المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى

ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة)) قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان. رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

905-

(12) عن وائل بن حجر، قال:((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه))

ــ

الجد، والسؤال، والطلب. (فقال: عليك بكثرة السجود) الخ. فيه دليل على أن كثرة السجود مرغب فيها، والمراد به السجود في الصلاة. وسبب الحث عليه ما تقدم في حديث أبي هريرة: أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. وهو موافق لقوله تعالى: {واسجد واقترب} [96: 19] ، فإن في كل سجدة يسجدها العبد رفع درجة، فلا يزال العبد يترقى في المداومة على السجود درجة فدرجة حتى يفوز بالقدح من القرب إلى الله تعالى. ولا دليل فيه كالحديث الذي قبله لمن يقول: إن السجود أفضل من القيام؛ لأن صيغة "أفعل" الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام كما سبق، ولا يلزم من فضل السجود الذي دل عليه حديث ربيعة وثوبان أفضليته على طول القيام. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

905-

قوله: (إذا سجد) أي أراد السجود. (وضع ركبتيه قبل يديه) استدل به لمن قال باستحباب وضع الركبتين قبل اليدين عند الانحطاط للسجود، وهم الشافعي وأبوحنيفة، وأحمد في مشهور مذهبه، وسفيان الثوري وإسحاق، لكن الحديث ضعيف كما ستعرف، وذهب مالك، وابن حزم، وأحمد في رواية إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وروى الحازمي عن الأوزاعي قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم. قال ابن أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث، واستدل لهم بحديث أبي هريرة التالي، وهو حديث صحيح أو حسن لذاته كما سنحققه. (وإذا نهض) أي وإذا أراد النهوض وهو القيام. (رفع يديه قبل ركبتيه) فيه دليل لمن قال برفع اليدين قبل الركبتين عند القيام من الركعة أي ركعة كانت، وهو أحمد وأبوحنيفة، واستدل لهما أيضاً بما رواه أبوداود عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة، لكن رواية أبي داود هذه شاذة، والصحيح ما رواه أبوداود عن أحمد بلفظ: نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد. وقال مالك والشافعي: السنة أن يعتمد على يديه في النهوض؛ لأن مالك بن الحويرث قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعداً، ثم اعتمد

ص: 216

رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي.

906-

(13) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير،

ــ

على الأرض. رواه النسائي. وفي رواية البخاري: جلس واعتمد على الأرض، ثم قام. وعند الشافعي: واعتمد بيديه على الأرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمالك وأصحابه: صلوا كما رأيتموني أصلي. ولما روى عبد الرزاق عن ابن عمر: أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمداً على يديه قبل أن يرفعهما. ولأن ذلك أعون للمصلي كما لا يخفى. فالراجح عندنا أن يرفع الرجل ركبتيه قبل يديه ويقوم معتمداً بيديه على الأرض ولا يعتمد على ركبتيه. (رواه أبوداود) الخ وأخرجه أيضاً الدارقطني، والحاكم، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن السكن في صحاحهم من طريق شريك، عن عاصم ابن كليب، عن أبيه، عن وائل. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قلت: في كون هذا الحديث حسناً نظر، فإنه قد تفرد به شريك عن عاصم كما صرح به البخاري، والترمذي، وابن أبي داود، والدارقطني، والبيهقي، وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، صدوق، يخطىء كثيراً، تغير حفظه منذ ولى القضاء بالكوفة. قال الدارقطني في سننه: لم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به- انتهى. ولحديث وائل هذا طريقان آخران عند أبي داود: أحدهما من جهة همام، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه. والثاني من جهة همام، عن شقيق أبي الليث، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النيموي بعد ذكر هذه الطرق: فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن لكثرة طرقه. قلت: قد ظهر بما ذكرنا أن لحديث وائل بن حجر هذا ثلاث طرق: الأولى طريق شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، وقد عرفت أنها ضعيفة لشريك القاضي، فإنه متفرد به، وهو ليس بالقوي فيما يتفرد به كما صرح به الدارقطني. والثانية طريق همام، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، وهي أيضاً ضعيفة؛ لأنها منقطعة فإن عبد الجبار لم يسمع من أبيه. والثالثة طريق همام، عن شقيق، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهي أيضاً ضعيفة لإرسالها، ولأن فيها شقيقاً أبا الليث، وهو مجهول كما صرح به الحافظ في التقريب، والذهبي في الميزان، والطحاوي في شرح الآثار، فهذه الطرق الثلاث كلها ضعيفة، ثم هي مختلفة في الوصل والإرسال، والمحفوظة منها على ما قال الحازمي في "كتاب الاعتبار" هي طريق همام المرسلة التي فيها الشقيق المجهول، ففي ارتقاء حديث وائل إلى درجة الحسن كلام، ولو سلم أن حديث وائل بن حجر حسن، فحديث أبي هريرة الآتي أثبت وأقوى منه كما ستعرف.

906-

قوله: (فلا يبرك) بضم الراء من باب نصر، نهي، وقيل: نفي. (كما يبرك البعير) أي لا يضع ركبتيه قبل يديه كما يبرك البعير، شبه ذلك ببروك البعير مع أنه يضع يديه قبل رجليه؛ لأن ركبة الإنسان في الرجل، وركبة الدواب في

ص: 217

وليضع يديه قبل ركبتيه)) . رواه أبوداود والنسائي والدارمي.

ــ

اليد، وإذا وضع ركبتيه أولاً فقد شابه الإبل في البروك. (وليضع) بسكون اللام وتكسر. (يديه قبل ركبتيه) قال التوربشتي الحنفي: كيف نهى عن بروك البعير ثم أمر بوضع اليدين قبل الركبتين والبعير يضع اليدين قبل الرجلين؟ والجواب أن الركبة من الإنسان الرجلين، ومن ذوات الأربع في اليدين، كذا في المرقاة. والحديث نص في استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وهو قول مالك، وهو قول أصحاب الحديث. وقال الأوزاعي: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم، وهي رواية عن أحمد، ويدل أيضاً على هذا القول ما أخرجه ابن خزيمة، وصححه، والدارقطني، والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضاً البيهقي، والطحاوي، وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمرو، عن نافع بهذا، وزاد في آخره: ويقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. قال الحافظ: قال مالك هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة. وبه قال الأوزاعي، قال: وعن مالك، وأحمد رواية بالتخيير-انتهى. وظاهر الحديث الوجوب بقوله:" لا يبرك" وهو نهي، وللأمر بقوله:"وليضع"، قيل: ولم يقل أحد بوجوبه فتعين أنه مندوب، وقد أجاب الحنفية، والشافعية، والحنابلة عن حديث أبي هريرة بوجوه كلها مخدوشة، يأتي ذكر بعضها مع بيان ما فيه من الخدشة. (رواه أبوداود، والنسائي والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي، والطحاوي، والبيهقي، والدارقطني بعضهم من طريق عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة. وبعضهم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد، الخ. وبعضهم من الطريقين كليهما. وهذا حديث صحيح أو حسن لذاته، رجاله كلهم ثقات. أما عبد الله بن نافع فقد وثقه ابن معين، والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. وأما عبد العزيز ابن محمد الدراوردي فهو أحد مشاهير المحدثين، وثقه ابن معين، وابن المديني، وقال النسائي ليس به بأس، وروى له البخاري حديثين، قرنه فيهما بعبد العزيز بن حازم، وغيره، واحتج به مسلم، وأصحاب السنن. وأما محمد بن عبد الله بن الحسن فهو الملقب بالنفس الزكية، وهو ثقة، وأما أبوالزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة فهو أصح الأسانيد، قاله البخاري كما في الخلاصة. والحديث سكت عنه أبوداود، فهو عنده صالح للاحتجاج. وقال الحازمي في كتاب "الاعتبار" بعد روايته: وهو على شرط أبي داود، والنسائي، والترمذي، أخرجوه في كتبهم. وقال القاري في المرقاة: قال ابن حجر: إسناده جيد. وقال ابن سيد الناس: أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح، وقال: ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخلاً في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته عن الجرح. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: وحديث أبي هريرة المذكور أولاً يعني "وليضع يديه ثم ركبتيه" دلالته قولية، وقد تأيد بحديث ابن عمر، فيمكن

ص: 218

قال أبوسليمان الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا،

ــ

ترجيحه على حديث وائل؛ لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين-انتهى. وقال الحافظ في بلوغ المرام: وهو أقوى من حديث وائل بن حجر، فإن للأول شاهداً من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً- انتهى. ورجح ابن العربي في عارضة الأحوذى حديث أبي هريرة على حديث وائل من وجه آخر، فقال: الهيئة التي رأى مالك (وهي الهيئة المروية في حديث أبي هريرة) منقولة في صلاة أهل المدينة، فترجحت بذلك على غيره. (قال أبوسليمان) أي في معالم السنن (ج1: ص208) واسمه حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي- بضم الباء الموحدة- نسبة إلى مدينة"بست" من بلاد "كابل" بين "هرات" و"غزنة". ولد في رجب سنة (319) وتوفي في ربيع الأول سنة (388) كان محدثاً، فقيهاً، أديباً، شاعراً، لغوياً، حجة، صدوقاً، زاهداً، ورعاً، صاحب كتاب" غريب الحديث" و"أعلام السنن" في شرح صحيح البخاري، و"معالم السنن" في شرح سنن أبي داود وغير ذلك. والمشهور فيما بين الناس أنه كان شافعياً. والظاهر أنه كان من أهل الحديث ولم يكن مقلداً للشافعي ولا لغيره من الأئمة، يدل على اختياراته ومخالفته للأئمة كلامه في كثير من المواضع، من جملة ذلك قوله في معالم السنن (ج1: ص252) خلافاً لشافعي "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب،" وفي (ج1: ص313)"وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث"، وهذا في خلاف الشافعي، وكم له مثلها. (الخطابي) بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف باء موحدة، هذه نسبة إلى جده الخطاب المذكور، وقيل: إنه من ذرية زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي فنسب إليه. قال السبكي في طبقات الشافعية (ج2: ص318) : ولم يثبت ذلك، قال: وكان إماماً في الفقه والحديث واللغة (حديث وائل بن حجر أثبت من هذا) أي فهو أولى بالعمل من حديث أبي هريرة. وفيه نظر، فإن حديث وائل ضعيف كما عرفت، ولو سلم أنه حسن كما قال الترمذي، فلا يكون هو حسناً لذاته بل لغيره لطرقه الضعاف. وأما حديث أبي هريرة فهو صحيح أو حسن لذاته، ومع هذا فله شاهد من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقد تقدم قول ابن سيد الناس، وابن التركماني وابن العربي، والحافظ في ترجيح حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر، فالقول الراجح أن حديث أبي هريرة أثبت وأقوى من حديث وائل. فإن قيل: إن كان لحديث أبي هريرة شاهد فلحديث وائل ثلاثة شواهد، أحدها: ما رواه ابن أبي شيبة والطحاوي في شرح الآثار من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفحل. وثانيها: ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حزم عن عاصم الأحول، عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه. قال الحاكم: هو على شرطهما، ولا أعلم له علة.

ص: 219

وقيل: هذا منسوخ.

ــ

وثالثها: ما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين. أجيب بأن هذه الأحاديث كلها ضعيفة جداً، لا تصلح أن تكون شاهدة لحديث وائل. أما حديث أبي هريرة فلأن مداره على عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الفلاس: منكر الحديث، متروك. وقال يحيى بن سعيد: استبان كذبه في مجلس. وقال الدارقطني: متروك ذاهب. وقال أحمد مرة: ليس بذلك، ومرة قال: متروك. وقال فيه البخاري: تركوه، كذا في الميزان. وأما حديث أنس فلأن في سنده العلاء بن إسماعيل، وقد تفرد به، وهو مجهول، قاله البيهقي. وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه، ونقل الحافظ في لسان الميزان عن أبي حاتم أنه أنكر هذا الحديث. وحكي عن الدارقطني أنه أخرجه، وقال: إن العلاء تفرد به وهو مجهول، ثم قال الحافظ: وخالفه عمر بن حفص بن غياث وهو من أثبت الناس في أبيه، فرواه عن أبيه، عن أعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وغيره، عن عمر موقوفاً عليه، وهذا هو المحفوظ. وأما حديث سعد بن أبي وقاص فلأن في سنده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو يرويه عن أبيه وقد تفرد به، وهما ضعيفان، إبراهيم بن إسماعيل اتهمه أبوزرعة، وأبوه إسماعيل متروك. وقال الحازمي: في سنده مقال، وأن المحفوظ عن مصعب، عن أبيه حديث نسخ التطبيق-انتهى. وقد ظهر بهذا التفصيل أن هذه الأحاديث ضعيفة جداً، فلا تصلح أن تكون شاهدة لحديث وائل فإنها لضعفها وسقوطها صارت كأن لم تكن. (وقيل: هذا) وفي معالم السنن: وزعم بعض العلماء أن هذا أي حديث أبي هريرة. (منسوخ) أي بما رواه ابن خزيمة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه. وقد ذكرنا لفظه. وفيه: أن دعوى النسخ بحديث سعد بن أبي وقاص باطلة، فإن هذا الحديث ضعيف كما عرفت، وقد عكس ابن حزم في المحلي (ج4: ص130) فجعل حديث أبي هريرة ناسخاً لما خالفه. وقيل: إن حديث أبي هريرة ضعيف معلول أعله البخاري بأن محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه، وأنه لا يدري أسمع محمد من أبي الزناد أم لا. وفيه: أن قوله "لا يتابع عليه" ليس مضر؛ لأن محمد بن عبد الله ثقة، ولحديثه هذا شاهد من حديث ابن عمر، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، ووافقه الذهبي، قال ابن التركماني في الجوهر النقي: محمد بن عبد الله وثقه النسائي، وقول البخاري "لا يتابع على حديثه" ليس بصريح في الجرح، فلا يعارض توثيق النسائي-انتهى. وأما قوله "لا يدري أسمع" الخ. ففيه أنها أيضاً ليست بعلة، وشرط البخاري معروف، خالفه فيه جمهور المحدثين، ومحمد بن عبد الله ليس بمدلس، وسماعه من أبي الزناد ممكن، فإن أبا الزناد مات سنة ثلاثين ومائة بالمدينة، ومحمد مدني أيضاً غلب على المدينة، ثم قتل في سنة خمس وأربعين ومائة وعمره ثلاث وخمسون سنة. قاله الزبير بن بكار. وقال ابن سعد وغير واحد: قتل وهو ابن خمس وأربعين، وقد أدرك أبا الزناد طويلاً، فيحمل عنعنته على السماع عند جمهور المحدثين. وقيل: إن حديث أبي هريرة مضطرب، فإنه قال بعضهم: إذا سجد أحدكم

ص: 220

907-

(14) وعن ابن عباس، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: اللهم اغفرلي، وارحمني،

واهدني، وعافني، وارزقني)) .

ــ

فليبدأ بركبتيه قبل يديه. أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة والطحاوي كما تقدم، وهذه الرواية تخالف الرواية التي رواها أبوداود، والنسائي وغيرهما بحيث لا يمكن الجمع بينهما، والاضطراب مورث للضعف. وفيه: أن رواية ابن أبي شيبة، والطحاوي هذه ضعيفة جداً كما عرفت، فلا اضطراب في حديث أبي هريرة، فإن من شرط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف، ولا تعل الرواية الصحيحة بالرواية الضعيفة الواهية كما تقرر في موضعه. وقيل: إن في حديث أبي هريرة قلباً من الراوي حيث قال: "وليضع يديه قبل ركبتيه"، وكان أصله وليضع ركبتيه قبل يديه، ويدل عليه أول الحديث، وهو قوله:"فلا يبرك كما يبرك البعير"، فإن المعروف من البروك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين، ذكره ابن القيم في زاد المعاد، وقال: ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا: ركبتا البعير في يديه لا في رجليه، فهو إذا برك وضع ركبتيه أولاً، فهذا هو المنهى عنه. قال: وهو فاسد من وجوه: حاصلها أن البعير إذا برك يضع يديه، ورجلاه قائمتان، وهذا هو المنهي عنه، وأن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة. وأنه لو كان الأمر كما قالوا لقال النبي صلى الله عليه وسلم: فليبرك كما يبرك البعير؛ لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه. وفيه: أن في قوله: "في حديث أبي هريرة قلب من الراوي" نظراً، إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راو مع كونها صحيحة، قاله القاري، وأما قوله:"كون ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة" ففيه: أنه مبني على عدم اطلاعه؛ لأنه منصوص عليه في لسان العرب (ج1: ص417) وقال صاحب القاموس: "الركبة ـ بالضم ـ موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق، أو مرفق الذراع من كل شيء، ووقع في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قول سراقة: ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين. رواه البخاري في صحيحه، فهذا نص صريح وبرهان قاطع على أن ركبتي البعير في يديه، وأما قوله: إنه لو كان كما قالوا لقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فليبرك كما يبرك البعير" الخ. ففيه: أنه لما ثبت أن ركبتي البعير تكونان في يديه ومعلوم أن ركبتي الإنسان تكونان في رجليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه"، فكيف يقول في أوله: فليبرك كما يبرك البعير؟ أي فليضع ركبتيه قبل يديه، ذكره شيخنا في شرح الترمذي (ج1: ص230) وفي أبكار المنن (ص223) .

907-

قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين) أي في الفريضة والنافلة. (اللهم اغفرلي) أي ذنوبي، أو تقصيري في طاعتي. (وارحمني) أي من عندك لا بعملي، أو ارحمني بقبول عبادتي. (واهدني) لصالح الأعمال، أو ثبتني على دين الحق. (وعافني) من البلاء في الدارين، أو من الأمراض الظاهرة والباطنة. (وارزقني) رزقا حسناً أو توفيقاً في

ص: 221

رواه أبوداود والترمذي.

908-

(15) وعن حذيفة، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: رب اغفرلي)) .

ــ

الطاعة، أو درجة عالية في الآخرة. والحديث دليل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعود بين السجدتين، وهو يعم الفرائض والنوافل. قال الترمذي بعد رواية الحديث: وهكذا روي عن علي، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، يرون هذا جائزاً في المكتوبة والتطوع- انتهى. وحمله الحنفية على التطوع خاصة لما قيده ابن ماجه في روايته بصلاة الليل. وفيه: أن التقييد بصلاة الليل لا يدل على أن هذا الدعاء مخصوص بصلاة التطوع كما في دعاء الاستفتاح الذي اختاره الحنفية للفرض مع أن الترمذي وأباداود قد رويا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك- الحديث. فعمم الحنفية هذا الدعاء للفرائض والنوافل مع كونه مقيداً بصلاة الليل في الحديث المذكور. (رواه أبوداود، والترمذي) إلا أنه قال فيه "واجبرني" مكان "عافني". قيل: هو من "جبرت الوهن والكسر" إذا صلحته و"جبرت المصيبة" إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به. وقال الجزري: واجبرني أي أغنني، من "جبر الله مصيبته"، أي رد عليه ما ذهب عنه، أو عوضه عنه. وأصله من " جبر الكسر". والحديث أخرجه أيضاً ابن ماجه، وزاد "وارفعني" ولم يقل "اهدني" ولا "عافني" وأخرجه الحاكم في المستدرك بإسنادين: الأول بلفظ أبي داود، والثاني جمع فيه هذه الألفاظ كلها إلا أنه لم يقل "وعافني". وهذا الاختلاف محمول على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، والحديث سكت عنه أبوداود، وصححه الحاكم في الموضعين، ووافقه الذهبي. ونقل الحافظ في بلوغ المرام تصحيح الحاكم، وأقره، ولم ينكر عليه، قلت: في سنده أبوالعلاء كامل بن العلاء السعدي، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، وكامل هذا وثقة يحيى بن معين، وقال ابن عدي: لم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها، ومع هذا أرجو أنه لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال مرة: ليس به بأس. وقال الحافظ في التقريب: صدوق يخطىء، وحبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، لكنه كثير الإرسال والتدليس، وقد روى عند الجميع بالعنعنة، قال في الزوائد: رجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت كان يدلس، وقد عنعنة، وأصله في أبي داود، والترمذي- انتهى.

908-

قوله: (كان يقول بين السجدتين: رب اغفرلي) أي مكرراً. قال ابن قدامة في المغني: المستحب عند أبي عبد الله أي أحمد، أن يقول بين السجدتين: رب اغفرلي، رب اغفرلي، يكرر ذلك مراراً، والواجب منه مرة، وأدنى الكمال ثلاث، الخ. والحديث يدل على مشروعية طلب المغفرة في الاعتدال بين السجدتين، ولا يختص ذلك بالتطوع كما قيل، بل يعم الفريضة والتطوع، ويحمل هذا الحديث مع حديث ابن عباس السابق على اختلافات الأوقات،

ص: 222