المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بيننا وبينكم} . رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 850- (23) عن ابن عباس، - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: بيننا وبينكم} . رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 850- (23) عن ابن عباس،

بيننا وبينكم} . رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

850-

(23) عن ابن عباس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} . رواه الترمذي، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك.

ــ

أي مستوية. (بيننا وبينكم) أي لا يختلف فيها القرآن، والتوراة، والإنجيل: وقيل: إنما خاطبهم بهذا باعتبار مزعومهم ودعواهم، فإن النصارى أيضاً يدعون التوحيد مع شركهم الجلي، وكذلك اليهود، وكذلك أكثر المشركين لا يؤمنون بالله إلا وهم مشركون، ولكن هؤلاء كلهم يدعون التوحيد بأفواههم وألسنتهم، فدعاهم في هذه الآية إلى التوحيد الصحيح الخالص بعد اشتراكهم فيه بحسب الصورة، وبقية الآية {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [3: 64] . وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا} [3: 84] في الركعة الأولى، وفي الركعة الأخرى بهذه الآية:{ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} [3: 53]، أو {إنا أرسلنك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسئل عن أصحاب الجحيم} [2: 119] شك الدراوردي أي عبد العزيز بن محمد. والحديث دليل على جواز قراءة بعض السورة بل أوسطها لكن في النافلة. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أبوداود، والنسائي.

850-

قوله: (يفتتح صلاته بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} ) ظاهره يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة، ولذلك بوب الترمذي عليه:"باب من رأى الجهر بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} لكن الحديث ضعيف كما سيأتي. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً الحاكم، والدارقطني وابن عدي. (ليس إسناده بذاك) أي بذاك القوى. قال الطيبي: المشار إليه: "بذاك" ما في ذهن من يعتني بعلم الحديث، ويعتد بالإسناد القوي- انتهى. قلت: في سنده إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن أبي خالد، وإسماعيل بن حماد هذا وثقه ابن معين. وقال أبوحاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال العقيلي: ضعيف، حديثه غير محفوظ، ويحكيه عن مجهول. وقال البزار: إسماعيل لم يكن بالقوي. وقال الأزدي: يتكلمون فيه. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في التقريب: صدوق. وأبوخالد هو الوالبي، واسمه هرمز، وقيل: هرم، كوفي. قال ابن عدي: هو مجهول، والحديث غير محفوظ، وقال أبوزرعة: لا أعرف أباخالد، وقال العقيلي: مجهول، وقال الذهبي: أبوخالد عن ابن عباس لا يعرف. وقال أبوحاتم: صالح الحديث. وقال الحافظ في التقريب: مقبول من كبار التابعين، وفد على عمر. وقيل: حديثه عنه مرسل، فيكون من أوساط التابعين. وقال أبوداود: هو حديث ضعيف. وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس، رواها الحاكم بلفظ: كان يجهر في الصلاة بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} .

ص: 150

851-

(24) وعن وائل بن حجر، قال:((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: آمين، مد بها صوته)) .

ــ

وصححها الحاكم هذه الطريق، وخطأه الحافظ في ذلك؛ لأن في إسنادها عبد الله بن عمرو بن حسان، وقد نسبه ابن المديني إلى الوضع للحديث. وقد رواه الدارقطني وإسحاق بن راهوية في مسنده، عن يحيى بن آدم، عن شريك. ولم يذكر ابن عباس في إسناده بل أرسله، وهو الصواب من هذا الوجه، قاله الحافظ في التلخيص (ص88)، وقال أبوعمر: الصحيح في هذا الحديث أنه روى عن ابن عباس من فعله، لا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

851-

قوله: (وعن وائل بن حجر) بتقديم الحاء المهملة المضمومة على الجيم الساكنة، صحابي جليل، كان من ملوك اليمن من بقية أولاد الملوك بحضر موت، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزله، وأصعده معه على المنبر، وأقطعه القطائع، وكتب له عهداً، وقال: هذا وائل بن حجر سيد الأقيال، جاءكم حباً لله ولرسوله. ثم سكن الكوفة، ومات في خلافة معاوية، وتقدم ترجمته بأبسط من هذا. (فقال: آمين) فيه دليل على أن الإمام يقول آمين، خلافاً لما رواه ابن القاسم عن مالك: أن الإمام لا يقول آمين، وإنما يقول ذلك من خلفه، وهو قول المصريين من أصحاب مالك، وقال جمهور أهل العلم: يقولها الإمام كما يقولها المنفرد والمأموم، وهو قول مالك في رواية المدنيين، وقول الجمهور هو الحق. (مد بها صوته) أي رفع بكلمة آمين صوته وجهر، ورواه أبوداود بإسناد صحيح بلفظ: فجهر بآمين. ورواه أيضاً بإسناد صحيح بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {ولا الضالين} [7:1] . قال: آمين، ورفع بها صوته. فظهر أن المراد من قوله:"ومد بها صوته" جهر بها ورفع صوته بها، فإن الروايات يفسر بعضها بعضاً، ولهذا قال الترمذي عقب رواية الحديث بلفظ:"مد بها صوته"، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات: قوله: "مد بها صوته" أي بكلمة آمين، يحتمل الجهر بها، ويحتمل مد الألف على اللغة الفصيحة. والظاهر هو الأول بقرينة الروايات الأخر، ففي بعضها: يرفع بها صوته. هذا صريح في معنى الجهر- انتهى. قلت: حمل هذا اللفظ على رفع الصوت والجهر متعين للروايات الأخر لهذا الحديث، ولأن لفظ المد مع الصوت لا يطلق إلا على رفع الصوت والجهر كما لا يخفى على من تتبع مظان استعمال هذا اللفظ وموارده. فالحديث حجة قوية لمن قال باستنان الجهر بالتأمين ورفع الصوت به. وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو القول الأرجح القوي المعول عليه، لأنه لم يثبت في الإسرار بالتأمين وترك الجهر به شيء، لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة كما ستعرف. وقد ورد في الجهر به أحاديث كثيرة أكثرها صحيحة، فمنها: حديث وائل هذا. ومنها: حديث أبي هريرة السابق: "إذا أمن الإمام فأمنوا" وقد تقدم تقريره.

ص: 151

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: قال الربيع: سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين؟ قال: نعم، ويرفع بها من خلفه أصواتهم. فقلت: ما الحجة؟ قال: أنا مالك، وذكر حديث أبي هريرة المتفق على صحته، ثم قال: ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمن الإمام فأمنوا" دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين، لأن من خلفه لا يعرفون وقت تأمينه إلا أن يسمع تأمينه، ثم بيّنه ابن شهاب فقال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "آمين"، فقلت للشافعي: فإنا نكره للإمام أن يرفع صوته بآمين، فقال: هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن عندنا وعندهم علم إلا هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك فينبغي أن يستدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بآمين، وأنه أمر الإمام أن يجهر بها، فكيف ولم يزل أهل العلم عليه، وروى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين، يرفع بها صوته، ويحكي مده إياها- انتهى. ومنها: حديث آخر لأبي هريرة أخرجه الدارقطني (ص127) والحاكم (ج1:ص223) عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: قال الدارقطني: إسناده حسن. والحاكم: صحيح على شرطهما. والبيهقي: حسن صحيح- انتهى. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: رواه الحاكم بإسناد صحيح- انتهى. قلت: في سنده إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، قال أبوحاتم: شيخ لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت ابن معين أثنى عليه خيراً، وقال النسائي ليس بثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وأخرجه أبوداود وابن ماجه من طريق بشر بن رافع، عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول. ولفظ ابن ماجه: إذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين، حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد. وبشر بن رافع وثقه ابن معين، وابن عدي كما في الخلاصة للخزرجى، وضعفه غير واحد، وأبوعبد الله بن عم أبي هريرة مقبول كما في التقريب. قال النيموي في رسالته الحبل المتين (ص17) : حديث أبي داود هذا حسن لغيره، وأخرجه الحميدى من طريق سفيان، عن سعيد المقبري، وقد صرح النيموي في تلك الرسالة (ص16) بصحة هذا الطريق حيث قال بعد ذكره: هذا حديث مرفوع، صحيح الإسناد- انتهى. ولأبي هريرة حديث ثالث في الجهر بالتأمين أخرجه النسائي وغيره عن نعيم المجمر، قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: آمين، فقال الناس آمين- الحديث. وفي آخره: وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده صحيح، ويثبت من هذا الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالتأمين، ويثبت منه أيضاً أن الصحابة والتابعين كانوا يجهرون بالتأمين خلف أبي هريرة. ومنها: حديث أم الحصين أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده: أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال:

ص: 152

{ولا الضالين} قال: آمين، فسمعته وهي في صف النساء، ذكره الحافظ في الدراية، والزيلعي في نصب الراية (ج1:ص371) وسكتا عنه. وذكره العيني في شرح البخاري عن كتاب المعرفة للبيهقي. وسكت هو أيضاً عليه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2:ص114) وقال بعد ذكره: رواه الطبراني في الكبير. وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف- انتهى. قلت: إسماعيل بن مسلم المكي اثنان: أحدهما إسماعيل بن مسلم المكي أبوإسحاق، كان من البصرة، ثم سكن مكة، وهو ضعيف الحديث. والثاني إسماعيل بن مسلم المخزومي مولاهم المكي، وهو صدوق. والظاهر أن في سند حديث ابن راهوية والطبراني إسماعيل بن مسلم المخزومي، يدل على ذلك سكوت الزيلعي، والحافظ، والعيني عن الكلام على هذا الحديث. ومنها: حديث علي أخرجه الحاكم بلفظ: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} . وأخرج أيضاً عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {ولا الضالين} رفع صوته بآمين. وأخرج ابن ماجه من حديث علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {ولا الضالين} قال: آمين. قال السندي: والسماع يدل على الجهر. وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي ضعفه الجمهور. وقال أبوحاتم: محله الصدق، وباقي رجاله ثقات. وقال أبوحاتم: هو خطأ من ابن أبي ليلي. واعلم أنه قد ثبت إجماع الصحابة على الجهر بالتأمين على طريق الحنفية فقد أخرج عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: قلت له: أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن؟ قال: نعم ويؤمن من وراءه حتى أن للمسجد للجة. وروى البيهقي من وجه آخر عن عطاء، قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام:{ولا الضالين} سمعت لهم رجة بآمين- انتهى. فلما ثبت أن ابن الزبير كان يؤمن بالجهر، وكذلك يؤمن بالجهر كل من يصلي وراءه من الصحابة حتى يكون للمسجد للجة، ولم ينكر عليهم أحد، ثبت إجماع الصحابة على الجهر بالتأمين على طريق الحنفية، فإنهم قالوا: إن ابن الزبير أفتى في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح ماءها، وذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً، فكذلك يقال: إن ابن الزبير أمن بالجهر في المسجد بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، بل وافقوه، فكانوا يجهرون معه بآمين حتى يكون للمسجد للجة، فكان إجماعاً منهم على الجهر بالتأمين. قلت: ويدل على إجماع الصحابة على ذلك حديث نعيم المجمر المتقدم أيضاً، فإنه يدل على جهر الصحابة والتابعين بآمين خلف أبي هريرة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ما ثبت عن هؤلاء الصحابة، وكذا لم يثبت عن أحد منهم الإنكار على من جهر به. واعلم أيضاً أن الحنفية استدلوا على ما ذهبوا إليه من الإسرار بالتأمين بحديث وائل بن حجر: أنه صلى الله عليه وسلم صلى فلما بلغ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين، وأخفى بها صوته. أخرجه أحمد، وأبوداود الطيالسي، وأبويعلي في مسانيدهم، والطبراني في معجمة والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، كلهم من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل،

ص: 153

عن أبيه. وأخرجه الحاكم في أوائل التفسير (ج2: ص232) ولفظه: ويخفض بها صوته. والجواب: أن حديث وائل هذا لا يصلح للاستدلال، فإن الشعبة قد تفرد بهذا اللفظ، وهو مضطرب من جهة المتن ومن جهة الإسناد أيضاً، لأن شعبة لم يضبط إسناده ولا متنه، بل اضطرب فيهما، أما اضطرابه في الإسناد فظاهر لمن تأمل في طرقه، وأما اضطرابه في المتن فقال مرة: رافعاً صوته، كما في رواية البيهقي في سننه، وقال مرة: أخفى بها صوته، وقال مرة خفض بها صوته، كما تقدم. وهذه الألفاظ متباينة المفاهيم، متخالفة المعاني. ولو سلم أن حديث شعبة سالم عن الاضطراب في الإسناد والمتن فلفظ "أخفى بها صوته" أو "خفض بها صوته" فيه شاذ، فإنه قد تفرد بهذا اللفظ شعبة، عن سلمة بن كهيل، ولم يتابعه عليه أحد لا ثقة ولا ضعيف، ومع ذلك قد خالف فيه ثلاثة ثقات وضعيفاً من أصحاب سلمة بن كهيل، أما الثقات فالأول منهم سفيان الثوري، وهو أحفظ من شعبة، فإنه رواه عن سلمة بن كهيل بلفظ:"رفع بها صوته"، وقد تقدم التنبيه عليه. والثاني علي بن صالح، فإنه رواه عن سلمة بن كهيل بلفظ: فجهر بآمين، وروايته في سنن أبي داود، وعلي ابن صالح هذا ثقة. والثالث العلاء بن الصالح، قال الترمذي في جامعه: روى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان، والعلاء بن صالح ثقة. قال الخزرجي في الخلاصة: وثقه ابن معين. وأما الضعيف فمحمد بن سلمة بن كهيل. قال الدارقطني بعد رواية حديث شعبة: هكذا قال شعبة: وأخفى بها صوته. ويقال: إنه وهم، لأن سفيان الثوري، ومحمد بن سلمة، وغيرهما رووه عن سلمة بن كهيل فقالوا: ورفع بها صوته- انتهى. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في "عمدة الرعاية" اتفق الحافظ – وإليهم المرجع في تنقيد الأسانيد – على أن في سنده (أى في سند حديث شعبة) خدشة وخطأ من شعبة- أحد رواته – والصحيح "فجهر بها" انتهى. وقال بحر العلوم اللكنوي: وأما الإسرار بالتأمين فهو مذهبنا، ولم يرو فيه إلا ما روى الحاكم، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بلغ {ولا الضالين} قال: آمين، وأخفى بها صوته، وهو ضعيف. وقد بيّن في "فتح القدير" وجه ضعفه-انتهى. وقال البيهقي قد أجمع الحافظ: البخاري وغيره على أن شعبة أخطأ في هذا الحديث، فقد روى من أوجه "فجهر بها" انتهى. واستدلوا أيضاً بما تقدم من حديث سمرة بن جندب: أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قالوا: الأظهر أن السكتة الثانية كانت للتأمين سراً والجواب: أن السكتة الثانية لم تكن للتأمين سراً، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر صوته بالتأمين، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بالتأمين أصلاً، فكيف يقال: إنها كانت للتأمين سراً؟ بل السكتة الثانية كانت لأن يتراد إليه نفسه، كما صرح به قتادة في بعض رواياته. واستدلوا أيضاً بقوله عليه السلام: لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا قال:{ولا الضالين} فقولوا: آمين. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. قالوا: يستفاد منه أن الإمام لا يجهر بآمين،

ص: 154

لأن تأمين الإمام لو كان مشروعاً بالجهر لما علق النبي صلى الله عليه وسلم تأمينهم بقوله: {ولا الضالين} قالوا: ويؤيد ما قلنا من أنه يستفاد منه أن الإمام لا يجهر بآمين ما رواه أحمد، والدارمي، والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين- الحديث: فإن قوله: "وإن الإمام يقول، آمين" يدل على أن الإمام يقولها سراً، وإلا لا يبقى لهذا القول فائدة. والجواب: أنه علق النبي صلى الله عليه وسلم تأمينهم بتأمين الإمام كما تقدم من حديث أبي هريرة بلفظ: إذا أمن الإمام فأمنوا، وهو أصح الروايات وأشهرها في حديث أبي هريرة، فهو الأصل. والمعنى: إذا قال الإمام آمين، فقولوا: آمين، وهذا هو المراد بقوله: إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين. فإن المراد به إذا قال: ولا الضالين، وقال: آمين، فقولوا: آمين مع تأمينه، لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً. ومعية الإمام في التأمين على سبيل اليقين لا تكون إلا إذا جهر بالتأمين كما تقدم. وأما قوله: إن الإمام يقول آمين، فهو بيان للواقع لا لإعلامهم بأن الإمام يقول: آمين، حتى يدل على الإسرار، بل كانوا يسمعونها منه حين يجهر بها كما ورد في الروايات السابقة الصحيحة، ومقصوده صلى الله عليه وسلم عنه ترغيبهم في موافقة الإمام في التأمين في الزمان، أي كما أن الإمام يقول: آمين، فقولوا أنتم أيضاً لتوافقوه فيها. واستدلوا أيضاً بأثر عمر، وعلي، روى الطحاوي وابن جرير عن أبي وائل، قال: كان عمر وعلي لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا بالتعوذ، ولا بآمين. والجواب: أن هذا الأثر ضعيف جداً، فإن في سنده سعيد بن المرزبان البقال، وقد تركه الفلاس، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه. كذا في الميزان للذهبي. واستدلوا أيضاً بقول إبراهيم النخعي: خمس يخفيهن الإمام: سبحانك اللهم وبحمدك، والتعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، واللهم ربنا لك الحمد. رواه عبد الرزاق. والجواب: أن قول إبراهيم النخعي هذا مخالف للأحاديث الصحيحة فلا عبرة به. قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في السعاية: أما أثر النخعي ونحوه فلا يوازي الروايات المرفوعة-انتهى. وأجاب الحنفية عن أحاديث الجهر بوجوه: منها: الكلام فيها سنداً ومعنى كما صنعه النيموي في "آثار السنن". وقد رد عليه شيخنا في "أبكار المنن" رداً حسناً وأجاب عن كل ما أورد النيموي على هذه الأحاديث بما لا مزيد عليه، فعليك أن ترجع إليه. ومنها: أن آمين دعاء، والأصل في الدعاء الإخفاء لقوله تعالى:{ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [7: 55]، فعند التعارض يرجح الإخفاء بذلك. وفيه: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الإسرار بالتأمين أصلاً كما تقدم، فدعوى التعارض باطلة. ثم لا نسلم أن "آمين" دعاء بل نقول: إنها كالطابع والخاتم للدعاء كما في حديث أبي زهير النميري عند أبي داود: أن "آمين" مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: إن ختم بآمين فقد أوجب. ولو سلم أن "آمين" دعاء فنقول: إنها ليست بدعاء مستقل بالأصالة بل

ص: 155

رواه الترمذي وأبوداود والدارمي وابن ماجه.

ــ

هي من توابع الدعاء، ولذلك لا يدعى بآمين وحدها، بل يدعى بدعاء أولاً ثم تقال هي عقيبه، فالظاهر أن يكون الجهر بها والإخفاء بها تابعاً لأصل الدعاء، إن جهرا فجهراً، وإن سرا فسراً. ولو سلم أن "آمين" دعاء بالأصالة فنقول: إن الجهر بالتأمين مخصوص منه لأحاديث الجهر بالتأمين، كما خص منه قوله تعالى:{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [1: 7] فإنه دعاء، ويقرأ في الصلاة الجهرية، وكذلك كثير من الأدعية قد ثبت الجهر بها بالاتفاق، فهذا الاعتذار من الحنفية مما لا يلتفت إليه. ومنها: أن الجهر كان أحياناً للتعليم كما جهر عمر بن الخطاب بالثناء عند الافتتاح كذلك كان الجهر بالتأمين تعليماً. وفيه: أن القول بأن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم باطل، فإنه ادعاء محض لا دليل عليه، ويدل على بطلانه أن الصحابة كانوا يجهرون خلف الإمام حتى كان للمسجد رجة، فلو كان جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين للتعليم لم يجهروا بالتأمين خلف إمامهم، وأيضاً لو كان جهره به للتعليم كان أحياناً لا على الدوام. وقد روى أبوداود وغيره بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {ولا الضالين} قال "آمين" ورفع بها صوته. فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على الجهر. ومنها: أن الجهر بآمين كان في ابتداء الأمر ثم ترك. وفيه: أن هذا أيضاً ادعاء محض فلا يلتفت إليه. ومما يدل على بطلانه أن الجهر روي من حديث وائل بن حجر وهو إنما أسلم في أواخر الأمر كما ذكره الحافظ في الفتح وغيره. قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في السعاية: وجدنا بعد التأمل والإمعان أن القول بالجهر بآمين هو الأصح لكونه مطابقاً لما روي عن سيد بني عدنان، ورواية الخفض عنه صلى الله عليه وسلم ضعيفة لا توازي روايات الجهر، ولو صحت وجب أن تحمل على عدم القرع العنيف. وأي ضرورة داعية إلى حمل روايات الجهر على بعض الأحيان، أو الجهر للتعليم مع عدم ورود شيء من ذلك في رواية. والقول بأنه كان في ابتداء الأمر أضعف، لأن الحاكم قد صححه من رواية وائل بن حجر، وهو إنما أسلم في أواخر الأمر كما ذكره ابن حجر في فتح الباري-انتهى. وقد ظهر بهذا كله أن القول برفع الصوت بالتأمين والجهر به هو الراجح القوي، وقد اعترف بذلك الشيخ عبد الحي حيث قال في التعليق الممجد: الإنصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل-انتهى. (رواه الترمذي) وحسنه. (وأبوداود) وسكت عليه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. (والدارمي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً الدارقطني وابن حبان كلهم من طريق سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر. قال الحافظ في التلخيص: سنده صحيح، وصححه الدارقطني-انتهى. وقد اعترف غير واحد من العلماء الحنفية بأن حديث وائل هذا صحيح كالشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة، والشيخ أبي الطيب السندي، والشيخ سراج أحمد السرهندي في شرحيهما للترمذي، وقد تقدم أن شعبة روى هذا الحديث فقال فيه: وأخفى بها صوته. وفي رواية: خفض بها صوته. وقد أسلفنا أنه اتفق الحفاظ على غلطه فيها، وأن الصواب المعروف: مد ورفع بها صوته. وارجع لتفصيل الكلام وبسطه إلى تحفة

ص: 156

852-

(25) وعن أبي زهير النميري، قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتينا على رجل

قد ألح في المسألة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟

قال: بآمين) رواه أبوداود.

ــ

الأحوذي (ج1: ص209-212) وأبكار المنن (ص185-193) .

852-

قوله: (عن أبي زهير النميري) بالتصغير فيهما، قيل: هو أبوزهير الأنماري الذي يقال له أبوالأزهر، والراجح أنه غير، وهو صحابي سكن الشام. قال المنذري: قيل: اسمه فلان بن شرجيل. وقال أبوحاتم الرازي: إنه غير معروف بكنيته فكيف يعرف اسمه. وذكر له أبوعمر النمري هذا الحديث وقال: ليس إسناد حديثه بالقائم، يقال: اسمه فلان بن شرحبيل. (فأتينا) أي مررنا. (قد ألح في المسألة) أي بالغ في السؤال والدعاء من الله. (أوجب) أي الجنة لنفسه، أو الإجابة لدعاءه، يقال "أوجب الرجل" إذا فعل فعلاً قد وجبت له به الجنة أو النار، أو المغفرة لذنبه، أو الإجابة لدعاءه. وقد تقرر في موضعه أنه لا يجب على الله شيء فذلك إنما هو لمحض الفضل والوعد الذي لا يخلف كما أخبر تعالى به، كذا في المرقاة. (إن ختم) أي المسألة. (قال: بآمين) وتمام الحديث: فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب. فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الرجل فقال: اختم يا فلان بآمين وأبشر. وفي الحديث دلالة على أن من دعا يستحب له أن يقول بعده دعاءه "آمين". وفيه أن ختم الدعاء بآمين موجب لإجابة الدعاء، سواء كان المؤمن الداعي نفسه أو غيره. وقد أخرج الحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى. وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا دعا أحدكم فليؤمن على دعاء نفسه. ومناسبة الحديث للباب من حيث أن فاتحة الكتاب تشتمل على الدعاء، فمن قرأها إماماً أو مأموماً أو منفرداً داخل الصلاة أو خارجها يؤمن عقبها ويختمها بآمين. (رواه أبوداود) من طريق الفريابي، عن صبيح بن محرز، عن أبي مصبح المقرئي، قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري - وكان من الصحابة - فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. قال أبوزهير: أخبركم عن ذلك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخ. والحديث سكت عنه أبوداود، وأخرجه ابن مندة. وقال: هذا حديث غريب، تفرد به الفريابي عن صبيح، كذا في الإصابة (ج4: ص78) وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج2: ص652) : أبوزهير الأنماري- وقيل: النميري – حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وفيه: إذا دعا أحدكم فليختم بآمين فإن آمين في الدعاء مثل الطابع على الصحيفة، وليس إسناد حديثه بالقائم-انتهى. وذكر المنذري كلام ابن عبد البر وسكت عليه، والظاهر أن هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، فإن محمد بن يوسف الفريابي ثقة فاضل، وصبيح بن محرز مقبول، ذكره ابن حبان في الثقات، وأبومصبح المقرئي أيضاً ثقة.

ص: 157

853-

(26) وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت:((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين) رواه النسائي.

854-

(27) وعن عقبة بن عامر، قال: ((كنت أقود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} قال: فلم يرني سررت بهما جداً، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس

ــ

853-

قوله: (صلى المغرب بسورة "الأعراف" فرقها) من التفريق. (في ركعتين) فيه دليل على جواز أن يقسم المصلي سورة بين ركعتين في الفريضة من غير كراهة. قال الزرقاني: وكره مالك أن يقسم المصلى سورة بين ركعتين في الفريضة، لأنه لم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. ذكره ابن عبد البر. أو بلغه وحمله على بيان الجواز-انتهى. قلت: الظاهر هو ما قاله ابن عبد البر، وقد أخرج أحمد، والطبراني عن أبي أيوب أو عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص118) : رجال أحمد رجال الصحيح، وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب سورة (الأنفال) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وفي هذه الأحاديث رد على مالك في كراهة قراءة السور الطوال في المغرب. (رواه النسائي) بسند حسن. قال الشوكاني: وقد أخرج نحوه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أيوب. وأخرج نحوه ابن خزيمة عن زيد بن ثابت. ويشهد لصحته ما أخرجه البخاري وأبوداود والترمذي من حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بطولي الطوليين. زاد أبوداود: قلت ما طولي الطوليين؟ قال: الأعراف.

854-

قوله: (كنت أقود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته) أي أجرها من قدامها لصعوبة تلك الطريق، أو صعوبة رأسها، أو شدة الظلام. (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا) أي في باب التعوذ مع سهولة حفظهما. قال الطيبي: أي إذا تقصيت القرآن المجيد إلى آخره سورتين سورتين ما وجدت في باب الاستعاذة خيراً منهما – انتهى. (فلم يرني) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (سررت) على بناء المفعول، أي جعلت مسروراً. (بهما) أي بهاتين السورتين (جداً) أي سروراً كثيراً، لعله لكونهما قصيرتين، وأراد أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم سورة طويلة. وقيل: لأنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه اعتنى بهما وصلى بهما في صلاة. وقال السندي: أي ما حصل لي السرور الكامل، كأن القلب كان مشغولاً بما كان في الوقت من الظلمة وغيرها، فما ظهر في القلب السرور على أكمل وجه بذلك كما هو حال الحزين-انتهى. ونصب "جداً" على المصدر. (صلى بهما صلاة الصبح للناس) أي أم الناس بهاتين السورتين في صلاة الفجر لكونه مسافراً، والسفر يطلب فيه التخفيف، وليبين بذلك

ص: 158

فلما فرغ، التفت إلي، فقال: يا عقبة! كيف رأيت؟)) رواه أحمد وأبوداود والنسائي.

855-

(28) وعن جابر بن سمرة قال: كان النبي يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: {قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} )) ، رواه في شرح السنة.

ــ

أنهما عظيمتان تقومان مقام سورتين عظيمتين كما هو المعتاد في صلاة الفجر. (كيف رأيت؟) أى علمت ووجدت عظمة هاتين السورتين المشتملتين على التعوذ من الشرور كلها حيث أقيمتا مقام الطويلتين، يعني لو لم تكونا عظيمتي القدر لما قرأتهما في الصلاة، ولم تسدا مسد الطول. قال التوربشتي: أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: "خير سورتين" إلى الخيرية في الحالة التي كان عقبة عليها، وذلك أنه كان في سفر، وقد أظلم عليه الليل، ورآه مفتقراً إلى تعلم ما يدفع به شر الليل، وشر ما أظلم عليه الليل، فعين السورتين لما فيهما من وجازة اللفظ، والاشتمال على المعنى الجامع مع سهولة حفظهما، ولم يفهم عقبة المعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم من التخصيص فظن أن الخيرية إنما تقع على مقدار طول السورة وقصرها، ولذلك قال: فلم يرني سررت بهما جداً، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهما ليعرفه أن قراءتهما في الحال المتصف عليها أمثل من قراءة غيرهما. وتبين له أنهما يسدان مسد الطويلتين-انتهى. (رواه أحمد) (ج4: ص149، 150، 153) . (وأبوداود، والنسائي) من حديث القاسم مولى معاوية عن عقبة، والسياق لأبي داود وقد سكت عنه هو، ورواه أيضاً الحاكم (ج1: ص567) وصححه ووافقه الذهبي. وقال المنذري: القاسم هو أبوعبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن القرشي الأموي مولاهم الشامي. وثقه يحيى بن معين وعدة، وتكلم فيه غير واحد – انتهى. قلت: أصل الحديث أي في فضل هاتين السورتين قد روي عن عقبة بن عامر من طرق بعضها في صحيح مسلم، وزاد ابن حبان فيه من وجه آخر عن عقبة بن عامر: فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل، ورواية مسلم تقوي هذا الحديث وتشهد لصحته، ويؤيده أيضاً ما رواه أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت فاقرأ بهما. وإسناده صحيح، ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين.

855-

قوله: (يقرأ في صلاة المغرب) أي في فرضه. {قل يا أيها الكافرون} في الركعة الأولى. {وقل هو الله أحد} في الركعة الثانية. (رواه) البغوي صاحب المصابيح. (في شرح السنة) أي بإسناده، وأخرجه أيضاً ابن حبان، وفي سنده سعيد بن سماك، وهو متروك. وقال الشيخ الألباني: رواه ابن حبان في الثقات (ج2: ص104) والبيهقي (ج2: ص391) من طريق سعيد بن سماك بن حرب عن أبيه، قال: لا أعلمه إلا عن جابر بن سمرة، فذكره، وقال ابن حبان: والمحفوظ عن سماك أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، يعني أن الصواب فيه مرسل، ليس فيه ذكر جابر، والذي ذكره إنما هو سعيد هذا، وهو وإن أورده ابن حبان في الثقات، فقد قال فيه ابن أبي حاتم. (2/1/32) عن أبيه: متروك الحديث، واعتمده الحافظ في الفتح،

ص: 159

856-

(29) ورواه ابن ماجه عن ابن عمر إلا أنه لم يذكر "ليلة الجمعة".

857-

(30) وعن عبد الله بن مسعود، قال: ((ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} رواه الترمذي.

858-

(31) ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة إلا أنه لم يذكر "بعد المغرب".

859-

(32) وعن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، قال: ((ما صليت وراء أحد أشبه صلاة

ــ

وقال: والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب. قلت: أخرجه أبوداود وغيره من حديث ابن عمر بسند صحيح وحسنه الترمذي-انتهى.

856-

قوله: (ورواه ابن ماجه عن ابن عمر) قال الحافظ: إن ظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول. قال الدارقطني: أخطأ بعض رواته فيه، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب.

857-

قوله: (ما أحصي) من الإحصاء وما نافية، أي ما أطيق أن أعد. (ما سمعت) ما موصولة، وقيل مصدرية، أي سماعي. (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ) أي لا أقدر أن أعد المرات التي كان يقرأ هما فيها، أو مدة سمعت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ، وهو كناية عن الكثرة. قال الطيبي: حال عن العائد إلى ما "وكان الأصل: ما سمعت قراءته" فأزيل المفعول به عن مقره، وجعل حالاً كما في قوله تعالى:{ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي} [3: 193} أي نداء المنادي-انتهى. (بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ) فيه استحباب قراءة هاتين السورتين في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر. (رواه الترمذي) وفي سنده عبد الملك بن الوليد بن معدان، وقد تفرد بروايته، وهو ضعيف ضعفه أبوحاتم. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال الحافظ في التقريب: ضعيف-، فحديث ابن مسعود هذا ضعيف.

858-

قوله: (ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة إلا أنه) أي ابن ماجه أو أباهريرة. (لم يذكر بعد المغرب) أي لم يذكر في الركعتين بعد المغرب. وفيه: أن حديث أبي هريرة في قراءة سورتي الإخلاص في ركعتي الفجر رواه مسلم، وأبوداود، والنسائي أيضاً كما تقدم، فعزوه إلى ابن ماجه فقط ليس بجيد. وأيضاً الظاهر من عبارة المصنف أن ابن ماجه لم يرو حديث ابن مسعود هذا، وفيه أيضاً نظر، لأن ابن ماجه قد روى هذا الحديث عن ابن مسعود في باب ما يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفيه أيضاً عبد الملك بن الوليد المذكور، لكنه ليس في روايته في الركعتين قبل صلاة الفجر.

859-

قوله: (عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين كان فقيهاً، فاضلاً، ثقة، عابداً، ورعاً، حجة، وهو أحد الفقهاء المدينة السبعة من كبار التابعين. مات قبل المائة. وقيل: بعدها. وتقدم ترجمته في تطهير النجاسات.

ص: 160

برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان. قال سليمان: صليت خلفه فكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطول المفصل)) رواه النسائي وروى ابن ماجه إلى "ويخفف العصر".

860-

(33) وعن عبادة بن الصامت، قال: ((كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ، فثقلت عليه القراءة. فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم.

ــ

(من فلان) زاد أحمد في روايته "لإمام كان بالمدينة" وفي شرح السنة للبغوي "إن فلانا" يريد به أميراً كان على المدينة، قيل اسمه عمرو بن سلمة، وليس هو عمر بن عبد العزيز كما قيل، لأن ولادة عمر بن عبد العزيز كانت بعد وفاة أبي هريرة، والحديث مصرح بأن أبا هريرة صلى خلف فلان. (قال سليمان صليت خلفه) أي خلف ذلك الفلان، وهذا لفظ أحمد، ولفظ النسائي من رواية: فصلينا وراء ذلك الإنسان. (ويخفف العصر) أي بالنسبة إلى الظهر. (في المغرب) أي في الأوليين منه، وكذا في العشاء. (بوسط المفصل) بفتح الواو والسين المهملة، والمفصل عبارة عن السبع الأخير من القرآن، أوله سورة (الحجرات) . سمى مفصلاً لأن سوره قصار، كل سورة كفصل من الكلام. (بطول المفصل) بضم الطاء المهملة وفتح الواو جمع الطولي، كالكبر في الكبرى. وقيل: بضم الطاء وسكون الواو، مصدر بمعنى الوصف. وفي بعض النسخ بطوال المفصل – بكسر الطاء جمع الطويلة – والحديث قد استدل به على استحباب قراءة قصار المفصل في المغرب لما عرفت من إشعار لفظ "كان" بالمداومة. قيل: في الاستدلال به على ذلك نظر، لأن قوله "أشبه صلاة" يحتمل أن يكون في معظم الصلاة لا في جميع أجزاءها، ويمكن أن يقال في جوابه: إن الخبر ظاهر في المشابهة في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت ما يخصصه. وقد تقدم الكلام في القراءة في صلاة المغرب مفصلاً، وأن القول الراجح هو أن القراءة فيها بطوال المفصل وقصاره سنة، والاقتصار على نوع من ذلك إن انضم إليه اعتقاد أنه السنة دون غيره مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم. (رواه النسائي) قال الحافظ في الفتح: وصححه ابن خزيمة وغيره، وقال في بلوغ المرام: إسناده صحيح-انتهى. والحديث أخرجه أيضاً أحمد.

860-

قوله: (فقرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (فثقلت عليه القراءة) أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة، ويحتمل أن يراد به أنها التبست عليه القراء بدليل ما في رواية لأبي داود من حديث عبادة بلفظ: فالتبست عليه القراءة. قال المظهر: عسرت القراءة على النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة أصوات المأمومين بالقراءة. والسنة أن يقرأ المأموم سراً بحيث يسمع كل واحد نفسه. (فلما فرغ) أي من الصلاة. (لعلكم تقرءون خلف إمامكم) قيل: هو سؤال فيه معنى الاستفهام للتقرير لا لطلب

ص: 161

قلنا: نعم، يا رسول الله! قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) .

ــ

التصديق، ويؤيده رواية الترمذي بلفظ: إن أراكم تقرؤن وراء إمامكم. وإنما قال: خلف إمامكم، وحق الظاهر "خلفي" ليؤذن بأن تلك الفعلة غير مناسبة لمن يقتدي بالإمام. (قلنا: نعم) زاد أبوداود في روايته "هذا" قال الخطابي في المعالم (ج1: ص205)"الهذ" سرد القراءة ومداركتها في سرعة واستعجال. وقيل: أراد بالهذ الجهر بالقراءة، وكانوا يلبسون عليه قراءته بالجهر، وقد روي ذلك في حديث عبادة من غير هذا الطريق-انتهى. (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) قال الخطابي: قوله "لا تفعلوا" يحتمل أن يكون المراد به الهذ من القراءة، وهو الجهر بها. ويحتمل أن يكون أراد بالنهي ما زاد من القراءة على فاتحة الكتاب-انتهى. قلت: على الاحتمال الأول يكون الحديث بظاهره دليلاً على الإذن بقراء الفاتحة جهراً لأنه استثنى من النهي عن الجهر خلفه، لكن أخرج البخاري في جزء القراءة، وابن حبان، والبيهقي في كتاب القراءة، وأبويعلى، والطبراني في الأوسط من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه، فقال: أتقرؤن في صلاتكم والإمام يقرأ؟ فسكتوا، فقالها ثلاث مرات، فقال قائل- أو قائلون- إنا لنفعل. قال فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه. هذا لفظ البخاري. (فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) قال الخطابي في المعالم (ج1: ص205) : هذا الحديث نص بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام، سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها. وإسناده جيد لا طعن فيه. قلت: الأمر كما قال الخطابي، لا شك في أن هذا الحديث نص صريح في أن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على المأموم في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية، لأن الاستثناء من النفي عند الجمهور إثبات، فيكون ظاهر الحديث مفيداً لإباحة القراءة بالفاتحة خلف الإمام، لا الوجوب، لكنه ههنا يحمل على إفادة الوجوب، لا الإباحة، والإذن، والرخصة فقط، ولقوله: صلى الله عليه وسلم "فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، فقوله هذا دليل واضح وحجة صريحة لحمل الاستثناء السابق على إفادته الوجوب، قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في السعاية: قد ثبت بحديث عبادة وهو حديث صحيح قوي السند: أمره صلى الله عليه وسلم بقراءة الفاتحة للمقتدي-انتهى. وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار: أما حديث عبادة فقد بين الأمر، وأخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر المأمومين بالقراءة خلفه بفاتحة الكتاب. قلت: وقد ورد الأمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام صريحاً في حديث أنس، وقد تقدم لفظه. وفي حديث عبادة عند الطبراني في الكبير ولفظه: من صلى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب، كذا في كنز العمال (ج4: ص96) ووقع هذا الحديث في مجمع الزوائد (ج2: ص111) . (طبعة مصر القاهرة) بلفظ: من قرأ خلف الإمام. بدل "من صلى" الخ. والظاهر أنه خطأ من النساخ، فقد ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ "من صلى" كما في الكنز. قال الهيثمي: رجاله موثقون. وقال العلقمي في شرحه: بجانبه علامة الحسن. وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي في كتاب القراءة بعد ذكر

ص: 162

رواه أبوداود، والترمذي. وللنسائي معناه، وفي رواية لأبي داود، قال:((وأنا أقول: ما لي ينازعني القرآن؟ فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن)) .

ــ

مثل هذه القصة: اقرؤوا بفاتحة الكتاب. فهذه الروايات صريحة في الأمر بقراءة الفاتحة للمقتدي. وقد أجاب الحنفية عن حديث عبادة هذا بوجوه كلها مخدوشة مردودة، ذكر هذه الوجوه الشيخ اللكنوي في "إمام الكلام" وحاشيته "غيث الغمام" مع بيان ما فيها من الخدشات. وقد رد على هذه الوجوه شيخنا أيضاً رداً حسناً في "أبكار المنن" وفي "تحقيق الكلام" وللعلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الأمر تسري كتاب نفيس في هذه المسئلة سماه "الكتاب المستطاب في جواب فصل الخطاب" قد رد فيه على ما جمعه الشيخ محمد أنور من تقريراته المنتشرة في هذه المسألة، فعليك أن تراجعه أيضاً لتقف على تشغيبات الحنفية ومراوغاتهم الجدلة، ودسائسهم الخبيثة الواهية، وتمويهاتهم الباطلة المزخرفة. (رواه أبوداود) وسكت عنه. (والترمذي) وحسنه. ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: أخرجه أحمد والبخاري في جزء القراءة. وصححه أبوداود، والترمذي، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من طريق ابن إسحاق: حدثني مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة. وتابعه زيد بن واقد وغيره عن مكحول. وقال في الدراية: أخرجه أبوداود بإسناد رجاله ثقات. وقال في نتائج الأفكار لتخريج أحاديث الأذكار: هذا حديث حسن. وقال القاري: قال ميرك نقلاً عن ابن الملقن: حديث عبادة بن الصامت رواه أبوداود والترمذي، والدارقطني، وابن حبان، والبيهقي، والحاكم. وقال الترمذي: حسن. وقال الدارقطني: إسناده حسن رجاله ثقات. وقال الخطابي: إسناده جيد لا مطعن فيه. وقال الحاكم: إسناده مستقيم. وقال البيهقي صحيح- انتهى. (وفي رواية لأبي داود: قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا أقول) أي في نفسي. (ما لي ينازعني) أي يعالجني ولا يتيسر (القرآن) بالرفع، أي لا يتأتى لي، فكأني أجاذبه فيعصى ويثقل علي، قاله الطيبي. وبالنصب، أي ينازعني من ورائي فيه بقراءتهم على التغالب، يعني تشوش قراءتهم على قراءتي. (فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن) أي سراً. قال المنذري: وأخرجه النسائي. قلت: وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله: وللنسائي معناه. ولحديث عبادة هذا شواهد: منها حديث أنس وقد ذكرنا لفظه ومن خرجه من الأئمة. ومنها: حديث محمد بن عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقرؤن والإمام يقرأ. قالوا: إنا لنفعل، قال: لا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب. أخرجه أحمد، والبخاري في جزء القراءة، والبيهقي. وفي رواية البخاري: إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه. ونحوه في رواية البيهقي. قال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن. وقال البيهقي في معرفة السنن بعد روايته: هذا إسناد صحيح. وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقة، فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه. وقال في كتاب القراءة: هذا حديث صحيح، احتج به محمد بن إسحاق بن خزيمة في جملة ما احتج به في هذا الباب. ومنها: حديث عمرو

ص: 163

861-

(34) وعن أبي هريرة، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم، يا رسول الله! قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلوات

ــ

ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقرؤون خلفي؟ قالو: نعم يا رسول الله! إنا لنهذه هذا. قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، أخرجه البخاري في جزء القراءة. والبيهقي في كتاب القراءة. وإسناده حسن، رجاله ثقات. ومنها: حديث أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أتقرؤون خلفي؟ قلنا، نعم قال فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب. أخرجه البيهقي في كتاب القراءة. ومنها: حديث عبادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب خلف الإمام. أخرجه أيضاً البيهقي في كتاب القراءة، وقال: إسناده صحيح، والزيادة التي فيه صحيحة مشهورة من أوجه كثيرة، كذا في كنز العمال (ج4: ص208) .

861-

قوله: (انصرف) أي فرغ. (من صلاة جهر فيها بالقراءة) وعند ابن عبد البر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، وفي رواية لأبي داود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح. (هل قرأ معي أحدكم آنفاً؟) بمد أوله وكسر النون. يعني الآن، وأراد به قريباً. والمد هو المشهور، وقد يقصر، والاستفهام للتقرير لا لطلب التصديق، لأن قراءة من قرأ خلفه كانت بالجهر فكانت مسموعة له صلى الله عليه وسلم. والدليل عليه ما رواه البيهقي في جزء القراءة (ص13) قال: حدثنا محمود: ثنا البخاري قال: ثنا أبوالوليد قال: ثنا الليث، عن الزهري، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة تجهر فيها، فلما قضى الصلاة قال: من قرأ معي؟ قال رجل: أنا. قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ فهذه الرواية صريحة في أن السؤال ليس عن نفس القراءة وأصلها، لأنها كانت بالجهر لا بالسر، بل عن تعيين القاري، فلا بد أن يحمل قوله ههنا:"هل قرأ أحد منكم" على ذلك أي يجعل محط السؤال قوله " أحد منكم". (فقال رجل: نعم) وفي رواية "فقال رجل نعم أنا"، وهذا أيضاً يدل على أن السؤال كان عن تعيين القاري لا عن نفس القراءة. (إني أقول) في نفسي. (ما لي أنازع القرآن) بفتح الزاي بالبناء لما لم يسم فاعله، ونصب القرآن على أنه مفعول ثان بتقدير "في القرآن"، أي أجاذب في قراءته كأني أجذبه إلى من غيري، وغيري يجذبه إليه منى. والظاهر أنه أخبرهم بهذا المعنى نهياً لهم عن ذلك، وإنكاراً لفعلهم. والظاهر أيضاً بل المتعين أن الرجل جهر بالقراءة خلفه، فهو بمعنى التثريب واللوم له على ذلك، فيكون المنع مخصوصاً بالجهر خلفه. قال الخطابي في المعالم (ج1: ص206) : معناه أداخل في القراءة، وأغالب عليها. وقال الجزري في النهاية: أي أجاذب في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة. وأصل النزع الجذب، ومنه نزع الميت بروحه. (قال) أي الزهري. (فانتهى الناس عن القراءة) أي تركوها. (فيما جهر) رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فيه بالقراءة من الصلوات) بيان لما

ص: 164

حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .

ــ

الموصولة. قال القاري مفهومه: أنهم كانوا يسرون بالقراءة فيما كان يخفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الأكثر، وعليه الإمام محمد من أئمتنا. (حين سمعوا ذلك) أي ما ذكر من التثريب واللوم. زاد البخاري والبيهقي في جزء القراءة لهما: وقرؤوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام. واعلم أن قوله: فانتهى الناس، الخ. ليس من رواية أبي هريرة في الحديث بل هو مدرج من قول الزهري، وقد بين ذلك أبوداود في سننه، قال: ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري. وانتهى حديثه إلى قوله" ما لي أنازع القرآن". ورواه الأوزاعي عن الزهري، قال فيه: قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون معه فيمه يجهر به. قال أبوداود: وسمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله: "فانتهي الناس" من كلام الزهري. وقال البيهقي في معرفة السنن: قوله "فانتهي الناس عن القراءة" من قول الزهري. قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبوداود، استدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث، وجعله من قول الزهري. وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة وأبوهريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به وفيما خافت-انتهى. وقال في جزء القراءة: رواية ابن عيينة عن معمر دالة على كونه من قول الزهري. وكذلك انتهاء الليث بن سعد وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع ابن جريج برواية الحديث من الزهري إلى قوله "مالي أنازع القرآن" دليل على أن ما بعده ليس في الحديث، وأنه من قول الزهري، ففصل كلام الزهري من الحديث بفصل ظاهر. وقال الحافظ في التلخيص: قوله "فانتهى الناس" إلى آخره، مدرج في الخبر من كلام الزهري، بيّنه الخطيب، واتفق عليه البخاري في التاريخ، وأبوداود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي، وغيرهم-انتهى. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (ج2: ص157-159) وإذا ثبت أن قوله "فانتهى الناس"الخ. من كلام الزهري التابعي فلا يصح الاستدلال به لأن قول التابعي ليس بحجة بالاتفاق. علا أنه إن كان المراد بقوله: فانتهى الناس، الخ. أن جميع الصحابة تركوا القراءة خلفه في الصلوات الجهرية فهو كذب محض، لأن الصحابة اختلفوا في ذلك، وقد ذهب أكثرهم إلى قراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات الجهرية والسرية وجوباً أو ندباً، وإن كان المراد فانتهى الناس أي الذين حضروا هذه الصلاة معه صلى الله عليه وسلم لا جميع الصحابة، فهو أيضاً ليس بصحيح، لأن أباهريرة قد شهد هذه الصلاة والقصة، وهو لم يترك قراءة الفاتحة خلف الإمام، بل كان يفتى بها في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية. ولو سلم أن قول الزهري هذا صحيح، وأن قول التابعي حجة، فلا يثبت به ما ذهب إليه الحنفية من كراهة قراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات، ومنعها مطلقاً، بل قول الزهري هذا يبطل دعواهم، لأنه يدل على أنهم كانوا يقرؤن سراً فيما لا يجهر فيه الإمام كما تقدم. وأما ما قيل: من أن قوله "فانتهي الناس"الخ. ليس مما قاله الزهري من عند نفسه لأنه لم يشهد هذه القصة، والظاهر بل المتعين أن هذا قول بعض الصحابة الذين حضروا هذه الصلاة وسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: مالي أنازع القرآن، وقد علم هذا الصحابي ترك قراءتهم خلفه في الجهرية بإطلاعهم إياه على ذلك فلا محالة من أن يقال أنه سمع الزهري هذا الكلام من هذا الصحابي، ومن المعلوم أن مثل هذا الكلام من الصحابي يكون في حكم المرفوع، فيكون قول الزهري هذا أيضاً مرفوعاً حكماً غاية ما فيه أنه مرسل

ص: 165

لأنه لم يذكر الصحابي الذي سمعه منه هذا القول ولا حرج. ففيه: أنه لا نسلم أن الزهري سمع هذا القول ممن شهد هذه القصة قطعاً، فإنه يحتمل أن يكون سمع ذلك من تابعي، ولا يدري أن التابعي الذي سمعه منه ثقة أو ضعيف، مقبول أو مردود. وأيضاً قد تقدم أن هذا القول كذب لاختلاف الصحابة في ذلك. ولو صرفنا النظر عن جميع ذلك فلا شك أنه مرسل، ومرسل الزهري كالريح ليس بشيء. قال الذهبي في التذكرة (ج1:ص98) : قال قدامة السرجسي: قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسمى. وقال ابن أبي حاتم في "كتاب المراسيل" (ص2) : حدثنا أحمد بن سنان قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول هو بمنزلة الريح. وقال السيوطي في التدريب (ص70) : مراسيل الزهري قال ابن معين ويحيى بن سعيد القطان: ليس بشئ. وكذا قال الشافعي، قال: لأنا نجده يروي عن سليمان بن الأرقم. وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ كلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه-انتهى. واستدلال المالكية بقوله صلى الله عليه وسلم "مالي أنازع القرآن" على منع القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة. وفي الاستدلال به على هذا المطلوب نظر ظاهر، لأنه لا يدل على منع القراءة خلف الإمام المتنازع فيها، وهي القراءة في النفس وبالسر بحيث لا يفضي إلى المنازعة بقراءة الإمام، نعم يدل على منع القراءة بالجهر خلفه، وهي ممنوعة بالاتفاق. قال القرطبي: والمعنى في حديث. (أى حديث أبي هريرة هذا) : لا تجهروا إذا جهرت، فإن ذلك تجاذب وتخالج، اقرؤوا في أنفسكم. بينه حديث عبادة. وأفتى الفاروق برأي أبي هريرة الراوي الحديثين، فلو فهم المعنى جملة من قوله لما أفتى بخلافه-انتهى. وقال ابن عبد البر في التمهيد: لا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام. ويدل على ذلك قول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في غيث الغمام (ص30) : غاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مالي أنازع القرآن. فهو إن دل على النهي، فإنما يدل على نهي القراءة المفضية إلى المنازعة في الجهرية-انتهى. وقال الشوكاني في النيل: استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية، وهو خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع هو القراءة خلف الإمام سراً، والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره. وقد حاول بعض الحنفية الاستدلال بقوله "مالي أنازع القرآن" على ترك القراءة خلف الإمام بالسر وفي السرية، قائلاً بأن المنازعة مع الإمام في القراءة تتحقق مع قراءة المأموم بالسر وفي الصلاة السرية أيضاً، لأن معنى المنازعة: هو أن يشارك المأموم الإمام في القراءة ويشتغل بالقراءة حال قراءة الإمام ولا يترك الإمام أن ينفرد بالقراءة. وفيه: أن الاستدلال به على ذلك باطل لأنه لو كان معنى المنازعة ما بيّنه هذا البعض لما كان يقرأ الصحابة خلف الإمام سراً في الصلوات السرية كما يدل عليه قول الزهري وهو في حكم المرفوع عند الحنفية. وقد تقدمت رواية البيهقي والبخاري بلفظ: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام، وقرؤوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام. ويبطله أيضاً فيه حديث عبادة عند أبي داود والدارقطني بلفظ: وأنا أقول: مالي أنازع القرآن فلا يقرأنّ أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت

ص: 166

رواه مالك وأحمد وأبوداود والترمذي والنسائي. وروى ابن ماجه نحوه.

862،863- (35،36) وعن ابن عمر والبياضي قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المصلي يناجي ربه،

ــ

بالقراءة إلا بأم القرآن؛ لأنه لو كان معنى المنازعة ما ذكره هذا المستدل لما أمرهم صلى الله عليه وسلم بقراءة الفاتحة خلف الإمام بالسر بعد ما أنكر عليهم المنازعة بقوله: مالي أنازع القرآن. ويبطله أيضاً أن أباهريرة، وعبادة، وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتون بقراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات، وهم ممن رووا حديث المنازعة، فظهر بذلك أن معنى المنازعة ليس كما ذكره هذا البعض. قال الشيخ اللكنوي في غيث الغمام: ومن الناس من توهم أن معنى المنازعة هو أن يقرأ المؤتم حال قراءة الإمام، وهو متحقق في السرية أيضاً مطلقاً، وهو مبني على الغفلة عن كتب اللغة وشروح الحديث للأئمة- انتهى. ولو سلم أن حديث أبي هريرة هذا يدل على ترك القراءة خلف الإمام بالسر أيضاً، فهو محمول على ما عدا الفاتحة، جمعاً بين الأحاديث، ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. ويدل عليه أيضاً فتوى أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. وانظر كتاب القراءة (ص99) للبيهقي، وكتاب الاعتبار للحازمي (ص101) . وعن الاستدلال بهذا الحديث على ترك القراءة خلف الإمام في الجهرية أو مطلقاً أجوبة أخرى ذكرها الشيخ في "تحقيق الكلام" فارجع إليه. (رواه مالك وأحمد وأبوداود والترمذي) وحسنه. ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره، وصححه أبوحاتم الرازي وابن حبان وابن القيم. (والنسائي) وأخرجه أيضاً الشافعي والبيهقي والطحاوي وابن حبان. (وروى ابن ماجه نحوه) أي معناه.

862، 863- قوله:(عن ابن عمر، والبياضى) الواو عاطفة، والبياضى- بفتح الباء الموحدة والياء المنقوطة بالاثنتين من تحت، والضاد المعجمة- منسوب إلى بياضة بن عامر بن زريق، بطن من الأنصار، اسمه فروة- بفتح الفاء وسكون الراء- ابن عمرو- بفتح العين- ابن ودقة- بفتح الواو وسكون الدال- ابن عبيد بن عامر بن بياضة، شهد العقبة وبدراً وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مخرمة العامري، وكان يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم لخرص النخل، وكان ممن قاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسين في سبيل الله، وكان يتصدق في كل عام من نخلة بألف وسق، وكان من أصحاب علي يوم الجمل. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المصلي) وسبب هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في العشر الأواخر من رمضان في قبة على بابها حصير، والناس يصلون عصباً عصباً، فأخرج منها رأسه ذات ليلة، وقد علت أصواتهم بالقراءة بالجهر، فقال: إن المصلي إذا صلى. (يناجي ربه) أي يحادثه ويكالمه، وهو كناية عن كمال قربه المعنوي. وقيل: هي عبارة عن إحضار القلب والخشوع في الصلاة. وقيل: هي إخلاص القلب، وتفريغ السر بذكره. وقيل مناجاة العبد: أداء الأفعال والأقوال المطلوبة في الصلاة، ومناجاة الرب لعبده: إقباله عليه بالرحمة

ص: 167

فلينظر ما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) رواه أحمد.

864-

(37) وعن أبي هريرة قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) .

ــ

والرضوان. والمقصود التنبيه على الخشوع في الصلاة. (فلينظر) أي فليتفكر وليتأمل. (ما يناجيه به) ما استفهامية والضمير المنصوب في "يناجيه" راجع إلى الرب، وفي "به" إلى "ما" و"ما" مفعول "فلينظر". قال القاري: وفي نسخة "ما يناجي بن" ما استفهامية أو موصولة. أي ما يناجي الرب تعالى من الذكر، والقرآن، والحضور، والخشوع، والخضوع- انتهى. والمقصود التنبيه على تحصيل الخشوع بمواطاة القلب اللسان، والإقبال إلى الله بشرا شره، وذلك إنما يحصل إذا لم ينازعه صاحبه بالقراءة، ولم يجهر بعضهم على بعض بالقرآن، لأن المنازعة وجهر بعض على بعض بالقراءة مفوت للخشوع، ومن ثم عقبه بقوله:(ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) فإن ذلك يؤذي ويمنع من الإقبال على الصلاة، والنهي يتناول من هو داخل الصلاة وخارجها. قال الطيبي: عدى بعلى لإرادة معنى الغلبة، أي لا يغلب ولا يشوش بعضكم على بعض جاهراً بالقراءة- انتهى. (رواه أحمد) أما حديث ابن عمر فأخرجه (ج2: ص36، 67، 129) وسنده صحيح، وأخرجه أيضاً البزار والطبراني في الكبير. قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام. وأما حديث البياضي فأخرجه (ج4: ص344) وأخرجه أيضاً مالك في المؤطا عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي حازم التمار، عن البياضي. ومن طريق مالك أخرجه أحمد، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح- انتهى. فلو عزاه المؤلف إلى الموطأ كان أولى. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد عند النسائي. قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد صحيحان ثابتان- انتهى. وفي الباب عن على عند أحمد وأبي يعلى، وعن أبي هريرة، وعائشة عند الطبراني في الأوسط، ذكرهما الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص265، 266) .

864-

قوله: (إنما جعل) ببناء المجهول، وكلمة "إنما" للحصر للمبالغة والاهتمام. (الإمام) أي إماماً، فالمفعول الثاني لقوله "جعل" محذوف، والتقدير "إنما جعل الإمام إماماً"، والمفعول الأول قام مقام الفاعل، أو "جعل" بمعنى "نصب" و"اتخذ" فلا حاجة إلى التقدير. (ليؤتم به) أي ليقتدي به. والمعنى: أن الإئتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه، فلا يجوز له المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه، كصلاة القاعد خلف القائم ونحوها، وقد ورد النهي عن الاختلاف بخصوصه بقوله: لا تختلفوا عليه. (فإذا كبر) أي للإحرام أو مطلقاً، فيشمل تكبير النقل. (فكبروا) زاد في رواية "ولا تكبروا حتى يكبر"، أي حتى يفرغ منه. وقيل: حتى يأخذ في التكبير. (وإذا قرأ فأنصتوا) احتج به القائلون أن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية. قلت: الاستدلال بذلك على هذا المطلوب موقوف على

ص: 168

أن تكون هذه اللفظة ثابتة محفوظة صحيحة، وقد اختلفوا في ذلك فصححها مسلم، ومال إليه المنذري، وصححها ابن حزم أيضاً. وضعفها البخاري وأبوداود وأبو حاتم وابن معين وابن خزيمة والحاكم والدارقطني. واجتماع هؤلاء الحفاظ النقاد على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم. قال البيهقي في المعرفة: قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث: أبوداود وأبوحاتم وابن معين والحاكم والدارقطني، وقالوا: إنها ليست بمحفوظة- انتهى. وروى في كتاب القراءة بإسناده عن ابن أبي حاتم، قال: سمعت أبي، وذكر حديث أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان. (يعني حديث أبي هريرة هذا) فقال أبي: ليست هذه الكلمة محفوظة، هي من تخاليط ابن عجلان-انتهى. قلت: محمد ابن عجلان هذا مدلس، وروي هذا الحديث عن زيد بن أسلم معنعناً، فلا يجوز الحكم بصحته حتى يثبت سماعه من زيد بن أسلم لهذا الحديث. وأيضاً ابن عجلان ليس بحافظ، بل هو سيء الحفظ، وقد تفرد بهذه الزيادة، ولم يتابعه عليها أحد من الثقات، وقد روي حديث أبي هريرة هذا بالأسانيد الصحيحة الكثيرة، ليس في واحد منها هذه الزيادة. أما كونه مدلساً فقد صرح به برهان الدين الحلبي في"التبيين لأسماء المدلسين". وقال الحافظ في"طبقات المدلسين": محمد بن عجلان المدني تابعي صغير مشهور، من شيوخ مالك، وصفه ابن حبان بالتدليس. وأما كونه سيء الحفظ فقال الحافظ في مقدمة الفتح: فيه مقال من قبل حفظه. وقال الذهبي في الكاشف: وثقة أحمد، وابن معين، وقال غيرهما سيء الحفظ. وقال في الميزان: وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه-انتهى. ولعل الشيخين لم يحتجا به لأجل ذلك. قال الذهبي في التذكرة: لم يحتج الشيخان بحديث محمد-انتهى. وأما كونه متفرداً بهذه الزيادة في هذا الحديث فهو ظاهر لمن تتبع طرق الحديث. قال البيهقي في كتاب القراءة (ص91) : قال ابن خزيمة: قال محمد بن يحيى الذهلي: خبر الليث أصح متناً من رواية أبي خالد يعني عن ابن عجلان، ليس في هذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا قرأ فأنصتوا" بمحفوظ، لأن الأخبار متواترة عن أبي هريرة بالأسانيد الصحيحة الثابتة المتصلة بهذه القصة، ليس في شيء منها: وإذا قرأ فأنصتوا. إلا خبر أبي خالد ومن لا يعتد أهل الحديث بروايته. ثم رواها ابن خزيمة من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. ومن حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. ومن حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة. وليس في شيء منها هذه الزيادة، وهي في الصحيح من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ومن حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. ومن حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ومن حديث همام بن منبه وأبي علقمة الهاشمي، وأبي يونس مولى أبي هريرة كلهم، عن أبي هريرة، ليس في شيء من هذه الروايات: وإذا قرأ فأنصتوا-انتهى. فإن قلت: قال ابن التركماني في الجوهر النقي (ص153) : قد تابعه عليها خارجة بن مصعب ويحيى ابن العلاء كما ذكره البيهقي فيما بعد-انتهى. وكذلك قال العيني في شرح البخاري (ج6: ص15) قلت: لا اعتداد بمتابعتها.

ص: 169

رواه أبوداود.

ــ

قال الحافظ في التقريب في ترجمة خارجة بن مصعب: متروك وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذبه-انتهى. وقال الذهبي في الميزان في ترجمة يحيى بن العلاء: قال الدارقطني: متروك، وقال أحمد بن حنبل: كذاب يضع الحديث. وقال الخزرجي في الخلاصة في ترجمته: كذبه وكيع وأحمد-انتهى. وقال البيهقي في كتاب القراءة: وقد رواه يحيى بن العلاء الرازي، عن زيد بن أسلم. ويحيى بن العلاء متروك، جرحه يحيى بن معين وغيره من أهل العلم بالحديث. وروي بإسناد ضعيف عن عمرو بن هارون، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم. ولا يفرح بمتابعة هؤلاء في خلاف أهل الثقة والحفظ –انتهى. تنبيه: ذكر العيني في شرح البخاري والبناية شرح الهداية: أن ابن خزيمة أيضاً صحح حديث ابن عجلان، يعني زيادة "وإذا قرأ فأنصتوا"، وقد نقله عنه الشيخ اللكنوي في "إمام الكلام"، والنيموي في "آثار السنن" وغيرهما من العلماء الحنفية في تصانيفهم، وهذا خطأ فاحش ووهم قبيح، فإن ابن خزيمة لم يصحح هذه الزيادة أبداً بل هو ممن ضعفها جداً. قال البيهقي في كتاب القراءة (ص91) : قال أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: هذا خبر، ذكر قوله:"وإذا قرأ فأنصتوا" فيه وهم. وقد روى الليث بن سعد – وهو عالم أهل مصر وفقيههم، أحد علماء زمانه، غير مدافع، صاحب حفظ وإتقان وكتاب صحيح – هذا الخبر عن ابن عجلان، فذكر الرواية التي ذكرها البخاري، وليس في شيء منها "وإذا قرأ فأنصتوا". قال ابن خزيمة: قال محمد بن يحيى الذهلي: خير الليث أصح متناً من رواية أبي خالد، يعني ابن عجلان، ليس في هذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ فأنصتوا" بمحفوظ، الخ. وقد ذكر ابن خزيمة فصلاً مستقلاً لإثبات أن هذه الزيادة غير محفوظة، كما قال البيهقي في كتاب القراءة (ص95) فارجع إليه. ولو سلم أن زيادة "وإذا قرأ فأنصتوا" في حديث أبي هريرة صحيحة ثابتة محفوظة، فقد ذكرنا عنها أجوبة في شرح حديث أبي موسى الأشعري فتذكر. (رواه أبوداود) وقال: هذه الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة. الوهم عندنا من أبي خالد، وتقدم أن أباحاتم قال: هي من تخاليط ابن عجلان، يعني أن الوهم عنده من ابن عجلان، ولم يبين بعض الحفاظ الذين صرحوا بكونها غير محفوظة، أن الوهم ممن هو؟ فإن قلت: إختلافهما في نسبة الوهم، وسكوت بعضهم عن تعيين الواهم يؤدي إلى طرح القولين، والرجوع إلى صحة هذه الزيادة، قلت: إن الحفاظ النقاد إذا حكموا على حديث بأنه غير محفوظ، واختلفوا في نسبة الوهم فبعض نسبوه إلى أحد، وبعضهم إلى آخر، فهذا الاختلاف لا يؤدي إلى طرح القولين، ولم يقل به أحد، كيف؟ وقد تقرر في موضعه أن المحدثين المعللين القائمين بمعرفة فن المعلول الذي هو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها إذا اتفقوا على حديث أنه معلول فدعواهم مقبولة، وإن اختلفوا في توجيه التعليل، بل وإن أخطأ بعضهم في توجيه، فإنه قد يقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه، كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم، وهذا الجواب على تقدير تسليم كون أبي خالد وابن عجلان ثقتين، حافظين، لكن قد تقدم أن ابن عجلان مدلس، وقد روى هذا الحديث عن زيد بن أسلم معنعناً، ومع كونه

ص: 170

والنسائي وابن ماجه.

865-

(38) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزئني. قال: قل: سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: يارسول الله! هذا لله، فماذا لي؟ قال، قل: اللهم ارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني. فقال هكذا بيديه وقبضهما.

ــ

مدلساً ليس بحافظ، بل هو سيئ الحفظ. وقد تفرد بهذه الزيادة، ولم يتابعه عليها أحد من الثقات. وأما أبوخالد الأحمر سليمان بن حيان الأزدي فهو أيضاً سيء الحفظ. قال الحافظ في مقدمة الفتح: قال ابن معين: أبوخالد صدوق، ليس بحجة. وقال ابن عدي: وإنما أتى من سوء حفظه فيغلط، ويخطئ. وقال أبوبكر البزار: اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظاً. وقال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ. (والنسائي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً أحمد.

865-

قوله: (وعن عبد الله بن أبي أوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى، علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبوإبراهيم، أو أبومحمد أو أبومعاوية، صحابي ابن صحابي، شهد عبد الله بيعة الرضوان، وخيبر، وما بعد ذلك من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر من بقي بالكوفة من الصحابة، مات سنة. (87) بالكوفة، وكان قد كف بصره، روى خمسة وتسعين حديثاً، اتفقا على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد، روى عنه جماعة. (أن آخذ من القرآن شيئاً) أي أتعلم وأحفظ من القرآن شيئاً أقرأه في الصلاة، أو آخذ شيئاً من القرآن ورداً. (ما يجزئني) أي يكفيني عن القراء في الصلاة، أو عن ورد القرآن. (قال) وفي بعض النسخ "فقال" وكذا وقع في أبي داود. (قل سبحان الله) الخ. فإن هذه الكلمات أحب الكلام إلى الله وأفضل الذكر بعد كلام الله. (هذا لله) أي ما ذكر من الكلمات ذكر لله، مختص له، أذكره به. (فماذا لي؟) وفي أبي داود: فما لي؟ أي علمني شيئاً يكون لي فيه دعاء واستغفار أذكره لي عند بي. (اللهم ارحمني) أي بترك المعصي أبداً، أو بغفرانها وعفوها. (وعافني) من آفات الدارين. (واهدني) أي ثبتني على دين الإسلام، أو دلني على متابعة الأحكام. (وارزقني) أي رزقاً حلالاً طيباً، كافياً مغنياً عن الأنام، أو التوفيق والقبول وحسن الاختتام. (فقال) أى فعل الرجل. (هكذا) قال الطيبي: أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة المحسوسة. (بيديه) تفسير وبيان. (وقبضهما) قال القاري: وفي نسخة "فقضبهما، فقيل" أي عد تلك الكلمات بأنامله وقبض كل أنملة بعدد كل كلمة. وقال ابن حجر: ثم بين الراوي المراد بالإشارة بهما فقال: وقبضهما أي إشارة إلى أنه يحفظ ما أمر به كما يحفظ الشيء النفيس بقبض اليد عليه. وظاهر السياق أن المشير هو المأمور، أي حفظت ما قلت لي

ص: 171

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير.

ــ

وقبضت عليه، فلا أضعيه. ويؤيده قول الراوي. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا) أي الرجل. (فقد ملأ يديه من الخير) . قال ابن حجر: كناية عن أخذه مجامع الخير بامتثاله لما أمر به. قلت: وقع في رواية لأحمد (ج4: ص353) : ثم أدبر وهو ممسك كفيه، بدل قوله: فقال هكذا بيديه وقبضهما. ورواية أحمد هذه ظاهرة في أن الإشارة باليدين كانت من هذا الرجل لا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمأمور هو المشير. واعلم: أنهم اختلفوا في تعيين محمل الحديث، فقال الطيبي: الظاهر أنه أراد أنى لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن واتخذه ورداً لي فعلمني ما أجعله ورداً لي، فأقوم به آناء الليل وأطراف النهار، فلما علمه ما فيه تعظيم لله تعالى طلب ما يحتاج إليه من الرحمة والعافية والهداية والرزق. ويؤيد ما ذكرنا من أن مطلوبه ما يجعله ورداً له لا يفارقه أبداً، قبضه بيديه. أي أنى لا أفارقه ما دمت حياً. وتوهم بعضهم من إيراد هذا الحديث في هذا الباب أن هذه القصة في الصلاة، فقال: لا يجوز ذلك في جميع الأزمنة؛ لأن من قدر على تعلم هذه الكلمات يقدر على تعلم فاتحة الكتاب لا محالة، بل تأويله أني لا أستطيع أن أتعلم شيئاً من القرآن في هذه الساعة وقد دخل علي وقت الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل سبحان الله، الخ. فمن دخل عليه وقت صلاة مفروضة ولم يعلم الفاتحة، وعلم شيئاً من القرآن، لزمه أن يقرأ بقدر الفاتحة عدد آيات وحروف، فإن لم يعلم شيئاً منه يقول هذه الكلمات، فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم. وفيه: بُعد، لأن عجز العربي المتكلم بمثل هذا الكلام عن تعلم ما تصح به صلاته من القرآن مستبعد جداً، وأنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في الاكتفاء بالتسبيح على الإطلاق من غير أن يبين ماله وما عليه-انتهى. ونقل ميرك عن زيد بن العرب أنه قال: وكل هذا خلاف الظاهر، بل قوله "فعلمني ما يجزئني" مع إيراد المحدثين لهذا الحديث في هذا الباب يدل أيضاً على أن المراد القدر المجزئ في الصلاة وإلا لكان إيراده في باب التسبيح أليق، وما ذكره من الاستبعاد فغير بعيد، لأنه كما أن من العرب من هو في غاية الفصاحة والبلاغة فمنهم من هو في غاية الجلافة والبلادة-انتهى. قلت: الظاهر أن الحديث وارد في الصلاة لما مر من حديث رفاعة للترمذي في باب صفة الصلاة. قال: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به، ثم تشهد، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله، ثم اركع. فإنه يدل على أن من لم يحفظ القرآن يجزئه الحمد والتكبير والتهليل، وهو مع حديث الباب دليل على أن هذه الأذكار قائمة مقام الفاتحة وغيرها لمن لا يستطيع أن لا يتعلم القرآن، وليس فيه ما يقتضي التكرار، فظاهره أنها تكفي مرة. وقد ذهب البعض إلى أنه يقولها ثلاث مرات. قال الخطابي في المعالم (ج1: ص207) : الأصل أن الصلاة لا تجزئ إلا بقراءة فاتحة الكتاب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، ومعقول أن وجوب قراءة فاتحة الكتاب إنما هو على من أحسنها دون من لا يحسنها، فإذا كان المصلي لا يحسنها، وكان يحسن شيئاً من القرآن غيرها، كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات، لأن أولى الذكر بعد فاتحة الكتاب ما كان مثلاً

ص: 172

رواه أبوداود. وانتهت رواية النسائي عند قوله: إلا بالله.

866-

(39) وعن ابن عباس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} قال: سبحان ربي الأعلى.

ــ

لها من القرآن، فإن كان رجل ليس في وسعه أن يتعلم شيئاً من القرآن؛ لعجز في طبعه أو سوء حفظه أو عجمة لسان، أو آفة تعرض له، كان أولى الذكر بعد القرآن ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الذكر بعد كلام الله عزوجل سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر-انتهى. (رواه أبوداود) وسكت عليه، وأخرجه أيضاً أحمد وابن الجارود وصححه ابن حبان، والحاكم والدارقطني. ومدار الحديث على إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسماعيل السكسكي أبي إسماعيل الكوفي مولى صخير. قال الحافظ في التلخيص (ص89) : هو من رجال البخاري، لكن عيب عليه إخراج حديثه، وضعفه النسائي. وقال ابن القطان: ضعفه قوم لم يأتوا بحجة. وذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف. وقال في شرح المهذب: رواه أبوداود والنسائي بإسناد ضعيف، وكان سببه كلامهم في إبراهيم. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكر المتن-انتهى. ولم ينفرد به بل رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه أيضاً من طريق طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفى، ولكن في سنده الفضل بن موفق ضعفه أبوحاتم-انتهى كلام الحافظ. قلت: إبراهيم السكسكي هذا ضعفه أحمد، وقال ابن القطان: كان شعبة يضعفه، كان يقول لا يحسن يتكلم. وقال النسائي: ليس بالقوي، يكتب حديثه. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي، وذكره العقيلي في الضعفاء وابن حبان في الثقات. وهذا يدل على أنه صدوق ثقة عند البخاري وابن القطان وابن عدي وابن حبان، وليس ممن لا يحتج بأحاديثهم، وهو الراجح، والله أعلم.

866-

قوله: (كان إذا قرأ: سبح اسم ربك الأعلى) في الصلاة أو غيرها، فريضة كانت الصلاة أو نافلة. ففيه دليل على أن للقارئ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآياته فيها تسبيح أن يسبح. وإليه ذهب الشافعي، وهو الحق، لأن قوله "كان إذا قرأ" عام يشمل الصلاة وغيرها، ويؤيده ما روي عن علي بن أبي طالب: قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} [87: 1] فقال: سبحان ربي الأعلى. وهو في الصلاة. فقيل له: أتزيد في القرآن، فقال: لا، إنما أمرنا بشيء فقلته. وروى البيهقي عنه أنه قرأ في الصبح بـ {سبح اسم ربك الأعلى} فقال: سبحان ربي الأعلى-الحديث. وعن أبي موسى الأشعري: أنه قرأ في الجمعة {سبح اسم ربك الأعلى} فقال: سبحان ربي الأعلى. وعن سعيد بن جبير، قال سمعت ابن عمر يقرأ {سبح اسم ربك الأعلى} فقال: سبحان ربي الأعلى. وعن عمر مثله. وعن ابن الزبير أنه قرأ

ص: 173

رواه أحمد، وأبوداود.

867-

(40) وعن أبي هريرة، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ منكم بـ {التين والزيتون} فانتهى إلى {أليس الله بأحكم الحاكمين} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين.

ــ

{سبح اسم ربك الأعلى} فقال: سبحان ربي الأعلى، وهو في الصلاة. وحديث ابن عمر رواه الحاكم أيضاً (ج2: ص521) : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. ولا دليل لمن حمل حديث ابن عباس هذا على خارج الصلاة أو خصه بصلاة النافلة، بل يرد قوله ما تقدم من آثار الصحابة. ثم إنه قيل: يستحب أيضاً للسامع أن يقول سبحان ربي الأعلى إذا سمع من القارئ {سبح اسم ربك الأعلى} ؛ لأنه دليل في الحديث على اختصاص هذا القول بالقارئ أو بالإمام، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول لكونه إماماً أو قارئاً، بل لأن مقتضي هذه الآية أن يقول كل من قرأها أو سمعها في جوابها: سبحان ربي الأعلى، امتثالاً للأمر. قال المناوي في شرح الجامع الصغير: أخذ من ذلك أن للقارئ أو السامع كلما مر بآية تنزيه أن ينزه الله، أو تحميد أن يحمده، أو تكبير أن يكبره، وقس عليه. (رواه أحمد وأبوداود) من طريق وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1: ص264) والطبراني وابن مردويه والبيهقي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال العزيزي: هو حديث صحيح. وقال أبوداود: خولف وكيع في هذا الحديث. رواه أبووكيع. (يعني الجراح بن مليح وائد وكيع المذكور) وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا-انتهى. وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عنه: أنه كان إذا قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} قال: سبحان ربي الأعلى. وفي لفظ لعبد بن حميد عنه، قال: إذا قرأت {سبح اسم ربك الأعلى} فقل سبحان ربي الأعلى. قيل: الموقوف له حكم المرفوع لأنه لا مسرح للاجتهاد فيه. والرفع زيادة ثقة فتقبل.

867-

قوله: (من قرأ) أي في الصلاة أو خارجها. (بـ {التين والزيتون} ) أي بهذه السورة. (فانتهى إلى "أليس الله بأحكم الحاكمين") أي أقضى القاضين يحكم بينك وبين أهل التكذيب بك يا محمد!. (فليقل: بلى) أي نعم. قال المناوي: لأنه قول بمنزلة السؤال فيحتاج إلى الجواب. ومن حق الخطاب أن لا يترك المخاطب جوابه فيكون السامع كهيئة الغافل، أو كمن لا يسمح إلا دعاء ونداء من الناعق به، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، فهذه هيئة سيئة. ومن ثم ندبوا لمن مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة، أو عذاب أن يتعوذ من النار، أو يذكر الجنة بأن يرغب إلى الله فيها، أو النار أن يستعيذ به منها-انتهى. (وأنا على ذلك) أي كونك أحكم الحاكمين. (من الشاهدين) أي أنتظم في سلك من له مشافهة في الشهادتين من أنبياء الله وأوليائه. قال ابن حجر: وهذا أبلغ من أنا شاهد. ومن ثم قالوا في {وكانت من

ص: 174

ومن قرأ {لا أقسم بيوم القيامة} فانتهى إلى {أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى} فليقل: بلى. ومن قرأ {والمرسلات} فبلغ {فبأي حديث بعده يؤمنون} فليقل: آمنا بالله)) رواه أبوداود، والترمذي إلى قوله:((وأنا على ذلك من الشاهدين)) .

ــ

القانتين} [66: 12] وفي {إنه في الآخرة لمن الصالحين} [2: 130] أبلغ من "وكانت قانتة" ومن "أنه في الآخرة صالح" لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد عنهم. (أليس ذلك) أي الذي جعل خلق الإنسان من نطفة تمنى في الرحم. (فليقل: بلى) قال القاري: وفي رواية "بلى إنه على كل شيء قدير"-انتهى. وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي أمامة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند قراءته لهذه الآية: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. (فبأي حديث بعده) أي بعد القرآن، لأنه آية مبصرة، ومعجزة باهرة، فحين لم يؤمنوا به فبأي كتاب بعده يؤمنون؟. (فليقل: آمنا بالله) أي به وبكلامه. ولعموم هذا لم يقل: آمنا بالقرآن. وقال الطيبي: أي قل: أخالف أعداء الله المعاندين-انتهى. والحديث يدل على أن من يقرأ هذه الآيات يستحب له أن يقول تلك الكلمات سواء كان في الصلاة أو خارجها. وأما قولها للسامع المقتدي أو غير المقتدي فلم أقف على حديث مرفوع صريح يدل على ذلك، لكن قد تقدم أن هذه الآيات بمنزلة السؤال فتحتاج إلى الجواب، ومن حق الخطاب أن لا يترك المخاطب جوابه فيستحب الجواب عند تلاوة هذه الآيات للقارئ والسامع كليهما إماماً أو مأموماً أو منفرداً. قال ابن عباس: من قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} إماماً كان أو غيره فليقل: سبحان ربي الأعلى، ومن قرأ {لا أقسم بيوم القيامة} [75: 1] إلى آخرها، فليقل: سبحانك اللهم بلى، إماماً كان أو غيره، ذكره الخطيب. قال الحفناوي: قوله "إماماً كان أو غيره" يقتضي أن هذه الكلمة وهي "بلى" لا تبطل الصلاة، وهو كذلك، لأنها ذكر تقديس وتنزيه لله تعالى، كذا في فتح البيان (ج1: ص130) . (رواه أبوداود) من طريق ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية، قال: سمعت أعرابياً يقول: سمعت أباهريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ، الخ. وأخرجه أيضاً أحمد (ج2: ص249) وابن المنذر وابن مردوية، والبيهقي. وفي إسناده رجل مجهول، فالحديث ضعيف. (والترمذي) أي ورواه الترمذي. وفي نسخة "وللترمذي" وهو الظاهر، قال الترمذي بعد ما أخرجه مختصراً: إنما يروي بهذا الإسناد، عن هذا الأعرابي، عن أبي هريرة، ولا يسمى-انتهى. قال في فتح الودود: وهذا الأعرابي لا يعرف. وفي الإسناد جهالة. وقال الحافظ في المبهمات من التقريب: إسماعيل بن أمية عن أعرابي عن أبي هريرة لا يعرف. وسماه كما في المستدرك (ج2: ص590) يزيد بن عياض أحد المتروكين أبا اليسع، وهو معدود فيمن لا يعرف. وقال الذهبي في الميزان (ج3: ص388) والحافظ في اللسان (ج6: ص454) : أبواليسع لا يدرى من هو، والسند بذلك مضطرب-انتهى. والعجب من الذهبي أنه وافق الحاكم في التلخيص في تصحيح الحديث فقال: صحيح.

ص: 175