الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاربته للتصوف الزائف:
لا شك عند المسلم الصحيح العقيدة أن أي أمر وأي سلوك، إن لم يكن موافقا للشريعة فهو ضلال، وصاحبه ضال ومائل عن الطريق السوي؛ لذلك لم يكن يتوقع من شيخ الإسلام إلا كشف زيغ الصوفية الضلال الذي أغووا الأمة وأضلوها، وجاءوا بعقائد وأعمال وأفكار وأخيلة لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا يخفى على اللبيب أن كلامي لا يشمل السلوك الثابت في القرآن والسنة، إنما الكلام عن الضلال والغواية والكفر والفساد التي جاء بها الصوفية الضلال الذين عادوا القرآن والسنة حينا جهارا وآخر سرا، وعكسوا القضية حيث نبذوا الإسلام الصحيح وأدخلوا فيه كل ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لمحاربته، ومن تلك الأباطيل والضلالات تنسك الهنود، وعقيدة الحلول والاتحاد، ومذهب وحدة الوجود، وتقسيم الدين إلى الظاهر والباطن، وفتنة الرموز والأسرار، والعلم الدفين، وسقوط التكاليف الشرعية عن الكاملين والواصلين، واستثناؤهم عن الأحكام الشرعية، فقد كانت هذه الأفكار والمعتقدات دخلت فيما سمي بالتصوف.
وكانت الفتنة قد استفحلت في القرنين السابع والثامن، فجاء هذا المجدد العظيم الذي تناول هذه الفئة الباغية على دين الله بهدم كيانها وكشف قناعها، حتى تعرت حقائقها لكل راء ومستمع، إن هؤلاء الصوفية قالوا: بجواز حلول الله في الآدميين، وأظهر من قال بهذا هو الحلاج، ثم جاء ابن عربي فحكم بوحدة الوجود، وأن الوجود واحد تعددت صوره وأشكاله، وأن المخلوق يتحد مع الخالق من حيث المحبة والشوق؛ فيتصل بالله ويعلو إليه، فيكون في درجة فناء ذاته الفانية في ذات الله الباقية، وقد جاءت هذه الفكرة في شعر عمر بن الفارض، الذي أمعن شيخ الإسلام في نقده.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن ابن عربي ادعى أن أصحاب النار يتنعمون في النار كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، وأنه يسمى عذابا من عذوبة طعمه، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام (1).
وقد تكلم طائفة من التصوف في تحقيق التوحيد، فزعموا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عن استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد.
وقد حكم عليهم شيخ الإسلام فقال: هذه هو الكفر الصريح. وقد رد على القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد فقال: يقول عارفهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية، أي نظرا إلى الأمر، ثم يرى طاعة بلا معصية، أي نظرا إلى القدر، ثم لا طاعة ولا معصية نظرا إلى أن الوجود واحد.
ثم رد عليهم فقال: (صفات الله توجب مباينة لمخلوقاته، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2).
وقد زعم ابن عربي: أن الولاية أساس المرتبة الروحية كلها، وأن النبوة والرسالة تنقطعان؛ لأنهما مقيدتان بالزمان والمكان، أما الولاية فلا تنقطع أبدا؛ لأن المعرفة الكاملة بالله لا تنقطع ولا تحد بزمان أو مكان، كما أن العلم الشرعي يوحى به إلى الرسول على لسان الملك، أما العلم الباطني عند الولي فهو إرث يرثه من منبع الفيض الروحي جميعه.
وقد رد عليه شيخ الإسلام لكون هذه العقيدة خطرا يهدد كيان الإسلام، ولكونها مخالفة للعقل والشرع، وهي بينة الضلال والكفر؛ لأنها تحرر عن الدين والشريعة والعقيدة التي جاء به الرسل جميعا، وخروج على الله، وبغي وفساد في الأرض (3).
(1) الصفدية، ص 244 - 247.
(2)
سورة الإخلاص الآية 1
(3)
الصفدية، ص 244 - 248 والفتاوى 2/ 219 - 228.