الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 7
- بتاريخ: 01 - 01 - 1912
هيت ومعادنها
1 -
(تمهيد البحث ونظرة عامة في هبة العراق من سبات
الغفلة)
مما يستدل به العارفون على نهضة الأمة من رقادها: وجود حركة فكرية تدفع بعض الأفراد إلى البحث عن طريق الحياة المؤدية إلى سعادتها الحقيقية المتوجهة إليها، سواء كان ذلك البحث والتنقيب نشدا لاستمداد حياتها من الخارج، كتقليد أمة أخرى في أعمالها الجليلة، ومآثرها الخطيرة واكتساب ما عندها من العلوم والفنون، - وسواء كان ذلك البحث طلباً لآثار هذه الأمة نفسها وتاريخ آباءها وأجدادها السابقين، الذين خلدوا ذكرهم بما وصلوا
إليه من الوقوف على أسرار الكون، وهتك أستارها، وقوف يدل على ما كان لهم من اليد الطولي في العلم والعمل. - اجل: انك أن رأيت هذا كله فاعلم رعاك الله، أن الحياة تجري في روق تلك الأمة وان تلك الحياة هي حياة مادية وأدبية وعلمية معاً.
وغير خفي على قراء (لغة العرب) أن العراق هو مهبط الأمم الكبيرة، ومنبع العلوم الغزيرة، في سالف القرون الغابرة، والعصور الدابرة، ففي العراق كان بناة القصور الشاهقة، ومشيدو الصروح السامقة؛ في العراق كان أصحاب الحدائق المعلقة، والجنان ذوات الأشجار الباسقة؛ في العراق كان سباق الأقوام إلى العلوم المتنوعة؛ في العراق نشأ حملة الأقلام الرائعة؛ في العراق ظهر اعظم الرجال وأشهر الملوك؛ في العراق بدا أولوا العزائم والأعمال وخيرة أهل السلوك.
كيف لا وقد كان في هذه الديار من الملوك من إذا سمعنا التاريخ يروى لنا أعمالهم، ويورد على أسماعنا أخبارهم وسيرهم، نقول: أن هذه إلا حديث خرافة أو من أساطير وأقاصيص الأولين، أذلا تعن ليال، ولا يخطر على الأفكار منها خيال. ومع ذلك فإننا إن أوغلنا في البحث عن حقيقتها، لا نصدر عن مواردها أو مشارعها إلا رواء، بل ومتضلعين منها.
ثم إننا لو فتشنا عن هذه الأخبار والأعمال تفتيش متتبع الحقائق ومتوخيها، وتحدينا ما فيها من العبر المعجزات، والأنباء البينات،
لعدنا وبيدنا من حقائق التاريخ الصادقة، وأستار أسرار الحياة المتفتقة، ما يغنينا عن مد يد العوز إلى الغرب، أو عن طرقه هذا الطرق الملحف، ولصدرنا عنها وصدورنا مفعمة علماً وخبراً وخبراً، وجيوبنا مملوءة لجيناً بل
نضاراً لا بل درراً.
هذا وأني لا أريد أن اذكر هنا شيئاً قد أثبته التاريخ إثبات الشمس في رائعة النهار، وقد علمه الخاص والعام بل الكبار والصغار، واجمع عليه علماء الاجتماع، وفحول الباحثين في جميع الاصقاع، بل الذي أريد أن اسطره على صفحات (لغة العرب) من حين إلى حين آخر هو ما اعلمه عن بلادي وآثارها ومعادنها وما فيها من المرافق والخيرات، مما علمته بنفسي، أو نقبت عنه بذاتي ومما خفي أو يخفى على كثيرين من القراء، أو مما كنت أجهله فأحفيت في نشد ضالتي حتى توصلت إليها بوسائل شتى ووسائط متنوعة.
ذلك ليثبت لدى العالم اجمع مزية هذه البلاد الطيبة وفضلها على سواها، وليعلم الطامعون في ديارنا أن فيها رجالاً يذيقونهم الأمرين، قبل أن تدنسها أيديهم بالإشارة إليها، وان فيها اسوداً يصدونهم عن هجماتهم، ويقفون سداً حصيناً دون أطماعهم. ويمنعونهم عن الانتفاع بمرافق ديارهم وربوعهم، - بل ليعلموا أن وصية أولئك الأباء الاماجد مغروسة في نفوس الأبناء الأباة، وان الزمان يظهرها عن قريب.
على أن القول لا يفيد إذا كان مجمل التعبير، فلهذا أردنا أن نبين
اليوم غنى إحدى بلداننا وثروتها الطبيعية، وما قد أودعته أحشاؤها من الكنوز المدفونة وهي بلدة (هيت) فأقول:
2 -
موقع هيت وحدودها
هيت من مدن العراق الواقعة على ضفة الفرات اليمنى، وهي اليوم (ناحية) تابعة لقضاء الرمادي التابع لولاية بغداد. - يحدها من الشمال (بغداد)، ومن الجنوب (قلعة الرمادي)، ومن الشرق (وادي الفرات)، ومن الغرب (وادي الأسد). - وهي تبعد 160 كيلو مترا عن بغداد في الدرجة 40 والدقيقة 32 طولا من الشرق وفي الدرجة 33 والدقيقة 38 عرضا من الشمال.
3 -
اسمها
ذهب لغويونا مذاهب شتى في اسم هذه البلدة ومعانيه. قال ياقوت في معجمه: هيت بالكسر، وآخره تاء، مثناة. قال ابن السكيت: سميت هيت هيت، لأنها في هوة من الأرض. انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. قال رؤية:
في ظلمات تحتهن هيت
أي هوة من الأرض، وقال أبو بكر: سميت هيت لأنها في هوة من الأرض. والأصل فيها: (هوت) فصارت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها. وهذا مذهب أهل اللغة والنحو.
(قلنا: ويرد هذا: أن الذين وضعوا اسم هيت لم يكونوا من العرب حتى تؤول هذه اللفظة جريا على أصول اللغة العربية، بل كانوا من الأعاجم