المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أسس اختيار الزوجة بقلم: مصطفى عيد الصياصنة إن الإعداد لتكوين الأسرة المسلمة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض، مع الأدلة والمناقشة

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌الفتاوى

- ‌ كان مرة يتوضأ فلفت نظره أحد الناس إلى لمعة في قدمه

- ‌ اغتسال الجنب في الماء الدائم

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌رجل غاب عن زوجته أربع سنوات ثم ولدت بعد المدة المذكورة فهل يلحقه الولد

- ‌ كتابة بعض الآيات من القرآن لتعلق

- ‌رجل صائم في رمضان واشتد به العطش فشرب

- ‌ حكم الطريقة التيجانية

- ‌البدعة وأثرهافي الانحراف في الاعتقاد

- ‌أولا: ما نسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌ثانيا: ما نسبه إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الأسس المنهجية لموقف أهل السنةمن قضية الصفات وضوابطها

- ‌قضية الصفات وأهميتها:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌أسس موقف أهل السنة من قضية الصفات وضوابطه:

- ‌الخلاف حول صفات الحركة:

- ‌صفات الحركة في الآخرة:

- ‌منهج وتطبيقه:

- ‌اعتراض وجوابه:

- ‌خاتمة:

- ‌شيخ الإسلام ابن تيميةحامل راية الكتاب والسنة

- ‌حياته ونشأته:

- ‌كبار مشايخه:

- ‌براعته في تفسير القرآن الكريم:

- ‌براعته في علوم السنة:

- ‌دعوته للرجوع إلى الكتاب والسنة:

- ‌تجديده لمعالم الدين:

- ‌محاربته للعقائد والأفكار المضادة للكتاب والسنة:

- ‌محاربته للتصوف الزائف:

- ‌استقلاله في أخذ الفقه من الكتاب والسنة:

- ‌المحن التي ابتلي بها:

- ‌زهده في الدنيا ومكارم أخلاقه:

- ‌وفاته - رحمة الله عليه

- ‌أسس اختيار الزوجة

- ‌اجتناب المحرمات:

- ‌رضا المخطوبة

- ‌موافقة الولي

- ‌النظر إليها

- ‌عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجيالصحابي السفير

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌عمرو بن حزم في التاريخ

- ‌رؤية فكرية وتاريخيةلرعاية الحرمين الشريفين

- ‌أولا: المكانة التاريخية والفكرية للحرمين الشريفين

- ‌ثانيا: مواجهة الحرمين الشريفين للحركات المعادية قديما:

- ‌ثالثا: مواجهة الحرمين الشريفين للتحديات المعاصرة

- ‌صلاة الجماعة:

- ‌إفشاء السلام:

- ‌أوقات الصلاة:

- ‌الإمام والصفوف:

- ‌الإمام والمؤتمون:

- ‌متى ثبتت رؤية الهلال ثبوتا شرعيا وجب العمل بها

- ‌تعقيب على فضيلة الشيخعبد الله كنون

- ‌قرار هيئة كبار العلماءرقم 148 وتاريخ 12/ 1 / 1409ه

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌أسس اختيار الزوجة بقلم: مصطفى عيد الصياصنة إن الإعداد لتكوين الأسرة المسلمة

‌أسس اختيار الزوجة

بقلم: مصطفى عيد الصياصنة

إن الإعداد لتكوين الأسرة المسلمة يرجع إلى حقبة السنوات السابقة على إعلان مراسم الزواج، فبمقدار ما يكون كل من الزوجين قد نشئ على الفهم الواعي لمبادئ الإسلام، وربي على تطبيقه لفضائله الرفيعة وآدابه، بمقدار ما يكتب لزواجهما النجاح، ولكيان أسرتهما المرتقب السداد والفلاح، ومن هنا ألح الإسلام على الخاطب ضرورة إعمال أقصى درجات التثبت والتحقق والتحري في اختيار شريكة العمر ورفيقة الدرب، وجعل لذلك أسسا ينبغي على كل مسلم أن يلتزمها - جهد استطاعته - ليضمن لكيانه الجديد أن يبنى على الصلاح والتقوى، وليظفر بالتالي برضوان الله وسعادة الدنيا والآخرة.

ولعل أهم الأسس التي ينبغي مراعاتها في اختيار الزوجة ما يلي:

ص: 235

‌اجتناب المحرمات:

1 -

أن لا تكون محرمة حرمة أبدية أو مؤقتة:

وهو أول ما ينبغي أن يضعه المسلم في اعتباره، حين التفكير بالإقدام على اختيار زوجة له.

أولا: والتحريم المؤبد: يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات، وهو إما أن يكون بسبب النسب، أو المصاهرة، أو الرضاع، قال تعالى:

ص: 235

{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} (1){حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} (2).

1 -

أوضحت الآية أن المحرمات من النسب سبع: الأمهات، البنات، الأخوات، العمات، الخالات، بنات الأخ، وبنات الأخت.

2 -

وأن المحرمات بسبب المصاهرة (أي القرابة الناشئة بسبب الزواج) أربع:

أ - أم الزوجة، وكذا أم أمها، وأم أبيها، وإن علت {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (3)

ب - ابنة الزوجة المدخول بها، وكذا بنات بناتها، وبنات أبنائها، وإن نزلن، {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (4)

ج - زوجة الابن وابن الابن، وابن البنت، وإن نزل، {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} (5) والحليلة: الزوجة.

د - زوجة الأب، بمجرد عقد الأب عليها وإن لم يدخل بها، {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (6)

3 -

وأما المحرمات بسبب الرضاع فسبع، كالمحرمات من النسب، للحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) سورة النساء الآية 22

(2)

سورة النساء الآية 23

(3)

سورة النساء الآية 23

(4)

سورة النساء الآية 23

(5)

سورة النساء الآية 23

(6)

سورة النساء الآية 22

ص: 236

«يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب (1)» وهن:

1 -

المرأة المرضعة، باعتبارها أما.

2 -

أم المرضعة باعتبارها جدة.

3 -

أم زوج المرضعة صاحب اللبن؛ لأنها جدة أيضا.

4 -

أخت المرضعة، باعتبارها خالة.

5 -

أخت زوجها، باعتبارها عمة.

6 -

بنات بنيها وبناتها، باعتبارهن بنات إخوته وأخواته.

7 -

الأخت، سواء كانت أختا لأب وأم، (وهي التي أرضعتها الأم بلبان الأب نفسه - سواء أرضعت مع الطفل الرضيع أو رضعت قبله أو بعده) أو أختا لأم، (وهي التي أرضعتها الأم بلبان رجل آخر) أو أختا لأب (التي أرضعتها زوجة الأب).

(ومن المعلوم أن العدد المقتضي للحرمة من الرضعات خمس، لقول عائشة رضي الله عنها: «كان فيما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن" ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن (2)».

والرضاع المحرم للزواج ما كان خلال الحولين الأولين من عمر الطفل، أما إذا كان بعد الحولين فلا اعتبار له؛ لأن الرضيع في هذه المدة يكون صغيرا يكفيه اللبن، وبه ينبت لحمه، وينشز عظمه، فيصير جزءا من

(1) رواه أبو داود (2055) في النكاح، ما يحرم من الرضاعة، والترمذي (1146) في الرضاع، ما جاء يحرم من الرضاع، والبخاري (6/ 147) في النكاح، (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)، ومسلم (1444) في الرضاع، ما يحرم من الرضاعة، وأحمد (6/ 44) والنسائي (6/ 99) والموطأ (رقم 1287) والبيهقي (7/ 159) والدارمي (2/ 156).

(2)

رواه مسلم (1452) في الرضاع، التحريم بخمس، والموطأ (رقم 1289) في الرضاع، ما جاء في الرضاعة، وأبو داود (2062) في النكاح، هل يحرم ما دون الخمس، والترمذي (1150) والنسائي (6/ 100) وابن ماجه (1942)، ومعناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر نزوله، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنا متلوا، لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد، رجعوا عن تلاوته. (حاشية الأرناؤوط على جامع الأصول 11/ 482).

ص: 237

المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم (1)» ، «وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة، انظرن من إخوانكن فإن الرضاعة من المجاعة (2)»، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام (3)» ، قال مالك: ما كان من الرضاعة بعد الحولين فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئا، وإنما هو بمنزلة الطعام (4).

ثانيا: أما التحريم المؤقت، فإنه يمنع من التزوج بالمرأة، ما دامت على حالة خاصة، فإن تغيرت تلك الحال زال التحريم، صارت حلالا، ومن المحرم على المسلم حرمة مؤقتة:

1 -

الجمع بين الأختين لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (5) بالإضافة إلى أن الجمع بينهما يولد الشقاق بين الأقارب، ويعكر صفو الأخوة والمودة، ويمزق ما بين الأرحام من صلات.

(1) أبو داود (2060) النكاح، رضاعة الكبير، ومالك في الموطأ (1282) الرضاع، ما جاء في الرضاعة بعد الكبر.

(2)

أبو داود (2058) النكاح، رضاعة الكبير، وابن ماجه (1945) النكاح، لا رضاعة بعد الفصال، والبخاري (9/ 126) في النكاح، ومن قال: لا رضاعة بعد حولين، مسلم (1455) الرضاع، إنما الرضاعة من المجاعة، والنسائي (6/ 102) في النكاح.

(3)

ابن ماجه (1946) النكاح، لا رضاع بعد الفصال، والترمذي (1152) الرضاع، الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر، وقال: حديث حسن صحيح، واللفظ له، والفطام يكون في الحولين لقوله تعالى:" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " قال الخطابي في (معالم السنن 3/ 185): إن الرضاعة التي تقع بها الحرمة ما كان في الصغر، والرضيع طفل يقوته اللبن ويسد جوعه، أما ما كان منه في الحال التي لا يشبعه إلا الخبز واللحم فلا حرمة له.

(4)

الموطأ (1283).

(5)

سورة النساء الآية 23

ص: 238

2 -

الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها (1)» .

قال النووي: هذا دليل لمذهب العلماء كافة، أنه يحرم الجميع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، سواء كانت عمة وخالة حقيقية - وهي أخت الأب، وأخت الأم - أو مجازية - وهي أخت أبي الأب، وأبي الجد وإن علا، أو أخت أم الأم وأم الجدة، من جهتي الأم والأب وإن علت، فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجميع بينهما (2).

3 -

زوجة الغير، وذلك رعاية لحق الزوج، لقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (3).

أي: وحرمت عليكم المحصنات من النساء، وهن ذوات الأزواج.

4 -

معتدة الغير، وهي التي مات عنها زوجها، أو طلقها طلاقا بائنا، ولا تزال في عدتها، فهذه تحرم خطبتها إلا أن تكون تلميحا فقط، حرم التصريح بخطبتها مراعاة لحزنها وإحدادها ومواساة لشعور أهل الميت في الحالة الأولى؛ ولأن حق الزوج لا يزال متعلقا بها في الثانية، أما إذا كانت في عدة طلاق رجعي فلا يحل لأحد التصريح أو التلميح بخطبتها؛ لأنها لا تزال في ملك زوجها وعصمته، قال تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (4)

(1) البخاري (9/ 138) النكاح، لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408) النكاح، تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وأبو داود (2065) النكاح، والترمذي (1126) النكاح، الموطأ (1120) النكاح، والنسائي (6/ 96) وأحمد (2/ 462)، والبيهقي (7/ 165)، واستقصى الألباني طرقه في (الإرواء / 1882)، وقال: هو صحيح بل متواتر رواه سبعة من الصحابة، قال الإمام الخطابي (معالم السنن 3/ 189): يشبه أن يكون المعنى في ذلك ما يخاف من وقوع العداوة بينهن؛ فيكون منها قطيعة الرحم، على هذا تحريم الجمع بين الأختين، وهو قول أكثر أهل العلم.

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 190).

(3)

سورة النساء الآية 24

(4)

سورة البقرة الآية 235

ص: 239

وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي، فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما ثم قال عمر: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان قد دخل بها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبدا). وقال مالك وسعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل من فرجها.

5 -

الزانية: لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (1) النور / 3.

وللحديث الذي رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها:(عناق) وكانت صديقته، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟؟ قال: فسكت عني، فنزلت،

(1) سورة النور الآية 3

(2)

أبو داود (2051) في النكاح، واللفظ له، والنسائي (6/ 66) فيه: تزويج الزانية، والترمذي (3176) في التفسير، سورة النور، والحاكم (2/ 396) وصححه، والبيهقي (7/ 153)، وذكره الألباني في (الإرواء / 1886) وصححه.

ص: 240

فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها (1)».

وللحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله (2)» .

قال الشوكاني: هذا وصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا، وفيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب الكريم؛ لأن آخرها:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (3)

فإنه صريح في التحريم (4)، وقال الشنقيطي: إن أظهر قولي العلماء عندي أن الزانية والزاني إذا تابا من الزنا، وندما على ما كان منهما، ونويا ألا يعودا إلى الذنب، فإن نكاحهما جائز، فيجوز له أن ينكحها بعد التوبة، ويجوز نكاح غيرهما لهما؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، لقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (5) الفرقان / 70.

فالتوبة من الذنب تذهب أثره، أما من قال: إن من زنى بامرأة لا تحل له مطلقا ولو تاب، فقولهم خلاف التحقيق (6).

والمسلم الفاضل لا يمكن أن يرضى بالحياة مع زانية، أو يعاشر امرأة غير مستقيمة، والله شرع له الزواج لتكون الزوجة له سكنا، ويكون بينهما مودة ورحمة، فأين المودة التي يمكن أن تحصل بين مسلم فاضل وزانية؟! وهل يمكن لنفسه أن تسكن إلى نفسها الخبيثة الداعرة؟!

(1) سورة النور الآية 3 (2){وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}

(2)

أبو داود (2052) في النكاح، وأحمد (2/ 324)، وذكره الحافظ في (بلوغ المرام / 1029) وقال: إسناده حسن.

(3)

سورة النور الآية 3

(4)

نيل الأوطار (6/ 145).

(5)

سورة الفرقان الآية 70

(6)

أضواء البيان (6/ 83).

ص: 241

وقال ابن القيم: " ومما يوضح هذا التحريم أن هذه الجناية من المرأة تعود بفساد فراش الزوج، وفساد النسب الذي جعله الله بين الناس لتمام مصالحهم، فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، فمن محاسن هذه الشريعة تحريم نكاح الزانية حتى تتوب وتستبرئ "(1)، وقال رحمه الله: " أما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من ينكحها فهو زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه، ويعتقد وجوبه، أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده، فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، وأيضا فإنه سبحانه قال:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} (2) النور / 26.

والخبيثات: الزواني، وهذا يقتضي أن من تزوجهن خبيث مثلهن " (3).

(6)

المشركة: وهي كل امرأة تعبد الوثن، كالبوذية والهندوسية والمجوسية، أو هي على مذهب إلحادي كالشيوعية، أو مذهب إباحي كالوجودية؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (4).

وقوله:

{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (5).

ففي الآية الأولى نهي عن نكاح المشركات، وفي الثانية نهي لمن أسلم وظلت زوجه على الشرك أن يبقيها في عصمته.

والكتابيات غير مشمولات بهذا النهي على الأرجح؛ لأن آية المائدة خصصت الكتابيات من هذا العموم، وهي قوله تعالى:

(1) إغاثة اللهفان (1/ 66).

(2)

سورة النور الآية 26

(3)

زاد المعاد (5/ 114).

(4)

سورة البقرة الآية 221

(5)

سورة الممتحنة الآية 10

ص: 242

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) المائدة / 5.

ومما يؤكد ذلك أن سورة البقرة من أول ما نزل من القرآن، في حين أن سورة المائدة من آخر ما نزل، ثم إن لفظ " مشرك " لا يتناول أهل الكتاب، لقوله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (2) البينة / 1

ففرقت الآية بينهما، ولو كانا شيئا واحدا ما فرقت. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" لا يصح من أحد أنه حرم ذلك " - يعني الزوج بالكتابيات - وبه وقال: عثمان وطلحة وجابر وحذيفة وابن عباس من الصحابة، ومالك وسفيان والأوزاعي وابن المسيب وابن جبير والحسن وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك، ممن بعدهم، كما حكاه النحاس والقرطبي.

أقول: ولكن آية المائدة اشترطت في الكتابيات أن يكن " محصنات " أي: عفيفات لا يعرف عنهن تبذل أو فاحشة، أو مجاهرة بشرك، كالقول بألوهية المسيح، أو أنه - أو عزير - ابن الله.

يقول رشيد رضا في بيان الفرق بين المشركة والكتابية: " والمشركة ليس لها دين يحرم الخيانة ويوجب الأمانة، ويأمرها بالخير، وينهاها عن الشر، فهي موكولة إلى طبيعتها وما تربت عليه في عشيرتها، وهو خرافات الوثنية وأوهامها، وأماني الشياطين وأحلامها، وتخون زوجها، وتفسد عقيدة ولدها: أما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة؛ فإنها تؤمن بالله وتعبده، وتؤمن بالأنبياء، وبالحياة الأخرى وما فيها من جزاء، وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر، والفرق الجوهري بينهما هو الإيمان بنبوة

(1) سورة المائدة الآية 5

(2)

سورة البينة الآية 1

ص: 243

محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يؤمن بالنبوة العامة لا يمنعه من الإيمان بنبوة خاتم النبيين إلا الجهل بما جاء به، ويوشك أن يظهر للمرأة من مباشرة الرجل أحقية دينه، وحسن شريعته، والوقوف على سيرة من جاء بها، وما أيده الله تعالى به من الآيات البينات، فيكمل إيمانها، ويصح إسلامها، وتؤتى أجرها مرتين، إن كانت من المحسنات في الحالين (1).

ويقول الأستاذ حسين محمد يوسف: " إن الله تعالى بين العلة في تحريم الزواج بالمشركة بقوله:

{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} (2)

أي أن المشركة بما نشأت عليه من كفر، وما تعودته من رذائل لانعدام أصل الإيمان في قلبها، ضمينة بأن تؤثر في زوجها وأولادها، فيجارونها في بعض أحوالها المنافية للإسلام، فيقودهم ذلك إلى النار، في حين أن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، ولذلك فإنه يدعوهم إلى اختيار الزوجة المؤمنة التي تؤسس بها الأسرة على التقوى، في سياج من آداب الإسلام الفاضلة " (3).

7 -

الزيادة على الأربع؛ لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (4)(النساء / 3).

ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر من أسلم وتحته أكثر من أربع بمفارقة ما زاد على الأربع:

أ - فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا، وفارق سائرهن (5)» .

(1) تفسير المنار (2/ 351).

(2)

سورة البقرة الآية 221

(3)

اختيار الزوجين في الإسلام / حسين محمد يوسف ص 25.

(4)

سورة النساء الآية 3

(5)

أخرجه الترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وابن حبان (1277)، والحاكم (2/ 192)، والبيهقي (7/ 149)، وأحمد (2/ 44)، وذكره الألباني في (الإرواء / 1883) وصححه. ورواه الدارقطني (3/ 270) في النكاح.

ص: 244

(1) أبو داود (2241)، وابن ماجه (1952)، والبيهقي (7/ 183)، وذكره الألباني في (الإرواء / 1885) وحسنه. وقد روى الحديث أيضا الدارقطني (3/ 270) في النكاح.

ص: 245

ذات الدين

2 -

أن تكون ذات دين وخلق؛ لقوله تعالى: أ - {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1)(الحجرات / 13).

ب - {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (2)(النور / 32).

ج - {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (3)(النساء / 34).

د - {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (4)(النور / 26).

(ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الثابتة التالية:

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (5)» .

ب - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة (6)» .

(1) سورة الحجرات الآية 13

(2)

سورة النور الآية 32

(3)

سورة النساء الآية 34

(4)

سورة النور الآية 26

(5)

البخاري (9/ 115) في النكاح، الأكفاء في الدين، ومسلم (1466) الرضاع، استحباب نكاح ذات الدين، وأبو داود (2047) في النكاح، والنسائي (6/ 68) في النكاح، وابن ماجه (1858) فيه، والدارمي (2/ 132)، والبيهقي (7/ 79)، والدارقطني (3/ 302) في النكاح، وأحمد (2/ 428)، وتربت يداك: التصقتا بالتراب، لا يريدون به الدعاء على المرء، بل المبالغة في التحريض على الشيء والتعجب منه ونحو ذلك. انظر جامع الأصول (11/ 430)، وعون المعبود شرح أبي داود (6/ 40).

(6)

مسلم (1467) في الرضاع، والنسائي (6/ 66) في النكاح، وابن ماجه (1855)، والبيهقي (7/ 80) النكاح، وأحمد (2/ 268).

ص: 245

ج - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق (1)» .

د - وعن ثوبان قال: «لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأي المال نتخذ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة (2)» .

(فالدين هو العنصر الأساس في اختيار الزوجة، ذلك أن الزوجة سكن لزوجها، وحرث له، وهي مهوى فؤاده، وربة بيته، وأم أولاده. عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم، فإن لم تكن على قدر عظيم من الدين والخلق؛ فشل الزوج في تكوين أسرة مسلمة صالحة، أما إذا كانت ذات خلق ودين كانت أمينة على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفة في نفسها ولسانها، حسنة لعشرة زوجها، فضمنت له سعادته، وللأولاد تربية فاضلة، وللأسرة شرفها وسمعتها، فاللائق بذي المروءة والرأي أن يجعل ذوات الدين مطمح النظر وغاية البغية؛ لأن جمال الخلق أبقى من جمال الخلق، وغنى النفس أولى من غنى المال وأنفس، والعبرة العبرة في الخصال لا الأشكال، وفي الخلال لا الأموال. ومن هنا فضل الإسلام صاحبة الدين على غيرها، ولو كانت أمة سوداء.

«كانت لعبد الله بن رواحة أمة سوداء فلطمها في غضب، ثم ندم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد الشهادتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه مؤمنة، فقال عبد الله، لأعتقنها ولأتزوجنها،

(1) رواه ابن حبان (111)، أحمد (1/ 18)، وذكره الألباني في (الصحيحة) برقم (282).

(2)

رواه ابن ماجه (1856) في النكاح، وأحمد (5/ 278)، والترمذي (3093) التفسير، التوبة، والطبري (التهذيب / 11662)، وقد ذكره الألباني في (صحيح الجامع) برقم / 5231، وقال رواه ابن حبان عن علي والحاكم عن ابن عباس.

ص: 246

ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، وقالوا: نكح أمة، وكانوا يفضلون أن ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم. فنزل قوله تعالى:(2)».

وعن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران (3)» .

نعم إن المرأة إذا كانت صالحة مؤمنة تقية ورعة، كانت كبنت خويلد رضي الله عنها، التي آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كفر الناس، وصدقته إذ كذبوه، وواسته بمالها إذ حرموه، فكانت خير عون له في تثبيته أمام الصعاب والشدائد، وكانت كأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، مثال المرأة الحرة الأبية، التي دفعت بولدها إلى طريق الشهادة، وحرضته على الصمود أمام قوى الجبروت والطغيان، ليموت ميتة الأحرار الكرام. أو كانت كصفية بنت عبد المطلب التي دفعت بنفسها إلى غمار الوغى، لتدفع يهود عن أعراض المسلمين. أو كانت كالخنساء التي جادت بأولادها الأربعة في سبيل الله، وعندما جاءها نبأ استشهادهم قالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وإني لأرجو الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

(1) وقيل إن هذه الآية نزلت في (خنساء) وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، فقال حذيفة: يا خنساء، قد ذكرت في الملأ الأعلى مع دمامتك وسوادك، وأنزل الله ذكرك في كتابه، فأعتقها وتزوجها. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 70)، وابن كثير (1/ 377)، وفتح القدير (1/ 225).

(2)

سورة البقرة الآية 221 (1){وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}

(3)

رواه البخاري (1/ 35) في العلم، ومسلم (154) في الإيمان، والترمذي (1116) في النكاح، والنسائي (6/ 115) فيه.

ص: 247

الولود

3 -

أن تكون ولودا: وذلك لما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، من تحبيب بطلب الذرية الصالحة، وحث على التكاثر في النسل، بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج، والمتمثل في استمرار النوع البشري، وإنجاب الذرية، ودوام عمارة الإنسان للأرض، التي هي من الغايات الأساسية التي خلقه الله من أجلها.

ففي القرآن الكريم:

أ - قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (1) الكهف / 46

ب - وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (2) آل عمران / 14.

ج - وحكى سبحانه على لسان زكريا عليه السلام أنه كان يتوجه إلى ربه بهذا الدعاء:

{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (3){وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} (4){يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (5) مريم / 4 - 6.

د - وقال على لسان إبراهيم:

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} (6) إبراهيم / 40.

هـ - وذكر أن طلب الذرية الصالحة من أمنيات المؤمنين، بل هو صفة من صفاتهم.

(1) سورة الكهف الآية 46

(2)

سورة آل عمران الآية 14

(3)

سورة مريم الآية 4

(4)

سورة مريم الآية 5

(5)

سورة مريم الآية 6

(6)

سورة إبراهيم الآية 40

ص: 248

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (1) الفرقان / 74.

ووحتى الملائكة، إذا أرادت الاستغفار للمؤمن، استغفرت له ولزوجه ولأولاده، وهذا فضل من أفضال الله على عباده المؤمنين:

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (2){رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} (3) غافر / 7 - 8.

فقد بينت الآيات الكريمات أن البنين من متع الحياة الدنيا وزينتها، وأن طلب النسل من الأمور التي حببها الله إلى خلقه، وطبعهم على ابتغائه، وجعله جبلة فطرية فيهم، كما وجعله أمنية أجراها على لسان رسله وأنبيائه، وبغية للمؤمنين يحرصون على إدامة الدعاء في طلبها.

وفي السنة المطهرة: عن معقل بن يسار قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم (4)» .

(1) سورة الفرقان الآية 74

(2)

سورة غافر الآية 7

(3)

سورة غافر الآية 8

(4)

رواه أبو داود (2050) في النكاح، والنسائي (6/ 65) فيه، والبيهقي (7/ 81)، وأحمد (3/ 158) وابن حبان (1228)، والحاكم (2/ 162) وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في (الإرواء / 1811) بلفظ: فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. ويقول سيد قطب في التعليق على قوله تعالى: المال والبنون زينة. . إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة، فما يجوز أن يوزن بهما الناس أو يقدروا على أساسهما (الظلال 4/ 2272).

ص: 249

وتعرف الولود بالنظر إلى حالها من كمال جسمها، وسلامة صحتها من الأمراض التي تمنع الحمل أو الولادة، وبالنظر إلى حال أمها، وقياسها على مثيلاتها من أخواتها وعماتها وخالاتها المتزوجات، فإن كن ممن عادتهن الحمل والولادة كانت - في غالب أمرها - مثلهن.

ص: 250

الودود:

4 -

أن تكون ودودا، تقبل على زوجها، فتحيطه بالمودة والحب والرعاية، وتحرص على طاعته ومرضاته، ليتحقق بها الهدف الأساسي من الزواج، وهو السكن.

قال تعالى في وصف الحور العين:

{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} (1){عُرُبًا أَتْرَابًا} (2) الواقعة / 36 - 37.

والعروب هي المرأة المتحببة إلى زوجها الودودة، وقد وردت أحاديث عديدة تؤكد على ضرورة مراعاة هذه الصفة في المرأة.

أ - فعن معقل بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم (3)» رواه أبو داود (2050) في النكاح، والنسائي (6/ 65) فيه، والبيهقي (7/ 81)، وأحمد (3/ 158) وابن حبان (1228)، والحاكم (2/ 162) وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في (الإرواء / 1811) بلفظ: فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. ويقول سيد قطب في التعليق على قوله تعالى: المال والبنون زينة. . إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة، فما يجوز أن يوزن بهما الناس أو يقدروا على أساسهما (الظلال 4/ 2272). .

ب - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه سلم - يقول: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل: أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده (4)» ، وفي رواية:«خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش (5)» ، فقد وصفهن صلى الله عليه وسلم بالشفقة على أطفالهن، والرأفة بهم والعطف عليهم، وبأنهن يراعين حال أزواجهن، ويرفقن بهم ويخففن الكلف عنهم، فواحدتهن تحفظ مال زوجها وتصونه بالأمانة والبعد عن التبذير، وإذا افتقر كانت عونا له وسندا، لا عدوا وخصما.

(1) سورة الواقعة الآية 36

(2)

سورة الواقعة الآية 37

(3)

سنن النسائي النكاح (3227)، سنن أبو داود النكاح (2050).

(4)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3434)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2431)، سنن الترمذي الأطعمة (1834)، سنن النسائي عشرة النساء (3947)، سنن ابن ماجه الأطعمة (3280)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 394).

(5)

أخرجه البخاري (9/ 107) في النكاح، مسلم (2527) في فضائل الصحابة، وأحمد (2/ 393)، وذكره الألباني في (الصحيحة / 1052).

ص: 250

ج - وعن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير نسائكم الودود الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله (1)» .

د - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه (2)» .

هـ - والمرأة الودود تكون مطيعة لزوجها، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره (3)» .

والودود هي المرأة التي يعهد منها التودد إلى زوجها، والتحبب إليه، وبذل ما بوسعها من أجل مرضاته؛ لذا تكون معروفة باعتدال المزاج، وهدوء الأعصاب، بعيدة عن الانحرافات النفسية والعصبية، تقدر على الحنو على ولدها، ورعاية حق زوجها. أما إذا لم تكن المرأة كذلك، كثر نشوزها، وترفعت على زوجها، وصعب قيادها لشراسة خلقها، مما يفسد الحياة الزوجية بل ويدمرها، بعد استحالة تحقق السكن النفسي والروحي للزواج بسببها.

(1) أخرجه البيهقي (7/ 82)، وذكره الألباني في (الصحيحة رقم / 1849) وصححه.

(2)

أخرجه النسائي في عشرة النساء من السنن الكبرى (1/ 84 / 1) والحاكم (2/ 190) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في (الصحيحه / 289).

(3)

رواه النسائي (2/ 72) والحاكم (2/ 161) وأحمد (2/ 251) والبيهقي (7/ 82)، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (الصحيحة / 1838).

ص: 251

البكر

5 -

أن تكون بكرا، لتكون المحبة بينهما أقوى، والصلة أوثق، إذ البكر مجبولة على الأنس بأول أليف لها، وهذا يحمي الأسرة من كثير مما ينغص

ص: 251

عليها عيشها، ويكدر صفوها، وبذا نفهم السر الإلهي في جعل نساء الجنة أبكارا، في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} (1){فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} (2){عُرُبًا أَتْرَابًا} (3)(الواقعة / 35 - 37).

وقد وردت في الحث على انتقاء البكر أحاديث كثيرة، منها:

أ - «عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا جابر، تزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك (4)» ، وفي رواية لمسلم: قال: «فأين أنت من العذارى ولعابها؟ (5)» ، وفي رواية للبخاري قال:«فهلا جارية تلاعبك؟ قلت: يا رسول الله، إن أبي قتل يوم أحد، وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أصبت (6)» .

ب - عن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير (7)» .

ج - «وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديا فيه شجر قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها، يعني: أن النبي لم يتزوج بكرا غيرها (8)» .

(1) سورة الواقعة الآية 35

(2)

سورة الواقعة الآية 36

(3)

سورة الواقعة الآية 37

(4)

صحيح البخاري النكاح (5247)، صحيح مسلم الرضاع (715)، سنن الترمذي النكاح (1100)، سنن ابن ماجه النكاح (1860)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 314)، سنن الدارمي النكاح (2216).

(5)

صحيح البخاري الجهاد والسير (2967)، صحيح مسلم الرضاع (715)، سنن الترمذي النكاح (1100)، سنن النسائي البيوع (4638)، سنن ابن ماجه النكاح (1860)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 376)، سنن الدارمي النكاح (2216).

(6)

رواه البخاري (9/ 104) في النكاح، ومسلم (715) في الرضاع، وأبو داود (2048) في النكاح، والترمذي (1100) فيه، والنسائي (6/ 69) فيه، والبيهقي (7/ 81)، وأحمد (3/ 308) والدرامي (2/ 146).

(7)

رواه ابن ماجه (1861) في النكاح، والبيهقي (7/ 81) فيه، وذكره الألباني في (الصحيحة / 623) وحسنه لمجموع طرقه.

(8)

أخرجه البخاري (9/ 104) في النكاح، والبيهقي (7/ 81) فيه، وروى مسلم (4/ 128) في النكاح، عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك ببعض ما مضى من زمانك؟؟)، قال النووي في (شرح مسلم / 9/ 174): فيه استحباب نكاح الشابة؛ لأنها المحصلة لمقاصد النكاح، فإنها ألذ استمتاعا، وأطيب نكهة، وأرغب في الاستمتاع، الذي هو مقصود النكاح، وأحسن عشرة، وأفكه محادثة، وأجمل منظرا، وألين ملسمسا، وأقرب إلى أن يعودها زوجها الأخلاق التي يرتضيها.

ص: 252

ومن المعلوم أن في زواج البكر من الألفة التامة، لما جبلت عليه من الأنس بأول إنسان تكون في عصمته، بخلاف الثيب التي قد تظل متعلقة القلب بالزوج الأول؛ فلا تكون محبتها كاملة، ولا مودتها صادقة، مما يدفعها أحيانا إلى النفور من الأخير، أو الفتور في معاملته.

وقد ذكرت الأحاديث التي سقناها مجموعة من الصفات التي تتميز بها البكر، منها:

1 -

كثرة ملاطفتها لزوجها، وملاعبتها له، ومرحها معه.

2 -

عذوبة ريقها، وطيب فمها، بما يحقق لزوجها متعة عظيمة حين معاشرتها، كما أن عذوبة الأفواه تفيد حسن كلامها، وقلة بذائها وفحشها مع زوجها، وذلك لكثرة حيائها؛ لأنها لم تخالط زوجا قبله.

3 -

كونها ولودا، حيث لم يسبق لها الحمل والولادة.

4 -

رضاها باليسير، من الجماع والمال والمؤنة ونحو ذلك؛ لكونها - بسبب حداثة سنها - أقل طمعا، وأسرع قناعة؛ فلا ترهق زوجها ما لا يطيق لكثرة مطالبها.

5 -

كونها أقل خبا، أي مكرا وخداعا، لما جبلت عليه من براءة القصد، وسذاجة الفكر. فهي - في الغالب - غفل لا تزال على فطرتها، لا تعرف حيلة، ولا تحسن مكرا.

ومع كل، فإنه يجوز للرجل اختيار الثيب إذا توفر لديه من الأسباب ما يدعوه إلى ذلك، قال صاحب عون المعبود في التعليق على حديث جابر: " وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار، إلا المقتضي لنكاح

ص: 253

الثيب، كما وقع لجابر، مات أبوه وترك له تسع أخوات يتيمات، يحتجن منه إلى رعاية وعطف وخدمة، فكان من الموائم له أن يتزوج ثيبا، تقوم على أمرهن، وتعنى بشأنهن ". (عون المعبود 6/ 44).

ص: 254

الجمال

6 -

أن تكون جميلة، حسنة الوجه؛ لتحصل بها للزوج العفة، ويتم الإحسان، وتسعد النفس، ومن هنا كانت نساء الجنة اللاتي جعلهن الله تعالى جزاء للمؤمنين المتقين من الحور العين، قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (1){فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (2){يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} (3){كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (4)(الدخان / 51 - 54).

وقال عنهن القرآن في آية أخرى:

{وَحُورٌ عِينٌ} (5){كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} (6)(الواقعة / 22 - 23).

والحور: جمع حوراء، وهي البيضاء، قال مجاهد: سميت الحوراء حوراء لأنه يحار الطرف في حسنها، وقيل: هي من حور العين: وهي شدة بياضها في شدة سوادها، وقال أبو عمرو بن العلاء: الحور أن تسود العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور؛ لأنهن شبهن بالظباء والبقر، أما العين: فجمع عيناء، وهي الواسعة العين. واللؤلؤ المكنون الذي شبهن به في الآية الثانية، هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس والنظر، فلم تثقفه يد، ولم تخدشه عين، وفي هذا - كما يقول سيد قطب - كناية عن معان حسية ونفسية لطيفة في هؤلاء الحور الواسعات العيون.

(1) سورة الدخان الآية 51

(2)

سورة الدخان الآية 52

(3)

سورة الدخان الآية 53

(4)

سورة الدخان الآية 54

(5)

سورة الواقعة الآية 22

(6)

سورة الواقعة الآية 23

ص: 254

وقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلى اعتبار عنصر الجمال في المرأة عند الاختيار:

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره (1)» .

ب - وعن أبي هريرة أيضا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (2)» .

ج - وعنه أيضا، «قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا (3)».

قال صاحب عون المعبود: (يؤخذ من الأحاديث استحباب تزوج الجميلة، إلا إذا كانت الجميلة غير دينة، والتي أدنى منها جمالا متدينة، فتقدم ذات الدين، إما تساوتا في الدين فالجميلة أولى (4).

وفي ذلك يروى عن أكثم بن صيفي أنه قال لبنيه: (يا بني، لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف)(5).

(1) رواه النسائي (2/ 72) والحاكم (2/ 161) وأحمد (2/ 251) والبيهقي (7/ 82)، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (الصحيحة / 1838).

(2)

البخاري (9/ 115) في النكاح، الأكفاء في الدين، ومسلم (1466) الرضاع، استحباب نكاح ذات الدين، وأبو داود (2047) في النكاح، والنسائي (6/ 68) في النكاح، وابن ماجه (1858) فيه، والدارمي (2/ 132)، والبيهقي (7/ 79)، والدارقطني (3/ 302) في النكاح، وأحمد (2/ 428)، وتربت يداك: التصقتا بالتراب، لا يريدون به الدعاء على المرء، بل المبالغة في التحريض على الشيء والتعجب منه ونحو ذلك. انظر جامع الأصول (11/ 430)، وعون المعبود شرح أبي داود (6/ 40).

(3)

رواه مسلم (2424) في النكاح، والنسائي (6/ 77) فيه، والدارقطني (396)، والبيهقي (7/ 84)، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (95)، ومعنى: فإن في أعين الأنصار شيئا: قيل صغر أو عمش.

(4)

انظر (عون المعبود) 6/ 42، و (فتح الباري / لابن حجر العسقلاني) 9/ 135.

(5)

عن (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري / للقسطلاني) 8/ 31.

ص: 255

فالجمال بالنسبة للمرأة ما لم يكن محصنا بالنشأة الدينية، والتربية القويمة، والأصل العريق، قد يصبح وبالا عليها، إذ يغري الفساق بالطمع فيها، ويهون عليها التفريط بشرفها، مما يؤدي بها إلى التردي في هوة الفاحشة دون مبالاة بما يعود على الأسرة من دمار، وما يلوث سمعتها من عار وشنار.

ص: 256

الحسب

7 -

أن تكون حسيبة، كريمة العنصر، طيبة الأرومة، ومن حرائر النساء؛ لأن الغالب فيمن اتصفت بذلك، أن تكون حميدة الطباع، ودودة للزوج، رحيمة بالولد، حريصة على صلاح الأسرة وصيانة شرف البيت، وفي كل الأحوال، فإن أصالة الشرف، وحسن المنبت، ونبل الأرومة، أمر مرغوب ومطلب محمود.

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها (1)» . . . .

ب - وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده (2)» . .

ج -وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر (3)»

د - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء (4)» ، والحسب هو الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا، عددوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على

(1) البخاري (9/ 115) في النكاح، الأكفاء في الدين، ومسلم (1466) الرضاع، استحباب نكاح ذات الدين، وأبو داود (2047) في النكاح، والنسائي (6/ 68) في النكاح، وابن ماجه (1858) فيه، والدارمي (2/ 132)، والبيهقي (7/ 79)، والدارقطني (3/ 302) في النكاح، وأحمد (2/ 428)، وتربت يداك: التصقتا بالتراب، لا يريدون به الدعاء على المرء، بل المبالغة في التحريض على الشيء والتعجب منه ونحو ذلك. انظر جامع الأصول (11/ 430)، وعون المعبود شرح أبي داود (6/ 40).

(2)

أخرجه البخاري (9/ 107) في النكاح، مسلم (2527) في فضائل الصحابة، وأحمد (2/ 393)، وذكره الألباني في (الصحيحة / 1052).

(3)

رواه ابن ماجه (1862) في النكاح. .

(4)

رواه ابن ماجه (1968) في النكاح، والدارقطني (416)، والحاكم (2/ 163)، وذكره الألباني في الصحيحة / 1067.

ص: 256

غيره، ويؤخذ من الأحاديث المذكورة أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج بذات حسب ونسب مثله، إلا أن تعارض نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات (1)، وقد مر قول أكثم بن صيفي:(فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف).

وبدهي أن الرجل إذا تزوج المرأة الحسيبة المنحدرة من أصل كريم، أنجبت له أولادا مفطورين على معالي الأمور، متطبعين بعادات أصيلة وأخلاق قويمة؛ لأنهم سيرضعون منها لبان المكارم، ويكتسبون خصال الخير.

أما أهل الدنيا فإنهم يجعلون المال حسبهم الذي يسعون إليه، ففضائلهم التي يرغبون فيها، ويميلون إليها، ويعتمدون عليها في النكاح وغيره المال، لا يعرفون شرفا آخر مساويا له، بل مدانيا إياه، فصاحب المال فيهم عزيز كيفما كان، والمقل عندهم وضيع ولو كان ذا نسب رفيع.

هـ - فعن أبي بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال (2)» .

والحق الذي ينبغي أن يصار إليه، أن حسب المرء لا يكون بكثرة ماله ووفرة رعائه، بل بنبالة أصله، وشرف محتده.

(1) انظر: فتح الباري (9/ 135)، وعون المعبود (6/ 42).

(2)

رواه الترمذي (6/ 64) في النكاح، وابن ماجه (4219) والدارقطني (417) والحاكم (2/ 163) والبيهقي (7/ 135) وأحمد (5/ 10) وذكره الألباني في (الإرواء / 1870) وصححه.

ص: 257

السلامة من العيب

8 -

أن تكون سليمة من العيوب المنفرة والأمراض السارية، والعلل المعدية.

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يوردن ممرض على مصح (1)» .

(1) البخاري (7/ 179) في الطب، ومسلم (7/ 31) في السلام، وأبو داود (3911) في الطب، وابن ماجه (3541) في الطب، وأحمد (2/ 406) والممرض: الذي إبله مراض، والمصح الذي إبله صحاح، فنهى أن يورد الأول إبله على الثاني مخافة العدوى.

ص: 257

ب - وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد (1)» .

ج - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار (2)» .

وقد ذكر العلماء عددا من العيوب التي يفسخ بها الزواج، كالجب، والعنة، والجنون والبرص، والجذام، والقرن - انسداد الفرج، والفتق - انخراق مابين السبيلين، والنتن - في الفرج والفم.

قال ابن القيم رحمه الله: " إن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار، أما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية، دون ما هو أولى منها، أو مساو لها، فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو إحداهما، ومن أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروع عرفا) (3).

د - وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام أو برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره).

(1) رواه مالك في (الموطأ / 1426) في الأقضية، وابن ماجه (2340) في الأحكام، والحاكم (2/ 57) والبيهقي (6/ 69) والدارقطني (522) قال النووي: له طرق يقوي بعضها بعضا، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به، وذكره الألباني في (الصحيحة) برقم / 250، وصححه لمجموع طرقه.

(2)

سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).

(3)

زاد المعاد (5/ 182).

ص: 258

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: " أيما امرأة نكحت، وبها برص أو جذام أو جنون أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها ".

قال مالك: (وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها، إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، أما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو ابن العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها؛ فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها، ويترك لها قدر ما تستحل به)(1).

(1) الموطأ / برواية يحيى بن يحيى الليثي، الطبعة الثانية، دار النفائس (ص357).

ص: 259

العفة والاحتشام

9 -

أن تكون عفيفة محتشمة، ذات أخلاق فاضلة، لا يعرف عنها سفور أو تبرج، بحيث يحجزها حياؤها عن إبراز مفاتن جسدها أمام كل ناظر:

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس - إشارة إلى الحكام الظلمة - ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة. ولا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا (1)» .

(1) رواه مسلم (6/ 168) في الجنة، ومعنى كاسيات عاريات: أي يلبسن ثيابا رقيقة تصف ما تحتها، فهي في الظاهر كاسية، وفي الحقيقة عارية، مائلات: متبخترات في مشيهن، مميلات يملن أعطافهن وأكتافهن، أسنمة البخت: أسنمة الإبل لما يضنعه في رءوسهن من وصل الشعور ونفشها وتضخيم العمائم (جامع الأصول 11/ 789).

ص: 259

ب - عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «شر نسائكم المترجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم (1)» .

ج - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي، وهي لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال: لا أصبر عنها، قال: استمتع بها (2)»

ومن مظاهر حشمة المرأة وصونها وعدم ابتذالها:

1 -

عدم إكثارها الخروج من بيتها، وتجوالها بين الرجال في الأسواق ومجامع الطرق، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة

(1) أخرجه البيهقي (7/ 82)، وذكره الألباني في (الصحيحة / رقم 1846) وصححه.

(2)

رواه أبو داود (2049) في النكاح، والنسائي (6/ 67) فيه، وذكره الحافظ في (بلوغ المرام / رقم 1132) وقال: رجاله ثقات، كما ذكره ابن كثير في تفسير أول سورة النور (6/ 11) وجود إسناده، وقال:(المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس، لا أن هذا واقع منها، وأنها تفعل الفاحشة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها، فإن زوجها - والحالة هذه - يكون ديوثا، ولكن لما كانت سبحتها هكذا، ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها - لو خلا بها - أمره الرسول بفراقها، فلما ذكر له أنه يحبها، أباح له البقاء معها؛ لأن صحبته لها محققة، ووقوع الفاحشة منها متوهم، فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل). وقال ابن القيم في (روضة المحبين ص 130): (إن الرجل لم يشك من المرأة أنها تزني، ولو سأل عن ذلك لما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقيم مع بغي ويكون ديوثا، وإنما شكا إليه أنها لا تجذب نفسها ممن لاعبها ووضع يده عليها، أو جذب ثوبها ونحو ذلك، فإن من النساء من يلن عند الحديث واللعب ونحوه، وهي حصان عفيفة إذا أريد منها الزنا، وهذا كان عادة كثير من نساء العرب، ولا يعدون ذلك عيبا) وقال: (وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم دفع إحدى المفسدتين بأدناهما، فإنه لما شكا إليه أنه لا يصبر عنها، ولعل حبه يدعوه إلى معصية، أمره أن يمسكها مداوة لقلبه ودفعا للمفسدة التي يخافها باحتمال المفسدة التي شكا منها). وقد رجح الحافظ ابن حجر في (التلخيص) أن قوله: (لا ترد يد لامس) أنها لا تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها، ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفا، أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة، لا أن ذلك وقع منها). وقال صاحب عون المعبود (6/ 46): والظاهر عندي ما ذكره الحافظ، ثم أورد تصحيح المنذري للحديث وقوله: رجال إسناده محتج بهم في الصحيحين).

ص: 260

عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان (1)»، واستشرفها: أي تعرض لها واطلع عليها ينظر إليها يحاول غوايتها.

2 -

عدم اعتراضها الرجال مستعطرة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها، فهي كذا وكذا، يعني زانية (2)»

3 -

أن لا تتشبه بالرجال في لبسها أو حركتها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل (3)» ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانة، وأخرج عمر فلانا (4)» 4 - أن لا تكون ممن يلبس ثياب شهرة: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله إياه يوم القيامة، ثم ألهب فيه النار، ومن تشبه بقوم فهو منهم (5)» .

5 -

أن لا تكون ممن يتزين بالوشم أو الوصل أو تفليج الأسنان:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة (6)» ، «وعن عبد الله بن مسعود

(1) رواه الترمذي (1173) في الرضاع، قال الأرناؤوط في تخرج (جامع الأصول 6/ 665): إسناده حسن.

(2)

رواه أبو داود (4174) في الترجل، والنسائي (8/ 153)، والتزمذي (2787) في الأدب، وذكره الألباني في (غاية المرام / رقم 84) وصححه، كما خرجه في (حجاب المرأة المسلمة) ص / 64.

(3)

رواه أبو داود (4098) في اللباس، وصححه الألباني في (حجاب المرأة المسلمة) ص / 66.

(4)

رواه البخاري (10/ 280) في اللباس، وأبو داود (4930) في الأدب، والترمذي (2785) في الأدب. .

(5)

رواه أبو داود (4030) في اللباس، وأحمد (5664)، وابن ماجه (3606) في اللباس، وصححه الألباني في (غاية المرام / رقم 91) وخرجه في (حجاب المرأة ص / 110).

(6)

البخاري (10/ 317) في اللباس، ومسلم (2124) فيه، وأبو داود (4168) في الترجل، والترمذي (2784) في الأدب، والنسائي (8/ 145) في الزنية، والوصل: هو وصل الشعر بشعر آخر ليطول، والوشم: تغيير لون الجلد بزرقة أو خضرة أو سواد، وذلك بغرز الإبرة فيه، وذر النيلج عليه حتى يزرق أثره أو يخضر.

ص: 261

- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات، والمستوشمات، اللاتي يغيرن خلق الله تعالى (1)»

(1) رواه النسائي (8/ 146) في الزينة، ومسلم (2125) في اللباس، وأبو داود (4169) في الترجل والترمذي (2783) في الأدب، والنمص: نتف شعر الوجه أو الحاجب لترقيقه، والفلج: تباعد ما بين الثنايا، والمتفلجة: التي تتكلف في فعل ذلك بصناعة، وهو محبوب إلى العرب، مستحسن إليهم، فمن فعلت ذلك طلبا للحسن فهو مذموم، أما الحديث الذي أخرجه الطبري عن امرأة أبي إسحاق:(أنها دخلت على عائشة، وكانت شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت) فضعيف كما حكم عليه الألباني في (غاية المرام / رقم 96)، ورد قول من استدل به على جواز حف الوجه وإزالة ما فيه من شعر للمرأة، وقال: إن ذلك خلاف ما تدل عليه الأحاديث بإطلاقها، وقال: إن ما ذهب إليه النووي من عدم جواز الحف - خلافا لبعض الحنابلة - هو الذي يقتضيه التحقيق العلمي.

ص: 262

الغيراء:

10 -

أن لا تكون غيراء، والغيرة موجودة في غالب النساء، إلا أن المذموم منها تلك تتأجج في صدر صاحبتها نارا تشعل جيوش الظنون والشكوك كل آن؛ فتحيل حياة الأسرة جحيما لا يطاق:

أ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه «قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة (1)» .

ب - ولذلك لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها إلا بعد أن دعا أن يذهب الله غيرتها، «عن أم سلمة قالت: لما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيرا منه، ثم رجعت إلى نفسي، قلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي، فغلست يدي من القرظ - ما يدبغ به - وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسه، فلما

(1) رواه النسائي (6/ 69) في النكاح، وقال الأرناؤوط في تخريج (جامع الأصول 11/ 534): إسناده صحيح.

ص: 262

فرغ من مقالته، قلت: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة في، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: أما ما ذكرت من غيرتك فسوف يذهبها الله عز وجل عنك (1)» (وفي رواية النسائي، «فأدعو الله عز وجل فيذهب غيرتك)، أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي: قالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتزوجها. قالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)» -.

ج - أما الغيرة المعتدلة التي لا تتسلط على صاحبتها، فهي مقبولة، بل وقد تستملح أحيانا:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه - وفي رواية عائشة - فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين - في رواية أم سلمة، وفي أخرى صفية - بصحفة فيها طعام، فضربت التي هو في بيتها يد الخادم، فسقطت الصفحة فانفلقت، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: " غارت أمكم، غارت أمكم " ثم حبس الخادم، حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها؛ فدفعها إلى التي كسرت صفحتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها (3)» .

د - أما الغيرة المحمودة، فهي التي تكون إذا ما ارتكبت محارم الله:

(1) سنن الترمذي الدعوات (3511)، سنن أبو داود الجنائز (3115)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1598)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 28).

(2)

سنن الترمذي الدعوات (3511)، سنن أبو داود الجنائز (3115)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1598)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 28).

(3)

البخاري (9/ 283) في النكاح، وأبو داود (3567) في البيوع، والترمذي (1359) في الأحكام، والنسائي (7/ 70) عشرة النساء.

ص: 263

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه (1)»

(1) رواه البخاري (9/ 281) في النكاح، ومسلم (2761) في التوبة، والترمذي (1168) في الرضاع.

ص: 264

مخطوبة الغير:

11 -

أن لا تكون مخطوبة غيره: فقد نهى الشارع الحكيم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه؛ لما في ذلك من توريث العداوات، إثارة الإحن، وتأجيج الأحقاد بين الناس:

أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا (1)» .

ب - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له (2)» .

ج - وعنه أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه (3)» .

د - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك (4)» .

قال الإمام مالك: (وتفسير قوله: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه (5)»: أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد

(1) البخاري (5143) في النكاح، وأبو داود (4882) في الأدب، والترمذي (1928) في البر والصلة، والموطأ (1641) في حسن الخلق / المهاجرة، والتجسس بالجيم: طلب الخبر لغيرك، وبالحاء: طلبه لنفسك (جامع الأصول 6/ 526).

(2)

رواه البخاري (5142) في النكاح، ومسلم (4/ 128) فيه، والنسائي (6/ 72) فيه، وأحمد (2/ 126).

(3)

رواه أبو داود (2081) في النكاح، وابن ماجه (1868) فيه، ومالك في الموطأ (1101) فيه أيضا.

(4)

رواه البخاري (3/ 431) في البيوع، والنسائي (6/ 72).

(5)

صحيح البخاري النكاح (5142)، صحيح مسلم النكاح (1412)، سنن الترمذي البيوع (1292)، سنن النسائي النكاح (3243)، سنن أبو داود النكاح (2081)، سنن ابن ماجه التجارات (2171)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 42)، موطأ مالك النكاح (1112)، سنن الدارمي البيوع (2567).

ص: 264

معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة، فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد) (1).

وقد استدل بعض الفقهاء على أن تحريم خطبة الرجل على خطبة أخيه مشروط بحصول التراضي مع الأول وتسمية المهر، «بحديث فاطمة بنت قيس، حيث قالت: فلما حللت - من العدة - ذكرت له - لرسول الله - أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية صعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته (2)» ، وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة (3).

أما إذا خطب الأول وأجيب طلبه، فقد أجمع الفقهاء على تحريم الخطبة على خطبته، فإذا خطب الثاني ولم يدخل وجب فسخ الخطبة، فإن دخل بها صح زواجه، وكان آثما.

أما إذا كان الأول فاسقا، فقد أجاز بعض الفقهاء خطبة الرجل على خطبته، وقالوا: لا تحرم، ولو ركنت إليه؛ لأن درء المفسدة المترتبة على وقوعها في عصمة الفاسق مقدم على المنفعة المتوقعة من زواجها به، ونقل الحافظ في الفتح (9/ 200) عن ابن القاسم صاحب مالك قوله: إن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته، ثم قال الحافظ رحمه الله: وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة، فيكون الفاسق غير كفء لها؛ فتكون خطبته كلا خطبة، وقال: وقد رجح قول ابن القاسم ابن

(1) الموطأ (1101) في كتاب النكاح.

(2)

رواه مسلم (4/ 195) في الطلاق، وسيأتي كاملا في الكفاءة للزوج مع تمام تخريجه.

(3)

شرح مسلم / للنووي (9/ 198) طبعة دار الفكر 1401 هـ.

ص: 265

العربي، أما الجمهور لم يعتبروا ذلك إذا صدرت منها علامة القبول، بل وأطلق بعضهم الإجماع على خلافه.

ص: 266

خفة المهر:

12 -

أن تكون يسيرة المهر: فقد فرض الشارع المهر للزوجة منحة تقدير تحفظ عليها حياءها وخفرها، وتعبيرا عن إكرام الزوج لها ورغبته فيها، إلا أنه - من جانب آخر - حث على يسره وخفته.

أ - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير النكاح أيسره (1)» .

ب - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " على أربع أواق. كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه (2)» . . . .

ج - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها (3)» . قال عروة: يعني تيسير رحمها للولادة.

د - عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك،

(1) رواه أبو داود (2117) في النكاح، وابن حبان (1257)، وذكره الألباني في (الصحيحة / 1842)، وقال: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات كلهم على شرط مسلم.

(2)

رواه مسلم (4/ 142) في النكاح.

(3)

رواه أحمد (6/ 77)، والبيهقي (7/ 235)، وابن حبان (1256)، والحاكم (2/ 181) وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في (الإرواء6/ 350) وحسنه.

ص: 266

فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: فهل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن (1)».

هـ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال: كم سقت إليها؟ قال: زنة

(1) رواه البخاري (9/ 113)، ومسلم (1425)، وأبو داود (2111)، والترمذي (1114) ومالك (1107) والنسائي (6/ 113) وابن ماجه (1889) والبيهقي (7/ 85) والدارقطني (393) كلهم في النكاح، وأحمد (5/ 330) والدارمي (2/ 142). قال النووي في (شرح مسلم 9/ 213): فيه دليل على أنه يستحب أن لا ينعقد النكاح إلا بصداق؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، من حيث إنه لو حصل طلاق قبل الدخول وجب نصف المسمى، فلو لم تكن تسمية لم يجب صداق، بل تجب المتعة، فلو عقد النكاح بلا صداق صح لقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فهذا تصريح بصحة النكاح والطلاق من غير مهر، وهل يجب المهر بالعقد أم بالدخول؟ فيه خلاف مشهور، وأصحهما الدخول، وهو ظاهر الآية. اهـ.

ص: 267

نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة (1)»، وفي رواية البيهقي:(على وزن نواة من ذهب، قومت خمسة دراهم).

وعن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر يوما، فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية).

ز - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم (2)» .

ح - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «لما تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهما وأراد أن يدخل بها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطها شيئا " قال: ما عندي شيء، قال: " أين درعك الحطمية؟ " فأعطاها درعه (3)» .

(1) رواه البخاري (5153)، ومسلم (4/ 14)، وأبو داود (2109)، والترمذي (1094)، والنسائي (6/ 137) ومالك (1146) كلهم في النكاح، والبيهقي (7/ 227) فيه أيضا.

(2)

رواه مسلم (1426)، وأبو داود (2105)، والنسائي (6/ 116)، وابن ماجه (1886) كلهم في النكاح، قال النووي في (شرح مسلم 9/ 215): استدل بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم، والمراد في حق من يحتمل ذلك، فإن قيل: فصداق أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان أربعة آلاف درهم (= أربعمائة دينار) فالجواب: إن هذا القدر تبرع به النجاشي من ماله إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

رواه أبو داود (2125)، والنسائي (6/ 129) في النكاح، وإسناده صحيح، والحطمية: الدرع التي تكسر السيوف، وقيل: إنها منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له (حطمة بن محارب) كانوا يعملون الدروع.

ص: 268

ط - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم، فكان صداق ما بينهما (1)» .

يتبين لنا - مما سقنا من أحاديث شريفة - أن السنة في عدم التغالي في الصداق، بل إن خيره أيسره، وأفضله ما كان موافقا صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته الأطهار، وهو ما يعادل خمسمائة درهم، هذا بالنسبة للقادر المستطيع، أما الفقير الضعيف الحال فالأولى أن يكون أقل من ذلك بكثير، فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته لعلي، وطلب إليه - لما علم رقة حاله - أن يصدقها درعه الحطمية، كما زوج عليه الصلاة والسلام المرأة التي وهبت نفسها له من الصحابي الفقير، وجعل صداقها ما يحفظ من القرآن، وتزوجت أم سليم أبا طلحة، وجعلا صداق ما بينهما إسلامه، كما تزوج عبد الرحمن بن عوف بزنة نواة من ذهب، وقال الخطابي: النواة اسم لقدر معروف عندهم، فسروها بخمسة دراهم من ذهب، وقال أبو عبيد: إن أبا عبيدة دفع خمسة دراهم تسمى نواة، كما تسمى الأربعون درهما أوقية (2).

وقد أنكر عليه السلام على الذي أصدق الأنصارية أربع أواق فضة، وحاله لا تساعده على ذلك، وقال له: كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل.

قال ابن القيم في (زاد المعاد 5/ 178): (تضمنت الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره، وأن المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن أو بعضه مهرها جاز ذلك، بل إن رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته القرآن، كان من أفضل المهور وأنفعها وأجلها.

(1) رواه النسائي (6/ 114) في النكاح، قال الأرناؤوط في حاشية جامع الأصول (7/ 7): وإسناده صحيح.

(2)

انظر: شرح مسلم / للنووي (9/ 216)، وزاد المعاد / لابن القيم (5/ 176).

ص: 269

وقال بعضهم: لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخرى، ثم جعلوا لأقله حدا، فقال أبو حنيفة، لا يكون أقل من عشرة دراهم، وقال مالك: لا يكون أقل من ربع دينار (أو ثلاثة دراهم)، وهي أقوال لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب، وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين، وتزوج ابن عوف على خمسة دراهم، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع).

ونقل الحافظ ابن حجر في (الفتح 9/ 209) قول ابن المنذر تعليقا على حديث: «التمس ولو خاتما من حديد (1)» فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم، وكذا من قال: ربع دينار، قال: لأن خاتما من حديد لا يساوي ذلك) ثم نقل رحمه الله قول ابن العربي من المالكية: (لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار)(الفتح 9/ 211).

أما ما يروى من قصة المرأة التي ردت على عمر بن الخطاب، حين دعا إلى عدم التغالي في المهور، بقوله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (2)

ونصها: (عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صدق النساء؛ فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صدق النساء، والله عز وجل يقول:

{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (3)

فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر - مرتين أو ثلاثا - ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل رجل في

(1) صحيح البخاري النكاح (5135)، صحيح مسلم النكاح (1425)، سنن الترمذي النكاح (1114)، سنن النسائي النكاح (3359)، سنن أبو داود النكاح (2111)، سنن ابن ماجه النكاح (1889)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 336)، موطأ مالك النكاح (1118)، سنن الدارمي النكاح (2201).

(2)

سورة النساء الآية 20

(3)

سورة النساء الآية 20

ص: 270

ماله ما بدا له). فهذه القصة غير ثابتة عن عمر رضي الله عنه؛ لأن في سندها علتين: الأولى: الانقطاع؛ لأن الشعبي لم يدرك عمر، حيث ولد لست خلون من خلافته.

والثانية: الضعف، من أجل مجالد بن سعيد، إذ ضعفه البخاري والنسائي والدارقطني وابن عدي وابن معين والحافظ في (التقريب)، هذا بالإضافة إلى نكارة المتن: إذ تخالف ما صح عن عمر من أنه نهى عن المغالاة في المهور - كما ذكرنا في " و " - أولا؛ ولمخالفتها ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عدم المغالاة فيها، وأمره بتيسير الصداق ثانيا؛ ولمخالفتها معنى الآية التي استشهدت بها المرأة، قال القرطبي:(لا تعطي الآية جواز المغالاة؛ لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجدا، ولو كمفحص قطاة (1)» ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة) ونقل أبو حيان عن الفخر الرازي قوله: (لا دلالة فيها على المغالاة؛ لأن قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ} (2) لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطا لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع، كقوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين (3)» . . .

(1) سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (738).

(2)

سورة النساء الآية 20

(3)

انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 100)، والبحر المحيط لأبي حيان (3/ 205)، أما الآية فإنها تفيد: أن الزوج القادر المستطيع، لو أحب أن يهب لزوجته من ماله تطوعا وعن طيب نفس مالا كثيرا وإكراما لها، فهذا لا ضير فيه، أما أن تطلب هي أو وليها منه المهر العظيم، فهذا هو المنهي عنه. ومفحص القطاة: موضعها الذي تجثم فيه وتبيض.

ص: 271

قال ابن تيمية في (الفتاوى 32/ 194): (والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله في الصداق، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «كان صداقنا - إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق، وطبق بيديه (1)»، فذلك أربعمائة درهم، رواه أحمد في مسنده، وهذا لفظ أبي داود في سننه، فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو أحمق جاهل، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، هذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة. والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء فإنما كان ذلك؛ لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول، لم يكونوا يؤخرون منه شيئا، ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقا كثيرا فلا بأس بذلك، كما قال تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (2)

وقال أيضا: (ويكره لرجل أن يصدق المرأة صداقا يضر به أن ينقده، ويعجز عن وفائه إن كان دينا، وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر، هم لا يقصدون أخذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه، فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة).

(1) سنن النسائي النكاح (3348)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 368).

(2)

سورة النساء الآية 20

ص: 272

ويقول الإمام الشوكاني تعليقا على حديث عائشة: «إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة» في (نيل الأوطار 6/ 313): (فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه؛ لأن المهر إذا كان قليلا، لم يستصعب النكاح من يريده؛ فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح، بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا، فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين، فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الصنعاني في (سبل السلام 3/ 113): (أنه لا بد من الصداق في النكاح، وأنه يصح أن يكون شيئا يسيرا، فإن قوله: «ولو خاتما من حديد (1)» مبالغة في تقليله؛ فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان، أو من إليه ولاية العقد مما فيه منفعة، وأنه ينبغي ذكر الصداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، فلو عقد بغير ذكر صداق صح ووجب لها مهر المثل بالدخول، وأنه يستحب تعجيل المهر، ويصح أن يكون منفعة كالتعليم، فإنه منفعة ويقاس عليه غيره، ويدل عليه قصة موسى مع شعيب، وقوله: بما معك من القرآن يحتمل وجهين: أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن ويكون ذلك صداقا، ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة:" فعلمها من القرآن " ويحتمل أن الباء للتعليل، وأنه زوجه بها بغير صداق إكراما له؛ لكونه حافظا لبعض القرآن).

وقد اعتمد بعض الفقهاء في جعلهم عشرة دراهم حدا أدنى للمهر على حديث جابر: (لا مهر أقل من عشرة دراهم)، إلا أن هذا الحديث لم يصح، فقد أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 244) وقال: فيه مبشر بن عبيد، متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها، كما أخرجه البيهقي من طريقه (7/ 240)، ثم ذكر قول أبي علي الحافظ: فيه مبشر بن عبيد، وقد أجمعوا على تركه، وكان أحمد بن حنبل يرميه بوضع الحديث، وذكره

(1) صحيح البخاري فضائل القرآن (5029)، صحيح مسلم النكاح (1425)، سنن الترمذي النكاح (1114)، سنن النسائي النكاح (3280)، سنن أبو داود النكاح (2111)، سنن ابن ماجه النكاح (1889)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 336)، موطأ مالك النكاح (1118)، سنن الدارمي النكاح (2201).

ص: 273