الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيّكم المتكلم بالكلمات؟ فأرم القوم. فقال: أيكم المتكلم بالكلمات؟. فأرم القوم. فقال: أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً. فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها. فقال: لقد رأيت اثنى عشر ملك يبتدرونها، أيهم يرفعها)) رواه مسلم.
{الفصل الثاني}
821-
(4) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك،
ــ
ابن الملك: أى حمداً جعلت البركة فيه، يعني حمداً كثيراً غاية الكثرة (أيكم المتكلم بالكلمات) أي المذكورات المسموعة آنفاً. (فأرم القوم) بفتح الراء المهملة وتشديد الميم، أي سكتوا. ويحتمل إعجام الزاي وتخفيف الميم من الأزم وهو الامساك، أي أمسكوا عن الكلام، والأول أشهر رواية، أي سكت القائل خوفاً من الناس، قاله السندي (فقال: أيكم المتكلم بالكلمات؟ فأرم القوم) كذا وقع مكررا في بعض نسخ المشكاة، ووقع في بعضها مرة واحدة موافقاً لما في صحيح مسلم (فإنه لم يقل بأساً) قال الطيبي: يجوز أن يكون مفعولاً به، أي لم يتفوّه بما يؤخذ عليه، وأن يكون مفعولاً مطلقاً، أي ما قال قولاً يشدد عليه. (فقال رجل) الظاهر "فقال الرجل" كما في رواية أبي داود. (يبتدرونها) أي كل منهم يريد أن يسبق على غيره في رفعها إلى محل العرض أو القبول. وقال ابن الملك: يعني يسبق بعضهم بعضاً في كتب هذه الكلمات ورفعها إلى حضرة الله لعظمها وعظم قدرها. وتخصيص المقدار يؤمن به ويفوض إلى علمه تعالى. (أيهم يرفعها) هذه الجملة حال، أي قاصدين ظهور أيهم يرفعها. قال القاري: مبتدأ وخبر، والجملة في موضع نصب أي يبتدرونها ويستعجلون أيهم يرفعها. قال أبوالبقاء: في قوله تعالى: {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [3: 44]"أيهم" مبتدأ وخبر في موضع نصب أي يقترعون أيهم، فالعامل فيه ما دل عليه "يلقون" كذا ذكره الطيبي. وقيل: المراد أيهم يرفعها أول. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي ولم يخرج البخاري في هذا عن أنس شيئاً، إنما أخرج عن رفاعة في فضل هذه الكلمات وسيأتي في باب الركوع، وقال أبوداود بعد رواية هذا الحديث: زاد حميد فيه أي عن أنس: "وإذا جاء أحكم فليمش نحو ما كان يمشى، فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه".
821-
قوله: (إذا افتتح الصلاة) أي بالتكبير. (سبحانك اللهم) قال ابن الملك: "سبحان" اسم أقيم مقام المصدر وهو التسبيح، منصوب بفعل مضمر تقديره:"أسبحك تسبيحاً" أي أنزهك تنزيهاً من كل السوء والنقائص، يعني اعتقدت براءتك من السوء ونزاهتك عما لا ينبغي لجلال ذاتك وكمال صفاتك. (وبحمدك) قيل: الواو للحال والباء إلصاقية والتقدير
وتبارك إسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك))
ــ
أسبحك تسبيحاً وأنا متلبس بحمدك. وقيل: الواو زائدة، والجار والمجرور حال، أي أسبحك تسبيحاً حال كوني متلبساً ومقترناً بحمدك، فالباء للملابسة والواو زائدة، وعلى التقديرين هو حال من فاعل:"أسبح" المفهوم من: "سبحانك اللهم"، وقيل: الواو بمعنى مع، أي أسبحك مع التلبس بحمدك. وقيل: الواو عاطفة عطف جملة فعلية على مثلها والباء سببية، أي أنزهك تنزيهاً واعتقدت نزاهتك بسبب الثناء الجميل عليك. ويصح أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي أسبحك تسبيحاً مقروناً بشرك إذ كل حمد من المكلف يستجلب نعمة متجددة ويستصحب توفيقاً إلهياً. قال الخطابي في معالم السنن. (ج1: ص197) أخبرني ابن الخلاد قال: سألت الزجاج عن الواو في: "وبحمدك" فقال: معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك. قال الطيبي: قول الزجاج يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون الواو للحال، وثانيهما أن يكون عطف جملة فعلية على مثلها، إذ التقدير: أنزهك تنزيهاً وأسبحك تسبيحاً مقيداً بشكرك، وعلى التقديرين:"اللهم" معترضة، والجار والمجرور أعني:"بحمدك" إما متصل بفعل مقدر والباء سببية، أو حال من فاعل؛ والباء إلصاقية، أو صفة لمصدر محذوف كقوله:{ونحن نسبح بحمدك} [2: 30] أي نسبح بالثناء عليك، أو نسبح متلبسين بشكرك، أو نسبح تسبيحاً مقيداً بشكرك. (وتبارك اسمك) أي كثرت بركة اسمك إذ وجد كل خير من ذكر اسمك. وقيل: تعاظم ذاتك، أو هو على حقيقته لأن التعاظم إذا ثبت لأسمائه تعالى فأولى لذاته، ونظيره. {سبح اسم ربك الأعلى} . (وتعالى جدك) الجد العظمة و"تعالى" تفاعل من العلو أي على جلالك وعظمتك على عظمة غيرك غاية العلو. وقيل: تعالى غنائك أن ينقصه إنفاق أو يحتاج إلى معين ونصير. والحديث يدل على مشروعية الاستفتاح بهذه الكلمات، وقد اختلف العلماء فيما يستفتح به الصلاة من الذكر بعد التكبير، فذهب الشافعي إلى ما رواه علي وهو حديث:"وجهت وجهي" إلى آخره. وذهب أحمد وأبوحنيفة إلى حديث عائشة، وكان مالك لا يقول شيئاً من ذلك، إنما يكبر ويقرأ:"الحمد لله رب العالمين" وأحاديث الباب ترد عليه فيما ذهب إليه من عدم استحباب الافتتاح بشئ. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنواع من الذكر في استفتاح الصلاة، ذكر المصنف خمسة منها، وترك بعضاً آخر وهو من الاختلاف المباح فبأيها استفتح الصلاة كان جائزاً، لكن الأولى بالاختيار عندنا حديث أبي هريرة الذي جاء فيه دعاء الافتتاح بلفظ:"اللهم باعد بيني" الخ.؛ لأنه أصح ما ورد في ذلك. قال ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكر هذا الحديث: وهو أصح من الكل؛ لأنه متفق عليه- انتهى. ثم بعد ذلك أولى بالاختيار حديث علي؛ لأنه رواه مسلم، ثم بعد ذلك ما روي عن أبي سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك. ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزة، ونفخه، ونفثه. أخرجه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي. وهو حديث صحيح أو حسن، وسيأتي في باب ما يقول إذا قام من الليل. تنبيه قال المجد بن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث عائشة، والإشارة إلى حديث أبي سعيد
رواه الترمذي وأبوداود.
822-
(5) ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد. وقال الترمذي. (هذا حديث لا نعرفه إلا من حارثة،
ــ
هذا: وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي بكر الصديق أنه كان يستفتح بذلك، وكذلك رواه الدارقطني عن عثمان بن عفان، وابن منذر عن عبد الله بن مسعود، وقال الأسود: كان عمر إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، يسمعنا ذلك ويعلمنا. رواه الدارقطني. ثم قال ابن تيمية: واختيار هؤلاء وجهر عمر به أحياناً بمحضر من الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاءه يدل على أنه الأفضل وأنه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه غالباً، وإن استفتح بما رواه علي أو أبوهريرة فحسن لصحة الرواية- انتهى. قال الشوكاني بعد ذكر كلام ابن تيمية هذا: ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار، وأصح ما ورد في الاستفتاح حديث أبي هريرة ثم حديث علي. (إلى أن قال) : وقال ابن خزيمة: لا نعلم في الافتتاح: "بسبحانك اللهم" خبراً ثابتاً، وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد، ثم قال: لا نعلم أحداً ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه- انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارقطني والحاكم.
822-
قوله: (ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد) أي مختصراً مثل حديث عائشة، وأخرجه النسائي أيضاً مختصراً، وأخرجه أحمد والترمذي وأبوداود مطولاً كما ذكرنا لفظه. (وقال الترمذي: هذا) أي حديث عائشة (حديث لا نعرفه إلا من حارثة) أي ابن أبي الرجال. وقوله: "إلا من حارثة" كذا وقع في جميع نسخ المشكاة، والذي في جامع الترمذي:(إلا من حديث حارثة) والظاهر أنه سقط لفظ: "حديث" من نسخ المشكاة. حديث عائشة هذا قد روى من غير طريق حارثة وإن لم يعرفه الترمذي. قال أبوداود في سننه: حدثنا حسين بن عيسى: حدثنا طلق بن غنام: حدثنا عبد السلام ابن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. قال أبوداود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب لم يروه عنه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكر فيه شيئاً من هذا يعني دعاء الاستفتاح. وأجيب عنه بأن طلق بن غنام ثقة صدوق أخرج عنه البخاري في الصحيح، وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان، وقد زاد في قصة الصلاة ما رواه أبوداود، والزيادة من الثقة المقبولة، وقد روى هذه الزيادة أيضاً حارثة بن أبي الرجال عن جدته عمرة، عن عائشة، ثم قد تأيدت روايتهما أعني حارثة وطلقاً بحديث أبي سعيد، وقد صح الحاكم حديث عائشة من طريق ابن غنام وأورد له شاهدا ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في
وقد تكلم فيه من قبل حفظه.
823-
(6) وعن جبير بن مطعم ((أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً،
ــ
التلخيص. (ص86) : رجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع – انتهى. لأن أبا الجوزاء لم يسمع من عائشة، قاله ابن عبد البر، وقال البخاري: في إسناد أبي الجوزاء نظر، يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة، لأنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة. قلت: قال الحافظ في تهذيب التهذيب. (ج1: ص384) : قال جعفر الفريابي في كتاب الصلاة: حدثنا مزاحم بن سعيد: ثنا ابن المبارك: ثنا إبراهيم بن طهمان: ثنا بديل العقبلي، عن أبي الجوزاء، قال: أرسلت رسولاً إلى عائشة يسألها. فذكر الحديث، فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء- انتهى. وظهر من هذا كله أن حديث عائشة من طريق طلق بن غنام أعلوه بثلاثة وجوه: أولها أنه ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب. ثانيها أن جماعة رووا قصة الصلاة عن بديل بن ميسرة ولم يذكروا ذلك فيه. ثالثها أن فيه انقطاعاً، وهذه العلل الثلاث كلها مدفوعة كما بينا. فالظاهر أن حديث عائشة من طريق طلق بن غنام ليس بضعيف. (وقد تكلم فيه من قبل حفظه) قال الحافظ في تهذيب التهذيب. (ج2: ص166) : وقال ابن حبان: كان ممن كثر وهمه وفحش خطأه، تركه أحمد ويحيى. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبوحاتم والبخاري: منكر الحديث. وقال أبوزرعة: واهي الحديث ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر. وقال ابن خزيمة: حارثة ليس يحتج أهل الحديث بحديثه. وقال ابن عدي: بلغني أن أحمد نظر في جامع إسحاق فإذا أول حديث فيه حديث حارثة في استفتاح الصلاة فقال: منكر جداً- انتهى.
823-
قوله: (وعن جبير) بمضمومة فمفتوحة وسكون ياء. (بن مطعم) بضم الميم، ابن عدي بن نوفل بن عبدمناف القرشي النوفلي المدني أبومحمد، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك عام خيبر، وقيل: يوم الفتح. ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل، كان حليماً، وقوراً، عارفاً بالنسب. وكان أخذ النسب عن أبي بكر. وسلحه عمر سيف النعمان بن المنذر. له ستون حديثاً، اتفقا على ستة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بآخر. توفي بالمدينة سنة. (58) أو. (59) . (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة) قال عمرو بن مرة الراوي للحديث: لا أدري أي صلاة هي؟ ولفظ ابن حبان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة. (قال) أي عقب تكبيرة الإحرام، قاله ابن حجر. والظاهر أنه هو عين التحريمة مع الزيادة، والله أعلم. (الله أكبر) بالسكون ويضم. (كبيراً) أي كبرت كبيراً، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة، أو صفة لمصدر محذوف بتقدير:"تكبيراً كبيراً" وأفعل لمجرد المبالغة، أو معناه: أعظم من أن يعرف عظمته. قال ابن الهمام: إن أفعل وفعيلاً في صفاته تعالى سواء؛ لأنه لا يراد: "بأكبر"
والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثلاثاً، أعوذ بالله من الشيطان، من نفخه ونفثه وهمزه)) . رواه أبوداود، وابن ماجه، إلا أنه لم يذكر: والحمد لله كثيراً. وذكر في آخره: من الشيطان الرجيم. وقال عمر:
ــ
إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة؛ لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء. (كثيراً) صفة لمحذوف مقدر، أي حمدا كثيراً. (بكرة وأصيلاً) أي في أول النهار وآخره، منصوبان على الظرفية، والعامل:"سبحان" وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما، كذا ذكره الأبهري وصاحب المفاتيح. ويمكن أن يكون وجه التخصيص تنزيه الله تعالى عن التغير في أوقات تغير الكون. وقال الطيبي: الأظهر أن يراد بها الدوام كما في قوله تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} [19: 62] . (ثلاثاً) كالذي قبله. (من نفخه) بدل اشتمال أي من تكبره يعني مما يأمر الناس به من التكبر. (ونفثه) أي مما يأمر الناس به من إنشاء الشعر المذموم مما فيه هجو مسلم أو كفر أو فسق. والنفث في اللغة قذف الريق، وهو أقل من التفل. والنفخ في اللغة إخراج الريح من الفم ونفخها في الشيء. (وهمزه) أي من جعله أحداً مجنوناً بنخسه وغمزه. كل من الثلاثة بفتح فسكون. قال التوربشتي: النفخ كناية عما يسوله الشيطان للإنسان من الاستكبار والخيلاء، فيتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه، ولهذا قال- عليه السلام للذي رآه قد استطار غضبا: نفخ فيه الشيطان. قال: ولعل المراد من النفث السحر، فإنه أشبه لما شهد له التنزيل قال تعالى:{ومن شر النفاثات في العقد} [113: 4] وأما الهمز، فالأشبه أن يراد به ما يوسوس به، قال تعالى:{وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} [23: 97] وهمزاته: خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان. وقيل في معنى الآية: إن الشياطين يحثون أولياءهم على المعاصي ويغرونهم عليها، كما يهمز الركضة الدواب بالمهماز حثاً على المشي- انتهى مختصراً. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والحاكم، وابن حزم في المحلى. والحديث سكت عنه أبوداود، والمنذري. (وابن ماجه إلا أنه) أي ابن ماجه. (لم يذكر والحمد لله كثيراً) ولا يضر؛ لأنه زيادة ثقة لا تعارض المزيد عليه فتقبل، قاله القاري، لكن في النسخ الموجودة في سنن ابن ماجه الحاضرة عندنا هذه الزيادة موجودة. (وذكر في آخره من الشيطان الرجيم) أي المرجوم. وهي زيادة يعمل بها كذلك بأن يجمع بين الروايات بلحوق الزيادات، أو باعتبار التارات. قال الحافظ في التلخيص. (ص86) بعد ذكر الحديث بلفظ ابن حبان مع هذه الزيادة: ولفظ الحاكم نحوه، وحكى ابن خزيمة الاختلاف فيه، وقد أوضحت طرقه في المدرج- انتهى. (وقال عمر) صوابه:"عمرو" بالواو كما صرح به صريحاً في رواية ابن ماجه، وهو عمرو بن مرة أحد رواة إسناد هذا الحديث. وروى ابن ماجه أيضاً نحو حديث أبي سعيد مختصراً من حديث ابن مسعود، وفي آخر هذا التفسير أيضاً مصدراً بلفظ:"قال" ولم يبين القائل، والظاهر أنه أحد رواة الإسناد.
نفخه الكبر، ونفثه الشعر، وهمزه المؤتة.
824-
(7) وعن سمرة بن جندب: ((أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر،
ــ
وعمرو بن مرة هو عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي- بفتح الجيم والميم- المرادي، أبوعبد الله الكوفي الأعمى، ثقة عابد، كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء، من رواة الكتب الستة. مات سنة (110) وقيل قبلها. (نفخه) بالرفع على الإعراب، وبالجر على الحكاية. (الكبر) بكسر فسكون، أي التكبر، وهو أن يصير الإنسان معظماً كبيراً عند نفسه، ولا حقيقة له إلا مثل الشيطان نفخ فيه فانتفخ فرأى انتفاخه مما يستحق به التعظيم مع أنه على العكس. قال الزمخشري في الفائق: إنما سمي الكبر نفخاً لما يوسوس إليه الشيطان في نفسه فيعظمها ويحقر الناس في عينه. (ونفثه الشعر) فإنه ينفثه من فيه كالرقية. والمراد الشعر المذموم وإلا فقد جاء: "إن من الشعر لحكمة". وقيل: إنما كان الشعر من نفثة الشيطان؛ لأنه يدعو الشعراء المداحين الهجائين المعظمين المحقرين إلى ذلك. (وهمزه المؤتة) بضم الميم وهمزة ساكنة، وقيل: بلا همز، بعدها مثناة فوقية، نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد عليه كمال عقله. وقال أبوعبيدة: المؤتة الجنون، سماه همزاً؛ لأنه جعله من النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته. قال ابن سيد الناس: وتفسير الثلاثة بذلك من باب المجاز- انتهى. والحديث يدل على مشروعية الافتتاح بما ذكر فيه. وفيه أيضاً مشروعية التعوذ من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه، وقد ورد في التعوذ أحاديث أخرى: منها حديث أبي سعيد، وقد ذكرنا لفظه، ومنها حديث أبي أمامة أخرجه أحمد بنحو حديث أبي سعيد. ومنها حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والبيهقي. ومنها حديث أنس أخرجه الدارقطني. ومنها ما روي عن عمر موقوفاً عند الدارقطني أيضاً، هذا مع ما يؤيد ثبوت هذه السنة من عموم قوله تعالى:{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [16: 98] . ثم إن حديث أبي سعيد مصرح بأن التعوذ المذكور يكون بعد الافتتاح بالدعاء المذكور في الحديث. قال الشوكاني: الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى. وقد ذهب الحسن وعطاء وإبراهيم إلى استحبابه في كل ركعة، محتجين بعموم قوله تعالى:{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} ولا شك أن الآية تدل على مشروعية الاستعاذة قبل قراءة القرآن، وهي أعم من أن يكون القاري خارج الصلاة أو داخلها. وأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة تدل على المنع منه حال الصلاة من غير فرق بين الاستعاذة وغيرها مما لم يرد به دليل يخصه، ولا وقع الإذن بخسه، فالأحوط الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط. وسيأتي حديث أبي هريرة الدال على ذلك.
824-
قوله: (سكتة إذا كبر) أي للإحرام، وكانت هذه السكتة لدعاء الاستفتاح كما وقع بيانها في حديث أبي هريرة السابق أنه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بيت التكبير والقراءة، يقول: اللهم باعد بيني، الخ. فالمراد من السكتة ههنا
وسكتة إذا فرغ من قراءة. {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فصدقه أبي بن كعب. رواه أبوداود، وروى الترمذي، وابن ماجه، والدارمي نحوه.
ــ
السكوت عن الجهر وترك رفع الصوت؛ لأنها لم تكن مجردة خالية عن الذكر. (وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذه السكتة الثانية كانت ليتراد إليه نفسه وليعلم المأمومون أن لفظة آمين ليست من القرآن، أي للتمييز بين الفاتحة وآمين لئلا يشتبه غير القرآن بالقرآن، وهي أخف من السكتة الأولى. واستدل بعض الحنفية بهذا الحديث على الإسرار بالتأمين والإخفاء به. قال: الأظهر أن السكتة الثانية كانت للتأمين سرا. والجواب عنه بأن السكتة الثانية لم تكن للتأمين سراً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالتأمين ويرفع صوته بآمين، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بالتأمين، فكيف يقال إنها كانت للتأمين سراً، بل السكتة الثانية كانت ليتراد إليه نفسه وليستريح، وليعلم المأموم أن لفظة آمين ليست من القرآن. قال زين العرب: الغرض من هذه السكتة أن يقرأ المأموم الفاتحة ويرجع الإمام إلى التنفس والاستراحة- انتهى. وقال ابن حزم في المحلي. (ج4: ص97) : يقرأ المأموم في السكتة الأولى أم القرآن فمن فاتته قرأ في السكتة الثانية. وفي رواية لأبي داود: أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها. وفي أخرى: إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع، أي قبل الركوع عند الفراغ من القراءة كلها. ولا مخالفة بينهما، بل يحصل من مجموعهما ثلاث سكتات: بعد الإحرام، وبعد الفاتحة، وبعد السورة عند الركوع، أي ليتراد إليه نفسه. قيل: والثالثة أخف من السكتتين اللتين قبلهما، وذلك بمقدار ما تنفصل القراءة عن التكبير، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصل فيه. وقال القاري: وكأن المراد بالسكتات الزيادة على حد التنفس في أواخر الآيات، إذ ثبت عنه- عليه السلام -كان يقرأ الحمد لله رب العالمين فيقف، وهكذا على رؤس الآي. وأما إطلاق القراء السكتة على الوقف بلا تنفس فمبني على اصطلاحهم- انتهى. وهذه السكتات الثلاث قد ذهب إلى مشروعيتها الشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي، وعند أبي حنيفة ومالك لا سكتة إلا الأولى. (فصدقه) من التصديق. (أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي سيد القراء، كتب الوحي، وشهد بدراً وما بعدها، وكان ممن جمع القرآن، أي وافق أبي سمرة، وقال صدق سمرة، - بالتخفيف- وحاصل القصة أنه وقع الاختلاف بين سمرة وعمران بن حصين في سكتتي الصلاة، قال سمرة: حفظت سكتتين، وأنكر ذلك عمران، وقال حفظت سكتة، وكانا إذ ذاك بالبصرة، فكتبا في ذلك إلى أبيّ بن كعب بالمدينة، فكتب أبيّ أن حفظ سمرة. (رواه أبوداود) أي بهذا اللفظ. (وروى الترمذي وابن ماجه والدارمي نحوه) أي معناه، وأخرجه أيضاً أحمد، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي والحاكم كلهم من طريق الحسن البصري عن سمرة. وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة، وقد تقدم في باب الغسل المسنون أن رواية الحسن عن سمرة محمولة على الاتصال عند