الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثاني}
885-
(11) عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ــ
885-
قوله: (عن أبي مسعود الأنصاري) قال ابن سعد في الطبقات (ج6: ص9) في ترجمته: شهد ليلة العقبة وهو صغير، ولم يشهد بدراً، وشهد أحداً. وفي التهذيب: قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: لم يشهد بدراً، وهو قول ابن إسحاق، ونقل بعضهم أنه علل نسبة البدري بأنه نزل ماء ببدر، فنسب إليه، ثم رد الحافظ ذلك في التهذيب والإصابة بأنه ثبت في أحاديث صحاح أنه شهد بدراً، وأن هذه الأقوال لا ترد الأحاديث الصحيحة، ولذلك عده البخاري ومسلم وأبوعبيدة والحاكم أبوأحمد فيمن شهد بدراً، وانظر فتح الباري، كذا في تعليق الترمذي للشيخ أحمد محمد شاكر. (لا تجزئ) من أجزأ بهمزة في آخره، أي لا تجوز، ولا تصح، ولا تكفي (صلاة الجل) وفي حكمه المرأة. (حتى يقيم) أي يعدل ويسوي. (ظهره في الركوع والسجود) هذا لفظ أبي داود، ولفظ البقية "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"، قال في المجمع: أي لا يجوز صلاة من لا يسوي ظهره في الركوع والسجود، والمراد الطمأنينة- انتهى. والحديث دليل على فرضية الطمأنينة في الركوع والسجود، فإنه نص صريح في أن من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود لا تجوز صلاته، وهو المراد بفرضية الطمأنينة في الركوع والسجود، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد والجمهور، وهو مذهب أبي يوسف، وهو الحق لحديث الباب، ولحديث المسيء في صلاته، وقد تقدم. ولحديث حذيفة وأبي قتادة في الفصل الثالث. ولحديث أنس المتقدم بلفظ: أقيموا الركوع والسجود. ولحديث علي بن شيبان مرفوعاً: "يا معشر المسلمين! لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود" أخرجه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. قال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. قال السندي في حاشية النسائي، وابن ماجه: المقصود - أي من حديث الباب- الطمأنينة في الركوع والسجود، ولذلك قال الجمهور بافتراض الطمأنينة، والمشهور من مذهب أبي حنيفة ومحمد عدم الافتراض، لكن نص الطحاوي في آثاره أن مذهب أبي حنيفة وصاحبيه افتراض الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو أقرب للأحاديث- انتهى. وقد أسلفنا الكلام فيه مفصلاً في شرح حديث المسيء في أول صفة الصلاة فتذكر. (رواه أبوداود) وسكت عنه. (والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد. (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) وقال الشوكاني: إسناده صحيح، ونقل المنذري كلام الترمذي وأقره.
886-
(12) وعن عقبة بن عامر، قال:((لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم. فلما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم)) رواه أبوداود وابن ماجه والدارمي.
ــ
886-
قوله: (اجعلوها) أي مضمونها ومحصولها. (في ركوعكم) يعني قولوا: سبحان ربي العظيم. (اجعلوها في سجودكم) أي قولوا: سبحان ربي الأعلى، كما يدل عليه حديث ابن مسعود، وحديث حذيفة بعد هذا، ففيهما بيان كيفية هذا الجعل. والحكمة في تخصيص الركوع بالعظيم، والسجود بالأعلى، أن السجود لما كان فيه غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، كان أفضل وأبلغ في التواضع من الركوع، فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل وهو الأعلى، بخلاف التعظيم، جعلاً للأبلغ مع الأبلغ، والمطلق مع المطلق، وأيضاً قد صح:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، فربما يتوهم قرب المسافة فندب "سجان ربي الأعلى" دفعاً لذلك التوهم، وأيضاً في السجود غاية انحطاط من العبد فيناسبه أن يصف فيه ربه بالعلو. والحديث يصلح متمسكاً للقائلين بوجوب تسبيح الركوع والسجود، وقد تقدم جواب الجمهور عنه. قال الطيبي: الاسم ههنا صلة بدليل أنه عليه السلام كان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، فحذف الاسم، وهذا على قول من زعم أن الاسم غير المسمى، وقيل: الاسم يجوز أن يكون غير صلة، والمعنى تنزيه اسمه عن أن يبتذل، وأن لا يذكر على وجه التعظيم، قال الرازي: كما يجب تنزيه ذاته عن النقائص، يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله: "اجعلوها في ركوعكم"، أي اجعلوا التسبيح المستفاد منها، وجاء بيان ذلك التسبيح "سبحان ربي العظيم"، وهذا يفيد أن لفظ الاسم في قوله:{فسبح باسم ربك العظيم} [56: 74] مقحم، وكذا قوله "اجعلوها في سجودكم". وقد يقال: بيان الآية بهذا التسبيح مبني على أن مفعول "سبح" محذوف أي سبحه، وقوله "باسم ربك" حال، أي حال كونه متلبساً باسمه، و"العظيم" هو بيان الاسم، وهذا أقرب إلى تطبيق الآية بالبيان فليفهم، إلا أنه لا يوافق آية السجود- انتهى. (رواه أبوداود، وابن ماجه، والدارمي) وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح. قال الذهبي: في إسناده أياس بن عامر، وليس بالمعروف، وفي تهذيب التهذيب (ج1: ص389) : ومن خط الذهبي في تلخيص المستدرك: ليس بالقوي- انتهى. قلت: أياس هذا قال العجلي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له ابن خزيمة. وقال الحافظ في التقريب: صدوق. وسكت على حديثه هذا أبوداود، والمنذري، وقال النووي: إسناده حسن.
887-
(13) وعن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، قال:((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاث مرات، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه. وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات، فقد تم سجوده، وذلك أدناه)) .
ــ
887-
قوله: (وعن عون بن عبد الله) أي ابن عتبة بن مسعود، ثقة، سمع جماعة من الصحابة، وكان كثير الإرسال. وعبد الله بن مسعود عم أبيه. (سبحان ربي العظيم) بفتح ياء "ربي" ويسكن. (فقد تم ركوعه) أي كمل. (وذلك) أي المذكور من الذكر. (أدناه) في الموضعين، أي أدنى التمام، وهذا المعنى هو المتبادر من هذا السوق، قال ابن الملك: أي أدنى الكمال في العدد وأكمله سبع مرات. قال: فالأوسط خمس مرات. وقال الماوردي: إن الكمال إحدى عشرة، أو تسع، وأوسطه خمس، ولو سبح مرة حصل التسبيح- انتهى. وقيل: إن الكمال عشر تسبيحات، ويدل عليه حديث ابن جبير عن أنس في الفصل الثالث بلفظ:"فحرزنا ركوعه عشر تسبيحات، وسجوده عشر تسبيحات". وقال ابن المبارك، وإسحاق بن راهويه: يستحب خمس تسبيحات للإمام. وقال الشوكاني: لا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم، بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد- انتهى. وسيأتي مزيد الكلام في شرح حديث ابن جبير في الفصل الثالث. وحديث ابن مسعود هذا قد استدل به على استحباب أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات، ويدل عليه أيضاً حديث حذيفة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات، وإذا سجد "سبحان ربي الأعلى" ثلاث مرات. أخرجه ابن ماجه، وفي سنده ابن لهيعة. وحديث أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح في ركوعه "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً، وفي سجوده "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً. رواه البزار، والطبراني في الكبير. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الرحمن بن أبي بكرة صالح الحديث. وحديث جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً، وفي سجوده "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً. رواه البزار، والطبراني في الكبير. قال البزار: لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد، وعبد العزيز بن عبيد الله صالح، ليس بالقوي. وحديث أبي مالك الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فلما ركع قال:"سبحان الله وبحمده" ثلاث مرات، ثم رفع رأسه. رواه الطبراني في الكبير. وفيه شهر بن حوشب، وفيه بعض كلام، وقد وثقه غير واحد. وحديث عبد الله بن مسعود، قال: إن من السنة أن يقول الرجل في ركوعه "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً، وفي سجوده "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً. رواه البزار. وفيه السري بن إسماعيل، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ذكر هذه الأحاديث الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص128) . وهذه الأحاديث وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن كلام، إلا أن بعضها يشد بعضاً، وبمجموعها تصلح للاحتجاج بها على
رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجه. وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل؛ لأن عوناً لم يلق ابن مسعود.
888-
(14) وعن حذيفة، ((أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى. وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ)) رواه الترمذي وأبوداود والدارمي. وروى النسائي وابن ماجه إلى قوله "الأعلى" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ــ
ذلك المطلوب. (رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه) وأخرجه أيضاً الشافعي. (وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل؛ لأن عوناً لم يلق ابن مسعود) وقال أبوداود: هذا مرسل، أي منقطع، عون لم يدرك عبد الله، وذكره البخاري في تاريخه الكبير، وقال: مرسل. والحديث مع انقطاعه، وعدم اتصال سنده، فيه إسحاق بن يزيد الهذلي راويه عن عون، وهو مجهول، كما صرح به في التقريب. وقال الشوكاني: قال ابن سيد الناس: لا نعلمه وثق، ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه خاصة، فلم ترتفع عنه الجهالة العينية ولا الحالية.
888-
قوله: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح (البقرة) فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتح (النساء) فقرأها، ثم افتتح (آل عمران) فقرأها، يقرأ مترسلاً، الخ. فظهر بهذه الرواية أن هذه الصلاة التي صلى بها حذيفة معه صلى الله عليه وسلم كانت صلاة الليل. (إلا وقف وسأل) أي الرحمة. (إلا وقف وتعوذ) أي بالله من العذاب. قال القاري: حمله أصحابنا والمالكية على أن صلاته كانت نافلة، لعدم تجويزهم التعوذ والسؤال أثناء القراءة في صلاة الفرض، ويمكن حمله على الجواز؛ لأنه يصح معه الصلاة إجماعاً، ويدل عليه ندرة وقوعه- انتهى. قلت: رواية مسلم المتقدمة صريحة في أن ذلك كان في صلاة الليل، ولم نقف على نص يدل صريحاً على وقوع ذلك في صلاة الفريضة. (رواه الترمذي، وأبوداود، والدارمي) أي الحديث بكماله. وأخرجه أيضاً أحمد، وأبوداود الطيالسي، ومسلم في صحيحه. (وروى النسائي، وابن ماجه إلى قوله: الأعلى) فيه أنه أخرجه النسائي بنحوه مطولاً أيضاً. قال الجزري: حديث حذيفة هذا رواه مسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجه نحوه. وإيراد محي السنة له في الحسان يدل على أنه ليس في واحد من الصحيحين لاسيما وقد قال: صحيح كعادته في تصحيح ما لم يكن في واحد منهما، فكان ينبغي أن يقدمه في الصحاح؛ لأنه في صحيح مسلم، كذا نقله ميرك ولم أجده في جامع الأصول. ويمكن على بُعد أنه حمل حديث حذيفة عند مسلم وحديثه عند الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه على قضيتين مختلفتين: الأولى في صلاة الليل، والثانية في الفريضة، أي جعلهما حديثين مختلفتين لا حديثاً واحداً، وعلى هذا فلا اعتراض عليه في إيراده لحديث حذيفة الثاني في الحسان لكونه قد ذكره في محله، والله أعلم.