الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الأول}
925-
(1) عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: لقيني كعب بن عجرة،
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم وحكمها. ويؤخذ مما أوردنا من بيان الآراء في حكمها بيان محلها وحكمها في الصلاة خاصة. ومن المواطن التي اختلف في وجوب الصلاة عليه فيها: التشهد الأول، وخطبة الجمعة، وغيرها من الخطب، وصلاة الجنازة. ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة: عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء ووسطه وآخره، وفي أوله آكد، وفي آخر القنوت وفي أثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه. وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم، وعند القيام لصلاة الليل وعند ختم القرآن وعند الهمّ والكرب وعند التوبة من الذنب وعند قراءة الحديث العلم والذكر وعند نسيان الشيء، وورد ذلك أيضاً في أحاديث ضعيفة، وعند استلام الحجر وعند طنين الأذن وعند التلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس، وورد المنع منها عندهما أيضاً، وورد الأمر بالإكثار منها يوم الجمعة في حديث صحيح، كذا في الفتح. وأما صفتها، فقال ابن قدامة في المغني (ج1: ص585) : الأولى أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الصفة التي ذكر الخرقي؛ لأن ذلك حديث كعب بن عجزة، وهو أصح حديث روي فيها. وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما ورد في الأخبار أي الصحيحة جاز، كقولنا في التشهد، وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار جاز؛ لأنه لو كان واجباً لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبويعلي: ظاهر كلام أحمد أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب لقوله في خبر أبي زرعة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر، من تركها أعاد الصلاة، ولم يذكر الصلاة على آله، وهذا مذهب الشافعي، ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان. وقال بعض أصحابنا: تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب؛ لأنه أمر به، والأمر يقتضي الوجوب، والأول أولى، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بهذا حين سألوه تعليمهم، ولم يبتدءهم-انتهى. وسيأتي مزيد الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى. وقد أطال الكلام في مسألة الصلاة عليه فأجاد، وأحسن العلامة الخفاجي في "نسيم الرياض" شرح "شفاء القاضي عياض"، والإمام ابن القيم في "جلاء الأفهام"، والسخاوي في "القول البديع في الصلاة على الشفيع" والقسطلاني في "المواهب اللدنية" من أحب رجع إلى هذه الكتب.
925-
قوله: (عن عبد الرحمن بن أبي ليلي) الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة من كبار التابعين، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ست وثمانين. وقيل: إنه غرق بدجيل. ووالده أبوليلي الأنصاري صحابي، اسمه بلال، أو بليل- بالتصغير- ويقال: داود، وقيل: يسار- بالتحتانية- وقيل: أوس. شهد أحداً وما بعدها، وعاش إلى خلافة علي. (لقيني كعب) وعند الطبري: إن ذلك كان وهو يطوف بالبيت الحرام. (بن عجرة) بضم العين
فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى، فأهدها لي. فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يارسول الله! كيف الصلاة عليكم
ــ
المهملة وسكون الجيم، بعدها راء مفتوحة فهاء تانيث، البلوى حليف الأنصار، أبومحمد المدني، صحابي مشهور، نزل الكوفة قال الواقدي: استأخر إسلامه، ثم أسلم وشهد المشاهد، وهو الذي نزلت فيه بالحديبية الرخصة في حلق رأس المحرم والفدية. روى سبعة وأربعين حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بمثلهما، روى عنه جماعة. مات بالمدينة سنة إحدى، وقيل: ثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين. قال بعضهم: وهو ابن خمس، وقيل: سبع وسبعين سنة. (فقال) لي. (ألا) الهمزة للاستفهام. (أهدى) بضم الهمزة. (هدية) بتشديد الياء، وهي اسم مصدر، والمصدر إهداء؛ لأنه من "أهدى" والهدية ما يتقرب به إلى المهدى إليه توددا وإكراما. وزاد فيه بعضهم "من غير قصد نفع عوض دنيوي، بل لقصد ثواب الآخرة" وأكثر ما يستعمل في الأجسام لا سيما والهدية فيها نقل من مكان إلى آخر، وقد يستعمل في المعاني كالعلوم والأدعية مجازاً لما يشتركان فيه من قصد المواددة والتواصل في إيصال ذلك إليه. (فأهدها) بقطع الهمزة. (فقال: سألنا) بسكون اللام. والفاء للتفسير، إذ التقدير: أردنا السؤال. (فقلنا) أراد بإيراد صيغة الجمع نفسه وغيره من الصحابة ممن كان حاضراً. قال في الفتح: وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة، وهم كعب بن عجرة عند الطبراني، وبشير بن سعد والد النعمان في حديث أبي مسعود عند مالك، ومسلم، وزيد بن خارجة الأنصاري عند النسائي، وطلحة بن عبيد الله عند الطبري، وأبو هريرة عند الشافعي، وعبد الرحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة، فإن ثبت أن السائل كان متعدداً فواضح، وإن ثبت أنه كان واحدا فالحكمة بالتعبير بصيغة الجمع الإشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه، ومن يوافقه على ذلك، ولا يقال هو من باب التعبير عن البعض بالكل، بل حمله على ظاهره هو المعتمد لما ذكر. وعند البيهقي والخلعي عن كعب بن عجرة، قال: لما نزلت: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [33: 56] الآية، قلنا: يا رسول الله! قد علمنا- الحديث. (كيف الصلاة؟) أي كيف لفظ الصلاة في الصلاة بعد التشهد؟ قال القاضي: يحتمل أن يكون سؤالهم عن كيفية الصلاة في غير الصلاة، ويحتمل أن يكون في الصلاة. قال: وهو الأظهر. قال النووي: وهذا اختيار مسلم، ولهذا ذكر هذا الحديث في هذا الموضع أي بعد أحاديث التشهد. (عليكم) فيه تغليب، ويدل عليه الحديث الآتي: كيف نصلي عليك؟ قاله القاري. وقال الحافظ: أما إتيانه بصيغة الجمع في قوله "عليكم" فقد بين مراده بقوله "أهل البيت"؛ لأنه لو اقتصر عليها لاحتمل أن يريد بها التعظيم، وبها تحصل مطابقة الجواب للسؤال حيث قال "على محمد وعلى آل محمد"، وبهذا يستغنى عن قول من قال: في الجواب زيادة على السؤال؛ لأن السؤال وقع عن كيفية الصلاة عليه، فوقع الجواب عن ذلك بزيادة
أهل البيت؟ فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك.
ــ
كيفية الصلاة على آله- انتهى. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي: المقصود السؤال عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وذكر أهل البيت تبعاً واستطراداً. وقيل: أهل البيت كناية عن ذاته صلى الله عليه وسلم، والأهل بمعنى الآل، وقد يقال: آل فلان، ويراد به نفسه وذاته فقط. كما قيل في آل داود ونحوه. وفي قوله "أهل البيت" تلميح إلى قوله تعالى:{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} [11: 73] والقرينة على إرادة هذا المعنى قوله الآتي: فإن الله قد علمنا، الخ. (أهل البيت) بالنصب على المدح والاختصاص، أو على أنه منادى مضاف، ويجوز جره لكونه عطف بيان لضمير المخاطب. (فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك) يعني في التشهد، وهو قول المصلي "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته". والمعنى: علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك، وبواسطة بيانك، وفي رواية للبخاري: قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ وفي أخرى: أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ أي إن الله تعالى أمرنا بالصلاة والسلام عليك بقوله:{صلوا عليه وسلموا تسليما} [33: 56]، وقد عرفنا كيفية السلام عليك بما علمتنا في التحيات من أن نقول: السلام عليك أيها النبي، الخ. فعلمنا كيف اللفظ الذي به نصلي عليك كما علمتنا السلام؟ فالمراد بعدم علمهم الصلاة عدم معرفة تأديتها بلفظ لائق به عليه الصلاة والسلام، ولذا وقع بلفظ "كيف" التي يسأل بها عن الصفة. قال القرطبي: هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله، وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها-انتهى. والحامل لهم على ذلك أن السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" فهموا منه أن الصلاة أيضاً تقع بلفظ مخصوص، وعدلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص، ولاسيما في ألفاظ الأذكار، فإنها تجيء خارجة عن القياس غالبا، فوقع الأمر كما فهموا، فإنه لم يقل لهم: قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا قولوا: الصلاة والسلام عليك، الخ. بل علمهم صيغة أخرى. وفي حديث أبي مسعود البدري عند أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني في سننه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في سننه: أنهم قالوا، يارسول الله! أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ وفي رواية: كيف نصلي في صلاتنا؟ قال الدارقطني: إسناده حسن متصل- وقال البيهقي: إسناده حسن، صحيح، وصححه الحاكم أيضاً. واستدل به جماعة من الشافعية كابن خزيمة، والبيهقي على إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة في القعود آخر الصلاة بين التشهد والسلام. وتعقب بأنه لا دلالة فيه على ذلك، بل إنما يفيد إيجاب الإتيان بهذه الألفاظ على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد. وعلى تقدير أن يدل على إيجاب أصل الصلاة فلا يدل على هذا المحل المخصوص، ولكن قرب البيهقي ذلك بأن الآية لما نزلت وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد، والتشهد داخل الصلاة، فسألوا عن كيفية الصلاة، فعلمهم، فدل على أن المراد بذلك
قال: قولوا: اللهم صل على محمد
ــ
إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم، وأما احتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة فهو بعيد كما قال عياض وغيره. (قولوا) قال القسطلاني: الأمر ههنا للوجوب اتفاقاً، نعم اختلف هل يتعدد أم لا؟ فقيل: في العمر مرة واحدة، وقيل: في كل تشهد يعقبه سلام، قاله الشافعي. وقال الشوكاني في النيل: قوله في الحديث "قولوا" استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، وإلى ذلك ذهب عمر، وابنه، وابن مسعود، وجابر بن زيد، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي، وأبوجعفر الباقر، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وابن المواز. واختار القاضي أبوبكر ابن العربي، وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، منهم مالك، وأبوحنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، وآخرون. قال: ويمكن الاعتذار عنه بأن الأمر المذكور تعليم كيفية، وهو لا يفيد الوجوب، فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره: إذا أعطيتك درهماً فكيف أعطيك أياه أسراً أم جهراً؟ فقال له: أعطيته سراً، كان ذلك أمرا بالكيفية التي هي السرية، لا أمرا بالإعطاء. وتبادر هذا المعنى لغة وشرعاً وعرفاً لا يدفع، وقد تكرر في السنة وكثر، فمنه: إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين-الحديث. وقد أطال الكلام على دلائل القائلين بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في القعود آخر الصلاة، والاعتذار عنها. ومال إلى عدم وجوبها في الصلاة. والأحوط عندي هو وجوبها لما تقدم من تقرير البيهقي في الاحتجاج لذلك، ولما سيأتي. وقد ألزم العراقي من قال من الحنفية بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر، كالطحاوي، ونقله السروجي في شرح الهداية عن أصحاب المحيط، والعقد، والتحفة، والمغيث، من كتبهم أن يقولوا بوجوبها في التشهد، لتقدم ذكره في آخر التشهد، لكن لهم أن يلتزموا ذلك، لكن لا يجعلونه شرطاً في صحة الصلاة. (اللهم) هذه كلمة كثر إستعمالها في الدعاء، وهو بمعنى ياالله، والميم عوض عن حرف النداء، ولا يدخلها حرف النداء إلا في نادر، كقول الراجز:
إني إذا مات حادث ألما
…
... أقول: يا اللهم يا اللهما
واختص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء ووجوب تفخيم لامه، وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف، وبالباء في القسم، وذهب الفراء من تبعه من الكوفيين إلى أن أصله ياالله! وحذف حرف النداء تخفيفاً، والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل أمنا بخير، وقيل: بل زائدة كما "زرقم" للشديد الزرقة، وزيدت في الاسم العظيم تفخيماً، وقيل: غير ذلك (صلى على محمد) قال الجزري في النهاية معناه: عظمه في الدنيا بإلا ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل، المعنى: لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، وقلنا: اللهم صل أنت على محمد؛ لأنك أعلم بما يليق به. وهذا الدعاء قد اختلف هل يجوز إطلاقه على غير النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ والصحيح أنه خاص به فلا يقال لغيره. وقال الخطابي: الصلاة التي بمعنى التكريم
وعلى آل محمد،
ــ
والتعظيم لا تقال لغيره، والتي بمعنى الدعاء والتبرك تقال لغيره، ومنه الحديث: اللهم صلى على آل أبي أوفى، أي ترحم وبرك. وقيل فيه: إن هذا خاص له لكنه هو آثر به غيره، وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحداً-انتهى كلام الجزري. وأرجح للتفصيل إلى الفتح، والعمدة، وزاد المعاد، والقول البديع، قال الحليمي: المقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله بامتثال أمره، وكذا حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا، وتبعه ابن عبد السلام فقال: ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعته له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله لما أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه. وقال ابن العربي: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوع العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة صلى الله عليه وسلم. واختلف في زيادة لفظ السيادة قبل محمد فجعله ابن عبد السلام من باب سلوك الأدب، ومال الشوكاني في النيل إلى أوليته. وقال الأسنوي: قد اشتهر زيادة "سيدنا" قبل "محمد" عند أكثر المصلين وفي كون ذلك أفضل نظر-انتهى. قلت: أما في الصلاة فالظاهر هو تركه وعدم زيادته امتثالاً للأمر، واتباعاً لللفظ المأثور، وأما في غير الصلاة فلا بأس بزيادته. قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن ماجه وابن مردوية عن ابن مسعود، قال: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة، قالوا: فعلمنا. قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك، ورحمتك، وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين-الحديث. قال السخاوي: إن كثيراً من الناس يقولون: اللهم صل على سيدنا محمد، وأتى في ذلك بحثاً: أما في الصلاة فالظاهر أنه لا يقال اتباعاً لللفظ المأثور، وأما في غير الصلاة فقد أنكر صلى الله عليه وسلم على مخاطبة بذلك كما في الحديث المشهور، وإنكاره يحتمل تواضعا، أو كراهة منه أن يحمد مشافهة، أو لأن ذلك كان في تحية الجاهلية، أو لمبالغتهم في المدح، وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم، وقوله للحسن: إن ابني هذا سيد، وقوله لسعد: قوموا إلى سيدكم. وورد قول سهل بن حنيف للنبي صلى الله عليه وسلم: يا سيدي، في حديث عند النسائي، وقول ابن مسعود: اللهم صل على سيد المرسلين. وفي كل هذا دلالة واضحة على جواز ذلك، والمانع يحتاج إلى دليل سوى ما تقدم؛ لأنه لا ينهض دليلاً مع الاحتمالات المتقدمة-انتهى. (وعلى آل محمد) قد اختلف في المراد بالآل في هذا الحديث، فقيل: الراجح أنهم من حرمت عليهم الزكاة، فإنه بذلك فسرهم زيد بن أرقم، والصحابي أعرف بمراده صلى الله عليه وسلم، فتفسيره قرينة على تعين المراد من اللفظ المشترك، وقد فسرهم بآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس. وقيل: المراد بآل محمد، أزواجه وذريته؛ لأن أكثر طرق هذا الحديث جاء بلفظ "وآل محمد"، وجاء في حديث أبي حميد التالي موضعه "وأزواجه وذريته" فدل على أن المراد بالآل الأزواج والذرية. وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثالث، فيحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره، فالمراد بالآل في التشهد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم،
ــ
الأزواج، ومن حرمت عليهم الصدقة. وتدخل فيهم الذرية، فبذلك يجمع بين الأحاديث. وقد أطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم آل محمد كما في حديث عائشة: ماشبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثاً، وفي حديث أبي هريرة: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً، وكأن الأزواج أفردوا بالذكر تنويهاً بهم وكذا الذرية. وقيل: المراد بالآل جميع أمة الإجابة. قال ابن العربي: مال إلى ذلك مالك. وقال النووي في شرح مسلم: هو أظهر الأقوال، قال: وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين-انتهى. وقيده القاضي حسين، والراغب، بالأتقياء منهم. وعليه يحمل كلام من أطلق، ويؤيده قوله تعالى:{إن أولياءه إلا المتقون} [8: 34] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أوليائي منكم المتقون"، وإلى حمله على أمة الإجابة ذهب نشوان الحميري إمام اللغة، ومن شعره في ذلك:
…
آل النبي هم أتباع ملته من الأعاجم والسودان والعرب
…
لو لم يكن آله إلا قرابته صلى المصلي على الطاغي أبي لهب
ويدل على ذلك أيضاً قول عبد المطلب من أبيات:
…
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
والمراد بآل الصليب أتباعه. ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [40: 46] ؛ لأن المراد بآله أتباعه، وقد احتج لهذا القول بحديث أنس رفعه: آل محمد كل تقي. أخرجه الطبراني، ولكن سنده واه جداً. وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف، ويؤيد ذلك معنى الآل لغة. قال في القاموس: الآل أهل الرجل وأتباعه، وأولياؤه، ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالباً، فلا يقال آل الإسكاف، كما يقال أهله- انتهى. وفي تفسيره أقوال أخرى كلها مرجوحة ضعيفة، فلا حاجة إلى ذكرها، ولولا ضعف حديث أنس وكون سنده واهياً جداً لتعين تفسير آل محمد في التشهد بأتقياء أمته، ثم لعل وجه إظهار محمد في قوله "وآل محمد" مع تقدم ذكره هو أن استحقاق الآل بالإتباع لمحمد، فالتنصيص على اسمه آكد في الدلالة على استحقاقهم، والله تعالى أعلم. (كما صليت على إبراهيم) ذكر في وجه تخصيصه من بين الأنبياء وجوه، أظهرها كونه جد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا بمتابعته في أصول الدين أو في التوحيد المطلق والانقياد المحقق، قاله القاري. (وعلى آل إبراهيم) هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة من الشراح، وإن ثبت أن إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجرة، فهم داخلون لا محالة. ثم إن المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم. وفيه ما تقدم في آل محمد، قاله الحافظ. وقال الباجي:"وآل إبراهيم" أتباعه، وهذا يحتمل أن يريد به أتباعه من ذريته، ويحتمل أن يريد أتباعه من كل اتبعه، أي من غير تخصيص بذريته، قال: والأظهر عندي أن الآل الأتباع والعشيرة. واستشكل هذا التشبيه؛ لأن المقرر كون
المشبه دون المشبه به، والواقع ههنا عكسه؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من إبراهيم وآله. وأجيب عن لك بأجوبة، منها: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر، فهو كقوله تعالى:{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} [4: 163] وقوله: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [2: 183] وهو كقول القائل: "أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان"، ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره. ومنه قوله تعالى:{وأحسن كما أحسن الله إليك} [28: 77] ورجح هذا الجواب القرطبي في المفهم. ومنها: أن الكاف للتعليل كما في قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم} [2: 151] وفي قوله: {واذكروه كما هداكم} [2: 198] . ومنها: أن قوله: اللهم صل على محمد، مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقاً بقوله:"وعلى آل محمد". يعني أنه تم الكلام بقوله" اللهم صل على محمد" ثم استأنف"وعلى آل محمد" أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، والمسؤل له مثل إبراهيم وآله، هم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا لنفسه. وفيه أن هذا الجواب وإن نقله أبوحامد عن نص الشافعي، لكنه خلاف الظامر. وتعقب أيضاً بأن غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء، فكيف تطلب لهم صلاة مثل صلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله؟ ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سبباً للثواب. ومنها: أن المسؤول مقابلة الجملة بالجملة، ويدخل في "آل إبراهيم" خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في "آل محمد" نبي، وطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء. ومنها: أن التشبيه لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد فيحصل من مجموع صلاة المصلين من أول التعليم إلى آخر الزمان أضعاف ما كان لآل إبراهيم. وعبر ابن العربي عن هذا بقوله: المراد دوام ذلك واستمراره. ومنها: دفع المقدمة المذكورة أولاً وهي أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، وأن ذلك ليس بمطرد، بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كما في قوله تعالى:{مثل نوره كمشكاة} [24: 35] . وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟ ولكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئاً ظاهراً واضحاً للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا ههنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهوراً واضحاً عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم، ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله "في العالمين"، أي كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، ولذا لم يقع قوله "في العالمين" إلا في ذكر آل إبراهيم، دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث الذي ورد فيه، وهو حديث أبي مسعود عند مالك ومسلم وغيرهما. وعبر الطيبي عن ذلك بقوله: ليس التشبيه المذكور من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر. ومنها: ما قال السندي: أما تشبيه صلاته صلى الله عليه وسلم بصلاة إبراهيم فلعله بالنظر إلى ما يفيده واو العطف من الجمع والمشاركة، وعموم الصلاة المطلوبة له ولأهل بيته صلى الله عليه وسلم، أي شارك أهل بيته معه في الصلاة، واجعل الصلاة عليه عامة له ولأهل بيته كما صليت على إبراهيم كذلك، فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى أن
إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد،
ــ
الصلاة عليه من الله تعالى ثابتة على الدوام كما هو مفاد صيغة المضارع المفيد للاستمرار التجددي في قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [33: 56] فدعاء المؤمنين بمجرد الصلاة عليه قليل الجدوى، بين لهم أن يدعوا له بعموم صلاته له ولأهل بيته ليكون دعاءهم مستجلباً لفائدة جديدة، وهذا هو الموافق لما ذكره علماء المعاني في القيود أن محط الفائدة في الكلام هو القيد الزائد، وكأنه لهذا خص إبراهيم؛ لأنه كان معلوماً بعموم الصلاة له ولأهل بيته على لسان الملائكة، ولذا ختم بقوله:"إنك حميد مجيد"، كما ختمت الملائكة صلاتهم على أهل بيت إبراهيم بذلك. ومنها: ما قال بعض المحققين: وجه الشبه هو كون كل من الصلاتين أفضل وأولى وأتم من صلاة من قبله، أي كما صليت على إبراهيم صلاة هي أتم، وأفضل من صلاة من قبله، كذلك صل على محمد صلاة هي أفضل وأتم من صلاة من قبله. قال السندي بعد ذكره: ويمكن أن تجعل وجه الشبه مجموع الأمرين من العموم والأفضلية. (إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. وقيل: هو بمعنى الحامد أي إنك حامد من يستحق أن يحمد من عبادك، وقيل: هو بمعنى المستحق لجميع المحامد لما في الصيغة من المبالغة. (مجيد) مبالغة ماجد من المجد وهو الشرف، والمجيد صفة من كمل في الشرف، وهذا تذييل الكلام السابق وتقرير له سبيل العموم، أي إنك حميد، فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية، مجيد، كريم الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين، ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك، وبركاتك، وترحمك على حبيبك نبي الرحمة وآله، أو إنك حامد من يستحق أن يحمد، ومحمد من أحق عبادك بحمدك، وقبول دعاء من يدعوا له ولآله. (اللهم بارك على محمد) أي أثبت له وأدم له ما أعطيته من الشرف والكرامة، وزده من الكمالات ما يليق بك وبه. قال الحافظ: المراد بالبركة هنا الزيادة من الخير والكرامة. وقيل: المراد التطهير من الذنوب والتزكية. وقيل: المراد إثبات ذلك واستمراره من قوله: بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة ماء- بكسر أوله وسكون الثانية- لإقامة الماء فيها. والحاصل أن المطلوب أن يُعطوا من الخير أوفاه وأن يثبت ذلك ويستمر دائماً-انتهى. قال القاري: وهذا زيادة على أصل السؤال ووقع تتميماً للكمال. واستدل بهذا الحديث على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في امتثال الأمر، سواء قلنا بالوجوب مطلقاً أو مقيداً بالصلاة، وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية، والأصح عند أتباعه لا تجب. واختلف في الأفضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير، وأما الشافعية فقالوا: يكفي أن يقول: اللهم صل على محمد، واختلفوا هل يكفي الإتيان بما يدل على ذلك كأن يقوله بلفظ الخبر فيقول:"صلى الله على محمد" مثلاً؟ والأصح إجزاءه، وذلك أن الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزاً بطريق الأولى. ومن منع وقف عند التعبد، وهو الذي رجحه ابن العربي، بل كلامه يدل على أن الثواب الوارد لمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة. قال الحافظ في الفتح: واتفق
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ــ
أصحابنا على أنه لا يجزئ أن يقتصر على الخبر كأن يقول: الصلاة على محمد، إذ ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله تعالى، واختلفوا في تعين لفظ محمد، لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم، كالنبي، ورسول الله؛ لأن لفظ "محمد" وقع التعبد به، فلا يجزئ عنه إلا ما كان أعلى منه. وذهب الجمهور إلى الاجتراء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وعمدتهم في ذلك أن الوجوب ثبت بنص القرآن بقوله تعالى:{صلوا عليه وسلموا تسليماً} [33: 56] . فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات، وترك ما زاد على ذلك كما في التشهد، إذ لو كان المتروك واجباً لما سكت عنه. وقد استشكل ذلك ابن الفركاح في الاقليد فقال: جعلهم هذا هو الأقل، يحتاج إلى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة، فإن الأحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والأحاديث التي فيها الأمر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير إلى ما يجب من ذلك في الصلاة، وأقل ما وقع في الروايات: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم، ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إبحاب ذكر إبراهيم وجهين، واحتج لمن لم يوجبه بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قوي، ولفظه:"صلوا عليّ، وقولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد"، وفيه نظر؛ لأنه من اختصار بعض الرواة، فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه بتمامه، وكذا الطحاوي. واختلف في إبحاب الصلاة على الآل، ففي تعيينها أيضاً عند الشافعية والحنابلة روايتان، والمشهور عندهم لا، وهو قول الجمهور، وادعى كثير منهم فيه الإجماع. ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق المروزي، وهو من كبار الشافعية، قال: أنا اعتقد وجوبها. قال البيهقي: وفي الأحاديث الثابتة دلالة على صحة ما قال-انتهى كلام الحافظ. وقال الأمير اليماني في شرح حديث أبي مسعود البدري عند مالك وأحمد ومسلم وغيرهم: الحديث يقتضى أيضاً وجوب الصلاة على الآل، ولا عذر لمن قال بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مستدلاً بهذا الحديث من القول بوجوبها على الآل، إذ المأمور به واحد، ودعوى النووي وغيره الإجماع على أن الصلاة على الآل مندوبة غير مسلمة، بل نقول: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا تتم، ولا يكون العبد ممتثلاً بها، حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الآل؛ لأنه قال السائل: كيف نصلي عليك؟ فأجابه بالكيفية أنها الصلاة عليه وعلى آله، فمن لم يأت بالآل فما صلى بالكيفية التي أمر بها، فلا يكون ممتثلاً للأمر، فلا يكون مصلياً عليه صلى الله عليه وسلم، وكذلك بقية الحديث من قوله: كما صليت، إلى آخره يجب، إذ هو من الكيفية المأمور بها، ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية بإيجاب بعضها وندب بعضها فلا دليل له على ذلك- انتهى. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر حديث أبي مسعود البدري: فيه تقييد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بالصلاة فيفيد ذلك أن هذه الألفاظ المروية مختصة بالصلاة، وأما خارج الصلاة فيحصل الامتثال بما يفيده قوله سبحانه وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} [33: 56] ، فإذا قال القائل "اللهم صل وسلم على محمد" فقد امتثل الأمر القرآني، وقد جاءت أحاديث في تعليمه صلى الله عليه وسلم لصفة الصلاة عليه
متفق عليه. إلا أن مسلماً لم يذكر: على إبراهيم، في الموضعين.
926-
(2) وعن أبي حميد الساعدي، قال: ((قالوا: يا رسول الله!
ــ
فيجزئ المصلي أن يأتي بواحد منها إذا كان صحيحاً كما قلناه في التشهد والتوجه، ولكنه ينبغي أن يأتي بما هو أعلى صحة وأقوى سندا كحديث كعب، وأبي مسعود، ومثل ذلك حديث أبي حميد الساعدي يعني الذي يأتي، ومثل ذلك حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري والنسائي وابن ماجه-انتهى. قال الحافظ: واستدل بالحديث على أن إفراد الصلاة عن التسليم لا يكره، وكذا العكس؛ لأن تعليم التسليم تقدم قبل تعليم الصلاة كما تقدم، فأفرد التسليم مدة في التشهد قبل الصلاة عليه، وقد صرح النووي بالكراهة، واستدل بورود الأمر بهما معاً في الآية، وفيه نظر نعم يكره أن يفرد الصلاة، ولا يسلم أصلاً. وأما لو صلى في وقت، وسلم في وقت آخر فإنه يكون ممتثلاً-انتهى. قال القاري في شرح الشفاء: الواو تفيد الجمعية لا المعية كما عليه الأصولية، فلا دلالة في الآية على كراهية إفراد الصلاة عن السلام، وعكسه كما ذهب إليه النووي وأتباعه من الشافعية، وقد أوضحت ذلك في رسالة مستقلة-انتهى. (متفق عليه) ولفظه للبخاري في ترجمة إبراهيم عليه السلام في كتاب الأنبياء. والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم. (إلا أن مسلماً لم يذكر "على إبراهيم" في الموضعين) أي في قوله " كما باركت" أي واقتصر فيهما على قوله "على آل إبراهيم" وقد ظهر من سياق البخاري المذكور أن ذكر محمد وإبراهيم، وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابت في أصل الخبر فيحمل على أن بعض الرواة حفظ مالم يحفظ الآخر. قال الحافظ: لما اختلفت ألفاظ الحديث في الإتيان بهما معاً وفي إفراد أحدهما كان أولى المحامل أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك كله، ويكون بعض الرواة حفظ مالم يحفظ الآخر، وأما التعدد فبعيد؛ لأن غالب الطرق تصرح بأنه وقع جواباً عن قولهم كيف نصلي عليك؟ ويحتمل أن يكون بعض من اقتصر على "آل إبراهيم" بدون ذكر إبراهيم، رواه بالمعنى، بناء على دخول إبراهيم في قوله "آل إبراهيم". تنبيه: ادعى ابن القيم أن أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر "محمد وآل محمد وبذكر "آل إبراهيم" فقط أو بذكر "إبراهيم" فقط. قال: ولم يجيء في حديث صحيح بلفظ "إبراهيم وآل إبراهيم" معاً. وإنما أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن السباق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود، ويحيى مجهول، وشيخه مبهم، فهو سند ضعيف، وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر قوي، لكنه موقوف على ابن مسعود، وأخرجه النسائي، والدارقطني من حديث طلحة، قال الحافظ بعد ذكر كلام ابن القيم هذا: وغفل أي ابن القيم عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام، وكذا وقع في حديث أبي مسعود البدري، أخرجه الطبري، إلى آخر ما بسط الكلام في ذكر الطرق لأحاديث من ذكر اللفظين معاً.
926-
قوله: (قالوا) أي الصحابة، ووقع عند السراج والطبراني في حديث كعب بن عجرة: أن أصحاب رسول الله
كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم،
ــ
صلى الله عليه وسلم قالوا. (كيف نصلي عليك؟) . أي كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك. (صل على محمد) صلاة تليق به. (وأزواجه) أمهات المؤمنين كما ورد التقييد بذلك في حديث أبي هريرة الآتي. (وذريته) أي نسله أولاد بنته فاطمة رضي الله عنها. قال الباجي: أما الأزواج فهن معروفات. وأما الذرية فمن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ولادة من ولده، وولده ممن تبع النبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه- انتهى. وقال الحافظ: الذرية- بضم المعجمة وحكى كسرها- هي النسل، وقد يختص بالنساء والأطفال، وقد يطلق على الأصل، وهي من ذرأ- بالهمزة- أي خلق الإنسان، إلا أن الهمزة سهلت لكثرة الاستعمال. وقيل: بل هي من الذر، أي خلقوا أمثال الذر، وعليه فليس مهموز الأصل- انتهى. قال السخاوي: فالذرية الأولاد وأولادهم، وهل يدخل أولاد البنات. فمذهب الشافعي ومالك، وهو رواية عن أحمد أنهم يدخلون لإجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى ابن الحاجب الاتفاق على دخول ولد البنات. قال: لأن عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام، وسامحه الشراح في نقل الاتفاق. ومذهب أبي حنيفة ورواية أخرى عن أحمد أنهم لا يدخلون، واستثنوا أولاد فاطمة رضي الله عنها لشرف هذا الأصل العظيم-انتهى. والحديث قد استدل على أن المراد بآل محمد أزواجه وذريته كما تقدم البحث فيه في الكلام على آل محمد. واستدل به على أن الصلاة على الآل لا تجب لسقوطها في هذا الحديث وهو ضعيف؛ لأنه لا يخلو أن يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته، أو أزواجه وذريته، وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب، أما على الأول فلثبوت الأمر بذلك في غير هذا الحديث، وليس في هذا الحديث المنع منه، بل أخرج عبد الرزاق من طريق ابن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ: صل على محمد، وأهل بيته، وأزواجه، وذريته. وأما على الثاني فواضح. واستدل به البيهقي على أن الأزواج من أهل البيت، وأيده بقوله تعالى:{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} [33: 33] . كذا في الفتح. (على آل إبراهيم) بذكر لفظ الآل في الموضعين. وبحذف "على إبراهيم" فيهما، وقد تقدم أن ذكر إبراهيم ثابت في أصل الخبر، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، ويحتمل أن يكون بعض من اقتصر على إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله "آل إبراهيم"؛ لأنه قد يطلق "آل فلان" على نفسه وعليه، وعلى من يضاف إليه جميعاً، كقوله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، وكقوله تعالى:{أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [40: 46] . ومعلوم أن فرعون داخل معهم. قال النووي في شرح المهذب: ينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه، وذريته، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. قال العراقي: بقي عليه مما في الأحاديث الصحيحة ألفاظ أخر، وهي خمسة يجمعها قولك: اللهم
وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) . متفق عليه.
927-
(3) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة، صلى الله عليه عشراً))
ــ
صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه، وذريته، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد- انتهى. قال الشوكاني في النيل: وهذه الزيادات التي ذكرها العراقي ثابتة في أحاديث الباب التي ذكرها ابن تيمية في المنتقى، وذكرناها، وقد وردت زيادات غير هذه في أحاديث أخر عن علي، وابن مسعود، وغيرهما ولكن فيها مقال-انتهى. وقال الحافظ: قد تعقب الأسنوي ما قال النووي فقال: لم يستوعب ما ثبت في الأحاديث مع اختلاف كلامه، وقال الأزرعي: لم يسبق إلى ما قال، والذي يظهر أن الأفضل لمن تشهد أن يأتي بأكمل الروايات، ويقول: كل ما ثبت هذا مرة، وهذا مرة، وأما التلفيق فإنه يستلزم إحداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد-انتهى. وكأنه أخذ من كلام ابن القيم فإنه قال: إن هذه الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق. والأولى أن يستعمل كل لفظ ثبت على حدة، فبذلك يحصل الإتيان بجميع ما ورد، بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة، فإن الغالب على الظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك، قال: وقد نص الشافعي على أن الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات، ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفة في الحرف الواحد من القرآن، وإن كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم للتمرين. قال الحافظ: والذي يظهر أن اللفظ إن كان بمعنى اللفظ الآخر سواء كما في "أزواجه، وأمهات المؤمنين" فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما، وإن كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الآخر ألبتة فالأولى الإتيان به، ويحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، وإن كان يزيد على الآخر في المعنى شيئاً فلا بأس بالإتيان به احتياطاً. وقالت طائفة منهم الطبري: إن ذلك من الاختلاف المباح، فأي لفظ ذكره المرء أجزأ، والأفضل أن يستعمل أكمله وأبلغه. واستدل على ذلك بالاختلاف النقل عن الصحابة، فذكر ما نقل عن علي وهو حديث طويل موقوف أخرجه الطبري، وسعيد بن منصور، والطبراني، وابن فارس، وعن ابن مسعود أخرجه ابن ماجه، والطبري-انتهى كلام الحافظ مختصراً. (متفق عليه) واللفظ للبخاري في ترجمة إبراهيم من كتاب الأنبياء، وفي الدعوات، وأخرجه أيضاً أحمد، ومالك، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.
927-
قوله: (من صلى علي واحدة) أي صلاة واحدة (صلى الله عليه عشراً) أي عشر صلوات، وكلما زاد زاده بتلك النسبة. قال الشوكاني: المراد بالصلاة من الله الرحمة لعباده، وأنه يرحمهم رحمة بعد رحمة حتى تبلغ رحمته ذلك العدد، وقيل: المراد بصلاته عليهم إقباله عليهم بعطفه، وإخراجهم من ظلمة إلى رفعة ونور كما قال سبحانه: {هو