الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأزهري في التهذيب. ومثله حقة وحقائق، غرة وغرائر، ضرة وضرائر، حرة وحرائر كنة وكنائن شدة وشدائد، حمة وحمائم، شبة وشبائب، إلى آخر ما هناك من الأمثال.
ومن اغرب الأمور تناسب وتشابه لفظه الإفرنجية لكلمة شقة العربية مبنيً ومعنىً ومثل الشقة: الشق بالكسر والشقيقة. - وأما المحدثون فقد عربوا اللفظة الإفرنجية المذكورة بكلمة (جنس) فيقولون جنس الإناث وجنس الذكور. والحال إن الجنس يقابله بالإفرنجية ولهذا وجب التمييز لا من اللبس. فحفظ ذلك تصب إن شاء الله.
أتجوز الكتابة باللغة العامية
لقد قامت اغلب الجرائد والمجلات، وكتبت الفصول الطوال، وأرصدت عواميد عديدة من صفحاتها، لتتلافى بها الخطر المحدق باللغة العربية من كل حدب وصوب. وقد نطقت كل صحيفة من هذه الصحف بما يخطر لها وعن، وأوجبت التمسك به حسب ظنها. فبعضها قالت: يلزم إن نستأصل شافة الكلمة العامية والدخيلة ونستعمل عوضها كلمات لغوية فصيحة.
وفي نظري إن في الوقت الحاضر، من رابع المستحيلات لأنه كيف يتأتى لشخصٍ إن يترك تلك الكلمات والعبارات بعد إن رضعها مع الحليب وكادت تكون بعضاً من لحمه وعظماً من عظامه.
وقالت غيرها: إنه من اللازم اللازب إدخال الاصطلاحات العلمية
الحديثة العهد بالوضع في العربية لافتقارها اليها، لإنه لا يوجد اليوم في اللغة الفصحى كلمات تقوم مقامها، لاسيما في هذا العصر عصر الاكتشافات والاختراعات وركوب أجنحة الخيال من الأفكار. وهذا كلام يصدق في أمور ولا يصدق في غيرها.
وقالت أخرى: إذا أراد علماء العربية اليوم وضع ألفاظ حديثة ففي وسعهم إن يشتقوا كلمات مأنوسة الوضع يتخذونها من نفس لغتنا ويصطلحوا اصطلاحات علمية لم يسبقهم إليها القدماء لخلو عصرهم من وجودها. فإذا قعدوا (لا سمح الله) عن إتمام هذا الغرض المقدس والواجب الذي لابد منه، فعار عليهم ونقص على لغتنا الشريفة التي نحسبها أوسع اللغات وأفصحها، ونفاخر بها الاعاجم، إن تعجز عن مباراة لغات أوربا في هذا المضمار. (فكر حسن ونافع جدا لو عمل به اليوم علماء اللغة النحارير).
وقالت أخرى: يجب إن تجمع الكلمات العامية وتدون في معاجم اللغة وكتبها وتحسب كجزءٍ منها. ذلك في نظري وفي نظر غيري أيضاً مما يقضي على فصيح اللغة بالتلاشي، ويشوه رونقها، ويعدم جمالها، هذا فضلا عما هناك من العقبات التي ليست بالحسبان. منها: إذا كان المقصود تدوين كلمات بغداد العامية والدخيلة فقط لكان الأمر سهلاً. لكن كيف العمل والمراد كتابة كلمات جميع أقطار البلاد العربية العامية كمصر وبيروت وحلب والشام وبلاد اليمن والحجاز ونجد وما يجاورها من القرى والدساكر. فإن ذلك ما يلزم جميع أبناء العرب بأن
يبدءوا بلغتهم ويتعلموها من جديد، لأن الكلمات العامية تختلف باختلاف الأماكن
والبلاد.
وعدا هذه الصعوبات والعراقيل، هناك أمر لا يرضاه كل من كان محباً لوطنه وقومه لغته، وهو إلحاق الضرر بلغة فصيحة تقتل بدون جريرة، لخير أحياء لغية لا تقوم بجميع ما قامت به أختها البكر، ومن ثم: فعلى العربية الفصحى السلام، لأننا نطفئ إذ ذاك نورها السني بايدينا، وتنقلب لغة الكتاب عامية محضة.
والحاصل كل من الجرائد والمجلات تقريباً ارتأت رأياً وأشارت إلى أمرٍ أوجبت التمسك به والتعلق باذياله، امر لو حققناه لما وجدنا لذلك سبيلا، لاختلاف الآراء، تشعب الطرق، ووعرة المسالك، هذا فضلا عن العراقيل والموانع التي تعترضنا. ولكني اسمع من الآن قائلا يقول: إذا كنا لا نلتفت إلى كلام هذه الجريدة، ولا نحفل بقول تلك الصحيفة، فكيف العمل، يا رعاك الله، ونحن في موقف حرج؟
أجيب قائلا: لي فكر أبديه اليوم لعلماء اللغة وأربابها فإن وافق العقل والصواب، فليحلوا محله، ويعملوا به، وإلا فليضربوا به عرض الحائط. وهذا الرأي هو: إن يجمعوا كلمات البلاد العربية العامية والدخيلة، وينتقوا منها ما هو قريب من اللغة الفصحى والتفاهم به بين الأمصار العربية، ويدخلوها في اللغة ويحسبوها كجزء منها لأن خير الأمور أوسطها. وأما الكلمات التي هي عامية ودخيلة فلينبذوها نبذ النواة وعسى إن يروق ذلك في أعين أدبائنا، ويتلقوه بالقبول والاستحسان، ولو
كان صادراً من فكر رجل خامل الذكر، وليس له اسم في عالم الأدب. فن الأمر غير بعيد عن همتهم لو أرادوا. ثم إذا تساهل علماء العربية اليوم وعملوا بما أشرت إليه، فإنهم يخدمون اللغة والبلاد خدمة تذكر فتشكر، ولا يمضي زمان إلا وترى جميع من يطالع الجرائد والمجلات والكتب من العوام يفهم ما يقرا، وحينئذ تصبح لغته الدارجة ولغة الكتب واحدة كبعض اللغات الحية اليوم.
لكن بما إن هذا الفكر ربما لا يوافق الجميع، ونحن في حاجة ماسة إلى سد هذا الثغر، وإصلاح هذا الخلل، فقد رأيت منذ بضعة أشهر إن اجمع كلمات بغداد العامية والدخيلة، وأنقب عن اصلها، واضع لها ما يرادفها من الكلمات الفصيحة. وقد جمعت منها الآن ما ينيف على ألف وخمسمائة كلمة أنشرها تباعاً على صفحات مجلة لغة العرب الغراء. واسلك مع عوامنا إن شاء الله سلوك الطبيب الحاذق مع مريضه وعلى الله الاتكال.
هذا رجائي الوطيد من لغويينا الكرام إن ينتقدوا كل لفظة عامية أم دخيلة إذا ظهرت لهم غير صحيحة، سواءً كان في الأصل أو المعنى. فإذا فعلوا ما نوهت به، وما أخالهم إلا فاعليه، خدموا اللغة العربية اجل خدمة وأخص منهم بالذكر نارسيسيان أفندي ترجمان قنصل إنكلترا العظمى الذي ارصد نفسه لدرس اللغات القديمة والحديثة، وعسى إن يصادف رجائي قبولا عند ذوي الاطلاع على مكونات اللغة العربية وغيرها من اللغات، بمنة تعالى.
رزوق عيسى