الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي
الصحابي السفير
اللواء الركن: محمود شيت خطاب
نسبه وأيامه الأولى
هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري (1) الخزرجي.
وفي رواية أخرى، أنه: عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
وأكثر من ينسبه يتفق مع النسب الثاني؛ لذلك يمكن ترجيحه على النسب الأول.
أول مشاهد عمرو الخندق. وكانت هذه الغزوة في شهر شوال من السنة الخامسة الهجرية، وسبب تأخره عن الجهاد هو صغر سنه لا تخلفه. ولا ذكر له في المشاهد الأخرى، وليس معنى ذلك أنه لم يشهد
(1) تهذيب التهذيب (8/ 20) والاستبصار (69/ 74).
غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق، إذ لا يمكن ذكر كل الصحابة في كل غزوة، بل يذكر قسم منهم حسب سير الحوادث وأثرهم فيها. وأرجح أنه كان صغيرا في سنه، فلم يبرز في تلك المشاهد كما برز أصحاب التجربة في القتال، فقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، وذلك في السنة العاشرة الهجرية (1). وهذا على أنه كان صغيرا على تحمل أعباء الغزوات وعلى التأثير في أحداثها.
وقد كانوا لا يفسحون المجال للمسلم أن يشارك في الغزوات قبل الخامسة عشرة من سنه كما هو معلوم، وكانوا يردون الصغار الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة ولا يسمحون لهم بخوض غمرات القتال.
وقد كانت غزوة الخندق من الغزوات الدفاعية وكانت حول المدينة المنورة، كما كان المسلمون يدافعون عن مصيرهم ومصير الإسلام تجاه قوات المشركين المتفوقين على المسلمين فواقا ساحقا، إذ كان تعداد المسلمين نحو ثلاثة آلاف مجاهد، وكان تعداد المشركين عشرة آلاف مقاتل عدا يهود المدينة الذين خانوا العهد وانقلبوا على المسلمين وظاهروا المشركين من الأحزاب؛ لذلك حشد النبي صلى الله عليه وسلم كل المسلمين؛ ليقاتل القادرون على القتال، وليكثر السواد من غير القادرين على القتال ويعملوا في القضايا الإدارية والحراسات؛ فشهد عمرو غزوة الخندق، ولما يبلغ الخامسة عشرة من عمره.
ومع ذلك، فهناك نص: أنه شهد الخندق وما بعدها (2)، ولكنه لم تكن له بصمات واضحة في تلك الغزوات التي شهدها؛ لأنه كان صغير السن، قليل التجربة العملية.
(1)(أسد الغابة (4/ 99) والاستيعاب (3/ 1173).
(2)
(الإصابة (4/ 293).
أمه من بني ساعدة (1)، يكنى: أبا الضحاك (2).
لقد نال عمرو بن حزم شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء الرسول عليه الصلاة والسلام.
(1) الاستيعاب (3/ 1173) وأسد الغابة (4/ 98).
(2)
أسد الغابة (4/ 98) والإصابة (4/ 293) والاستيعاب (3/ 1173).
السفير النبوي
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني الحارث بن كعب في نجران بعد أن ولى وفدهم عائدا من المدينة إلى نجران، في بقية شهر شوال أو في صدر ذي القعدة من السنة العاشرة من الهجرة، ولى عمرو بن حزم الأنصاري أحد بني النجار؛ ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل خالد بن الوليد في شهر شوال من السنة العاشرة الهجرية (1) إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا، فإن أجابوا أقام فيهم وعلمهم شرائع الإسلام، وإن لم يفعلوا قاتلهم. وخرج خالد إليهم في سرية مؤلفة من أربعمائة مجاهد (2) ودعاهم إلى الإسلام، فأجابوا وأسلموا. وأقام خالد فيهم، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه إسلامهم (3)، وكان نص كتاب خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) طبقات ابن سعد (6/ 169).
(2)
الطبري (3/ 126).
(3)
ابن الأثير (2/ 293).
(بسم الله الرحمن الرحيم)
لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك. بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثت فيهم ركبانا قالوا: يا بني الحارث (أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم، وآمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب إلي رسول الله.
والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد جوابا على رسالته ما نصه.
«بسم الله الرحمن الرحيم)
من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد. سلام عليك.
فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن كتابك جاءني مع رسلك بخبر أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن يقاتلوا، وأجابوا
(1) سيرة ابن هشام (4/ 263) والطبري (3/ 127) صبح الأعشى للقلقشندي (6/ 3106) وانظر تفاصيل المصادر والمراجع في مجموعة الوثائق السياسية (101) الوثيقة رقم (80).
إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (1)».
علامة الختم: محمد رسول الله.
وأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب وأعلنوا إسلامهم واجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم عادوا أدراجهم في بقية شوال، أو في صدر ذي القعدة من السنة العاشرة الهجرية (2)، كما ذكرنا ذلك من قبل.
وقد تعمدت ذكر رسالة خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على رسالة خالد، وعودة خالد من نجران إلى المدينة المنورة ومعه وفد بني الحارث بن كعب؛ لإعطاء صورة واضحة عن الوضع السائد في نجران عندما توجه إلى أهلها عمرو بن حزم الأنصاري ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة النبوية ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم (3)، وبعثه عليه الصلاة السلام بعد أن عاد وفد بني الحارث بن كعب إلى نجران (4)، فغادر المدينة إلى نجران في شهر ذي القعدة من سنة عشر هجرية، ومع عمرو بن حزم كتاب نبوي هذا نصه:
(1) في سيرة ابن هشام (4/ 263): تقاتلهم. . . (1)
(2)
الطبري (3/ 128).
(3)
الطبري (3/ 128) والاستيعاب (3/ 1173) والاستبصار (74).
(4)
الطبري (3/ 128).
«بسم الله الرحمن الرحيم "
من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى: شرحبيل بن عبد كلال، والحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، قيل، ذي رعين، وهمدان (4)، ما سقت السماء أو كان سيحا أو كان بعلا (5)، ففيه العشر إذا بلغت خمسة أوسق، وما سقى الرشاء (6)، والدالية، ففيه نصف عشر إذا بلغ خمسة أوسق.
وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة، إلى أن تبلغ أربعا وعشرين، فإن زادت واحدة على أربع وعشرين، ففيها بنت مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر، إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن زادت على
(1) سنن النسائي القسامة (4853).
(2)
القيل: الملك النافذ القول والأمر. (ج) أقيال، انظر لسان العرب (4/ 94). (1)
(3)
(2)، ومعافر
(4)
(3).
أما بعد، فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من العشر في العقار العقار: الأرض التي تزرع.
(5)
البعل: الأرض المرتفعة التي لا يسقيها إلا المطر، والزرع يشرب بعروقه فيستغني عن السقي.
(6)
الرشاء: الحبل، أو حبل الدلو ونحوها.
خمسة وثلاثين واحدة ففيها بنت لبون، إلى أن تبلغ خمسة وأربعين، فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين، ففيها حقة - طروقة الفحل - إلى أن تبلغ ستين. فإن زادت واحدة ففيها جذعة، إلى أن تبلغ خمسا وسبعين. فإن زادت واحدة، ففيها ابنتا لبون، إلى أن تبلغ تسعين، ففيها حقتان - طروقتا الفحل - إلى أن تبلغ عشرين ومائة. فما زاد عن عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة طروقة الفحل.
وفي كل ثلاثين باقورة (1) تبيع، جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة.
وفي كل أربعين شاة سائمة شاة، إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإن زادت واحدة ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين. فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإن زادت، ففي كل مائة شاة شاة.
ولا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا عجفاء، ولا ذات عوار (2)، ولا تيس (3) الغنم إلا أن يشاء المصدق.
ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة وما أخذ من الخليطين؛ فإنهما يراجعان بالسوية.
وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدي صدقاتها من العشر، وليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء.
(1) الباقورة بلغة أهل اليمن: البقرة، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/ 107).
(2)
العوار: العيب، والخرق والشق في الثوب.
(3)
التيس: الذكر من المعز والظباء والوعول إذا أتى عليه الحول.
قال: وكان في الكتاب:
إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الشرك، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار من الجهاد في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنات، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم.
وإن العمرة الحج الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر، ولا طلاق قبل الإملاك (1)، ولا عتاق (2) حتى يبتاع، ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد ليس على منكبه شيء منه.
وكان في كتاب:
(إن من اعتبط (3) مؤمنا، قتله عن بينة، فإنه قود (4)، إلا أن يرضى أولياء المقتول.
وإن في النفس الدية، مائة من الإبل، وفي الأنف الذي أوعب (5) جدعه (6) الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجلين الدية، والواحدة نصف الدية. في المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة (7)
(1) أملك المرأة: تزوجها. ولا طلاق قبل الإملاك: قبل الزواج.
(2)
أعتق العبد: حرره، ولا عتاق: لا تحرير.
(3)
اعتبط مؤمنا: ذبحه بلا جناية ولا جريرة
(4)
القود: القصاص، ومعناه أن القاتل يقتل به ويقاد، انظر شرح السيوطي على سنن النسائي (2/ 252).
(5)
أوعب جدعه: استأصله، قطعه جميعه، انظر شرح السيوطي على سنن النسائي (2/ 252).
(6)
جدعه: قطعه.
(7)
الجائفة: الطعنة التي تبلغ جوف الرأس أو جوف البطن، انظر شرح السيوطي على سنن النسائي (2/ 252).
ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة (1) خمس من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة».
علامة الختم: محمد رسول الله.
هذا هو الكتاب النبوي، الذي حمله عمرو بن حزم، فيه الفرائض والسنن، والصدقات والديات (2)، أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والدرامي (3)، وكتابه هذا مشهور في كتب السنن، ولم يستوفه أحد منهم، وأكملهم له رواية النسائي (4) بعنوان:(ذكر حديث عمرو بن حزم (5)، وكتاب عمرو بن حزم مشهور يحتج به العلماء، وشهرته أقوى من الإسناد (6).
وفي هذا الكتاب النبوي، الذي لم يقتصر أثره وتأثيره في وقته على نجران، بل امتد حتى اليوم، وسيبقى ما بقيت تعاليم الدين الحنيف في كل قطر، وكل مكان فيه مسلمون في أرجاء العالم. وفيه دروس قيمة جدا، ومن
(1) الموضحة: الشجة كشطت عن العظم من موضعه، وهي جراحة بلغت العظم فأوضحت عنه.
(2)
أسد الغابة (4/ 99) والاستيعاب (3/ 1173) والاستبصار (74).
(3)
الإصابة (4/ 293).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 26).
(5)
سنن النسائي (2/ 252).
(6)
الاستبصار (74).
دروسه تنظيم جباية الأرض المزروعة السيح منها والتي تروى بالمجهود الذاتي، وزكاة الإبل والبقر والضأن بالتفصيل، ويذكر من يعفى من الزكاة من الرقيق والعبيد؛ لأنهم أحق بالرأفة من غيرهم وأجدر أن يشملهم الإعفاء.
ثم يسلط الضوء على الكبائر، ويعددها ويحذر من اقترافها.
ويشير إلى قسم من العبادات، وقسم من القضايا الاجتماعية المهمة، التي تطهر الفرد وتفيد المجتمع، وتجعله متماسكا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وأخيرا ينص على العقوبات الرادعة التي تجعل المسلم الحق لا يقترفها أبدا؛ ليرفل الفرد والمجتمع بالأمان والاطمئنان والسلام.
تلك هي الخطوط العريضة للأهداف الرفيعة الباقية لهذا الكتاب النبوي الكريم الموجه إلى أهل نجران، ثم أصبح للمسلمين كافة في كل مكان ولكل زمان: أفراد وجماعات، وفقراء وأغنياء، وحكاما ومحكومين من أجل تنظيم المجتمع الإسلامي على هدى وبصيرة، فالكل يعرف ما عليه من واجبات تجاه نفسه، وتجاه أخيه المسلم وتجاه كل إنسان، وتجاه المجتمع الإسلامي.
وكما يعرف واجباته يعرف حقوقه على نفسه، وعلى أخيه المسلم. وعلى كل إنسان، وعلى المجتمع الإسلامي. ومن المعلوم أن الفرد والجماعة، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم إذا عرفوا ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق، فأدوا واجباتهم كاملة، وأخذوا حقوقهم كاملة أيضا فإن التعاون والمحبة والسلام والسعادة والرخاء والنصر يشمل الفرد والمجتمع في السلام والحرب، وفي مختلف الظروف والأحوال.
لقد أدى عمرو بن حزم واجباته في سفارته خير أداء.
الإنسان
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم بعد انصراف وفد بني الحارث بن كعب من المدينة إلى نجران، وكان انصراف وفدهم في بقية شوال، أو في صدر ذي القعدة من السنة العاشرة الهجرية كما ذكرنا.
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حزم عامله بنجران (1)، أو على الأصح في منطقة نجران كلها على بني الحارث بن كعب (2) في رواية، وعلى نجران (3) في رواية أخرى، وأرجح الرواية الثانية؛ لأن سير الحوادث التي ستذكر وشيكا تدل على ذلك.
ولما ارتد أهل الردة في اليمن بقيادة ذي الخمار عبهلة بن كعب - وهو الأسود العنسي، وكان الأسود كاهنا شعباذا (4)، وكان يري من حوله الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه، فكاتبته مذحج وواعدته نجران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم (5)، كما أخرجوا غيره من عمال النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن (6)، فرجع عمرو إلى المدينة المنورة (7) بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
واستقر عمرو في المدينة، وكانت داره فيها مجاورة لدار عثمان بن عفان رضي الله عنه (8).
(1) الطبري (3/ 130)، وابن الأثير (2/ 292).
(2)
تاريخ خليفة بن خياط (1/ 62).
(3)
الطبري (3/ 130) وابن الأثير (2/ 292) و (3/ 336).
(4)
شعباذا: مشعبذا، والشعبذة والشعوذة: أخذ بالسحر، يرى بغير ما عليه أصله في رأي العين.
(5)
الطبري (3/ 185) وابن الأثير (2/ 337)
(6)
الطبري (3/ 230) وابن الأثير (2/ 337 - 338).
(7)
الطبري (3/ 320) و (3/ 319).
(8)
الطبري (3/ 379).
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) خمسة أحاديث (2) قال عمرو بن حزم: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: انزل لا تؤذي صاحب هذا القبر (4)» . ووفد عمرو بن حزم إلى معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فقال له: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لم يسترع عبدا رعية إلا وهو سائله عنها (5)» ، وكلم عمرو معاوية في أمر بيعته ليزيد بكلام قوي (6)، وروى لمعاوية ولعمرو بن العاص حديث:«يقتل عمارا الفئة الباغية (7)» «وروى لعمرو بن العاص لما قتل عمار بن ياسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تقتله الفئة الباغية (8)» .
وقد روى عنه ابنه محمد، وامرأته سودة بنت حارثة، وابن ابنه أبو بكر محمد ولم يدركه، وزياد بن نعيم الحضرمي، والنضر بن عبد الله السلمي.
واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة على نجران كما ذكرنا ذلك في الحديث عن سفارته، ومعنى ذلك أنه ولد سنة سبع قبل الهجرة.
ومات بالمدينة المنورة سنة إحدى وخمسين هجرية، وقيل: سنة ثلاث وخمسين هجرية، وقيل: سنة أربع وخمسين الهجرية.
(1) تهذيب التهذيب (8/ 20).
(2)
جوامع السيرة - أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد (289).
(3)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 223).
(4)
أسد الغابة (4/ 99). (3)
(5)
تهذيب التهذيب (8/ 21) رواه أبو يعلى في مسنده.
(6)
رواه أبو يعلى في مسنده بسند رجاله ثقاة، انظر الإصابة (4/ 293) وأسد الغابة (4/ 99).
(7)
رواه الطبراني، انظر الإصابة (4/ 293).
(8)
أسد الغابة (4/ 99).
وجزم خليفة بن خياط في تاريخه، أنه مات سنة إحدى وخمسين الهجرية (1)، دون أن يذكر مكان موته. كما جزم ابن الأثير في تاريخه، أنه مات سنة ثلاث وخمسين الهجرية (2)، دون أن يذكر مكان موته أيضا.
وعلى كل حال، فهو قد مات بعد الخمسين، وليس كما ذكرت بعض المصادر بأنه مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والصحيح أنه مات بعد الخمسين؛ لأنه وفد على معاوية بن أبي سفيان في أيام خلافته كما ذكرت المصادر التي تحدثت عنه.
فإذا كان عمرو بن حزم، قد ولد سنة سبع قبل الهجرة، وتوفي بعد الخمسين، فمعنى ذلك أنه عاش ثماني وخمسين، أو تسعا وخمسين سنة، أو ستين سنة، أو إحدى وستين سنة قمرية، (7 ق هـ - 51 هـ أو 52 هـ أو 53 هـ أو 54 هـ).
ذلك هو عمر عمرو بن حزم، بموجب المصادر التي بين أيدينا.
ولكن مصدرا من تلك المصادر (3)، حين ذكر استعمال عمرو بن حزم على نجران، لم يذكر أنه كان في السابعة عشرة من عمره حين استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، كما نص على ذلك غيره من المصادر الأخرى، مما يدل على أنه لم يقتنع بأن عمرو بن حزم كان في السابعة عشرة من عمره حقا.
وأنا مع صاحب هذا المصدر، وهو الإمام ابن حجر العسقلاني، وهو من هو علما وورعا وصدقا وتدقيقا وتحقيقا، مع أنه كان متأخرا عن أصحاب أكثر المصادر الأخرى، ولكنه لم ينقل عنها ما نصت عليه حول عمر عمرو بن حزم حين تولى نجران سنة عشر هجرية، بل تغاضى عن نقل ذلك التوقيت، مما يدل على شكه في صحة الخبر.
(1) تاريخ خليفة بن خياط (1/ 205).
(2)
ابن الأثير (3/ 496)، الإصابة (4/ 293).
(3)
جوامع السيرة (159).
لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمرو بن حزم وغيرهم، وكان لعبد الله بن عمر بن الخطاب يوم أحد أربعة عشر عاما، وكان سائر من رد معه في هذه السن أيضا.
وأجاز عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة سمرة بن جندب الفزاري، ورافع بن خديج، ولهما خمسة عشر عاما (1) أي أن عمر عمرو بن حزم كان في يوم أحد أربع عشرة سنة. وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الذين ردهم يوم أحد، بعد ذلك بسنة عام الخندق، أي أن عمر عمرو بن حزم بعد سنة من أحد صار خمس عشرة سنة، فأجيز يوم الخندق كما أجيز أقرانه.
نستنتج أن عمرو بن حزم كان له خمس عشرة سنة يوم الخندق، وكانت غزوة الخندق في السنة الخامسة الهجرية؛ فيصبح عمره في السنة العاشرة الهجرية عشرين سنة، أي أنه ولد في السنة العاشرة قبل الهجرة، وتوفي سنة إحدى وخمسين أو اثنتين وخمسين أو ثلاث وخمسين أو أربع وخمسين الهجرية (10 قه - 51 هـ أو 52 هـ أو 53 هـ أو 54 هـ)، أي أن عمره يوم توفي كان إحدى وستين أو اثنتين وستين أو ثلاثا وستين أو أربعا وستين سنة، وكان في العشرين حين تولى نجران سنة عشر الهجرية.
إنه إذا تولى نجران في السنة العاشرة الهجرية، وكان له حينذاك سبع عشرة سنة، فمعنى ذلك أنه شهد غزوة الخندق، وكان له اثنتا عشرة سنة، وهذا ما لا يستقيم، كما أن توليه نجران وله سبع عشرة سنة لا يستقيم أيضا، فهو صغير جدا على واجب مهم ثقيل على المسئولين، والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أسامة بن زيد قيادة جيش وله عشرون سنة (2)، هو أن واجب أسامة إجراء غارة خاطفة والانسحاب إلى المدينة، وهذه المهمة تحتاج إلى شاب يتسم بالشجاعة والإقدام وتحمل المشاق، وهذا ما يناسب أسامة المتميز بالشجاعة والإقدام وتحمل المشاق، فهو في ريعان الشباب، وليس
(1) جوامع السيرة (159).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 115).
الواجب كواجب عمرو بن حزم السفير الإداري القائد الفقيه، الذي يحتاج إلى الأناة والمرونة والذكاء والصبر في مهمة قد تطول كثيرا فتمتد إلى سنين، يصادف فيها معضلات سياسية وإدارية وحربية وعلمية وتربوية لا حصر لها، فلا يستقيم أن يتولى مثل هذا المنصب الخطير شاب في السابعة عشرة من عمره، حتى ولو كان متميزا بالذكاء الخارق والتفقه بالدين وبالشجاعة والإقدام. كما كان عمرو بن حزم متميزا بكل تلك الصفات.
وحتى لو تولى منصبه على نجران وأهلها ومن حولها في العشرين من عمره؛ فإنه صغير جدا على منصبه الخطير في ظروف التغيير الاجتماعي والعقيدي الخطيرة، ولكنه دليل ملموس على تميزه بالذكاء الخارق، والتفقه بالدين، والشجاعة والإقدام، وبالقابلية الإدارية والقيادية والسياسة الفذة، والدأب على العمل، والمرونة في مواجهة المشكلات، والخلق الكريم الذي يمكن أن يكون أسوة حسنة لأمثاله من الشباب ولغير الشباب أيضا من مختلف الذكور والإناث.
لقد كان عمرو بن حزم مثالا للصحابي الجليل.
السفير
قضى عمرو بن حزم في نجران سفيرا وواليا ومعلما وقائدا وجابيا، خمسة أشهر في منصبه الخطير، منذ التحاقه في مقر عمله بنجران، إلى أن التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وكان الأسود العنسي قد ارتد، وارتد معه غير قليل من أهل اليمن، فأخرج عمرو بن حزم من نجران قسرا، وعاد إلى المدينة المنورة مضطرا.
وعلى الرغم من قصر المدة التي مكثها عمرو في نجران سفيرا بالإضافة إلى واجباته الأخرى إلا أن سمات سفارته كانت واضحه للعيان، ولو لم يكن يتميز بتلك السمات لما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا المنصب الرفيع.
وأول سمات سفارته، أنه كان مخلص الانتماء للمجتمع الإسلامي الجديد إخلاصا أخذ بمجامع عقله وقلبه معا، فقد كان في انتمائه لهذا المجتمع جنديا مندفعا إلى أبعد الحدود، يحرص على خدمة الإسلام والمسلمين حرصا لا مزيد عليه، ويجند طاقاته المادية والمعنوية للعمل في سبيل الخدمة العامة للإسلام والمسلمين، بعيدا عن كل مطمع ذاتي أو عائلي، فكان مستعدا أن يبذل كل ما يمكن بذله لتكون كلمة الله هي العليا.
والحافز الأول والأخير لانتماء عمرو للإسلام والمسلمين هو إيمانه الراسخ؛ فقد نشأ في بيت إسلامي من الأنصار، ونشأ وترعرع برعاية النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية الأنصار والمهاجرين الأولين، فلا عجب أن يكون مؤمنا حقا يسخر طاقاته لخدمة عقيدته، ويرى تلك العقيدة أعز عليه من روحه وماله وولده وأهله وأغلى، ولعل الحديث عن إيمان الصحابة الراسخ لا يحتاج دليل.
لقد كان عمرو يتحلى بالانتماء المطلق والإيمان العميق.
وكان عمرو فصيحا يؤثر في سامعيه أبلغ الأثر؛ فيجذبهم بمنطقه القوي إلى الإسلام، وقد كان فصيحا في عرض الرسالة النبوية، وفي حمل أهل نجران على تنفيذ ما جاء فيها من أحكام نصا وروحا.
وكان عالما بالقرآن والسنة، متفقها بالدين الحنيف، وكان المرجع لمن حوله من أهل نجران في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكان على جانب عظيم من حسن الخلق، حتى كان أسوة حسنة لغيره من المسلمين باستقامته وورعه وتقواه، وفي قوله الحق الذي يعتقده بكل أمانة وإخلاص، فلا يخاف في الحق لومة لائم.
وكان يتميز بالصبر الجميل، وبالحكمة البالغة في القول والعمل، وفي توجيه الأمور في نجران وما حولها ومن حولها، فعالج المعضلات بأناة وتغلب على المشاكل بالصبر والحكمة.