الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل الفاسق والمرأة العفيفة
فقال: انه كان رجل فاسق يكايد امرأةً عفيفةً بالحرام. فلما حصل عندها. قال لها: امضي واغلقي جميع أبواب الدار واحكمي إغلاقها.
فمضت المرأة. ثم عادت وقالت: قد أغلقت سائر الأبواب التي بيننا وبين الخلق وقد أحكمتها. وقد بقى الباب الذي بيننا وبين الخالق تعالى، ما قدرت عليه ولا استطعت أن احكم إغلاقه وهو بحاله مفتوح.
فوقع في نفس الرجل الهيبة. فاخلص لله التوبة واقلع عن ذنبه وعاد إلى طاعته تعالى. اهـ
وبهذا القدر كفاية لمن يريدان يعرف ما في هذا الكتاب من الكنوز الأدبية والحكمية وكفى بالكتاب أن يكون منسوباً إلى مثل الغزالي لتعرف مكانته من البلاغة والفصاحة وحسن سبك العبارة مع اختيار احسن الحكايات واصح الأخبار.
السيد صدر الدين
الكاظمية: أبو محمد الحسن العاملي
أخلاق أهل نجد
(تتمة)
(5:) أخلاقهم هي أخلاق العرب الأقدمين العزيزي النفس المتوقدي الذهن الأذكياء الشهام الأباة أخلاق لم تغيرها الحوادث والأزمان فهم اليوم أهل كرم وشجاعة ووفاء وسماحة وحمى ودخالة وسيرتهم توافق قوانينهم وتنطبق عليها أتم الانطباق ولا تحيد عن الكتاب والسنة فهم يجلونهما اعظم الإجلال ولا يعتبرون إلا إياهما.
نعم يوجد بين القبائل من يجري على قوانين وسنن وشرائع راجعة إليهم وخاصة بهم يقومون لها ويقعدون لكن إذا جاءوا المدن رجعوا إلى الشرع الشريف في أمورهم وشؤونهم الاجتماعية. هذا فضلاً عن أن لهذه السنن من المزايا والمحاسن ما تفيد كل الإفادة تلك الأقوام في هاتيك الربوع ولولا ضيق المقام لأتينا على ذكر بعض منها إظهاراً لمنافعها ولما أودعتها من الحكمة البعيدة المرمى والمبنى والمعنى
(6 جارتهم)(التجارة التي يتعاطاها أهل تلك الأرجاء هي الخيل والإبل وكلاهما من احسن ما وجد من جنسيهما في الدنيا كلها جمعاء. ولعلنا نعقد يوما فصلاً نذكر فيه ما يجب الوقوف عليه في البحث والتمر وأنواعه كثيرة وأسماؤه هي تلك الأسماء القديمة لا تتغير وهذا يفيدنا في تصحيح بعض الألفاظ الواردة في هذا المعنى والسمن (واسمه عندهم الدهن كما يسميه العراقيون) والصوف والوبر. ويذهبون بكل صنف من هذه الأصناف إلى حيث يكون رواجه. فيذهب بالخيل مثلا إلى بلاد الهند. واغلب أصائل هذه الأنحاء من نجد. وينقلون الإبل إلى مصر والشام. ويحملون التمر إلى الحجاز. ويبيعون الدهن أو السن في البصرة والكويت والحجاز حسب الوقت الذي يوافق نقله أو يصادف تصريفه وإنفاقه في موطن دون الموطن الآخر الذي رخص فيه. وهذا هو سر أسفارهم المترامية وتغريهم عن أقطارهم العزيزة ولهم في ذلك من الصبر والجلادة مالا تراه في أقوام آخرين سواهم. فانك ترى الواحد منهم يقيم نائباً عن مسقط رأسه ثلاثين حولاً مثلاً ولا
يتأفف من حالته البتة وهم أهل سعى وكد وجد ولا تعيقهم الأخطار الشديدة ولا الأهوال الهائلة عن الوصول إلى ما به منفعتهم. أفبعد هذا تتعجب من كون كثيرين منهم وصلوا إلى لندن وأميركة والديار النائية فلقد يقضي واحدهم الأيام الطوال والاعوام الكثار بدون أن يلتفت إلى وطنه).
(7: زراعتهم)(اغلب زراعتهم متوقفة على الحنطة والشعير والذرة (الاذرة أو الادرة)
والسمسم والدخن ويزرعون كل هذه الحبوب بقدر حاجتهم. وإذا حبست السماء ماءها اضطروا إلى جلب ما يحتاجون إليه من البلاد الأخرى كالكويت والبصرة والسماوة وغيرها ولقد كانت الزراعة تتقدم عندهم تقدما عظيما لولا أمرين أحدهما: جور الحكام. والثاني قلة المياه. ولقد حاولوا مرارا استنباط المياه بالآلات المختلفة أو حفر الآبار الارتوازية فلم يتيسر لهم ذلك. لصعوبة الطرق ووعورتها بحيث لا تستطيع العجلات السير فيها. وأما إذا قلت: فهناك جمال تضطلع بحملها. قلنا: تضطلع بحمل بعضها لا بكلها لأنه يوجد آلات ثقيلة غاية الثقل لا يحملها البعير الواحد بل ولا البعيران أو الثلاثة. ومن ثم أصبح نقلها من البعيد التحقيق. ولولا ذلك لأصبحوا في غنى عن الديار الأخرى في كل أين وان. بل لزادت حاصلاتهم على نفقتهم ولربحوا من التجارة بما فضل عندهم أموالاً طائلة تأتيهم من البلاد التي ينفقون اليوم فيها أموالهم للحصول على ما يحتاجون إليه.
(8: الصناعة عندهم)(ليس لهم من الصنائع إلا ما لغيرهم من مجاوريهم من أهل الكويت والبصرة كالنجارة والحدادة والسكافة والخياطة وما ضاهي هذه المهن. ومهارتهم في الأسلحة غريبة فانهم وان كانوا إخلاء من جميع الوسائل الميسرة لهذه الغاية فانك تراهم يصلحون ما يقع من أنواع الخلل ببنادق ما وزر ومارتيني. واغرب من هذا انهم يفرغون المدافع إفراغاً محكماً ويحسنون التصرف بالمدافع الجديدة الطرز حتى انك تخالهم انهم تلقوا علم المدافع عن أصحابه المهرة وإذا وقع في هذه الآلات خلل أصلحوه على أقوم وجه. ومع كل هذه البراعة والتفنن لا تشاهد في أيديهم أدوات تامة العدة كما ترى في البلاد الراقية في المدنية. وعندي انه لو وجد بأيديهم آلات تساعدهم على تحقيق أمنيتهم لبرزوا في الصناعيات على من سواهم ولاتوا بكل عجاب. وأوقفك الآن على اغرب من هذا كله: انهم يتحرون المباحث العلمية الدقيقة ويتتبعون الاكتشافات الحديثة كالكهرباء والسلك الجوي وبعض الآلات البرقية وما ضاهي هذه الموضوعات الجديدة واعهداً واحد في القصيم يضيء محله بالنور الكهربائي الذي هو صنع يديه وقد ركب الأجزاء التي يتولد منه بأعمال فكرته. وإذا كانوا لا يحققون دائما ما يعقدون النية علبه فهو لأنهم في شغل شاغل عنه بما يقومون به من أمر العيشة وتطلبها في الأقطار النائية.)
(9: ديانتهم) (بقى علينا أيراد أمر الديانة والاعتقاد عندهم. فقد أسلفت وقلت. انهم يعتمدون
على الكتاب (القرآن) والسنة
(وهي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولدى بحث جليل في هذه الموضوع وهو لا يخلو من فائدة لمن يريد تتبع الحقائق على وجهها الصادق الصحيح واستقراء ثوابت الأمور. ولعلى أعود إلى هذا المجال في فرصة أخرى.)
(10: هواء البلاد) لا تكاد تلفظ كله نجد إلا وتتصور هذه البلاد تحت عينيك ويهب عليك نسيمها ويتلاعب أمامك هواؤه الطيب الجاف. لان معنى (نجد) ما اشرف من الأرض وارتفع واستوى وصلب وغلظ. . . ولا يكون النجد إلا قفاً أو صلابة من الأرض من ارتفاع مثل الجبل معترضا بين يديك يرد طرفك عما وراءه. . .) - (عن التاج) -، والهواء في منتهى الحرارة وقد تبلغ في الظل في بعض المواطن 52 درجة بالميزان المئوي. وعند الصباح يهب نسيم طيب لذيذ في الصيف وإذا تكبدت الشمس السماء انقطع الهواء في شهر تموز وأب وأيلول حتى يكاد الإنسان يموت اختناقا إلا انه لجفافه لا يؤثر كثيرا على الصحة. ويضطر من يسكن تلك الديار اتخاذ المآكل الخفيفة الهضم والانقطاع عن المسكرات والامتناع عن الأطعمة المطبوخة باللحوم الثقيلة.
(11: تأثير الهواء على السكان) اعلم أن اغلب الأمراض تتولد هناك من الكبد لشدة الحر. ومن مؤثرات الحر على أهل البلاد أن اغلبهم ضعاف نحاف سمر الألوان طوال القامة إلا انهم أقوياء يحتملون الجوع والعطش والحر إلى درجة لا تكاد تراها في سواهما. وهم عصبيو
البنية ذو عزم شديد ومضاء بعيد إذا قصدوا شيئاً لا يرجعون عنه ولو كلفهم كرب الموت وإراقة الدماء وهم من بين جميع العرب سريعو تلقن العلوم والمعارف بل هم يتلقفونها تلقفا لسرعة تناولهم إياها وكذا قل عن الصنائع والفنون على أعلى اختلاف أنواعها وضروبها.
(12: عدد السكان) ليس في بلد من بلدٍ العرب من يحصى عدد الأنفس. هذا فضلاً عن أن هذا العمل عندهم مشؤوم. إلا أن العارفين يقدرون أهل نجد بما ينيف على مليون نسمة.
(13: نظرة وادع لبلاد نجد) يتضح لك مما أسلفنا ذكره أن بلاد نجد من احسن بلاد جزيرة العرب ترابا وهواءً. ولهذا قال ياقوت في معجمه: (لم يذكر الشعراء موضعا اكثر مما ذكروا نجدا وتشوقوا إليها من الأعراب المتحضرة) من ذلك قول أعرابي:
حنينا إلى أرض كان ترابها
…
إذا أمطرت عود ومسك وعنبر
بلاد كان الأقحوان بروضه
…
ونور الأقاحي وشي برد محبر
احن إلى أرض الحجاز وحاجتي
…
خيام بنجد دونها اطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافع
…
اجل لا ولكني إلى ذاك انظر
أفي كل يوم نظرة ثم عبرة
…
لعينيك مجرى ماؤها يتخدر
متى يستريح القلب أما مجاوز
…
بحربٍ وأما نازح يتذكر
وقال أعرابي آخر:
فيا حبذا نجد وطيب ترابه
…
إذا هضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجدٍ إذا ما تنسمت
…
ضحىً أو سرت جنح الظلام جنائبه