الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 5
- بتاريخ: 01 - 11 - 1911
وصف أطلال سامراء
إذا خرجت من سامراء وصرت وراء سورها، وقعت في مسجد (الملوية)، وذلك على بعد 500 متر تقريبا: وهو هذا الجامع الذي قال عنه اليعقوبي: (وبنى المتوكل بن المعتصم المسجد الجامع في أول الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطائع والأسواق وأتقنه ووسعه واحكم بناءه وجعل فيه فوارة ماء (أي شاذروانا) لا ينقطع ماؤها، وجعل الطرق إليه من ثلثة صفوف واسعة عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح، في كل صف حوانيت فيها أصناف التجارات والصناعات والبياعات، عرض كل صف مائة
ذراع بالذراع السوداء، لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجميع في جيوشه وجموعه وبخيلة ورجله، ومن كل صفٍ إلى الصف الذي يليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس، فاتسعت على الناس المنازل والدور، واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع.) اهـ.
وقد وجدت اليوم آثار تلك الفوارة حتى لم يبق ريب في أن هذا الجامع هو الذي بناه المتوكل، هذا فضلاً عن بقاء الملوية على حالها الأولى، وهي اقدم مئذنة في الإسلام، لأنها على طرز الزقورة التي كان يتخذها الصابئة من الكلدانيين والحرنانيبن والبابليين في بيوت عباداتهم وكان يسنيها العرب (الهيكل). ومنه كلام صاعد الأندلسي عن الكلدان: وهم نجوا لأهل الشق الآخر من معمور الأرض الطريق إلى تدبير الهيكل، لاستجواب قوى الكواكب، وإظهار طبائعها، وطرح شعاعاتها عليها، بأنواع القرابين القربة لها، وضروب التدابير المخصوصة بها.) اهـ. وكانت هذه الأبراج على سبع طبقات وكل طبقة بلون يوافق لون السيارة الذي خص بها. ويصعد إلى أعلاها من الخارج لا من الداخل وكل ذلك على شكل ملوي.
والظاهر أن المتوكل بنى تلك المئذنة على الصورة المذكورة تحويلاً للأنظار إليها للصائبة إلى دين الإسلام، لان الصائبة كانوا كثيرين في عهد الخلفاء العباسيين وقد برعوا في جميع علوم ذلك العصر ويحتمل أن يكون هناك سبب آخر لا يخطر ببالنا اليوم لان أسباب الحضارة
والتمدن قد اختلفت عمن كانت في سابق العهد.
أما السور فمبني بالآجر والجص ويبلغ امتداد الباقي منه المبنى (240) متراً في جهة
الطول وطول الباقي منه في جهة العرض (160) متراً فيكون مجموع ما في الطوليين والعرض (800) متر ويبلغ علوه (15) متراً وفي كل جانب من جانبيه في الطول (12) برجا وفي العرض (8) أبراج وفي كل ركن من أركانه برج أكبر مما تقدم ذكره فيكون الجميع (44) وبين كل برج وبرج أن كان في جانب الطول أو العرض (55) قدما وثلاثة أرباع القدم أو (14) متراً وأربع وثلاثون سنتيمتراً ومستدير قطر كل برج (27) قدماً وربع القدم أو (7) أمتار وسنتيمتران ومستدير قطر كل برج من أبراج الأركان (46) قدماً وربع القدم أو (11) مترا وتسعة وثمانون سنتيمتراً وفيه (13) باباً وبين كل باب وباب قراب (20) متراً وقد يكون دون ذلك. أما بابه الأصلي فمقابل للقبلة. وعلى جانبيه بابان دونه طولاً وعرضاً بشيء قليل. ويقابلهما أيضاً بابان بقدرهما. وعلو الباب الأوسط خمسة أمتار ونصف في ثلاثة أمتار عرضاً. وفي أعلى حائط الباب المذكور من داخل السور اثنتان وعشرون مشكاة يبلغ طول كل مشكاة نحواً من مترين في عرض متر و (25) سنتيمتراً.
وفي السور أيضاً بابان بكبر البابين المذكورين في الحائط الذي يكون عن يسارك إذا دخلت الباب الأكبر. وفي ركن الحائط المذكور من الجانب الآخر باب صغير يعلو الرجل بنصف متر ويقابله باب مثله.
وفوق كل باب منهما في راس الحائط روزنتان نافذتان إلى الجهة الأخرى بقدر المشاكي المتقدم ذكرها في الطول والعرض.
وأما فناء المسجد فهو اليوم عبارة عن أنقاض ركام لا غير. إلا أن الدكتور العلامة هرتسفلد كشف تراب جانب منه فأنحسر عن آثار الفوارة التي مر ذكرها واثر رواق. والفناء كله مفروش بالطاباق أو الآجر وقدر ذلك الطاباق هو قدر الآجر المستعمل اليوم في بغداد أي طوله وعرضه (30) سنتيمتراً. وربما كان الطاباق سامراء أكبر بقليل لكنه دون اجر بغداد ثخناً.
ومما اكتشفه الدكتور المذكور دكة (أي دكان) قدام الباب الأصلي من الخارج علوها متر ونصف وطولها متران في عرض متر ونصف. وعند الدكان من الخارج قبر طوله ثلاثة أمتار وعرضه متر ونصف. ويظن إنه أطول مما يشاهد لان طرفه داخل تحت الردم.
وبينه وبين المصطبة زهاء مترين. ووراء ذلك القبر من الخارج على مسافة (10) أمتارٍ سرداب عمقه (10) أمتار غير أن فيه أنقاضاً كثيرة ولا يعرف مقدار عمقه الأصلي.
أما الطاباق الذي بني منه حائط المسجد فهو بقدر طاباقنا البغدادي الحالي المذكور تكسيره آنفاً. إلا أن بعضه أثخن من آجرنا وبعضه أصغر منه أي بقدر الذي يسمونه في زورائنا (الطاوق السلطاني) الذي تكسيره (17) سنتيمتراً. أما الثخين من هذا الآجر فيبلغ ثخنه من (10) إلى (11) سنتيمتراً.
وبين يدي السور من جهة المدينة فناء واسع مفروش بالآجر مساحته خمسون خطوة، ووراء سور المسجد من الجهة الأخرى المقابلة لذلك الفناء بهو يبلغ عرضه (50) متراً وعلى حد البهو مئذنة المسجد المعروفة بالملوية. وبها يسمى المسجد اليوم أي يقال (جامع الملوية) بدلاً من (الجامع المسجد المتوكلي).
أما بناء هذه الملوية فبالجص والآجر وشكلها شكل مفتول أو مبروم فتل ست فتلات (ولعل الفتلة الأولى لا ترى لأنها تحت الأرض) ومن يريد الصعود يرتقيها دائراً فيها حتى يصل إلى أعلاها. وفي ذروتها باب معقود مسنم علوه (3) أمتارٍ وعرضه متر ثم تصعد منه في درج عدد درجاته (18) طول كلٍ منها متر وعلوها (20) سنتيمتراً والفرغ بين الدرجة والدرجة (250) سنتيمتراً وبين تلك الدرجات درجة وهي السابعة في الصعود والثانية عشرة في النزول فرغها (80) سنتيمتراً أما سقف تلك الدرجات فهو أيضاً معقود مسنم وعلوه وعرضه مثل علو وعرض الباب المذكور أنفا وفي رأسها محل يسع اثني عشر رجلاً. وعرض الطريقة التي يصعد فيها قراب مترٍ ومسافة فتلاتها
الست (400) خطوة أو (247) متراً ومدة الصعود أربع دقائق لا غير أما محيط الملوية من الأسفل فبين الأربعين والخمسين متراً ومن الأعلى بين (18) و (20) متراً وارتفاعها (50) متراً. والفناء الذي بين سور المسجد والملوية مفروش كله بالآجر أو الطاباق ويتخلل ذلك الفناء عمد مبنية بالآجر بعضها مربع وبعضها مدور مستطيل وهي متفرقة والمسافات بينها متفاوتة.
وبجانب المسجد وعن يمينه من الوراء سور يسمونه (سور عيسى) ولا يعلم على التحقيق من هو هذا عيسى هل هو عيسى بن علي أو عيسى بن موسى العباسي لان اليعقوبي لم يذكره في كتاب البلدان عند إيراده الإقطاعات التي اقطعها الخليفة أصحابه وبعضهم يسميه
(سور أم عيسى). ولم يبق البلى منه سوى بعض شرفات متداعيات وبناء هذا السور من اللبن ومسافة طوله (360) وعرضه (200) متراً وفي ساحته تلول صغار وكبار.
ووراء سور عيسى على مسافة 200 متر عن جهتك اليمنى تلول كثيرة. كشف الدكتور هرتسفلد الآنف الذكر عن قسم منها معروف اليوم عند العوام باسم (دار بهلول) فظهرت فيه أبنية هي عبارة عن غرف متصلة بعضها ببعض مختلفة في طولها وعرضها. وبناؤها باللبن ومطلي خارجها بالجص وعلى الجص غشاء من البورق. ولون هذا البورق ضارب إلى الزرقة. وعلو الشاهق من حيطان من حيطان هذه الأبنية متران ونصف. أما ساحتها فبعضها مرتفع وبعضها منخفض. وفي جدرانها نقوش مختلفة
الأشكال بديعة الصنع. وقد اخذ الأستاذ الدكتور صور تلك الآثار ونقوشها وما فيها بالتصوير الشمسي. وقد رأينا في بعض جدرانها سطرين بالقلم الفارسي محفورين حفراً طول كل منهما عشرين سنتيمتراً غير إننا لم نهتد إلى قراءتهما كما ولا الدكتور ولا المهرة من أبناء اللغة الفارسية لقدم عهدهما وإندراس آثارهما. وتلك الأبنية المكشوفة هي عبارة عما يقرب من عشرين داراً.
وهذا الوصف يذكرنا عما جاء عن المختار في معجم ياقوت إذ يقول: هو قصر كان بسامراء من أبنية المتوكل. ذكر أبو الحسن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال: اخذ الواثق بيدي يوماً وجعل يطوف الأبنية بسامراء ليختار بها بيتاً يشرب فيه، فلما أنتهي إلى البيت المعروف بالمختار استحسنه وجعل يتأمله وقال هل رأيت احسن من هذا البناء؟ - فقلت: يمتع الله أمير المؤمنين به، وتكلمت بما حضرني، وكانت فيه صور عجيبة من جملتها صورة بيعة فيه رهبان وأحسنها صورة شهار البيعة، فأمر بفرش الموضع وإصلاح المجلس، وحضر الندماء والمغنون، وأخذنا في الشرب، فلما انتشى
في الشرب اخذ سكيناً لطيفا وكتب على حائط البيت:
ما رأينا كبهجة المختار
…
لا ولا كصورة الشهار
مجلس حف بالسرور وبالنر
…
جس والاس والغنا والزمار
ليس فيه عيب سوى أن ما في
…
هـ سيفنيه نازل الأقدار
فقلت يعيذ الله أمير المؤمنين ودولته من هذا. ووجمنا. فقال: شأنكم وما فاتكم من وقتكم، وما يقدم قولي خيراً ولا يؤخر شراً. قال أبو علي: فاجتزت بعد سنياتٍ بسر من رأي،
فرأيت بقايا هذا البيت وعلى من حيطانه مكتوب:
هذه ديار ملوك دبروا زمنا
…
أمر البلاد وكانوا سادة العرب
عصى الزمان عليهم بعد طاعته
…
فأنظر إلى فعله بالجوسق الخرب
وبركوار وبالمختار قد خلتا
…
من ذلك العز والسلطان والترب
وبركوار بيت بناه المتوكل. اهـ. وهو الذي مر الكلام عليه وصحة اللفظة بركوارا بألف في الآخر ومنهم من سماه خطأ بركوان بنون في الآخر على ما ذكره ياقوت في كلامه عن سامراء.
ووراء سور عيسى أيضاً من جهة الشمال على مسافة ربع ساعة من يرى (الجب) وقد أنشأه (على ما يقال وينقل) الخليفة المتوكل العباسي ويحيط بالجب سور مبني بالطاباق والجص وقد سقطت منه بعض الشرفات، والباقي منه متداع مائل. ومسافة محيطه لا تقل عن مائتي متر. أما هيئة الجب فهي عبارة عن حفرة كبيرة في بطن الأرض مربعة الأركان تنزل فيها فتفضي إلى عشرين سردابا ينفذ بعضها إلى بعض.
وعمق كل سرداب منها أربعة أمتار وطوله سبعة وعرضه ثلاثة وتحت هذه السردايب واقع بابه في القبلة وقد سلكنا فيه ما يقرب من عشرين متراً فلم نصل إلى آخره غير إننا انتهينا إلى أنقاضٍ كثيرة ثم رجعنا أدراجنا. أما عمقه فلا ندري قدره لكثرة ما هنالك من الصخور المتراكمة. والحجارة المتبعثرة على أهاب الأرض.
والذي يشاهد فيه اليوم أن غوره 1 متر وعرضه متران. وحدثني بعض المعمرين من أهل سامراء قال كان في القرن الماضي في هذا الجب سرداب ينفذ من الجب إلى بركة السباع وسيأتي ذكرها. أما عمق الجب في الأرض فيبلغ قراب 20 متراً ومسافة محيطه قراب 60 متراً وتمشي فوق الجب وأنت مغرب في أرض كلها دكادك وصخور وأنقاض متراكمة بعضها فوق بعض مسافتها 350 متراً. ثم تقف على بركة السباع التي مر ذكرها آنفا ويسميها أهل سامراء (أم البطوط) وهي نقرة مربعة الأركان يبلغ مسافة محيطها قراب (110) أمتار وعمقها قراب 16 مترا ويحيط بها سور قد سقطت جوانبه الثلاثة وبقي منه الجانب الرابع وقد سقطت منه أيضاً بعض شرافات والباقي مائل. وحول ذلك السور في جهاته الأربع أنقاض وأحجار وصخور كثيرة لا تقل مسافة محيطها عن ثلث ساعة ولعلها
أنقاض القصور التي ذكرها اليعقوبي في كتاب البلدان قال بعد كلام طويل: ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع (وكان فيه دير للنصارى) فاحضر محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي دؤاد وعمر بن فرج واحمد بن خالد المعروف بابي الوزير