الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعياء النبي القائل لبنات بابل اللواتي ربين في الترف والكسل: (انزلي واجلسي على التراب، أيتها البكر بنت بابل، اجلسي على الأرض، فانه لا عرش لك يا بنت الكلدانيين، ولا تدعين من بعد ناعمة مترفة، خذي الرحى واطحني الدقيق، اكشفي نقابك وشمري الذيل (اشعياء 47: 1 - 2) -. من العجب أم مر على كلام الرب قرون وعصور ولم نر ما يكذب ذاك العقاب الذي عاقب به تلك المدينة العظمى من جراء شعب الله. وكنا نتصور عند سماعنا تلك الجعجعة إننا نسمع دائما ذلك الوعيد يدوي في آذاننا، ولعل تلك النساء كن مولودات في أرض تلك المدينة القديمة بابل العظيمة.
(الأب يوسف لويس الكرملي)
بقايا قصور الخلفاء في مدينة سامراء
تابع لما في الجزء الخامس
5 -
قصر الخليفة
إذا جزت (بركة السباع) أو (أم البطوط) وأنت متوجه إلى الشمال الغربي، وقطعت مسافة لا تقل عن 500 متر تقف على قصر يعرف اليوم عند أهل سامراء (بقصر الخليفة) والبعض
يسميه: (دار الخليفة) والمعنى واحد. وهو الذي مر ذكره في آخر مقالة الجزء الخامس.
أما هيئة هذا القصر فتشبه بعض الشبه (إيوان كسرى) المشهور الواقع في شرقي بغداد في جانبها الشرقي على مسافة عشرين كيلومتراً تقريباً. ولا نعلم شيئا يعتمد عليه من أمر هذا القصر بوجه اكيد، ولا لمن هو، ولا أي خليفة كان ينزله كما نجهل الخليفة الذي ينسب إليه، والوقت الذي بني فيه، ونحن لم نعثر على ما يدلنا إلى غايتنا، لا كتابة ولا علامة، إذ الذي يشاهد هو بناء مرتفع ذاهب في السماء وقد افترش من الأرض مساحة تقارب كيلومترا، وهو ولاشك من آثار الخلفاء العباسيين الذين دوخوا العالم بمدنيتهم وحضارتهم، إذ لكل من نزل سامراء شيد فيها قصرا بل ربما قصورا، لا سيما المتوكل، فقد قال ياقوت في معجمه عند ذكره قصور سامراء:
(وأراد الرشيد أيضاً بناءها (يعني سامراء) فبنى بحذائها سراً بازاء اثر عظيم قديم كان للاكاسرة. . . وكان الرشيد حفر؟ دها نهرا سماه (القاطول)(وهو الذي مر ذكره في الجزء الرابع من هذه المجلة) واتى الجند وبني عنده قصراً، ثم بنى المعتصم أيضاً هناك قصرا ووهبه لمولاه اشناس. . . ولم يبن أحد من الخلفاء سر من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه. فمن ذلك القصر المعروف (بالعروس)، انفق عليه ثلاثين ألف درهم، والقصر
(المختار) خمسة آلاف ألف درهم، (والوحيد) ألفى ألف درهم (والسيدان) عشرة آلاف درهم، و (البرج) عشرة آلاف ألف درهم، (والصبح) خمسة آلاف ألف درهم، (والمليح) خمسة آلاف ألف درهم، (وقصر بستان الايتاخية) عشرة آلاف ألف درهم، (والتل) علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم، (والجوسق) في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم،
(والمسجد الجامع) خمسة عشر ألف ألف درهم، (وهو الذي جاء وصفه في الجزء الخامس
باسم مسجد الملوية)، وبركوارا (ويروى بركوان وهو خطاء) للمعتز ألف ألف درهم، (والقلائد) خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار. (والفرد) في دجلة ألف ألف درهم، (والقصر بالمتوكلية) وهو الذي يقال له (الماحوزة خمسين ألف ألف درهم. (والبهو) خمسة وعشرين ألف ألف درهم، (واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم. . . وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصراً أو غيره، أمر الشعراء أن يعلموا فيه شعراً فمن ذلك قول على بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل:
ومازلت اسمع أن الملك
…
تبني على قدر أقدارها
واعلم أن عقول الرجال
…
تقضى عليها بآثارها
فلما رأينا بناء الإمام
…
رأينا الخلافة في دارها
بدائع لم ترها فارس
…
ولا الروم في طول أعمارها
وللروم مشيد الأولون
…
وللفرس آثار أحرارها
وكنا نحن لها نخوة
…
فطامنت نخوة جبارها
وأنشأت تحتج للمسلمين
…
على ملحديها وكفارها
صحون تسافر فيها العيون
…
إذا ما تجلت لأبصارها
وقبة ملك كأن النجوم
…
تضيء إليها بأسرارها
نظمن الفسافس نظم الحلي
…
لعون النساء وإبكارها
لو أن سليمان أدت له
…
شياطينه بعض أخبارها
لا يقن أن بني هاشم
…
تقدمها فضل أخطارها
ولا تكاد ترى اليوم أثراً لهذه القصور التي ذكرها ياقوت بل ولا تسمع من أسمائها إلا ما ذكرناه أو سوف نذكره.
2 -
قصر الخليفة
قصر ينبئك مرآه ورصانة بنائه وحسن وضعه عن مدنيةٍ لم تجئ في العصور التي تلت بناء ذلك الصرح. فهو إذن اثر عظيم من آثار العراق الخالدة. ونظن أن هذا القصر من أبنية المعتصم، ويؤيد ظننا قول اليعقوبي في كتاب البلدان وهذا نصه:. . . (ويمتد الشارع (أي الشارع الكبير وهو الأول) وفيه قطائع عامة إلى دار هارون بن المعتصم وهو الواثق.
) ثم باب دار العامة ودار الخليفة وهي دار العامة التي يجلس فيها يوم الاثنين والخميس:. . (ثم قال عن الشارع الثاني.،. (ويتصل ذلك (أي مجموع الإقطاعات) إلى باب البستان وقصور الخليفة.) اهـ والذي أقطع الاقطاعات وبنى القصور وكان صاحب دار العامة هو المعتصم بالله. ولعل هذا القصر من بقية قصور الخليفة وإنما لم يقولوا (قصور الخليفة) بالجمع لان من يراه اليوم وهو قصر واحد ظن انه إذا سماه بلفظ الجمع يخطأ، فلهذا يعدل عنه إلى المفرد تطبيقاً للكلام على حقيقة الواقع فيقول (قصر الخليفة) والجري على هذا السنن من مألوف عوائد أعراب العراق في تحريف الكلم عن مواضعها.
أو لعل ما يرى اليوم هو دار العامة لان بعض أهل سامراء يسميه اليوم (دار الخليفة) كما ذكرناه فويق هذا. وهذا الاسم يقرب أيضاً الظنون من الرأي الأول. وعلى كل فهو لابد أن يكون للمعتصم أو لولده المتوكل والله اعلم.
ودونك الآن وصف هذا القصر على ما يرى اليوم: هو إيوان كبير كما أسلفنا القول في صدر هذه المقالة وعن جانبيه إيوانان آخران أصغر منه طولاً وعرضاً وارتفاعاً. ووجهه يقابل الشمال الغربي. أما طول الإيوان الكبير وهو الأوسط فيبلغ 13 متراً وعرضه ثمانية أمتار ونصفاً. وارتفاعه 25 متراً. وفي آخره من داخله باب ينفذ إلى إيوانٍ صغير ليس له منفذ من الجهة الأخرى. أما عرض الباب المذكور فثلاثة أمتار ونصف ارتفاعه خمسة أمتار. وعرض الجدار الذي عليه طرفا عقد الإيوان الكبير فطول كل منهما خمسة أمتار ونصف. في أربعة أمتار ونصف متر عرضاً وعشرة أمتار علواً. وعرض الحائط الذي يقوم عليه طرفا العقد متران أيضاً. ولكل منهما من الداخل باب ينفذ إلى حجرة صغيرة. أما عرض الباب فمتران وارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف مترٍ.
أما بناء هذا الصرح الفخم فبالجص والأجر أو الطاباق الكلدانى، وبعض هذا الطاباق من نوع طاباق جامع الملوية، وقد فرش صحنه بالطاباق الكبير المذكور أي الكلداني وكل عقوده
مقوسة. وعن جانبيه فناءان طول كل منهما سبعة أمتار. أما الفناء الذي عن يمين الإيوان المقابل للشرق فقد سقط ثلثه وبقى منه ثلثان. والذي عن الشمال وهو المقابل للغرب فقد هدم ثلثاه ويلم منه ثلث واحد. ووراء الإيوان المذكور تجاه الجنوب الشرقي بناء قد بقى منه شيء وهو متصل به وما هذا الشيء الأرسمه. ويمتد إلى الشرق من وراء
الإيوان مسافة ثمانية أمتار ونصف متر وحوله أنقاض جمة لا تكاد ترى موضع شبر من أرضها خالياً منها لتراكمها وتكاثرها. وفوق سطح الإيوان جاه الشرق أو قل تجاه الشمال الشرقي شرافة قد سقط معظمها وبقي منها ما يبلغ علوه زهاء ثلاثة أمتار في متر ونصف طولاً.
والإيوان الكبير مائل بهيئته الأولى ولم يتلف منه إلا بعض الحجارة وبينه وبين الشط قراب كيلومتر.
3 -
سوراشناس
على بعد نحو 1300 متر من جهة الشمال الغربي من سامراء سور اشناس. هذا الاسم القديم معروف إلى هذا اليوم وهو مضاف إلى اشناس التركي قال اليعقوبي: (واقطع (أي المعتصم) اشناس وأصحابه الموضع المعروف (بالكرخ) وضم إليه عدة من قواد الأتراك والرجال وأمره أن يبنى المساجد والأسواق. . . ولما
اقطع اشناس التركي في آخر البناء مغرباً واقطع أصحابه معه وسمى الموضع (الكرخ) أمره أن لا يطاق لغريب من تاجر ولا غيره مجاورتهم ولا يطلق معاشرة المولدين. . . وقال ياقوت. . . ثم بنى المعتصم أيضاً قصراً وهبه لمولاه اشناس وانزل اشناس بمن ضم إليه كرخ سامراء وهو كرخ فيروز. . . ولم يبق منها (أي من سامراء) إلا الموضع الذي به سرداب القائم المهدى ومحلى أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء. . .)
أما السور فهو عبارة عن شرفات قاعات لا غير، وبناؤه باللبن والجص وساحته كلها عبارة عن تلول صغار وكبار ومساحته بقدر مساحة عيسى المار ذكره في الجزء الخامس، بل ربما يزيد عليه بقليل. وفي جوانبه الأربعة أنقاض كثيرة. وإذا جزته وأنت متجه إلى الشمال الغربي تقع بعد مسافة نحو (50) متراً على طريق شبيه بالشارع عرضه زهاء عشرين متراً ويمتد إلى أبي دلف قراب خمسة كيلومترات إلا انه يتشعب من جانبيه مسالك وطرق كثيرة هي اليوم ضيقة تتفاوت مسافاتها في القرب والبعد عن سامراء.
4 -
أبو دلف
إذا أمنعت في ذلك الشارع ينتهي بك إلى (أبي دلف) وهو عبارة عن مسجد له سور
بالطاباق والجص على غرار سور (مسجد الملوية) بالطول والعرض، بل ربما يكبره بقليل. أما طاباقه فهو أكبر حجماً من طاباق مسجد الملوية وأقوى بناءً واحسن هندسةً. وقد سقط جانبان منه وبقي الجانبان الآخران. وفيه منارة بهيئة منارة مسجد الملوية إلا إنها ليست مفتولة بل مستديرة مستطيلة يبلغ محيط أسفلها نحو (130) متراً وأعلاها قراب (10) أمتار. وهي دون الملوية علواً بنحو (15) متراً والجامع قريب من دجلة بينه وبين الماء زهاء (20) متراً وفوقه بنحو (50) متراً صدر نهر (الرصاصي)، وقد كانت عليه في سابق العهد قنطرة عامرة مبنية بالجص والطاباق وقد تهدمت اليوم ولم يبق منها سوى الأثر.
وحول أبي دلف شرقاً وغرباً أنقاض وتلول تفترش على أرض