الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للنساء)) . وفي رواية، قال:((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء)) متفق عليه.
{الفصل الثاني}
996-
(12) عن عبد الله بن مسعود، قال: ((كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة
ــ
الكف اليسرى. (للنساء) أي مشروع للنساء؛ لأن صوتهن عورة. قاله ابن الملك. وقال ابن حجر: أي لا للرجال، فإنه بعد أن غلب في النساء صار لا يليق بشهامة الرجال. (وفي رواية) أي للبخاري. (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (التسبيح) بأن يقول من نابه شيء في صلاته سبحان الله، لا يكون إلا. (للرجال والتصفيق) بالصاد والقاف لا يكون إلا. (للنساء) إذا نابهن شيء في صلاتهن، وهذا مذهب الجمهور والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وللأمر به في رواية البخاري في الأحكام بلفظ: إذا رابكم شيء فليسبح الرجال ولتصفح النساء. ولأبي داود: إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء، خلافاً لمالك حيث قال: المشروع في حق الرجال والنساء جميعاً التسبيح دون التصفيق، وأما قوله: والتصفيق للنساء، أي من شأنهن في غير الصلاة، وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا إمرأة، أي لأنه من دأب النساء الناقصات ولهوهن خارج الصلاة. ورواية البخاري وأبي داود ترد هذا التأويل وتبطله، إذ هي نص فيما قاله الجمهور. قال القرطبي: القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبراً ونظراً؛ لأنها مأمورة بخفض صوتها مطلقاً لما يخشى من الإفتان، ومن ثم منعت من الأذان مطلقاً، ومن الإقامة للرجال، ومنع الرجال من التصفيق؛ لأنه من شأن النساء. وقال ابن عبد البر بعد ذكر لفظ أبي داود: هذا قاطع في موضع الخلاف برفع الإشكال؛ لأنه فرق بين حكم الرجال والنساء-انتهى. وفي الحديث أنواع من الفقه: منها: أن الالتفات في الصلاة لا يبطلها ما لم يتحول المصلي عن القبلة بجميع بدنه. ومنها: أن التصفيق سنة النساء في الصلاة، والتسبيح سنة الرجال. ومنها: أن المأموم من الرجال إذا سبح ومن النساء إذا صفق يريد بذلك تنبيه الإمام وإعلامه لم يكن ذلك مفسداً للصلاة. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي، وهو حديث طويل، هذا طرف منه، والرواية الثانية من أفراد البخاري، ورواها ابن ماجه والبيهقي أيضاً وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
996-
قوله: (كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة) وفي رواية لأحمد (ج1: ص435) : كنا نتكلم في الصلاة ويسلم بعضنا على بعض ويؤمن أحدنا بالحاجة. واعلم أن لفظ الحديث بالسياق الذي ذكره المصنف تبعاً للبغوي لم أجده في سنن أبي داود، والحديث أخرجه أحمد والنسائي وليس عندهما أيضاً هذا السياق، كما لا يخفى على المتتبع. وسياق أبي داود هكذا: كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا، فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته فوجدته يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي حتى إذا قضى صلاته، قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة، فرد علي السلام، وقال: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله، فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك)) رواه أبوداود.
ــ
الصلاة قال: إن الله عزوجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة، فرد علي السلام-انتهى. (قبل أن نأتي أرض الحبشة) أي نهاجر إليها من مكة. (فيرد علينا) أي السلام نطقاً وقولاً. (فلما رجعنا من أرض الحبشة) أي إلى المدينة على ما هو الراجح. (فسلمت عليه) استصحاباً لما كان من حل الكلام في الصلاة. (فلم يرد علي) أي السلام باللفظ. (حتى إذا قضى الصلاة) أي أداها وكملها. (إن الله يحدث) أي يظهر. (من أمره) أي شأنه أو أوامره. (وإن مما أحدث) أي جدد من الأحكام، بأن نسخ حل الكلام في الصلاة بقوله ناهياً عنه. (أن لا تتكلموا في الصلاة) ويحتمل كون الأحداث في تلك الصلاة أو قبلها، كذا قال القاري. (فرد علي) بتشديد الياء. (السلام) أي باللفظ بعد فراغه من الصلاة وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن سلم عليه في الصلاة أن يرد السلام فيها نطقاً وقولاً، وعلى أنه يستحب له أن يرد باللفظ بعد الفراغ من الصلاة، ولا دليل فيه على منع الرد في الصلاة بالإشارة، بل مرسل ابن سيرين عند ابن أبي شيبة يدل صريحاً على أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام على ابن مسعود في هذه القصة بالإشارة كما تقدم. (إنما الصلاة) أي موضوعة. (لقراءة القرآن وذكر الله) أي الشامل للدعاء. قال القاري: وفي بعض النسخ بفتح اللام ورفع القراءة والذكر. وفي نسخة: إنما الصلاة قراءة القرآن وذكر الله. (فإذا كنت فيها) أي في الصلاة. (فليكن ذلك) إشارة إلى ما ذكر من القراءة وذكر الله وهو اسم فليكن، وخبره:(شأنك) بالنصب أي حالك المهم، لا غير ذلك من التكلم وغيره. قال الطيبي: الشأن الحال والأمر والخطب، والجمع شئون، ولا يقال إلا في ما يعظم من الأحوال والأمور. (رواه أبوداود) فيه نظر؛ لأن هذه الألفاظ ليست في أبي داود كما قدمنا. وفيه أيضاً ما قال ميرك: أن أبا داود لم يخرج قوله: إنما الصلاة لقراءة القرآن الخ من حديث عبد الله بن مسعود، بل أخرجه من حديث معاوية بن الحكم السلمي في حديث طويل، والذي أوقع صاحب المشكاة في هذا الخبط إيراد صاحب المصابيح بعد قول عبد الله بن مسعود: فرد علي السلام وقال: إنما الصلاة الخ فظن صاحب المشكاة أنه من تتمه حديث ابن مسعود عطفاً على قوله "فرد" وليس كذلك، ومقصود صاحب المصابيح إيراد حديث آخر كعادته، والله تعالى أعلم –انتهى.
997-
(13) وعن ابن عمر، قال:((قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده))
ــ
قلت: الظاهر أن أصل الوهم من البغوي، يدل على ذلك تصرفه في ألفاظ الحديث، حيث ذكر للحديث سياقاً لا يوجد في أبي داود وفي غيره، كمسند أحمد وسنن النسائي والبيهقي، ويدل على ذلك أيضاً أنه لم يذكر اسم الصحابي كعادته قبل قوله: وقال إنما الصلاة الخ، فصنيعه هذا قرينة واضحة على أنه لم يقصد بقوله: إنما الصلاة الخ إيراد حديث آخر. والله أعلم. والحديث سكت عنه أبوداود والمنذري وأخرجه أيضاً أحمد (ج1: ص377، 415، 435) والنسائي وابن حبان في صحيحه والبيهقي (ج2: ص248) .
997-
قوله: (كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم) أي على الصحابة. (حين كانوا يسلمون عليه) قال القاري: ظاهره أنه أراد قبل نسخ الكلام، ويحتمل أن يكون بعده، ويبعد- انتهى. وفيه: أن الظاهر أن ذلك كان بعد نسخ الكلام، كما قال الشيخ عبدلحق الدهلوي في أشعة اللمعات، بل هو المتعين عندي لما سيأتي. (كان يشير بيده) وفي حديث صهيب الآتي قال: لا أعلمه إلا أنه قال إشارة بإصبعه، ولا اختلاف بينهما، فيجوز أن يكون إشارة مرة بإصبعه، ومرة بجميع يده، ويحتمل أن يكون المراد باليد الإصبع حملاً للمطلق على المقيد. والحديث فيه دليل على جواز رد السلام في الصلاة بالإشارة، وهو مذهب الجمهور، واختلفت الحنفية، فمنهم من كرهه ومنهم الطحاوي، ومنهم من قال: لا بأس به. قلت: ما ذهب إليه الجمهور هو الحق، يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة: 1- منها حديث بلال هذا. 2- ومنها حديث صهيب: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، وقال: لا أعلم أنه قال إشارة بإصبعه، أخرجه الترمذي وحسنه، وأبوداود والنسائي والبيهقي. 3- ومنها حديث ابن عمر قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيباً وكان معه، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه؟ قال: كان يشير بيده أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم والبيهقي. 4- ومنها حديث عمار بن ياسر: أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وهو يصلي، فرد عليه، أخرجه النسائي وبوب عليه "باب رد السلام بالإشارة في الصلاة". 5- ومنها حديث ابن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة ثم أدركته وهو يسير، قال قتيبة: يصلي فسلمت عليه، فأشار إلي، أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي. 6- ومنها حديث أبي سعيد: أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه إشارة، وقال: كنا نرد السلام في الصلاة فنهينا عن ذلك، أخرجه الطحاوي والبزار، وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ذكر أحاديثهم الشوكاني في النيل. واستدل من منع رد السلام بالإشارة في الصلاة بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال، يعني في الصلاة، والتصفيق للنساء، من أشار في
صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها، يعني الصلاة، أخرجه أبوداود. والجواب عنه: إن هذا الحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج، فإن في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس، ورواه عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة. وقال أبوداود بعد روايته هذا الحديث: وهم. وقال الزيلعي في نصب الراية: قال إسحاق بن إبراهيم بن هانيء: سئل أحمد عن حديث: من أشار إشارة يفهم عنه فليعد الصلاة، فقال: لا يثبت، إسناده ليس بشيء-انتهى. وعلى فرض صلوحه للاحتجاج يجب أن تحمل الإشارة المذكورة فيه على الإشارة لغير رد السلام والحاجة، جمعاً بينه وبين الأحاديث الصحيحة التي فيها ذكر الإشارة لرد السلام، أو حاجة تعرض. واستدلوا أيضاً بأن الرد بالإشارة منسوخ؛ لأنه كلام معنى وقد نسخ الكلام في الصلاة. والجواب عنه: أنا لا نسلم أن رد السلام بالإشارة كلام معنى. قال الطحاوي في شرح الآثار (ص262) بعد ذكر حديث أبي هريرة الذي مر آنفاً: ذهب قوم إلى أن الإشارة التي تفهم إذا كانت من الرجل في الصلاة قطعت عليه صلاته، وحكموا لها بحكم الكلام، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا تقطع الإشارة في الصلاة، ثم ذكر ما احتج به هؤلاء من حديث ابن عمر وصهيب وأبي سعيد، ثم قال: ففي هذه الآثار ما قد دل أن الإشارة لا تقطع الصلاة، وقد جاءت مجيئاً متواتراً غير مجيء الحديث الذي خالفها، فهي أولى منه، وليست الإشارة في النظر من الكلام في شيء؛ لأن الإشارة إنما هي حركة عضو، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصلاة لا تقطع الصلاة، فكذلك حركة اليد-انتهى كلام الطحاوي ملخصاً. ولو سلمنا أن رد السلام بالإشارة كلام معنى فلا نسلم كون الكلام في الصلاة منسوخاً مطلقاً، سواء كان حقيقة أو معنى، بل نقول إنما المنسوخ في الصلاة هو الكلام حقيقة دون الكلام معنى، ألا ترى أن الإشارات المفهمة قد ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة بعد نسخ الكلام فيها. وأجاب الحنفية عن أحاديث الجمهور أي أحاديث رد السلام بالإشارة: بأن تلك الإشارة لم تكن رداً للسلام، وإنما كانت نهياً عن السلام والكلام. قاله الطحاوي وغيره. وهذا مردود يرده حديث ابن عمر المذكور في الكتاب، وحديث صهيب عند الترمذي وغيره بلفظ: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، وحديث ابن عمر عند النسائي وابن ماجه والحاكم بلفظ: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيباً وكان معه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه، قال: كان يشير بيده، وحديث أبي سعيد عند الطحاوي والبزار بلفظ: أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه إشارة الخ، وحديث عمار عند النسائي بلفظ: أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد عليه. فإن هذه الأحاديث الصحيحة نصوص صريحة في أن إشارته صلى الله عليه وسلم في الصلاة عند السلام عليه كانت رداً للسلام على من سلم عليه، لا نهياً عنه. قال ابن العربي في شرح الترمذي (ج2: ص162) : قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام، وقد تكون لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في
رواه الترمذي.
998-
(14) وفي رواية النسائي نحوه، وعوض بلال صهيب.
ــ
الحاجة تعرض للمصلي، فإن كانت لرد السلام ففيها الآثار الصحيحة، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قباء وغيره، وقد كنت في مجلس الطرطوشي، وتذاكرنا المسألة، وقلنا الحديث، واحتججنا به، وعامي في آخر الحلقة، فقام وقال: ولعله كان يرد عليهم نهياً لئلا يشغلوه، فعجبنا من فقهه، ثم رأيت بعد ذلك أن فهم الراوي؛ لأنه كان رد السلام قطعي في الباب على حسب ما بيناه في أصول الفقه-انتهى. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد (ص122) : وحملوا أي الحنفية الأحاديث على أن إشارته صلى الله عليه وسلم كان للنهي عن السلام لا لرده، وهو حمل يحتاج إلى دليل مع مخالفته لظاهر بعض الأخبار-انتهى. وأجابوا أيضاً بأن هذه الأحاديث منسوخة. قال النيموي: حديث ابن عمر أي المذكور في الكتاب قد يدل على أن رد السلام بالإشارة كان في الابتداء، ولذلك ما رآه ابن عمر وسأل عنه بلالاُ وصهيباُ. وقد رد شيخنا هذا الجواب في أبكار المنن (ص260)، فقال: جواب النيموي هذا مردود عليه بوجهين: الأول: أن ابن عمر كان يجوز رد السلام بالإشارة في الصلاة، ثم ذكر الشيخ أثر ابن عمر الآتي في آخر الفصل الثالث عن موطأ محمد، قال: والثاني: أنه لو كان رد السلام بالإشارة في الصلاة في الابتداء قبل نسخ الكلام لرد السلام بالكلام، لا بالإشارة. قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذه الأحاديث: قد يجاب عنها بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة، ويؤيده حديث ابن مسعود: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، ولم يقل "فأشار إلينا"، وكذا حديث جابر: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا إني كنت أصلي، فلو كان الرد بالإشارة جائزاً لفعله. وأجيب عن هذا بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخه لرد باللفظ، إذ الرد باللفظ واجب إلا لمانع كالصلاة، فلما رد بالإشارة علم أنه ممنوع من الكلام، وأما حديث ابن مسعود وجابر فالمراد بنفي الرد فيه: الرد بالكلام بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود: وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة- انتهى كلام الزيلعي. وقال الحافظ في الدراية (ص108) : وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون ذلك قبل نسخ الكلام في الصلاة، ورد بأنه لو كان كذلك لرد باللفظ لوجوب الرد، فلما عدل عن الكلام دل على أنه كان بعد نسخ الكلام-انتهى. (رواه الترمذي) وقال حديث حسن صحيح. وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والبيهقي وأبوداود، وسكت عنه هو والمنذري.
998-
وفي. (رواية النسائي نحوه) أي نحو حديث الترمذي. (وعوض بلال صهيب) مبتدأ وخبر، وفي بعض النسخ بنصب "عوض" على الظرفية، ولا مانع من أن ابن عمر سأل كلاً منهما وأجابه بذلك. وقد ذكر
999-
(15) وعن رفاعة بن رافع، قال: ((صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعطست، فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية، فلم يتكلم أحد،
ــ
الترمذي أن الحديثين جميعاً صحيحان، قال: احتمل أن يكون سمع منها جميعاً، وحديث ابن عمر عن صهيب أخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والدارمي وابن حبان والبيهقي والحاكم في المستدرك، وقال: على شرطهما. وصهيب هذا هو صهيب بن سنان أبويحيى النمري المعروف بالرومي؛ لأنه أخذ لسان الروم إذ سبوه وهو صغير، وأصله من العرب من النمر بن قاسط، كانت منازلهم بأرض الموصل في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صهيباً وهو غلام صغير، فنشأ بالروم فصار الكن، فابتاعته منهم كلب، ثم قدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي فأعتقه فأقام معه بمكة إلى أن هلك ابن جدعان وبعث النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنه لما كبر في الروم وعقل هرب منهم، وقدم مكة فحالف عبد الله بن جدعان وأقام معه حتى هلك، وأسلم قديماً بمكة، يقال: إنه أسلم هو وعمار بن ياسر في يوم واحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بدار الأرقم معه بضعة وثلاثون رجلاً، وكان من المستضعفين معذبين في الله بمكة، ثم هاجر إلى المدينة مع علي في النصف من ربيع الأول، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم بقباء، وشهد بدراً والمشاهد بعدها. قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: صهيب سابق الروم وقيل: فيه نزلت: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [2: 207] وإليه أوصى عمر أن يصلي بالناس حتى يجتمع أهل الشورى على رجل، وفضائله كثيرة، وله أحاديث انفرد البخاري بحديث، ومسلم بثلاثة، مات بالمدينة سنة (38) في شوال في خلافة علي، وقيل: سنة (39) وهو ابن 73 سنة، وقيل ابن 90 سنة. ودفن بالبقيع.
999-
قوله: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ في الفتح: وأخرجه الطبراني، وبين أن الصلاة المذكورة المغرب، وسنده لا بأس به-انتهى. وهذه الزيادة ترد على من قال أنه في التطوع، على أن المعتاد في الصلاة جماعة هو الفرض لا النفل. (فعطست) بفتح الطاء وتكسر. (طيباً) أي خالصاً عن الرياء والسمعة. (مباركاً فيه مباركاً عليه) قال ابن الملك: كلاهما واحد، ولعل المراد أنواع البركة، وهي الزيادة عليه. وقال الطيبي: الضميران في "فيه" و"عليه" للحمد، ففي الأول البركة بمعنى الزائد من نفس الحمد أي المستلزم لزيادة ثوابه، وفي الثاني من الخارج لتعديتها بـ"ـعلى" للدلالة على معنى الإفاضة أي على الحمد، ثم على قائله من حضرة الحق. (كما يحب ربنا ويرضى) أي حمداً موصوفاً بما ذكر، وبأنه مماثل للحمد الذي يحبه الله ويرضاه. وفيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. (انصرف) أي سلم، وانصرف عن جهة القبلة. (فلم يتكلم أحد) أي بالجواب، وهذا مسبب عن قوله:"من المتكلم في الصلاة" فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم سؤال مستفهم، فوهموا أنه سؤال
ثم قالها الثالثة، فقال رفاعة: أنا يارسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً، أيهم يصعد بها)) رواه الترمذي وأبوداود والنسائي.
1000-
(16) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع))
ــ
منكر، ظناً منهم أن هذا القول غير جائز في الصلاة، كان ذلك سبباً لعدم الإجابة هيبة وإجلالاً، فلما زال التوهم في المرة الثانية أجاب بقوله "أنا". (فقال رفاعة) فيه تجريد، وأصله فقلت. (أنا) أي المتكلم. (لقد ابتدرها) أي استبق إليها. (أيهم يصعد بها) أي يسبق بعضهم بعضاً؛ لأن يصعد بها، قاله ابن الملك. وقال الطيبي: الجملة سدت مسد مفعولي ينظرون المحذوف على التعليق. والحديث فيه دليل على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، ويؤيد ذلك عموم الأحاديث الواردة بمشروعيته، فإنها لم تفرق بين الصلاة وغيرها، وعلى جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر المذكور ما لم يشوش على من معه. (رواه الترمذي وأبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج2: ص95) وحسنه الترمذي، وسكت عنه أبوداود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره، وأصل الحديث في صحيح البخاري، لكن ليس فيه ذكر العطاس، ولا زيادة "كما يحب ربنا ويرضى". ولم يعين فيه الرجل القائل بل أبهمه، وزاد فيه أن ذلك عند رفع الرأس من الركوع. وقد أورده المصنف في باب الركوع، وتقدم هناك شرحه، ويجمع بين الروايتين بأن الرجل المبهم في رواية البخاري هو رفاعة كما في حديث الباب، ولا مانع أن يكني عن نفسه إما لقصد إخفاء عمله، أو لنحو ذلك، ويجمع بأن عطاسه وقع عند رفع رأسه من الركوع، لكن إيراد المصنف رواية البخاري في باب الركوع، ورواية الترمذي هذه في باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه، يدل على أنه لم يذهب إلى اتحاد الواقعة في الروايتين، بل جعلهما قصتين، خلافاً لما جزم به الحافظ وابن بشكوال.
1000-
قوله: (التثاؤب) بالهمز، وقيل: بالواو. (في الصلاة من الشيطان) أضافه إلى الشيطان؛ لأنه يحبه ويتوسل به إلى ما يرضاه من قطع الصلاة والمنع من العبادة. قال ابن حجر: التقييد بالصلاة ليس للتخصيص بل؛ لأن القبح فيها أكثر؛ لأن معنى كونه من الشيطان أن أسبابه من الامتلاء والثقل وقسوة القلب هي التي من الشيطان، وهذا يوجب كونه منه في الصلاة وخارجها. ومن ثم قال النووي وغيره: يكره التثاؤب بالأذكار في الصلاة وخارجها- انتهى. (فإذا تثاءب) أي شرع في التثاءب أو أراد أن يتثاءب أو يأخذ في أسبابه. (فليكظم) أي ليدفعه وليحبسه. (ما استطاع) أي ما أمكنه بضم الشفتين، وتطبيق السن، أو بوضع الثوب، أو اليد على الفم.
رواه الترمذي. وفي أخرى له ولابن ماجه: ((فليضع يده على فيه)) .
1001-
(17) عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه، فإنه في الصلاة))
ــ
(رواه الترمذي) في الصلاة، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، نقله ميرك، وأخرجه مسلم بدون ذكر الصلاة. (وفي أخرى له) أي في رواية أخرى للترمذي أي في الأدب، وقد حسنها الترمذي. (ولابن ماجه) في سنده عبد الله بن سعيد المقبري. قال في الزوائد: اتفقوا على ضعفه. (فليضع يده على فيه) أي بدل "فليكظم ما استطاع". ولفظ ابن ماجه: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه- أي إذا لم يدفعه بضم شفتيه-ولا يعوى، فإن الشيطان يضحك منه. وقوله:"لا يعوى" بالعين المهملة أي لا يصبح شبه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب تنفيراً عنه واستقباحاً له، فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثاءب إذا أفرط في التثاءب شابهه. ومن ههنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه؛ لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة.
1001-
قوله: (فأحسن وضوءه) بمراعاة السنن وحضور القلب وتصحيح النية. (ثم خرج) أي من بيته. (عامداً إلى المسجد) أي قاصداً إليه. (فلا يشبكن بين أصابعه) أي لا يدخل بعضها في بعض من التشبيك، وهو إدخال الأصابع بعضها في بعض. (فإنه في الصلاة) أي حكماً. والحديث يدل على كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة. وفيه أنه يكتب لقاصد الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه، ويدل على ذلك أيضاً ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً: من توضأ ثم خرج يريد الصلاة فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته، فلا تقولوا هكذا يعني يشبك بين أصابعه. أخرجه الدارمي والحاكم من طريق إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وما روي عن أبي سعيد مرفوعاً: إذا كان أحدكم في المسجد، فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان، وأن أحدكم لا يزال في الصلاة مادام في المسجد حتى يخرج منه. أخرجه أحمد (ج3: ص43) وابن أبي شيبة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص25) بعد عزوه إلى أحمد: إسناده حسن. وعزاه الحافظ في الفتح لابن أبي شيبة فقط، وقال بعد ذكر لفظه: في إسناده ضعيف ومجهول –انتهى. واختلف في حكمة النهي عن التشبيك في المسجد، كما في حديث أبي سعيد وفي غيره، كما في حديث كعب بن عجرة وأبي هريرة. فقيل: لما فيه من العبث. وقيل: لأنه ينافي الخشوع. وقيل: لأنه من الشطان، كما تقدم في رواية أحمد وابن أبي شيبة. وقيل: لأن التشبيك ربما يجلب النوم وهو من مظان الحديث. وقيل: لما في ذلك من الإيماء إلى تشبيك الأحوال والأمور على المراء وملابسة الخصومات والخوض فيها.
رواه أحمد والترمذي.
ــ
وحين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن قال: واختلفوا فصاروا هكذا، وشبك بين أصابعه. وقيل: لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف، كما نبه عليه في حديث ابن عمر عند البخاري، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين: ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم. قال العراقي: وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها. فيكره أيضاً في الصلاة ولقاصد الصلاة. وروى أحمد والدارقطني والطبراني من حديث أنس بن معاذ مرفوعاً: إن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة. وفي إسناده ابن لهيعة وزبان بن فائد ورشدين بن سعد وسهل بن معاذ، وكلهم ضعفاء. ويؤيده ما روى ابن ماجه من حديث علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تفقع أصابعك في الصلاة. وفي سنده الحارث الأعور. والتفقيع هو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت، فإن قلت: أحاديث النهي عن التشبيك معارضة لحديث أبي موسى مرفوعاً: أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين: ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه. أخرجهما الشيخان. ولحديث ابن عمر قال: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه. أخرجه البخاري وترجم على هذه الأحاديث باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. قلت: أحاديث النهي عن التشبيك لا تصلح لمعارضة أحاديث الجواز المروية في الصحيحين؛ لانتفاء شرط المعارضة والمقاومة، وهو المساواة في الصحة والقوة. وقيل: التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه. والذي في حديث أبي موسى وابن عمر إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس، وأما تشبيكه في قصة ذي اليدين فكان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه. ولذلك وقف كأنه غضبان. وقيل: يجمع بينها بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصداً لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي. والأحاديث الدالة على الجواز خالية عن ذلك. أما حديث أبي موسى وابن عمر فظاهران. وأما حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، فلأن تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف من الصلاة. والرواية التي فيها النهي عن ذلك مادام في المسجد ضعيفة، كما تقدم عن الحافظ. إن في إسناده ضعيفاً ومجهولاً، فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة. وقيل: يجمع بينها بأن فعله صلى الله عليه وسلم يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة أي لغيره، لكونه فعله نادراً أي لبيان الجواز أو المعنى كما في حديث أبي موسى وابن عمر. (رواه أحمد) (ج4: ص241- 242) .. (والترمذي) ولم يحكم عليه بشيء من الصحة والحسن والضعف، واشتغل عنه بذكر الاختلاف في سنده.
وأبوداود والنسائي والدارمي.
1002-
(18) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الله عزوجل مقبلاً على العبد، وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت
ــ
(وأبوداود) وسكت عنه. (والنسائي) كذا في النسخ الموجودة عندنا من طبعات الهند ومصر بذكر النسائي، والظاهر أنه خطأ، فإن الحديث لم أجده في سنن النسائي اللهم إلا أن يكون في الكبرى. ويدل على ذلك أيضاً عدم وجوده في نسخة القاري التي اعتمدها في شرحه، فإنه قال بعد ذكر قول المصنف رواه أحمد والترمذي وأبوداود ما لفظه، وفي نسخة والنسائي أيضاً. (والدارمي) الحديث في إسناده عند الترمذي رجل غير مسمى، وهو الراوي له عن كعب بن عجرة، وقد كنى أحمد في رواية وأبوداود والدارمي والبيهقي هذا الرجل المبهم، فرووه من طريق سعد بن إسحاق، قال: حدثني أبوثمامة الحناط -بالحاء المهملة والنون- عن كعب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وأخرجه أيضاً أحمد والدارمي في رواية من حديث المقبري عن كعب، وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد المقبري عن كعب، ولم يذكر الثلاثة في رواياتهم الرجل، وأخرجه أيضاً أحمد من طريق سعيد المقبري عن رجل من بني سالم عن أبيه عن جده عن كعب بن عجرة، ومن طريق سعيد المقبري عن بعض بني كعب بن عجرة عن كعب، ومن طريق سعيد بن أبي سعيد عن كعب بن عجرة. وبسط البيهقي الاختلاف فيه على سعيد، وأخرجه ابن حبان والبيهقي أيضاً من حديث الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن كعب بن عجرة، ولأجل هذا الاختلاف ضعف بعضهم حديث كعب بن عجرة هذا. قال ابن بطال: قد وردت في النهي عن التشبيك مراسيل ومسنده من طرق غير ثابتة. قال الحافظ في الفتح وكأنه يشير إلى حديث كعب بن عجرة، فذكر لفظه، ثم قال: أخرجه أبوداود وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفي إسناده اختلاف، ضعفه بعضهم بسببه-انتهى. قلت: الظاهر أن الحديث من طريق سعد بن إسحاق عن أبي ثمامة الحناط القماح عن كعب عند أحمد وأبي داود والدارمي والبيهقي، ومن طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن كعب عند ابن حبان والبيهقي، لا ينحط عن درجة الحسن. وقد أيده ما تقدم من حديث أبي سعيد عند أحمد بإسناد حسن، ومن حديث أبي هريرة عند الدارمي والحاكم. والله أعلم.
1002-
قوله: (لا يزال الله عزوجل مقبلاً على العبد) بالإحسان والغفران والعفو لا يقطع عنه ذلك. قال القاري: أي ناظراً إليه بالرحمة وإعطاء المثوبة، والمعنى: لم ينقطع أثر الرحمة عنه. (مالم يلتفت) أي مالم يتعمد الالتفات إلى مالا يتعلق بالصلاة. وقال الحافظ: المراد بالالتفات مالم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله. وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن- انتهى. (فإذا التفت)
انصرف عنه)) رواه أحمد وأبوداود والنسائي والدارمي.
1003-
(19) وعن أنس، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أنس اجعل بصرك حيث تسجد))
ــ
وفي رواية النسائي "فإذا صرف وجهه" أي بالالتفات إلى مالا يتعلق بالصلاة. (انصرف عنه) أي أعرض عنه بقطع الرحمة المسببة عن الإقبال على الصلاة. وقال ابن مالك: المراد منه قلة الثواب. (رواه أحمد) في (ج5 ص172)(وأبوداود) وسكت عنه. (والنسائي والدارمي) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي (ج2 ص281) ، والحاكم (ج1 ص236)، وصححه كلهم من طريق الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر. قال المنذري في الترغيب: وأبوالأحوص هذا لا يعرف اسمه ولم يرو عنه غير الزهري، وقد صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما- انتهى. وقال ابن عبد البر: هو مولى بني غفار، إمام مسجد بني ليث. قال ابن معين: أبوالأحوص الذي حدث عنه الزهري ليس بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس لقول ابن معين هذا أصل إلا كونه انفرد الزهري بالرواية عنه. قال ابن عبد البر: قد تناقض ابن معين في هذا، فإنه سئل عن ابن أكيمة، وقيل له: إنه لم يرو عنه غير ابن شهاب، فقال: يكفيه قول ابن شهاب، حدثني ابن أكيمة، فيلزمه مثل هذا في أبي الأحوص؛ لأنه قال في حديث الباب سمعت أباالأحوص. وقال أبوأحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم. وذكره ابن حبان في الثقات، كذا في تهذيب التهذيب (ج12 ص5) وقال في التقريب: أبوالأحوص مولى بني ليث أو غفار مقبول من أوساط التابعين لم يرو عنه غير الزهري- انتهى. وقال النووي في الخلاصة: هو فيه جهالة لكن الحديث لم يضعفه أبوداود فهو حسن عنده- انتهى.
1003-
قوله: (اجعل بصرك حيث تسجد) الحديث بظاهره يدل على استحباب النظر إلى موضع السجود في سائر الصلاة، وعليه عمل الشافعية، كما يدل عليه كلام البيضاوي في تفسير قوله تعالى:{الذين هم في صلاتهم خاشعون} [2:23] ، وهو مذهب أحمد كما في المغني (ج1 ص664) ، والشافعي، كما قاله ابن حجر وغيره. لكن قال الطيبي: يستحب للمصلي أن ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى ظهر قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي التشهد إلى حجره- انتهى. وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه مع زيادة أن ينظر في السلام إلى منكبيه كما في النهاية شرح الهداية. قلت: وذهب مالك إلى أن يكون نظر المصلي إلى جهة القبلة. وإليه يظهر ميل البخاري حيث قال في صحيحه: باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، وذكر فيه أحاديث تدل على ذلك. قال الحافظ في الفتح: قال الزين بن المنير: نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات كان ذلك من إصلاح صلاته. وقال ابن بطال: فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة. وقال الشافعي والكوفيون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب إلى الخشوع.
رواه. . . .
ــ
وقال العيني في شرح البخاري (ج5 ص306) : قد اختلف العلماء في رفع البصر إلى أي موضع في صلاته، فقال أصحابنا والشافعي وأبوثور إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن إبراهيم وابن سيرين، وفي التوضيح: واستثنى بعض أصحابنا إذا كان مشاهداً للكعبة، فإنه ينظر إليها. وقال القاضي حسين: ينظر إلى موضع سجوده في حال قيامه، وإلى قدميه في ركوعه، وإلى أنفه في سجوده، وإلى حجره في تشهده؛ لأن امتداد النظر يلهي، فإذا قصر كان أولى. وقال مالك: ينظر أمامه، وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم. قال: وأحاديث الباب تشهد له؛ لأنهم لو لم ينظروا إليه عليه الصلاة والسلام ما رأوا تأخره حين عرضت عليه جهنم، ولا رأوا اضطراب لحيته، ولا استدلوا بذلك على قراءته ولا نقلوا ذلك، ولا رأوا تناوله فيما تناوله في قبلته حين مثلت له الجنة. ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ لأن الائتمام لا يكون إلا بمراعاة حركاته في خفضه ورفعه – انتهى. وقال الحافظ بعد ذكر ما تقدم من كلام ابن المنير وابن بطال: وورد في ذلك أي في النظر إلى موضع السجود حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين، ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي موصولاً، وقال: المرسل هو المحفوظ. قال الحافظ: ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم، فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام. والله أعلم. قلت: كلام الحافظ هذا حسن جيد، ولم أجد حديثاً مرفوعاً أو موقوفاً يدل على التفصيل الذي ذكره الطيبي والقاضي حسين وصاحب النهاية، ويؤيد ما ذهب إليه الشافعي وأحمد ما رواه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أنس اجعل بصرك حيث تسجد. وهو حديث الباب، وسيأتي الكلام فيه. وفي رواية: يا أنس ضع بصرك في الصلاة عند موضع سجودك، قال هذا شديد، قال ففي المكتوبة إذا، وما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية:{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. قال محمد بن سيرين: وكانوا يقولون لا يجاوز بصره مصلاه، فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض، كذا في تفسير ابن كثير، وما روي عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه، فتوفي أبوبكر وكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، ثم توفي عمر وكان عثمان، فكانت الفتنة، فالتفتت الناس يميناً وشمالاً. قال المنذري في الترغيب: رواه ابن ماجه أي في الجنائز بإسناد حسن، إلا أن موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي لم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير ابن ماجه، ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل- انتهى. (رواه) . . . .ههنا بياض بالأصل، وألحق به- أي في الحاشية-
1004-
(20) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لابد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي.
ــ
البيهقي في سننه الكبير من طريق الحسن عن أنس، وفي نسخة صحيحة يرفعه. قيل إنه من ملحقات الجزري. قال ابن حجر: وله طرق تقتضي حسنه، كذا في المرقاة. قلت: حديث أنس هذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص284) من طريق الربيع بن بدر عن عنطوانة عن الحسن عن أنس، قال البيهقي رواه جماعة عن الربيع بن بدر عن عنطوانة، والربيع بن بدر ضعيف- انتهى. وقال الحافظ في اللسان (ج4 ص385) : عنطوانة عن الحسن عن أنس مرفوعاً: يا أنس ضع بصرك حيث تسجد. لا يدرى من ذا. انفرد به عنه عليلة بن بدر- انتهى. وذكره العقيلي فقال: مجهول بصري، روى عنه الربيع بن بدر، وهو متروك ثم ساق حديثه المذكور. والربيع هو عليلة بالتصغير- انتهى.
1004-
قوله: (يا بني إياك والالتفات في الصلاة) أي بتحويل الوجه. (فإن الالتفات في الصلاة) أظهر في موضع الضمير لمزيد الأيضاح والبيان في مقام التحذير. (هلكة) بفتحتين أي هلاك؛ لأنه طاعة الشيطان، وهو سبب الهلاك. قال الطيبي: الهلكة الهلاك وهو استحالة الشيء وفساده، لقوله تعالى:{ويهلك الحرث والنسل} [205:2] والصلاة بالالتفات تستحيل من الكمال إلى الاختلاس المذكور في الحديث الخامس من الفصل الأول. وقال الشوكاني: سمي الالتفات هلكة باعتبار كونه سبباً لنقصان الثوب الحاصل بالصلاة، أو لكونه نوعاً من تسويل الشيطان واختلاسه، فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان، واتباع الشيطان هلكة، أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله، والإعراض عنه عزوجل هلكة. (فإن كان لابد) أي من الالتفات. (ففي التطوع لا في الفريضة) ؛ لأن مبنى التطوع على المساهلة، ألا ترى أنه يجوز قاعداً مع القدرة على القيام، وفيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض. (روا الترمذي) وقال: حديث حسن. ونقل ميرك أنه قال: حسن صحيح. وذكر الزيلعي الحديث في نصب الراية (ج2 ص89) عن الترمذي وقال: قال: حديث حسن صحيح. ونقل المجد بن تيمية الحديث في المنتقى وقال: رواه الترمذي وصححه. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكره: رواه الترمذي من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس، وقال حديث حسن، وفي بعض النسخ صحيح. قال المنذري: وعلي بن زيد بن جدعان يأتي الكلام عليه، ورواية سعيد عن أنس غير مشهورة- انتهى. وقال في الفصل الذي ذكر فيه الرواة المختلف فيهم: علي بن زيد بن جدعان، قال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به، وضعفه ابن عيينة وأحمد وغيرهما، وروى عن يحيى ليس بشيء، وروى عنه ليس بذاك القوي، وقال أحمد العجلي: كان يتشيع وليس بالقوي، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين، وقال الترمذي: صدوق،
1005-
(21) وعن عباس رضي الله عنهما، قال:((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره)) . رواه الترمذي والنسائي.
ــ
وصحح له حديثاً في السلام، وحسن له غير ما حديث- انتهى.
1005-
قوله: (كان يلحظ) بفتح الحاء المهملة وبالظاء أي ينظر بمؤخر عينيه من اللحظ، وهو النظر بطرف العين الذي يلي الصدغ، وفي رواية النسائي: كان يلتفت (في الصلاة) قيل: النافلة، ويحتمل الفرض أيضاً. والحاصل أن إلتفاته كان متضمناً لمصلحة بلا ريب مع دوام حضور القلب وتوجهه إلى الله تعالى على وجه الكمال، قاله السندي. (يميناً وشمالاً) أي تارة إلى جهة اليمين وأخرى إلى جهة الشمال. (ولا يلوى) أي لا يصرف ولا يميل (عنقه خلف ظهره) أي إلى جهته. وقال الطيبي: اللي فتل الحبل، يقال لويته الوية ليا، ولوى رأسه وبرأسه أماله. ولعل هذا الالتفات كان منه في التطوع، فإنه أسهل لما في الحديث السابق. وقال ابن الملك: قيل إلتفاته عليه الصلاة والسلام مرة أو مراراً قليلة لبيان أنه غير مبطل أو كان لشئ ضروري، فان كان أحد يلوى عنقه خلف ظهره أي ويحول صدره عن القبلة فهو مبطل للصلاة كذا في المرقاة قلت: الالتفات المذكور في حديث ابن عباس هذا هو أن يلحظ بعينيه يميناً وشمالاً لمراقبة أحوال المتقدمين، أو لمصلحة أخرى، وهو مباح عند الجميع في الفرض، وإن كان خلاف الأولى، وهو غير الإلتفات المذكور في حديث أنس السابق والحديث الخامس من الفصل الأول، فان المراد من الالتفات فيهما هو أن يلتفت بطرف الرأس والوجه من غير أن يحول صدره عن القبلة، وهو مكروه عند الجميع بلا حاجة بل حرام عند الظاهرية. (رواه الترمذي والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك (ج1:ص236-256) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضاً الدارقطني في سننه (ص195) والحازمي في كتاب الاعتبار (ص64) قال الترمذي حديث غريب يعني أنه تفرد بروايته متصلاً الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند. ونقل القاري في المرقاة عن ميرك أنه نقل عن الترمذي حسن غريب، ونقل عن النووي أنه صحح إسناده. وقال الترمذي في جامعه: وقد خالف وكيع الفضل بن موسى في روايته، ثم أخرجه عن وكيع عن عبد الله بن سعيد عن بعض أصحاب عكرمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة" فذكر نحوه. وقال في علله الكبير: ولا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد مسنداً مثل ما رواه الفضل بن موسى-انتهى. وقال الدارقطني بعد روايته: تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد به متصلاً وغيره يرسله، وكذا قال الحازمي في كتاب الاعتبار، وأراد الترمذي والدارقطني والحازمي بذلك تعليل الرواية المتصلة. وليست هذه علة، بل إسناد الحديث صحيح أو حسن، والرواية المتصلة زيادة من ثقة، فهي مقبولة.
1006-
(22) وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده رفعه، قال:((العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة، والحيض والقيء والرعاف من الشيطان)) رواه الترمذي.
ــ
والفضل بن موسى ثقة ثبت. قال ابن القطان في كتابه: هذا حديث صحيح، وإن كان غريباً، لا يعرف إلا من هذه الطريق. قال عبد الله بن سعيد وثور بن زيد ثقتان، وعكرمة احتج به البخاري. فالحديث صحيح-انتهى. والحديث أخرجه البزار في مسنده عن مندل بن علي العنزي عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى يلاحظ أصحابه في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلتفت". ورواه ابن عدي في الكامل، وأعله بمندل وضعفه عن النسائي والسعدي وابن معين، ولينه هو، وقال: إنه ممن يكتب حديثه-انتهى. وفي الباب عن علي بن شيبان، قال: خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينيه رجلاً لم يقم صلبه في الركوع والسجود، فقال إنه لا صلاة لمن يقم يقم صلبه، أخرجه ابن ماجه وابن حبان.
1006-
قوله: (رفعه) أي رفع جد عدي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولولا هذا القيد لأوهم قوله: (العطاس) أن يكون من قول الصحابي، فيكون موقوفاً، قاله الطيبي، (والنعاس) هو النوم الخفيف أو مقدمة النوم، وهو سنة، (والتثاؤب في الصلاة) قال الطيبي: إنما فصل بين الثلاثة الأول والأخيرة بقوله: في الصلاة؛ لأن الثلاثة الأول مما لا يبطل الصلاة بخلاف الأخير. (والحيض والقيء والرعاف) بضم الراء، دم الأنف. (من الشيطان) قال القاضي: أضاف هذه الأشياء إلى الشيطان؛ لأنه يحبها ويتوسل بها إلى ما يبتغيه من قطع الصلاة، والمنع عن العبادة، ولأنها تغلب في غالب الأمر من شره الطعام الذي هو من أعمال الشيطان. وزاد التوربشتي ومن ابتغاء الشيطان الحيلولة بين العبد وبين ما ندب إليه من الحضور بين يدي الله، والاستغراق في لذة المناجاة، ذكره الطيبي. وقال ابن حجر: المراد من العطاس كثرته، فلا ينافيه الخبر:"إن الله يحب العطاس"؛ لأن محله في العطاس المعتدل، وهو الذي لا يبلغ الثلاث التوالي، بدليل أنه يسن تشميته حينئذٍ بـ"عافاك الله وشفاك" الدال على أن ذلك مرض-انتهى. قال القاري: والظاهر الجمع بين الحديثين بأن يحمل محبة الله تعالى العطاس مطلقاً على خارج الصلاة، وكراهته مطلقاً في داخل الصلاة؛ لأنه في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال به، وهذا الجمع كان متعيناً لو كان الحديثان مطلقين فكيف مع التقييد بها في هذا الحديث. وقال العراقي في شرح الترمذي: لا يعارض هذا حديث أبي هريرة: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، لكونه مقيداً بحال الصلاة، فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليشغله عن صلاته، ذكره الحافظ في الفتح. (رواه الترمذي) أي في الأدب، وقال حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي-انتهى. وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي القاضي، وهو صدوق يخطيء كثيراً، تغير حفظه منذ ولى القضاء بالكوفة. وأبواليقظان اسمه عثمان بن عمير الكوفي، الأعمى، ضعيف، واختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر
1007-
(23) وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي.
ــ
الحديث: وسنده ضعيف، وله شاهد عن ابن مسعود في الطبراني، لكن لم يذكر النعاس، وهو موقوف، وسنده ضعيف أيضاً-انتهى. والحديث أخرجه ابن ماجه من طريق شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: قال البزاق والمخاط والحيض والنعاس في الصلاة من الشيطان. قال في الزوائد: أبواليقظان أجمعوا على ضعفه.
1007-
قوله: (وعن مطرف) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة. (بن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء الحرشي العامري البصري، ثقة عابد فاضل من كبار التابعين، مات سنة 95هـ، وقد ذكر ابن سعد وغيره له مناقب كثيرة. (عن أبيه) عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب بن وقدان بن الحريش الحرشي العامري الصحابي ذكره ابن سعد في مسلمة الفتح. وقال ابن مندة: وفد في وفد بني عامر، له أحاديث انفرد له مسلم بحديث. (وهو يصلي) أي والحال أنه يصلي، فالجملة حالية، وكذلك جملة قوله:(ولجوفه أزيز) أي والحال أن لجوفه أزيزاً بزائين معجمتين ككريم، وهو صوت القدر إذا غلت. والمراد حنين من الخوف والخشية، وهو صوت البكاء. وقال الجزري: هو أن يحيش جوفه ويغلي من البكاء. (كأزيز المرجل) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم، الإناء الذي يغلي فيه الماء سواء كان من حديد أو صفر أو حجارة أو خزف، والميم زائدة. قيل له ذلك؛ لأنه إذا نصب كأنه أقيم على أرجل. وقال القاري: المرجل القدر إذا غلى. قال الطيبي: أزيز المرجل صوت غليانه، ومنه الأز، وهو الإزعاج. وقيل: للمرجل القدر من حديد أو حجر أو خزف؛ لأنه إذا نصب كأنه أقيم على الرجل. (يعني يبكي) أي يريد الراوي بالعبارة المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بحيشان جوفه وغليانه. وقال الطيبي: فيه دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة. قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن الصوت إنما سمع للجوف أو الصدر، لا اللسان، والمختلف في إبطاله إنما هو البكاء المشتمل على الحرف. وقال البيجوري في شرح الشمائل: يؤخذ من الحديث أنه إذا لم يكن الصوت مشتملاً على حرفين أو حرف مفهم لم يضر في الصلاة-انتهى. قلت: الحديث بظاهره وبإطلاقه دليل بين على أن البكاء غير مبطل للصلاة، سواء ظهر منه حرفان أم لا إذا كان من خشية الله تعالى، وهو الذي فهمه الترمذي وأبوداود والنسائي والمجد ابن تيمية، كما يظهر من تبويبهم على هذا الحديث، وليس في الحديث أدنى إشارة إلى القيد الذي ذكره ابن حجر والبيجوري تبعاً لمذهبهما. قال الشوكاني: في الحديث دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة، سواء ظهر منه حرفان أم لا. وقد قيل: إن كان البكاء من خشية الله لم يبطل، وهذا الحديث يدل عليه، ويدل عليه أيضاً ما رواه ابن حبان
وفي رواية قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء)) رواه أحمد، وروى النسائي الرواية الأولى، وأبوداود الثانية.
1008-
(24) وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى
ــ
بسنده إلى علي بن أبي طالب، قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وبوب عليه ذكر الإباحة للمرأ أن يبكي من خشية الله، ويدل عليه أيضاً ما أخرجه البيهقي وسعيد بن منصور وابن المنذر أن عمر صلى صلاة الصبح وقرأ سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله:{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [86:12] فسمع نشيجه. والنشيج على وزن فعيل أشد البكاء كما في المحكم، ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن عمر عند البخاري وعن عائشة عند البخاري ومسلم في تصميمه صلى الله عليه وسلم على استخلاف أبي بكر في الصلاة بعد أن أخبر أنه إذا قرأ غلبه البكاء، ويدل عليه أيضاً مدح الباكين بقوله تعالى:{إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} [19: 85] وبقوله: {ويخرون للأذقان يبكون} [17: 109] ، فإنه يشمل المصلي وغيره. واختلف العلماء في البكاء والأنين والتأوه فعن الشعبي والنخعي يفسد الصلاة، وعن المالكية والحنابلة والحنفية: إن كان لذكر النار والجنة والخوف لم يفسد، وإن كان لغير الخوف كالمصيبة والوجع أفسد. وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه: أصحها إن ظهر منه حرفان أو حرف مفهم أفسد وإلا فلا، ثانيها: وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقاً؛ لأنه ليس من جنس الكلام، ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل، ثالثها: عن القفال إن كان فمه مطبقاً لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان، وبه قطع المتولي. قال الحافظ: والوجه الثاني أقوى دليل. (وفي رواية) أخرى. (كأزيز الرحى) يعنى الطاحون. قال الخطابي: أزيز الرحى صوتها وحرحرتها. (من البكاء) بالمد أي من أجله. قال ابن حجر: هو بالقصر خروج الدمع مع الحزن، وبالمد خروجه مع رفع الصوت. (رواه أحمد) (ج4: ص25- 26) أي أصل الحديث عند أحمد مع قطع النظر عن خصوص اللفظ، وإلا فليس عنده الرواية الثانية. والحديث أخرجه أيضاً الترمذي في الشمائل، قال الحافظ في الفتح: وإسناده قوي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ووهم من زعم أن مسلماً أخرجه-انتهى.. (وروى النسائي الرواية الأولى الخ)، وأخرج البيهقي الروايتين (ج2: ص251) .
1008-
قوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي إذا دخل فيها، إذ قبل التحريم لا يمنع. (فلا يمسح الحصى) أي فلا يعرض عن الصلاة لأدنى شيء، أي لما فيه من قطع التوجه للصلاة، فتفوته الرحمة المسببة عن الإقبال على الصلاة، وهذا إذا لم يكن لإصلاح محل السجود، وإلا فيجوز مرة بقدر الضرورة، كما تقدم. والحصى
فإن الرحمة توجهه)) رواه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
1009-
(25) وعن أم سلمة، قالت:((رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً لنا، يقال له: أفلح، إذا سجد نفخ، فقال: يا أفلح ترب وجهك)) .
ــ
بفتحتين واحدتها حصاة، وهي الحجارة الصغيرة، والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب، لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم، ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور. ويدل على ذلك قوله في حديث معيقيب المتقدم في الرجل يسوي التراب. (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل عليه وتقبل إليه. وهي علة للنهي، يعني فلا يليق لعاقل تلقي شكر تلك النعمة الخطيرة بهذه الفعلة الحقيرة، قاله الطيبي. وقال الشوكاني: هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن لا يشغل خاطره بشيء يلهيه عن الرحمة المواجهة له، فيفوته حظه منها. وقد روي أن حكمة ذلك أن لا يغطي شيئاً من الحصى يمسحه، فيفوته السجود عليه، كما تقدم في رواية ابن أبي شيبة عن أبي صالح السمان. قال ابن العربي: معناه الإقبال على الرحمة، وترك الاشتغال عنها بالحصباء وسواه إلا أن يكون لحاجة كتعديل موضع السجود أو إزالة شيء مضر، وقد كان مالك يفعله، وغيره يكرهه-انتهى. (رواه أحمد) (ج5: ص150- 163- 179) . (والترمذي) وحسنه. (وأبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والنسائي وابن ماجه) وأخرجه البيهقي أيضاً (ج2: ص284) كلهم من طريق الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر. وقد تقدم الكلام في أبي الأحوص. وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها الشوكاني في النيل.
1009-
قوله: (وعن أم سلمة) أم المؤمنين. (يقال له: أفلح) وقيل: اسمه رباح، كما في رواية لأحمد (ج6: ص323) والترمذي، وقيل: يسار، كما في رواية أخرى لأحمد (ج6: ص301) . (إذا سجد) أي إذا أراد أن يسجد. (نفخ) أي في الأرض ليزول عنها التراب فيسجد. (ترب وجهك) أي في سجودك من التتريب، أي أوصل وجهك إلى التراب، وألقه به وضعه عليه، ولا تبعده عن موضع وجهك بالنفخ، فإنه أقرب إلى التواضع والتذليل والخضوع، فإن علوق التراب بالوجه الذي هو أفضل الأعضاء غاية التواضع. والحديث قد استدل به من اختار مباشرة المصلي للأرض من غير وقاية، روي ذلك عن ابن مسعود وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي خلافاً للجمهور، قال العراقي: والجواب عنه: أنه لم يأمره أن يصلي على التراب، وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض، وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض، فأمره بذلك. لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض، فأمره بنزعه-انتهى. واستدل بالحديث أيضاً على كراهة النفخ في الصلاة. وقد اختلف العلماء فيه: فروي عن مالك كراهة النفخ في الصلاة ولا يقطعها كما يقطعها الكلام، وهو قول أحمد وإسحاق على ما ذكر الترمذي. وإليه ذهب أبويوسف وأشهب على ما قال ابن بطال. وفي المدونة:
رواه الترمذي.
ــ
النفخ بمنزلة الكلام يقطع الصلاة. وعن أبي حنيفة ومحمد: إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يبطل الصلاة، وإلا فلا، واستدل لهما بحديث أم سلمة وفيه أنه حديث ضعيف الإسناد. قال الحافظ في الفتح: ولو صح لم يكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ؛ لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة، وإنما استفاد من قوله:"ترب وجهك" استحباب السجود على الأرض، فهو نحو النهي عن مسح الحصى. قال: وفي الباب- أي في كراهة النفخ في الصلاة- عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني، وعن زيد بن ثابت عند البيهقي، وعن أنس وبريدة عند البزار، وأسانيد الجميع ضعيفة جداً-انتهى. وقد ذكر الشوكاني في النيل: هذه الأحاديث مع بيان ما فيها من الضعف. واستدل لهما أيضاً بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة بأن النفخ كلام يدل على ذلك ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس قال: النفخ في الصلاة كلام وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلاماً. وأجيب بمنع كون النفخ كلاماً؛ لأن الكلام يتركب من الحروف المعتمدة على المخارج ولا اعتماد في النفخ، وأيضاً الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة، ولو سلم صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في الصلاة مخصصاً لعموم النهي عن الكلام، كذا في النيل. والمصحح عند الشافعية والحنابلة أنه إن ظهر من النفخ حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا. والراجح المعتمد عندنا هو عدم بطلان الصلاة بالنفخ مطلقاً، أي سواء ظهر منه حرفان أم لا، مسموعاً كان أو غير مسموع، لما رواه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي عن عبد الله بن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف"، وقد ذكره البخاري تعليقاً. وأخرج أحمد هذا المعنى من حديث المغيرة بن شعبة. ولفظ أبي داود: ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف. وفيه رد صريح على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة والحنفية؛ لأنه كان مسموعاً، وقد صرح فيه بظهور الحرفين وفي الحديث أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم قال: وعرضت على النار، فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، والنفخ لهذا الغرض لا يقع إلا بالقصد إليه، فانتفى قول من حمله على الغلبة. وأجاب الخطابي بأن "أف" لا تكون كلاماً حتى يشدد الفاء، قال: والنافخ في نفخه لا يخرج الفاء صادقة من خرجها. وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا يستقيم على قول الشافعية أن الحرفين كلام مبطل، أفهما أولم يفهما، وأشار البيهقي إلى أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ورد بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، كذا في الفتح. قال ابن بطال: والقول الأول أي عدم قطع النفخ للصلاة أولى، وليس في النفخ من النطق بالهمزة والفاء أكثر مما في البصاق من النطق بالتاء والفاء، قال: وقد اتفقوا على جواز البصاق في الصلاة، فدل على جواز النفخ فيها، إذ لا فرق بينهما، ولذلك ذكره البخاري معه في الترجمة –انتهى. وقد روي الرخصة في النفخ في الصلاة عن قدامة بن عبد الله الصحابي، أخرجه البيهقي. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج6: ص323) والبيهقي (ج2: ص252) كلهم من طريق ميمون أبي حمزة الأعور
1010-
(26) وعن ابن عمر رضي الله عنهما: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار. رواه في شرح السنة.
1011-
(27) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتلوا الأسودين في الصلاة،
ــ
القصاب الكوفي الراعي عن أبي صالح عن أم سلمة. قال الترمذي: إسناده ليس بذاك، وميمون أبوحمزة قد ضعفه بعض أهل العلم-انتهى. قلت: ميمون أبوحمزة هذا ضعيف، لم يوثقه حد ولا قواه، بل ضعفه جميعهم أو أكثرهم، كما يظهر من تهذيب التهذيب والميزان. فالحديث ضعيف، لكن أخرجه أحمد من غير طريق أبي حمزة أيضاً، فقد رواه (ج6:ص 301) عن طلق بن غنام بن طلق عن سعيد بن عثمان الوراق عن أبي صالح عن أم سلمة، ورواه ابن حبان أيضاً في صحيحه من غير طريق أبي حمزة. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي صالح: ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج حديثه "هذا" في صحيحه من رواية غير أبي حمزة ميمون عنه-انتهى. ويؤيده أيضاً حديث حذيفة مرفوعاً: ما من حالة يكون العبد فيها أحب إلى الله من أن يراه ساجداً، يعفر وجهه في التراب. رواه الطبراني.
1010-
قوله: (الاختصار) أي وضع اليد على الخاصرة، وهي جنب الإنسان فوق رأس الورك. (في الصلاة راحة أهل النار) قال القاضي: أي يتعب أهل النار من طول قيامهم أي في الموقف فيستريحون بالاختصار، وقيل: إنه من فعل اليهود والنصارى في صلاتهم، وهم المرادون بأهل النار أي مآلاً وعاقبة؛ لأن أهل النار لا راحة لهم لقوله تعالى:{لا يفتّر عنهم} [43: 75] . (رواه في شرح السنة) قال ميرك: أي بغير سند، فقال: وفي بعض الأحاديث: الاختصار راحة أهل النار-انتهى. قلت: فقول المصنف رواه في شرح السنة خطأ فإنه إنما يقال في مثل هذا ذكره، ولا يقال رواه. وقد صح النهي عن الاختصار في الصلاة، كما تقدم في الفصل الأول مع بيان حكمة النهي عنه مفصلاً. والحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً، كما في الترغيب للمنذري. وقال الشوكاني في النيل: روى ذلك ابن أبي شيبة عن مجاهد، ورواه أيضاً عن عائشة، وروى البيهقي (ج2: ص287) عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار. قال العراقي: وظاهر إسناده الصحة، ورواه أيضاً الطبراني-انتهى. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص85) بعد ذكره من رواية أبي هريرة: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن الأزور، ضعفه الأزدي، وذكر له الحديث وضعفه به-انتهى. ولم أقف على من أخرجه من حديث ابن عمر.
1011-
قوله: (اقتلوا الأسودين في الصلاة) أي ولو في الصلاة، ففي حديث ابن عباس عند الحاكم والطبراني بإسناد ضعيف مرفوعاً: اقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في صلاتكم والأمر للندب وقيل: للرخصة
الحية والعقرب)) .
ــ
والإباحة، وصرفه عن الوجوب ما رواه أبويعلى والطبراني في الأوسط عن عائشة، قالت: دخل علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقام إلى جنبه فصلى بصلاته، فجاءت عقرب حتى انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركته، فذهبت نحو علي، فضربها بنعله حتى قتلها، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها بأساً. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج2: ص84) : رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير معاوية بن يحيى الصدفي، وأحاديثه عن الزهري مستقيمة، كما قال البخاري، وهذا منها، وضعفه الجمهور. وفي طريق الطبراني: عبد الله بن صالح كاتب الليث. قال عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة مأمون، وضعفه الأئمة أحمد وغيره-انتهى. (الحية والعقرب) بيان للأسودين. وتسمية العقرب والحية بالأسودين إما لتغليب الحية على العقرب؛ لأنه لا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية، أو لأن عقرب المدينة يميل إلى السواد. وقيل: بل لأن بعض العقارب يكون أسود، و"ال" فيهما للجنس، فيشمل كل منهما الذكر والأنثى، ويلحق بهما كل ضرار مباح القتل كالزنابير والشبثان ونحوهما، وأما القمل فقال القاضي: الأولى التغافل عنه، فإن قتلها فلا بأس؛ لأن أنساً كان يقتل القمل والبراغيث في الصلاة، وكان الحسن يقتل القمل، وقال الأوزاعي: تركه أحب إليّ، وكان عمر يقتل القمل في الصلاة، رواه سعيد، كذا في المغني (ج1: ص667) . قال الشوكاني: والحديث يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة. وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، كما قال العراقي. وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك، منهم إبراهيم النخعي. وقال الخطابي في المعالم (ج1:ص218) : رخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين إلا إبراهيم النخعي، والسنة أولى ما اتبع-انتهى. قال العراقي: وأما من قتلها في الصلاة، أو هم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر روى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب، فضربها بنعله، ورواه البيهقي أيضاً وقال: فضربها برجله، وقال: حسبت أنها عقرب. واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين، فيجوز قتلهما في الصلاة، وإن احتاج فيه إلى المشي الكثير والمعالجة الكثيرة لإطلاق الحديث. قال ابن الهمام: الحديث بإطلاقه يشمل ما إذا احتاج إلى عمل كثير-انتهى. ولا تفسد الصلاة بذلك؛ لأنه رخصة كالمشي والعمل في سبق الحديث عند الحنفية. وفي شرح المنية قالوا: أي بعض المشائخ هذا إذا لم يحتج إلى المشي الكثير كثلاث خطوات متواليات، ولا إلى المعالجة الكثيرة كثلاث ضربات متواليات، فأما إذا احتاج فمشى وعالج تفسد صلاته كما لو قاتل؛ لأنه عمل كثير، ذكره السروجي في المبسوط. ثم قال: والأظهر أنه لا تفصيل فيه؛ لأنه رخصة كالمشي في سبق الحدث، ويؤيد إطلاق الحديث، والأصح هو الفساد، إلا أنه يباح له إفسادها لقتلهما كما يباح لإغاثة ملهوف أو تخليص أحد من الهلاك كسقوط من سطح أو حرق أو غرق، ذكره القاري في المرقاة. والحق عندنا هو عدم التفصيل، فقتلهما لا يفسد الصلاة مطلقاً لإطلاق الحديث. ذكر شيخ الإسلام السرخسي: أن الأظهر أن لا تفسد صلاته؛ لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي، فأشبه المشي بعد الحدث والاستقاء من البئر
رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وللنسائي معناه.
1012-
(28) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعا والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت، فمشى ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه، وذكرت: أن الباب كان في القبلة))
ــ
والوضوء-انتهى. وقال الشوكاني: واستدل المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير، والكارهون له بحديث: إن في الصلاة لشغلاً، وبحديث: أسكنوا في الصلاة عند أبي داود. ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص، فلا يعارضه ما ذكروه، وهكذا يقال في كل فعل كثير ورد الإذن به، كحديث حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة، وحديث خلعه للنعل، وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر ونزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك، وحديث أمره صلى الله عليه وسلم بدرء المار، وإن أفضى إلى المقاتلة، وحديث مشيه لفتح الباب. (الآتي بعد هذا الحديث) وكل ما كان كذلك ينبغي أن يكون مخصصاً لعموم أدلة المنع-انتهى. (رواه أحمد) في (ج2: ص333- 348) . (وأبوداود والترمذي) وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والبيهقي (ج2:ص 266) والحاكم في المستدرك (ج1: ص256)، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وسكت عنه أبوداود. ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. وفي الباب عن عائشة وابن عباس، كما تقدم، وعن أبي رافع عند ابن ماجه، بإسناد ضعيف، وعن رجل من بني عدي بن كعب عند أبي داود في مراسيله بإسناد منقطع.
1012-
قوله: (والباب عليه مغلق) فيه أن المستحب لمن صلى في مكان بابه إلى القبلة أن يغلق الباب عليه ليكون سترة للمار بين يديه، وليكون أستر. وفيه إخفاء صلاة التطوع عن الآدميين. (فجئت فاستفتحت) أي طلبت فتح الباب، والظاهر أنها ظنت أنه ليس في الصلاة، وإلا لم تطلبه منه كما هو اللائق بأدبها وعلمها. (ثم رجع إلى مصلاه) أي على عقبيه. (وذكرت) أي عائشة. (أن الباب كان في القبلة) أي فلم يتحول صلى الله عليه وسلم عنها عند مجيئه إليه، ويكون رجوعه إلى مصلاه على عقبيه إلى خلف. قال الأشرف: هذا قطع وهم من يتوهم أن هذا الفعل يستلزم ترك استقبال القبلة، ولعل تلك الخطوات لم تكن متوالية؛ لأن الأفعال الكثيرة إذا تفاصلت ولم تكن على الولاء لم تبطل الصلاة، قال المظهر: ويشبه أن تكون تلك المشية لم تزد على خطوتين. قال القاري: الإشكال باق؛ لأن الخطوتين مع الفتح والرجوع عمل كثير، فالأولى أن يقال تلك الفعلات لم تكن متواليات –انتهى. قال شيخنا في شرح الترمذي: هذا كله من التقييد بالمذهب. والظاهر أن أمثال هذه الأفعال في صلاة التطوع عند الحاجة لا تبطل الصلاة، وإن كانت متوالية. قال ابن الملك: مشيه عليه الصلاة والسلام وفتحه الباب ثم رجوعه إلى مصلاه يدل على أن الأفعال الكثيرة إذا تتوالى لا تبطل الصلاة. وإليه ذهب بعضهم-انتهى.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وروى النسائي نحوه.
1013-
(29) وعن طلق بن علي،
ــ
قلت: وهذا هو الراجح المعول عليه عندي لظاهر الحديث، لكن في صلاة التطوع عند الحاجة لا مطلقاً. (رواه أحمد وأبو داود والترمذي) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج2: ص265) . وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وسكت عنه أبوداود. ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. (وروى النسائي ونحوه) ولفظه: قالت استفتحت الباب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعا، والباب على القبلة، فمشى عن يمينه أو عن يساره ففتح الباب، ثم رجع إلى مصلاه.
1013-
قوله: (وعن طلق) بفتح الطاء وسكون اللام. (بن علي) كذا وقع في جميع النسخ الموجودة الحاضرة عندنا. ووقع في المصابيح عن علي بن طلق، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج8:ص108) وهذا هو الصواب؛ لأنه موافق لما وقع في جامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي والدارمي والدارقطني وابن حبان والبيهقي (ج2:ص255) ؛ ولأن هذا الحديث من مسند علي بن طلق كما يظهر من الاستيعاب والإصابة وتهذيب التهذيب، لا من مسند طلق بن علي، فإن له أحاديث أخرى غير ذلك، فما وقع ههنا لا شك عندي في كونه سهواً من صاحب المشكاة أو توهم هو وقوع القلب في روايات من ذكرنا من أصحاب الكتب. (كما رأى بعض الناس على ما قال البرقي، كما في تلقيح الفهوم (ص114، لابن الجوزي) ، فخالف صاحب المصابيح، وصحح على ما توهم، وأياما كان فالصحيح ههنا هو علي بن طلق لا طلق بن علي، وقد تقدم هذا الحديث في باب ما يوجب الوضوء بزيادة ونقصان من رواية الترمذي وأبي داود، وذكر المصنف هناك اسم الصحابي علي بن طلق على ما هو الصواب. قال الحافظ في تهذيب التهذيب (ج7: ص341) علي بن طلق بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العزى بن سحيم، نسبه خليفة بن خياط الحنفي اليمامي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء من الريح وغير ذلك-انتهى. وقال في الإصابة (ج2:ص510) بعد ذكر نسبه كما في التهذيب. قال ابن حبان: له صحبة. وقال ابن عبد البر: أظنه والد طلق بن علي، وبذلك جزم العسكري. وروى حديث أبوداود والترمذي والنسائي، وهو "إذا فسا أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أدبارهن" ونقل الترمذي عن البخاري قال: لا أعرف لعلي بن طلق غير هذا الحديث-انتهى. وقد قوي الحافظ ظن ابن عبد البر في تهذيب التهذيب حيث قال: وهو ظن قوي؛ لأن النسب الذي ذكره خليفة هنا هو النسب المتقدم في ترجمة طلق بن علي من غير مخالفة، وجزم به العسكري-انتهى. تنبيهان: الأول: ذكر بعض الرواة في روايته لهذا الحديث اسم الصحابي طلق بن علي، كعبدلرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان، وأبي نعيم عن عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان، وسمى شعبة عن عاصم الأحول عند أحمد طلق
ابن يزيد أو يزيد بن طلق على الشك. وكلاهما خطأ عندي، والصحيح هو علي بن طلق. قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكر رواية شعبة عن عاصم الأحول: ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن علي. والأشبه أنه علي بن طلق، كما تقدم-انتهى. وقد ذكر الحديث قبل ذلك من رواية علي بن طلق، وعزاه لأحمد والترمذي، وسنذكره. وإنما قال الأشبه أي بالصواب؛ لأن أبا معاوية عند أحمد والترمذي، وسفيان في رواية عبد الرزاق عنه عند أحمد على ما ذكر ابن كثير، وعبد الواحد بن زياد عند الدارمي، وجرير بن عبد الحميد عند أبي داود، والدارقطني وابن حبان والبيهقي قد اتفقوا في روايتهم عن عاصم الأحول على تسمية الصحابي بعلي بن طلق. وكذا سماه به وكيع عند الترمذي وإبراهيم كلاهما عن عبد الملك بن مسلم، كما في أسد الغابة (ج3:ص64) . والثاني: وقع هذا الحديث في مسند أحمد في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ج1:ص86)، فظن الهيثمي في مجمع الزوائد (ج1:ص243) و (ج4:ص299) أن هذا الحديث عند أحمد من مسند علي بن أبي طالب، لا من مسند علي بن طلق حيث بدأه بقوله: وعن علي يعني ابن أبي طالب، فذكر لفظه، ثم قال: رواه أحمد من حديث علي بن أبي طالب، ورجاله ثقات، ورواه أصحاب السنن من حديث علي بن طلق-انتهى. وكذا وقع في هذا الظن علي المتقي في كنز العمال حيث ذكر هذا الحديث في (ج5: ص116) في مسند علي بعد ذكر مسانيد أبي بكر وعمر وعثمان، وعزاه لأحمد والعدني، قال: ورجاله ثقات، ثم ذكره في (ج5:ص117) عن علي بن طلق وعزاه لابن جرير فقط. ويظهر من صنيع مجد الدين ابن تيمية الأكبر في المنتقى أن الحديث عنده في المسند عن علي بن أبي طالب وعلي بن طلق كليهما، حيث أورد في باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها، ما يدل على النهي عن ذلك عن علي بن أبي طالب وعلي بن طلق وكليهما. وهذا ظاهر في أنه جعلهما حديثين منفصلين. ويظهر من كلام الأمير اليماني أن الحديث عنده مروي عن الصحابيين المذكورين، وعن طلق بن علي أيضاً، حيث قال في سبل السلام (ج3:ص136) : روى هذا الحديث. (أي حديث أبي هريرة المخرج في أبي داود والنسائي في منع إتيان النساء في أدبارهن) بلفظه من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب وعمر وخزيمة وعلي بن طلق وطلق بن علي وابن مسعود الخ. والظاهر عندي: أن الحديث من مسند علي بن طلق فقط. وأنه وقع السهو ممن رتب المسند وهذبه، حيث ذكر هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب، لما رأى في طريق وكيع عن عبد الملك لفظ علي من غير نسب أي من غير نص على أنه ابن طلق أو ابن أبي طالب، فظن أنه ابن أبي طالب. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (ج2: ص81) : قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتى النساء في أدبارهن، فإن الله لا يستحي من الحق. وأخرجه أحمد أيضاً عن أبي معاوية،
وأبوعيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضاً عن عاصم الأحول به، وفيه زيادة، وقال: هو حديث حسن. ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب، كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل. والصحيح أنه علي بن طلق-انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص106) بعد ذكر الحديث ما لفظه: هكذا نسبه أي الرافعي، فقال: علي بن أبي طالب، وهو غلط، والصواب: علي بن طلق، وهو اليماني، كذا رواه من طريقة أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وابن حبان-انتهى. وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد (ج2:ص64- 66) بعد ذكر كلام ابن كثير السابق. هكذا وافق الحافظ ابن كثير رأي الترمذي في أن علياً في هذا الإسناد هو ابن طلق؛ لأنه ذكر فيه من غير نسب، فلم ينص على أنه هذا أو ذاك وأنا أرجح أن رأى الترمذي ومن تبعه خطأ؛ لأنه من المستبعد جداً أن يخفى مثل هذا على الإمام أحمد وابنه عبد الله، ولأن علي بن طلق اشتبه أمره على البخاري فظن أنه شخص آخر غير طلق بن علي اليماني، فلم يعرف له غير هذا الحديث الواحد، وظن ابن عبد البر أن علي بن طلق هو والد طلق بن علي. وقوى حافظ في التهذيب هذا الظن لاتفاق نسبهما، ولو كان هذا صحيحاً لكان علي بن طلق صحابياً قديماً معمراً حتى يدركه مسلم بن سلام، بل حتى يدركه عيسى ابن حطان الرقاشي، فيما يزعم الحافظ في التهذيب (ج2:ص207) : أنه روى عنه على خلاف فيه. بل أنا ظن أن الحديث حديث علي بن أبي طالب، كما ذكره الإمام أحمد في مسنده. (أي علي بن أبي طالب) ، رواه عنه مسلم بن سلام، ورواه عن مسلم ابنه عبد الملك على الصواب، ثم رواه عن مسلم أيضاً عيسى بن حطان فأخطأ، فقال عنه "عن علي بن طلق"، قال: وأما رواية الإمام أحمد حديث "علي بن طلق" التي أشار الحافظ ابن كثير إلى أنه رواها بإسنادين فلم أجدها في المسند، بل لم أجد لعلي بن طلق فيه مسنداً خاصاً بما حصرت مسانيده في فهارسي، ولا فيما أتممت تحقيقة من هذا الديوان الأعظم، وهو أكثر من خمسة عشر ألف حديث، فلعله سيأتي في باقي الكتاب في أثناء مسند صحابي آخر، والله اعلم-انتهى. قلت: قد ظهر من هذا كله أن عيسى بن حطان ذكر علياً في روايته عن مسلم بن سلام منسوباً، فنص على أنه ابن طلق، وهذه الرواية عند أحمد على ما ذكر ابن كثير والترمذي وأبي داود والدارمي وابن حبان والدارقطني وابن الأثير الجزري في أسد الغابة (ج3:ص64) ، ورواه عبد الملك بن مسلم بن سلام عن أبيه مسلم، فذكره من غير نسب فلم ينص على أنه هذا أو ذاك، وتلك الرواية المقيدة قرينة واضحة على أن علياً في رواية عبد الملك هو ابن طلق، لا ابن أبي طالب. ومجرد ذكر الإمام أحمد أو ابنه أو غيرهما ممن رتب المسند وهذبه هذه الرواية المطلقة، أي رواية عبد الملك بن مسلم عن أبيه عن علي من غير نسب في مسند علي بن أبي طالب لا يدل على أن علياً هذا هو ابن أبي طالب؛ لأن هذا ليس مجرد الرأي والفهم، وهو ليس بحجة على غير صاحبه. وليس فيه أيضاً دليل على وقوع الخطأ من عيسى بن حطان في ذكر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ، وليعد الصلاة،
ــ
النسب، فنسبه الخطأ إلى عيسى تحكم محض عندي. وأي بعد في خفاء مثل هذا على الإمام أحمد وابنه فقد خفي ما هو دون ذلك على من هو أكبر وأعظم في هذا الشأن منهما، والله اعلم. (إذا فسا أحدكم) أي خرج من دبره ريح بلا صوت، سواء تعمد خروجه أو لم يتعمده، فعل ماض من فسا يفسوا فسوا وفساء. قال في المصباح: الفساء بالضم والهمزة والمد ريح يخرج بغير صوت يسمع. قال الطيبي: أي أحدث بخروج ريح من مسلكه المعتاد. (فلينصرف) أي عن صلاته. (فليتوضأ وليعد الصلاة) فيه دليل على أن الحدث ناقض للوضوء، وأنه تبطل به الصلاة ويجب عليه إعادتها، ولا يجوز البناء عليها، سواء كان الحدث عمداً أو سبقه من غير قصد لإطلاق الحديث، وبناء على أن الأمر بإعادة الصلاة للوجوب كما أن الأمر بالوضوء للوجوب اتفاقاً، وبه أخذ الشافعي في الجديد، فقال: إذا سبقه الحدث وهو في الصلاة من غير اختياره بطلت صلاته، كما تبطل في صورة خروج الحدث باختياره وقصده. وهذا هو الراجح عندي. وفرق الشافعي في القديم، وأحمد في رواية، ومالك وأبوحنيفة بين العمد والسبق من غير اختيار، فقالوا: يعيد الصلاة في الأول، ويبني في الثاني بالشروط المذكورة في الفروع، ولو استأنف فيه أيضاً لكان أفضل للبعد عن شبهة الخلاف، فعندهم الأمر بالإعادة في الحديث إذا كان الحدث عمداً، محمول على الوجوب، وأما إذا سبقه الحدث ولم يتعمده فمحمول على الاستحباب واختيار الأفضل. واستدل لهم على ذلك بما رواه ابن ماجه والدارقطني عن عائشة مرفوعاً: من أصابه قيء أو قلس أو مذي، فلينصرف فليتوضأ ثم ليبين على صلاته وهو لا يتكلم في ذلك. فجمع هؤلاء بين الحديثين بحمل حديث علي بن طلق على تعمد الحدث في الصلاة، وحديث عائشة هذا على سبق الحدث من غير تعمد، وفيه أن حديث عائشة ضعيف لا يقاوم حديث الباب، فقد أعله غير واحد من الأئمة بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة، وابن جريج حجازي، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ضعيفة. وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج، فرووه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وصحح هذه الطريقة المرسلة الذهلي والدارقطني في العلل وأبوحاتم، وقال رواية إسماعيل خطأ. وقال ابن معين حديث ضعيف. وقال أحمد الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مرسلاً. والمرسل على القول الأصح ليس بحجة، فيترجح عليه حديث علي بن طلق، وأيضاً قد صححه ابن حبان وحسنه الترمذي، ولم يضعفه أحد غير ابن القطان، كما سيأتي، وأما حديث عائشة فلم يصححه أحد غير الزيلعي الحنفي بل ضعفه جمهور الأئمة الشافعي وأحمد وأبوحاتم وأبوزرعة والدارقطني وابن عدي والحازمي والبيهقي وابن معين والذهلي، كما في نصب الراية والتلخيص والدراية. وأما ما أجاب به الزيلعي في تخريجه، وابن التركماني في الجواهر النقي عن تضعيف هؤلاء الأئمة، فلا يخفى سخافته على من له أدنى بصيرة ودراية، فلا حاجة إلى ذكره ثم الرد عليه. وقد أشبع ابن حزم في المحلى (ج4: ص153- 156) الكلام في الرد على من قال بجواز
رواه أبوداود، وروى الترمذي مع زيادة ونقصان.
ــ
البناء، فارجع إليه إن شئت. (رواه أبوداود) في موضعين، في باب من يحدث في الصلاة، من كتاب الطهارة. وفي باب إذا أحدث في صلاته يستقبل، من كتاب الصلاة، لكن من حديث علي بن طلق لا من حديث طلق بن علي، وكذا رواه الترمذي وغيره من حديث علي بن طلق كما تقدم. (وروى الترمذي) أي نحوه في كتاب الرضاع لكن (مع زيادة ونقصان) وقد ذكر المصنف في باب ما يوجب الوضوء، وتقدم هناك شرحه، فارجع إليه. والحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان كما في التلخيص، وبلوغ المرام. وسكت عنه أبوداود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. وقال الترمذي: سمعت محمداً يقول: لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمي. وكأنه رأى أن هذا رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وقد نقل الحافظ عبارة الترمذي هذه في تهذيب التهذيب، وفيه: ولا أعرف هذا من حديث علي بن طلق السحيمي-انتهى. وهذا خطأ عندي، وهو ظاهر لمن تأمل فيما قدمنا من الكلام في ترجمة علي بن طلق، ويدل أيضاً على صحة ما وقع في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا، ما نقل الحافظ في التلخيص (ص106) والمنذري في تلخيص السنن والشوكاني في النيل والقاري في المرقاة (ج1: ص277) عن ميرك عن جامع الترمذي بلفظ: لا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمي مثل ما وقع في نسخ الترمذي الموجودة عندنا، والحديث ضعفه ابن القطان بأن مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك الراوي عن علي بن طلق مجهول الحال. وأجيب عنه بأن ابن حبان وثقة، كما في الخلاصة. وقال الحافظ في التقريب: مقبول، ومن عرف حجة على من جهل وقال النيموي: زيادة قوله في الحديث "فليعد صلاته" ليست بمحفوظة؛ لأنه تفرد بها جرير بن عبد الحميد، كما صرح به ابن حبان في صحيحه، وجرير هذا قال أحمد بن حنبل فيه: لم يكن بالذكي في الحديث اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرفه-انتهى. وهذا الحديث من طريق جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول. وقال البيهقي في سننه في ثلاثين حديثاً لجرير: قد نسب في آخر عمره إلى سوء حفظه. قلت: قال الحافظ في الفتح: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الرازي، وكان منشأه بالكوفة، قال اللالكائي: أجمعوا على ثقته، وكذا قال الخليلي. وقال أبوخيثمة: لم يكن يدلس، وروى الشاذكوني عنه ما يدل على التدليس، لكن الشاذكوني فيه مقال. وقال ابن سعد: كان ثقة يرحل إليه. وقال أحمد وابن معين: هو أثبت من شريك، ووثقه العجلي والنسائي وأبوحاتم وقال: يحتج بحديثه. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بالذكي. وقال البيهقي: نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، ولم أر ذلك لغيره بل احتج به الجماعة-انتهى. ما في مقدمة الفتح. فظهر أن جرير بن عبد الحميد الضبي مجمع على ثقته، ولم يعتمد على قول البيهقي:"نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ"، وكذلك لم يعتمد على قول
1014-
(30) وعن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت:((قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف)) رواه أبوداود.
1015-
(31) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحدث أحدكم
ــ
أحمد "لم يكن بالذكي"، بل احتج به الجماعة ولم يثبت أنه في رواية الزيادة المذكورة خالف الثقات أو أوثق منه، فكيف يكون ما زاده غير محفوظ؟ ولهذا الحديث شاهد ضعيف من حديث ابن عباس مرفوعاً أخرجه الدارقطني والطبراني، ذكره الحافظ في الدراية (ص102) والزيلعي في نصب الراية (ج1: ص62) وفي إسناده سليمان بن أرقم، وهو ضعيف كذا في أبكار المنن (ص262) .
1014-
قوله: (إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه) ندباً، وفي رواية ابن ماجه "فليمسك على أنفه" والحديث فيه ندب لستر ما لا يحسن إظهاره بما لا يكون فيه كذب. وقد روى البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في الشعب والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين موقوفاً: أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. قال البيهقي: وقد روى عنه مرفوعاً، والموقوف هو الصحيح. قال الخطابي في المعالم (ج1: ص248) : إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافاً. وفي هذا باب من الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح من الأمر والتورية بما هو أحسن منه، وليس يدخل هذا في باب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمل، واستعمال الحياء، وطلب السلامة من الناس-انتهى. وقال التوربشتي: أمره بأخذ الأنف ليخيل أنه مرعوف، وهذا ليس من قبيل الكذب، بل من المعاريض بالفعل، ورخص له فيها وهدى إليها لئلا يسول له الشيطان المضي أي في الصلاة استحياء من الناس. وفيه أيضاً تنبيه على إخفاء في تلك الحالة-انتهى. (ثم لينصرف) بكسر اللام وسكونها. (رواه أبوداود) في أبواب الجمعة من طريق ابن جريج عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة، وأخرجه ابن ماجه من طريق عمر بن علي المقدمي عن هشام ومن طريق عمر بن قيس عن هشام. قال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. والطريق الثانية ضعيفة لاتفاقهم على ضعف عمر بن قيس. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان والدارقطني (ص57) والحاكم (ج1: ص184) وقال صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي والبيهقي (ج2:ص254) .
1015-
قوله: (إذا أحدث أحدكم) كذا في جميع النسخ الحاضرة عندنا، وكذا وقع في المصابيح. والذي في الترمذي هو "إذا أحدث يعني الرجل"، وضمير "يعني" يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تفسير الضمير المستتر في "أحدث" من بعض الرواة. قال القاري: أي عمداً عند أبي حنيفة، ومطلقاً عند صاحبيه، بناء على أن الخروج من الصلاة بصنعه فرض عنده خلافاً لهما-انتهى. قال الشيخ: ليس في الحديث تقييد بالعمد، فالظاهر ما قال
وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته)) ، رواه الترمذي، وقال هذا حديث إسناده ليس بالقوي وقد اضطربوا في إسناده.
ــ
صاحبا أبي حنيفة-انتهى. (وقد جلس في آخر صلاته) قال القاري: أي قدر التشهد-انتهى. قلت: ليس في الحديث بيان مقدار الجلوس. وأما ما روي في ذلك مما يدل على بيان قدر الجلوس، كحديث ابن مسعود عند أحمد وأبي داود وغيرهما، وكحديث عطاء عند أبي نعيم، وكحديث علي عند البيهقي والدارقطني، فكله ضعيف لا يصلح للاحتجاج. أما حديث ابن مسعود فقد تقدم الكلام عليه. وأما حديث عطاء فهو مرسل، ومرسلات عطاء أضعف المراسيل، فإنه كان يأخذ عن كل أحد كما في التدريب وغيره. وأما حديث علي فهو موقوف. (فقد جازت صلاته) أي تمت وأجزأت. واستدل به لأبي حنيفة وأصحابه على أن المصلي إذا أحدث في آخر صلاته بعد ما جلس قد التشهد فقد جازت صلاته خلافاً للأئمة الثلاثة، فإن الصلاة: تبطل عندهم بذلك، لكون التسليم فرضاً عندهم وفي الاستدلال بهذا الحديث لما ذهب إليه أبوحنيفة نظر ظاهر؛ لأنه ضعيف، لا يصلح للاحتجاج، كما ستقف عليه. قال الخطابي في المعالم (ج1:ص175) : هذا الحديث ضعيف، وقد تكلم الناس في بعض نقلته، وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التسليم والتشهد، ولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهره؛ لأن أصحاب الرأي لا يرون أن صلاته قد تمت بنفس القعود حتى يكون ذلك بقدر التشهد، على ما رووا عن ابن مسعود، ثم لم يقودوا قولهم في ذلك؛ لأنهم قالوا: إذا طلعت عليه الشمس، أو كان متيمماً فرأى الماء وقد قعد مقدار التشهد قبل أن يسلم فسدت صلاته، وقالوا فيمن قهقه بعد الجلوس قدر التشهد: إن ذلك لا يفسد صلاته ويتوضأ، ومن مذهبهم أن القهقهة لا تنقض الوضوء إلا أن تكون في صلاة. والأمر في اختلاف هذه الأقاويل ومخالفتها الحديث بين –انتهى. وقد ذكر ابن حزم في المحلى (ج4:ص276، 277) مسائل نحو ما ذكر الخطابي، تناقض فيها أقوال أهل الرأي. والبحث نفيس جدا فارجع إليه، قال القاري: ووجه مناسبة هذا الحديث للباب: أنه وجد منه حدث في الصلاة، ولم يبطلها مع أن من شأنه إبطالها. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أبوداود والدارقطني والبيهقي (ج2:ص176) وأبوداود الطيالسي. (وقال) أي الترمذي: (هذا حديث، إسناده ليس بالقوى، وقد اضطربوا في إسناده) لم يبين الترمذي اضطراب إسناده، ولكنه ذكر في آخر الباب كلامهم في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، الذي عليه مدار أسانيد هذا الحديث، وتضعيف بعض أهل العلم له، قال الحافظ في التقريب في ترجمته: ضعيف في حفظه. والظاهر أن هذا الحديث مما أخطأ فيه حفظه. وهو أيضاً مخالف للحديث الصحيح: "وتحليلها التسليم". وقد تقدم، فلا يقوى حديث عبد الله بن عمر وهذا لمعارضته. قال الزيلعي في نصب الراية (ج2:ص62-63) بعد ذكر كلام الترمذي المتقدم: وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما.