المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 807- (12) عن أبي حميد الساعدي، قال في - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(10) باب صفة الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب ما يقرأ بعد التكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب القراءة في الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) باب الركوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(14) باب السجود وفضله

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(15) باب التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(16) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(17) باب الدعاء في التشهد

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(18) باب الذكر بعد الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(19) باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(20) باب السهو

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 807- (12) عن أبي حميد الساعدي، قال في

رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

807-

(12) عن أبي حميد الساعدي، قال في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعلمكم بصلاة

رسول الله

ــ

وكلها محتملة أولاها السكوت والخشوع والقيام، وأحدها في هذا الحديث القيام-انتهى. ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن حبشي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال طول القيام. والحديث فيه دليل على أن القيام أفضل من الركوع والسجود وغيرهما. واختلف العلماء في أن القيام أفضل أو السجود. فقالت طائفة ومنهم الشافعي: إن القيام أفضل، فيكون تكميله وتطويله أهم لحديث جابر هذا وما في معناه، ولأنه أدخل في الخدمة والمشقة، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل يطول قيامه، ولو كان السجود أفضل لكان طوله، ولأن الذكر الذي شرع في القيام أفضل الأذكار-وهو القرآن- فيكون هذا الركن أفضل الأركان. وقالت طائفة: السجود أفضل؛ لأنه أدل على الذلة والخضوع، ولأنه روى عن أبي هريرة مرفوعاً: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أخرجه أحمد ومسلم وأبوداود والنسائي. ولقوله صلى الله عليه وسلم لم سأل مرافقته في الجنة: أعني بكثرة السجود، ولحديث "ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفي". ولا يخفى أن هذه الأحاديث لا تعارض حديث جابر ومن وافقه. أما الحديث الأول فلأنه لا يلزم من كون العبد أقر إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام لأن تلك الأقربة في حال السجود إنما هي باعتبار استحبابه الدعاء كما يقتضيه قوله "فأكثروا الدعاء" وهو لا ينافي أفضلية القيام. وأما الحديث الثاني فلأن غاية ما فيه أنه يدل على فضل السجود، ولا يلزم من فضل السجود أفضليته على طول القيام. وأما الحديث الثالث فلأنه لا يصح لإرساله كما قال العراقي. لأن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. وقيل: هما متساويان. وتوقف أحمد في المسألة ولم يقض فيها بشئ. وقال إسحق بن راهوية: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل؛ لأنه يقرأ جزءه، ويربح كثرة الركوع والسجود. قال ابن عدي: إنما قال إسحق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل بطول القيام، ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل-انتهى. قال العراقي: الظاهر أن حديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها الجماعة، وعلى صلاة المنفرد، فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل، ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه، فلا بأس بالتطويل، وعليه يحمل صلاته في المغرب بالأعراف-انتهى (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وابن ماجه.

807-

قوله: (في عشرة) أي في محضر عشرة، يعني بين عشرة أنفس وحضرتهم (أنا أعلمكم بصلاة رسول الله

ص: 66

- صلى الله عليه وسلم، قالوا: فاعرض. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصبي رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي

ــ

صلى الله عليه وسلم) فيه مدح الإنسان لنفسه لمن يأخذ عنه ليكون كلامه أوقع وأثبت عند السامع. قال الحافظ: في الحديث جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب، وأراد تأكيد ذلك عند من سمعه، لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل. وزاد في رواية: قالوا: فلِم؟ فوالله ما كنت أكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة، وللطحاوي "قالوا: من أين؟ قال: رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته". (فأعرض) بهمزة وصل، أي إذا كنت أعلمنا فاعرض علينا ما تعلم، لنرى هل أصبت أو لا. قال في النهاية: يقال عرضت عليه أمر كذا، أو عرضت له الشيء: أظهرته وأبرزته إليه. اعرض بالكسر لا غير، أي بين علمك بصلاته صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقاً لنوافقك إن حفظناه وإلا استفدناه. (قال كان النبي صلى الله عليه وسلم) الخ. هذا يدل على أن أباحميد حكي صلاته صلى الله عليه وسلم بالقول، وروى عنه أنه وصف صلاته بالفعل كما في رواية الطحاوي وابن حبان. قال الحافظ: ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالقول مرة بالفعل (حتى يحاذي بهما) أي بكفيه (منكبيه) ويكون رؤس الأصابع بحذاء أذنيه (ثم يكبر) قال ابن حجر: "ثم" ههنا بمعنى الواو لرواية البخاري السابقة "حين يكبر" وقدمت؛ لأنها أصح وأشهر. وفيه دليل على وجوب وقوع جميع تكبيرة الإحرام في القيام كما مرّ. (ثم يقرأ) قال القاري: لعل القراءة ههنا تعم التسبيح ودعاء الاستفتاح، أو التقدير: ثم يأتي بدعاء الافتتاح والتعوذ كما ثبت من روايات أخر، ثم يقرأ الفاتحة، ثم السورة كما ثبت من روايات أخر أيضاً (ويضع راحتيه على ركبتيه) أي ويفرج أصابعه، ففي رواية لأبي داود: وفرج بين أصابعه (ثم يعتدل) أي في الركوع بأن يسوي رأسه وظهره حتى يصيرا كالصفحة، وتفسيره قوله:(فلا يصبى) بالتشديد، أي لا ينزل (رأسه) أي عن ظهره. يقال: صبى الرجل رأسه يصيبه إذا خفضه جداً. قال في المجمع: وفيه أنه لا يصبي رأسه أي لا يخفضه كثيراً، ولا يميله إلى الأرض، من صبا إليه يصبو، إذا مال، وصبى رأسه تصيبه، شدد للتكثير. وقيل: هو مهموز من صبأ إذا خرج من دين. ويروي لا يصب-انتهى. ويروي أيضاً لا يصوب من التصويب، وكل من التصبية والصب والتصويب بمعنى. وقال القاري: الظاهر أن التشديد في التصبية للتعدية (ولا يقنع) من أقنع رأسه إذا رفع ونصب. أى لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره. (ثم يرفع رأسه) أي بالقومة إلى الاعتدال (معتدلاً) حال من فاعل يرفع (ثم يهوي) أي

ص: 67

إلى الأرض ساجداً، فيجافي يديه عن جنبيه، ويفتخ أصابع رجليه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ثم يعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ثم يعتدل حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم ينهض، ثم يصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخّر رجله اليسرى، وقعد متوركاً على شقه الأيسر،

ــ

ينحط وينزل بعد شروعه في التكبير. والهوى السقوط من علو إلى سفل (ساجداً) أي قاصداً للسجود. (فيجافى) أي يباعد في سجوده (يديه) أي مرفقيه (ويفتح أصابع رجليه) بالخاء المعجمة المفتوحة أي يثنيها ويلينها فيوجهها إلى القبلة وأصل الفتخ الكسر واللين، والمراد أنه ينصبها مع الاعتماد على بطونها، ويجعل رؤسها للقبلة لخبر البخاري: أنه- عليه السلام سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة. ومن لازمها الاستقبال ببطونها والاعتماد عليها. (ثم يرفع رأسه) أي مكبراً (ويثنى) بفتح الياء الأولى، أي يعطف (ثم يعتدل) أي جالساً (حتى يرجع كل عظم في موضعه) أي يستقر فيه (معتدلاً) أي في الجلوس. وهو حال مؤكدة، وفيه الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه (ثم يسجد) أي بعد التكبير (ثم يقول: الله أكبر ويرفع) أي رأسه من السجدة الثانية (ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ثم يعتدل) الخ. فيه ندب جلسة الاستراحة في كل ركعة لا تشهد فيها، وقد تقدم بيانها مفصلاً. (مثل ذلك) أي مثل ما صنع في الركعة الأولى إلا ما استثني. (ثم إذا قام) أي شرع في القيام، أو أراده (من الركعتين كبر ورفع يديه) الخ. فيه استحباب رفع اليدين في القيام من الركعتين بعد التشهد، وهو الموطن الرابع من المواطن الأربعة التي شرع فيها الرفع. (ثم يصنع ذلك) أي ما ذكر من الكيفيات (حتى إذا كانت السجدة التي فيها) أي عقبها (التسليم أخر) أي أخرج (رجله اليسرى) أي من تحت مقعدته إلى الأيمن (وقعد متوركاً على شقه الأيسر) أي مفضياً بوركه اليسرى إلى الأرض غير قاعد على رجليه. فيه سنية التورك في القعدة الأخيرة، وأن هيئة الجلوس في التشهد الأخير مغايرة لهيئة غيره من الجلسات. وإليه ذهب الشافعي، وأحمد. وعند الحنفية يفترش في الكل. وعند المالكية يتورك في الكل. واستدل به الشافعية أيضاً على أن تشهد الصبح والجمعة وغيرهما من الثنائية كالتشهد الأخير في غير الثنائية؛ لعموم قوله "إذا كانت السجدة التي فيها التسليم" ولقوله "إذا جلس في الركعة الآخرة" عند البخاري. وفي هذا الاستدلال عندي نظر قوي، لا يخفى على المتأمل، واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان. قيل: الاختلاف بين الشافعي وأحمد

ص: 68

ثم سلم. قالوا: صدقت هكذا كان يصلي)) رواه أبوداود، والدارمي. وروى الترمذي وابن ماجه معناه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ــ

مبني على علة التورك؛ فهي تطويل التشهد عند الشافعي، والتفريق بين التشهدين عند أحمد، فما ليس فيه إلا تشهد واحد لا حاجة فيه إلى التفريق. وقيل: مدار التورك عند الشافعي تعقيب السلام، كما يظهر من كلام النووي في شرح مسلم، حيث قال: قال الشافعي: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشاً إلا التي يعقبها السلام، فلو كان مسبوقاً وجلس إمامه متوركاً جلس المسبوق مفترشاً؛ لأن جلوسه لا يعقبه بسلام- انتهى. قلت: ويؤيد ذلك قوله: "إذا كانت السجدة التي فيها التسليم". وقوله "الركعة الآخرة"(قالوا) أي العشرة من الصحابة (صدقت) أي فيما قلت. (رواه أبوداود والدارمي) قال القاري: أي بهذا اللفظ، وفيه نظر؛ لأن بين السياق الذي ذكره المصنف تبعاً للبغوي وبين سياق أبي داود والدارمي فرقاً في عدة مواضع. والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج5: ص424) وابن حبان، والبيهقي، وابن خزيمة. (وروى الترمذي وابن ماجه معناه) وهو عندهم جميعاً من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، سمعت أباحميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أبوقتادة، قال أبوحميد: أنا أعلمكم، الخ. (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) وقال النووي: إسناده على شرط مسلم. وقال أبوحاتم في علله (ج1: ص163) : أصله صحيح. وقال الحافظ في الفتح (ج3: ص405) : صححه ابن خزيمة وابن حبان. وأخرجه البخاري في صحيحه مختصراً، وقد تقدم. وضعفه ابن التركماني بثلاثة وجوه: الأول أن في سنده عبد الحميد بن جعفر، قال ابن التركماني: وهو مطعون في حديثه كذا قال يحيى بن سعيد، وهو إمام الناس في هذا الباب. والجواب عنه أن عبد الحميد هذا ثقة، صدوق، صالح للاحتجاج، من رجال مسلم، ولا وجه لطعن من طعن فيه. قد وثقه أحمد، وابن معين، وابن المديني، وابن سعد، وابن حبان. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: أرجوا أنه لا بأس به وهو ممن يكتب حديثه، وقال أبوحاتم: محله الصدق. وقال الساجي: ثقة صدوق. واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن سعيد؛ ففي تهذيب التهذيب (ج6: ص112) : قال الدوري عن ابن معين: ثقة ليس به بأس كان يحيى بن سعيد يضعفه. قلت ليحيى: فقد روى عنه، قال: قد روى عنه وكان يضعفه، وكان يرى القدر. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كان يحيى بن سعيد يوثقه، وكان الثوري يضعفه. قلت ما تقول أنت فيه؟ قال: ليس بحديثه بأس وهو صالح- انتهى. والظاهر أن تضعيفه إياه إنما هو لأنه كان يرى القدر، والطعن في حديثه لذلك ليس بشيء كما لا يخفى، وضعفه الثوري؛ لأنه كان ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن. قال الذهبي في الميزان (ج2: ص94) : وقد نقم عليه الثوري خروجه مع محمد بن عبد الله- انتهى. وهذا

ص: 69

أيضاً ليس مما يطعن في حديثه لأجله. قال البيهقي في كتاب المعرفة: أما تضعيف الطحاوي لعبد الحميد فمردود بأن يحيى بن معين وثقه في جميع الروايات عنه. وكذلك أحمد بن حنبل، واحتج به مسلم في صحيحه- انتهى. فقد ظهر بهذا كله أن توثيق عبد الحميد بن جعفر هو الحق والصواب؛ لأنه اتفق أئمة الجرح والتعديل كأحمد، وابن معين، وابن المديني، وابن سعد، وغيرهم على توثيقه إلا الثوري، ولا وجه لطعنه فيه. واختلف فيه قول يحيى بن سعيد القطان. الوجه الثاني أن الحديث منقطع؛ لأنه لم يسمعه محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد، ولا من أحد ذكر مع أبي حميد. وذكر محمد بن عمرو في الحديث أنه حضر أبا قتادة، وسنه لا يحتمل ذلك، فإن أبا قتادة قتل مع علي وصلى عليه علي. قال الحافظ في الفتح (ج4: ص449) : زعم ابن القطان تبعاً للطحاوي أنه غير متصل لأمرين: أحدهما أن عيسى بن عبد الله رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل. أخرجه أبوداود وغيره. وثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين، وأبوقتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو بن عطاء عن إدراكه. والجواب عن ذلك: أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة إما لزيادة في الحديث وإما ليثبت فيه. وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه، فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد. وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة علي، وصلى عليه علي، وكان قتل على سنة أربعين، وإن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة، وله نيف وثمانون سنة، فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة. والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته، فقيل: مات سنة أربع وخمسين، وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن، وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمره ووقت وفاته وهم، أو الذي سمى أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهِمَ في تسميته، ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطاً؛ لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس ابن سهل قد وافقه- انتهى. وقال البيهقي: أما ما ذكر من انقطاعه فليس كذلك، فقد حكم البخاري في تاريخه بأنه سمع أباحميد، وأبا قتادة، وابن عباس. وقوله:"إن أبا قتادة قتل مع على" رواية شاذة رواها الشعبي، والصحيح الذي أجمع أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي، والواقدي، والليث، وابن مندة في الصحابة، وأطال فيه، كذا في نصب الراية (ج1: ص412، 411) ولفظ البيهقي في معرفة السنن: واستشهاده على ذلك بوفاة أبي قتادة قبله خطأ؛ لأنه إنما رواه موسى بن عبد الله بن يزيد أن علياً صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعاً، وكان بدرياً. ورواه أيضاً الشعبي منقطعاً، وقال: فكبر عليه ستاً. وهو غلط لإجماع التواريخ على أباقتادة الحارث بن ربعي بقي إلى سنة أربع وخمسين، وقيل: بعدها، إلخ. وفي تهذيب التهذيب (ج12: ص204) : قال الواقدي: توفي أبوقتادة بالكوفة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة. ولم أر بين علمائنا اختلافاً في ذاك. قال وروى أهل الكوفة أنه مات بالكوفة

ص: 70

وعلي بها وصلى عليه. وحكى خليفة: أن ذلك كان سنة ثمان وثلاثين وهو شاذ، والأكثر على أنه مات سنة أربع وخمسين. قال الحافظ: ومما يؤيد ذلك أن البخاري ذكره في الأوسط في فصل من مات بعد الخمسين إلى الستين، ثم روى بإسناده إلى مروان بن الحكم قال: كان والياً على المدينة من قبل معاوية، أرسل إلى أبي قتادة ليريه مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانطلق معه فأراه. وقال في الإصابة (ج4: ص159) : ويدل على تأخره أيضاً ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن معاوية لما قدم المدينة تلقاه الناس، فقال لأبي قتادة تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار- انتهى. وقال في التقريب في ترجمة أبي قتادة: مات سنة أربع وخمسين. وقيل: سنة ثمان وثلاثين. والأول أصح وأشهر. وهذا كله يدل على أن الراجح في سنة وفاة أبي قتادة هو أنه توفي سنة أربع وخمسين، وهو أيضاً يدل على رجوع الحافظ مما ذكر في التلخيص (ص160) : أن الراجح عنده هو أن أبا قتادة مات في خلافة علي، والله أعلم. الوجه الثالث أن الحديث مضطرب والمتن، أما الأول فلأنه رواه عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو بن عطاء، فجعل بينه وبين أبي حميد رجلاً مجهولاً. ورواه عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو، عن عباس بن سهل، أنه كان في مجلس فيه أبوه سهل بن سعد وأبوهريرة وأبوأسيد وأبوحميد، وفي رواية عن عباس أو عياش ابن سهل، وفي رواية أن عيسى بن عبد الله رواه عن عباس بن سهل عن أبي حميد، فلم يذكر محمداً في سنده. وأما الثاني فقد وقع الاختلاف في ذكر التورك في روايات الحديث، فإن عبد الحميد بن جعفر ومحمد بن عمرو بن حلحلة ذكر التورك في الجلسة الأخيرة في روايتهما عن محمد بن عمرو بن عطاء. وأما عيسى بن عبد الله فذكر التورك في الجلسة بين السجدتين ولم يذكره في غيرها من القعدة الأخيرة والأولى. ولم يذكر جلسة الاستراحة؛ لأنه قال: ولم يتورك أي مثل توركه بين السجدتين. وهذا في رواية الحسن بن الحر عن عيسى، وأما عتبة بن حكيم عن عيسى، وفليح عن عباس بن سهل فلم يذكر التورك أصلاً لا في الجلسة الأولى والثانية، ولا بين السجدتين، ولا في جلسة الاستراحة. والجواب عن ذلك أن هذا الاختلاف ليس بموجب للاضطراب القادح في صحة الحديث؛ لأن الجمع أو الترجيح ممكن بل متحقق، فإن رواية عيسى بواسطة العباس بن سهل محمولة، على أنها من المزيد في متصل الأسانيد كما تقدم، ورواية الجزم قاضية على رواية الشك، والرجل المبهم هو عباس بن سهل، ورواية الحسن بن الحر عن عيسى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس أقوى وأرجح من رواية عتبة عن عيسى، عن عباس؛ لأن عتبة وإن كان صدوقًا لكنه يخطئ كثيرًا. وأما الحسن بن الحر فهو ثقة فاضل ويمكن أن عيسى سمعه أولاً من محمد بن عمرو عن عباس ثم لقي عباساً فسمع منه بلا واسطة، ويحتمل عكسه، وهذا ليس ببعيد، بل يؤيده قول ابن المبارك: أرى فليحًا ذكر عيسى بن عبد الله أنه سمعه من عباس بن سهل قال: حضرت أبا حميد. وأما الاختلاف في ذكر التورك فالجواب عنه أن رواية عبد الحميد أرجح وأصح من جميع الروايات، وأيضاً

ص: 71

وفي رواية لأبي داود من حديث أبي حميد: ((ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما، ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه، وقال: ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، وفرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه حتى فرغ، ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه- يعني السبابة- وفي أخرى له:

ــ

المثبت مقدم على النافي، وأيضاً السكوت لا يعارض الذكر. (وفي رواية لأبي داود من حديث أبي حميد) الخ. أخرجها أبوداود من طريق عبد الملك بن عمرو أخبرني فليح، حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبوحميد وأبوأسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوحميد: أنا أعلمكم، الخ. (ووتر يديه) أي عوجهما، من التوتير وهو جعل الوتر على القوس. (فنحاهما عن جنبيه) من نحى ينحي تنحية إذا أبعد، وفي أبي داود "فتجافى عن جنبيه" يعني أبعد مرفقيه عن جنبيه حتى كان يده كالوتر وجنبه كالقوس. وفي النهاية أي جعلهما كالقوس من قولك: وترت القوس وأوترته، شبه يد الراكع إذا مدها قابضاً على ركبتيه بالقوس إذا أوترت (فأمكن أنفه وجبهته الأرض) بنزع الخافض أي منها، أي وضعهما على الأرض مع الطمأنينة وتحامل عليهما (ووضع كفيه حذو منكبيه) قد تقدم حديث وائل بلفظ:"سجد بين كفيه" ومن يصنع كذلك يكون يداه حذاء أذنيه، ورواية النسائي بلفظ:"جعل كفيه بحذاء أذنيه" صريحة في ذلك فيعارض حديث أبي حميد هذا، فقيل: السنة أن يفعل أيهما تيسر جمعاً للمرويات، بناء على أنه كان- عليه السلام يفعل هذا أحيانا وهذا أحياناً إلا أن بين الكفين أفضل لأن فيه من تخليص المجافاة المسنونة ما ليس في الآخر. وقد أسلفنا الكلام في المسئلة بأزيد من هذا. (وفرج) بتشديد الراء، أي فرق (غير حامل) أي غير واضع (بطنه) بالنصب مفعول حامل (حتى فرغ) أي من سجوده (ثم جلس) أي في التشهد الأول (فافترش رجله اليسرى) أي وجلس على بطنها (وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) أي وجه أطراف أصابع رجله اليمنى إلى القبلة، قاله الطيبي. ونقل ميرك عن الأزهار: أي جعل صدر الرجل اليمنى مقابلاً للقبلة، وذلك بوضع باطن الأصابع على الأرض مقابل القبلة مع تحامل قليل في نصب الرجل (وأشار بإصبعه) فيه دليل على مشروعية الإشارة في التشهد، ويجيء الكلام فيها مفصلاً في باب التشهد (يعني السبابة) الظاهر أن هذا التفسير من المصنف وهي فعالة من السبّ، فإن عادة العرب كانت عند السب والشتم والإشارة بالإصبع الذي يلي الإبهام. (وفي أخرى له) أي في رواية أخرى لأبي داود وقد أخرجها من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو العامري، قال: كنت في مجلس من

ص: 72

وإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى، ونصب اليمنى. وإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة)) .

808-

(13) وعن وائل بن حجر: أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى إبهاميه أذنيه، ثم كبر)) رواه أبوداود. وفي رواية له:((يرفع إبهاميه إلى شحمة أذنيه)) .

ــ

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا صلاته صلى الله عليه وسلم، فقال أبوحميد:.. الخ. (وإذا قعد في الركعتين) أي الأوليين يعني بعدهما (قعد على بطن قدمه اليسرى) هذا هو الافتراش. (أفضى بوركه اليسرى) أي أوصلها (إلى الأرض) أي مس بأليته اليسرى الأرض. قال الجوهري: أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها ببطن راحته (وأخرج قدميه من ناحية واحدة) وهي ناحية اليمنى، وإطلاق الإخراج على اليمنى تغليب؛ لأن المخرج حقيقة هو اليسرى لا غير. كذا في المرقاة. واعلم أن للحديث طرقاً كثيرة وألفاظاً متقاربة تستفاد من سنن أبي داود ومن الجزء الثاني من السنن الكبرى للبيهقي، ذكرت مواضعها في فهرسة مفصلة.

808-

قوله: (رفع يديه) حال بتقدير "قد" وقوله: "حين قام" ظرف له، أي رآه حال كونه رافعاً يديه حين قام إلى الصلاة (حتى كانتا) أي كفاه (بحيال منكبيه) بكسر مهملة وفتح تحتية خفيفة، أي إزائهما ومقابلهما (وحاذى) عطف على كانتا، أي قابل النبي صلى الله عليه وسلم (إبهاميه أذنيه) أي جعل إبهاميه محاذيين لأذنيه، والمراد شحمتيهما لما يأتي صريحاً. (ثم كبر) ثم بمعنى الواو، أو معنى "كبر" انتهى التكبير، فيكون ابتداء التكبير والرفع متقاربين. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً النسائي كلاهما من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، وعبد الجبار ولد في حياة أبيه لكن لم يسمع منه شيئاً، فالحديث منقطع. قال ابن معين والبخاري: لم يسمع عبد الجبار من أبيه شيئاً. وقال ابن حبان في الثقات: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله قليل الحديث، ويتكلمون في روايته عن أبيه، ويقولون لم يلقه، وبمعنى هذا قال أبوحاتم وابن جرير الطبري والجريري ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن شيبة والدارقطني والحاكم، وقبلهم ابن المديني وآخرون. وقال المزي والذهبي: قد صح (أي عند أبي داود وقال حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي: ثنا عبد الوارث بن سعيد: ثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل) عن عبد الجبار؛ أنه قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، كذا في تهذيب التهذيب. (وفي رواية له) أي لأبي داود (يرفع إبهاميه إلى شحمة أذنيه) أي شحمتيهما. وهي ما لان من أسفلهما. وفي رواية للنسائي "رفع يديه حتى تكاد إبهاماه تحاذى شحمة أذنيه" وحديث

ص: 73

809-

(14) وعن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه.

ــ

وائل هذا يؤيد ما تقدم من الشافعي في الجمع بين الروايات، وقد مر كلام السندي أنه لا حاجة إلى الجمع لعدم التناقض والمنافاة بين الأفعال المختلفة، لجواز وقوع الكل في أوقات متعددة، فيكون الكل سنة.

809-

قوله: (وعن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة (بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام، هكذا ضبط المحدثون. وضبط اللغويون بفتح الهاء وكسر اللام بوزن كتف، وهو الذي نص عليه ابن دريد في الاشتقاق (ص273) وعلله بأن الهلب- بالضم- هو الشعر. وقال: الهلب رجل كان أصلع فمسح النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه فنبت شعره، فسمي الهلب. وقول اللغويين هو الذي صوبه الفيروز آبادي (صاحب القاموس) ورجح شارحه ما قاله المحدثون. وقال: لأنه من باب تسمية العادل بالعدل مبالغة خصوصاً، وقد ثبت النقل وهم العمدة. قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2: ص32) : وهذا هو الصحيح- انتهى. وقبيصة هذا طائي كوفي. قال ابن المديني والنسائي: مجهول. وذكر مسلم في الوحدان، وابن المدني أنه لم يرو عنه غير سماك بن حرب. وقال العجلي: تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في التقريب: مقبول من أوساط التابعين. (عن أبيه) أي هلب الطائي. ويقال إن هلبا لقب غلب عليه، واسمه يزيد بن عدي بن قنافة الطائي، صحابي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرع فمسح رأسه فنبت شعره، سكن الكوفة، وذكره ابن سعد في طبقة مسلمة الفتح. قال ابن دريد: كان أقرع فصار أفرع يعني كان بالقاف فصار بالفاء، والأهلب الكثير الشعر. له هذا الحديث فقط. (فيأخذ شماله بيمينه) أي ويضعهما على صدره، فعند أحمد من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه: ورأيته يضع هذه على صدره، وصف يحيى (بن سعيد) اليمنى على اليسرى فوق المفصل. وهذا إسناد حسن، وزيادة "على صدره" زيادة ثقة، فيجب قبولها. قال شيخنا في أبكار المنن: يحيى بن سعيد القطان ثقة حافظ متقن، وزيادته "على صدره" ليست منافية لرواية غيره من أصحاب سفيان عن سماك، فهي مقبولة عند المحققين. قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله: "فيأخذ شماله بيمينه" وقد جاء حديث قبيصة بن هلب في مسند أحمد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده على صدره ويأخذ شماله بيمينه. وقد جاء في صحيح ابن خزيمة عن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. وقد روى أبوداود عن طاؤس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة. وهذا الحديث وإن كان مرسلاً لكن المرسل حجة عند الكل. وبالجملة فكما صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال ثبت أن محله الصدر لا غير. وأما حديث "إن من السنة وضع الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة" فقد اتفقوا على ضعفه. كذا ذكره ابن الهمام نقلاً عن النووي، وسكت عليه- انتهى

ص: 74

رواه الترمذي وابن ماجه.

810-

(15) وعن رفاعة بن رافع، قال: ((جاء رجل فصلى في المسجد، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك، فإنك لم تصل. فقال: علمني يا رسول الله! كيف أصلي؟ قال: إذا توجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكّن ركوعك،

ــ

كلام السندي. (رواه الترمذي وابن ماجه)، وأخرجه أيضاً أحمد والدارقطني. وقال الترمذي: حديث هلب حديث حسن.

810-

قوله: (وعن رفاعة) بكسر راء وخفة فاء وإهمال عين (بن رافع) بن مالك بن العجلان أبومعاذ الزرقي الأنصاري المدني، بدري جليل، له أحاديث، انفرد له البخاري بثلاثة أحاديث. قال ابن عبد البر: شهد رفاعة مع علي الجمل وصفين. مات في أول خلافة معاوية، وأبو أول من أسلم من الأنصار، وشهد هو وابنه رفاعة العقبة (جاء رجل) هو أخوه خلاد بن رافع كما تقدم الكلام عليه في أول الباب (فصلي) صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها (في المسجد، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم) فرد النبي صلى الله عليه وسلم وقال: وعليك السلام، وفي رواية لأحمد: جاء رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فصلى قريباً منه، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك (أعد) أمر من الإعادة (صلاتك، فإنك لم تصل) أي صلاة صحيحة، وفيه دلالة واضحة على فريضة التعديل؛ لأنه أمره بالإعادة، ومطلق الأمر للفريضة، ولأن الإعادة لا تجب إلا عند فساد الصلاة، وفسادها بفوات الركن، ولأنه نفى كون المؤدي صلاة. (فقال) أي الرجل في المرة الرابعة (كيف أصلي؟) وفي رواية أحمد؛ كيف أصنع؟ (إذا توجهت إلى القبلة) وفي رواية أحمد: إذا استقبلت القبلة (فكبر) للتحريمة (ثم اقرأ بأم القرآن) أي الفاتحة، وقراءة الفاتحة فرض عند الجمهور، وهو الحق خلافا للحنفية (وما شاء الله أن تقرأ) أي ما رزقك الله من القرآن بعد الفاتحة. وفيه أنه يجب قراءة ما زاد على الفاتحة كما هو مذهب الحنفية خلافا للشافعي، فإن ضم السورة وما قام مقامها سنة عنده. قال ابن حجر: ويجاب بحمل ذلك على التأكيد لا الوجوب للخبر الصحيح وهو قوله عليه السلام: أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضا عنها- انتهى. قال الطيبي: وضع "ما شاء الله" موضع "ما شئت"؛ لأن مشيئته مسبوقة بمشيئة الله، كما قال تعالى:{وما تشاؤن إلا أن يشاء الله} [81: 29] انتهى. قلت: وفي رواية أحمد: ثم اقرأ بما شئت. (فاجعل راحتيك) تثنية راحة وهي الكف. (على ركبتيك) فيه رد على أهل التطبيق (ومكن) من التمكين (ركوعك) أي من أعضائك، يعني تمم بجميع أعضائك، قاله الطيبي. وقال ابن الملك: أي اركع ركوعاً تاما مع الطمأنينة. وفي

ص: 75

وامدد ظهرك. فإذا رفعت فأقم صلبك، وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها. فإذا سجدت فمكن للسجود. فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى. ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن)) . هذا لفظ المصابيح. ورواه أبوداود مع تغيير يسير. وروى الترمذي والنسائي معناه. وفي

رواية للترمذي، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به، ثم تشهد، فأقم

ــ

رواية لأحمد: مكن لركوعك. ونقل الحافظ هذه الرواية من أحمد بلفظ: تمكن لركوعك. يقال: مكنته من الشيء وأمكنته منه أي جعلت له عليه سلطاناً وقدره. وتمكن من الأمر، واستمكن منه أي قدر وقوي عليه، أو ظفر به (وامدد) بضم الدال من باب نصر، أي ابسط (فإذا رفعت) أي رأسك من الركوع (فأقم صلبك) أي سو ظهرك (حتى ترجع العظام) برفعها وتنصب بناء على أنه لازم ومتعد، أي تعود أو ترد أنت (فمكن) أي يديك (للسجود) أي اسجد سجوداً تاماً مع الطمأنينة، قاله ابن الملك. ووضع اليدين في السجود سنة عند الحنفية، وفرض عند الشافعي، وقال ابن حجر: معناه فمكن جبهتك من مسجدك فيجب تمكينها بأن يتحامل علها بحيث لو كان تحتها قطن انكبس (فإذا رفعت) أي رأسك من السجود (فاجلس على فخذك اليسرى) أي ناصباً قدمك اليمنى وهو الافتراش المسنون في غير الجلسة الأخيرة. (ثم اصنع ذلك) أي جميع ما ذكر (في كل ركعة وسجدة) أي ركوع وسجود (حتى تطمئن) قال ابن الملك: يريد به الجلوس في آخر الصلاة فإنه موضع الاستقرار، يعني حتى يفرغ. وقال ابن حجر: راجع إلى جميع ما مرّ، فيفيد وجوب الطمأنينة في الركوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السجدتين. قلت: اقتصر أحمد في روايته على قوله "ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة" بدون ذكر قوله "تطمئن"(هذا لفظ المصابيح) قلت: أخرجه أحمد (ج4: ص340) بهذا اللفظ إلا ما تقدم من الاختلاف في بعض الألفاظ كما نبهنا على ذلك. (وروى الترمذي والنسائي معناه) وقال الترمذي: حديث رفاعة حديث حسن. وقال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت. وقال الحاكم بعد روايته إياه من طريق همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، بعد أن أقام همام بن يحيى إسناده، فإنه حافظ ثقة، ووافقه الذهبي. والحديث أخرجه أيضاً الشافعي في الأم والدارمي وابن الجارود وابن حزم في المحلى والحاكم والبيهقي. (وفي رواية للترمذي) فيه نظر، فإن هذه الرواية ليست للترمذي خاصة بل أخرجها أبوداود أيضاً (إذا قمت إلى الصلاة) أي أردت القيام فوضع المسبب موضع السبب (كما أمرك الله به) أي في سورة المائدة (ثم تشهد) أي قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بعد الوضوء (فأقم) أي الصلاة. وقيل: معنى تشهد أذن؛ لأنه مشتمل على كلمتي الشهادة، فأقم على هذا يراد به الإقامة للصلاة، كذا نقله ميرك عن الأزهار، قلت: الظاهر أن المراد بقوله "ثم تشهد فأقم" الأذان والإقامة، يدل

ص: 76

فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله، ثم اركع)) .

811-

(16) وعن الفضل بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين،

ــ

عليه ما زاده الترمذي في روايته من لفظ "أيضا" بعد قوله "فأقم"(فإن كان معك قرآن فاقرأ) أي ما تيسر. وقد تقدم أن تمسك الحنفية على عدم ركنية الفاتحة ليس بصحيح؛ لأن الفاتحة وإن لم تكن ركناً لكنها واجبة عندهم أيضاً، والسياق سياق التعليم، فلو فرضنا أنه لم يعلمه يلزم درجة كراهة التحريم في سياق التعليم، ولا يجوز أصلاً مع أنها مذكورة في حديث رفاعة صراحة (كما تقدم آنفاً) وإن كانت مجملة في حديث أبي هريرة (وكذا في بعض طرق حديث رفاعة) . ثم أقول: إن قوله هذا كان لكون الرجل بدوياً أعرابياً لا يدري أنه كان عنده شيء من القرآن أم لا، وحينئذٍ ينبغي أن يكون التعبير هكذا، ولذا قال "وإلا فاحمد الله وكبره" فدل على أنه كان ممن لا يستبعد منه أن لا يكون عنده قرآن أصلاً. وإذن لا يلائمه أن يأمره بالفاتحة والسورة تفصيلاً، وإنما أليق بحاله الإجمال، فيقرأ بما يقدر، قاله الشيخ محمد أنور الكشميري. (وإلا) أي وإن لم يكن معك قرآن (فاحمد الله) أي قل: الحمد لله (وكبره) أي قل: الله أكبر (وهلله) أي قل: لا إله إلا الله. وفيه دليل على أن الذكر المذكور يجزئ من لم يكن معه شيء من القرآن، وليس فيه ما يقتضي التكرار فظاهره أنها تكفي مرة، وسيأتي الكلام فيه مفصلا ًفي باب القراءة في الصلاة.

811-

قوله: (الصلاة مثنى مثنى) قيل: الصلاة مبتدأ ومثنى مثنى خبره، والأول تكرير والثاني توكيد، وقوله:(تشهد في كل ركعتين) خبر بعد خبر كالبيان لمثنى مثنى، أي ذات تشهد، وكذا المعطوفات، ولو جعلت أوامر اختل النظم، وذهبت الطراوة والطلاوة، قاله الطيبي. وقال التور بشتي: وجدنا الرواية فيهن بالتنوين لا غير، وكثير ممن لا علم له بالرواية يسردونها على الأمر ونراها تصحيفاً- انتهى. ونقل السيوطي في قوت المغتذي عن الحافظ العراقي في شرحه على الترمذي: المشهور في هذه الرواية أنها أفعال مضارعة حذف منها إحدى التائين، ويدل عليه قوله في رواية أبي داود "وأن تتشهد"، ووقع في بعض الروايات بالتنوين فيها على الاسمية، وهو تصحيف من بعض الرواة- انتهى. ونحو ذلك نقل السندي في حاشية ابن ماجه عن العراقي وزاد: قال أبوموسى المديني: ويجوز أن يكون أمراً أو خبراً- انتهى. قال العراقي: فعلى الاحتمال الأول يكون تشهد وما بعده مجزوماً على الأمر، وفيه بُعد لقوله بعد ذلك "وتقنع" فالظاهر أنه خبر- انتهى. وقد ظهر من هذا كله أنهم اختلفوا في ضبط هذه الكلمات. (أي غير قوله "تقنع" فإنه مضارع من الإقناع جزماً لا يحتمل وجها آخر) فضبطها بعضهم على المصدرية بالتنوين "تشهد" الخ. ورجحه التوربشتي والطيبي. وضبطها بعضهم أفعال أمر "تشهد" الخ. وضبطها بعضهم أفعالاً مضارعة "تشهد" الخ. وهذا رجحه العراقي وهو الراجح عندي لما في رواية لأحمد

ص: 77

وتخشع وتضرع وتمسكن، ثم تقنع يديك- يقول: ترفعهما- إلى ربك

ــ

(ج4: ص167) من حديث المطلب: الصلاة مثنى مثنى، وتشهد، وتسلم في كل ركعتين، الخ. فقوله:"تسلم" فعل مضارع جزما لا يحتمل أن يكون أمراً أو مصدراً فكذا قوله "تشهد" والمعطوفات بعده. ورواية أحمد هذه تدل على أن المراد من قوله "مثنى مثنى" أنه يسلم من كل ركعتين، فيكون المقصود بيان الأفضل. والمعنى أفضل الصلاة النافلة أن تكون ركعتين ركعتين أي بالليل، لما وقع في حديث المطلب بن ربيعة عند أحمد "صلاة الليل مثنى مثنى" إلا أن في سنده يزيد بن عياض الليثي وهو منكر الحديث متروك كذبه مالك وغيره. وفي قوله:"تسلم في كل ركعتين" رد على ابن الهمام حيث قال: إن "مثنى" معدول من"اثنين اثنين" فصار بالتكرار أربعاً، فمعنى قوله"الصلاة مثنى مثنى" أي أربع أربع، وهو مذهب الحنفية في النافلة. وفيه أنه قد صرح الزمخشري في الفائق أن مثنى ههنا مجرد عن التكرار، ومعناه اثنين فقط، ولذا احتيج إلى تكريره على أن ما ذكره ابن الهمام وإن كان نافعاً لهم في مسألة التطوع لكن يضرهم في مسألة الوتر جداً لأن صلاة الليل إذا كانت أربعاً فبإيتارها بواحدة يحصل الوتر خمس ركعات، بخلاف ما إذا كانت مثنى، فإنها بعد الإيتار تحصل ثلاث ركعات وهي ركعات الوتر عند الحنفية. (وتخشع) التخشع هو السكون والتذلل، وقيل الخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البصر والبدن والصوت. وقيل: الخضوع في الظاهر، والخشوع في الباطن. وقال الحافظ: الخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسكون. وقيل: لابد من إعتبارهما حكاه الفخر الرازي في تفسيره. وقال غيره: هو معنى يقوم بالنفس، يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة، ويدل على أنه من عمل القلب حديث علي:"الخشوع في القلب" أخرجه الحاكم. وأما حديث: "لو خشع هذا خشعت جواره" ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن- انتهى. قال القاري: والخشوع من كمال الصلاة. قلت: بل هو روحها وسرها ومقصودها. وفي قوله: "تخشع" إشارة إلى أنه إن لم يكن له خشوع فيتكلف، ويطلب من نفسه الخشوع، ويتشبه بالخاشعين. (وتضرع) قال الجزري: التضرع التذلل، والمبالغة في السؤال، والرغبة. يقال ضرع يضرع- بالكسر والفتح - والتضرع إذا خضع وذل. (وتمسكن) قال ابن الملك: التمسكن إظهار الرجل المسكنة من نفسه. وقال الجزري: أي تذل وتخضع، وهو تمفعل من السكون، والقياس أن يقال: تسكن، وهو الأكثر الأفصح، وقد جاء على الأول أحرف قليلة. قالوا: تمدرع وتمنطق وتمندل- انتهى. (ثم تقنع يديك) من إقناع اليدين رفعهما في الدعاء ومنه قوله تعالى: {مقنعي رؤوسهم} [14: 43] أي ترفع يديك للدعاء بعد الصلاة لا فيها. وقيل: بل يجوز أن يرفع اليدين فيها في قنوت الصبح والوتر، وهو عطف على محذوف، أي إذا فرغت منها فسلم ثم ارفع يديك سائلاً حاجتك، فوضع الخبر موضع الطلب (يقول) أي الراوي معناه (ترفعهما) أي لطلب الحاجة (إلى ربك) متعلق بقوله

ص: 78