المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وضع اللغات وخضوعها للطبيعة - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ١

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 1

- ‌التقريظ والمشارفة والانتقاد

- ‌أسفنا

- ‌شكرنا

- ‌فضل أهل العراق

- ‌بغية الأنام في لغة دار السلام

- ‌منافع تدوين اللغات واللغيات واللثغات

- ‌نجد

- ‌التأسل والتأسن

- ‌المتكهفة والمكتهفة

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌(ملخص عن الرياض 73)

- ‌ينبوع الشفاء

-

- ‌العدد 2

- ‌المنتفق

- ‌الكلدانيون

- ‌كتاب الفرق بين الصالح وغير الصالح

- ‌حكاية انوشروان والصبية الحكيمة

- ‌أخلاق أهل نجد

- ‌نظرة عامة في لغة بغداد العامية

- ‌ينبوع الشفاء

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 3

- ‌آثار سامراء الخالية وسامراء الحالية

- ‌لغة العرب

- ‌يقظة العلم في ديار العراق

- ‌مؤسس الصهيونية

- ‌سؤال إلى مجلة العلم

- ‌سفرة إلى كربلاء والحلة ونواحيها

- ‌باب التقريط

- ‌باب المشارفة

- ‌تاريخ وقائع العراق وما جاوره

- ‌العدد 4

- ‌البريم أو عبادان الحديثة

- ‌كتاب الصبوح والغبوق

- ‌فصل في دير القائم الأقصى

- ‌ماذا يرى اليوم في سامراء

- ‌(للبحث صلة)

- ‌إفادة لمجلتي المشرق والعلم

- ‌أول مجلة في العراق

- ‌كتاب طبقات الأمم

- ‌هل الحي قرية أم مدينة

- ‌نظرة عامة في لغة بغداد العامية

- ‌معنى انكورلي

- ‌سفرة إلى كربلاء والحلة ونواحيهما

- ‌العدد 5

- ‌وصف أطلال سامراء

- ‌البعبع والوعوع والضبغطري

- ‌المباني الحديثة في البريم

- ‌سؤال إلى العلماء ولا سيما المتصوفة منهم

- ‌كتاب في لغة الحديث

- ‌نقد طبع كتاب طبقات الأمم

- ‌اقتراح على علماء الشرق وأدبائه

- ‌مذنب بروكس

- ‌الفانوس والمنوار

- ‌باب المشارفة

- ‌ البيان

- ‌تحريم نقل الجنائز

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 6

- ‌وصف القطار

- ‌بعض الأعراب غير المنسوبة

- ‌لغة العرب

- ‌حول المنتفق

- ‌بلاد المنتفق على الغراف

- ‌ثابت الدين الألوسي

- ‌هو الموت

- ‌نقد طبع كتاب طبقات الأمم

- ‌(تلو)

- ‌الشق والشقة والشقيقة

- ‌أتجوز الكتابة باللغة العامية

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 7

- ‌هيت ومعادنها

- ‌4 - ذكرها في التاريخ القديم

- ‌المنحوت العامي واللفظ الدخيل في لغة بغداد

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌مريم

- ‌العدد 8

- ‌الحفر والتنقيب في أطلال بابل

- ‌إعراب الشرارات

- ‌الكسوف والخسوف في سنة 1916

- ‌نهر فسقس

- ‌أصل لفظة الرزق

- ‌التنهس

- ‌خبايا الزوايا في الرجال من البقايا

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌كيش وهس اليوم تل الاحيمر

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌المعاجم العامية في اللغة العربية

- ‌العدد 9

- ‌السيد صالح القزويني

- ‌بقايا قصور الخلفاء في مدينة سامراء

- ‌غنى هيت وذكر معادنها

- ‌هل كان أعشى قيس نصرانياً

- ‌كأني محاربه

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌القسطاس

- ‌الحياة

- ‌نفكر

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌الأمير أحمد بك السعود

- ‌الأمراض في البلدة

- ‌أشغال السكة الحديدية البغدادية

- ‌إعراب العبارة

- ‌مدارس في البحرين

- ‌تبرع في سبيل كلية الكويت

- ‌التنقيبات في الاحيمر

- ‌العدد 10

- ‌بلد روز

- ‌أنواع الأرز المعروفة في العراق

- ‌الأمثال العامية في ديار العراق

- ‌مختارات من شعر السيد صالح القزويني

- ‌اسم بغداد

- ‌نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌الخستاوي والزهدي

- ‌الجكير

- ‌بغية الأنام في لغة دار الإسلام

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 11

- ‌نظر

- ‌إلى حضرات المشتركين الكرام

- ‌نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 12

- ‌وضع اللغات وخضوعها للطبيعة

- ‌أمثال عوام العراق

- ‌مغاصات اللؤلؤ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌مفردات عوام العراق

الفصل: ‌وضع اللغات وخضوعها للطبيعة

‌العدد 12

‌وضع اللغات وخضوعها للطبيعة

ذهب الأوائل مذاهب شتى في من هو واضع اللغات، فقال بعضهم: انه الخالق العظيم وضعها مباشرة أو بالهام منه، وينسب الأصوليون إلى سليمان بن عباد القول بأن الوضع حدث بالمناسبة الذاتية؟ ويفسرون هذا الرمز بأن الألفاظ بطبيعتها ولمناسبة ذاتية فيها دلت على المعاني دلالة أزلية. وخشي بعض أهل الرهبة من علماء الأصول وجود تلك الروح في الألفاظ واحتمال القدرة أو القوة الكامنتين فيها فاخذ ينزل ذلك ويؤله طبق الأصول المسلمة عند العقلاء قائلاً ما معناه:

ص: 457

أن الألفاظ وان دلت بطبيعتها إلا أن المبدأ الأعلى في تلك الدلالة هو الخالق، شأنه في رجوح اكثر الظواهر الطبيعية إليه، فدلالة الألفاظ بالطبيعة مثل هبوب الرياح، ونزول الأمطار، ولمعان البرق، وجولان السحاب، من رجوعها ظاهراً إلى الطبيعة والأسباب المخلوقة وواقعاً إلى الخالق. هكذا كتب بعضهم في هذا القول الغريب الذي لا تفهم فلسفته.

ثم أن الرأي المعول عليه في هذا العصر، عصر الانتقاد والتمحيص، هو أن اللغات كلها جمعاً نشأت من الأصوات الطبيعية وتكونت قهراً بعد إرادة التعبير عن المرئيات أو غيرها، من معلومات الإنسان الأول، وليس هذا الرأي بحديث العهد، فقد قال به بعض العلماء الأول، كما قالوا بكير من الآراء العلمية المسلمة في هذا العصر المنسوبة إليه، الملزوزة به. فقد ذهب بعض الأوائل إلى حركة الأرض وقد عبروا عن الجاذبية بالثقل المركزي وذهبوا أيضاً إلى القول بالنشوء والارتقاء واتحاد أصل الكائنات إجمالاً، إلى غير ذلك من المذاهب العلمية التي يحسب بعضهم أنها أبكار، هذه الإعصار. وكذلك قل عن المذاهب الاجتماعية كالاشتراكية والإباحية أو السياسية كالجمهورية أو الملكية فقد قيل فيها في الأزمنة الخالية بل ووضعوها موضع الأعمال.

فالقول بان اللغة من وضع الإنسان قديم، قال العرب به. وممن نذكر أن مذهبهم ذلك ابن سيده اللغوي الكبير صاحب المخصص أمتع

ص: 458

كتاب في اللغة العربية، غير انهم لم يصرحوا فيما اعلم بأن الألفاظ تكونت من الأصوات البسيطة بل صرحوا بأنها من وضع الإنسان مباشرة لا من وضع غيره.

وقد استنكر الجامدون هذا المذهب واعترضوا عليه ذاهبين إلى أن الإحاطة بجملة المعاني الموضوع لها غير مقدور للبشر. فيقال لهم أن المعاني لم تعلم دفعة واحدة، وكذلك الألفاظ

توضع دفعة واحدة، بل كلما تجددت المعاني، وعلا إدراك الإنسان، وتصور الأمور الدقيقة، اضطر لأحداث الألفاظ متبعاً في ذلك التدريج، لان الطفرة محال.

هذا ما كان من أمر الوضع والواضع. وهناك نواميس طبيعية عامة مثل ناموس (التحول) وناموس (بقاء الأصلح) فهل اللغة خاضعة لها وهي جارية على سنتها جريان سائر الأشياء، وهل عرف العرب ذلك كما عرفه الإفرنج؟ فنجيب بنعم عن الجميع، وإليك البيان:

اللغة كالأخلاق أو ككل مميزات الإنسان، خاضعة للقوى العاملة فيه فيصح من بعض الوجوه أن نقول أنها كائن حي كالإنسان، ولحياته أطوار كأطوار حياة الإنسان، فما كان ليسمع المقيم في إحياء عرب الجاهلية من الألفاظ غالباً إلا في أمثال السباسب والبسابس والغيلان والذعلبة والكوماء والفنيق والبيداء والفيفاء والأجرد وما أشبه ذلك وما كانت لتمر الألفاظ السهلة الجزلة المعبرة عن المعاني العالية إلا شذاناً. كل ذلك لتأثير محيطهم في أوضاعهم وأخلاقهم وظواهرهم الطبيعية

ص: 459

ومنها اللغة التي يتكلمون.

ثم أن أوان البعثة فبعث النبي وأثرت تعاليمه في نفوسهم فأثرت في لغتهم، فكنت تسمه فيما يدور على ألسنتهم الصوم والصلوة والزكوة والعبادة والإيمان والاعتقاد والتوبة والثواب والعقاب وغيرها من الألفاظ الدينية ناهيك بالقرآن العظيم، وما أبقى في لغة العرب، فقد لطفها ورقق ألفاظها وبعث فيها روحاً من الفلسفة الأدبية، ثم لم يطل العهد حتى رأينا في ثنيات ألفاظهم: الألفاظ الرياضية، والعلمية، والفلسفية، وذلك العصر العباسي، عصر سلطان العرب، واستفحال حضارتهم العجيبة.

في ذلك العصر رقت لهجة اللغة، وتهذبت ألفاظها، وحلت نغماتها، ليس من اجل انبعاث المؤلفين، والمترجمين فقط، بل قد ساعد على ذلك جمع من ذوي الذوق، والقريحة، وأرباب الفنون الجميلة، وهم طبقة من الشعراء، والكتاب والأدباء الفكهين، ورجال الغناء، والمطربات، والمطربين، فتكونت إذ ذاك آداب اللغة العربية كأرقي ما يمكن أن يكون، وبلغت شأوا لم تبلغه لغة من اللغات القديمة.

ص: 460

فمن آلم بآداب هذه اللغة عرف إنها كيف خضعت لناموس (التحول) وكيف اختلف باختلاف الأدوار تابعة سير الناطقين بها قرونا متمادية وعرف أيضاً كيف قضى ناموس

(بقاء الأصلح) على الألفاظ الخشنة الوحشية والأصول الضخمة المستنكرة والتراكيب الثقيلة بحيث أصبح الشعراء والكتاب يشمئزون منها وينعون على مستعمليها ما يفعلون. وقد حفظت المعاجم الكبيرة شيئاً كثيراً من ذلك المتاع الكاسد أو اقل من تلك الأعضاء الأثرية في جسم اللغة التي قضت الطبيعة عليها بالضمور، فأصبحت لا وظيفة لها، غير أنها كل وعبء ثقيل على كاهل تلك اللغة الشريفة، ولو دونت تلك الأصول على حدة، أو اصطلح عليها قوم، لجاءت كأثقل ما تتحاماه الطباع، وأنكر ما يطرق الأسماع.

هذا وربما كبر ما نقول على الذين يحبون القديم، لأنه قديم، فنقول لهم: أنا لم نختلف عن سنة السلف من قبلنا، في ما أردنا من هذه العجالة فأنا لنعرف رجالاً من سلفنا الصالح، كانوا يعتقدون بخضوع اللغة لناموس بقاء الأصلح وقد جروا فيما نظموا ونثروا وألفوا على ذلك لا بل الطبيعة اضطرتهم إليه.

ألف أبو الحسن احمد بن فارس اللغوي المعروف المتوفي سنة 398 كتاب (المجمل) وهو الكتاب النادر الوجود، وقد قال المؤلف في مقدمة كتابه:

ص: 461

(أنشأت هذا الكتاب بمختصر من الكلام قريب، يقل لفظه، تكثر فوائده، لتبلغ بك طرفاً مما أنت ملتمسه، وسميته (مجمل اللغة) لأني أجملت فيه الكلام إجمالاً، ولم أكثره بالشواهد والتصارف، إرادة الإيجاز فمن مرافقه قرب ما بين طرفيه، وصغر حجمه، ومنها حسن ترتيبه) اهـ

وقد انتقد هذا الكتاب واختصره الشيخ الأستاذ أبو الحسن بن المظفر النيسابوري، أستاذ الزمخشري، مؤدب أهل خوارزم ومخرجهم، وشاعرهم في وقته. وقد وقفنا على هذا المختصر المفيد مخطوطاً خطاً قديماً فوجدنا صاحب المختصر كصاحب الأصل ممن يقول مع أهل هذا العصر بخضوع اللغة لناموس (بقاء الأنسب) واليك ما جاء في صدر الكتاب:

قال الشيخ الأستاذ العالم أبو الحسن بن المظفر النيسابوري: أني لما تصفحت هذا الكتاب، وجدته في النهاية من الاختصار والكفاية مع ما اختص به من حسن الوضع، وقرب المأخذ، وعموم النفع ورأيت ماشذ عنه من العربية وحشا شاذاً قد درس شأنه،! وانقضى زمانه!

وبعد فأن هذا الكلام صريح فيما نريد إثباته من أن العرب عرفوا أن لكل عصر آدابا

وأخلاقاً، وان الجمهور يناقض السنة الكونية سنة التبديل، والتحويل وتغير الأشياء، فالطبيعة تقضي على البشر بالتصرف وهم والهفاه يتطبعون على الجمود، ثم ليس أو المظفر هذا هو كل من يقول بهذا الرأي فان علماء العرب الأولين جمعا يرى ذلك. وابلغ شاهد نسوقه لك قصة الشيخ صفي الدين الحلي الشاعر المشهور مع أحد

ص: 462

فضلاء عصره، وقد قرأ شعره، فقال لا عيب فيه، سوى قلة استعماله اللغة العربية، فكتب الصفي إليه هذه الأبيات المعروفة:

إنما الحيزبون والدردبيس

والطخا والقاخ والعلطيس

والسبنتي والحقص والهيق

والهجرش والطرقسان والعطسوس

وبعد أن ذكر أمثال هذه الألفاظ، قال:

لغة تنفر المسامع منها

حين تروى وتشمئز النفوس

وقبيح أن يذكر النافرالوح

شي منها ويترك ألمانوس

درست تلكم اللغات!! وأمسى

مذهب الناس ما يقول الرئيس

إنما هذه القلوب حديد

ولذيذ الألفاظ اللغة مغناطيس

وممن تنبه لهذه المقالة من المتأخرين الشيخ كاظم الازري شاعر بغداد في القرن الثاني عشر، وزاد نغمة في الطنبور انه جمع إلى استهجان الألفاظ القديمة استهجان المعاني المفرغة في تلك الألفاظ. ومن العجب انه كان يستعمل ما يستهجن معاني وألفاظاً وهي شنشنة الشعراء الأول يقولون ما لا يفعلون. فقد كتب هذا الشاعر في ما نحن في صدده إلى صديق له أبياتاً جاء فيها:

يا أبا احمد رويداً رويداً

أنا في الشعر صاحب المعجزات!

إن شعر الأولى غريب المعاني!

رنق غير رائق الكلمات

لو يريد الإنسان أمثال هذا

لأتي بالألوف دون المئات

فلهذا صددت عنه صدوداً

وتعوضت عنه بالبينات

ص: 463