الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1810 م) فأسف عليه كل من عرفه.
مؤسس الصهيونية
كثر في هذه الأيام ذكر الصهيونية، واغلب الناس لا يعرفون من أمرهم شيئاً، كم لا يدرون عن مؤسسهم ما يبل صدى تشوقهم إلى الوقوف على دخلة نيته الأولى، وقد كتب بهذا الصدد أحد أدباء الأستانة رسالة إلى جريدة (الاونيفر) الفرنسوية، في عددها الصادر في 16 حزيران 1911، بها يطلع الناس على صاحب هذه العصابة بما هذا معناه:
قبل أن تشتهر هذه الجماعة باسم (الصهيونية) كان الترك يسمونها (الدونمة) وهي لفظة تركية معناها: (المهتدون). ثم لما انتشر أمرها في البلاد عرفت باسمها الحقيقي.
كان مؤسس هذه الفرقة رجل طوى بساط أيامه في القرن السابع عشر من الميلاد وكان يقول عن نفسه انه (المسيح المنتظر). وكان اسمه (شبطاي) ولد في ازمير سنة 1626م من آب كان قد قدم من إسبانية. ولما ترعرع بانت عليه مخايل الذكاء والنجابة، وكان حسن الصورة وضاء الوجه، ذا عارضة وفصاحة، وكان إذا تكلم جذب إليه الأنظار وحام عليه أطيار الأفكار، وكان همه معاطاة العلوم الخفية المعروفة
بعلوم الجفر، وكان قد أفضى به الأمر إلى انه اقنع عدداً مذكوراً من اليهود بسمو بعثته حتى أيقنوا به كل اليقين. ثم قضى عليه القضاء أن ينتقل من أزمير إلى الأستانة إلى سلانيك إلى حلب إلى القدس الشريف، فزاد بذلك جمع المنضمين إليه.
ولما بلغ الأمر إلى هذا الحد من الشهرة ادعى انه متحد اتحاداً سرياً (بالشريعة) فتيسر له أن يتنبأ عن قرب عودة الأسباط الإثني عشر في ديار فلسطين.
وبينما كان يوماً في مصر القاهرة، صادف فيها امرأة يهودية بارعة الجمال، غريبة الأطوار، قد اخذ منها الهوس كل مأخذ، وكانت تدعي أنها العروس الموعودة للمسيح المنتظر، ولا حاجة إلى القول (وافق شن طبقه) وما أبطأ أن تزوجها وأتم أسفاره في ديار الشرق، وهو بين إجلال وإذلال، بين رقي وهوى، تارة يعظمه القوم، وطوراً يطردونه من المدن بدون أن يدعوه أن يمضي فيها نهار اليومِ.
ومن جملة ما حل به من النوائب انه دخل سنة 1665م الأستانة فعلم بأمره السلطان فاعتقله في قصر ابيدوس، وأذن له بعض الحرية لاسيما أن يقابل تلامذته ويجاذبهم أطراف
الكلام.
واتفق له أن في ذلك الحين حدث له ما بقي له شهرة حالته أي انتحاله الإسلام لاسيما أن السلطان وعده بالهيل والهيلمان أن اسلم. فظن هذا المسيح الممسوخ انه ألم يلب طلب الباديشاه، يخرج من هذه الدنيا بصفقة المغبون أو بسمة الملعون، فلبى طلب الخاقان واسلم.
أما متبعوه فلما كانوا قد اعجبوا به وبآرائه قالوا: أن لم يكن شيخنا ممن يعلم بحسن مآل أعماله هذه ويجذب المسلمين إليه لما كان يدين بالإسلام، ولهذا يحسن بنا أن نماثله في كل أمر ونتبعه في عمله هذا فتأثروه واسلموا جميعاً عن بكرة أبيهم. فوقع الرجل احسن موقع في عيني السلطان واحله محلاً رفيعاً في قصره، وبقى هناك قائماً يسنن ديانته الجديدة المركبة من اليهودية والإسلامية. ومتمماً شعائرها ومناسكها.
غير انه بينما كان ذات يوم يزمر المزامير مع جماعة من قومه بوغت فنفي إلى دلشينيو من أعمال البانية (بلاد الارناؤوط) فمات فيها سنة 1676 في السنة الخمسين من عمره.
مات الرجل المحتال وعاشت بعده فرقته متظاهرة بالإسلام مبطنة الموسوية وهي بعيدة عما تتظاهر به بعد الثريا عن الثرى. واليوم تجد أصحاب هذه الفرقة في أدرنه وسلانيك. وترى المسلمين ينظرون إليهم نظر المتحرزين المتحذرين منهم لأنهم بقوا على اعتقاد آبائهم. والحقيقة انهم أصبحوا بدون دين معلوم مترددين بين الشك واليقين. على حد ما يروى عن الغراب في سالف الأحقاب:
إن الغراب وكان يمشي مشية
…
في ما مضى من سالف الأجيال
حسد القطاة ورام يمشي مشيها
…
فأصابه ضرب من العقال
فاضل مشيته واخطأ مشيها
…
فلذاك سموه أبا المرقال
لقد رأيت من هم الصهيونيون. وإلى من ينتمون. ولهذا تجد
الحكومة والمنتسبين إليها يخافونهم خوف الرجال من الأسد الرئبال، لأن الصهيونيين أناس ذوو جد وجهد. وسعي وكد وذكاء ودهاء، أوتوا من دقة النظر في الأمور ما يدفعك إلى أن تجعلهم في مصف الطائر المعروف بالقرلي. الذي قيل عنه: إذا رأى خيراً تدلى. وان رأى شراً تولى. ولهم سطوة عظيمة عجيبة على من حواليهم. لما بيدهم من الأصفر الفتان. والأبيض الرنان. ولهذا ترى مجلس المبعوثين من يلفت الأنظار إليهم. خوفاً من دسائسهم ودبيب عقاربهم
ومن ذلك اصطلح عليهم المصلحون من أبناء الدولة الصادقي التبعة باسم (الخطر الصهيوني).
وممن نبه الأفكار إليهم مبعوثو سورية وفلسطين فأنهم أشاروا إلى نمو اليهود في العراق وديار الشام وازدياد معاهدهم الزراعية والصناعية وحسن نظام مستعمراتهم. ومما قاله مبعوث القدس الشريف: أن في المدينة المقدسة ثمانين ألف يهودي بينما أن المسلمين لا يزيدون على تسعة آلاف نسمة. وقد أيد مبعوث الشام ما قاله رصيفه القدسي وزاد عليه قوله: أن السير هؤلاء الأقوام سير أمة ليس إلا. فأنك تراهم في أيام أعيادهم يركزون رايةً زرقاء مكتوب عليها (صهيون).
ومهما يكن من أمر الصهيونية فلا خوف انهم يحشرون يوماً أمةً. وهم مهما فعلوا لا يكونون كذلك في الأرض التي تسكنها أنت. بيد أن الذي يبقى راسخاً في الأذهان هو أن هؤلاء ألا جناب يزاحمون بالمناكب أبناء الوطن ويقاسمونهم خبزتهم فيزداد التنازع عليها ويكثر