المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ونتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض)) رواه أبوداود. ‌ ‌(18) باب الذكر - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ونتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض)) رواه أبوداود. ‌ ‌(18) باب الذكر

ونتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض)) رواه أبوداود.

(18) باب الذكر بعد الصلاة

{الفصل الأول}

966-

(1) عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير

ــ

الأولى أحب. ولفظ ابن ماجه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا. (ونتحاب) كذا في النسخ الموجودة عندنا، ولفظ أبي داود "وأن نتحاب" أي بزيادة "أن" و"نتحاب"-بتشديد الباء الموحدة- من التحابب وهو التوادد، وتحابوا أحب كل واحد منهم صاحبه. قال القاري: أي وأن نتحاب مع المصلين وسائر المؤمنين بأن يفعل كل منا من الأخلاق الحسنة والأفعال الصالحة، والأقوال الصادقة، والنصائح الخالصة ما يؤدي إلى المحبة والمودة. (وأن يسلم بعضنا على بعض) ظاهره شامل للصلاة وغيرها لكنه قيده البزار بالصلاة، ولفظه: وأن نسلم على أئمتنا، وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، أي ينوي المصلي من عن يمينه وشماله من البشر، وكذا من الملك، فإنه أحق بالتسليم المشعر بالتعظيم. وقال الشوكاني: ويدخل في ذلك سلام الإمام على المأمومين، والمأمومين على الإمام، وسلام المقتدين بعضهم على بعض-انتهى. قال الطيبي: هذا عطف الخاص على العام؛ لأن التحابب أشمل معنى من التسليم ليؤذن بأنه فتح باب المحبة ومقدمتها. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً ابن ماجه، والبزار مختصراً، وزاد البزار: في الصلاة. وأخرجه الحاكم بلفظ أبي داود (ج1:ص270) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وسعيد بن بشير. (أى الأزدي الشامي راوي الحديث عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة) إمام أهل الشام في عصره، إلا أن الشيخين لم يخرجاه بما وصفه أبومسهر من سوء حفظه، ومثله لا ينزل بهذا القدر-انتهى. وقال الحافظ: إسناده حسن، وسكت عنه أبوداود، ولكنه من رواية الحسن عن سمرة. وقد تقدم الكلام في سماع الحسن منه، وقد أخرج أبوداود من وجه آخر عن سمرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها: فابدوا قبل السلام، فقولوا: التحيات الطيبات الصلوات والملك لله، ثم سلموا على اليمين، ثم سلموا على قاربكم، وعلى أنفسكم. لكنه ضعيف لما في من المجاهيل.

(باب الذكر بعد الصلاة) أي بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة. والمراد بالذكر أعم من الدعاء وغيره.

966-

قوله: (كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انتهاءها. (بالتكبير) متعلق بأعرف، ووقع في رواية لمسلم بصيغة الحصر ولفظه:"ماكنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير"، واختلفوا في بيان المراد

ص: 314

بالتكبير، فقيل: المراد به قوله "الله أكبر" مرة أو ثلاثاً بعد السلام فكان صلى الله عليه وسلم يقول "الله أكبر" مرة أو مكرراً إذا فرغ من الصلاة، والمعنى: كنت أعرف بسماع "الله أكبر" انصرافه وفراغه من الصلاة. وقيل: المراد التكبير الذي ورد مع التسبيح والتحميد عشراً أو أكثر فيحتمل أنه كان بدءه بالتكبير قبل التسبيح والتحميد لما ورد: لا يضرك بأيهن بدأت. وقيل: المراد التكبيرات التي في الصلاة عند كل خفض ورفع، والمعنى كنت أعرف انقضاء كل هيئة من الصلاة إلى أخرى بتكبيره أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد كنت أعرف انقضاء الصلاة بانقضاء التكبيرات، وهذان التأويلان يخالفان الباب، ويخالفان أيضاً رواية الشيخين لحديث ابن عباس هذا ومن وجه آخر بلفظ: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. قال العيني: أي كنت أعلم انصرافهم بسماع الذكر-انتهى. وهذه الرواية تؤيد بل تعين القول الأول فهو المعتمد، لكن قوله "التكبير" أخص من هذه الرواية؛ لأنه الذكر أعم من التكبير، فيحتمل أنهم كانوا يرفعون الصوت بالتكبير والذكر كليهما، فيكون الحديث دليلاً على استحباب رفع الصوت بقول "الله اكبر" مرة أو مكرراً، وبأذكار أخرى عقب المكتوبة، ويحتمل أن يكون قوله "التكبير" مفسراً لهذه الرواية، فكأن المراد أن رفع الصوت بالذكر أي بالتكبير، وكأنهم كانوا يبدؤن بالتكبير مرة أو مكرراً قبل الأذكار الأخرى. ويحتمل أن يكون المراد بالتكبير مطلق الذكر بعد الصلاة. وظاهر الحديث أن ابن عباس لم يكن يحضر الجماعة؛ لأنه كان صغيراً ممن لا يواظب على ذلك، ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر، ويحتمل أن يكون حاضراً في أواخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير، قال ابن دقيق العيد: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد-انتهى. قال النووي: هذا الحديث دليل لما قاله بعض السلف: أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وممن يستحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري، ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر، وحمله الشافعي على أنه جهر وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا به دائماً. قال: فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الفراغ من الصلاة، ويخفيان ذلك إلا أن يكون إماماً يريد أن يتعلم منه، فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا-انتهى. قلت: ما ذهب إليه بعض السلف، وابن حزم من المتأخرين من استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر أثر كل صلاة مكتوبة هو القول الراجح عندي، وإن لم يقل به الأئمة الأربعة ومقلدوهم؛ لأن حديث ابن عباس باللفظين نص في ذلك، ويدل على ذلك أيضاً حديث عبد الله بن الزبير الآتي، والحق يدور مع الدليل لا مع الادعاء أو الرجال، نعم لا يبالغ في رفع الصوت، ولا يجهر جهرا مفرطا لقوله صلى الله عليه وسلم: اربعوا على أنفسكم،

ص: 315

متفق عليه.

967-

(2) وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت. ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما

يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) رواه مسلم.

ــ

فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً-الحديث. ولا دليل لمن حمل حديث ابن عباس على أن الجهر كان أحياناً أو وقتاً يسيراً لأجل تعليم المأمومين صفة الذكر والتكبير كما لا دليل لمن حمل حديث الجهر بالتسمية في الصلاة، وحديث الجهر بالتأمين، على أنه كان أحياناً للتعليم، ولا يثبت شيء بالادعاء والتحكم، والراوي وهو ابن عباس لم يقيد رفع الصوت بوقت دون وقت، بل أطلقه وعممه، وفيه أيضاً لفظه "كان" وهي تشعر بالمواظبة، فدل ذلك على أن أكثر عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد كان على رفع الصوت بالتكبير، فالحق أن رفع الصوت بذلك أثر كل صلاة مكتوبة حسن كما صرح به ابن حزم في المحلى (ج4:ص260) . (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي.

967-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم) أى من الصلاة المكتوبة. (لم يقعد) أي في بعض الأحيان فإنه قد ثبت قعوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام أزيد من هذا المقدار. وقيل: المراد لم يقعد مستقبل القبلة إلا مقدار قوله ذلك، ثم يلتفت يمنة أويسرة، أو يستقبل المؤتمين. قال السندي: الظاهر أن المراد لم يقعد على هيئة إلا هذا المقدار ثم ينصرف عن جهة القبلة، وإلا فقد جاء أنه كان يقعد بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس وغير ذلك، فلا دلالة في هذا الحديث على أن المصلي لا يشتغل بالأوراد الواردة بعد الصلاة بل يشتغل بالسنن الرواتب ثم يأتي بالأوراد كما قال بعض العلماء –انتهى. وقيل: المراد لم يقعد بين الفرض والسنة إلا هذا المقدار. قال الطيبي: إنما ذلك في صلاة بعدها راتبة، وأما التي لا راتبة بعدها كصلاة الصبح فلا-انتهى. (اللهم أنت السلام) هو من أسماء الله تعالى، أي أنت السليم من المعائب والآفات، ومن كل نقص، وقال الأمير اليماني: المراد ذو السلامة من كل نقص وآفة، مصدر وصف به للمبالغة. (ومنك السلام) هذا بمعنى السلامة، أي أنت الذي تعطي السلامة وتمنعها، أو منك نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة، أو منك يرجى السلام ويستوهب ويستفاد، أو السلامة من المعائب والآفات مطلوبة منك، أو حاصلة من عندك، فالسالم من سلمته، قال الشيخ الجزري: وأما ما يزاد بعد قوله "ومنك السلام" من نحو "وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام" وأدخلنا دار السلام، فلا أصل له، بل مختلق من بعض القصاص. (تباركت) تفاعلت من البركة وهي الكثرة والنماء، ومعناه تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك. (يا ذالجلال) أي ذا العظمة. (والإكرام) أي الإحسان. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.

ص: 316

968-

(3) وعن ثوبان، رضي الله عنه، قال. ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) رواه مسلم.

969-

(4) وعن المغيرة بن شعبة، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))

ــ

968-

قوله: (إذا انصرف من صلاته) أي سلم منها. قال النووي: المراد بالانصراف السلام. (استغفر ثلاثاً) قال مسلم في صحيحه بعد رواية هذا الحديث: قال الوليد، فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله –انتهى. وقيل: أقله أستغفر الله، والأكمل زيادة العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، والاستغفار إشارة إلى أن العبد لا يقوم بحق عبادة مولاه لما يعرض له من الوسواس والخواطر، فشرع له الاستغفار تداركا لذلك، وقال السندي: استغفر صلى الله عليه وسلم تحقيراً لعمله وتعظيماً لجناب ربه. وكذلك ينبغي أن يكون حال العابد، فينبغي أن يلاحظ عظمة جلال به وحقارة نفسه وعمله لديه، فيزداد تضرعاً واستغفاراً كلما يزداد عملا، وقد مدح الله عباده فقال. {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون} [51: 17، 18] . وقال ابن سيد الناس: هو وفاء بحق المعبودية، وقيام بوظيفة الشكر كما قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. وليبين للمؤمنين سننه فعلا كما بينها قولاً في الدعاء والضراعة ليقتدي به. (وقال) أي بعد الاستغفار. (أنت السلام) أي المختص بالتنزه عن النقائص والعيوب لا غيرك. (ومنك السلام) أي منك السلامة، منها لمن أردت له ذلك لا من غيرك. (يا ذا الجلال والإكرام) بزيادة "يا" في جميع نسخ المشكاة الحاضرة عندنا، وفي صحيح مسلم "ذا الجلال والإكرام" بحذف "يا". وهذا من عظائم صفاته تعالى لا يستعمل في غير الله تعالى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.

969-

قوله: (كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة) أي عقب كل صلاة فريضة. (لا إله إلا الله وحده) أي منفرداً في ذاته. (لا شريك له) أي في أفعاله، وصفاته، وعبادته، وقال ابن حجر: تأكيد بعد تأكيد لمزيد الاعتناء بمقام التوحيد. (له الملك) أي لا لغيره. (وله الحمد) في الأولى والآخرة. قال الحافظ في الفتح: زاد الطبراني من طريق أخرى، عن المغيرة "يحيى ويميت" وهو حي لا يموت، بيده الخير، إلى "قدير". ورواته موثقون. (اللهم لا مانع لما أعطيت) أي من قضيت له بقضاء من رزق أو غيره لا يمنعه أحد عنه. (ولا معطي لما منعت) أي من قضيت له بحرمان لا معطي له. (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم وهو الحفظ، والغنى، والعظمة، والسلطان، وأبو الأب والأم، و"من " في قوله "منك" بمعنى البدل، قال الشاعر:

ص: 317

متفق عليه.

970-

(5) وعن عبد الله بن الزبير، قال. ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته

الأعلى: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير،

ــ

فليت لنا من ماء زمزم شربه

... مبردة باتت على الظمآن

يريد ليت لنا بدل ماء زمزم. وقيل: "منك" بمعنى عندك؛ وقيل: هو صفة الجد أي الكائن منك. وقيل: المضاف فيه مقدر أي من عذابك، وسطوتك، وقضائك، والمعنى: لا ينفع صاحب الغنى والحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان عندك، أو من عذابك، أو بدل لطفك غناه وحظه، أي لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه وينجه فضلك ورحمتك، أو لا ينفع ذا نسب نسبه، وإنما ينفعه العمل الصالح. وروي "الجد" بكسر الجيم، والمعنى: لا ينفع صاحب الجد والاجتهاد في العلم والعمل مجرد اجتهاده في ذلك ما لم يقارنه القبول، وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته. والحديث دليل على استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما أشتمل عليه من ألفاظ التوحيد، ونسبة الأمر كله إليه، والمنع والإعطاء، وتمام القدرة، وظاهره أن يقول ذلك مرة، وفي رواية للنسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التهليل وحده أولاً ثلاث مرات. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي.

970-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى) حديث عبد الله بن الزبير هذا أخرجه مسلم من طرق، ولكن ليس في طريق منها قوله "بصوته الأعلى". وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي ولم تقع هذه اللفظة عندهم أيضاً، ولفظ مسلم في طريق الحجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير، عن عبد الله بن الزبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم في دبر الصلاة أو الصلوات "لا إله إلا الله وحده" الخ. وفي طريق موسى بن عقبة عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير، وهو يقول في أثر الصلاة إذا سلم

وكان يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما السياق الذي ذكره المصنف تبعاً للبغوي فهو للشافعي في كتاب الأم (ج1:ص110) قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الخ. إلا أنه ليس عنده كلمة "لا إله إلا الله" بين قوله " لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقوله "ولا نعبد إلا إياه"، وقوله "إذا سلم" فيه أنه ينبغي أن يكون هذا الذكر تالياً للسلام مقدما على غيره لتقييد القول به بوقت التسليم، ولا يعارض ذلك ما تقدم من حديث عائشة وثوبان، فإنه يحمل على أوقات مختلفة فيقول بعد السلام تارة ما وقع في حديث عائشة وثوبان، وتارة ما وقع في حديث ابن الزبير والمغيرة، وعلى هذا فالسنة أن يأتي بهذه الأذكار على سبيل البدل لا الجمع. وقيل: يجوز الجمع بينها؛ لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينها

ص: 318

لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون)) رواه مسلم.

971-

(6) وعن سعد، أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، ويقول. ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذبك من الجبن، وأعوذ بك من البخل،

ــ

وروى كل واحد ما سمعه منه صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى بعده. والحديث يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة مرة لعدم ما يدل على التكرار. (لا حول) أي لا تحول عن معصية الله. (ولا قوة) على طاعة الله. (إلا بالله) أي بعصمته وإعانته. (ولا نعبد إلا إياه) إذ لا يستحق العبادة سواه. (له النعمة) أي جنسها. قال تعالى. {وما بكم من نعمة فمن الله} [16: 53] . أو له نعمة التوفيق. (وله الفضل) بالقبول أو التفضل على عبادة. (وله الثناء الحسن) على ذاته وصفاته وأفعاله ونعمه وعلى كل حال. (مخلصين له الدين) أي للطاعة. (ولو كره الكافرون) أي كوننا مخلصين دين الله، وكوننا عابدين وموحدين الله. قال الطيبي: قوله "مخلصين" حال عامله محذوف وهو الدال على مفعول "كره"، أي نقول "لا إله إلا الله" حال كوننا مخلصين ولو كره الكافرون قولنا. و"الدين" مفعول به لمخلصين، و"له" ظرف قدم على المفعول به للاهتمام به. قال ابن حجر: وفيه تكلف، والأولى جعله حالاً من فاعل "نعبد" المذكور-انتهى. (رواه مسلم) أي أصل الحديث، وإلا فقوله "بصوته الأعلى" ليس عند مسلم بل هو للشافعي كما عرفت، وكان على البغوي أن يذكر ههنا سياق مسلم لا سياق الشافعي لما اشترط أنه يورد في الصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وكان على المصنف أن ينبه على تسامح البغوي في ذلك. وفي سنده عند الشافعي إبراهيم بن محمد شيخ الشافعي، وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبوإسحاق المدني ضعيف متروك عند جمهور المحدثين، وكان الشافعي حسن الرأي فيه، وارجع إلى التهذيب (ج1: ص158- 161) والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج4: ص4، 5) وأبوداود والنسائي.

971-

قوله: (وعن سعد) أي ابن أبي وقاص. (أنه كان يعلم بنيه) أي أولاده، وفيه تغليب، وقد ذكر ابن سعد في الطبقات أولاد سعد، فذكر من الذكور أربعة عشر نفساً، والإناث سبع عشرة، وروى عنه الحديث منهم خمسة عامر، ومحمد، ومصعب، وعائشة، وعمر. (هؤلاء الكلمات) أي الآتية كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة. (دبر الصلاة) أي عقب الصلاة المكتوبة. فالمراد بالصلاة عند الإطلاق المكتوبة. (اللهم إني أعوذ بك) أي ألتجىء إليك. (من الجبن) بضم الجيم وسكون الباء، وتضم، هو المهابة للأشياء، والتأخر عن فعلها، والمتعوذ منه هو التأخر عن الإقدام بالنفس إلى الجهاد الواجب، والتأخر عن الصدع بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك. (وأعوذ بك من البخل) بضم الباء الموحدة، وإسكان الخاء المعجمة، وبفتحهما، وبضمهما، وبفتح الباء وإسكان الخاء ضد الكرم أي من عدم

ص: 319

وأعوذ بك من أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وعذاب القبر)) . رواه البخاري.

972-

(7) وعن أبي هريرة، قال: ((إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم. فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم،

ــ

النفع إلى الغير بالمال، أو العلم، أو غيرهما، ولو بالنصيحة. قال الطيبي: الجود إما بالنفس وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال وهو السخاوة، ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص. (وأعوذ بك من أرذل العمر) بضم الميم وسكونها لغتان، أي رديئة، وهو ما ينتقص فيه القوى الظاهرة والباطنة، فيصير كالطفل في سخف العقل، وقلة الفهم، وضعف القوة، وفي رواية البخاري: وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر. قال العيني: أي عن الرد، وكلمة "أن" مصدرية، و"أرذل العمر" هو الخرف، يعني يعود كهيئة الأولى في أو أن الطفولية، ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم، ويقال أرذل العمر أردأه، وهو حالة الهرم والضعف عن أداء الفرائض، وعن خدمة نفسه فيما يتنظف فيه، فيكون كلاً على أهله، ثقيلا بينهم يتمنون موته، فإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم. (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) بأن تتزين للسالك، وتغره، وتنسيه الآخرة، ويأخذ منها زيادة على قدر الحاجة، وقال الأمير اليماني: فتنة الدنيا هي الافتتان بشهواتها، وزخارفها حتى تلهيه عن القيام بالواجبات التي خلق لها العبد. (وعذاب القبر) أي من موجبات عذابه، وإنما خص صلى الله عليه وسلم هذه المذكورات بالتعوذ منها؛ لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى أنواع الشرور والمعاصي، وترك العبادات الظاهرة والباطنة، وأما طول العمر مع سلامة القوي والحواس فسعادة عظيمة للمؤمن المطيع. (رواه البخاري) في الجهاد، وفي الدعوات، وأخرجه أيضاً الترمذي في الدعوات، والنسائي في الاستعاذة.

972-

قوله: (إن فقراء المهاجرين) فيهم أبوذر كما عند أبي داود. (قد ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة، جمع دثر-بفتح الدال وسكون المثلثة- أي أهل الأموال، والدثر يجيء بمعنى المال الكثير وبمعنى الكثير من كل شيء. (بالدرجات العلى) بضم العين جمع العلياء، وهي تأنيث الأعلى، والباء للتعدية، وقال الطيبي: للمصاحبة، يعني ذهب أهل الأموال بالدرجات العلى، واستصحبوها معهم في الدنيا والآخرة، ومضوا بها ولم يتركوا لنا شيئاً منها، فما حالنا؟ يا رسول الله! والدرجات يحتمل أن يكون حسية، والمراد الدرجات العالية في الجنة، أو معنوية، والمراد علو القدر عند الله تعالى. (والنعيم المقيم) أي وبالعيش الدائم المستحق بالصدقة. قال الطيبي: فيه تعريض بالنعيم العاجل، فإنه على وشك الزوال. (فقال: وما ذاك؟) أي ما سبب سؤالكم هذا؟ أو ما سبب فوزهم وحيازهم دونكم؟. (ويصومون كما نصوم) زاد في حديث أبي الدرداء عند النسائي في عمل اليوم والليلة "ويذكرون كما نذكر" وللبزار من

ص: 320

ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون

ــ

حديث ابن عمر: وصدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا. (ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق) ؛ لأنهما يتعلقان بالمال ولا مال لنا، فلهم علينا بزيادة العبادات المالية. وفي رواية للبخاري: ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون ويجاهدون، ويتصدقون. (أفلا أعلمكم) قدمت الهمزة للصدارة، والتقدير: ألا أسليكم فلا أعلمكم. (تدركون به) أي بذلك الشيء. (من سبقكم) أي من أهل الأموال الذين امتازوا بالصدقة والاعتاق عليكم، والجملة في موضع نصب، مفعول "تدركون". والمراد بالسبق السبق رتبة أي من حيث كثرة الأعمال بسبب المال، ورجحه الشيخ تقي الدين على السبق زماناً، وعلى هذا ينبغي حمل البعدية في قوله:(وتسبقون به من بعدكم) على البعدية رتبة أيضاً، أي تسبقون به أمثالكم الذين لا يقولون هذه الأذكار، فتكون البعدية معنوية، أي بحسب الرتبة لا حسية. (ولا يكون أحد) أي من الأغنياء؛ لأن الكلام فيهم. (أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم) قيل: الاستثناء متعلق بهذه الجملة الأخيرة فقط، وقيل: يصح جعله متعلقاً بالجمل الثلاث كلها، على معنى يحصل لكم الأحوال الثلاث بالنظر إلى الطوائف إلا من عمل من الطوائف الثلاث مثله. قال الطيبي: فإن قلت: ما معنى الأفضلية في قوله "لا يكون أحد أفضل منكم" مع قوله "إلا من صنع مثل ما صنعتم"، فإن الأفضلية تقتضى الزيادة، والمثلية تقتضي المساواة، قلت: هو من باب قوله:

وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس

يعني إن قدر المثلية تقتضي الأفضلية فتحصل الأفضلية، وقد علم أنها لا تقتضيها فإذا لا يكون أحد أفضل منكم، هذا على مذهب التميمي. ويحتمل أن يكون المعنى: ليس أحد أفضل منكم إلا هؤلاء فإنهم يساوونكم، وأن يكون المعنى بأحد الأغنياء أي ليس أحد من الأغنياء أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم-انتهى. واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه. وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة. (قالوا بلى) أي علمنا ذلك. (قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون) أخبار بمعنى الأوامر، أو من قبيل "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". وقد وقع في هذه الرواية تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه أيضاً قول أبي صالح: يقول: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم، وله من حديث أبي هريرة: تكبر، وتحمد، وتسبح، وكذا في حديث ابن عمر، ووقع في أكثر الأحاديث تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث: الباقيات الصالحات لا يضرك

ص: 321

دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة. قال أبوصالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك

ــ

بأيهن بدأت، لكن الترتيب الذي وقع في أكثر الأحاديث أولى. قال الحافظ: الأولى البداءة بالتسبيح؛ لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى، ثم التحميد؛ لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر، ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك. (دبر كل صلاة) وفي رواية للبخاري "خلف كل صلاة". ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيراً بحيث لا يعد معرضا أو كان ناسياً أو متشاغلاً بما ورد أيضاً، وكآية الكرسي فلا يضر، وظاهر قوله "كل صلاة" يشمل الفرض والنفل، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة الآتي التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلاً بين المكتوبة والذكر، والله أعلم. (ثلاثاً وثلاثين مرة) يحتمل أن يكون المجموع للجميع، فإذا وزع لكل واحد من الثلاثة إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن صالح كما رواه مسلم، لكن لم يتابع سهيل على ذلك، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو "دبر" وفي "ثلاثاً وثلاثين" وهو مفعول مطلق، والتقدير: تسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتكبرون كذلك. وتحمدون كذلك ثم ظاهر هذه الرواية أن يقول ذلك مجموعاً، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف، والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلاث. (قال أبوصالح) وهو راوي الحديث عن أبي هريرة، وهو ذكوان- بفتح المعجمة وسكون الكاف- أبوصالح السمان الزيات المدني مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني، شهد الدار زمن عثمان، ثقة ثبت، من أوساط التابعين، كان يجلب الزيت إلى الكوفة، مات سنة. (101) . (فرجع فقراء المهاجرين) الخ. قول أبي صالح هذا مدرج في حديث أبي هريرة، قال الحافظ في الفتح: هذه الزيادة مرسلة، وقد روى الحديث البزار من حديث ابن عمر، وفيه "فرجع الفقراء" فذكره موصولاً لكن إسناده ضعيف، وروى جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم عن أبي ذر، وقال: فيه، قال أبوذر: يا رسول الله! إنهم قد قالوا مثل ما نقول، فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ونقل الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر، فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد إلا أن هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح-انتهى.. (سمع إخواننا أهل الأموال) بدل، وفائدة البدل إشعار بأن ذلك غبطة لا حسد. (بما فعلنا) ضمن سمع معنى الإخبار فعدى بالباء. (ففعلوا مثله) أي مثل ما فعلنا، وإطلاق الفعل على القول شائع سائغ. (ذلك) أي الزائد من الثواب الذي

ص: 322

فضل الله يؤتيه من يشاء)) . متفق عليه. وليس قول أبي صالح إلى آخره إلا عند مسلم. وفي رواية للبخاري: تسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً، بدل "ثلاثاً وثلاثين".

ــ

حصل لهم على الجود بأموالهم منضماً إلى فعلهم ما فعله الفقراء. (فضل الله يؤتيه من يشاء) قال الطيبي: إشارة إلى أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، نعم لا يخلوا الغني عن أنواع من الخطر، والفقير الصابر آمن-انتهى. قلت: المسألة ذات خلاف مشهور بين السلف والخلف من الطوائف، بسطه الغزالي في إحياء العلوم، والحافظ في الفتح في كتاب الأطعمة، وأما ما ورد من أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمائة سنة من أيام الدنيا، ففيه أن دخول الفقراء قبل الأغنياء لا ينافي فضل الأغنياء، وعلو درجاتهم، وكثرة ثواب أعمالهم؛ لأن ذلك من جهة كون حساب الفقراء يسيراً، سهلاً سريع الانقضاء، والله أعلم. والحديث يدل على فضل الذكر عقب الصلاة، واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة؛ لأنه في معناها، فإن الذاكر يحصل له ما يحصل للداعي إذا شغله الذكر عن الطلب كما في حديث ابن عمر: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، أخرجه الطبراني بسند لين، وحديث أبي سعيد بلفظ: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي-الحديث، أخرجه الترمذي وحسنه. ولأنها أوقات فاضلة ترجى فيها إجابة الدعاء. (متفق عليه) واللفظ المذكور لمسلم، والمراد أنه اتفق الشيخان على أصل هذا الحديث، وإلا فقوله: يتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، من أفراد مسلم. والحديث أخرجه أيضاً النسائي في اليوم والليلة. (وليس قول أبي صالح إلى آخره إلا عند مسلم) . الأحسن أن يقول المصنف بعد قوله "وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" متفق عليه، وزاد مسلم: قال أبوصالح، الخ. (وفي رواية للبخاري) أي في الدعوات. (تسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً، بدل ثلاثاً) نصب على الحكاية. (وثلاثين) قال الحافظ في الفتح: وقع في رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث "تسبحون عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً". ولم أقف في شيء من طريق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك، لا عن سمي، ولا عن غيره، ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع ثم ألقى الكسر، ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: وأظن سبب الوهم أنه وقع في رواية ابن عجلان "تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة" فحمله بعضهم على أن العدد المذكور مقسوم على الأذكار الثلاثة، فروى الحديث بلفظ إحدى عشرة، وألغى بعضهم الكسر فقال "عشراً" والله أعلم. قال: وقد وجدت لرواية العشر شواهد: منها عن علي عند أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي، وعن عبد الله بن عمرو عنده، وعند أبي داود والترمذي، وعن أم سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني، وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون صدر ذلك في أوقات متعددة، أولها عشراً عشراً، ثم

ص: 323

973-

(8) وعن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معقبات لا يخيب قائلهن- أو فاعلهن- دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة)) .رواه مسلم.

974-

(9) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله

ــ

إحدى عشرة، إحدى عشرة، ثم ثلاثاً وثلاثين، ثلاثاً وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال.

973-

قوله: (معقبات) بضم الميم وفتح المهملة وكسر القاف المشددة، أي كلمات معقبات، وهو مبتدأ خبره ثلاث وثلاثون، أو قوله: لا يخيب، الخ. قال الجزري: سميت معقبات؛ لأنها عادت مرة بعد أخرى، أو لأنها تقال عقيب الصلاة، والمعقب من كل شيء ما جاء عقيب ما قبله. (لا يخيب) من الخيبة، أي لا يحرم من أجرهن أي كيفما كان ولو عن غفلة، هذا هو ظاهر هذا اللفظ، والله تعالى أعلم. وقد ذكر بعضهم أنه لا أجر في الأذكار إذا كانت عن غفلة سوى القراءة. (قائلهن، أو فاعلهن) أو للشك من الراوي. (دبر كل صلاة) ظرف القول. (ثلاث وثلاثون تسبيحة) قال الطيبي: قوله: معقبات إما صفة مبتدأ أقيمت أي في الابتدائية مقام الموصوف، أي كلمات معقبات، و"لا يخيب" خبره، و"دبر" ظرف، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون متعلقًا بقائلهن، وإما مبتدأ و"لا يخيب" صفته، و"دبر" صفة أخرى و"ثلاث وثلاثون" خبر، ويحتمل أن يكون "ثلاث وثلاثون" خبر مبتدأ محذوف، أي هن أو هي ثلاث وثلاثون إلى غير ذلك من الاحتمالات. (رواه مسلم وأخرجه أيضاً الترمذي في الدعوات، وحسنه، وذكر الاختلاف في رفعه ووقفه، وأخرجه النسائي في الصلاة. قال النووي في شرح مسلم: ذكر الدارقطني هذا الحديث في استدراكاته على مسلم، وقال: الصواب أنه موقوف على كعب؛ لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ، وهذا الذي قاله الدارقطني مردود؛ لأن مسلماً رواه من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني أيضاً من طرق أخرى مرفوعة، وإنما روي موقوفاً من جهة منصور وشعبة، وقد اختلفوا عليهما أيضاً في رفعه ووقفه، وبين الدارقطني ذلك، وقد قدمنا أن الحديث الذي روي موقوفاً ومرفوعاً يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين، منهم البخاري، وآخرون، حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع، كيف، والأمر هنا بالعكس؟ ودليله أن هذه زيادة ثقة، فوجب قبولها، ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل ممن وقفه-انتهى.

974-

قوله: (من سبح الله) أي قال: سبحان الله. (في دبر كل صلاة) أي فريضة. (وحمد الله) بكسر الميم

ص: 324

ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) .

ــ

المخففة، أي قال: الحمد لله. (وكبر الله) أي قال: الله أكبر. (ثلاثاً وثلاثين) أي في دبر كل صلاة، وحذفه في هذا وما قبله للعلم به من الأول. (فتلك) أي التسبيحات والتحميدات والتكبيرات. (تسعة وتسعون) علم العدد بعد التفصيل، ويسمى فذلكة ليحاط به من جهتين فيتأكد العلم، إذ علمان خير من علم فهو نظير قوله تعالى:{تلك عشرة كاملة} [2: 196] . بعد ذكر ثلاثة وسبعة، وليترتب عليه قوله:(وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: ذلك القائل، يعني ذكر. (تمام المائة) بالنصب على المفعولية، وقيل: مرفوع على أنه مبتدأ خبره. (لا إله إلا الله) قال القاري: تفصيل الكلام في هذا المقام أن لفظ "تمام" إما منصوب على أنه مفعول به لقال؛ لأنه في المعنى جملة، إذ ما بعده عطف بيان، أو بدل، أو خبر محذوف، فصح كونه مقول القول، والمراد من "تمام المائة" ما تتم به المائة، ويجوز أن يكون نصبه بالظرفية أي في وقت تمام المائة، أي عند إرادة تمامها، والعامل فيه لفظ قال. قال ابن الملك: فلفظه "قال" للرسول صلى الله عليه وسلم بدل من سبح، وقال زين العرب، والأبهري: فيه ضمير يعود إلى من سبح، أو مرفوع على أنه مبتدأ وخبره لا إله إلا الله، الخ. فيكون تمام مع خبره حالاً من ضمير سبح، والعائد محذوف، أي حال كونه تمام مائة عليها أو عليه، فلفظه "قال" على هذا تكون للراوي، وضميره عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن الملك: والأول أولى، وعليهما الجزاء إنما يترتب على الشرط إذا وقع تمام المائة التهليل المذكور-انتهى. وكون التهليل المذكور تمام المائة يخالف ما ورد في عدة من الروايات أنه يكبر أربعاً وثلاثين، فإنه يدل على كون تمام المائة التكبير. قال النووي: يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعاً وثلاثين، ويقول معها "لا إله إلا الله وحده" إلى آخره. وقال غيره: بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة، ومرة بلا إله إلا الله، على وفق ما وردت به الأحاديث. (وحده) جوز الكوفية كون الحال معرفة، والبصرية أولوها بالنكرة، وقالوا معناه منفرداً أي في ذاته. (لا شريك له) أي في أفعاله وصفاته نقلاً وعقلاً. (له الملك) أي أصناف المخلوقات له خاصة لا لغيره. (وله الحمد) المصدرية الشاملة لمعنى الفاعلية والمفعولية، فهو الحامد والمحمود. (غفرت خطاياه) هذا جزاء الشرط وهو "من سبح الله". والمراد بالخطايا الذنوب الصغائر. قال القاري: ويحتمل الكبائر. (وإن كانت) أي في الكثرة. (مثل زبد البحر) وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه وتموجه. وأعلم أنه قد ورد في كل من تلك الكلمات الثلاث روايات مختلفة. قال ابن حجر المكي: ورد التسبيح ثلاثاً وثلاثين، وخمساً وعشرين، وإحدى عشرة، وعشرة، وثلاثاً، ومرة واحدة. وسبعين، ومائة، وورد التحميد ثلاثاً وثلاثين، وخمساً وعشرين، وإحدى عشرة، وعشرة، ومائة، وورد التهليل عشرة، وخمساً وعشرين، ومائة. قال الحافظ الزين العراقي: وكل ذلك حسن، وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى. وتقدم عن البغوي أنه جمع بأنه

ص: 325