الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 4
البريم أو عبادان الحديثة
1 -
تمهيد
في الجهة الشرقية من البصرة الفيحاء، موطنان شهيران اسمهما اسما مدينتين قديمتين كانتا في سابق العهد بعيدتي السمعة وهما: عبادان (وزان شداد بالتثنية والرفع) وقبان (كشداد). وكانتا قبل 50 سنة داخلتين في أقصى حدود البصرة، ومعدودتين من أواخر السواد جنوباً، أو من ذنائب العراق، وهما اليوم في ملك دولة إيران، أو أن شئت مزيد التدقيق فقل: عما اليوم من أراضي الشيخ خزعل، أمير المحمرة، والمحمرة هي قاعدة إماراته.
وليس كلامنا هذا هو جواد قلمنا في ميدان البحث عن الأولى، لمونها أشهر من أختها في التاريخ والموقع. ونبقى الكلام عن اختنا إلى وقت الحاجة. وقد سمينا عبادان مدينة وان كان لا يحق لنا نطلق عليها مثل هذا اللفظ، لان ليس هناك ما يصدق فيه أن يسمي بهذا الاسم، وإنما دعوناها كذلك اتباعاً للفظ القديم، وجرياً على العادة، ولأنها الآن آخذة بالعودة إلى سابق عزها وعمرانها، وسوف تسمع بعد بضع ساعات بطائر شهرتها بعد أن تكمل عمارتها حتى تكسف شمس شهرتها بدر شهرة البصرة وبغداد، بل وشهرة جميع ديار العراق. وسوف يؤمها ويقصدها كبار الناس وسراتهم وأصحاب الثروة الطائلة، حتى تصبح من المدن الجليلة التي لا يمكنك أن تعارض بها بعد ذلك إلا من مدن ديار الإفرنج بل ومدنها الكبار، وحواضرها الواسعة الكثيرة السكان.
وان سألتني عن سبب هذا التفاؤل الغريب وعن صدق هذا النبأ، أقول: أن شركة إنكليزية كبيرة راس المال واسمها - تهتم باستخراج الزيت الحجري، (وهو النفط المعروف عند الإفرنج باسم البترول) وقد ضمنت الأراضي التي ينبع فيها هذا السائل الجزيل الفائدة والعائدة لمدة سبعين سنة، واسم الأرض اليوم رامز (واسمها القديم رامهز أو رامهرمز اردشير) وهي
تشمل عدة مدن وقرى وهاك أسماء بعضها: مسجد سليمان، وميدان النفط، والناصرية (التي في فارس لا التي على الفرات) شيرين، ودار الخزينة وغيرها.
وقد وجدت اليوم الشركة المذكورة بتعمير هذه المدينة على طرز لندن، حتى أن كثيرين من الإنكليز والوطنيين اخذوا يسمونها (لندن الصغيرة) وهي تسرع في بنائها وأي سرعة، حتى أنها بنت في ثلاث سنوات ما لا يبنيه أهل هذه الديار الشرقية إلا في 15 أو 20
سنة. هذا فضلا عن انه لا يكون إلا دونه أحكاماً ونظاماً وهندسةً وصبرا على الزمان.
والغريب في هذه المدينة الحديثة أن تخطيطها لم يرسم في الوطن عينة أو بعد النظر إلى مواقع المدينة، بل إنما خط في غلاسو، فيعمل بموجبه الرازة والمهندسون، ولا يندون عن الرسم قدر شعرة أو ذرة. وجميع ما يأتيهم من بلادهم من أدوات ومواد مصنوعة ومهيئات يردهم على القدر المقدر في الرسم، فلا يعاني الرازة عناءً مذكوراً في إنزاله في محله كما انك لا تتكلف مشقة في إرجاع المفرغ في قالبه.
وعبادان واقعة على شط العرب، ومراكب البحر تصل إليها وتقف في مرساها الجديد الذي بناه الإنكليز أهل الشركة المذكورة.
وقد تمت أشغاله في آخر يوم من تموز، ووقف فيه لأول مرة مركب (اناطوليا) في 29 تموز من هذه السنة 1911.
ويبعد عن غربي عبادان بخمس دقائق أرض خالية اسمها بريم (مصغرة. ويلفظها العوام بإسكان الأول)، وهي تكاد تكون متصلة بعبادان لقربها منها. ولا بد من أن تضم إليها يوماً فيجتمع من المدينتين بلدة كبيرة من أكبر مدن العراق.
2 -
معنى عبادان وبريم
قال ياقوت الحموي في معجمه: قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان رضه، قطيعة من عبد الملك بن مروان، وبعضها فيما يقال: من زياد. وكان حمران من سبى عين التمر، يدعي انه من النمر بن قاسط. فقال الحجاج يوماً وعنده عباد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران، لئن انتمي إلى العرب، ولم يقل انه مولى لعثمان: لأضربن عنقه فخرج عباد من عند الحجاج مبادراً، فاخبر حمران بقوله: فوهب له غربي النهر وحبس الشرقي فنسب إلى عباد بن الحصين. وقال ابن الكلبي: أول من رابط بعبادان عباد بن الحصين) اهـ
وقال غيرهما: بل سميت عبادان نسبة إلى العباد الذين كانوا منقطعين فيها. قلنا: هذا غير صحيح: أولاً، لان عين عبادان مفتوحة لا مضمونة. ثانياً، لان الألف والنون اللاحقتين بآخر (عباد) هما
من قبيل ياء النسبة عند أهل البصرة وهي لغة خاصة بهم جارية على ألسنتهم إلى يومنا هذا. إلا أن هذا الإلحاق النسبي الغريب خاص بالأعلام لا غير. فتسمعهم يقولون إلى اليوم يوسفان وسعيدان ومهيجران في النسبة إلى يوسف وسعيد ومهيجر، ولا
يقولون غير ذلك. قال ياقوت: أما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها، انهم إذا سموا موضعاً أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفاً ونوناً كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد بن أبيه: زيادان، وأخرى إلى عبد الله: عبد الليان، وأخرى إلى بلال بن أبي بردة: بلالان. قال: وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع، وكانوا قديماً في وجه ثغر سمي الموضع بذلك. والله اعلم.
وأما البريم فسميت كذلك لكثرة ما كان فيها في سابق العهد من البريم (مصغرة، وهو ضرب من التمر حسن للغاية أصفر اللون مدور الشكل عذب الحلاوة. وهو الذي كان يسميه الأقدمون من فصحاء العرب: البرني نسبةٍ إلى برن بالفتح والإسكان. وهي قرية في البحرين نسب إليها التمر البرني. (عم معجم البكرى) فلما صغروا البرني قالوا: البريني ثم حذفوا ياء النسب للتخفيف وللشهرة، وقلبوا النون ميماً. كما قلبوها في كثير الألفاظ.
3 -
موقع عبادان وبريم وذكر أهلهما.
قال ياقوت: (موقعها) تحت البصرة قرب البحر الملح، فان دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي.
ففرقة يركب فيها إلى ناحية البحرين نحو بر العرب وهي اليمنى، فأما اليسرى فيركب فيها إلى سيراف وجنابة فارس، فهي مثلثة الشكل، وعبادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين، فيها مشاهد ورباطات، وهي موضع رديء سبخ لا خير فيه. وماؤه ملح، فيه قوم منقطعون عليهم وقف في تلك الجزيرة، يعطون بعضه، واكثر موادهم من النذور، وفيه مشهد لعلى بن أبي طالب رضه وغير ذلك، واكثر أكلهم السمك الذي يصيدونه من البحر ويقصدهم المجاورون في المواسم للزيارة، ويروى في فضائلها أحاديث غير ثابتةٍ. اهـ كلامه
وقد قال صاحب دائرة المعارف: وليس لعبادان (اليوم) من اثر باقٍ. فان مياه شط العرب تجري الآن إلى خليج فارس من مصب واحدٍ وليس هنالك جزيرة على ما وصفوا فقد أكلتها المياه (كذا) اهـ. قلنا: وقد وهم صاحب الدائرة لان البحر يجزر هناك ولا يتقدم أو يمد. ومن ثم لم يأكل شيئاً، وإنما غاضت تلك المياه ونشفت فانحسرت أرضها. وعبادان واقعة اليوم على شط العرب على عدوته اليسرى ويحيط بها من الشرق عدة انهر لا سيما نهر بهشمير وحولها مستنقعات كثيرة تنشف مياهها في أيام الصيف. وهي تبعد اليوم عن
البحر قراب 20 كيلومتراً. ولكونها محاطة بالمياه يصدق عليها لقب الجزيرة إلى الآن.
وبريم تبعد عن عبادان زهاء خمس دقائق أو اكثر بقليل. وفيها الآن آثار أبنية قديمة يقال أنها آثار حصن بناه في سابق العهد عبد
لهرون الرشيد اسمه غصيب سكن في الموضع المعروف اليوم بالبريم فعمر ذلك القصر.
وارض عبادان اليوم مع أرض البريم خصبة جداً وهواؤهما على احسن ما يرام. والماء عذب فرات. وليس في هذين الموضعين وبالة كما في أرض البصرة وجوارها.
4 -
مذهب أهل عبادان
قال السيد إبراهيم فصيح الحيدري في عنوان المجد (وهو كتاب خط): (كان أهل عبادان كلهم مع نواحي المحمرة في القديم على مذهب الإمام الشافعي رضه كالبصرة ونواحها، ثم تشيع جميع أهل عبادان ونواحي المحمرة في القديم كلهم، وما بقي منهم أحد من أهل السنة والجماعة سوى بعض الأفراد من الدوق من عشيرة كعب.) اهـ
5 -
وجود قرى كثيرة في جوار عبادان
كان يقال سابقاً: (ليس وراء عبادان قرية) قال المجد في شرحه لكلمة عبادان:
(عبادان جزيرة أحاط بها شعبتا دجلة ساكبتين في بحر فارس) اهـ. وأما اليوم فوراء عبادان قرى عديدة. ويطوف بها من جهة الشرق نهر بهمشير الحاجز بينها وبن المحمرة إلى أن ينتهي إلى البحر الفارسي أو خليج فارس. فعبادان هذه واقعة على جهة النهر المذكور الغربية وعلى جهته الشرقية ترى قبان، وشاطئ نهر بهمشير المقابل لراس
جزيرة عبادان من جهة الشمال يسمى المحمرة وهي غير المحمرة المشهور الآن بهذا الاسم. اهـ
قال السيد إبراهيم الحيدري المذكور: (مما يدخل في جانب جزيرة عبادان من الجهة الغربية (من القرى التي هي) من أملاك الدولة العلية قديماً: (أما الجريدية، والحدة، (بتشديد الدال)، ونهر الشيخ وحوش العامر، وجزيرة المحلة، والشطيط، والبريم، والبويرة (هذه الثلاث تلفظ مصغرات) والمنجوحي، وقصبة النصار) وهي آخر جزيرة عبادان، وسميت قصبة لأنها منبت قصب. وأما ما على جانب جزيرة عبادان من الجهة الشرقية:(فنهر الحياج، وكوت شنة (بتشديد النون) ونهر الحدادين، ونهر مهيوب، والصوينخ (مصغرة) فهذه كلها
معمورة وباقي القرى لا غرس فيها (ولهذا لا نتعرض لذكر أسمائها).) اهـ
وأما بازاء نهر الدعيجي: فخميسة (مصغر خمسة)، وسعيدان (مصغرة)، ونهر يوسف والشاخورة، والمعموري، والدربند، والخيين. (مثناة)
6 -
علماؤها
خرج منها عدة زهاد وعباد ومحدثين وعلماء، ذكر بعضاً منهم ياقوت في معجمه. وممن اشتهر منهم في أواخر هذه الأزمان: ابن قاسم العبادي وهو الذي حشى تحفة ابن حجر المكي الهيتمي، وله حاشية