الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال لهم اشتروا: من أصحاب هذا الدير هذه الأرض وادفعوا إليهم ثمنا أربعة آلاف دينار ففعلوا ذلك ثم احضر المهندسين فقال: اختاروا اصلح هذه المواضع. فاختاروا عدة مواضع للقصور وصير إلى كل رجل من أصحابه بناء قصر فصير إلى خاقان عرطوج أبي الفتح ابن خاقان بناء الجوسق الخاقاني وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري. انتهى. ويظن إنها هي لان دار السلطنة المعروفة بدار العامة حولها واليوم تعرف تلك الدار بقصر الخليفة وسيأتي ذكرها أن شاء الله.
للبحث تلو
م. . . كاظم الدجيلي
البعبع والوعوع والضبغطري
إذا هبطت ديار الشام، وبالخصوص إذا نزلت لبنإن، وتجولت في ربوعه وزرت بيوت أهاليه. ثم تنصت لما تقوله الأمهات لأولادهن عند إسكاتهن لهم أو تخويفهن اياهم، تسمعهن يقلن: بعبع بعبع، اسكت جاء البعبع (بضم الباء وإسكان العين) فإذا سمع الوليد هذا الصوت خاف وسكت. وإذا سالت الأم: ما معنى البعبع وما تريدين بهذا اللفظ؟ تلجلجت وما استطاعت أن تفيدك شيئاً يروى غليلك. على إني سالت كثيرين من الأدباء أن يطلعوني على معنى هذا الحرف فقال قوم منهم: هذه كلمة تخويف ليس إلا. وقال فريق يراد بذلك حيوان مجهول الأوصاف إلا إنه من الوحوش الضارية. وقالت جماعة: بل
البعبع كلمة لا يراد بها سوى إسماع الطفل لفظاً غريباً على الآذان ليخاف ويسكت.
ثم إني ما زلت ابحث عن هذه اللفظة لأعرف اصلها ومأتاها فلم اقف على ما فيها من غامض السر إلا في هذه الأيام. وهذا أيضاً من باب التخرص لا من باب التأكيد.
أما الواسطة التي اتخذتها للبلوغ إلى غايتي فكانت مقابلة ألفاظ أهل البلاد بعضها ببعض وبما ينطقون في مثل هذه الأحوال.
فان أهل الموصل يقولون (جت الدامي) أي جاءت الدامي. ومرادهم بالدامي أو الدامية السعلاة أو شبهها، وطعامها دم ابن ادم، تعضه من موطن من جسده ثم تشرب دمه. والظاهر أن اللفظة صحيحة لان أهل العراق يعرفون أيضاً الدامي ويعنون بها أنثى الغول. والبين أن اللفظ فصيح، وفعل دماه بمعنى أدماه أي أسال دمه قديم، لان الفصحاء يقولون:(الشجة الدامية) ويردون بها الشجة التي تدمي ولا تسيل. فتكون الدامي بمعنى الدامية وفاعل بمعنى فاعلة كثير الورود في كلام العرب ككاعب وناهد وحائض وعارك وهاجن. وعليه فيكون قولهم جاءت الدامي كقولك جاءت السعلاة.
والمسلمون في بغداد يقولون لولدانهم: جاك الواوي، (أي جاءك ابن آوى)، جاك الذيب، (أي جاءك الذئب)، جاك السبعطلان، (أي جاءك السبتلان)، (وهو عامل السلال من نصارى النساطرة يأتي إلى بغداد من كردستان في أيام الشتاء ليكسب دريهمات من عمل لسلال ويرجع بها إلى
وطنه في أواخر الربيع)، جتك السعلوة، (أي جاءتك السعلاة)، والنصارى من أهل مدينتنا يقولون: السعلوة، السعلوة جتك السعلوة. السبع، السبع، جاك السبع، الواوي، الواوي. جاك الواوي. الهارون، الهارون، جاك الهارون (الهارون هو القط
الذكر الضخم ويسمونه أيضاً البزون بفتح الباء وتشديد الزاي المضمومة). هذا ما تقوله الأمهات في يومنا هذا. وكل هذه الألفاظ لا تخرج عن معنى الحيوان المفترس حقيقياً كان أو خيالياً. - وأما قبل أربعين سنة فكنت اسمع الوالدات يقلن لأولادهن. بعبع، بعبع (بفتح الباء وإسكان العين) جاء البعبع. ومنهن كن يقلن: وعوع، وعوع، جاء الوعوع، أو وعواع، وعواع، جاءك الواعواع. هوين الواوي، جا الواوي (أي هوذا ابن آوى، جاء ابن آوى).
فمن هذا ترى أن البعبع الشامي (أو اللبناني ويقال بضم الباء وإسكان العين) ما هو إلا وعوع أو عواعه لا غير (ويقال بفتح الواو والباء وإسكان العين) أما قلب الواو باء فكانت لغة بعضهم شابهوا بها النبط. وقد أثبتنا ذلك من تتبع ألفاظهم كقولهم: باشق وواشق. وجارية بكبابة ووكواكة أي سمينة. وبزمة ووزمة (أي وجبة من الطعام). وماله حبربر ولا حورور، والشواهد على ذلك كثيرة. وأما ضم المفتوح عند أهل الشام ولبنان فهذا غالب في أهل القرى. وربما ضموا المكسور أيضاً فيقولون مثلا المشمش بضم الميمين وهما مكسوران على الحقيقة. وهذا كان معروفاً في سابق العهد لان من الألفاظ العربية
ما هي بالحركات الثلاث في الأول بدون تغيير في المعنى وذلك جرياً على لغة قوم وقوم من تعشق الضم في الأول أو الفتح أو الكسر.
ومن ثم فقد ثبت لديك أن البعبع والوعوع شيء واحد وكذلك الوعواع. فلننظر الآن ما معنى الوعوع. قال أصحاب اللغة على الاتفاق: الوعوع ابن آوى. . . والثعلب. وقالوا في الوعواع: صوت ابن آوى والكلاب وبنات آوى. إلى غير هذه المعاني. ولم نر اللغويين زادوا على معنى الحيوانين المذكورين حيواناً آخر. إلا إننا رأينا في ذيل فصيح ثعلب لموفق الدين أبي محمد عبد اللطيف البغدادي النحوي اللغوي ما نصه: الفرانق. حيوان شبيه بابن آوى. يقدم الأسد، ويصيح منذراً به. ويسمى فرانق الأسد. ويقال إنه الوعوع (بالعربية) وهو (أي الفرانق) فارسي معرب. اهـ. وهذا عندنا هو الرأي الأصح والوعوع هو عناق الأرض أيضاً المسمى عند العلماء ولعناق الأرض أسماء كثيرة في العربية منها (العناق، والغنجل (كهدهد) والعنفط. والخنجل. (كجرجر) والحنجل (كهدهد) والعنجل (كهدهد) والبريد. والنذير. والتميلة. والتفة. والفنجل. وغيرها. وهو المسمى بالتركية قرة
قولق. وبالفارسية بروانك وبالفرنسوية وعليه فان الأم إذا قالت لولدها جاء البعبع أو الوعوع أو الوعواع فكأنها تقول له: جاء الأسد ليفترسك بما أن الوعوع لا يأتي إلا ووراء الأسد إذ ذاك منذر بهذا.
فقد عرفنا الآن معنى هذه الألفاظ. فهل ترى كان العرب الأقدمون
يخيفون أولادهم وما كان اللفظ الذي يستعملونه في مثل هذه الحال وما هو معناه.
قلنا: كان العرب يخيفون أولادهم بقولهم: (ضبغطري) قال في تاج العروس. الضبغطري مقصورة. . . كلمة أو شيء يفزع به الصبيان. . . والعين الذي ينصب في الزرع يفزع به الطير. والضبغطري الضبع. . . أو أنثاها. اهـ. ومثله الضبغطي بالغين المعجمة والضبعطي بالعين المهملة. قال ابن دريد: هو ما يفزع به الصبي. والجمع ضباغط وضباعط. ويقال. اسكت لا ياكلك الضبغطي. روى بالوجهين (بالغين المعجمة والمهملة). وقال أبو عمرو: الضبغطي (بالوجهين) ليس شيء يعرف، ولكنها كلمة تستعمل في التفزيع، وأنشد ابن دريد:
وبعلها زونزك زونزي
…
(يخضف أن فزع بالضبغطي
إذا حطأت رأسه تبكى
…
وان نقرت أنفه تشكى)
قلنا: هذا ما رأيناه في دواوين اللغة. وأما أصل اللفظة فعندنا إنها منحوتة من قولك: (ضبع طرأ) أي جاءتك الضبع فجأةً. من قولهم: طرأ فلان على القوم إذا آتاهم من مكان بعيد أو خرج عليهم منه فجأةً. والضبع أنثى على الأشهر إلا أن ابن الإنباري يقول بتأنيثه وتذكيره. وعيه فقول قدماء العرب ضبغطرى كقول المعاصرين: (جاءك الوعوع). والظاهر أن هذه اللفظة كانت كثيرة الورود على ألسنتهم حتى أن صاحب ذيل الفصيح يقول: الضبغطى: شيء يفزع به الصبيان
ولا تقل ضبغطي. فهذا يدل على أن العوام كانت تتداول هذا اللفظ حتى إنها تصرفت به هذا التصرف وصحفته هذا التصحيف.
ورب سائل يسألنا: إذا كانت الضبغطى منحوتة من (ضبع طرأ) فلم لم يرد في كتب اللغة (ضبعطرى) بالعين. قلنا: أن فصحاء العرب كانوا يقلبون العين المهملة غيناً معجمة كلما جاورت الطاء. من ذلك قولهم (المغط، بالغين واصله المعط بالعين المهملة ومعناه المد. ومغطه مثل معطه. وغير ذلك. ثم أن المزهر أورد اللفظ على اصله وان كان اللغويين
كلهم أجمعون أهملوه. فقد قال (في 1: 263) ما نصه: (الضبعطرى والضبغطرى بالعين والغين مقصورتان: كلمة يفزع بها الصبيان يقال: جاء ضبغطرى ويا ضبغطرى خذيه (كذا. مرة بالمؤنث ومرة بالمذكر) قال الشاعر:
يفزع أن فزع بالضبغطى. اه
فهذا الكلام يؤيد رأينا في منحوت. ثم إنك ترى هذا المعنى المنحوت في شرحهم للفظة ضبغطى بكونها الضبع. ولما قر اللفظ عندهم نسوا اصله المنحوت وتصرفوا به تصرفهم باللفظ الواحد وبالمعنى الواحد وهو معنى الضبع. ولما كثر استعمالهم له أنقصوه على حد ما يطرأ على المواد التي يكثر استعمالها فإنها مع الزمان تتحات وتتناقص. فأحفظ ذلك تصب أن شاء الله. على أن هناك رأياً آخر وهو دون الأول متانة أي ربما تكون اللفظة منحوتة من ضاغب طرأ. والضاغب هو الرجل يختبئ فيفزع الإنسان بصوت كصوت الوحش. فهذان رأيان اختر