الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه النسائي والدارمي.
{الفصل الثالث}
909-
(16) عن عبد الرحمن بن شبل، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش لسبع،
وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير)) . رواه أبوداود والنسائي والدارمي.
ــ
فكان صلى الله عليه وسلم يقول في بعض الأحيان ما رواه ابن عباس، وفي بعض الأحيان ما رواه حذيفة. (رواه النسائي) في حديث أطول منه، وأخرجه أيضاً ابن ماجه، ولفظه: كان يقول بين السجدتين: "رب اغفرلي". وهو حديث صحيح، وأصله في مسلم.
909-
قوله: (عن عبد الرحمن بن شبل) بكسر الشين المعجمة، وسكون الموحدة، ابن عمرو بن زيد الأنصاري الأوسي، أحد النقباء، المدني، وأحد علماء الصحابة، نزل حمص، له أربعة عشر حديثاً. مات في إمارة معاوية بن أبي سفيان. (عن نقرة الغراب) بفتح النون، أي عن ترك الطمأنينة، وتخفيف السجود بحيث لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد الأكل منه. قال الخطابي في المعالم: هي أن لا يتمكن الرجل من السجود فيضع جبهته على الأرض حتى يطمئن ساجداً، فإنما هو أن يمس بجبهته أو بأنفه الأرض كنقرة الطائر ثم يرفعه. (وافتراش السبع) بفتح السين المهملة، وضم الباء الموحدة، والافتراش افتعال من الفرش، أي نهى أن يبسط ذراعيه في السجود، ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط السبع والكلب والذئب ذراعيه. (وأن يوطن) بتشديد الطاء، ويجوز التخفيف، يقال أوطن الأرض ووطنها، واستوطنها، إذا اتخذها وطناً. (الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) أي أن يتخذ لنفسه من المسجد مكاناً معيناً لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يبرك من عطنه إلا في مبرك قديم. وفي النهاية للجزري: قيل معناه: أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد مخصوصاً به، لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً، لا يبرك إلا فيه. وقيل معناه: أن يبرك على ركبتيه قيل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير- انتهى. قلت: وهذا أي المعنى الثاني لا يوافق لفظ الحديث فلا يصح أن يكون مراداً. قال ابن حجر: وحكمة النهي أن ذلك يؤدي إلى الشهرة، والرياء، والسمعة، والتقيد بالعادات، والحظوظ، والشهوات، وكل هذه آفات أي آفات فتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو المنذري. (والنسائي والدارمي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. والنهي عن نقرة كنقرة الديك، أخرجه أيضاً أحمد بإسناد حسن، وأبويعلي، والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
910-
(17) وعن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا علي! إني أحب لك ما أحب
لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقع بين السجدتين)) .
ــ
910-
قوله: (يا علي! إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي) المقصود إظهار المحبة لوقوع النصيحة، وإلا فهو مع كل مؤمن كذلك. (لا تقع) بضم التاء من الإقعاء. (بين السجدتين) زاد ابن ماجه في رواية له: إقعاء الكلب. وفي حديث أنس عند ابن ماجه مرفوعاً: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى الكلب- الحديث. وفي حديث أبي هريرة عند أحمد: قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، وقد فسر هذا الإقعاء المنهى عنه بنصب الساقين: ووضع الأليتين واليدين على الأرض. وروى مسلم وغيره عن ابن عباس، قال: الإقعاء بين السجدتين هي سنة نبيكم. وعن طاووس، قال: رأيت العبادلة يقعون. قال الحافظ: وأسانيدها صحيحة. وفسر هذا الإقعاء بأن ينصب القدمين، ويجلس عليهما فلا منافاة. قال البيهقي: الإقعاء ضربان: أحدهما أن يضع أليتيه على عقبيه، ويكون ركبتاه في الأرض، وهذا هو الذي رواه ابن عباس، وفعلته العبادلة ونص الشافعي في "البويطي" على استحبابه بين السجدتين، لكن الصحيح أن الافتراش أفضل منه، لكثرة الرواة له، ولأن أعون للمصلي، وأحسن في هيئة الصلاة. والثاني أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، وهذا هو الذي وردت الأحاديث بكراهته. وتبع البيهقي على هذا الجمع ابن الصلاح والنووي، وأنكر على من ادعى فيهما النسخ، وقالا: كيف ثبت النسخ مع عدم تعذر الجمع، وعدم العلم بالتاريخ؟ كذا في التلخيص (ص99) . قال الشوكاني: وهذا الجمع لا بد منه، وأحاديث النهي والمعارض لها يرشد لما فيها من التصريح بإقعاء الكلب، ولما في أحاديث العبادلة من التصريح بالإقعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع، وقد روي عن ابن عباس أيضاً أنه قال: من السنة أن تمس عقبيك أليتيك، وهو مفسر للمراد، فالقول بالنسخ غفلة عن ذلك، وعما صرح به الحفاظ من جهل تاريخ هذه الأحاديث، وعن المنع من المصير إلى النسخ مع إمكان الجمع، وقد روي عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم فعله كما قال النووي. ونص الشافعي في "البويطي" و"الإملاء" على استحبابه- انتهى كلام الشوكاني. قلت: الذي قاله البيهقي، وابن الصلاح، والنووي، ثم الشوكاني، هو الحق والصواب، ويؤيده كتب اللغة. قال ابن دريد في الجمهرة (ج3: ص263) : الإقعاء مصدر "أقعى إقعاء" وهو أن يقعد على عقبيه، وينصب صدور قدميه، ونهى عن الإقعاء في الصلاة وهو أن يقعد على صدور قدميه، ويلقى يديه على الأرض. وفي لسان العرب: أقعى الكلب إذا جلس على إسته مفترشاً رجليه، وناصباً يديه، وقد جاء في الحديث النهي عن الإقعاء في الصلاة، وفي رواية: نهى أن يقعى الرجل في الصلاة، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. وهذا تفسير الفقهاء. قال الأزهري كما روي عن العبادلة.
رواه الترمذي.
911-
(18) وعن طلق بن علي الحنفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين خشوعها وسجودها)) . رواه أحمد.
ــ
وأما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب، وهذا هو صحيح، وهو أشبه بكلام العرب، وليس الإقعاء في السباع إلا كما قلناه- انتهى. والزمخشري حين فسر الحديث في النهي في كتابي "الفائق" و"الأساس" إنما فسر الإقعاء بما فسره به أهل اللغة فقط، واختار الجمع المذكور بعض الأئمة الحنفية أيضاً كابن الهمام وغيره. وأما عامة الحنفية فكرهوا الإقعاء مطلقاً، لكن قالوا: كراهة إقعاء الكلب تحريمية، وكراهة الثاني تنزيهه، وحملوا حديث ابن عباس على العذر، أو بيان الجواز. وفيه: أنه لو كان الإقعاء بالمعنى الثاني مكروهاً لم يقل ابن عباس: هي سنة نبيكم، ولم يفعله العبادلة وغيرهم من الصحابة. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه من طريق الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف جداً، رماه الشعبي، وأبوإسحاق، وغيرهما بالكذب، ووثقه ابن معين ولم يتابعه أحد على ذلك بل الجمهور اتفقوا على تضعيفه، وكان عالماً بالفقه، والحساب، والفرائض. وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه، وقد ذكرنا لفظه، وفيه العلاء أبومحمد، قال فيه البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال ابن المديني: كان يضع الحديث. وعن سمرة، وأبي هريرة عند أحمد، وعن جابر بن سمرة، وأنس عند البيهقي. قال النووي: أسانيدها كلها ضعيفة.
911-
قوله: (الحنفي) بفتح النون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة. (لا يقيم فيها صلبه) أي في القومة، بيانها. (بين خشوعها) أي ركوعها. (وسجودها) وإنما سمى الركوع خشوعاً، وهو هيئة الخاشع، تنبيهاً على أن القصد الأولى من تلك الهيئة الخشوع والانقياد، قاله الطيبي. قلت: وذكر الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد نقلاً عن أحمد، والطبراني بلفظ: لا ينظر الله عزوجل إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه فيما بين ركوعها وسجودها. والحديث يدل على وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وهو الحق. (رواه أحمد) وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير. قال الهيثمي والمنذري: رجاله ثقات، وفي الباب عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده. أخرجه أحمد بإسناد جيد، قاله المنذري. وقال الهيثمي: رواه أحمد من رواية عبد الله بن زيد الحنفي، عن أبي هريرة، ولم أجد من ترجمه- انتهى. قال الحافظ في تعجيل المنفعة: وهم الهيثمي في تسمية عبد الله بن زيد، وإنه عبد الله بن بدر، وهو معروف موثق، ولكنه قال: إن عبد الله بن بدر لا يروي عن أبي هريرة إلا بواسطة.
912-
(19) وعن نافع، أن ابن عمر كان يقول: ((من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذي وضع عليه جبهته، ثم إذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان
ــ
912-
قوله: (من وضع جبهته) أي في السجود. (فليضع كفيه) أيضاً. (على الذي وضع) بصيغة الماضي، وفي الموطأ "يضع" بلفظ المضارع. (عليه جبهته) أي على المكان الذي وضع جبهته عليه. قيل: يعني بقربه. (ثم إذا رفع) أي جبهته. (فليرفعهما) أي الكفين أيضاً. (فإن اليدين) أي الكفين. (تسجدان) تعليل لوضع الكفين على الأرض كما وضع الجبهة عليها. وقيل: تعليل لوضع الكفين والرفع كليهما، وإشارة إلى أن سجدة الوجه كما أنه لا بد لها من رفع الرأس كذلك سجدة الكفين لا بد لهما من رفعهما. واختلف فيمن لم يرفع يديه عن الأرض بين السجدتين، ففي قول للمالكية: يبطل صلاته، قال الزرقاني: لأن رفعهما فرض، إذ لا يعتدل من لم يرفعهما. وقال في شرح الكبير: والمعتمد صحة صلاة من لم يرفع يديه عن الأرض حال الجلوس بين السجدتين حيث اعتدل- انتهى. وفي قول ابن عمر هذا إشارة إلى حديث العباس: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه. أخرجه الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه، وغيرهم. وإلى حديث ابن عباس: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم. وفيه أيضاً إشارة إلى أنه يستحب أن يستقبل بأصابعه القبلة. واعلم أنه اختلف في تعيين المقصود من قول ابن عمر هذا، فقيل: أراد بيان وجوب وضع اليدين على الأرض للسجود، وقد تقدم أن القول الراجح هو وجوب وضع الأعضاء السبعة جميعاً، وفيها اليدان فيجب وضعهما. وقيل: أراد بيان موضع اليدين في السجود، وأنهما تكونان قريباً من الوجه، وإلى هذا المعنى أشار محمد في موطئه حيث قال بعد ذكر هذا الأثر: وبهذا نأخذ، ينبغي للرجل إذا وضع جبهته ساجداً أن يضع كفيه بحذاء منكبيه- انتهى. والمسألة مختلفة فيها، فكل من ذهب إلى أن الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين، جعل وضع اليدين في السجود حيال المنكبين، ويؤيده ما روى البخاري وغيره عن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع اليدين حذو المنكبين. ومن ذهب في الرفع في الافتتاح إلى حيال الأذنين جعل وضعهما في السجود حيال الأذنين، وهكذا روي في مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله. قال ابن الهمام: لو قال قائل: إن السنة أن يفعل أيهما تيسر جمعاً للمرويات، بناء على أنه عليه السلام كان يفعل هذا أحياناً، وهذا أحياناً، إلا أن بين الكفين أفضل؛ لأن فيه تلخيص المفاجأة المسنونة ما ليس في الآخر، كان حسنا. وقيل: أراد بيان كشف اليدين وإبرازهما في السجود، وإليه مال الزرقاني كما يظهر من شرحه، ويؤيد هذا القول ما رواه مالك قبل هذا عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه. قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد، وأنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء، ويؤيده أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هند، قال: قال ابن عمر: إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض، وهذه