المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الأول} 1046- (1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الأول} 1046- (1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله

{الفصل الأول}

1046-

(1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها)) وفي رواية،

ــ

1046-

قوله: (لا يتحرى) بثبوت حرف العلة المقتضية لخبرية الفعل، وكونه سابقة حرف نفي، لكنه بمعنى النهي. وقال في شرح التقريب (ج2 ص182) لا يتحرى بإثبات الألف في الصحيحين والموطأ والوجه حذفها لتكون علامة للجزم لكن الإثبات إشباع، فهو كقوله تعالى:{إنه من يتقي ويصبر} ، فيمن قرأ بإثبات الياء. (فيصلي) بالنصب جواباً للنهي المتضمن لئلا يتحرى كالمضارع المقرون بالفاء في قوله: ما تأتينا فتحدثنا، فالمراد النهي عن التحري والصلاة كليهما. ويجوز الرفع من جهة النحو، أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا، فهو يصلي فيه. وقال الطيبي: لا يتحرى هو نفي بمعنى النهي. و"يصلي" هو منصوب بأنه جوابه. ويجوز أن يتعلق بالفعل المنهي أيضاً، فالفعل المنهي معلل في الأول والفعل المعلل منهى في الثاني. والمعنى على الثاني لا يتحرى أحدكم فعلاً ليكون سبباً لوقوع الصلاة في زمان الكراهة، وعلى الأول كأنه قيل لا يتحرى، فقيل: لم ينهانا عنه، فأجيب عنه خيفة أن يصلي أن الكراهة. وقال ابن خروف: يجوز في "فيصلي" ثلاثة أوجه: الجزم على العطف، أي لا يتحر ولا يصل، والرفع على القطع. أي لا يتحرى، فهو يصلي، والنصب على جواب النهي. والمعنى لا يتحرى مصلياً- انتهى. قال التوربشتي: يقال فلان يتحرى الأمر أي يتوخاه ويقصده، ومنه قوله تعالى:{فأولئك تحروا رشداً} ، أي توخوا وعمدوا، ويتحرى فلان الأمر إذا طلب ما هو الأحرى. والحديث يحتمل الوجهين، أي لا يقصد الوقت الذي تطلع فيه الشمس، أو تغرب فيصلي فيه، أو لا يصلي في هذا الوقت ظناً منه أنه قد عمل بالأحرى. والأول أبلغ وأوجه في المعنى المراد - انتهى. (عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) قال الحافظ: اختلف في المراد بالحديث، فمنهم من جعله تفسيراً للحديث السابق. (أي لحديث عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب) ومبيناً للمراد به، فقال: لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها. وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر، وقواه ابن المنذر، واحتج له بما رواه مسلم من طريق طاووس عن عائشة قالت: وهم ابن عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. ويدل على ذلك أيضاً قول ابن عمر أصلي، كما رأيت أصحابي يصلون، لا أنهى أحداً يصلي بليل أو نهار ما شاء غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها. وربما قوى ذلك بعضهم بحديث: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى، فأمر بالصلاة حينئذٍ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقاً، ومنهم من جعله نهياً مستقلاً، وكره الصلاة في تلك الأوقات،

ص: 453

قال: إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز. وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلوتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني الشيطان)) متفق عليه.

1047-

(2) وعن عقبة بن عامر، قال: ((ثلاث ساعات رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن

ــ

سواء قصد لها أو لم يقصد. وهو قول الأكثر، قال البيهقي: إنما قالت عائشة ذلك؛ لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك، لا على الإطلاق. وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذٍ قضاء. وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم- انتهى. (إذا طلع) أي ظهر. (حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي به؛ لأنه أول ما يبدو منها، فيصير كحاجب الإنسان. (فدعوا) أي اتركوا. وفي رواية: فأخروا. (الصلاة) يحمل ذلك في الموضعين على ما عدا الفريضة المقضية أو المؤداة في هذين الوقتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم من نام عن الصلاة أو سها عنها فوقتها حين يذكرها- الحديث. وقوله: من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. ويستثنى منه أيضاً مكة لما سيأتي. (حتى) أي إلى أن (تبرز) أي تخرج وتظهر كلها، والمراد ترتفع، كما وقع في رواية للبخاري. قال النووي: المراد ببروز الشمس وكذا بطلوعها في الروايات الأخر هو ارتفاعها وإشراقها وإضاءتها، لا مجرد ظهور قرصها للجمع بين الروايات. (حتى تغيب) أي تغرب بالكلية. (ولا تحينوا) بحذف إحدى التائين من تحين بمعنى حين الشيء إذا جعل له حيناً، أي لا تجعلوا ذلك حيناً للصلاة بصلاتكم فيه، والمعنى لا تنتظروا بصلاتكم حين طلوع الشمس، ولا حين غروبها. (فإنها تطلع) بضم اللام. (بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه؛ لأنه ينتصب قائماً في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كان طلوعها بين قرنيه، أي جانبي رأسه، فتقع السجدة له إذا عبدت عبدة الشمس للشمس، فنهى عن الصلاة في ذلك الوقت لئلا يتشبه بهم في العبادة. قال الحافظ: فيه إشارة إلى علة النهي. وزاد في حديث عمرو بن عبسة الآتي وحينئذٍ: يسجد لها الكفار، فالنهي حينئذٍ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر الشرع ذلك في أشياء كثيرة. وفي هذا تعقب على البغوي حيث قال: إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به. (متفق عليه) فيه أن قوله: لا تحينوا الخ من إفراد البخاري، وليس عند مسلم، والرواية الأولى أخرجها أيضاً مالك وأخرج النسائي والبيهقي (ج2 ص453) الروايتين بنحو ما وقع في مسلم.

1047-

قوله: (ثلاث ساعات) أي أوقات. (كان ينهانا أن نصلي فيهن) هو بإطلاقه يشمل صلاة الجنازة؛ لأنها صلاة. (أو نقبر فيهن) قال القرطبي: روي بأو وبالواو، وهي الأظهر. ويكون مراد النهي الصلاة على

ص: 454

موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة،

ــ

الجنازة والدفن؛ لأنه أنما يكون أثر الصلاة عليها. وأما رواية أو ففيها إشكال إلا إذا قلنا إن أو بمعنى الواو، كما قاله الكوفي. كذا في زهر الربي. وقوله: نقبر من قبر الميت من باب نصر، وضرب لغة أي ندفن. وفيه دليل على أن دفن الموتى في الأوقات الثلاثة منهي عنه من غير فرق بين العابد وغيره. وإليه ذهب أحمد. وهو الحق لظاهر الحديث. قال السندي ظاهر الحديث كراهة الدفن في هذه الأوقات، وهو قول أحمد وغيره. ومن لا يقول به يؤول الحديث بأن المراد صلاة الجنازة على الميت بطريق الكناية للملازمة بين الدفن والصلاة. ولا يخفى أنه تأويل بعيد لا ينساق الذهن إليه من لفظ الحديث، يقال: قبره إذا دفنه، ولا يقال قبره إذا صلى عليه، قال والأقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره: إن الدفن مكروه في هذه الأوقات- انتهى. وقال البيهقي: نهيه عن القبر في هذه الساعات لا يتناول الصلاة على الجنازة، وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهية الدفن في تلك الساعات- انتهى. قلت حمله أبوداود على الدفن الحقيقي حيث بوب عليه في الجنائز: باب الدفن عند طلوع الشمس وغروبها. وإليه يظهر ميل النسائي حيث عقد عليه في أثناء أبواب الدفن: باب الساعات التي نهى عن إقبار الموتى فيها، وحمله ابن ماجه على الصلاة والدفن كليهما، فقد بوب عليه في الجنائز: باب الأوقات التي لا يصلي فيها على الميت ولا يدفن. وحمله الترمذي على الصلاة، ولذلك بوب عليه: باب كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وأيده بما نقل عن ابن المبارك، قال: معنى هذا الحديث أو أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة- انتهى. وقد ضعف النووي هذا التأويل وزيفه، كالسندي، هذا وقد علمت مما قدمنا إن صلاة الجنازة مكروهة في هذه الأوقات عند مالك وأحمد وأبي حنيفة. واستدل هؤلاء بحديث عقبة هذا وغيره من الأحاديث المطلقة الدالة على كراهة الصلاة في هذه الساعات خلافاً للشافعي. والقول الأول هو الظاهر. قال الخطابي: قول الجماعة أولى لموافقه الحديث. (حين تطلع) بيان للساعات. (بازغة) أي طالعة ظاهرة لا يخفى طلوعها، حال مؤكدة. (حتى ترتفع) أي قدر رمح، كما في حديث عمرو بن عبسة عند أبي داود والنسائي. (وحين يقوم قائم الظهيرة) هي شدة الحر. وقيل: حد انتصاف النهار، أي يقف ويستقر الظل الذي يقف عادة حسب ما يبدو، فإن الظل عند الظهيرة لا يظهر له سويعة حركة حتى يظهر بمرأى العين أنه واقف، وهو سائر حقيقة. قال في المجمع: إذا بلغ الشمس وسط السماء أبطأت حركتها إلى أن تزول، فيحسب الناظر المتأمل أنها وقفت، وهي سائرة. ولا شك إن الظل تابع لها. والحاصل: أن المراد وعند الاستواء. وقيل: المراد بقائم الظهيرة الشخص القائم في الظهيرة، فإن الناس في السفر يقفون في هذا الوقت لشدة الحر ليستريحوا. وقال النووي: الظهيرة حال استواء الشمس، ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب. وقال ابن حجر: الظهيرة هي نصف النهار وقائمها، أما الظل وقيامه وقوفه من قامت به دابته وقفت، والمراد بوقوفه بطأ حركته

ص: 455

حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)) رواه مسلم.

ــ

الناشيء عن بطئ حركة الشمس حينئذٍ باعتبار ما يظهر للناظر ببادي الرأي، وإلا فهي سائرة على حالها، وأما القائم فيها؛ لأنه حينئذٍ لا يميل له ظل إلى جهة الشرق، ولا إلى جهة المغرب. وذلك كله كناية عن وقت استواء الشمس في وسط السماء. (حتى تميل الشمس) أي من المشرق إلى المغرب، وتزول عن وسط السماء إلى الجانب الغربي. وميلها هذا هو الزوال. قال ابن حجر: ووقت الاستواء المذكور، وإن كان وقتا ضيقاً لا يسع صلاة إلا أنه يسع التحريمة، فيحرم تعمد التحريم فيه. (وحين تضيف) بتشديد الياء بعد الضاد المفتوحة وضم الفاء صيغة المضارع. أصله تتضيف بالتائين، حذفت إحداهما، أي تميل. وقيل: هو بسكون الياء بعد الضاد المكسورة، من ضافت تضيف إذا مالت. في القاموس ضاف مال كتضيف وضيف واضفته، أملته وضيفته- انتهى. وقال التوربشتي: أصل الضيف الميل، يقال: ضفت إلى كذا، ملت إليه وسمي الضيف ضيفا لميله إلى الذي نزل عليه. (للغروب) وتشرع فيه. (حتى تغرب) قال الأمير اليماني: النهي عن هذه الأوقات الثلاثة عام بلفظه لفرض الصلاة ونفلها، والنهي للتحريم، كما عرفت من أنه أصله. وكذا يحرم قبر الموتى فيها، ولكن فرض الصلاة أخرجه حديث: من نام عن صلاته الحديث، وفيه فوقتها حين يذكرها ففي أي وقت ذكرها أو استيقظ من نومه أتى بها، وكذا من أدرك ركعة قبل غروب الشمس وقبل طلوعها لا يحرم عليه، فيخص النهي بالنوافل دون الفرائض. وقيل: بل يعمها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما نام في الوادي عن صلاة الفجر ثم استيقظ لم يأت بالصلاة في ذلك الوقت، بل أخرها إلى أن خرج وقت المكروه. وأجيب عنه أولاً بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حر الشمس كما ثبت في الحديث، ولا يوقظهم حرها إلا وقد ارتفعت وزال وقت الكراهة، وثانياً: بأنه قد بين النبي صلى الله عليه وسلم وجه تأخير أدائها عند الاستيقاظ بأنهم في واد حضر فيه الشيطان، فخرج صلى الله عليه وسلم عنه وصلى في غيره. وهذا التعليل يشعر بأنه ليس التأخير لأجل وقت الكراهة، لو سلم أنهم استيقظوا، ولم يكن قد خرج الوقت. فتحصل من الأحاديث أنها تحرم النوافل في الأوقات الخمسة، وأنه يجوز أن تقضى النوافل بعد صلاة الفجر وصلاة العصر. أما صلاة العصر فلما سيأتي من صلاته صلى الله عليه وسلم قاضياً لنافلة الظهر بعد العصر إن لم نقل أنه خاص به. وأما صلاة الفجر فلتقريره لمن صلى نافلة الفجر بعد صلاته، وإنها يتصلى الفرائض في أي الأوقات الخمسة لنائم وناس ومؤخر عمداً وإن كان آثماً بالتأخير والصلاة أداء في الكل مالم يخرج وقت العامل فهي قضاء في حقه- انتهى. وقال الشوكاني في السيل الجرار نحو كلام الأمير اليماني مع زيادة البسط. (رواه مسلم) في الصلاة وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود في الجنائز والنسائي والبيهقي في الصلاة وفي الجنائز وابن ماجه في الجنائز.

ص: 456

1048-

(3) وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.

1049-

(4) وعن عمرو بن عبسة، قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: أخبرني عن الصلاة. فقال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس،

ــ

1048-

قوله: (لا صلاة) أي صحيحة أو حاصلة. وقيل: النفي بمعنى النهي. والتقدير لا تصلوا. وقال ابن دقيق العيد: صيغة النفي إذا دخلت في ألفاظ الشارع على فعل كان الأولى حملها على نفى الفعل الشرعي لا الحسي؛ لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتججنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه، وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار. فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي. والتقدير لا تصلوا كما ورد التصريح به في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني، وحديث على عند أبي داود والنسائي. (بعد الصبح) أي بعد صلاته؛ لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقاً بالوقت، إذ لابد من أداء الصبح. فتعين التقدير المذكور. وأيضاً قد ورد التصريح بذلك في رواية مسلم، ولفظها: لا صلاة بعد صلاة الفجر (حتى ترتفع الشمس) قدر رمح في رأى العين. (ولا صلاة بعد العصر) أي بعد صلاته، كما في رواية مسلم (حتى تغيب الشمس) أي بالكلية. والحديث يدل على تحريم النفل في هذين الوقتين؛ لأن الأصل في النهي التحريم. وحمل الشافعية الحديث على غير ذات سبب، قالوا: تجوز ذات السبب في هذين الوقتين. وحمله الحنفية على العموم. واستثنوا منه الفريضة الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة كما تقدم. واعترض عليه ابن الهمام بأن النهي في هذين الوقتين أيضاً مطلق كما في الأوقات الثلاثة المذكورة في حديث عقبة. وتخصيص النص بالرأي لا يجوز ابتداء. (متفق عليه) واللفظ للبخاري وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي. وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ذكرهم الحافظ في التلخيص والشوكاني في النيل.

1049-

قوله: (عن عمرو بن عبسة) بعين مهملة وموحدة وسين مهملة مفتوحات، ابن عامر بن خالد السلمي، له في صحيح مسلم هذا الحديث، وقد ذكر في أوله قصة إسلامه. (قدم صلى الله عليه وسلم المدينة، فقدمت المدينة) أي على قصد اللحوق به صلى الله عليه وسلم. وفيه وضع الظاهر موضع الضمير، وإنما صار كذلك لاختصار الحديث. وهذا ظاهر عند من يرى سياقه عند مسلم. (أخبرني عن الصلاة) أي عن وقتها الجائزة فيه بدليل الجواب (صل صلاة الصبح) أي سننه وفرضه. (ثم أقصر عن الصلاة) من الإقصار أي انته عن الصلاة، وكف عنها. (حين تطلع الشمس)

ص: 457

حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذٍ يسجد لها الكفار. ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح،

ــ

وفي بعض نسخ مسلم "حتى: بدل حين. (حتى ترتفع) فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس الطلوع، بل لابد من الارتفاع فالمراد بالطلوع والبروز المذكورين في بعض الأحاديث الطلوع المخصوص، وهو الارتفاع لا مجرد الظهور، وقد ورد مفسراً في رواية أبي داود والنسائي بارتفاعها "قيس رمح". (بين قرني شيطان) بلا ألف ولام. وهكذا هو في أصول مسلم، كما صرح به النووي. وكذا وقع في رواية أحمد وأبي داود والنسائي والبيهقي. قيل: تنكيره للتحقير. وفي المصابيح بين قرني الشيطان بالألف واللام. وكذا وقع في بعض نسخ المشكاة، وفي ابن ماجه. واختلف في المعنى المراد بقرني الشيطان على أقوال، ذكرها الخطابي في المعالم (ج1 ص130)، أقواها: أن المراد به ناحيتا الرأس، وأنه على ظاهره. ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين لها في الصورة. (يسجد لها الكفار) أي الذين يعبدونها. (ثم) أي بعد ارتفاع الشمس قدر رمح (صل) أي ما شئت كما في رواية أبي داود. وفي ابن ماجه: ثم صل ما بدا لك. وقال القارئ: أي صلاة الإشراق فإنها مبدأ الضحى، أو صلاة الضحى فإنها منتهية إلى قرب الإستواء، أو صل ما شئت- انتهى. (فإن الصلاة) أي بعد ارتفاع الشمس، أو أن الصلاة المشروعة (مشهودة محضورة) قال النووي: أي تحضرها الملائكة، فهي أقرب إلى القبول، وحصول الرحمة. وقال القاري: أي يحضرها الملائكة ليكتبوا أجرها، ويشهدوا بها لمن صلاها. ويؤيده أن في رواية أبي داود مشهودة مكتوبة. وقال الطيبي: أي يحضرها أهل الطاعة من سكان السماء والأرض. وعلى معنيين فمحضورة تفسير مشهودة وتأكيد لها. ويمكن أن يحمل مشهودة على المعنى الأول، ومحضورة على الثاني، أو الأولى بمعنى الشهادة، والثانية بمعنى الحضور للتبرك، والتأسيس أولى من التأكيد- انتهى كلام القاري. (حتى يستقل الظل بالرمح) أي حتى يرتفع الظل مع الرمح أو في الرمح، ولم يبق على الأرض منه شيء من الاستقلال بمعنى الارتفاع. قال ابن الملك: يعني لم يبق ظل الرمح، وهذا بمكة والمدينة وحواليهما في أطول يوم في السنة، فإنه لا يبقى عند الزوال ظل على وجه الأرض، بل يرتفع عنها، ثم إذا مالت الشمس من جانب المشرق إلى جانب المغرب، وهو أول وقت الظهر يقع الظل على الأرض. وقيل: من القلة، يقال: استقله إذا رأه قليلاً، أي حتى يقل الظل الكائن بالرمح أدنى غاية القلة، وهو المسمى بظل الزوال. قال القاري: وروي: حتى يستقل الرمح بالظل، أي يرفع الرمح ظله. فالباء للتعدية. وعلى الروايتين هو مجاز عن عدم بقاء ظل الرمح على الأرض. وذلك يكون في وقت

ص: 458

ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذٍ تسجر جهنم. فإذا أقبل الفيء،

ــ

الإستواء. وتخصيص الرمح بالذكر؛ لأن العرب كانوا إذا أرادوا معرفة الوقت ركزوا رماحهم في الأرض، ثم نظروا إلى ظلها. وقال النووي: قوله: حتى يستقل الظل بالرمح أي يقوم مقابلة في جهة الشمال، ليس مائلاً إلى المغرب ولا إلى المشرق، وهو حالة الإستواء. وقال التوربشتي كذا في نسخ المصابيح، وفيه تحريف، وصوابه حتى يستقل الرمح بالظل، ووافقه صاحب النهاية حيث قال: حتى يبلغ ظل الرمح المغروز في الأرض أو في غاية القلة والنقص. فقوله: يستقل من القلة، لا من الإقلال والاستقلال الذي بمعنى الارتفاع والاستبداد. قال الطيبي: كيف ترد نسخ المصابيح مع موافقتها بعض نسخ مسلم وكتاب الحميدي، على أن لها محامل: منها أن معناه أن يرتفع الظل معه ولا يقع منه شيء على الأرض، من قولهم استقلت السماء ارتفعت. ومنها أن يقدر المضاف، أي يعلم قلة الظل بواسطة ظل الرمح. ومنها أن يكون من باب عرضت الناقة على الحوض، وطينت بالفدن السياعا. قال صاحب المفتاح: لا يشجع على القلب الإكمال البلاغة مع ما فيه من المبالغة من أن الرمح صار بمنزله الظل في القلة، والظل بمنزلة الرمح - انتهى. قلت: وقع في رواية لأحمد: حتى يستقل الرمح بالظل، وفي أخرى: حتى يقوم الظل قيام الرمح، وفي رواية أبي داود: حتى يعدل الرمح ظله. ولفظ النسائي حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار. وفي رواية لأحمد، وهي عند ابن ماجه أيضاً: حتى يقوم العمود على ظله. قال السندي: العمود خشبة يقوم عليها البيت. والمراد حتى يبلغ الظل في القلة بحيث لا يظهر إلا تحت العمود قائم عليه، والمراد وقت الاستواء. (فإن حينئذٍ) أي حين يستقل الظل بالرمح. (تسجر جهنم) بالتشديد والتخفيف مجهولاً، أي يوقد عليها إيقاداً بليغاً، من سجرّ التنور بالتخفيف والتشديد، ملأه وقوداً وأحماه. قال ابن الملك: أي تملأ نيران جهنم وتوقد، ولعل تسجيرها حينئذٍ لمقارنة الشيطان الشمس وتهيئة عباد الشمس أن يسجدوا لها. وقال الخطابي في المعالم (ج1: ص276) : ذكر تسجير جهنم، وكون الشمس بين قرني الشيطان، وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء، أو لنهي عن شيء أمور لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان، وإنما يجب علينا الإيمان بها والتصديق بمخبوآتها، والانتهاء إلى أحكامها التي علقت بها - انتهى. قال ابن حجر: واسم "إن" أن المصدرية المقدرة على حد قوله تعالى: {ومن آياته يريكم البرق} [30: 24] أو ضمير الشأن. وما قيل إنه لا يحذف؛ لأن القصد به التعظيم، وهو يفوت بحذفه، مردود بأن سبب دلالته على التعظيم إبهامه، وحذفه أدل على الإبهام. ومن ثم حذف في قوله تعالى:{من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} [9: 117] . (فإذا أقبل الفيء) أي ظهر إلى جهة المشرق. والفيء مختص بما بعد الزوال. وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وما بعده، قاله النووي. وقال القاري: أي رجع بعد ذهابه من وجه الأرض، فهذا وقت الظهر. والفيء ما نسخ الشمس،

ص: 459

فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار. قال: قلت: يا نبي الله! فالوضوء حدثني عنه. قال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فيستنثر، إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه

ــ

وذلك بالعشي. والظل ما نسخته الشمس وذلك بالغدوة. (فصل) أي صلاة تريدها. (حتى تصلي العصر) أي فرضه قال النووي: فيه دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر، ولا بصلاة غير المصلي، وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاته العصر، حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها. (حتى تغرب الشمس) أي بالكلية. (وحينئذٍ يسجد لها الكفار) أي فلا يشابه أهل النار في عبادتهم فضلاً عن غيرها. (فالوضوء) بالرفع. وقيل: بالنصب. (حدثني عنه) أي أخبرني عن فضله. (يقرب) بالتشديد على بناء الفاعل أو المفعول. (وضوءه) بفتح الواو، أي الماء الذي يتوضأ به. (فيمضمض) أي بعد غسل اليدين والتسمية والنية. (ويستنشق) أي يدخل الماء في الأنف. (فيستنثر) أي يخرج ما في الخيشوم من الأوساخ. (إلا خرت) استثناء مفرغ. قال الطيبي: قوله: إلا خرت خبر ما، والمستثنى منه مقدر، أي ما منكم رجل متصف بهذه الأوصاف، كائن على حال من الأحوال إلا على هذه الحالة. وعلى هذا المعنى ينزل سائر الاستثناءات وإن لم يصرح بالنفي فيها لكونها في سياق النفي بواسطة ثم العاطفة، أي سقطت. (خطايا وجهه) من الصغائر قال النووي: هكذا ضبطناه خرت بالخاء المعجمة. وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر، فرواه جرت بالجيم - انتهى. أي جرت مع ماء الوضوء وذهبت ذنوب وجهه. (وفيه) أي خطايا فمه من جهة الكلام والطعام. (وخياشيمه) أي أنفه جمع خيشوم، وهو باطن الأنف من جهة رائحة طيب محرم على جهة القصد. والظاهر أن عطف "فيه" وما بعده على ما قبله تفسيري لقوله:(ثم إذا غسل وجهه) أي كله أو باقيه. (كما أمره الله) أن يبدأ بغسله. (إلا خرت خطايا وجهه) من ذنوب عينيه. (من أطراف لحيته) أي موضعها. (ثم يغسل يديه إلى المرفقين) أي منضمتين إليهما، أو إلى بمعنى مع. (من أنامله) هي رؤس أصابعه. (ثم يمسح رأسه) ظاهره الاستيعاب. (إلا خرت خطايا رأسه) ومنها

ص: 460

من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه)) . رواه مسلم.

1050-

(5) وعن كريب: أن ابن عباس،

ــ

خطايا الأذنين، فيكون قوله:(من أطراف شعره) بفتح العين وسكونها نظراً إلى الأصل أو التغليب. (فإن) شرطية. (هو) أي الرجل ورافعه فعل مضمر يفسره. (قام) ولحذفه برز ضميره المستكن فيه، أي فإن قام بعد فراغ الوضوء. (وأثنى عليه) أي ذكر الله ذكراً كثيراً وقيل فائدته الإعلام بأن لفظ الحمد غير متعين. (ومجده) أي عظمه بالقلب واللسان، فهو تعميم بعد تعميم، أو بعد تخصيص. وجعله ابن حجر لمزيد التأكيد والإطناب. (بالذي) أي بالتحميد الذي. (هو له أهل) أي مما يليق بعظمته وجلاله وكماله. وقدم الجار لإفادة الاختصاص والاهتمام قال ابن الملك: ضمير "هو" عائد إلى الموصول، وضمير "له" إلى الله. (وفرغ قلبه) من التفريغ، أي جعله حاضراً لله وغائبا عما سواه، أي في صلاته وحالة مناجاته. (لله) أي لا لغيره. (إلا انصرف من خطيئته) قيل:"هو" في قوله فإن هو فاعل محذوف وعائد إلى الرجل المذكور وتقديره: إن قام الرجل المذكور ففعل كذا، وكذا فليس إلا انصرف من خطيئته. وقيل: الأولى أن تكون إن فيه نافية. وقال ابن حجر: وجواب "إن" فلا ينصرف خارجاً من شيء من الأشياء إلا انصرف خارجاً من خطيئته أي صغائره، فيصير متطهرا منها. وقال الطيبي: فإن هو قام، إن شرطية، والضمير المرفوع بعدها فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده، وجواب الشرط محذوف، وهو المستثنى منه، أي لا ينصرف في شيء من الأشياء إلا من خطيئته. وجاز تقدير النفي لما مر من أن الكلام في سياق النفي. وهذا على مذهب الزمخشري. وأما مذهب ابن الحاجب فيجوز في الإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة. (كهيئتة) أي كصفته. (يوم ولدته أمه) بفتح ميم يوم. وفي نسخة: كهيئة يوم بالإضافة مع تنوين يوم وفتحه على البناء قاله القاري. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4: ص112) والبيهقي. ولأبي داود وأحمد أيضاً نحوه. وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصراً بمعنى ما روى أبوداود.

1050-

قوله: (وعن كريب) بضم الكاف مصغراً، هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني، أبورشدين مولى ابن عباس ثقة من أوساط التابعين، مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك. (أن ابن عباس) يعني عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه المراد عند الإطلاق.

ص: 461

لمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأزهر، أرسلوه على عائشة، فقالوا: اقرأ عليها السلام، وسلها عن الركعتين بعد العصر. قال: فدخلت على عائشة، فبلغتها ما أرسلوني. فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم، فردوني إلى أم سلمة، فقالت أم سلمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ثم رأيته يصليهما، ثم دخل،

ــ

(والمسور) بكسر الميم. (بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، ابن نوفل الزهري الصحابي. قال في التقريب: له ولأبيه صحبة. وأمه الشفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة وغيرهم، وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب، وكان من أهل الفضل والدين، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به المدينة في ذي الحجة بعد الفتح سنة ثمان، وهو غلام أيفع ابن ست سنين، ومات سنة أربع وستين أصابه حجر من حجارة المنجنيق، وهو يصلي في الحجر في حصار ابن الزبير الأول من الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية، فمكث خمسة أيام، ومات يوم أتى نعى يزيد بن معاوية، وهو ابن ثلاث وستين. (وعبد الرحمن بن الأزهر) على وزن أفعل ابن عوف القرشي الزهري الصحابي، يكنى أبا جبير ابن عم عبد الرحمن بن عوف، شهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد: هو نحو ابن عباس في السن، وبقي إلى فتنة ابن الزبير. وقال ابن مندة: مات قبل الحرة. (أرسلوه) أي كريباً. (إلى عائشة) أم المؤمنين. (اقرأ عليها السلام أي منا جميعاً في القاموس: قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه. أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوباً. (وسلها) أصله اسألها. (عن الركعتين) أي صلاة الركعتين. زاد في رواية: وقل لهما إنا أخبرنا أنك تصليهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما. (قال) أي كريب. (فبلغتها ما أرسلوني) أي بتبليغه من السلام والكلام إليها. (سل أم سلمة) هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية. فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم، ويعلم إن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه، وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم. (فخرجت إليهم) أي فأخبرتهم بقولها: فيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجة وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه. ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة؛ لأنهم لم يرسلوه إليها. (فردوني إلى أم سلمة) أي بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فجئت إليها فسألتها. (ينهى عنهما) أي عن الركعتين بعد العصر، تعني في ضمن نهيه عن الصلاة بعد صلاة العصر بقوله: لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، أو سمعت النهي بالخصوص عنهما، ويؤيد الأول ما في رواية للبخاري، وفي بعض نسخ مسلم "عنها" بضمير المفرد، فإنها تدل على أن الحديث عند أم سلمة هو الحديث العام فقط. (ثم رأيته يصليهما ثم دخل) وفي رواية للبخاري: ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل علي، قال الحافظ: أي فصلاهما

ص: 462

فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ قال: يا ابنة أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان)) .

ــ

حينئذٍ بعد الدخول. وفي رواية مسلم: ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل عندي فصلاهما. (فأرسلت إليه الجارية) قال الحافظ: لم أقف على اسمها. ويحتمل أن تكون بنتها زينب، لكن في رواية البخاري في المغازي: فأرسلت إليه الخادم. وفيه قبول خبر الواحد رجلاً أو امرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكتفاء أم سلمة بأخبار الجارية. (تقول أم سلمة) كنت عن نفسها، ولم تقل هند باسمها؛ لأنها معروفة بكنيتها. ولا بأس للإنسان أن يذكر نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالباً إلا بها، وكنيت بابنها سلمة من أبي سلمة وكان صحابياً. (تنهى عن هاتين الركعتين) هكذا بذكر الركعتين في بعض النسخ. وكذا في المصابيح ومسلم وللبخاري في المغازي. ووقع في بعض نسخ المشكاة والبخاري في الصلاة عن هاتين فقط، أي بحذف الركعتين. (وأراك تصليهما) أي فما السر فيهما. فيه أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئاً يخالف المعروف من طريقته، والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه، فإن كان ناسياً رجع عنه، وإن كان عامداً، وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده، وإن كان مخصوصاً بحال يعلمها، ولم يتجاوزها. وفيه المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فراراً من الوسوسة؛ لأنه بالسوال يسلم من إرسال الظن السيء بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد. (قال) أي للجارية بأن تقول لها في جوابها أو مخاطباً لها. (يا ابنة أبي أمية) هو والد أم سلمة. واسمه سهيل أو حذيفة بن المغيرة المخزومي. ويلقب زاد الراكب؛ لأنه كان أحد الأجواد، فكان إذا سافر لا يترك أحداً يرافقه، ومعه زاد، بل يكفي رفقته من الزاد. (وإنه أتاني ناس من عبد القيس) بالإسلام من قومهم. (فشغلوني عن الركعتين) اللتين. (بعد الظهر) فيه أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بديء بأهمها. ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحديث القوم في الإسلام، وترك سنة الظهر حتى فات وقتها؛ لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم إلى الإسلام أهم. (فهما هاتان) أي الركعتان اللتان صليتهما بعد العصر هما هاتان الركعتان اللتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما، فصليتهما الآن، وقد كان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا فعل شيئاً من الطاعات لم يقطعه فيما بعد. فقد ثبت في مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عنهما فقالت: كان يصليهما قبل العصر، فشغل عنهما أو نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، أي داوم عليها. ومن طريق عروة عنها: ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط. وفيه دليل على

ص: 463

متفق عليه.

ــ

جواز قضاء سنة الظهر بعد صلاة العصر. فإن قيل: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم يدل عليه ما أخرجه أبوداود والبيهقي من طريقه عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال"، وما أخرجه أحمد (ج6: ص315) والطحاوي وابن حبان عن أم سلمة أنها قالت: فقلت: يا رسول الله! أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا. قلنا: الأصل الإقتداء به صلى الله عليه وسلم، وعدم الاختصاص، حتى يقوم دليل صحيح صريح في الاختصاص به. وأما حديث عائشة ففي سنده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة، على أن الظاهر أن عائشة كانت ترى مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما من خصوصياته، لا أصل قضاء الصلاة في ذلك الوقت. وأما حديث أم سلمة ففي الاستدلال به على التخصيص به نظر أيضاً. قال البيهقي: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك، لا أصل القضاء وأما ما روي عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت: فقلت: يا رسول الله! أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا. فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة - انتهى. وقال الحافظ في الفتح: أخرجها الطحاوي، واحتج بها أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وفيه ما فيه - انتهى. قلت: قد أفاض الكلام في تنقيد رواية ذكوان عن أم سلمة هذه العلامة العظيم آبادي في أعلام أهل العصر (ص54- 56) وحقق كونها ضعيفة، وأطال الكلام في هذه المسألة فأجاد، فعليك أن تراجعه. وقال الحافظ: ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي؛ لأن رواية الإثبات لها سبب، فألحق بها ما له سبب، وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له. وأما من يرى عموم النهي، ولا يخصه بما له سبب فيحمل الفعل على الخصوصية. ولا يخفى رجحان الأول - انتهى. وقال الشوكاني: واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة، فما كان أخص منها مطلقاً كحديث يزيد بن الأسود (الآتي في باب من صلى صلاة مرتين) وحديث ابن عباس (عند الدارقطني في استثناء الطواف والصلاة عند البيت عن النهي) ، وحديث علي (عند أبي داود، بلفظ لا تصلوا بعد الصبح، ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة) . وقضاء سنة الظهر بعد العصر، وسنة الفجر بعده فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم، وما كان بينه وبين أحاديث النهي عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت والصلاة على الجنازة لقوله: صلى الله عليه وسلم يا علي! ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت-الحديث. وقد تقدم. وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر وصلاة الاستخارة وغير ذلك، فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب وأخص منها من وجه، وليس أحد العمومين أولى من الآخر يجعله خاصاً لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج - انتهى. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والبيهقي.

ص: 464