الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(واستشرنت) حلت (من الحلاوة) وهي مشتقة من شرين الفارسية وهو الحلو. (بعدما كانت) عربية مفهومة المعنى. (طراشيش) جمع طرش أي ترش معناها الحامض بالفارسية وقد جمعت جمعاً عربياً على هذه الصورة لمزواجة الوزن أو لأقامته. ومحصل معنى البيت: (إن العنب اسود بعد اخضراره واحلولي بعد أن كان حامضاً) وتكاد تجد جميع هذه الألفاظ في كلام أهل بغداد من العوام. فمن ذلك بيت (انكورلي) لصاحب بيت شهير وكان في السابق من باعة العنب أي عناباً ويقولون: (سياه بخت) أي اسود الحظ لمن كان سيئ الطالع. ويسمون الخضروات: سبزوات أو زوزوات. والشيرة عندهم: السكر العقود أو المطبوخ وهو الرب بضم الراء بالعربية. والطرشي عندهم الأثمار المخللة.
رزوق عيسى
ينبوع الشفاء
(تتمة)
فلبي العبد سيده وودع مبارك أهله وولده وسافر مع مالك إلى ديار مصر وما سارا زمانا إلا وأضلهما الطريق ملاك الله فأخذا يضربان في البوادي ولا بادي يبدو لهما. كما انهما لم يقعا أبداً على طريق لاحب يؤدي بهما إلى منزلة ترام. فاخذ العطش يفعل في جوفيهما فعل النار في الهشيم. وكانا في الليل ينشران رداءيهما في الهواء وعند الصباح ينهضان باكراً ليرطبا شفتيهما بوضعهما إياهما عليهما. وما كانا يفوزان بشيء يل كانا كالقابض إلى الماء لأنه ما كان يقع سدى ولا ندى في تلك الفلوات المحرقة أو اقل في تلك الحرار الجهنمية.
فلما تأجج صدرهما عطشاً وأخذا يتلعلعان على نحر واحد من الإبل في وسط تلك الرمال المتوهجة المتقدة وشرب الماء الذي يجدانه في معدته. ولما فعلا ما نويا خاب مسعاهما إذ لم يجدا فيها قطرة ماء.
فقال حينئذٍ مبارك لعبده: وأسواتاه! هل أني أخذتك إلى هنا لأميتك. فلقد أحببت نفسي فوق ما يتصوره كل عاقل. ولقد غررت بنفسك على غير جدوى. وزد على ذلك أني اقر باني قترت على عيالي تقتيراً ذميما استنزل على كل البلايا وصبها على صباً. فهل من بعد هذا كله أتلف روحك وأكون أنا دائماً ذلك الظلوم الغشوم بعينه وأنت لا تتشكى ولا تتظلم ولا تتضجر بل تتبعني بكل وداعة اتباع الفرار لامه. بل ولا تلومني على شيء حينما لا أقابل إحسانك بحسنة من الحسنات.
فقال له مالك: مالك يا سيدي ولم هذه الوساوس. وكيف لا اتبعك يا مولاي إلى القبر. ألم أكل من خبزك وملحك واشرب من ماءك ولبنك. ألم أتتنعم بالطيبات أيام السعد فلم لا أذوق الخبيثات يوم النحس؟ وكل أملي أن أرى سيدي يفوز بالنجاة من هذه المفازة الغائلة وان يستعيدني ربي إليه ويضم ما بقي من أيام حياتي إلى أيامك لتعود إلى عيالك قرير العين على الطائر الميمون. وأني اطلب هذا إلى ربي لأني بدون أهل وولد. وأما أنت وسندي فان ذويك ينتظرونك على أحر من جمر الغضا.
وما نطق مالك بهذا الكلام إلا وخر مغشياً عليه. فلما رآه شيده اخذ يتلوى من الألم ويتحوى ثم ركع ساجداً واخذ يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أطلق روحي من سجنها وأمتني في هذه البادية لأني لم اكن أهلاً
لا تلقى منذ تلك النعم والآلاء وها أنا ثقل أوزاري يرهقني فلا حق
لي أن أعيش بعد هذا فدونك نفسي، دونك نفسي!
وملا أتم كلامه خارت قواه واخذ ينتحب انتحابا.
ومضى على هذه الحالة هنيهة من الزمان ثم تألقت غرته وبرقت أساريره وزالت غضون جبينه فابتسم عن ثغر كالأقحوان واخذ يتسع ويتنصت. وبينما كان قد الصق أذنه. . . وما زال يصغي له حتى تخيل له انه يسمع دوياً، وهل الدوي من اثر الجوع أم من اضطراب في دماغه لآفة أصيب بها؟. . . وبعد التدقيق والتثبت تحقق أن لا وهم هناك وان تحت الأرض خرير ماء يتدفق من عين تزارة فهرول متتبعاً ذلك الهدير وإذا به أمام عين تنفجر زلالاً نميراً بل كوثراً وسلسبيلا فقام ورفع يديه وأهل بذكر الله. وقبل أن يبل صداه فكر بوصيفه مالك الذي بقي صريعاً على الأرض فملاء قدحاً من هذا الماء الزلال واخذ يسقيه منه جرعة بعد جرعة بعد أن بلل صدغيه وشفتيه حتى أفاق. ثم قال له: (لست يا مالك من الآن وصاعدا عبدا لي بل رفيقا. فان عودتك إلى الحياة هي بمنزلة تحرير لك فتعال واشكر الله معي على انه أنقذنا من هذا الموت الزؤام.
فذهب كلاهما إلى حافة العين وكرعا منها أنفاساً ثم أوردا ابلهما فشربت حتى رويت. وحينئذٍ فتحا مزاودهما واكلا هنيئاً مرئياً وحمدا الله على هذه المنة التي لم يتوقعاها. ثم قال الملك لمبارك. بقي علينا الآن أن نبحث عن طريق التي تؤدي بنا إلى منف.
قال مبارك: لا حاجة لي الآن أن اذهب إلى تلك المدينة بل فلنرجع إلى دمشق الفيحاء قال هذا: وحملا أثقالهما ورجعا إلى الوطن العزيز ولما دخلا داره طيب خاطر أمرائه وأولاده ببشاشة وجهه وتلألوء جبينه.
فأهلت امرأته وقالت: بارك الله في ذلك الرجل الذي شفاك من حزنك وغمك وهمك!
فقال لها مبارك: (يا زهراء) أن الذي يشفاني هو الله نفسه لا ابن آدم. فإني لما تبطنت الصحراء وليس هناك ما يتعلق به قلبي جردني الله من حب الدنيا فاثبت في التواضع ثم باحتمال تلك الداهية الدهماء علمني الرأفة بالقريب ومحبته. وعليه فلا أريد أبداً أن أعيش كما عشت سابقاً أي أن لا اهتم إلا بنفسي بل عقدت النية على محبة الغير والاهتمام بأمرهم مصلحا ما كنت قد أفسدته وراتقاً ما كنت قد فتقته.)
والحق يقال: أن مباركاً منذ دخوله قصره المشيد اخذ بمساعدة الفقراء وإعالتهم وتسلية
الحزانى وتطييب خاطرهم. ومنذ ذاك الحين تولد في قلبه سرور لا يشبه سرور وأيقن أن الفضيلة وحدها هي رسول السعادة والفرح وهناء العيش ورغده. ولم تنحصر السعادة ببيته فقط بل امتدت إلى حواليه ومنها إلى ما وراء مسقط رأسه حتى بدا الناس يقولون: أن مباركاً ليس مباركاً في ثروته فقط كما في السابق بل هو مبارك في فضله وفضيلته وفواضله.)
وفي السنة الثانية ظعن مع عياله إلى تلك الفلاة الشهيرة التي