الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثالث}
1016-
(32) عن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف
ــ
قال الدارقطني: وعبد الرحمن بن زياد لا يحتج به. وقال البيهقي: وهذا الحديث إنما يعرف بعبد الرحمن الإفريقي، وقد ضعفه يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي، قال: وإن صح قائماً كان قبل أن يفرض التسليم، ثم روى بإسناده عن عطاء بن أبي رباح، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد آخر صلاته أقبل على الناس بوجهه. وذلك قبل أن ينزل التسليم-انتهى. وقال القاري بعد ذكر كلام الترمذي المذكور: قال ابن الصلاح: المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متفاوتة والاضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راو أو من رواة. والمضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط، ذكره الطيبي. قال القاري: لهذا الحديث طرق ذكرها الطحاوي. وتعدد الطرق يبلغ الحديث الضعيف إلى حد الحسن-انتهى كلام القاري. وفيه أن تعدد طرق الحديث إنما يبلغه إلى حد الحسن إذا كانت تلك الطرق متباينة، ولم يكن مدار كلها على ضعيف لا يحتج به. وطرق هذا الحديث التي ذكرها الطحاوي ليست متباينة، بل مدار كلها على عبد الرحمن بن زياد الإفريقي.
1016-
قوله: (خرج إلى الصلاة) أي قاصداً إليها. (فلما كبر) أي تكبيرة الإحرام. (انصرف) أي إلى حجرته. وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما دخل في الصلاة وكبر للإحرام. ويدل عليه أيضاً رواية ابن ماجه والدارقطني والبيهقي (ج2:ص397) لحديث أبي هريرة هذا من طريق أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة. قال الحافظ بعد عزوه لابن ماجه: في إسناده نظر. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف أسامة بن زياد-انتهى. قلت: لم يتعين لي أنه أسامة بن زيد أسلم العدوي أو أسامة بن زيد الليثي المدني. والأول ضعيف من قبل حفظه، والثاني صدوق يهم، كما في التقريب. ويدل عليه أيضاً ما رواه الدارقطني والبيهقي (ج2:ص399) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بلفظ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته فكبر وكبرنا معه، ثم أشار إلى القوم. قال الحافظ: واختلف في إرساله ووصله-انتهى. ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2:ص69) : رجاله رجال الصحيح. وما رواه أحمد وأبوداود وابن حبان والبيهقي (ج2:ص397) من حديث الحسن عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أن مكانكم. قال الحافظ: صححه ابن حبان والبيهقي واختلف في وصله وإرساله. وما رواه الدارقطني عن بكر بن عبد الله المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة فكبر وكبر من خلفه فانصرف، مرسل. وما رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب، قال: بينما نحن
وأومى إليهم أن كما كنتم
ــ
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلي، إذا انصرف ونحن قيام الخ. وفيه ابن لهيعة، وما رواه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا، فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء. وما رواه أبوداود عن محمد بن سيرين والربيع بن محمد مرسلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر. وقد روى الشيخان عن أبي هريرة ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يدخل في الصلاة. ففي رواية للبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال: على مكانكم. وفي رواية لمسلم: فأتى رسول الله حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف وقال لنا: مكانكم، فرواية الصحيحين معارضة لما تقدم من أحاديث أنس وأبي بكرة وأبي هريرة وعلي، ومراسيل بكر وعطاء ومحمد بن سيرين والربيع بن محمد، ويمكن أن يجمع بينهما بأن يقال: إن معنى قوله "كبر" في حديث الباب وما يوافقه، أراد أن يكبر للإحرام، ومعنى دخل في الصلاة، أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها، ويحتمل أنهما قصتان ذكر في الأولى قبل التكبير والتحرم بالصلاة، وهي رواية الصحيحين، وفي الثانية لم يذكر إلا بعد أن أحرم، كما في حديث أبي بكرة وما وافقه. قال الحافظ: في الفتح بعد ذكر رواية مسلم وحديث أبي بكرة وأثر عطاء: ويمكن الجمع بينهما يحمل قوله "كبر" على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان. أبداه عياض والقرطبي احتمالاً. وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح-انتهى. واعلم أنه استدل بحديث أبي بكرة وما وافقه لمالك والشافعي وأحمد من وافقهم على أنه لا إعادة على من صلى خلف من نسي غسل الجنابة وصلى ثم تذكر، إنما الإعادة على الإمام فقط خلافاً لأبي حنيفة، فإنه قال: يجب الإعادة على المأمومين أيضاً. وفيه أنه لا يتم استدلال الأئمة الثلاثة إلا إذا قيل بتعدد القصة، ومع ذلك إذا ثبت أن القوم أيضاً كبروا ودخلوا في الصلاة، لكن لم يذكر ذلك إلا في حديث أنس عند الدارقطني والطبراني، وقد تقدم أنه اختلف في إرساله ووصله، فرواه معاذ بن معاذ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مسنداً، ورواه عبد الوهاب الخفاف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً، أخرجهما الدارقطني. وأما إذا قيل بوحدة الواقعة في روايات الصحيحين وغيرهما، أو بأن القوم لم يدخلوا في الصلاة ولم يكبروا على القول بتعدد القصة، فلا يكون حديث أبي بكرة وما وافقه دليلاً على ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة. والظاهر عندي: توجد القضية ويحمل قوله: "كبر ودخل" على المجاز أي أراد أن يكبر للإحرام وتهيأ للدخول في الصلاة، وأن القوم لم يدخلوا في الصلاة، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل فيها، فإن كان كذلك، وإلا فما في الصحيح أصح. (وأومى إليهم) بالياء. وفي بعض النسخ بالهمزة. قال القاري: ويبدل الهمزة، فيكتب بالياء أي أشار. (أن) وفي رواية الدارقطني أي. (كما كنتم) وفي بعض النسخ: كما أنتم، أي على ما أنتم عليه من حال
ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما صلى قال: إني كنت جنباً، فنسيت أن أغتسل)) رواه أحمد.
1017-
(33) وروى مالك عن عطاء بن يسار مرسلاً.
ــ
الاجتماع، وعدم التفرق. قال الطيبي: أي كونوا كما كنتم. و"أن" مفسرة لما في الإيماء من معنى القول. ويجوز أن تكون مصدرية، والجارة محذوفة أي أشار إليهم بالكون على حالهم-انتهى. (ثم خرج) أي من المسجد. (ورأسه يقطر) بضم الطاء أي شعر رأسه يقطر ماء بسبب الاغتسال يعني لم ينشف إما للعجلة، وإما؛ لأنه أفضل. (فصلى بهم) وفي رواية مسلم المتقدمة: فكبر وصلى بنا. وفي رواية للبخاري: فكبر فصلينا معه. (فلما صلى) أي فرغ من صلاته. (قال) مشيراً إلى السبب فيما وقع له. (إني كنت جنباً، فنسيت) بفتح النون وكسر السين المخففة، كذا في النسخ. ولعل الأولى ضم النون وتشديد السين، قاله القاري. (إن اغتسل) أي الاغتسال. وفي الحديث فوائد: منها: جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع، ومنها: طهارة الماء المستعمل، ومنها: جواز الفصل بين الإقامة والصلاة؛ لأن قوله فصلى ظاهر في أن الإقامة لم تعد ولم تجدد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة، وبأمن خروج الوقت. وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد. وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر، ومنها: أنه لا حياء في أمر الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليواهم أنه رعف، كما تقدم، ومنها: أنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم، ومنها: جواز الكلام بين الصلاة والإقامة. ومنها: جواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث. ومنها: خروج الإمام بعد الإقامة للغسل. (رواه أحمد) يعني موصولاً، وله عنده طرق وألفاظ، وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارقطني والبيهقي (ج2:ص398) .
1017-
(وروى مالك) في الموطأ، وكذا البيهقي عن إسماعيل بن أبي حكيم. (عن عطاء بن يسار) مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً) وقد تقدم لفظه. قال ابن عبد البر: هذا مرسل، وقد روى متصلاً مسنداً من حديث أبي هريرة وأبي بكرة-انتهى. قال ميرك: لم يظهر وجه مناسبة هذا الحديث لباب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه، فتأمل. قال القاري: ولعل المصنف وهم أن قوله "فلما كبر" على ظاهره، فيكون دليلاً على عدم البناء مطابقا لمذهبه-انتهى. قلت: وذلك لأن حكم الحدث السابق واللاحق عند الشافعية والمالكية واحد، يعني إذا صلى الإمام ناسياً محدثاً أو جنباً ثم تذكر يفسد صلاته، ولا يجوز البناء عليها. وكذلك إذا أحدث في أثناء الصلاة. فلما حمل قوله "كبر" على ظاهره، دل الحديث على بطلان الصلاة. وعدم جواز البناء، ووجوب الإعادة. ولذلك بوب مالك على حديث عطاء إعادة الجنب الصلاة وغسله.
1018-
(34) وعن جابر، قال:((كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفى، أضعها لجبهتي، أسجد عليها لشدة الحر)) .
ــ
إذا صلى ولم يذكر. وهذا كما ترى حمله مالك على قصة الجنابة المذكورة في رواية أبي هريرة وعلي وأنس وأبي بكرة، وأما تلميذه محمد فحمله على سبق الحدث في الصلاة، كما هو ظاهر من تبويبه، واستنبط منه أن من سبقه الحدث في الصلاة فلا بأس أن ينصرف فيتوضأ ثم يبني على ما قد صلى، وفيه أن هذا الحمل والاستنباط إنما يصح إذا كان قصة حديث عطاء بن يسار غير ما وقع في أحاديث أبي هريرة وأنس وأبي بكرة وعلي ومرسل ابن سيرين، وهو خلاف الأصل. وأيضاً يؤدي ذلك إلى القول بتكرر القضية ثلاث مرات: الأولى ما في رواية الصحيحين. والثانية ما في رواية عطاء المرسلة، والثالثة ما في أحاديث علي وأبي هريرة وأبي بكرة وأنس ومرسل ابن سيرين. وهذا كما ترى بعيد جداً، ولذلك أورد الشيخ عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد (ص121) على هذا الاستنباط بخمسة وجوه، وقال في آخرها: وبالجملة إذا جمعت طرق حديث الباب، ونظر إلى ألفاظ رواياته، وحمل بعضها على بعض، علم قطعاً أنه لا يصلح لاستنباط ما استنبطه محمد. وبه يظهر أنه لا يصح إدخال هذا الحديث في باب الحدث في الصلاة؛ لأنه لم يكن هناك حدث في الصلاة-انتهى.
1018-
قوله: (فأخذ) أي فأخذت. فجاء المضارع لحكاية الحال الماضية، قاله الطيبي. وتبعه ابن حجر. وهذا مبني منهما على أنه عطف على "كنت". والظاهر أنه عطف على "أصلي" قاله القاري. (قبضة) بفتح القاف وضمها ومعنى الفتح المرة من القبض، ثم أطلق على المقبوض كضرب الأمير، وهو معنى القبضة بضم القاف. قال الجوهري: القبضة هي ما قبضت عليه من شيء، قال وربما جاء بالفتح-انتهى. وقال في القاموس: القبضة وضمه أكثر ما قبضت عليه من شيء. (من الحصى) صفة لقبضة مبنية. (لتبرد) بضم الراء من باب نصر. (لجبهتي) أي لموضعها. (أسجد عليها) أي على الحصى الباردة. قال ابن حجر: بدل من أضعها التي هو نعت لقبضة، أو حال منها لتخصيصها-انتهى. قال القاري: والأخير هو الأظهر لوجود الفصل بالعلة المذكورة بينهما. (لشدة الحر) علة للأخذ. قال الخطابي في المعالم (ج1: ص127) : فيه من الفقه تعجيل صلاة الظهر، وفيه أنه لا يجوز السجود إلا على الجبهة، ولو جاز السجود على ثوب هو لابسه أو الاقتصار من السجود على الأرنبة دون الجبهة لم يكن يحتاج إلى هذا الصنيع، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة-انتهى. قلت: في الاستدلال به على تعجيل صلاة الظهر نظر؛ لأن شدة الحر قد توجد مع الإبراد، وقد تبقى الحرارة في الحصى، وتستمر بعد الإبراد، فيحتاج إلى تبريده، أو السجود على الثوب، ويكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد. وأما قوله: لو جاز السجود على ثوب هو لابسه ففيه أيضاً نظر، لاحتمال أن يكون جابر لم يكن في ثوبه فضل يمكنه أن يسجد عليه. نعم لو ثبت أنه كان في ثوبه الذي هو لابسه فضل ولم يسجد عليه لتم
رواه أبوداود، وروى النسائي نحوه.
1019-
(35) وعن أبي الدرداء، قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة، قلنا: يا رسول الله! قد سمعنا وتقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك،
ــ
ما قال الخطابي. وقد روى البخاري عن أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود. وفي رواية: سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر. ورواه مسلم أيضاً ولفظه في رواية: فإذا لم يستطيع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. فهذه الروايات تدل على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي، وعلى جواز استعمال الثياب، وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها، وكذا بردها، ومراعاة الخشوع فيها؛ لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك كان لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض وحر الحصباء. (رواه أبوداود) أي بهذا اللفظ، وسكت عليه هو والمنذري. (وروى النسائي نحوه) أي بمعناه في باب تبريد الحصى للسجود عليه. ولفظه: قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فأخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي. والحديث أخرجه البيهقي أيضاً (ج2:ص105) .
1019-
قوله: (فسمعناه يقول أعوذ بالله منك) إظهار الغاية الخوف والافتقار إلى الله تعالى والاحتياج إلى دوام فضله وعصمته. (ثم قال: ألعنك بلعنة الله) أي إياك، والمعنى أسأل الله أن يلعنك بلعنته المخصوصة لك التي لا توازيها لعنة، أو أبعدك عني بإبعاد الله لك. فالباء للتعدية، أو للآلة، أو للسبية. (ثلاثاً) قيد لهما لما سيأتي. وفيه أن المخاطبة في الصلاة إذا كانت بمعنى الطلب من الله لا تعد كلاماً فلا يقطع الصلاة. قال القاضي: هذا دليل لجواز الدعاء لغيره، وعلى غيره بصيغة المخاطبة، خلافاً لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله: إن الصلاة تبطل بذاك. قال النووي: وكذا قال أصحابنا، فيتأول هذا الحديث، أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، أو غير ذلك-انتهى. وقيل: عموم عدم جواز الخطاب للغير مخصوص بإبليس عند تعرضه للمصلي بالوسوسة؛ لأنه لمصلحة الصلاة، ومحتاج إليه. وأما غير الشيطان فليس مثله في ذلك؛ لأنه لا يحتاج لخطابه. وقيل: هذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، قلت: الخصائص لا تثبت إلا بدليل، والظاهر ما قدمنا أن المخاطبة في الصلاة إذا كانت بمعنى الطلب من الله والدعاء، لا تعد كلاما، فلا يقطع الصلاة. (وبسط يده) أي مدها. (يتناول شيئاً) أي يأخذه من بعيد. (تقول في الصلاة شيئاً) من التعوذ، واللعن
ورأيناك بسطت يدك. قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أن أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة)) رواه مسلم.
1020-
(36) وعن نافع، قال: ((إن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلي، فسلم عليه، فرد الرجل كلاما، فرجع إليه عبد الله بن عمر، فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي، فلا يتكلم
ــ
بالخطاب. (بسطت يدك) كأنك تتناول شيئاً (جاء بشهاب) بكسر الشين المعجمة، شعلة من نار ساطعة. (ألعنك بلعنة الله) قال القاضي: يحتمل تسميتها تامة، أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العذاب سرمداً. (ثلاث مرات) الظاهر أنه ظرف لـ"قلت" ويمكن أن يكون ظرفاً لقوله:"لم يستأخر" أي فلم يتأخر في ثلاث مرات من التعوذ واللعنات. (ثم أردت أن آخذه) كذا في النسخ الحاضرة عندنا بصيغة المتكلم، وزيادة "أن" قبلها. وكذا وقع في سنن النسائي، ووقع في بعض النسخ بغير "أن" مطابقاً لما في صحيح مسلم. وهو يحتمل أن يكون على صيغة المصدر، أو على صيغة المتكلم. (لولا دعوة أخينا) أي معشر الأنبياء. (سليمان) بدل، أو عطف بيان لـ"أخينا" ويمكن أن يكون منصوباً بتقدير "أعنى". (لأصبح) أي لأخذته وربطته. فدخل في الصباح. (موثقاً) حال، أو لصار موثقاً، أي مربوطاً بسارية من سواري المسجد، كما تقدم. والمراد: لولا توهم عدم استجابة هذه الدعوة لأخذته، لا أنه بالأخذ يلزم عدم استجابتها، إذ لا يبطل اختصاص تمام الملك لسليمان بهذا القدر. وقد مضى الكلام فيه مفصلاً، فتذكر. وفيه دليل على أن إبليس من الجن. والظاهر أن القضية متعددة. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً النسائي والبيهقي (ج2: ص264) .
1020-
قوله: (عن نافع) مولى ابن عمر. (مر علي رجل) أي الرجل. (يصلي فسلم) بفتح السين على بناء الفاعل، والضمير لابن عمر. (عليه) أي على الرجل المصلي. (فرد الرجل) المصلي السلام على ابن عمر. (كلاماً) أي نطقاً وقولاً. وقال القاري: أي رداً ذا كلام. والمعنى رد كلام لا رد إشارة. (إذا سلم) بضم السين على صيغة المجهول. (على أحدكم وهو يصلي) فيه دلالة على أنه لا يكره السلام على المصلي. وإليه ذهب أحمد كما في المغني، ومالك في رواية لحديث: إن الأنصار كانوا يدخلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، ويسلمون، فيرد عليهم إشارة بيده. (فلا يتكلم) أي برد السلام؛ لأنه مفسد للصلاة. والظاهر أن ابن عمر أمره بإعادة الصلاة. لكن لم ينقل إلينا. وفيه إشارة إلى أن السلام ابتداء ورداً كلام؛ لأن فيه خطاباً ومواجهة بالغير، والكلام في الصلاة