الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه في شرح السنة.
{الفصل الثالث}
1079-
(21) عن عبد الله بن مسعود، قال: ((لقد رأيتنا
ــ
بها عن الغير تبجيلاً لها، وأخرت تفريغاً للقلب عن الغير تعظيما لها. قال القاري: حاصله أن الصلاة مقدمة على جميع الأمور بالذات وغاية الأمور يتقدم عليها لتحصيل كمالها إذا وسع الوقت، وأما عند ضيق الزمان فيجب تقديمها، فيكون في تقديم الأمور وتأخيرها تقديم لأمر الصلاة تبجيلاً لها. قال الطيبي: والوجه أن النهي في الحقيقة وارد على إحضار الطعام قبل أداء الصلاة، أي لا تتعرضوا لما أن حضرت الصلاة تؤخروها لجله من إحضار الطعام والاشتغال بغيرها- انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج4 ص242، 241) وجه الجمع بين الحديثين أن حديث ابن عمر إنما جاء فيمن كانت نفسه تنازعه شهوة الطعام وكان شديد التوقان إليه، فإذا كان كذلك وحضر الطعام وكان في نفس الوقت فضل بدأ بالطعام لتسكن شهوة نفسه فلا يمنعه عن توفية الصلاة حقها، وكان الأمر يخف عندهم في الطعام وتقرب مدة الفراغ منه، إذ كانوا لا يستكثرون منه ولا ينصبون الموائد ولا يتناولون الألوان، وإنما هو مذقة من لبن أو شربة من سويق أو كف من تمر أو نحو ذلك، ومثل هذا لا يؤخر الصلاة عن زمانها ولا يخرجها عن وقتها. وأما حديث جابر فهو فيما كان بخلاف ذلك من حال المصلي وصفة الطعام ووقت الصلاة، وإذا كان الطعام لم يوضع وكان الإنسان متماسكاً في نفسه وحضرت الصلاة وجب أن يبدأ بها ويؤخر الطعام. وهذا وجه بناء أحد الحديثين على الآخر- انتهى. (رواه) أي البغوي. (في شرح السنة) وأخرجه أيضاً أبوداود في الأطعمة، وسكت عنه. وقال المنذري: في إسناده محمد بن ميمون أبوالنضر الكوفي الزعفراني المفلوج. قال أبوحاتم الرازي: لا بأس به. وقال ابن معين ثقة. وقال الدارقطني: ليس به بأس. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبوزرعة الرازي: كوفي لين. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد بأوابده- انتهى. قلت: ووثقه أبوداود، وقال النسائي: منكر الحديث. وقال الحاكم أبوأحمد: حديثه ليس بالقائم له عند أبي داود هذا الحديث الواحد. وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. فالظاهر أن حديثه هذا ليس مما لا يعتبر به. وأخرجه البيهقي (ج3 ص74) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤخر الصلاة لطعام، ولا لغيره. وفيه أيضاً محمد بن ميمون.
1079-
قوله: (لقد رأيتنا) أي معاشر الصحابة أو جماعة المسلمين. قال في اللمعات: الرؤية ههنا بمعنى العلم، ولذا اتحد ضمير الفاعل والمفعول وإن كانا مختلفين بالإفراد والجمع وما يتخلف ساد مسد المفعول الثاني،
وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض. إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة. وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وفي رواية قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس، حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكن صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم،
ــ
والضمير الراجع إلى المفعول الأول محذوف- انتهى. وقال في أشعة اللمعات: كفت ابن مسعود هر آئينه بتحقيق دانستم خودرا وصحابه ديكر راكه حكم ميكرديم باين كه بس نمى ماند از نماز باجماعت مكر منافقي كه بتحقيق معلوم بود وظاهر بود نفاق وى. وقال الطيبي: قد تقرر أن إتحاد الفاعل والمفعول إنما يسوغ في أفعال القلوب وأنها من داخل المبتدأ والخبر، والمفعول الثاني الذي هو بمنزلة الخبر محذوف ههنا، وسد قوله:(وما يتخلف عن الصلاة) أي بالجماعة من غير عذر وهو حال مسده وتبعه ابن حجر، لكن في كون إتحاد الفاعل والمفعول ههنا بحث، إذ المراد بالفاعل المتكلم وحده وبالمفعول هو وغيره، قاله القاري. (إلا منافق قد علم نفاقه) فيه حجة لمن خص التواعد بالتحريق بالنار المتقدم في حديث أبي هريرة بالمنافقين المبطنين للكفر المظهرين للإسلام، وتقدم هناك أن الحافظ حمله على المنافقين نفاق المعصية لا نفاق الكفر. قال الشمني: ليس المراد بالنفاق ههنا من يبطن الكفر ويظهر الإسلام وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن من يبطن الكفر كافر ولكان آخر الكلام مناقضاً لأوله، وفيه أن مراده أن النفاق سبب التخلف لا عكسه وأن الجماعة واجبة على الصحيح لا فريضة للدليل الظني وأن المناقضة غير ظاهر، قاله القاري. (إن كان) إن مخففة من الثقيلة. (المريض ليمشي بين رجلين) أي يتوكأ عليهما لشدة ما به من قوة المرض وضعف البدن. (وقال) أي ابن مسعود. (علمنا سنن الهدى) روى بضم السين وفتحها حكاهما القاضي وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب، ولم يرد السنة المتعارفة بين الفقهاء. (وإن من سنن الهدى الصلاة) أي بالجماعة كما هو صريح السياق. (في المسجد الذي يؤذن فيه) لإمام معين أو غير معين. (مسلماً) أي كاملا. (حيث ينادي بهن) أي في المساجد مع الجماعات. (وإنهن) أي الصلوات الخمس بالجماعة. (ولو أنكم صليتم في بيوتكم) يعني ولو جماعة. (كما يصلي هذا المتخلف) قال الطيبي: تحقير للمتخلف وتبعيد عن مظان الزلفى، كما أن اسم الإشارة في قوله الآتي هذه المساجد ملوح على تعظيمها وبعد مرتبتها في الرفعة. (ولو تركتكم سنة نبيكم لضللتم) قال الطيبي: يدل على أن المراد بالسنة العزيمة. قال ابن الهمام:
وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ورفعه بها درجة، وحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) رواه مسلم.
1080-
(22) وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية، أقمت
صلاة العشاء،
ــ
وتسميتها سنة على ما في حديث ابن مسعود لا حجة فيه للقائلين بالنسبة إذ لا تنافى الوجوب في خصوص ذلك الإطلاق؛ لأن سنن الهدى أعم من الواجب لغة كصلاة العيد- انتهى. وقد يقال لهذا الواجب سنة لكونه ثبت بالسنة أي الحديث، وقوله:"لضللتم" يعطي الوجوب ظاهرا. وفي رواية أبي داود "لكفرتم" وهو على التغليظ أو على الترك تهاوناً وقلة مبالاة وعدم اعتقادها حقاً، أو لفعلتم فعل الكفرة. وقال الخطابي: معناه أنه يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئاً فشيئاً حتى تخرجوا من الملة- انتهى. (فيحسن الطهور) بضم الطاء أي يأتي بواجباًته ومكملاته. (ثم يعمد) بكسر الميم أي يقصد ويتوجه. (من هذه المساجد) أي مساجد المسلمين. (بكل خطوة) بفتح الخاء أو ضمها. (وحط) أي وضع ومحا. (وما يتخلف عنها) أي عن صلاة الجماعة في المسجد. (معلوم النفاق) وفي رواية أبي داود: بين النفاق أي ظاهره. (ولقد كان الرجل) أي المريض. (ويؤتى به) إلى الصلاة. (يهادي بين الرجلين) على بناء المفعول أي يؤخذ من جانبيه فيمشي به إلى المسجد من ضعفه وتمايله. وقال النووي: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضدية يعتمد عليها. (حتى يقام في الصف) قال النووي: في هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها - انتهى. قال الشوكاني: والأثر استدل به على وجوب صلاة الجماعة. وفيه أنه قول صحابي ليس فيه إلا حكاية المواظبة على الجماعة وعدم التخلف عنها ولا يستدل بمثل ذلك على الوجوب - انتهى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي مختصراً ومطولاً.
1080-
قوله: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية) أي الصغار. وفي معناهما أصحاب الأعذار. قال الطيبي: من بيان لما عدل من "من" إلى "ما"، إما لإرادة الوصفية وبيان أن النساء والذرية بمنزلة ما لا يعقل، وأنه مما لا يلزمه حضور الجماعة، وإما لأن البيوت محتوية على الأمتعة والأثاث، فخصتا بالذكر للاعتناء بشأنهما، وما تستعمل عاماً في ما يعقل وما لا يعقل. (أقمت صلاة العشاء) أي أمرت باقامة صلاة العشاء الآخرة للجماعة،
وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار)) روا أحمد.
1081-
(23) وعنه، قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج
أحدكم حتى يصلي))
ــ
وتخصيصها لكثرة تخلف المتخلفين فيها. (وأمرت فتياني) بكسر الفاء جمع فتى أي غلماني وخدمي. وقيل: أي أقوياء أصحابي. (يحرقون) بالتشديد ويخفف. (ما في البيوت) فيه تغليب غير ذوي العقول أو تنزيلهم منزلتهم فإنهم لو كانوا من ذوي العقول لما تخلفوا. (بالنار) فيه تأكيد ووعيد وتهديد. وفيه بيان سبب ترك ما هّم به صلى الله عليه وسلم من تحريق المتخلفين وبيوتهم. (رواه أحمد) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص42) : في إسناده أبومعشر وهو ضعيف. قلت: أبومعشر هذا اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته من رواة الأربعة. قال في التقريب: ضعيف أسن واختلط، مات سنة سبعين ومائة - انتهى. وضعفه أيضاً ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبوداود والنسائي وابن المديني والدارقطني وابن سعد. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال الترمذي: قد تكلم بعض أهل العلم من قبل حفظه. قال محمد: لا أروي عنه شيئاً. وقد روى عنه الناس. قلت: ومع ضعفه يكتب حديثه في الرقاق والتفسير والتاريخ والقصص. قال الأثرم عن أحمد: حديث عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به. وقال أبوحاتم: كان أحمد يرضاه ويقول كان بصيراً بالمغازي قال: وقد كنت أهاب حديثه حتى رأيت أحمد يحدث عن رجل عنه فتوسعت بعد فيه. قيل له: فهو ثقة؟ قال: صالح لين الحديث محله الصدق. قيل: أعدل الأقوال فيه أنه صدوق في الحديث، وأن ضعفه من قبل حفظه، وقد تأيد حديثه هذا بما تقدم من حديث أبي هريرة في الفصل الأول.
1081-
قوله: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الطيبي: المأمور به محذوف وقوله: (إذا كنتم الخ) مقول للقول، وهو حال بيان للمحذوف، والمعنى أمرنا أن لا نخرج من المسجد إذا كنا فيه وسمعنا الأذان حتى نصلي قائلاً إذا كنتم الخ. وقال ابن حجر: أي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نخرج من المسجد بعد سماع أذانه. لكن ليس بصيغة أمر بل بما يدل عليه، وهو قوله إذا كنتم الخ. والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد ما أذن فيه، لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة، يدل عليه حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلنا الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينظف رأسه ماء وقد اغتسل، ففيه دليل على أن النهي عن الخروج عن المسجد بعد الأذان مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلتحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن
رواه أحمد.
1082-
(24) وعن أبي الشعثاء، قال:((خرج رجل من المسجد بعد ما أذن فيه. فقال أبوهريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم))
ــ
ونحوهم، وكذا من كان إماما لمسجد آخر ومن في معناه. قال ابن رسلان في شرح السنن: الخروج مكروه عند عامة أهل العلم إذا كان لغير عذر من طهارة أو نحوها وإلا جاز بلا كراهة - انتهى. قلت: ويدل على جواز الخروج لحاجة حديث عثمان الآتي، وحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح. (رواه أحمد) من طريق شريك عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن أبي هريرة وزاد في أوله من طريق المسعودي وشريك قال: (أي أبوالشعثاء) خرج رجل بعد ما أذن المؤذن فقال: (أي أبوهريرة) أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: (أي أبوهريرة) أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح: وقال المنذري: إسناده صحيح. ورواه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه دون قوله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ - انتهى. يعني به الحديث الذي ذكره المصنف بعد هذا.
1082-
قوله: (عن أبي الشعثاء) اسمه سليم بن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، ثقة باتفاق من كبار أوساط التابعين، مات في زمن الحجاج، وأرخه ابن قانع سنة ثلاث وثمانين. (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) كأنه علم أن خروجه ليس لضرورة تبيح له الخروج كحاجة الوضوء مثلاً. قال الطيبي: أما للتفصيل يقتضي شيئين فصاعداً، والمعنى أما من ثبت في المسجد وأقام الصلاة فيه فقد أطاع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، وأما هذا فقد عصى - انتهى. وفيه دليل على تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان وهو محمول على من خرج بغير ضرورة كما تقدم. قال القرطبي: هذا محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل نسبته إليه وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان، فأطلق لفظ المعصية عليه - انتهى. قلت: حديث مسلم هذا أخرجه أحمد من طريق المسعودي وشريك كلاهما عن أشعث عن أبي الشعثاء بنحوه، وزاد في آخره ما نصه قال: وفي حديث شريك ثم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي. وهو الحديث السابق ففي هذه الرواية التصريح برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ورد التصريح برفعه عند الطبراني من طريق
رواه مسلم.
1083-
(25) وعن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدركه الأذان
في المسجد. ثم خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق)) رواه ابن ماجه.
ــ
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كما تقدم. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي. وأعلم أن قول الصحابي: من فعل كذا فقد عصى الرسول مما أختلف في أنه مرفوع أو موقوف. والصحيح الراجح، أنه مرفوع. قال المنذري في مختصر السنن ذكر بعضهم أن هذا يعني حديث أبي هريرة موقوف، وذكر أبوعمر النمري (ابن عبد البر) : أنه مسند عندهم. وقال: لا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان يعني هذا، وقول أبي هريرة من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله - انتهى. وقال الحافظ في شرح النخبة: ومن ذلك أي من قبيل المرفوغ الحكمي أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله ولرسوله أو معصيته كقول عمار: ومن صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. قال السيوطي في التدريب (ص64) بعد ذكره. وجزم بذلك أيضاً الرزكشي في مختصره نقلاً عن ابن عبد البر: وأما البلقيني فقال الأقرب أن هذا ليس بمرفوع لجواز إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد، وسبقه إلى ذلك أبوالقاسم الجوهري، نقله عنه ابن عبد البر ورده عليه - انتهى.
1083-
قوله: (ولم يخرج) أي والحال أنه لم يخرج. (لحاجة وهو) أي والحال أنه (لا يريد الرجعة) بفتح الراء وسكون الجيم أي الرجوع. (فهو منافق) جواب أو خبر "من" أي عاص، أو فهو في ترك الجماعة كالمنافق أو فاعل فعل المنافق، إذا المؤمن صدقاً ليس من شأنه ذلك. (رواه ابن ماجه) وفيه عبد الجبار بن عمر الأيلي الأموي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهما ضعيفان متروكان، لكن له شاهد قوي من حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط، وقد ذكرنا لفظه، ويشهد له أيضاً ما روى أبوداود في مراسيله والبيهقي (ج3: ص56) عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا منافق إلا لعذر أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع. ومراسيل سعيد بن المسيب قال أحمد: صحاح لا نرى أصح من مرسلاته. وقال الشافعي: إرسال ابن المسيب عندنا حسن، وحديث عثمان هذا أخرجه أيضاً ابن منجر والزيدوني في أحكامه وابن سيد الناس في شرح الترمذي قاله الشوكاني.
1084-
(26) وعن ابن عباس، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من سمع النداء فلم يجبه، فلا
صلاة له إلا من عذر)) رواه الدارقطني.
1085-
(27) وعن عبد الله بن أم مكتوم،
ــ
1084-
قوله: (من سمع النداء) أي وعليه ما نودي لها من الصلاة وإلا فلو صلاها قبل لم يلزم المجيء. (فلم يجبه) أي النداء بالفعل يعني فلم يحضر المسجد. وفي رواية ابن ماجه "فلم يأته"، أي محل النداء لأداء تلك الصلاة التي نودي لها. (فلا صلاة له) أي فليس له تلك الصلاة لو صلاها في غير محل النداء، وإنما أتى بنفي الجنس للدلالة على عموم الحكم لكل صلاة ترك فيها إجابة الأذان، وإلا فليس المراد أنه بطلت صلاته كلها بترك الإجابة مرة. وظاهر الحديث أن الجماعة في المسجد الذي سمع نداءه فرض لصحة الصلاة حتى لو تركها بطلت صلاته، وهو خلاف ما عليه الجمهور، فلا بد لهم من حمل الحديث على نقصان تلك الصلاة أي فلا صلاة له كاملة فنزل نفي الكمال منزلة نفي الذات مبالغة، أو المراد فلا صلاة مقبولة. (إلا من عذر) قال القاري: استثناء من عدم الإجابة. (رواه الدارقطني) وأخرجه أيضاً بقي بن مخلد وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي كلهم من طريق هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الحاكم: صحيح على شرطهما. وقال الحافظ في بلوغ المرام: إسناده على شرط مسلم، لكن رجح بعضهم وقفه. وقال في التلخيص (ص123) : إسناده صحيح لكن قال الحاكم: وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، ثم أخرج له شواهد، منها عن أبي موسى الأشعري وهو من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة عن أبيه بلفظ: من سمع النداء فارغاً صحيحاً فلم يجب فلا صلاة له. ورواه البزار من طريق قيس بن الربيع عن أبي حصين أيضاً، ورواه من طريق سماك عن أبي بردة عن أبيه موقوفاً. وقال البيهقي: الموقوف أصح - انتهى. ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد حديث أبي موسى عن الطبراني في الكبير بلفظ: من سمع النداء فلم يجب من غير ضرر ولا عذر فلا صلاة له. قال: وفيه قيس بن الربيع وثقة شعبة وسفيان الثوري، وضعفه جماعة - انتهى. وقد ظهر بهذا أن إسناد حديث ابن عباس هذا أمثل مما تقدم من روايته في الفصل الثاني.
1085-
قوله: (عن عبد الله بن أم مكتوم) القرشي العامري الأعمى الصحابي المشهور، مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن أم مكتوم. اختلف في اسمه، فقيل: عمرو. وقيل: عبد الله. وقيل: الحصين، والأول أكثر وأشهر وهو عمرو بن زائدة. ويقال: عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم. واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله ابن عكثة وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة واسمها فاطمة، أسلم قديماً
قال: ((يارسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي من رخصة؟ قال: هل تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فحي هلا. ولم يرخص)) . رواه أبوداود والنسائي.
ــ
وهاجر قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرة يصلي بالناس، وشهد القادسية وقتل بها شهيداً وكان معه اللواء يومئذٍ وهو الأعمى المذكور في {عبس وتولى} [80: 1] . وقيل: رجع من القادسية إلى المدينة فمات بها، ولم يسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب له عند أبي داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث الواحد. (كثيرة الهوام) أي المؤذيات من العقارب والحيات جمع هامة، وهي كل ذات سم يقتل، وما يسم ولا يقتل فسامه كالعقرب والزنبور، وقد تقع الهامة على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل ومنه أيؤذيك هو أم رأسك أراد القمل كذا في المجمع. (والسباع) كالذئاب أو الكلاب. (وأنا ضرير البصر) أي أعمى. (فهل تجد لي من رخصة) أي في ترك الجماعة. (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني هل تسمع الأذان وإنما خص اللفظان لما فيهما من معنى الطلب والترغيب. (فحي هلا) بالتنوين وجاء بالألف بلا تنوين وسكون اللام وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحي بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع، وجمع بينهما للمبالغة. قال في شرح المفصل: هو اسم من أسماء الأفعال مركب من حي وهل، وهما صوتان، معناهما الحث والاستعجال، وجمع بينهما وسمي بهما للمبالغة. وكان الوجه أن لا ينصرف كحضر موت وبعلبك، إلا أنه وقع موقع فعل الأمر فبني كصومه، وفيه لغات، وتارة يستعمل "حي" وحده نحو حي على الصلاة، وتارة "هلا" وحدها، واستعمال حي وحده أكثر من الاستعمال هلا وحدها- انتهى. وقال الطيبي: هي كلمة حث واستعجال وضعت موضع أجب. قال ابن حجر: وآثرها لأن أحسن الجواب ما كان مشتقاً من السؤال ومنتزعاً منه. (ولم يرخص) له بالبناء للفاعل. وقيل: للمفعول. والحديث قد استدل به على أن حضور الجماعة واجب عيناً، ولو كان ندبا لكان أولى من يسمعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم، واحتج أيضاً من ذهب إلى ذلك بأن الله عزوجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي جماعة في صلاة الخوف ولم يعذر في تركها، فعقل أنها في حال الأمن أوجب وتأول من قال بكونها فرضاً على الكفاية أو سنة بوجوه. تقدم ذكرها في شرح حديث أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى الخ المتقدم في الفصل الأول. (رواه أبوداود والنسائي) أخرجه أبوداود من طريق أبي رزين الأسدي وعبد الرحمن بن أبي ليلى كلاهما عن ابن أم مكتوم. وبين ألفاظهما اختلاف. وأخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى فقط وابن ماجه من طريق أبي رزين، ولفظ الكتاب هو من رواية ابن أبي ليلى عند النسائي لكن ليس عنده، وكذا عند أبي داود قوله: وأنا ضرير البصر فهل تجد لي من رخصة، نعم يوجد نحو هذا اللفظ في رواية أبي رزين عند أبي داود وابن ماجه. والمصنف ركب الحديث
1086-
(28) وعن أم الدرداء، قالت: ((دخل علي أبوالدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟
قال: والله ما أعرف من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً))
ــ
من الروايتين، وهذا ليس بحسن. والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج3 ص423) والبيهقي (ج3 ص58) وابن حبان والطبراني. زاد ابن حبان وأحمد في رواية: فأتها ولو حبواً. قال المنذري: قد اختلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مرسلاً- انتهى. وفي الباب عن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير وعن جابر عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في الأوسط وابن حبان وعن البراء بن عازب عند الطبراني في الأوسط.
1086-
قوله: (وعن أم الدرداء) زوج أبي الدرداء اسمها هجيمة بنت حي الأوصابية الدمشقية، وهي الصغرى النابعية، ثقة فقهية من رواة الكتب الستة. وأما أم الدرداء الكبرى الصحابية فاسمها خيرة بنت أبي حدرد، ولا رواية لها في هذه الكتب. ماتت قبل أبي الدرداء بالشام في خلافة عثمان. قال علي بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما أم الدرداء، إحداهما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهي خيرة بنت أبي حدرد، والثانية تزوجها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهي هجمية الوصابية، ماتت سنة إحدى وثمانين. قال الحافظ في الفتح: أم الدرداء وهي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية؛ لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء، وعاشت الصغرى بعده زماناً طويلاً. وقد جزم أبوحاتم بأن سالم بن أبي الجعد (المصرح بسماع هذا الحديث منها) لم يدرك أبا الدرداء، فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى، وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى، وهو خطأ لقول سالم سمعت أم الدرداء. (دخل على) بتشديد الياء. (وهو مغضب) بفتح الضاد المعجمة. (ما أغضبك) ما استفهامية. (ما أعرف من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً) أبقوه من الشريعة. (إلا أنهم يصلون) أي الصلاة أو الصلوات، فالمفعول محذوف (جميعاً) أي حال كونهم مجتمعين، يعني أغضبتني الأمور المنكرة المحدثة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأني والله ما أعرف من أمرهم الباقي على الجادة شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً، فيكون الجواب محذوفاً، والمذكور دليل الجواب، قاله القاري. ومراد أبي الدرداء أن أعمال الذين يصلون بالجماعة قد وقع في جميعها النقص والتغيير ما خلا صلاتهم بالجماعة، ولم يقع فيها شيء من ذلك، وكان ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء، فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان. وقوله من أمر أمة محمد كذا وقع في نسخ المشكاة. والذي في البخاري عند أكثر رواته: ما أعرف من محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه فقال يريد من شريعة محمد شيئاً لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. ووقع عند أبي ذر وكريمة: ما أعرف من أمة محمد، وعند أبي الوقت: من أمر محمد بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء، واحد الأمور، وكذا ساقه الحميدى في جمعة. (وكذا ذكره
رواه البخاري.
1087-
(29) وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، قال: إن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وإن عمر غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان. فقال لها:
ــ
الجزري في جامع الأصول (ج6 ص371) ، وكذا هو مسند أحمد، ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم، وعندهم لا أعرف فيهم أي في أهل البلد الذي كان فيه، وكان لفظ فيهم لما حذف من رواية البخاري صحف بعض النقلة أمر بأمة ليعود الضمير في أنهم إلى الأمة، كذا في الفتح. وفي الحديث جواز الغضب عند تغيير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أحمد (ج6 ص443) قال ميرك: لم أجده في البخاري باللفظ الذي أورده المصنف- انتهى. وفيه أن القسطلاني قال: وللحموي من أمر أمة محمد. والله أعلم.
1087-
قوله: (وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة، واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي المدني، روى عن أبيه سليمان وجدته الشفاء وغيرهما، وعنه الزهري وغيره، ثقة عارف بالنصب من الطبقة الوسطى من التابعين، وهم الذين جل روايتهم عن كبار التابعين. (فقد سليمان أبي حثمة) أي ما وجد أباه سليمان بن أبي حثمة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي. قال ابن حبان: له صحبة. وقال ابن عبد البر: رحل مع أمه إلى المدينة، وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، وذكره ابن سعد فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه، وذكر أباه في مسلمة الفتح، وقال في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مندة: ذكر في الصحابة ولا يصح. (في صلاة الصبح) أي يوماً من الأيام. (وإن عمر غدا) أي ذهب. (ومسكن سليمان) مبتدأ خبره. (بين المسجد والسوق) والجملة حالية معترضة. وفي الموطأ: بين السوق والمسجد النبوي. (فمر) أي عمر. (على الشفاء) بكسر الشين المعجمة وبالفاء المخففة ممدوداً. وقيل: مقصوراً، بنت عبد الله بن عبدشمس القرشية العدوية. (أم سليمان) بن أبي حثمة بدل أو عطف بيان. قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء، أسلمت قبل الهجرة بمكة وبايعت، وهي من المهاجرات الأول، كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، وقال لها علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة، واقطعها دارها عند الحكاكين بالمدينة،
(1)
النملة بفتح النون وسكون الميم، بثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق، وبرم مكانها يسيراً، ويدب إلى موضع أخر كالنملة.
لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه. فقال عمر:؛ لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة. رواه مالك.
1088-
(30) وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنان فما فوقهما جماعة))
ــ
فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق. (لم أر) ولدك. (سليمان في الصبح) أي في صلاته بالجماعة في المسجد. فيه تفقد الإمام رعيته، وفيه أيضاً إشارة إلى مواظبة سليمان على صلاة الصبح معه. (إنه بات) أي سهر (يصلي) في الليل. (فغلبته عيناه) أي بالنوم آخر الليل. قال الطيبي: الأصل غلب عليه النوم، فأسند إلى مكان النوم مجازاً. قال الباجي: الظاهر أنه نام فلم يستيقظ وقت الصلاة. ويحتمل أن يكون معنى غلبتهما له عن بلغ منه النوم مبلغاً لا يمكنه الصلاة معه، فنام عن صلاة الجماعة- انتهى. (لأن أشهد) أي أحضر. (أحب إلى أن أقوم) أي أصلي. (ليلة) أن من قيام الليلة وأحيائها بالنوافل لما في ذلك من الفضل الكبير حتى أن صلاة الجماعة واجبة عيناً عند أحمد، وكفاية عند كثير من الحنفية والشافعية، فهي آكد من النوافل. (رواه مالك) عن ابن شهاب الزهري عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حنثمة أن عمر بن الخطاب فقد
…
الخ. قال الزرقاني في شرح الموطأ: وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء، قالت: دخل علي عمر، وعندي رجلان نائمان، تعني زوجها أباحثمة وابنها سليمان، فقال أما صليا الصبح؟ قلت لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا الصبح وناما فقال؛ لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلى من قيام ليلة. قال أبوعمر: خالف معمر مالكاً في إسناده، والقول مالك - انتهى. يعني لأنه قال عن الزهري عن أبي بكر بن سليمان أن عمر الخ. ومعمراً قال عن الزهري عن سليمان عن أمه، فهي مخالفة ظاهرة، وسياق متنه فيه خلف أيضاً إلا أن يقال إن كان محفوظاً احتمل أن هذه مرة أخرى مع أبيه، فهما قصتان فلا خلف - انتهى كلام الزرقاني.
1088-
قوله: (اثنان) أي مع الإمام. وقيل: سوى الإمام، والأول هو الظاهر، بل هو المتعين (جماعة) أي لهما فضل الجماعة إذا صليا مجتمعين أو ينبغي لهما الصلاة بالاجتماع لا بالانفراد. قال الطيبي: اثنان مبتدأ صفة لموصوف محذوف. ويجوز أن يتخصص بالعطف على قول: فإن الفاء للتعقيب، والمعنى اثنان وما يزيد عليهما على التعاقب واحداً بعد واحد يعد جماعة، نحو قولك الأمثل فالأمثل - انتهى. وقال في اللمعات: اثنان مبتدأ وجماعة خبره، ولا حاجة إلى تكلف جعله صفة لموصوف محذوف بناء على قاعدة وجوب تخصيص المبتدأ على ما هو المشهور لما اختاره الرضى من أن المدار على الفائدة - انتهى. وفيه دليل على أن أقل الجماعة إمام
رواه ابن ماجه.
1089-
(31) وعن بلال بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا أستأذنكم.
ــ
ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلاًً أو صبياً أو امرأة. والحديث ضعيف، لكنه يؤيده حديث مالك ابن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما، أخرجه البخاري، وترجم عليه بلفظ حديث أبي موسى هذا حيث قال: باب اثنان فما فوقهما جماعة. قال الدماميني: لما كان لفظ حديث الترجمة ضعيفا، لا جرم أن البخاري اكتفى عنه بحديث مالك بن الحويرث، ونبه في الترجمة عليه - انتهى. قال الحافظ: الترجمة مأخوذة بالاستنباط من لازم الأمر بالإقامة؛ لأنه لو استوت صلاتهما معاً مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كان يقول أذنا وأقيما وصليا. وقيل: وجه المطابقة أنه صلى الله عليه وسلم أنما أمرهما بإمامة أحدهما الذي هو أكبرهما لتحصل لهما فضيلة الجماعة، فصار الاثنان ههنا كأنهما جماعة بهذا الاعتبار. وتوجيحه: أن الإمامة في الشرع تطلب لنيل فضل الجماعة، فطلبها من الاثنين يدل على نيلهما فضل الجامعة وهذا معنى الاثنان جماعة، وكونهما جماعة يستلزم كون الأكثر جماعة بالأولى. (رواه ابن ماجه) وأخرجه أيضاً ابن عدي والبيهقي (ج3: ص69) وفي سنده الربيع بن بدر بن عمرو بن جراد التميمي السعدي روى عن أبيه عن جده عمرو بن جراد، والربيع متروك، وأبوه بدر، وجده عمرو مجهولان. والحديث روي من طرق أخرى. كلها ضعيفة، كما صرح به الحافظ في الفتح، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص45) . وهي ما روى في معجم البغوي، وطبقات ابن سعد من حديث الحكم بن عمير، وفي إفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو، وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي أمامة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده، فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام رجل فصلى معه، فقال هذان جماعة. والقصة المذكورة دون قوله "هذان جماعة" أخرجها أبوداود والترمذي من وجه آخر صحيح.
1089-
قوله: (عن بلال بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي. قال أبوزرعة: مدني ثقه، وقال حمزة الكناني: لا أعلم له غير هذا الحديث الواحد من أوساط التابعين. (لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد) أي ثوابهن الحاصل لهن بحضورهن للصلاة ونحوها في المساجد. (إذا استأذنكم) بتشديد النون. قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم، هكذا وقع في أكثر الأصول أستأذنوكم. وفي بعضها أستأذنكم. (أى بتشديد النون) . وهذا ظاهر، والأول صحيح أيضاً، وعوملن معاملة
فقال بلال: والله لنمنعهن. فقال له عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتقول أنت: لنمنعهن. وفي رواية سالم عن أبيه، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبّاً ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: والله لنمنعهن)) رواه مسلم.
1090-
(32) وعن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعهن رجل أهله أن يأتوا المساجد. فقال ابن لعبد الله بن عمر: فإنا نمنعهن. فقال عبد الله: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا،
ــ
الذكور لطلبهن الخروج إلى مجلس الذكور. (فقال بلال) فيه تجريد أو التفات، إذ أصله فقلت. (والله لنمنعهن) قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة. (فقال له عبد الله) والد بلال. (أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فتعارض هذا النص برأيك. (وتقول أنت لنمنعهن) قال الطيبي: يعني أنا آتيك بالنص القاطع، وأنت تتلقاه بالرأى، والرواية الأخيرة أبلغ لسبه إياه سباً بليغاً، وهذا دليل قوى لا مزيد عليه في الباب. (وفي رواية سالم) هو سالم بن عبد الله بن عمر الخطاب القرشي العدوي أبوعمر، أو أبوعبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً، كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت من كبار الطبقة الوسطى من التابعين، مات في آخر سنة ست ومائة في ذى القعدة أو ذى الحجة على الصحيح. (عن أبيه) عبد الله بن عمر. (قال) أي سالم. (فأقبل) أي أبوه. (عليه) أي على بلال. (فسبه سباً ما سمعت سبه مثله قط) وفي مسلم: فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط. وفسر في رواية الطبراني هذا السبب باللعن ثلاث مرات. (أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعدم منعهن. (رواه مسلم) الرواية الأولى أخرجها أحمد (ج2: ص90) بمثلها والطبراني بنحوها. وفيه فقلت أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليسرح أهله. ورواية سالم عن أبيه أخرجها أحمد في مسنده مختصراً.
1090-
قوله: (لا يمنعهن رجل أهله) أي نساءه. (إن يأتوا المساجد) قال الطيبي: ذكر ضمير النساء تعظيما لهن حيث قصدن السلوك مسلك الرجال الركع السجود على نحو قوله تعالى: {وكانت من القانتين} [66: 12] وقول الشاعر: وإن شئت حرمت النساء سواكم. (فقال ابن لعبد الله بن عمر) هو بلال. كما تقدم في رواية مسلم أو واقد كما جاء في مسلم أيضاً فقال ابن له يقال له واقد. قال المنذري: وابن عبد الله بن عمر هذا هو بلال بن عبد الله بن عمر جاء مبنياً في صحيح مسلم وغيره. وقيل: هو ابنه واقد بن عبد الله بن عمر ذكره مسلم في صحيحه أيضاً - انتهى. ورجح الحافظ في الفتح أنه بلال: قال الراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه،
قال: فما كلمه عبد الله حتى مات)) رواه أحمد.
ــ
ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك، قال: فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد. (عند مسلم) محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين، وأجاب ابن عمر كلاً منهما بجواب يليق به ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر، ثم بسط ذلك الاختلاف. (قال) أي مجاهد. (فما كلمه عبد الله حتى مات) قال الحافظ: أخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيراً إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات. وهذا وإن كان محفوظاً يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير - انتهى. قال الطيبي: عجبت ممن يتسمى بالسنى إذا سمع من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله رأى رجح رأيه عليها، وأى فرق بينه وبين المبتدأ، أما سمع لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به، وها هو ابن عمر من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله، وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولى الأبصار. (رواه أحمد) (ج3: ص36) وإسناد صحيح، وأخرج نحوه في (ج3: ص49) .
بعون الله وحسن توفيقه تم الجزء الثالث من مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح،
ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى، وأوله:"باب تسويه الصف".