المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب! يا رب! ومن لم - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب! يا رب! ومن لم

مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب! يا رب! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا)) . وفي رواية: ((فهو خداج)) . رواه الترمذي.

{الفصل الثالث}

812-

(17) عن سعيد بن الحارث بن المعلى، قال: ((صلى لنا أبوسعيد الخدري، فجهر بالتكبير

حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين رفع من الركعتين.

ــ

تقنع. وقيل "يقول" فاعله النبي صلى الله عليه وسلم و"ترفعهما" يكون تفسيرا لقوله" ثم تقنع يديك" والظاهر أن الفاعل هو عبدربه ابن سعيد أحد رواة الحديث، ففي مسند أحمد (ج4: ص167) من طريق شعبة أنه قال في آخر الحديث: فقلت له ما الإقناع؟ فبسط يديه كأنه يدعو (يا رب! يا رب) الظاهر أن المراد بالتكرير التكثير (ومن لم يفعل ذلك) أي ما ذكر من الأشياء في الصلاة فهو أي فعل صلاته (كذا وكذا) قال الطيبي: كناية عن أن صلاته ناقصة غير تامة يبين ذلك الرواية الأخرى أعني قوله "فهو خداج" قلت: وفي رواية أحمد في المسند (ج1: ص211) من طريق ابن المبارك "فمن لم يفعل ذلك فقال فيه قولاً شديداً"(فهو خداج) بكسر الخاء المعجمة، أي ناقص. قيل: تقديره "فهو ذات خداج" أي صلاته ذات نقصان، فحذف المضاف. أو وصفها بالمصدر نفسه للمبالغة، والمعنى: أنها ناقصة، قال الزمخشري في أساس البلاغة: أخدج صلاته، نقص بعض أركانها، وصلاتي مخدجة وخادجة وخداج وصفا بالمصدر- انتهى. وقال أبوعبيد: أخدجت الناقة إذا أسقطت، والسقط ميت لا ينتفع به، ذكره البخاري في جزء القراءة. وقال الخطابي: تقول العرب: أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها وهو دم لم يستبن خلقه فهي مخدج، والخداج اسم مبني منه- انتهى. وقال المنذري في الترغيب: والخداج معناه ههنا الناقص في الأجر والفضيلة – انتهى. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وتردد في ثبوته. وأخرجه أبوداود الطيالسي وأبوداود السجستاني وابن ماجه وأحمد أيضاً من حديث المطلب. والظاهر أنه المطلب بالربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ويقال له: عبد الطلب أيضاً، وهو صحابي معروف. ومدار الروايتين على عبد الله بن نافع بن العمياء، وهو مجهول على ما قال الحافظ في التقريب. وقال البخاري: لا يصح حديثه. وذكره ابن حبان في الثقات.

812-

قوله: (عن سعيد بن الحارث بن المعلى) بضم الميم وفتح اللام المشددة اسم مفعول من التعلية، هو سعيد ابن الحارث بن أبي سعيد المعلى الأنصاري المدني القاص، من ثقات الطبقة الوسطى من التابعين (صلى لنا أبوسعيد الخدري) أي بالمدينة لما اشتكى أبوهريرة أو غاب، وكان يصلي بالناس في إمارة مروان على المدينة، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرون بالتكبير (فجهر) أي أبوسعيد (بالتكبير) لكونه إماماً. زاد الإسماعيلي "حين افتتح، وحين ركع، وحين سجد"(حين رفع رأسه من السجود) ليعلم ويتابع عليه (وحين سجد) أي ثانياً (وحين رفع) أي رأسه (من الركعتين) أي

ص: 79

وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم)) . رواه البخاري.

813-

(18) وعن عكرمة، قال: صليت خلف شيخ بمكة، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة. فقلت لابن

عباس: إنه أحمق. فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)) .

ــ

الأولين. وفي البخاري "وحين رفع وحين قام من الركعتين" زاد الإسماعيلي: فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر فقال: إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أو لم تختلف. (وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ: والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والإسرار به، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرون به- انتهى. والحديث يدل على مشروعية الجهر بالتكبير وقد عرفت مما أسلفنا أن أول من ترك تكبير النقل أي الجهر به عثمان ثم معاوية ثم زياد ثم مروان وغيره من بني أمية. وفيه أن التكبير للقيام من الركعتين يكون مقارناً للفعل، وهو مذهب الجمهور خلافاً لمالك حيث قال"يكبر بعد الإستواء" وكأنه شبه بأول الصلاة من حيث أنها فرضت ركعتين، ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه، كذا قاله بعض أتباعه، لكن كان ينبغي أن يستحب رفع اليدين حينئذٍ لتكمل المناسبة ولا قائل به منهم. (رواه البخاري) تفرد به البخاري عن أصحاب الكتب الستة، وأخرجه أحمد بأطول من هذا. وقال الهيثمي (ج2: ص104) : رجاله رجال الصحيح_ انتهى. وأخرجه أيضاً البيهقي في سننه (ج2: ص18) والحاكم في المستدرك (ج2: 223) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا السياق.

813-

قوله: (صليت خلف شيخ) هو أبوهريرة كما جاء مسمى في رواية أحمد والطحاوي والطبراني (بمكة) أي عند المقام صلاة الظهر كما في مستخرج أبي نعيم والإسماعيلي (فكبر) أي جهر بالتكبير فيها (ثنتين وعشرين تكبيرة) أي في الرباعية مع تكبير الافتتاح والقيام عند التشهد؛ لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيحصل في كل رباعية عشرون تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول، وفي الثلاثية سبع عشرة، وفي الثنائية إحدى عشرة، وفي الخمس أربع وتسعون تكبيرة. (إنه) أي الشيخ (أحمق) أي جاهل أو قليل العقل. (ثكلتك) بالمثلثة المفتوحة وكسر الكاف أي فقدتك (أمك) وهي كلمة تقولها العرب عند الزجر، فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه، أو أن تفقده أمه، لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته. واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلى الحمق الذي هو غابة الجهل، وهو برىء من ذلك. (سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الذي فعله الشيخ من التكبير المعدود طريقة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. تنبيه: الحديث قد استدل به الحنفية على نفي جلسة الاستراحة. قال النيموي: يستفاد من الحديث ترك جلسة الاستراحة وإلا لكانت التكبيرات أربعاً وعشرين مرة، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود. وفيه أن جلسة الاستراحة جلسة خفيفة جداً ولذلك لم يشرع فيها ذكر، فهي

ص: 80

رواه البخاري.

814-

(19) وعن علي بن الحسين مرسلاً، قال:((كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فلم يزل تلك صلاته صلى الله عليه وسلم حتى لقي الله تعالى)) . رواه مالك.

ــ

ليست بجلسة مستقلة، بل هي من جملة النهوض إلى القيام؛ فكيف يستفاد من هذا الحديث ترك جلسة الاستراحة، ولو سلم فدلالته على الترك ليس إلا بالإشارة، وحديث مالك بن الحويرث المتقدم يدل على ثبوتها بالعبارة، ومن المعلوم أن العبارة مقدمة على الإشارة. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أحمد والطحاوي والطبراني.

814-

قوله: (وعن علي بن الحسين) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين الهاشمي أبوالحسن. ويقال: أبوالحسين المدني، من أكابر سادات أهل البيت وجلة التابعين وعلامهم. قال الحافظ: ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور. قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه، وما رأيت أفقه منه. وقال سعيد بن المسيب: ما رأيت أورع منه، وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمى زين العابدين لعبادته، وكان مع أبيه يوم قتل وهو مريض فسلم. فقال ابن عيينة: حج علي بن الحسين، فلما أحرم أصفر، وانتفض، وارتعد، ولم يستطع أن يلبى، فقيل: ما لك لا تلبى؟ فقال: أخشى أن أقول لبيك، فيقول لا لبيك. فقيل له: لابد من هذا. فلما لبى غشى عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه. ومناقبه كثيرة، مات سنة (94) وهو ابن (58) سنة، ودفن بالبقيع في القبر الذي فيه عمه الحسن. (مرسلاً) ؛ لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر:"مرسلاً" حال متقدمة على صاحبها –انتهى. قال القاري: وهو موافق لما في النسخ المصححة المضبوطة على صيغة المفعول (كلما خفض) أي أراد الخفض إلى الركوع والسجود (ورفع) أي رأسه من السجود، فإنه إذا رفع رأسه من الركوع يسمع ويحمد، ثم يكبر للخفض، فذكر الرفع من الركوع التسميع والتحميد لا التكبير. قال الحافظ: هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة، لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع، فإنه شرع فيه التحميد – انتهى. ويؤيده الروايات المفصلة المفسرة مثل حديث أبي هريرة وحديث أبي حميد السابقين وغيرهما. (فلم يزل) بالتذكير، وقيل: بالتأنيث (تلك) أي تلك الصلاة المقترنة بذلك التكبير (صلاته) بالرفع، وقيل: بالنصب، قال الطيبي: يحتمل أن يكون اسم "لم يزل" مستكناً عائداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والجملة الاسمية خبرها، وأن يكون "تلك" اسمها و"صلاته" خبرها إذا رويت منصوبة، وبالعكس إذا رويت مرفوعة (حتى لقي الله) قد تقدم سبب إثبات تكبيرات النقل، وأنه استقر الأمر على مشروعيتها لكل مصل. (رواه مالك) في الموطأ عن ابن شهاب الزهري، عن علي بن الحسين مرسلاً. قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً بين رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث. ورواه عبد الوهاب، عن مالك، عن الزهري، عن علي، عن أبيه. ورواه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح عن أبيه، عن مالك، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن علي بن

ص: 81

815-

(20) وعن علقمة، قال: قال لنا ابن مسعود: ((ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة مع تكبير الافتتاح.

ــ

أبي طالب. ولا يصح في الموطأ مرسلاً. وأخطأ فيه ابن مصعب، فرواه عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، ولا يصح. والصواب عندهم ما في الموطأ – انتهى. قلت: الحديث وإن كان مرسلاً لكنه قد تعاضد بما جاء في الباب من الأحاديث المسندة باللفظ العام كحديث عمران بن حصين وأبي هريرة عند البخاري ومسلم، وحديث أبي موسى عند أحمد، وحديث ابن مسعود عند أحمد والنسائي والدارمي والترمذي والطحاوي، وحديث ابن عباس عند البخاري، وحديث ابن عمر عند أحمد والنسائي، وحديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، وحديث وائل بن حجر عند ابن حبان، وحديث جابر عند البزار.

815-

قوله: (فصلى ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة) هذا لفظ النسائي في رواية، وفي أخرى له:"فقام فرفع يديه أول مرة، ثم لم يعد" ولفظ الترمذي: "فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة" ولفظ أبي داود في رواية: "فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة" وفي أخرى له: "فرفع يديه في أول مرة" قال أبوداود: وقال بعضهم: مرة واحدة. (مع تكبير الافتتاح) ليست هذه اللفظة في النسخ موجودة عندنا للترمذي وأبي داود والنسائي. والحديث قد استدل به من قال من الحنفية بعدم استحباب رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام. وأجيب عنه بوجوه، أحدها: أنه حديث ضعيف غير صالح للاحتجاج، قد ضعفه الأئمة الحفاظ النقاد وعللوه كما ستعرف. ثانيها: أن مدار هذا الحديث على عاصم بن كليب، وهو قد انفرد به، وقال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به. وقال ابن عبد البر في التمهيد: أما حديث ابن مسعود فانفرد به عاصم بن كليب واضطرب فيه، وليس ممن يحتج بما انفرد به. ثالثها: وهو على تقدير كونه صحيحاً أو حسناً أنه قد نسي ابن مسعود رفع اليدين في غير التحريمة كما قد نسي أمورا كثيرة، وقد تقدم بيانها. قال الخطابي في معالم السنن: قد يجوز أن يذهب ذلك على ابن مسعود كما ذهب عليه الأخذ بالركبة في الركوع وكان يطبق على الأمر الأول، وخالفه الصحابة كلهم في ذلك – انتهى. وقد أوضح ذلك شيخنا الأجل المباركفوري في أبكار المنن (ص205) فارجع إليه. رابعها: أنه نفي الأحاديث الدالة على الرفع إثبات، والإثبات مقدم. قال الخطابي: الأحاديث الصحيحة التي جاءت في رفع اليدين عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه أولى من حديث ابن مسعود، والإثبات أولى من النفي. خامسها: أن أحاديث الرفع في المواضع الثلاثة متضمنة لزيادة غير منافية وهي مقبولة بالإجماع، لا سيما وقد نقلها جماعة من الصحابة، واتفق على إخراجها الجماعة. سادسها: أن أحاديث الرفع مقدمة على حديث ابن مسعود؛ لأنها قد رويت عن عدد كثير من الصحابة حتى قال السيوطي: إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفت فيما سلف. وقال العيني في شرح

ص: 82

البخاري: إن جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي، حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد، والآخر يرويه اثنان، فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به – انتهى. وقال الحازمي في كتاب الاعتبار: ومما يرجح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجانبين، وهي مؤثرة في باب الرواية؛ لأنها تقرب مما يوجب العلم، وهو التواتر- انتهى. سابعها: يحتمل أن الاقتصار على الرفع في الافتتاح كان في الابتداء ثم زيد الرفع في المواضع الثلاثة لكونه عبادة وفعلاً تعظيما، لكن خفي ذلك على ابن مسعود كما خفي عليه نسخ التطبيق والأمر بأخذ الركبة، والحاصل أنه يحتمل أن يكون ابن مسعود حكى الصلاة الأولى كما حكى التطبيق في الركوع وهو منسوخ. قال البيهقي في معرفة السنن: وقد يكون ذلك في ابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع ثم صار التطبيق منسوخاً، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه جميعاً، وخفيا جميعا على عبد الله بن مسعود-انتهى. ثامنها: أن هذا الحديث ليس بنص في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا مرة واحدة مع تكبيرة الافتتاح، نعم هو يدل بظاهره على ذلك، بخلاف الأحاديث المثبتة للرفع في المواضع الثلاثة، فإنها نص في الرفع في غير الافتتاح. قال الشيخ الإمام ابن تيمية في فتاواه (ج2: ص376) : وابن مسعود لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة، لكنهم رأوه يصلي ولا يرفع إلا أول مرة -انتهى. ومن المعلوم أن النص مقدم على الظاهر عند التعارض. تاسعها: أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: لم يرفع يديه إلا مرة واحدة، أي لم يبالغ في الرفع إلا أول مرة، وأما بعد ذلك فكان يرفع دون ذلك، فالمراد من نفي الرفع في غير الافتتاح نفي المبالغة في الرفع في غير الافتتاح لا نفي نفس الرفع، فقد روي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً. رواه أحمد والترمذي وغيرهما. وقد فسر ابن عبد البر المد المذكور بمد اليدين فوق الأذنين مع الرأس، ومعنى قوله:"ثم لا يعود" أي إلى المبالغة في الرفع. عاشرها: أن معنى قوله: "لم يرفع يديه إلا مرة واحدة" أي لم يكرر الرفع عند الإحرام، بل اقتصر عند التحريمة على الرفع مرة. قال الشيخ الأكبر المعروف بابن عربي: وغاية المفهوم من حديث ابن مسعود والبراء أنه كان عليه السلام يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة لا يزيد عليها، أي أنه رفع مرة واحدة، ولم يصنع ذلك مرتين، ذكره في الفتوحات. ومعنى قوله:"ثم لم يعد" أو"لا يعود" أي إلى الرفع عند ابتداء الركعة الثانية. قال صاحب الفتوحات: معنى: "لا يعود" عدم الرفع في ابتداء الركعة الثانية كما كان في الأول. الحادي عشر: أن الرفع سنة وقد يتركها مرة أو مراراً، ولكن الفعل الأغلب والأكثر هو السنة، وهو الرفع عند الركوع وعند الرفع منه. قال السندي في حاشية النسائي: يكفي في إضافة الصلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه صلى هذه الصلاة أحيانا. وإن كان المتبادر الاعتياد والدوام فيجب الحمل على كونها كانت أحياناً، توفيقاً بين الأدلة ودفعاً للتعارض. وعلى هذا فيجوز أنه صلى الله عليه وسلم ترك الرفع عند الركوع وعند الرفع منه إما لكون الترك سنة كالفعل، أو لبيان

ص: 83

رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي. وقال أبوداود: ليس هو بصحيح على هذا المعنى.

ــ

الجواز، فالسنة هي الرفع لا الترك -انتهى. قلت: هذا كله على تقدير التنزل وتسليم كون حديث ابن مسعود صحيحاً أو حسناً، وإلا فهو حديث ضعيف لا يقوم بمثله حجة كما عرفت، وكما ستعرف. (رواه الترمذي) وقال: حديث ابن مسعود حديث حسن. وقال ابن حزم في المحلى (ج4: ص88) : إن هذا الخبر صحيح. (وأبو داود والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن حزم (وقال أبوداود: ليس هو بصحيح على هذا المعنى) قال أبوداود في سنته بعد رواية هذا الحديث: هذا حديث مختصر من حديث طويل ليس هو بصحيح على هذا اللفظ –انتهى. يعني أن الراوي اختصر هذا الحديث من حديث طويل. (رواه أبوداود قبل ذلك ويأتي لفظه) فأداه بالمعنى وأخطأ في اختصاره. قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل (ص96) : سألت أبي عن حديث رواه الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد. قال أبي: هذا خطأ، يقال: وهم فيه الثوري. روى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة فرفع يديه، ثم ركع فطبق وجعلهما بين ركبتيه. ولم يقل أحد ما روى الثوري –انتهى. وقال البخاري في جزء رفع اليدين (ص9) بعد ذكر هذا الحديث: قال أحمد بن حنبل: عن يحيى بن آدم، قال نظرت في حديث عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب ليس فيه:"ثم لم يعد" فهذا أصح؛ لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل يحدث بشيء ثم يرجع إلى الكتاب، فيكون كما في الكتاب: حدثنا الحسن بن الربيع: ثنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود: ثنا علقمة أن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبر ورفع يديه، ثم ركع وطبق يديه فجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعداً، فقال: صدق أخي، ألا بل قد نفعل ذلك في أول الإسلام ثم أمرنا بهذا. قال البخاري: هذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود –انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص83) : وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم. وقال ابن المبارك: لم يثبت عندي. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ. وقال أحمد بن حنبل وشيخه يحيى بن آدم: هو ضعيف، نقله البخاري عنهما وتابعهما على ذلك. وقال أبوداود: ليس هو بصحيح. وقال الدارقطني: لم يثبت. وقال ابن حبان في الصلاة: هذا أحسن خبر روي لأهل الكوفة في نفي رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، وهو في الحقيقة أضعف شيء يعول عليه؛ لأن له عللا تبطله –انتهى. وقال البزار: لا يثبت ولا يحتج بمثله. وقال ابن عبد البر: هو من آثار معلولة ضعيفة عند أهل العلم، وهؤلاء الأئمة كلهم إنما طعنوا في طريق عاصم بن كليب، كما قاله الحافظ. وقال النووي في الخلاصة: اتفقوا على تضعيف هذا الحديث. وقال البيهقي في سننه (ج2: ص79) : لم يثبت عندي حديث ابن مسعود- انتهى. فثبت بهذا كله أن حديث ابن مسعود ليس بصحيح ولا بحسن، بل هو ضعيف لا يقوم بمثله حجة، وأين يقع تحسين الترمذي مع ما فيه من التساهل وتصحيح ابن حزم من طعن أولئك الأئمة

ص: 84

816-

(21) وعن أبي حميد الساعدي قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة،

ــ

الحفاظ النقاد القائمين بمعرفة فن المعلول؟ ولو تم ما قالا لا يخرج الحديث عن الاختلاف فيه جرحاً وتعديلاً، وقد اجتمع أهل الحديث والأصول على أن الجرح مقدم على التعديل. قال الشيخ محمد معين السندي في دراساته (ص176) : والترمذي وإن حسنه حكى قبل ذلك عن ابن المبارك عدم ثبوت هذا الحديث من غير قيد بطريق معين، وظاهره الإطلاق. قال: فلم يتأت أن يحكم على هذا الحديث بأزيد من أنه اختلف في كونه حسناً أوضعيفاً. وهذا يوجب انحطاطه مما سلم من هذا الاختلاف واتفقت الأمة على حسنه فضلاً عما حكم بصحته عموماً، فكيف عما اتفق عليه الشيخان خصوصاً، فما ظنك بما رواه الخمسون من الصحابة، وحكم عليه بالتواتر، ووردت في معناه أربعمائة حديث بين أثر ومرفوع؟ فقول ابن الهمام وجوابه- أي جواب حديث الرفعات المعارضة بما في أبي داود والترمذي- مما يقضي منه العجب، مع أن الصحيح من السنن لا يعارض المتفق عليه، والإمام ابن الهمام إذا تأيد مذهبه بحديث الصحيحين لا يبالي في كتابه هذا- أي فتح القدير- إلى تمسك الخصم بحديث غيرهما هذا إذا لم يكن حديث الغير معلولاً، وأما إذا اتسم بعلة من حكم إمام حافظ فليت شعري ما معنى معارضة بحديث الصحيحين بمجرد وصف إخراجها له من غير زيادة أخرى توجد في حديث الرفعات فكيف به معها-انتهى. وأما ما روي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود. أخرجه أبوداود والدارقطني وغيرهما، ففيه أنه من رواية يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، كبر فتغير، فصار يتلقن. واتفق الحفاظ على أن قوله:"ثم لا يعود" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد، قال الحميدي: إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد. وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن حنبل: لا يصح. وكذا ضعفه البخاري وأحمد بن حنبل وأبوداود ويحيى والدارمي والحميدي وغير واحد. وقال السندي في حاشية النسائي: التحقيق عدم ثبوت الحديث من رواية البراء. وارجع لتفصيل الكلام فيه إلى جزء رفع اليدين للبخاري (ص9)، والسنن الكبرى للبيهقي (ج2: ص76-79) ، ونصب الراية للزيلعي (ج1: ص404، 403) ، والتلخيص (ص82) هذا، ولبعض شيوخنا تأليف مفرد مستقل في مسألة رفع اليدين سماه "التحقيق الراسخ في أن أحاديث الرفع ليس لها ناسخ".

816-

قوله: (استقبل القبلة) فيه مشروعية استقبال في الصلاة. واتفقوا على وجوبه إلا في حالة العجز

ــ

1-

كتاب كبير باللغة الأردوية كمل في 200 صفحة، مرتب على مبادي ومقاصد وخاتمة. المبادي في تعريفات بعض مصطلحات أهل الحديث مما يحتاج إليه في تحقيق هذه المسألة، وفي ذكر مراتب كتب الحديث نقلاً عن حجة الله، وفي البحث عن شروط الشيخين. والمقاصد في ذكر اختلاف الروايات في مواضع الرفع، وذكر تعامل الصحابة والتابعين وغيرهم، وبسط الأحاديث المثبتة للرفع، والجواب عما يعترضها الحنفية، وذكر دلائلهم مع الرد عليها دليلاً دليلاً. والخاتمة في إبطال أصول اخترعها الحنفية لرد الأحاديث الصحيحة وتزييفها، وتنقييد ما يذكرونه من بعض المناظرات في هذه المسألة عقلاً ونقلاً.

ص: 85

ورفع يديه، وقال: الله أكبر)) رواه ابن ماجه.

817-

(22) وعن أبي هريرة، قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وفي مؤخر الصفوف رجل، فأساء الصلاة، فلما سلم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان! ألا تتقى الله؟ ألا ترى كيف تصلي؟ إنكم ترون

ــ

والخوف، قال القاري: وفيه إشارة إلى اعتبار الجهة حيث لم يقل "استقبل الكعبة". (ورفع يديه) أي حذو منكبيه (وقال) لا دلالة فيه على تقديم الرفع على التكبير، ولا على تأخيره. وروى الترمذي وابن ماجه هذا الحديث مطولاً في باب "رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع" بلفظ "ثم قال" وهو يدل على تقديم الرفع. وقد تقدم الكلام فيه (الله أكبر) فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول "الله أكبر" وهو حجة الجمهور على تعين لفظ "الله أكبر" دون غيره من ألفاظ التكبير والتعظيم. قال السندي: الحديث ظاهر في أنه ما كان ينوي باللسان، ولذلك عند كثير من العلماء النية باللسان بدعة، لكن غالبهم على أنها مستحبة ليتوافق اللسان والقلب-انتهى. قلت: استحب مشائخ الحنفية النطق بالنية والتلفظ بها للاستعانة على استحضار النية لمن احتاج إليه. وقالت الشافعية باستحباب التلفظ بها مطلقاً. واتفق الفريقان على أن الجهر بالنية غير مشروع سواء يكون إماماً أو مأموما أو منفردا. وقالت المالكية بكراهة التلفظ بالنية. والحنابلة نصوا على أنه بدعة. وهذا هو الحق والصواب عندنا. فلا شك في كونه بدعة؛ إذ لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح، ولا ضعيف، ولا مسند، ولا مرسل أنه كان يتلفظ بالنية كأن يقول: أصلي لله صلاة كذا مستقبل القبلة. وغير ذلك مما يتلفظ به الحنفية والشافعية عند افتتاح الصلاة. ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة فكبر فلو نطق بشيء آخر لنقلوه، وورد في حديث المسيء في صلاته أنه قال له:"إذا قمت إلى الصلاة فكبر" فدل على عدم وجود التلفظ، وقد أطنب الإمام الحافظ ابن القيم في زاد المعاد في رد الاستحباب، وأكثر من الاستدلال على ذلك، فعليك أن تراجعه. (رواه ابن ماجه) وإسناده صحيح. وقال الحافظ في الفتح (ج3: ص402) بعد ذكره بلفظ: "إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه، ثم قال: الله أكبر". أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة، وابن حبان-انتهى. قلت: وأخرجه الترمذي أيضاً باللفظ الذي ذكره الحافظ كما يظهر من تصريح الزيلعي في نصف الراية (ج1: ص311) .

817-

قوله: (فأساء الصلاة) قال ابن حجر: أي أتى فيها بما يبطلها، كما يدل عليه قوله:"ألا تتقى الله"، والفاء هنا الظاهرة أنها زائدة لتزين اللفظ-انتهى. قال القاري: والأظهر أنه للتعقيب، والتقدير: وفي مؤخر الصفوف رجل صلى معنا فأساء الصلاة. (ألا تتقى الله) أي مخالفته أو معاقبته. (ألا ترى) أي تنظر وتتأمل (إنكم ترون) بضم التاء أي

ص: 86