الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قام بخدمتهما في كل عصر، منذ أن قامت دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة إلى أن يشاء الله، فإن الحرمين الشريفين ليسا نصبين تذكاريين، وإنما هما معنيان من المعاني الخالدة، ولا تقوم للمسلمين قائمة بدونهما، بل لا تكتمل الشخصية القانونية والشرعية لدولة إسلامية كبرى تجمع المسلمين جميعا، إن لم يكن الحرمان الشريفان رمزا لها، ولنا في رسولنا الكريم والخلفاء الراشدين من بعده الأسوة الحسنة، فقد اتخذوا من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مقرا للدولة الكبرى التي أقاموها، وقد أدى المسجد النبوي دوره كاملا دون نقصان إذ انبعثت منه المؤثرات الدينية الصحيحة إلى كافة المسلمين في المشرق والمغرب، ومنه عقدت ألوية المجاهدين الذين انساحوا في الأرض لتمكين منهج الله، وإليه وفدت وفود الأمم ومبعوثوها لعقد المعاهدات والهدن وإبرام الصلح، كما كانت تفد إليه وفود الأمصار الإسلامية برئاسة ولاتها لأداء فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي، ثم يلتقون بالخليفة كل على حدة؛ ليتلمس مشكلات المسلمين في بلادهم البعيدة، ويطمئن على عدالة الحكم وإيصال الحقوق إلى أصحابها، إنه بحق دور ريادي لراعي الحرمين ينطلق من المصلحة العليا للمسلمين بصفته الممثل الشرعي لهذه الأمة، والقادر على توصيل هذه المثل إلى جميع المسلمين في بقاع الأرض، والحارس على سلامتها وصحتها من كل بدعة أو اتجاه هدام.
ثانيا: مواجهة الحرمين الشريفين للحركات المعادية قديما:
إن الحركات الهدامة التي تعرض لها الحرمان الشريفان قديما كثيرة ومتعددة، بدأت مع أصحاب الفيل قبل الإسلام، ثم مع جماعة عبد الله بن سبأ وغيره من اليهود الذين حقدوا على الإسلام، ولا سيما بعد تغير اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، ثم مع الباطنية وفرقها منذ عهد مؤسسها ميمون القداح وابنه عبيد الله، ثم مع حملات الحقد
من الصليبيين الذين أرادوا إحياء مقدساتهم في القدس الشريف، وقد حاولوا الهجوم على الحرمين الشريفين أكثر من مرة، وسوف أعرض في عجالة لأهم هذه الحركات وأخطرها.
أ) مقولات من الغزو الفكري حول مكانة الحرمين:
الحقيقة أن هذه قضية من القضايا المهمة التي لها أبعادها في التاريخ الإسلامي لبلاد الحجاز، والتي ينبغي أن يعاد فيها النظر مرة أخرى، فإن ما تردده بعض الأقلام المعاصرة من أن الحجازيين ولا سيما أهل المدينة قد عانوا فراغا سياسيا بعد انتقال عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة إلى دمشق ثم بغداد، ثم القاهرة، ثم الأستانة، وأن هذا الفراغ قد دفع بأهالي المدينة إلى الاستعاضة عن دورهم السياسي بالغناء والطرب، وانتشار شعر الغزل بكافة أنواعه (1).
إن مثل هذه الروايات في تقديري تعد من قبيل الغزو الفكري الذي ابتلي به المسلمون، وأراد منه المغرضون تشويه التاريخ الإسلامي، ولا سيما تاريخ الأنصار أبناء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
قد نسلم بأن انتقال عاصمة المسلمين من المدينة المنورة قد أثر على مكانتها السياسية، إذ استحوذت كل من دمشق، ثم بغداد، ثم القاهرة، ثم الأستانة جل الأنشطة السياسية للخلفاء باعتبارها حواضر الدول الإسلامية آنذاك، ولكننا لا نسلم بالفراغ السياسي جملة، كما لا نسلم بأنه أدى إلى انحراف الحجازيين إلى مثل هذه الأنشطة الدنيوية اللاهية.
فمن المعلوم تاريخيا وفكريا أنه على الرغم من خلو المدينة المنورة من مركز الزعامة السياسية، إلا أنها هي ومكة المكرمة حزتا الزعامة الدينية للعالم الإسلامي كما شهدت المدينتان معا ثقلا سياسيا من نوع خاص بجانب زعامتهما الدينية تلك، وإن كان هذا الثقل السياسي
(1) حسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، المجلد الأول ص532 - 536.
للحجازيين يأتي في إطار علاقتهما بالخلافة الأموية ثم العباسية ثم الحكام الفاطميين في مصر، باعتبارهما وقتئذ ولايتين تابعتين للخلافة، إلا أن الثقل الديني والسياسي لهما قد أوجد نظرية فكرية وسياسية تبلور مفهومهما إبان القرن الرابع الهجري، حين شهدت بلاد الحجاز صراعا من قبل الخلافة العباسية والحكام الفاطميين على الظفر برعاية الحرمين الشريفين، إذ أصبح من المسلم به في الأوساط الرسمية والشعبية أن الخليفة الشرعي الممثل للمسلمين هو من دعي له على منابر مكة والمدينة؛ وبذلك يضفي على خلافته صفتها الشرعية، ويمتلك منبرا قويا للتأثير على مشاعر المسلمين الذين احتشدوا من كل فج عميق لأداء فريضة الحج، ومن يتتبع علاقات الحجازيين بالخلافة العباسية والدولة الفاطمية ثم الدولة البويهية والأيوبية، وأخيرا دولتي: بني رسول وبني نجاح في اليمن - يدرك تماما أهمية تلك النظرية بجانبيها الفكري والسياسي في تأصيل تلك الدول واتخاذها صفة الشرعية السياسية في نظر المسلمين.
ولعل هذه النظرية هي تلك التي ألهبت الصراع بين الدولة العباسية السنية والفاطميين الشيعة منذ أن قامت دولة الفاطميين الأولى في الشمال الإفريقي، فعلى الرغم من تمذهب الفاطميين بالمذهب الإسماعيلي الذي لم يلق اهتماما من المسلمين، إلا أنهم لم يغمضوا جفونهم عن محاولة الاستيلاء على الحرمين، وقد بدأت محاولاتهم الأولى مبكرة في عهد عبيد الله المهدي وابنه القائم، إذ حاول الاثنان أن يستميلا أهل الحجاز، وعندما فشلت محاولاتهما المتكررة أوعزا إلى القرامطة بتأديبهم، فما كان من هؤلاء إلا أن اعتدوا على الحجيج، وامتدت أعمالهم التخريبية إلى الكعبة - صانها الله، وعلى ما يبدو فإن عبيد الله المهدي لم يرقه الظفر برعاية الحرمين بهذا الأسلوب الذي أحنق عليه المسلمين جميعا؛ فنراه يسارع بإظهار الاستياء، وإنكاره الشديد لهذا الحادث، ويبعث برسالة شديدة اللهجة إلى مدبره، قائلا فيها:" سجلت علينا في التاريخ نقطة سوداء لا تمحوها الليالي والأيام "، ثم يقول في موضع آخر من الرسالة:
" قد حققت على دولتنا وشيعتنا ودعاتنا اسم الكفر والزندقة والإلحاد بفعالك الشنيعة هذه. . . ".
كما هز هذا الحادث الجلل مشاعر الخليفة عبد الرحمن الناصر الأموي في الأندلس فاستشاط غضبا هو وأهل السنة في بلده لما انتهك من حرمة البيت العتيق، وينعي على الفاطميين اشتراكهم في هذه المؤامرة، وإعاقتهم حجيج الأندلس أثناء مرورهم بالقيروان، ويتوعدهم قائلا في إحدى رسائله إلى بعض أمراء المغرب المتقربين إليه:". . . وهو الأمر الفادح والكارث الذي لا يحل لأمير المؤمنين ترك الغضب منه والسعي في الانتصار له، والقيام في الذب عنه، والتقرب إلى الله بحماية البيت العتيق وتعظيمه وتهوين من استهان به، والله على الانتصار منهم معين إن شاء الله ".
مما تقدم يتضح أن الحجازيين لم يعانوا من فراغ سياسي كما تردد حولهم، وأن لخدمة الحرمين أثرها الكبير في توطيد أركان الممالك الإسلامية التي قامت آنذاك، ومن ثم انشغل الحجازيون بعلاقات سياسية على أعلى مستوى، كما كان لهم أيضا دورهم الديني في هذا الصدد، إذ تسنموا قمة التوجيه الديني لشعوب العالم الإسلامي، فقد عاش في المدينة أبناء الصحابة - رضوان الله عليهم - وأبناء التابعين، وكانت وفود طلاب العلم من المشرق الإسلامي ومغربه تصل إليهم للتتلمذ على أيديهم، وتدوين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيجاورون الحرمين، وينتظمون في حلقات العلم بالمسجد النبوي والمسجد الحرام، وظلت هذه الحلقات تقوم بدورها الكبير في تطوير الأمة الإسلامية فكريا وحضاريا، وربطها بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وكان الإمام مالك رحمه الله من أبرز معلمي المسجد النبوي في مطلع القرن الثاني الهجري، إذ تتبع منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم، وسار طلابه على منهاجه، حتى تكونت مدرسته الفكرية الفقهية التي تعرف بمدرسة عالم المدينة، والتي نهجت هي أيضا منهج السلف
والجماعة، وابتعدت عن القياس والتأويل، والتزمت بظاهر النص مع معناه الأصيل.
ولم يقف تأثير فكر عالم المدينة على أهالي الجزيرة العربية والمشرق الإسلامي، بل امتد ليؤثر في المغرب والأندلس وشعوب غرب أوروبا؛ وذلك ليحمي أمة بأكملها من زيغ الزائفين وضلالات المضللين، إذ كان لبعد هذه البلاد عن مراكز الإسلام الإشعاعية في المشرق الإسلامي ولا سيما الحرمين الشريفين، كما كان لضعف السلطة المركزية في بغداد في أن تتعقب أصحاب النحل الضالة التي فرت إلى المغرب، قد شجع أصحاب هذه النحل أن تتخذ من بلاد المغرب أوكارا تعشعش فيها دعواتهم المنحرفة.
وشاء الله لهذه البلاد أن تنجو من تلك المهالك إذ هيأ لها رجالا أشداء مخلصين تمذهبوا بمذهب عالم المدينة، وعرفوا منه الدين على أصوله الصافية، إذ كانت رحلة المغاربة إلى المدينة لا تنقطع سواء في مواسم الحج أو طلبا للعلم.
ولم يمض وقت طويل حتى تكونت في بداية القرن الثالث الهجري النواة الأولى لمدرسة القيروان التي لمعت في دراسة الفقه المالكي، وفي تصنيفه، وفي الإفتاء به، ومن أشهر الفقهاء المؤسسين لهذه المدرسة: الإمام سحنون وابنه محمد، وابن عيدروس، وابن الحداد، وغيرهم كثيرون يشهدون بفضل عالم المدينة المنورة، وبعلمه الصحيح.
ولم يقف تأثير فكر عالم المدينة المنورة على الشمال الإفريقي، بل امتد أيضا ليشمل بلاد الأندلس في غرب أوروبا، إذ لمس الأندلسيون عند مرورهم بالقيروان متجهين إلى الحج مدى الازدهار العلمي والثقافي الذي تعيشه القيروان في رحاب فكر عالم المدينة، حينئذ شدوا رحالهم إلى المدينة لتعلم الفقه المالكي، وأخذ العلم من منابعه، ثم عادوا إلى بلادهم
يحملون نسخا من الموطأ بعد أن درسوه واستظهروا أحكامه، ولم يمض وقت طويل حتى تأسست مدرسة قرطبة الفقهية (1) التي شاركت أختها القيروانية الفكر الديني، والأخذ بآراء أهل السنة والجماعة، وبادلوهم التأثر والتأثير في كثير من القضايا الفكرية والدينية والسياسية، الأمر الذي أدى إلى تساند أهل السنة في البلدين في إطار الوحدة العقدية لمذهب عالم المدينة للوقوف في مواجهة فتنة المذاهب الدخيلة، ولا سيما المذهب الإسماعيلي الذي ابتلي به البلدان المسلمان.
فقد حاول الفاطميون فرض مذهبهم بشتى الوسائل، وذلك في إطار خطتهم الشاملة لحكم العالم الإسلامي، ولكن أهل السنة في هذه البلاد لم يستسلموا مطلقا، وشرعوا يواجهون دعاة المذهب الإسماعيلي مواجهة سطرها التاريخ بأحرف من نور، إذ انبرى فقهاء المالكية في البلدين يناظرون فقهاء الباطنية مناظرات علمية كتبت لها الظفر والتفوق، ومكنتهم من كشف أضاليلهم أمام الناس، ولم تقتصر المواجهة على المناظرات العلمية، وإنما اتخذت أشكالا أخرى منها المقاطعة الجماعية، والمواجهة العسكرية حتى فشل الفاطميون في نشر مذهبهم في المغرب والأندلس، وكان هذا سببا من الأسباب التي اضطرتهم للرحيل نحو بلاد المشرق واحتلال مصر.
إذن كان الدور الفكري للمسجد النبوي وعالمه مالك كبيرا، إذ امتد تأثيره وإشعاعاته الإيمانية ليصون أمة إسلامية في الشمال الإفريقي والأندلس من خطر النحل الضالة، والاتجاهات الهدامة، فقد ظل ذلك المذهب حتى يومنا هذا قلعة حصينة من قلاع أهل السنة، ومنبرا من أهم منابر الفكر الإسلامي الصحيح في هذه البلاد.
(1) محمد محمد إبراهيم زغروت. رسالته للدكتورة ص228.
ب) الصليبيون وإعلاء المقدسات المسيحية:
كان المد الإشعاعي للحرمين الشريفين كما عرفنا بعيدا وعميقا حتى بدد دياجير الظلم والإلحاد في بقاع كثيرة من المعمورة، وأنقذ شعوبا كانت مقهورة تحت سلطان الكنيسة في العصور الوسطى، واعتنقوا الإسلام عن رغبة واقتناع أكيدين، كان من أبرز مظاهره ارتباط تلك الشعوب بالأماكن المقدسة الإسلامية وإعراضهم عن الكنيسة، ومقدساتها المزعومة، مما أوجد قلوب رجال الدين الأوروبيين على الإسلام ومقدساته، مما زاد من غضبتهم الغاشمة ذلك الاحتكاك الثقافي والفكري الذي تأثرت به بعض الشعوب الأوروبية عن طريق الأندلس والشمال الإفريقي وصقلية وجنوب إيطاليا، وحاول هؤلاء المتأثرون إقامة حياتهم في أوروبا على ضوء المفاهيم والقيم والمعارف التي وجدوها عند المسلمين، ولكن الكنيسة وقفت ضد هذه الحركة العلمية التي بدأت تأخذ طريقها إلى سائر الشعوب الأوروبية لسببين:
الأول: خوفها على مكانتها في نفوس الأوروبيين، إذ بانتشار العلم يزداد وعي الشعوب، وتتفتح أعينهم على خرافات رجال الدين المهيمنين على حياة هذه الشعوب آنذاك.
ثانيا: خوفها من انتشار الإسلام مع الحركة العلمية المنقولة عن الجامعات الإسلامية وعلمائها.
ولكي تضع الكنيسة حدا لمؤثرات الإسلام الفكرية والعلمية التي باتت خطرا يهدد مصالحها؛ انبثقت الدعوة للحروب الصليبية، وحشدت لحروب المسلمين أعدادا غفيرة من رجالات الدين والحاقدين على الإسلام من كافة أرجاء القارة الأوروبية، وأضفوا عليها طابعا مقدسا، وسموها بالحروب المقدسة، وقد ظلت تلك الحروب قرابة قرنين من الزمان من القرن الحادي عشر إلى الثالث عشر الميلادي جاثمة بكلكلها على جناحي الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب على السواء، وفي آن واحد،
استهدفت أول ما استهدفت النيل من مقدسات المسلمين في الحرمين الشريفين، وذلك بانتزاع الأماكن المقدسة المسيحية في القدس من أيدي المسلمين، وإثارة الطوائف المسيحية ضد الإسلام والمسلمين، وبعد أن يتم لهم ذلك ويقيموا مملكتهم في بيت المقدس يباشرون جهودهم في تنصير المسلمين، واقتلاع الإسلام من نفوسهم، وإحلال المسيحية محله، وحينئذ تأخذ المقدسات المسيحية صدارتها، وتتجه أنظار العالم نحوها.
إذن فإن دوافع الحروب الصليبية والتي أطلقوا عليها الحرب المقدسة لم تكن دوافع اقتصادية أو سياسية أو حربية بقدر ما كانت دوافع أملاها الحقد والكراهية والتعصب الأعمى البغيض؛ فهي حرب أمة تجاه أمة، وحرب دين تجاه دين، وتشير أحداث التاريخ إلى محاولات الصليبيين المتكررة لغزو بلاد الحجاز، ففي عام 577هـ قامت المحاولة الأولى بقيادة أرناط صاحب إمارة الكرك، وكان هدفه الأساسي من الغزو هو ضرب المسلمين في مقدساتهم - الحرمين الشريفين - والاستيلاء على طريق الحج البحري والسيطرة عليه، ولكن باءت هذه الحملة بالفشل بعد أن تصدى لها الأيوبيون، ثم تكررت محاولته الثانية في العام التالي إذ تمكن الصليبيون من النزول بأسطولهم على ساحل الحوراء قرب ينبع، وغزوا المناطق المجاورة وجدوا في المسير حتى أصبحوا على بعد مسيرة مرحلة واحدة من المدينة المنورة، يريدون دخولها ونبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر من قبره، ثم نقله إلى بلادهم ودفنه عندهم حتى لا يستطيع المسلمون زيارته (1)، إلا أنهم لم يحققوا أهدافهم، وحفظ الله نبيه من كيدهم، وحلت بهم الهزيمة والأسر على أيدي صلاح الدين ورجاله، وجعل منهم عبرة لكل من تسول له نفسه بالاعتداء على الحرمين إذ أمر بنحر بعضهم في منى كما تنحر الهدي، ثم أمر بقتل الباقين بعد أن طيف بهم في شوارع مدينة الأسكندرية عام 578هـ.
(1) أي زيارته من المدينة أو بدون شد رحل، بخلاف الزيارة مع شد الرحل؛ فإن الصحيح عدم جوازها.
وقد يخطئ من يظن أن الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين انتهى بانتهاء الحروب الصليبية، وإنما هو باق إلى يومنا هذا، وإن كان قد أخذ شكلا مغايرا لما كان عليه، فإن من أبرز مظاهره اليوم هو تنصير المسلمين، تلك الحركة الخبيثة التي باتت تستشري في بعض بلدان العالم الإسلامي لاستئصال الإسلام نهائيا من النفوس.
يقول المبشر رايد: " إنني أحاول أن أنقل المسلم من محمد إلى المسيح، ومع ذلك يظن المسلم أن لي في ذلك غاية خاصة، أنا لا أحب المسلم لذاته، ولا لأنه أخ لي في الإنسانية، ولولا أنني أريد ربحه إلى صفوف النصارى لما كنت تعرضت له لأساعده ".
ويقول المبشر الألماني " كارل بكر ": " إن الإسلام لما انبسط في العصور الوسطى أقام سدا في وجه انتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجان المسيحية ".
ومن هنا يتضح أن حركة التنصير التي تقوم بها المسيحية اليوم في بلاد المسلمين، ما هي إلا إحدى مفرزات الحركات الصليبية إبان القرون الوسطى، وإن كانت الحروب الصليبية قد استهدفت قديما عداء سافرا وهجوما مباشرا على الحرمين الشريفين، وأثبتت في ذلك فشلا ذريعا، فإن خلفاء الصليبيين اليوم من المبشرين بالمسيحية قد غيروا من هذا الأسلوب المباشر بعد أن ثبت لأسلافهم فشله، وعولوا على اتباع أسلوب أكثر خبثا يتسم بالمرونة والملاينة، فهم لا يودون تهييج المسلمين بالطعن في مقدساتهم، وإنما يخمدون وهجها من قلوبهم بمخطط رهيب ينفذ بكل دقة، ويقوم على مرحلتين أساسيتين: تبدأ الأولى بأعمال التذبذب، ثم تسلم إلى المرحلة الثانية، والتي سموها بأعمال الهدم، ويوضح لنا المبشر الفرنسي " شاتليه " أبعاد هاتين المرحلتين في مقدمة كتابه " الغارة على العالم الإسلامي " يقول عن المرحلة الأولى: " ولا ينبغي أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعا وخصائص أخرى إذا