإسلامية، فبرزت القومية الهندية، والفارسية والفرعونية والكردية والبربرية، إلى غير ذلك من دعوات عملت على تعميق الهوة والاختلاف، وإشعال جذوة الصراع الفكري والعقدي بين مسلمي الجناحين؛ فلا يصح في عقل ولا منطق أن تتجاوز كل من القاديانية في قاديان، والبهائية في شيراز حدودهما الجغرافية من بلاد فارس، وما كان دعاتها المؤسسون سوى بقايا الشعوبية الحانقة على الإسلام، فإذا كانت اليهودية العالمية بشهادة الوثائق هي التي بشرت بالبهائية والقاديانية وروجت لهما حتى تكاثرت خلاياهما في عالم اليوم، فكيف استطاعت هاتان النحلتان أن تغزوا فكرنا المعاصر من حيث لا ندري، وقد أعيا اليهود منذ القدم أن تنفذ إليه، فكيف أفلحت إذن كل من هاتين النحلتين الآسيويتين؟ بلا شك أنه عمل صهيوني خطير قصد منه تمزيق أواصر الوحدة الفكرية التي نعم بها المسلمون قرونا طويلة.

وفي إطار تمزيق الوحدة الفكرية الذي بدأ مع ليل الاستعمار البغيض، أصبحت بلاد المسلمين مرتعا خصبا للإرساليات التبشيرية، والبعثات العلمانية الأجنبية من كل جنس وملة، فنشبت أظفارها في ديارنا تتولى أبناء المسلمين منذ نعومة أظفارهم وتتعهدهم بالتربية والتعليم والتثقيف لتخرجهم غرباء من وطنهم، وقد فرطوا في عناصر أصالتهم، وجهلوا حقائق تاريخهم.

ومما يستغرب له حقا أنه حتى بعد رحيل الاستعمار عنا، فإن الإشعاعات الثقافية الغربية ما زالت ماثلة في عقولنا، وما زلنا نستقي العديد منها دون أدنى تمييز بين الصالح والطالح منها، نكرر كلام الأساتذة المستشرقين بدون وعي، ونرجع إليهم فيما ينشرون من أبحاث، ونأخذ عنهم كل ما يقولون، وبين ثنايا الكتب سهاما مسمومة موجهة وجهات معينة، الهدف منها تعميق الهوة بين مفكري الأمة الإسلامية.

ص: 325

وليس من المستغرب أيضا أن يكون لبعض مفكرينا دور بارز في هذه العزلة الثقافية، فإن كان في عالمنا العربي والإسلامي مناطق ذات جغرافيات مختلفة، ولكل منطقة ظروفها الخاصة، فإننا لا نخشى من هذه الخصوصيات؛ لأنها أخيرا تصب في مورد واحد، وبالتالي لا ضير من اختلاف المناهج الثقافية إن تعددت مواردها بشرط الاحتفاظ بأصالتها من جهة وبإمكانية انفتاحها على الثقافات الأخرى إن كان اللقاح بينهما سيؤدي في النهاية نتاجا مشتركا يحمل هوية عربية إسلامية، ولكن مما يؤسف له أن بعض مفكرينا لم يأخذ بهذه النظرية وتمسك بأفكار مسبقة أخذت مكانتها في أذهان المفكرين، وكأنها مسلمات أصبح من الصعب انتزاعها مع شعور بالكبر والتعالي حينا، أو شعور بالرضا والقناعة حينا آخر، كل في بيئته قانع بما عنده، ولا يشعر بضرورة الانفتاح الفكري، وتبادل التأثر والتأثير مع غيره في المشرق أو المغرب الإسلاميين.

ومن هنا أصبح من الضروري أن نلتقي للتعرف على أنفسنا، ولا نخش مطلقا من اختلاف الآراء ووجهات النظر للتخلص أولا من العقد المتراكمة في نفوس بعضنا، ومن الرواسب التاريخية والبيئية والقومية التي خلفها لنا الماضي القريب والاستعمار العنيد، ثم ننهض معا بعد ذلك لتلمس أوضاعنا الثقافية والفكرية والدينية التي تعانيها اليوم أمتنا الإسلامية لنجد لها حلولا مناسبة، تعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا، وترد إلينا عزتنا وكرامتنا، ونتحول بها تحولا كبيرا، ولا عجب في ذلك، فإن التحولات الكبرى في العالم بدأت من المثقفين وأصحاب الفكر وأرباب الأقلام في كل أمة.

ومما يحمد حقا أن الله قد من على أمتنا بنخبة من المفكرين والمثقفين في شتى مجالات الفكر الإسلامي موزعين في الجناحين: الشرقي والغربي، وجميعهم يمكن أن يناط بهم دور قيادي أمام جماهيرنا العربية والإسلامية، يعملون على هدم الجدار القائم بين هذين الشطرين، ويساعدون على تخفيف العزلة، وتيسير الأوضاع والعقليات في بلادنا.

ص: 326

وفي اعتقادي أن للحرمين الشريفين رسالتهما المهمة في تخفيف هذه العزلة الفكرية التي ابتليت بها أمتنا العربية والإسلامية، والتي تعد في نفس الوقت من أخطر الحركات المعادية، فإن موقع الحرمين الشريفين في ملتقى الجناحين الإسلاميين كان بمثابة همزة الوصل الفكري بين مسلمي الشرق والغرب، والمحطم لجدار العزلة الثقافية الذي أقامه الاستعمار منذ أكثر من قرن من الزمان، فقد كانت وفود الحجيج من قارة آسيا وإفريقيا وأوروبا تلتقي جميعها بأفكارها وعقولها ومشاعرها حول شعائر واحدة، متجردين من كل نزعة إقليمية أو جنسية أو مذهبية، متخذين من موسم الحج مؤتمرا إسلاميا يتدارسون فيه أوضاعهم ومشاكلهم، ويتبصرون بالمخاطر التي تحف بهم، وبعقيدتهم وشريعتهم الغراء، ثم يعودون إلى بلادهم وقد ذابت العقد الفكرية تماما، وانفتح مفكرو الشرق على ثقافة أهل الغرب، والتقى الجميع حول معتقدات فكرية واحدة، وأصول ثقافية إسلامية محددة، محافظين على قيم أمتهم الكبرى والصغرى، التي سار عليها المسلمون قرونا متطاولة، بعيدين عن الانبهار بالثقافات الغربية أو اعتقادات أصحاب النحل الضالة.

ب) العلمانية وتجميد المشاعر الدينية نحو المقدسات:

تشكل العلمانية خطرا داهما على الإسلام والمسلمين بوجه خاص، وعلى سائر الديانات بوجه عام، وتكمن خطورة هذه الدعوة في شعارها الذي تنادي به دوما، وهو فصل الدين عن الدولة، والذي ينعكس بالتالي على الإسلام والمسلمين، فهم يرون أن الدين له مجالاته في العبادات والشعائر، بينما للعلم وللعلماء قيادة الركب الحضاري والسياسي في الدولة، ولا يخفى على أحد أن لهذه الدعوة آثارها السلبية في تجميد المشاعر الدينية، والانزواء بها بعيدا عن تيارات الحياة مما أدى إلى تفشي المادية، والاستغراق في اللذات، وغياب القيم الروحية، والانفلات عن كل التزام بدعوى التطور العلمي والتقدم التكنولوجي، وإن كان الأمر يفضي

ص: 327

إلى ذلك، فما جدوى الحج وتكبد المشاق في سبيله؟ هل يعود بفائدة على أولئك الذين رانت المادة على قلوبهم وانطفأت معها كل جذوة دينية؟ الإجابة على هذا التساؤل أعتقد أننا نعرفها جيدا؛ لأن الحج ركن من أركان الإسلام، وأن الدين الإسلامي برمته في نظرهم لا مكانة له عند العلمانيين.

ومن الغريب أن تطالعنا العلمانية هذه الأيام بتفسير عصري للقرآن الكريم، تستخدم فيه لغة الكمبيوتر، فنرى العلماني الدكتور محمد رشاد خليفة خبير التنمية الصناعية بالأمم المتحدة، وإمام مسجد مدينة توسان الأمريكية، في طبعة دار الفكر بدمشق لمحاضراته التي ألقاها بالكويت بعنوان " تسع عشرة دلالة جديدة في إعجاز القرآن " قال بعد أن لفت الأنظار إلى أن عدد حروف البسملة تسعة عشر، وأنه عندما تتبع كلماتها وجد أن كل كلمة فيها مضاعفة عن العدد 19 على النحو التالي:

كلمة اسم تتكرر 19 مرة.

لفظ الجلالة (الله) يتكرر في القرآن 2698 مرة، وهو 19 × 142.

كلمة الرحمن تتكرر في القرآن 57 مرة، وهو 19 × 3.

كلمة الرحيم تتكرر في القرآن 114 مرة، وهو 19 × 6.

وبعد أن يقدم هذا الحساب الإلكتروني المذهل يقول: " كيف يمكننا أن نصدق أو نعتقد بأن رجلا أميا يعيش في القرن السابع الميلادي بين البدو في الصحراء دون أن يتعلم من الحساب شيئا من هذا كالنسبة المئوية أو المكررات الحسابية، قال لنفسه: إنني سأكتب كتابا كبيرا تكون الجملة الأولى فيه مكونة من تسعة عشر حرفا، وتتكرر كل كلمة فيه عددا من المرات من أضعاف الرقم تسعة عشر.

وتلقى الناس قوله بانبهار، وخفي عليهم سر الرقم (19) الذي تدور حوله عقيدة البهائيين في قولهم: بنهاية الأمة المحمدية، والتبشير بالبهاء، وبقيام الساعة عام 1709هـ، فالهدف من لغة الكمبيوتر هنا هو غزو

ص: 328

الفكر الإسلامي بتأويلات الباطنية؛ لتجوز على المسلمين وصبغتها بصبغة خداعة براقة تخفى منابعها السامة، وينطلي على الناس أنهم يكشفون عن جديد في إعجاز القرآن العلمي، النظري التكنولوجي.

وهكذا نرى تواطؤا كبيرا بين العلمانيين أعداء الدين، وبين أصحاب الفرق الضالة في استخدام الأسلوب العلمي لطمس معالم القرآن الكريم، وهدم الاتجاهات الدينية الصحيحة، والتركيز على أهم دعامتين تقوم عليهما حياة المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل، وهما: انتهاء دور الرسالة المحمدية، ثم زعزعة عقيدة المسلمين في قيام الساعة، فهل يبقى للحرمين الشريفين بعد هذا كله من مكانة في نفوس الناس، والعلمانيون يبثون سمومهم على هذا النحو؟ إذن ما هو سر الرقم (19) الذي شغل به العلمانيون المسلمين عن قضاياهم الأساسية؟

من أقوال المتهمين البهائيين ولا سيما الرسام حسين بيكار يمكن أن نوضح لغز الرقم (19)، إذ تعلق عليه البهائية أهمية قصوى على النحو التالي.

- البهائي يخرج من ماله 19% من صافي ربحه لبيت العدل في حيفا لتوزيعه على المحافل الدولية.

- السنة تسعة عشر شهرا، والشهر تسعة عشر يوما.

- قيمة صداق النساء في المدن تسعة عشر مثقالا من الذهب الإبريز، وصداق أهل القرى من الفضة، ومن أراد الزيادة حرم عليه.

- تجديد أسباب البيت بعد انقضاء تسعة عشر عاما.

- من يغضب أحدا، عليه أن ينفق تسعة عشر مثقالا من الذهب.

وهكذا ترى العدد (19) ومضاعفاته يدخلان كأساسين في معتقد البهائية، يدخلان في طقوس استقبال وتوديع الميت، ومهور النساء، وتأديب الصبيان، وكفارة إكراه أحد على السفر، ودخول بيت أحد قبل إذنه، وأحكام الصلاة والطهارة من الجنابة ومن الحيض، وطقوس

ص: 329

خدمة البيت والهيكل، وعدد أبوابه وتجديده بعد مضي (19) سنة، وحدود السرقة والسلب والنهب، وطقوس الجلوس في الخضرة، وعدد مرات الاستغفار كل يوم، وأحكام الأذان، ودية القتل، إلى غير ذلك من أحكام تدور في فلك العدد (19)، وضعها الباب في كتاب " البيان ".

وعن طريق مضاعفات الرقم (19) قال الكمبيوتر عن طريق عملية أجراها الدكتور محمد رشاد خليفة يحدد فيها موعد قيام الساعة سنة 1709هـ، وقد قامت جريدة (المسلمون) في عددها الثامن من سنتها الأولى بكشف هذا الادعاء العلماني البهائي تحت عنوان (الكمبيوتر يشترك في مؤامرة الرقم 19، ادعاء بهائي أن العالم ينتهي سنة 1709هـ) ثم نشرت في العدد التاسع تعقيب عدد من السادة العلماء على هذا الادعاء بعنوان: (الرقم 19 آخر فضائح الحركة البهائية) علماء المسلمين يقولون: هدف اللعبة شغل المسلمين عن مشاكلهم الحقيقية.

جـ) الباطنية ومفرزاتها: البهائية - القاديانية

تشكل كل من البهائية والقاديانية اليوم كنحلتين من النحل الإسلامية المنشقة خطرا أكيدا على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم التي شرفهم الله بها، وسوف نتعرض في عجالة لأهم أخطار هاتين النحلتين؛ حتى ندرك أبعاد المخطط الصهيوني الذي تلقف دعاتها ومريديها بالدعم المالي والسياسي والتمكين لهم في أرض الإسلام.

1 -

البهائية وتحويل قبلة الصلاة:

تتمثل أخطار البهائية فيما أدخلوه على القرآن من تحريفات وتأويلات باطنية، وتبني مفاهيم عقدية تنافي المعتقد الإسلامي الصحيح، وفي صرف المسلمين عن أماكن حجهم ومقدساتهم، كما تشتد خطورتها في

ص: 330

ارتباطها منذ نشأتها حتى اليوم مع اليهود والصهيونية والاستعمار، وهذه كلها إثباتات موثقة بالأدلة والبراهين.

- فقد جاء في كتاب الأقدس الذي يزعم البهائيون أنه يحتوي على أحكام البهائية، وهي منزلة على بهاء الله من الله سبحانه وتعالى " لا تحسبن أنا نزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار، يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحي، تفكروا يا أولي الألباب. إذا أردتم الصلاة فولوا وجوهكم شطري الأقدس المقام المقدس، الذي جعله الله مطاف الملأ الأعلى، ومقبل أهل مدائن البقاء، ومصدر الأمر لمن في الأرضين والسماوات).

ومن يومها تغيرت القبلة في الصلاة من جهة مكة إلى الاتجاه الذي يقيم فيه بهاء الله، ومقامه الأقدس في عكا، وقد أعطوه قدسيته بتأويل الآية الأولى من سورة الإسراء

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (1) الإسراء / 1.

فالمكان الذي باركه الله حول المسجد الأقصى هو عكا.

- تأويل آيات الله بطريقة عصرية تخدم أغراضهم وأغراض العلمانيين معا، ولنقف على بعض الأمثلة.

فهم يؤولون آية الكرسي على النحو التالي: كرسي الله هو قلب المؤمن، والعقل هو العرش، والجسد هو اللوح المحفوظ الذي يكتب عليه على الجينات الوراثية في خلية الجنين قدر المولود وحياته.

ويؤولون بشرية الرسل في قولهم: " إن بشريتهم هي السر الإلهي ستر الله به النبوة في ثوب بشري عادي تأكل الطعام، وتمشي في الأسواق، حتى لا يبتذل السر بالإظهار والاشتهار.

كما نراهم يؤولون خطاب الله لموسى عليه السلام: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} (2) طه / 12.

(1) سورة الإسراء الآية 1

(2)

سورة طه الآية 12

ص: 331

أن المقصود بالنعلين هما: (النفس والجسد، والله يصورهما كنعلين؛ لأنهما القدمان اللتان تغوص بهما الروح في عالم المادة).

كما أنهم يؤولون عذاب الجحيم للعصاة يوم القيامة فيقولون: (ها هو الله يبين لنا حقيقة جديدة، إذ إنه يورد الألفاظ للتخويف، ولكنه ليس تخويفا من غير أساس، إنه مثل تخويفك لابنك حينما تحذره من إهمال نظافة أسنانه، وتقول له: إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة فإن الفئران سوف تأكل أسنانك، تقوله محبة منك ورحمة بطفلك، وبالطبع لن تأكل الفئران أسنانه، ويفسر الله لنا الحساب، فيقول:

{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (1) الإسراء / 14.

حتى الحساب هنا يبدو أنه حساب النفس للنفس، تعالى ذو الجلال أن يحاسب أمثالنا، وأن يعذب أمثالنا، وإنما لزم كل واحد علمه كظله ولا خلاص. ولكن هذه المعاني تضيع في النظرة المتعجلة السطحية والوقوف عند الحروف وعند جلجلة الأصوات والألفاظ التي وصف الله بها القيامة، كلها ألفاظ رهيبة ذات جلجلة وصلصلة تقرع الآذان).

- وإن كانت البهائية نحلة على غير ديننا اعترفت بها المحافل الدولية، وانتشرت محالفها في أوروبا إلا أن خطرها ينصب على الإسلام والمسلمين فقط؛ لأنها مسخرة لتنفيذ مأرب الصهيونية العالمية فبعد مقتل الباب (ميرزا علي محمد الشيرازي) عام 1250م وظهور بهاء الله الذي بشر به الباب، نرى الصيهونية العالمية تلقي بشباكها فتلتقط هذا المدعي الدجال لتسخره في قضاء مآربها، وعلى الرغم من تضييق الدولة العثمانية على نشاط هذا الدعي وإعدادها لقتله حفاظا على الدين، نرى العصابات اليهودية تسارع إلى نقله بعيدا عن خطر الخلافة الإسلامية ليحط رحله في مدينة عكا، وفي هذه المدينة وفي ظل الحماية اليهودية أعلن البهاء خروجه عن الإسلام، واعتبر نفسه نبيا

(1) سورة الإسراء الآية 14

ص: 332

ناسخا للديانة الإسلامية، وألقى تعاليمه إلى أتباعه، والتي احتواها كتاب الأقدس.

وليس بغريب بعد أن لقي البهاء دعما من اليهودية والحماية البريطانية أن يعبر عن فرحته بسقوط الخلافة التركية الإسلامية، وأن يعترف بفضل الاحتلال البريطاني لفلسطين الذي مكن له ولليهود من احتلال هذا البلد، إذ اتخذ منه أكبر وكر يجتمع فيه الحلفاء من الصهاينة والبهائيين لشراء الذمم والضمائر، وإحاكة المؤامرات ضد المسلمين، وتأسيس المحافل البهائية، والخلايا السرية لغزو المسلمين في أفكارهم ومعتقداتهم.

- ومما زاد من خطورة هذه النحلة الضالة ارتباطها الأكيد بالماسونية أكبر مفرزات الصهيونية العالمية، ومما يؤكد وجود تلك العلاقة المشبوهة أن تنظيم المحافل البهائية جاء متسقا تماما مع تنظيم المحافل الماسونية؛ فكلاهما يلتزمان طابع السرية التامة في التكتم على أسماء الأعضاء خوفا من أن ينكشف أمرهم أمام المسلمين فيبطش بهم الحكام، كما يهدفون من جهة أخرى إلى بناء الشخصيات القوية في المواقع الحيوية الحساسة في غفلة من المسلمين، ثم توجيهها لصالح كل منهما حتى يتمكنوا من القبض على أزمة الأمور، وتحريكها وفق مخططاتهم وأهدافهم المنشودة.

وكان تأهيلهم لهذه المناصب الحيوية منصبا على الشباب المسلم الذي تحول ظروفه المادية والعلمية عن الالتحاق بالجامعات الإسلامية إذ يسروا لهم منحا دراسية في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وصنعوا منهم رجالا مشهورين ذاع صيتهم في المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية، حتى إذا عادوا إلى بلادهم عادوا وحولهم هالة كبرى مصطفاة، وقد انتحلوا أسماء غير أسمائهم وجنسيات غير جنسياتهم، ولكن انبهار الأهلين بهم قد أعماهم عن حقيقتهم وأهدافهم التي قد تنكشف إن

ص: 333

أراد الله بهم خيرا، كما حدث في قصة الجاسوس اليهودي الذي انتحل صفة مغترب في الأرجنتين، وظهر في سورية باسم (كامل أمين ثابت)، وبعد أن افتضح أمره تبين أنه الجاسوس الإسرائيلي (كوهين).

2 -

القاديانية والحج إلى قاديان

تنتسب النحلة القاديانية المنحرفة إلى مؤسسها ميرزا غلام أحمد الذي ولد في قاديان بولاية البنجاب بالهند سنة 1839م في الوقت الذي هيمن فيه الإنجليز على قلب الهند، والتوغل إلى أجزاء منها، ولكن البنجاب كانت في أيدي طائفة السيخ، ثم سرعان ما سقطت نهائيا في أيدي الإنجليز، الذين عملوا على جذب ذلك المدعي إليهم، واحتضان دعوته الضالة، والتبشير لها في أرجاء القارة الهندية لتأخذ طابعا قوميا دينيا لعزلة الجناح الهندي الآسيوي عن جسم الأمة الإسلامية.

- يقول الكاتب الهندوسي الدكتور (1)" سنكرداس " في أحد كتبه مخاطبا الهنود: " إن من أهم المسائل التي تواجهها بلادنا الآن هي كيف نستطيع أن ننشئ نعرة القومية في قلوب المسلمين، وقد حاولنا معهم كل المحاولات، محاولات للتحريض والترغيب، ولكن مسلمي الهند لم يتأثروا من هذه الأشياء كلها، وإلى الآن هم يتصورون أنهم شعب مستقل، ويتغنون بأغاني العرب، وإن استطاعوا لجعلوا الهند قطعة عربية، في هذا الظلام الدامس لا يرى محبو الوطن والقوميون الهنود شعاع نور إلا من جانب واحد هو جانب القاديانية، كلما يكثر المسلمون ميولا إلى القاديانية يتصورون القاديان قبلتهم وكعبتهم بدل مكة، وهكذا يقتربون إلى القومية الهندية، فلا يمكن أن يزيل التهذيب العربي والروح الإسلامية إلا ارتقاء القاديانية، فينبغي لنا أن ننظر إلى القاديانية بوجهة القومية الهندية، فيقوم رجل من خطة

(1) جريدة المسلمون عدد 63 لسنة 1406هـ.

ص: 334

" بنجاب " هندية، ويدعو المسلمين إلى اتباعه، فمن يتبعه يصير مسلما قاديانيا بعد أن كان مسلما فقط، ويعتقد في الأمور الآتية:

إن الله يرسل حينا بعد حين رسلا لإرشاد الناس وهدايتهم.

فقد أرسل إلى العرب زمن جاهليتهم محمدا رسولا.

ثم احتاج الله سبحانه إلى نبي آخر فأرسل ميرزا غلام أحمد، وعندما سئل عن أهمية ذلك قال: أنه لو أسلم هندوسي ينتقل من " رام "، و" كرشنا " و" جيتا " إلى القرآن والعرب، هكذا وبنفس الطريقة حينما يصير المسلم قاديانيا تتغير وجهته، ويقل حبه لمحمد، وينقل خلافته من الجزيرة العربية وتركيا إلى القاديان. فكل قادياني يقدس الهند؛ لأن القاديان في الهند، وغلام أحمد هندي، وخلفاؤه كلهم هنود، ولأجل هذا ينظر المسلمون إلى القاديانية نظرة شك وريب).

ويفسر العلامة أبو الحسن الندوي (1) هذا الاتجاه، ويراه قضية شاذة في التاريخ الإسلامي؛ لأنها بهذا المقياس تزاحم الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ومضت عليه هذه الأمة؛ لأنها تريد أن تحل محله في العقيدة والفكر والعاطفة، وتستولي على نصيبه من الطاعة والحب والاحترام والتقديس، والوصول إلى هذا الغرض، فإنها تقارن بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين رفقة غلام أحمد، ثم يربطون بين قاديان ومكة المكرمة في المكانة والقدسية والحج إليها، فلا غرو أن يقول المرزا بشير الدين محمود:" لقد قدس الله هذه المقامات: مكة والمدينة وقاديان " ثم يفسر قوله تعالى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (2) يصدق على مسجد قاديان.

وخلاصة هذا أن القايادنية هي حركة كغيرها ضالة، تميزت بالعصبية الشعوبية التي حنقت على الإسلام منذ إشراقته في هذه البلاد، فهي تريد أن تخلق لنفسها دينا كالدين، ونبيا كالنبي صلى الله عليه وسلم، ومقدسات كالمقدسات

(1) القادياني والقاديانية. مرجع سابق، ص117 - 120.

(2)

سورة آل عمران الآية 97

ص: 335

حتى تعلي من قدرهم وتعوضهم الحرمان والنقص الذي عاشوا به يكيدون للإسلام وللمسلمين، ومما يؤسف له حقا أن هذه النحلة الكافرة قد تمكنت من إيجاد عدة مراكز لها في ثلاث عشرة دولة إسلامية، قد أبانت عنها جريدة المسلمون في عددها الثالث والستين عام 1406م، ويتبع كل مركز عدد من المدارس والمساجد والصحف.

هاتان نحلتان من النحل المنشقة عن الإسلام، والتي تستهدف في المقام الأول مقدسات المسلمين في مكة والمدينة، وكلتا النحلتين من مفرزات الباطنية، إذ إنهما يستقيان معظم الأفكار والمبادئ من تلك الفرقة.

لذا يكون من الأفضل أن نتعرض لتعاليم الباطنية بشيء من الشرح والتفصيل؛ لندرك كنه كل دعوة انشقت أو تنشق فيما بعد عن الإسلام؛ لأنه من المؤكد أنها ستنشق من الباطنية وإن أخذت مسميات أخرى.

3) نظرة فاحصة لأصول الفكر الباطني:

وتعد الباطنية من أخطر الحركات المضادة للإسلام بصفة عامة، ولفريضة الحج بصفة خاصة، وتكمن خطورتها في مبادئها السرية التي تقوم عليها، والتي ما زال يكتنفها الغموض حتى يومنا هذا، إذ ما زالت أمهات كتب المذهب الباطني مجهولة المكان، وما نشر منها حتى الآن يعد قليلا بجانب المفقود منها أو المختفي في جهات سرية. ومن أجل هذا السبب لم تنقطع الدعوة الباطنية عن الظهور بين الحين، وتسمى في كل مرة باسم مجددها أو باعثها كتلك الدعوة المسماة بالقاديانية والبهائية، ومنتحلي النبوة. من أجل هذا يلزمنا أن نقف وقفة متأنية - بقدر ما نعرفه عن الباطنية - تستجلي طبيعة الفكر الباطني، ونتعرف على منابع الفكر حتى يتسنى لنا فهم الدور الخطير الذي تلعبه الآن هذه الفرق في تشويه العقيدة الإسلامية، وتمزيق كيان الأمة.

والباطنية إحدى فرق الشيعة المغالية، التي ظهرت في مطلع القرن الثالث الهجري، والتي تأثرت تأثيرا كبيرا بالفكر الغنوصي، الذي

ص: 336

يشكل نظرية مختلطة من عدة مذاهب وعقائد بشرية من ملامحها: القول بوجود إلهين: إله الخير وإله الشر، أو النور والظلام، وتدعو إلى شيوعية النساء والأموال، واستباحة المحرمات، وقد غزت هذه الأفكار العالم آنذاك، وظهرت في ديانة المصريين الفراعنة، والفرس والآشوريين والبابليين، والهنود والصين، وعندما جاءت الديانات السماوية اختلط هذا الفكر بالفكر السماوي، وكان حصيلة هذا الاختلاط تضاربا في المفاهيم لا حدود له، كالقول بالحلول والتجسيد، وقدم العالم، والتناسخ، وعبادة الملائكة، وإنكار بعث الأجساد، ورد الأرواح إلى الأبد، إلى غير ذلك من أفكار غايتها الخروج عن الضوابط والقيم والحدود التي شرعتها الديانات السماوية للعباد (1).

ويشير الدكتور علي سامي النشار أن كلمة غنوص (تعني المعرفة، ثم اتخذت هذه الكلمة بعد ذلك اصطلاحا خاصا، مؤداه التوصل إلى المعارف العليا بنوع من الكشف، أو محاولة تذوق المعارف الإلهية تذوقا مباشرا، بأن تلقى في النفس إلقاء، وبمرور الوقت تبلورت مبادئ الغنوصية، وصارت تجمع عصارات فكر المذاهب الفارسية والسريانية والأفلاطونية والمانوية والزرادشتية والديصانية والمزدكية)(2).

وقد قاومت الديانتان اليهودية والمسيحية هجوم الغنوصية، ولكنهما سلمتا منها بل أسهمت في تشكيل أغلب أفكار هاتين الديانتين حتى يومنا هذا، أما الإسلام فقد واجهها بعنف منذ ظهور عبد الله بن سبأ، الذي قال بحلول الإله في بعض عباده، ورجعتهم بعد موتهم الظاهري، قال ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وعن الإمام علي، إذ ينكر قتله، ولو أتوه برأسه ميتا سبعين مرة. وعلى الرغم من مقاومة الإسلام والمسلمين لهذا الغنوصي اليهودي إلا أنه أخذ يتنقل بأفكاره تلك بين العراق ومصر والشام، ويؤسس الخلايا السرية لهدم الإسلام، وينضم إليه الكثيرون من الرعاع والحاقدين من اليهود والمجوس والشعوبيين وغيرهم، إلى أن

(1) أنور الجندي. الإسلام والدعوات الهدامة. دار الكتاب اللبناني. بيروت، ط أولى 1974م، ص13.

(2)

أنور الجندي. الإسلام والدعوات الهدامة. دار الكتاب اللبناني. بيروت، ط أولى 1974م، ص15 - 16.

ص: 337

تضخمت هذه الخلايا إبان القرن الثالث الهجري، واتخذت من سلمية - إحدى بلدان حماة في الشام - وكرا سريا لها.

ويعد ميمون القداح العامل بالقداحة - وهو من اليهود الآخذين بفكر الغنوصية - المؤسس الحقيقي للباطنية، والذي انضم إلى الشيعة من آل البيت ليناصرهم - على حد زعمه، ولكنه دس فيه من السموم والإسرائيليات والتأويلات الباطنية ما أصبح من العسر فهمه، وقد ساعدت فترة الستر التي عاشوها في سلمية على ازدياد ذلك الغموض. وعلى كل حال يمكننا أن نميز ثلاثة أصول قامت عليها الباطنية ومفرزاتها:

الأول: الفلسفة اليونانية وما يتصل بها من مصطلحات ورموز وعلم الإلهيات.

والحقيقة أن علم الإلهيات ذلك ما هو إلا علم الأصنام عند اليونان، إذ فلسفوه وأضافوا إليه بعض الرموز الفنية ثم توارثتها الأجيال، حتى وصلت إلينا مترجمة إلى العربية. وهذه الفلسفة بفروعها تعارض بلا شك قواعد التوحيد الإسلامي؛ لأنها تعارض النبوة والوحي والجزاء، وقد لجأ إليها المترجمون من السريان واليهود إبان عصر ازدهار الترجمة؛ ليتخذوا منها وسيلة لهدم الدين، وإسقاط التكاليف والدعوة إلى الإباحية المطلقة، وقد انعكس ذلك بالتالي على مقدسات المسلمين وتعطيل أعمال الحج وطمس شعائره.

والعجيب أن المسلمين الأوائل كانوا على حذر من هذه الفلسفة عندما أقبلوا على ترجمة علوم اليونان، إذ لم يكن دافعهم الترجمة المطلقة، وإنما أرادوا منها العلوم الطبيعية والرياضيات، وعارضوا بشدة ترجمة الإلهيات والميتافيزيقا اليونانية؛ لأنهم كانوا حريصين على ألا يختلط هذا العلم بعلوم الدين الإسلامي حتى تبقى لهذه العلوم الإسلامية طابعها الإيماني الصحيح.

ص: 338

وقد بدأت طلائع غزو الفلسفة اليونانية لفكرنا الإسلامي مع مجيء " عبد الله بن المقفع " الفارسي المجوسي الذي ادعى الإسلام، فهو الذي نقل إلى العربية الفكر المجوسي، وكان تمهيدا لترجمة كتب الإلهيات الوثنية والإغريقية والفارسية، ومن أبرز كتبه التي ترجمها كتاب " ديستاو " وهو كتاب مزدك الذي يحتوي على جملة عقائده وأفكاره، كما يعد كتاب " كليلة ودمنة " من أخطر الكتب التي قام بترجمتها، إذ أضاف إليه بابا من إنشائه سماه " برزويه " أراد به بث سموم المجوسية إلى المسلمين، فنراه في هذا الباب ينقد الدين، ويتكلم عن تعارض الأديان، وعن عدم التوصل إلى اليقين إلا بالعقل وحده، الذي يعد في نظره أعظم وسيلة للمعرفة (1).

وقد تنبه مفكرو المسلمين الأوائل إلى خطورة هذا العمل الذي قام به ابن المقفع، فنجد البيروني يشير إلى ذلك في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة)(2)، ويركز بصفة خاصة على الباب الذي أضافه بعنوان " برزويه "، ويشير إلى دهاء ابن المقفع الذي أراد به تشكيك ضعاف الإيمان في دينهم، أو الاتجاه بهم إلى الدعوة المانوية، كما أشار الخليفة العباسي " المهدي " إلى زندقة ابن المقفع قائلا:" وما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع "(3) هذا، وعلى الرغم من إحساس المسلمين الأوائل بخطورة هذا الكتاب إلا أنه للأسف الشديد يلقى في هذا الأيام قبولا وإعجابا، بل لم يقف بنا إلى هذا الحد، وإنما يقرر في مدارس بعض البلدان العربية على أنه نموذج من نماذج الأدب الرفيع.

الثاني: التأويل، ويعد من أهم المبادئ التي قامت عليها أفكار الباطنية. إذ قالوا: إن لظواهر القرآن والأحاديث النبوية بواطن، ثم ميزوا بين ظواهرها وبواطنها، وفضلوا الباطن الذي في نظرهم لا يعرفه إلا الإمام أو من ينوب عنه، من هنا فسروا آيات القرآن تفسيرا باطنيا، وحرفوا معانيها تحريفا مقصودا يخدم أغراضهم وأفكارهم، ثم أولوا أركان الشريعة

(1) علي سامي النشار. مناهج البحث عند مفكري الإسلام، أنور الجندي. الإسلام والدعوات الهدامة ص26 - 27.

(2)

الإسلام والدعوات الهدامة ص28.

(3)

محمود عبد الرحيم صالح. حركة الشعر في دمشق تحت الحكم الفاطمي، رسالة دكتوراة. آداب عين شمس ص114.

ص: 339

لمعان أخرى ورموز غريبة، يهيئون بها العامة من الناس للتشكك والتذبذب حتى إذا ما تم لهم ذلك انتقلوا بهم انتقالا عقديا مغايرا تماما لمعتقدهم الإسلامي الصحيح، ألا وهو المعتقد الباطن.

وهذه الفكرة مأخوذة بلا شك من نظرية " المثل والممثول "(1) عند (أفلاطون)، إذ إنه يرى أن ما في العالم الحسي من أشباح يقابلها في العالم العلوي مثل عليا، وكذلك رأت الباطنية أن في عالم الدين مثلا لممثولات في العالم الروحاني، وسموا ظاهر الدين مثلا، وبواطنها الروحانية ممثولا، وطبقوا هذه النظرية الأفلاطونية على العقيدة الإسلامية وشريعتها الغراء، وجعلوها معتقدهم الباطني، وندع العلامة أبا الحسن الندوي (2) يحدثنا عن خطورة هذه النظرية على الإسلام والمسلمين، يقول:". . . . . لذلك اختاروا للوصول إلى هدفهم أسلوبا لا يزعج المسلمين ولا يثيرهم، هو الفرق بين الظاهر والباطن عن طريق الصلة القائمة بين الكلمات والمصطلحات الدينية ومعانيها، فإذا انقطعت هذه الصلة بين الكلمات والمعاني الأصلية وفق تأويلاتهم، وأصبحت الكلمات لا تدل على معان خاصة كان يدركها المسلمون تسرب الشك ثم الاختلاف إليها، وأصبحت الأمة الإسلامية بعد ذلك فريسة لكل دعوة وفلسفة ".

وسوف ندلل على ذلك ببعض الأمثلة لما أولوه في أركان الإسلام، عن الأصل الذي سنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جعلوا أركان الإسلام سبعة بدلا من خمسة على النحو التالي:

1 -

الطهارة: يرمز لها إلى إنكار كل المذاهب ما عدا مذهب الإمام، ويكون التطهير في نظرهم من الذنوب والمعاصي بالحكمة والعلم، والماء الذي يتطهرون به هو العلم.

2 -

الصلاة: هي رمز للدعوة والاتصال بالإمام والتعلق به، ويعبرون عن الإمام بالقبلة، وعن ظهوره بطلوع الشمس، وعن موته بمغيبها.

(1) محمود عبد الرحيم صالح. حركة الشعر في دمشق تحت الحكم الفاطمي، رسالة دكتوراة. آداب عين شمس ص114.

(2)

من كتاب رجال الدعوة والفكر (بتصرف).

ص: 340

3 -

الزكاة: هي رمز إلى الحكمة التي ينبغي إيصالها إلى المستحقين وطالبي منهج الحق، والمال الذي يخرجه المزكي هو العلم الذي ينبغي ألا يبخل به الداعي على من يستحقه، وقسموا الأموال المزكاة درجات وفق علم وحكمة الداعي، ولهم في ذلك أقوال كثيرة لا داعي لسردها.

4 -

الصيام: هو رمز للإمساك عن كشف الحقائق الخاصة بالمذهب لغير أهلها، وعدم إفشاء أسرار الدعوة، ويرمزون بالإفطار عن ظهور الإمام من وراء أصحابه، وإظهار المعاني الإلهية والسرائر المكنونة، والعلوم المخزونة.

5 -

الحج: يرمزون به إلى زيارة إمام الزمان وقصد الأئمة من آل البيت دون سواهم، ويؤولون أركان الحج تأويلا باطنيا على النحو التالي:

- الكعبة هي النبي، وعلي بابها.

- الإحرام: هو الخروج من مذهب الأضداد.

- المزدلفة: هي معرفة قوانين الحكمة.

- النحر والحلق: هما إزالة الباطل وإظهار الحق.

- رمي الجمار هو نفي الشر والظن والوهم من العلوم والأعمال.

- التماس الحجر الأسود: هو قبول الدعوة من الناطق المؤيد.

السعي: هو تميمم الدعوة والوفاء.

وهكذا تلمس التأويل قاعدة أساسية في شتى عقائد الباطنية وتشريعاتها، وفي تناولهم للقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف.

والتأويل بهذه الصورة يعد الداء العضال الذي منيت به هذه الفرقة، وحاولت أن تنفثه في عقول المسلمين في كل وقت، ولعل أفكار القاديانيين والبهائيين لأكبر دليل على ذلك.

الثالث: نظرية الصدور أو الفيض، وهذه النظرية من النظريات الواضحة في الفكر الباطني.

ص: 341

وتعد أحد الأسس التي قامت عليها فكرة الإمامة الدائمة والمطلقة، فهم يعتبرون أن للعالم أدوارا مختلفة، وأن الملة القائمة في كل دور تختلف بسنتها وشكلها عن الملة السابقة، والعالم في نظرهم يمر في سبعة أدوار، وعلى رأس كل دور نبي ناطق حامل رسالة إلهية، والأنبياء الستة هم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وسابع هو المهدي المنتظر، ويرى الباطنية أن لكل نبي من الأنبياء الستة الأوائل عمدة وأساسا يسمونه (الصامت)، وهو الذي يكشف باطن الشريعة للأشياع؛ لأنه مستودع علم النبوة، ويزعمون أيضا أن كل نبي متبوع بسبعة أئمة يبلغ سابعهم في كل دور أعلى مرتبة الإمامة فيصير ناطقا، وتعمل كل مجموعة سداسية من الأنبياء الصامتين على تدعيم عمل الناطق الذي سبقها، والتمهيد للناطق الجديد الذي يخلفه، وهكذا دواليك حتى تقوم الساعة.

وقد ترتب على فكرة الفيض نتائج خطيرة أدلت بدلوها كمعتقد فكري، ومن أخطر هذه النتائج:

1 -

فكرة تعاقب أدوار الأئمة التي لا آخر لها، ما دام الفيض باقيا ومستمرا، فالأئمة الناطقون متعاقبون، وهذا يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن خاتم الأنبياء، ولا آخر من يمثل اكتمال الوحي الإلهي، وهذه النظرية في حد ذاتها وبلا شك تهدم كيان الإسلام، وتطمس معالم الرسالة المحمدية التي اختصها الله بالكمال والتمام، وكانت آخر رسالات السماء {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1).

وفكرة الفيض التي نادى بها الباطنيون قديما هي نفس الفكرة التي تؤمن بها القاديانية والبهائية، يقول المرزا غلام أحمد:". . . . فكما ذكرت لكم مرارا أن هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة، وأنا نبي " ظلي، وبروزي من أنبياء الله، وتجب على كل مسلم إطاعتي " ثم

(1) سورة المائدة الآية 3

ص: 342

يضيف قائلا: ". . . إنني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن، وشهد لي الرسول، وقد عين الأنبياء زمان بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا، والقرآن يعين عصري ".

والبهائيون أيضا أخذوا بالفكرة الخبيثة في تعاقب الأدوار، ويتضح ذلك من تفسيرهم معنى خاتم النبيين، فقد جاء في كتاب " الراشد والدليل لمعرفة مشارق الوحي ومهابط التنزيل " ما نصه:(أما معنى خاتم النبيين في آية الأحزاب رقم (40)، فإن خاتم يقرأ بكسر التاء وفتحها، أما قراءته بكسر التاء فمعناه آخر من أنبأ من الأنبياء بحضرة بهاء الله، وبشر به فيما أنزل عليه من القرآن، وتحدث عنه إلى أصحابه فآخر من بشر به من الأنبياء هو محمد؛ فإنه هو خاتمهم.

أما قراءة خاتم بفتح التاء فمعناه ما يتختم به ويتزين، فهذا المعنى أن محمدا صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء السابقين حليتهم وزينتهم، وقد بشر بحضرة بهاء الله، فرسالات الله جل جلاله لعباده أبدية مستمرة. فمن آمن بشمس الحقيقة حضرة بهاء الله واتبع ما جاء به، فقد آمن بالله واليوم الآخر)، وفي هذا تحريف وافتراء لقوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1).

2) ومن نتائج نظرية الفيض أيضا تأثر الباطنيين بنظريات الفيثاغوريين.

إذ اتخذوا من الرقم (7) صفة مقدسة، ويتضح ذلك مما يلي:

- جعلوا النظام الكوني والحوادث التاريخية أمرا قائما على هذا العدد، فيجمعون التجليات كلها في سبع: الله - العقل الكلي - النفس - المادة الأصلية (الهيولى) - الفضاء - الزمن - عالم الأرضين والبشر.

- جعلوا للعالم سبعة أنبياء مشرعين يسمى كل واحد منهم الناطق، وبين كل نبيين ناطقين سبعة أنبياء صامتين.

(1) سورة الأحزاب الآية 40

ص: 343

- جعلوا قواعد الإسلام سبعا هي: الولاية، الطهارة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، الجهاد.

وهكذا بنى الباطنية عقائدهم على الأرقام، والتي هي أساس فلسفة فيثاغورث، ثم قابلوا بينها وبين حدود الدين، وهي نفس الفكرة التي بنى عليها البهائيون معتقداتهم من ظهور الباب والتبشير بالبهاء على أنه خاتم نبوة لمرحلة جديدة من مراحل الدين، وعلى تفسير انتهاء أجل الأمة المحمدية وقيام الساعة، وإن كان الباطنية إبان القرنين الثالث والرابع الهجريين قريبة عهد، وأن أدوار الأنبياء الناطقين بها قليلة العدد، إذ لم تتجاوز الدورين أو الثلاثة بعد الإمام علي بن أبي طالب رحمه الله لذا كانت أعدادهم في مجملها قليلة ويسيرة وغير معقدة، أما البهائيون فقد تقادم بهم الزمان، وامتدت معهم أدوار الأنبياء الناطقين؛ لذا جاءت أعدادهم كثيرة ومعقدة، مما اضطر بعضهم أن يعتمد على الكمبيوتر في إيجاد قول تقبله العقول فيما ذهبوا إليه، كما وضحنا سابقا.

وقد أبانت الدكتورة بنت الشاطئ في مقال لها بعنوان: (كشف الغطاء) لعبة هذه الأرقام البهائية، إذ حاولوا الاستناد إلى الكمبيوتر في تحديد نهاية الأمة المحمدية، وقيام الساعة بالعدد الأبجدي للحروف النورانية في فواتح السور، ثم ربطت بين هذه اللعبة وبين لعبة يهود بني قريظة الذين حاولوا أيضا تحديد نهاية الأمة بنفس هذه اللعبة، وقد استنبطت هذه اللعبة من كتب البهائية الموثوقة مثل كتاب (الإتقان) لبهاء الله من مطبوعات دار النشر البهائية في البرازيل. طبعة ثالثة معربة عن الفارسية، ومن منشورات مطابع البيان - بيروت طبعة ثالثة في جزء من كتاب (التبيان والبرهان) للنقابة أحمد حمدي آل محمد، وقد جاء في الكتابين:

(من الأدلة والبراهين التي لا شك فيها على زمن ظهور الباب، ما

ص: 344

جاء في تفسير العلامة الطبري، بسنده عن جابر بن عبد الله قال:«مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم} (1) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (2) فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال: تعلمون والله، لقد سمعت محمدا فيما أنزل عليه {الم} (3) {ذَلِكَ الْكِتَابُ} (4) فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك {الم} (5) {ذَلِكَ الْكِتَابُ} (6) أجاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: نعم، قالوا: لقد بعث الله جل ثناؤه قبلك أنبياء، ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه، وما أجل أمته غيرك، وأقبل حيي بن أخطب على من كان معه، فقال لهم: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون. أتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟» وبعد أن ساق صاحب الكتاب الحديث بطوله قال: (وهذا الحديث مختص بهذه الأمة، ولا تنتهي مدة أمة من الأمم إلا بمجيء رسول جديد) ثم أحصى حروف الفواتح المذكورة في الحديث بحساب أبي جاد، ثم طرح منها سبع سنين ليبقى الحساب 1260 (وهي سنة ظهور السيد الباب وانتهاء الدورة المحمدية. . .).

وأما الآيات الدالة على ظهور زمن البهاء فإن فاتحة سورة النمل: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} (7) ففي حساب الجمل عندهم أن السين تساوي ستين، وهي تشير إلى نهاية الدورة المحمدية، وظهور الباب سنة 1260هـ، والطاء تسعة، وهي مدة الدورة البابية، ومجموع الحرفين الذي هو 69 يشير إلى سنة 1269هـ، وهي سنة ظهور بهاء الله وبدء دعوته.

فظهور الباب في سنة الستين وظهور البهاء في سنة 69هـ دليل واضح على صدق القرآن، وأنه من عند الله هدى وبشرى للمؤمنين، يهدي المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بهذين

(1) سورة البقرة الآية 1

(2)

سورة البقرة الآية 2

(3)

سورة البقرة الآية 1

(4)

سورة البقرة الآية 2

(5)

سورة البقرة الآية 1

(6)

سورة البقرة الآية 2

(7)

سورة النمل الآية 1

ص: 345

الرسولين الكريمين ويبشرهم بهما وبالسعادة التي جاء بها البشر، وفي سورة الأعراف:{لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} (1)

(ولا شك أن أمة محمد أمة من الأمم لها أجلها المعين، ومدتها المقررة، فإذا انتهت جاء رسول جديد ودين جديد؛ فيجب الإيمان به والانقياد له). ما بين الحاصرتين منقول من مقالات الدكتورة بنت الشاطئ والتي سبق الإشارة إليها.

3 -

نظرية الحلول وهي إحدى النظريات التي تأثر بها الفكر الباطني والقادياني والبهائي على السواء، وقد تأثرت هذه الفرق المذكورة بهذه النظرية من الفكر الغنوصي واليهودي والمسيحي، وهي الفكرة المعروفة في المسيحية بحلول اللاهوت في الناسوت، حيث حل الله في المسيح عليه السلام، وأكسبه صفات الألوهية، وهي نفس الفكرة التي يقول بها الباطنيون، إذ يرون أن العقل الكلي (الله) يمكن أن يحل في أشخاص الأنبياء أو الرسل الذين يسميهم الإسماعيلية النطفاء، وهم في نظرهم كما قلنا في مرتبة الأنبياء، فيرون أن آدم عقل كلي. ومحمدا صلى الله عليه وسلم عقل كلي كذلك، كما أنهم يعتقدون أن العقل الكلي يحل أيضا في أشخاص الأئمة. لذا لا ندهش إذا ما سمعنا الشعراء يصفون عبيد الله المهدي الخليفة الباطني الإسماعيلي الأول في المغرب بقولهم:.

حل برقادة المسيح

حل بها آدم ونوح

حل بها الله ذو المعالي

وكل شيء سواه ريح

كما جاءت عبارات المرزا غلام أحمد ما يدل على اعتناقه عقيدة التناسخ والحلول، وأن الأنبياء كانت تتناسخ أرواحهم ويتقمص بعضهم روح بعض، فقد جاء في كتابهم (ترياق القلوب) أن مراتب الوجود دائرة، وقد ولد إبراهيم بعادته وفطرته ومشابهته القلبية، وبعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين في بيت عبد الله بن

(1) سورة يونس الآية 49

ص: 346

عبد المطلب، وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ويقول في كتاب آخر: (وتحل الحقيقة المحمدية وتتجلى في متبع كامل. . . وقد مضى مئات من الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية، وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمدا وأحمد).

بل جاء في كلامه ما يصرح بتفوقه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعتقد أن روحانية النبي صلى الله عليه وسلم " إنما تجلت في عصره بصفات إجمالية، ولم تكن الروحانيات قد بلغت غايتها وأوجها بعد ذلك (العهد القاصر)، بل كانت الخطوة الأولى في سبيل ارتقائها وكمالها. وتجلت هذه الروحانية في القرن العشرين في شخص غلام أحمد في أبهى حللها وأرقى مظاهرها ".

ومن إلهاماته في هذه الصدد ادعاؤه بأنه عين النبي (من فرق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى)، ثم يدعي أن الله كان يخاطبه قائلا:(اسمع ولدي)، (يا قمر يا شمس، أنت مني وأنا منك ظهورك ظهوري).

وهكذا تجد كل منتحل للنبوة من القاديانيين والبهائيين وغيرهم قد استمدوا أفكارهم تلك من الباطنية التي جمعت بمرور الزمن خليطا من الفكر الغنوصي والمجوسي واليهودي واليوناني، ولما كان فكر الباطنية غريبا عن فكر المسلمين، لم يلق قبولا إلا في أماكن معينة، وبفعل ظروف تاريخية خاصة مما دفع بالباطنيين إلى الظهور حينا والاستتار حينا آخر، وهي في فترات استتارها تظهر على الناس بأسماء مختلفة مثل القاديانية والبهائية، وإن كانتا هما وغيرهما تمتاج جميعها من مورد باطني واحد.

وبعد:

فإنه يمكننا من خلال الرؤية التاريخية والفكرية التي قدمناها لرسالة الحرمين الشريفين الخالدة أن نتبصر أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه خادم

ص: 347

الحرمين الشريفين باعتباره الممثل الشرعي للمسلمين، والذاب عن العقيدة والشريعة، والحارس للمقدسات الإسلامية التي تحتل مكانتها المرموقة في شعائرنا وعباداتنا.

وإن كانت عزة المسلمين وكرامتهم تستمد من اعتزازهم بعقيدتهم، ومن التفافهم حول شعائرهم المقدسة، تجمعهم معا على كلمة التوحيد التي من الله بها على أمتنا الإسلامية بقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (1).

وإن كان أيضا لرسالة الحرمين الشريفين أهميتها على هذا النحو، فما أحوجنا اليوم، ونحن نواجه فتنا كظلام الليل الدامس تكالبت علينا من كل جهة، وزاحمتنا في كل شبر، وصاحبتنا في الغدو والرواح أن ندعم تلك الرسالة لنواجه به شتى ضروب التحدي: " التحدي الفكري الذي أقام حواجز فكرية بين أبناء الأمة الواحدة، التحدي الطائفي لأصحاب القوميات والنعرات التعصبية التي مزقت كيان أفضل أمة قد أخرجت للناس، التحدي العقدي الذي ساعد على سلخ بعض النحل الضالة من الدين الإسلامي فادعت دينا غير الدين، ونبوة غير النبوة، ومقدسات غير المقدسات.

(1) سورة آل عمران الآية 103

ص: 348

وخلاصة هذا: أن رسالة الحرمين الشريفين هي رسالة السماء، وهبة الله لعباده المؤمنين، فما أجلها من رسالة، إن اعتصمنا بها سلمنا ونجونا، وإن فرطنا فيها بقيت شماء بحماية ربها، فللبيت رب يحميه، بينما يبقى المفرطون غرباء عنها حيارى ضالين إلى أن تحل كلمة الله ويقع عقابه، يقول الله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} (1).

محمد محمد إبراهيم زغروت

(1) سورة هود الآية 57

ص: 348

صفحة فارغة

ص: 350

صفحة فارغة

ص: 351

علمتني الصلاة

الشيخ / منذر الحريري

الصلاة والحياة:

الصلاة عماد الدين، والركن الثاني للإسلام، والمقبولة عند الله ما كانت خالصة له وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم طاعة لله في إقامتها {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (1) وطاعة لرسول الله في كيفية أدائها «صلوا كما رأيتموني أصلي (2)» .

وهي أول ما يحاسب عليها المسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة (3)» ، فإن قبلت عند الله وحافظ عليها صاحبها تحقيقا لقوله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (4).

كان له من الله عهد ألا يعذبه. وهي الحد بين الإسلام والكفر، فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل والكفر ترك الصلاة (5)» .

(1) سورة الأنعام الآية 72

(2)

صحيح البخاري الأذان (631).

(3)

سنن أبو داود الصلاة (864)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1425)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 103)، سنن الدارمي الصلاة (1355).

(4)

سورة المؤمنون الآية 9

(5)

رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.

ص: 352

وللصلاة تأثيرها على الحياة الدنيا للمسلم، فهي بيان عملي لسلوك المسلمين وتصرفاتهم. ولها جوانب اجتماعية هامة في أمور حياتهم الدنيوية، فالصلاة:

1 -

تبدأ باسم الجلالة بالتكبير، وتنتهي أيضا به (السلام عليكم ورحمة الله)، أو بضمير يعود عليه (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة:«تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1)» .

وكذلك الحياة الدنيا للمسلم تبدأ باسم الجلالة عندما يحمل المولود باتجاه القبلة عقب ولادته ويؤذن في أذنه اليمنى الله أكبر. . .، وتنتهي به عندما يتشهد، وهذا أحد أدلة حسن الختام كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن من كان آخر قوله: لا إله إلا الله، دخل الجنة (2)» .

وكما أن الصلاة المحصورة باسمي الجلالة هي صلة العبد بربه، كذلك الحياة الدنيا للمسلم أو عمره المحصور بين اسمي الجلالة هو تحقيق عبوديته لربه تبارك وتعالى.

وإن الصلاة التي تشترط الطهارة ويمهد لها الغسل والوضوء الذي يبدأ بالتسمية، فلا وضوء بدونها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (3)» ، وكذلك حياة المسلم يجب أن تكون طاهرة ونظيفة بكل معاني النظافة سواء المادية أو المعنوية.

1 -

وهذه الحياة النظيفة فيها كل السعادة الحقيقية التي في أمس الحاجة إليها عالمنا المتخبط اليوم الذي يفتقد ويتعطش لحياة الطهر والنظافة في جميع مراحل الحياة.

(1) رواه أبو داود / الصلاة [73] وابن ماجه / طهارة، وأحمد جـ2 ص122 والترمذي طهارة وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب.

(2)

رواه البخاري في باب الجنائز [1]، وأبو داود في باب الجنائز [16].

(3)

رواه ابن ماجه وغيره في باب الوضوء.

ص: 353

2 -

تؤدى هذه الصلاة في أي مكان طاهر «. . وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (1)» ، ما عدا الحمام والمقبرة، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (2)» .

كذلك لا تجوز في مرابض الإبل، فعن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مرابض الإبل؟ قال: لا (3)» .

وهكذا فالدنيا معدة لطاعة الله وعبادته، وهذا دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده المتداخل في الحياة لا ينفصم عنها، فالحياة تقوم عليه، وهو المهيمن عليها في جميع مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، من عظائم الأمور إلى أدقها.

3 -

واتجاه المسلمين في جميع أنحاء الأرض نحو قبلتهم الكعبة يوضح لهم جميعا وحدة الهدف في حياتهم الدنيا ألا وهو رضا الله والجنة، كما أن كيفية الصلاة التي بينها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا عمليا على المنبر وأمرهم بقوله:«صلوا كما رأيتموني أصلي (4)» ، تبين وحدة الوسيلة للهدف المنشود.

وهكذا تظهر وحدة المسلمين الكاملة الشاملة العميقة في وحدة الغاية والوسيلة، أو وحدة الإخلاص والصواب، وهذا ما تعجز أنظمة البشر وعقائدهم أن تحققه عمليا في واقع الحياة، فالاشتراكية والشيوعية والرأسمالية

(1) رواه البخاري في باب التيمم 1، والصلاة 56، أنبياء 40 والترمذي في الصلاة 119 والنسائي في الغسل 26، مساجد 2، 42 وابن ماجه في الطهارة 90 والدارمي في السير 28، والصلاة 111 وأحمد 5/ 145، 148، 161، 282.

(2)

رواه الخمسة إلا النسائي.

(3)

رواه مسلم وأحمد.

(4)

رواه البخاري.

ص: 354

اليوم لها تفسيرات لعقائدها تختلف من دولة لأخرى، وكذلك النصرانية واليهودية في المذاهب المتعددة المختلفة في التصورات والطقوس والعبادات، ولئن أصاب المسلمين اليوم ما أصاب الأديان السماوية من التفرق، والاختلاف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا ما كنت عليه أنا وأصحابي (1)» ، وهكذا يتبين أن الفرقة الناجية ما كانت على الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم وهي مدار البحث، فهي المقصودة بالمسلمين، وبموجب هذا الحديث لا تعتبر الفرقة المخالفة من الإسلام.

وتوحيد الغاية والوسيلة أو الإخلاص والصواب هو في كل جزئية من جزئيات الإسلام، كما أن في أساس العقيدة في توحيد المرسل بالربوبية والعبودية والصفات وتوحيد المرسل بالاقتداء والاتباع، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (2).

الأذان: الأذان عبادة الله بين يدي كل صلاة مكتوبة فردية أو جماعية، وهو شعار المسلم يبدأ باسم الجلالة وينتهي به، وما أن يشرع داعي الله بالأذان حتى تتوقف أعمال وواجبات الدنيا والخلق، حيث تبدأ واجبات الخلق وعبادتهم لخالقهم العظيم، فأمور الدنيا لا قيمة لها بجانب أمور الدين:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (3){أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4).

وما أن ينتهي المؤذن من كل جملة حتى يردد بعده المستمعون، وهذا ما يبين تجاوب الأمة الإسلامية مع داعي الله قولا بالترديد وفعلا بالمبادرة إلى

(1) رواه أبو داود [1] وغيره.

(2)

سورة الأنعام الآية 153

(3)

سورة هود الآية 15

(4)

سورة هود الآية 16

ص: 355