الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه.
{الفصل الثاني}
1027-
(7) عن عمران بن حصين: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم)) .
ــ
وما هو الأرجح في ذلك. وزاد في رواية للبخاري: وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس. وكأنه عرف الصحابي ذلك من قرينة الحال. وفي هذه الزيادة فوائد: منها أن السجود خاص بالسهو، فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بسجود السهو لا يسجد. وهو قول الجمهور، ورجحه الغزالي، وناس من الشافعية. ومنها أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام، وإن لم يسه المأموم. ونقل ابن حزم فيه الإجماع. وأما إذا سها المأموم دون إمامه فلا سجود عليه في قول عامة أهل العلم، كما في المغني (ج1: ص699) . ومنها أن السجود إنما هو لأجل ترك الجلوس لا لترك التشهد، حتى لو أنه جلس مقدار التشهد، ولم يتشهد لا يسجد. وجزم أصحاب الشافعي وغيرهم أنه يسجد لترك التشهد وإن أتى بالجلوس. والحديث فيه دليل على أن الجلوس الأول والتشهد فيه ليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضاً لبطلت الصلاة بتركه، ولم يجبر بالسجود. ولم يكن بد من الإتيان به، كسائر الفروض، فجبرانه بالسجود عند تركه دل على عدم فرضيته، ولما احتاج إلى الجبران ظهر أنه مهم، وليس كالسنة التي لا يجب بتركها شيء، فإذا هو فوق السنة ودون الفرض، وهو المراد بالواجب عند من يقول به. والله اعلم. (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب من لم ير التشهد الأول واجباً. والحديث أخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي.
1027-
قوله: (عن عمران بن حصين) بضم الحاء المهملة، ابن عبيد بن خلف الخزاعي أبونجيد، أسلم عام خيبر، وصحب وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح. قال ابن عبد البر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يقول عنه أهل البصرة إنه كان يرى الحفظة، وكانت تكلمه حتى اكتوى، أي قبل وفاته بسنتين، وكان قد اعتزل الفتنة، فلم يقاتل فيها، وقال أبونعيم: كان مجاب الدعوة. وتقدم شيء من ترجمته في باب الإيمان بالقدر. (فسجد سجدتين) أي بعد ما سلم، كما يشهد له حديثه الآتي. (ثم تشهد) المراد به التشهد المعهود في الصلاة. (ثم سلم) فيه دليل على مشروعية التشهد بعد سجدتي السهو. واختلف العلماء فيه: فقال أنس والحسن وعطاء: ليس فيهما تشهد ولا تسليم. وقال ابن سيرين وابن المنذر: فيهما تسليم بغير تشهد. قال ابن المنذر التسليم فيهما ثابت من غير وجه، وفي ثبوت التشهد نظر. وروى عن عطاء: إن شاء تشهد وسلم، وإن شاء لم يفعل. وروى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال: أحب إليّ أن يتشهد فيهما. وحكى ابن عبد البر
رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن غريب.
ــ
عن يزيد بن قسيط أنه يتشهد بعدهما ولا يسلم. ورواه أيضاً عن النخعي وغيره. وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه إذا كان سجود السهو قبل السلام سلم عقبه، ولا يعيد التشهد، يعني أنه أجزأه التشهد الأول، ولم يحتج إلى إعادته بعد سجود السهو، واختلف فيه القول عن مالك. وأما إذا سجدهما بعد السلام فذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يتشهد ثم يسلم، كما يظهر من كتب الفروع. والراجح عندنا: أنه مخير في التشهد إن شاء تشهد بعدهما وإن شاء لم يتشهد. وأما التسليم فلا بد منه، والله اعلم. (رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أيضاً أبوداود وابن حبان والحاكم (ج1: ص323) والبيهقي (ج2: ص355) وأخرجه النسائي بدون ذكر التشهد كلهم من رواية أشعث عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين. وقد سكت عنه أبوداود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين. قال الحافظ في الفتح بعد نقل تحسين الترمذي وتصحيح الحاكم: وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما. ووهموا رواية أشعث لمخالفة غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد. وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضاً في هذه القصة. (أي في قصة ذي اليدين المتقدمة) قلت: لابن سيرين فالتشهد؟ قال لم أسمع في التشهد شيئاً. وقد تقدم من طريق ابن عون عن ابن سيرين، قال: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران. (يعني الذي يأتي في الفصل الثالث) ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث شاذة. ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت، لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي. وفي إسنادهما ضعف. فقد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن. قال العلائي: وليس ذلك ببعيد. وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة - انتهى. قلت: حديث ابن مسعود عند أبي داود والنسائي والبيهقي (ج2: ص356وص336) من طريق خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً بلفظ: إذا كنت في صلاة، فشككت في ثلاث أو أربع، وأكبر ظنك على أربع، تشهدت ثم سجدت سجدتين، وأنت جالس قبل أن تسلم. ثم تشهدت أيضاً، ثم تسلم. قال البيهقي في المعرفة: حديث مختلف في رفعه. وخصيف غير قوي. وأبوعبيدة عن أبيه مرسل، أي منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع عن أبيه عبد الله بن مسعود. ولفظ المغيرة عند البيهقي (ج2: ص355) أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو. قال البيهقي: تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن الشعبي. ولا حجة فيما تفرد به لسوء حفظه وكثرة خطئه في الروايات - انتهى.
1028-
(8) وعن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، وإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو)) .
ــ
1028-
قوله: (إذا قام الإمام) أي شرع في القيام وفي معناه المنفرد. (في الركعتين) أي بعدهما من الثلاثية أو الرباعية قبل أن يقعد ويتشهد. (فإن ذكر) أي تذكر أن عليه بقية من الصلاة. (قبل أن يستوي قائماً) سواء يكون إلى القيام أقرب أو إلى القعود. قال القاري: وهو ظاهر الرواية، واختاره ابن الهمام، ويؤيده الحديث - انتهى. ومقابله ما في الهداية إن كان إلى القعود أقرب عاد، ولو إلى القيام فلا - انتهى. قلت: أخرج هذا الحديث أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي بألفاظ متقاربة. وليس فيها ما يدل على هذا التفصيل. فالصحيح هو الأول. وهو المختار عند الحنفية. (فليجلس) أي ليأتي بالتشهد الأول: زاد في رواية الدارقطني: ولا سهو عليه. وقد تمسك بها من قال إن سجود السهو إأنما هو لفوات التشهد الأول لا لفعل القيام. وإلى ذلك ذهب النخعي والأسود وعلقمة والشافعي في أحد قوليه. وذهب أحمد إلى أنه يجب السجود للسهو لفعل القيام؛ لما روي عن أنس أنه تحرك للقيام من الركعتين الأخريين من العصر على جهة السهو فسبحوا، فقعد ثم سجد للسهو. أخرجه البيهقي والدارقطني موقوفاً عليه إلا أن في بعض طرقه أنه قال: هذه السنة. قال الحافظ: ورجاله ثقات. وقد رجح حديث المغيرة لكونه مرفوعاً، ولأنه يؤيده حديث ابن عمر مرفوعاً: لا سهو إلا في قيام عن جلوس، أو جلوس عن قيام. أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي (ج2: ص345) وفيه ضعف. وقال ابن حجر: وظاهر الحديث أن قوله الآتي: ويسجد سجدتي السهو خاص بالقسم الثاني، فلا يسجد هنا للسهو. وإن كان إلى القيام أقرب، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وصححه النووي في عدة من كتبه - انتهى. قلت: واختلف فيه فقهاء الحنفية أيضاً، والأصح هو عدم وجوب السجود؛ لأن فعله لم يعد قياماً، فكان قعوداً، كذا في شرح المنية. (وإن استوى قائماً) ولفظ أحمد وابن ماجه: وإن استتم قائماً. (فلا يجلس) لتلبسه بفرض، فلا يقطعه. (ويسجد) بالرفع. (سجدتي السهو) لتركه واجباً، وهو القعدة الأولى. وفي الحديث أنه لا يجوز العود إلى القعود، والتشهد بعد الانتصاب الكامل؛ لأنه قد تلبس بالفرض، فلا يقطعه لأجل ما ليس بفرض، ثم إذا رجع بعد استوائه قائماً هل تفسد صلاته؟ مختلف عند الأئمة. قال الحافظ في الفتح: فمن سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع، فقد سبحوا به صلى الله عليه وسلم، فلم يرجع. فلو تعمد المصلي الرجوع بعد تلبسه بالركن بطلت صلاته عند الشافعي خلافاً للجمهور - انتهى. واختلف فيه الحنفية. والراجح عندهم عدم الفساد، كما في الدر المختار. وقال الشوكاني: فإن عاد عالماً بالتحريم بطلت صلاته لظاهر النهي، ولأنه زاد قعوداً، وهذا إذا تعمد العود، فإن عاد