المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثالث} 1487- (20) عن جندب بن عبد الله قال: شهدت - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثالث} 1487- (20) عن جندب بن عبد الله قال: شهدت

{الفصل الثالث}

1487-

(20) عن جندب بن عبد الله قال: شهدت الأضحى يوم النحر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعد أن صلى وفرغ من صلاته وسلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال:((من كان ذبح قبل أن يصلي – أن نصلي – فليذبح مكانها أخرى)) ، وفي رواية قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح وقال:((من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) متفق عليه.

ــ

1487-

قوله (شهدت) أي حضرت (الأضحى) أي عيده، وقيل: أي مصلاه (فلم يعد) بفتح الياء وسكون العين وضم الدال من عدا يعدو أي لم يتجاوز (وسلم) عطف تفسيري (فإذا هو يرى لحم أضاحي) بتشديد الياء ويخفف أي لم يتجاوز عن الصلاة إلى الخطبة ففاجأ لحم الأضاحي (فقال) أي في خطبته (من كان ذبح قبل أن يصلي) بكسر اللام أي هو (أو نصلي) أي نحن، شك من الراوي، والمآل واحد، إلا لم يكن هناك مصلى متعدد، قاله القاري، وقال الشوكاني: الأولى بالياء التحتية، والثانية بالنون، وهو شك من الراوي، ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث:"ذبحت قبل أن يصلى" فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة أيضاً لقوله في آخر الحديث:((ومن لم يكن ذبح حتى صلينا)) ، - وقد تقدمت هذه الرواية في آخر الفصل الأول من صلاة العيدين -، وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره، فيكون المراد بقوله في حديث أنس – المتقدم، وكذا في رواية جندب السابقة – من كان ذبح قبل الصلاة: الصلاة المعهودة، وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوة، ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر، وصححه ابن حبان أن رجلاً ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة – انتهى. وقد تقدم البسط في ذلك وبيان ما هو الراجح فيه (فليذبح مكانها) أي بدل تلك الذبيحة (أخرى) أي أضحية أخرى أو ذبيحة أخرى، (وفي رواية قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر) صلاة العيد (وقال) أي في خطبته (من كان ذبح) وفي بعض النسخ: من ذبح، وهكذا نقله الجزري (ج4 ص145)، قال الحافظ: قوله "وقال: من ذبح" هو من جملة الخطبة، وليس معطوفاً على قوله "ثم ذبح" لئلا يلزم تخلل بين الخطبة، وهذا القول (قبل أن يصلي) العيد (فليذبح) ذبيحة (أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، قال النووي: قال الكتاب من أهل العربية: إذا قيل باسم الله تعين كتبه بالألف، وإنما تحذف الألف إذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم بكمالها (متفق عليه) أي على أصل الحديث، ولفظ الرواية الأولى لمسلم في

ص: 105

1488-

(21) وعن نافع أن ابن عمر قال: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى.

ــ

الأضاحي، والثانية للبخاري في باب كلام الإمام والناس في خطبة العيدين من كتاب العيدين، وللحديث ألفاظ منها ما ذكره المؤلف في العيدين، وقد تقدم هناك تخريجه.

1488-

قوله (الأضحى) قال الطيبي: هذا جمع أضحاة، وهي الأضحية كأرطى واَرطاة، أي وقت الأضاحي (يومان بعد يوم الأضحى) وهو اليوم الأول من أيام النحر، وبه أخذ أبوحنيفة ومالك وأحمد والثوري، وقالوا: ينتهي وقت الذبح بغروب ثاني أيام التشريق فآخر وقت الذبح عندهم آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة أيام فقط يوم العيد ويومان بعده، وروي هذا عن علي وعمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس، كما في المحلى (ج7 ص377) . وحكى ابن القيم وابن قدامة عن أحمد أنه قال: هو قول غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره الأثرم عن ابن عباس، واستدل لذلك بما روي من النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث. قال ابن قدامة: ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، ونسخ تحريم الادخار لا يستلزم نسخ وقت الذبح. وقال الشافعي: يمتد وقت الأضحية إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق، فالأضحى عنده ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وإليه ذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام، ومكحول، وهو قول ابن عباس، روى ذلك عنهم البيهقي في السنن (ج9 ص296-297) ، وابن حزم في المحلى (ج7 ص377-378)، وذكر ابن القيم في الهدي عن علي أنه قال: أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم، وحكاه أيضاً عن جبير بن مطعم وابن عباس وغيرهما، وحكاه ابن القيم عن الأوزاعي وابن المنذر، وبهذا يظهر خطأ من زعم تفرد الشافعي به، واستدل له بما روى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((كل أيام التشريق ذبح)) ، أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي (ج9 ص296) من رواية عبد الرحمن بن حسين عنه، وأخرجه البزار من هذا الوجه، وقال: ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، فهو منقطع، وأخرجه البيهقي في المعرفة وفي السنن، ولم يذكر فيه انقطاعاً. قلت: عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، هكذا وقع في صحيح ابن حبان، كما في موارد الظمآن والسنن للبيهقي، وكذا نقله الزيلعي (ج3 ص61، وج4 ص212)، وقال الحافظ في التلخيص (ص216) بعد عزوه إلى ابن حبان والطبراني والبيهقي والبزار ما لفظه:"وفي سنده انقطاع، فإنه من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، ولم يلقه، قاله البزار"، قيل: هو الصواب كما في تهذيب التهذيب (ج12 ص290) ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين هذا هو ابن الحارث بن عامر بن نوفل المكي القرشي النوفلي من رجال الستة، ثقة عالم بالمناسك، روى عن نافع بن جبير وغيره، وروى عنه: مالك والسفيانان وغيرهم، من الخامسة، أي من صغار التابعين، وهم الذي رأوا

ص: 106

.............................

ــ

الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش، وأما عبد الرحمن بن أبي حسين فذكره ابن حبان في الثقات في التابعين (ص160)، قال: عبد الرحمن بن أبي حسين يروي عن جبير بن مطعم، روى عنه سليمان بن موسى، أحسبه والد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المدني – انتهى. قلت: وصنيع ابن حبان وشرطه في صحيحه ومسلكه في كتاب الثقات على ما صرح به في آخره (ص308) يدل على أن حديث جبير بن مطعم من طريق سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم صحيح متصل غير منقطع خلافاً لما قاله البزار. قلت: حديث جبير بن مطعم هذا أخرجه الدارقطني (ص544) والبيهقي (ج9 ص296) أيضاً من وجهين آخرين موصولين فيهما ضعف، أخرج أحدهما البزار، وأخرجه أحمد (ج4 ص82) ، والبيهقي (ج9 ص295) من طريق سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أيضاً منقطعة، قال البيهقي: سليمان لم يدرك جبير بن مطعم، وكذا قال ابن كثير كما في نصب الراية (ج3 ص61) ، وأخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في السنن (ج9 ص296) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وضعفاه بمعاوية بن يحيى الصدفي. قال ابن عدي: هذا جميعاً غير محفوظين لا يرويهما غير الصدفي، والصدفي ضعيف لا يحتج به، وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه موضوع بهذا الإسناد، قال ابن القيم: روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخرين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل أيام التشريق ذبح)) ، وروي من حديث جبير مطعم، وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر، قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون – انتهى. وقال ابن حجر الهيثمي: والحاصل أن للحديث طرقاً يقوي بعضها بعضاً فهو حسن يحتج به، وبذلك قال ابن عباس وجبير بن مطعم، ونقل عن علي أيضاً، وبه قال كثير من التابعين، فمن زعم تفرد الشافعي به فقد أخطأ – انتهى. وقال ابن سيرين وحميد بن عبد الرحمن: لا تجوز الأضحية إلا في يوم النحر خاصة، وهو قول داود الظاهري؛ لأنها وظيفة عيد فلا تجوز إلا في يوم واحد كأداء الفطرة يوم الفطر، ولأن هذا اليوم اختص بهذه التسمية، فدل على اختصاص حكمها به، ولو جاز في الثلاثة لقيل لها أيام النحر كما قيل لها أيام الرمي وأيام منى وأيام التشريق، وأجيب عنه بأن المراد النحر الكامل، واللام يستعمل كثيراً للكمال، وقال القرطبي: التمسك بإضافة اليوم إلى النحر ضعيف مع قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28]، وقال ابن بطال: ليس استدلال بقوله – عليه السلام – بشيء؛ لأن النحر في أيام منى فعل الخلف والسلف، وجرى عليه العمل في جميع الأمصار – انتهى. وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد: إن وقته يوم النحر فقط لأهل الأمصار، وثلاثة أيام في منى؛ لأنها هناك من أيام أعمال المناسك من الرمي والطواف والحلق، فكانت

ص: 107

رواه مالك. وقال: بلغني

ــ

أياماً للذبح بخلاف أهل الأمصار. وقال أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار: الأضحى إلى هلال المحرم لمن استأنى بذلك، وبه قال ابن حزم. روى البيهقي (ج9 ص297) وابن حزم في المحلى (ج7 ص378-379) وابن أبي شيبة والدارقطني وأبوداود في المراسيل عن أبي سلمة وسليمان بن يسار قالا جميعاً: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الأضحى إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني بذلك)) وهذا مرسل ضعيف، وروى أحمد وأبونعيم في مستخرجه من طريقه، والبيهقي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف يقول: إن كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة. قال أحمد: هذا الحديث عجيب، يشير إلى أن زيادة قوله فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة مستنكرة. قال البيهقي: حديث أبي سلمة وسليمان مرسل، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم – انتهى. قلت: حديث أبي أمامة ليس من قسم الحديث المرفوع ولا الموقوف، بل هو من قسم المقطوع الذي ليس بحجة بالاتفاق. والقول الراجح من هذه الأقوال الخمسة عندي هو ما ذهب إليه الشافعي للأحاديث التي ذكرناها، وهي يقوي بعضها بعضاً، وقد أجاب عنه بعض من اختار القول الأول بجواب هو في غاية السقوط، وهو أنه لم يعمل بحديث جبير بن مطعم أحد من الصحابة، وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة على أن مجرد ترك الصحابة من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحاً، أما النهي عن ادخار لحوم لأضاحي فوق ثلاث فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط. قال ابن القيم: لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه، فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الادخار ما بينه وبين ثلاثة أيام، والذين حددوه بالثلاث فهموا من نهيه عن الادخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر، قالوا: وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل، قالوا: ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله، فيقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث لم ينه عن التضحية بعد ثلاث، فأين أحدهما من الآخر، ولا تلازم بين ما نهي عنه وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين: أحدهما أنه يسوغ الذبح في اليوم الثاني والثالث فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح، ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر، ولا سبيل لكم إلى هذا الثاني، لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر لساغ له حينئذٍ الادخار ثلاثة أيام بعده بمقتضى الحديث – انتهى كلام ابن القيم. هذا، وقد ذهب بعض علمائنا إلى جواز التضحية إلى آخر ذي الحجة معتمداً على أثر أبي سلمة وسليمان بن يسار وأثر أبي أمامة المذكورين في معرض الاستدلال للقول الخامس، وقد رد عليه شيخ مشايخنا الشيخ الإمام الرحلة حسين بن محسن الأنصاري راداً مشبعاً في رسالة مستقلة سماها: إقامة الحجة في الرد على من ادعى جواز التضحية إلى آخر ذي الحجة، وهي ملحقة بفتاواه المطبوعة فعليك أن تطالعها. (رواه مالك) وأخرجه أيضاً البيهقي وابن حزم (وقال) أي مالك (وبلغني) وفي بعض النسخ بلغني أي بغير

ص: 108

عن علي بن أبي طالب مثله.

ــ

الواو، ولفظ الموطأ أنه بلغه (عن علي بن أبي طالب مثله) بالرفع، أي مثل مروي ابن عمر، ولم أقف على من روى أثر علي موصولاً، نعم قال ابن حزم في المحلى (ج3 ص377) روينا من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمر وعن زر عن علي قال: النحر ثلاثة أيام، أفضلها أولها، قال ابن حزم: ابن أبي ليلى سيء الحفظ، والمنهال متكلم فيه – انتهى. وعزاه علي المتقي في الكنز (ج3 ص46) إلى ابن أبي الدنيا، وأخرج ابن عبد البر في التمهيد، وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا عن علي قال: الأيام المعدودات ثلاثة أيام: يوم النحر ويومان بعده، اذبح في أيها شئت، وأفضلها أولها. واعلم أنه وقع الخلاف في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح. فقال أبوحنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبوثور والجمهور: إنه يجوز مع كراهة. قال ابن قدامة: وهو اختيار أصحابنا المتأخرين، وقال مالك في المشهور عنه، وعامة أصحابه، ورواية عن أحمد – واختارها الخرقي -: أنه لا يجزئ، بل يكون شاة لحم. قال الشوكاني: ولا يخفى أن القول بعدم الإجزاء وبالكراهة يحتاج إلى دليل، ومجرد ذكر الأيام في حديث جبير بن مطعم وإن دل على إخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة، لايكاد يتبادر غيره عند الإطلاق – انتهى. وأما ما أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى ليلاً، ففي إسناده سليمان بن سلمة الخبايري، وهو متروك، كذا في مجمع الزوائد (ج4 ص23)، واستدل بعضهم لذلك بقوله تعالى:{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} قالوا: فلم يذكر الليل، قال ابن حزم في الرد عليه: إن الله تعالى لم يذكر في هذه ذبحاً ولا تضحية ولا نحراً، لا في نهار ولا في ليل، وإنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات، أفترى يحرم ذكره في لياليهن؟ إن هذا لعجب، وليس هذا النص بمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل أو نهار في العام كله، ولا يختلفون فيمن حلف أن لا يكلم زيداً ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك مع النهار، قال: وذكروا حديثاً لا يصح، رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالليل. قال ابن حزم: بقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمداً، ثم هو مرسل، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة؛ لأنهم يجيزن الذبح بالليل فيخالفونه فيما فيه ويحتجون به فيما ليس فيه، وقال قائل منهم: لما كانت ليلة النحر لا تجوز التضحية فيها، وكان يومه تجوز التضحية فيه كانت ليالي سائر أيام التضحية كذلك. قال ابن حزم: هذا القياس باطل؛ لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية، وما قبله ليس وقتاً للتضحية، ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد أبيضاضها وارتفاع وقت واسع من يوم النحر لا تجوز فيه التضحية، فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية، فلا يجيزون التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم -

ص: 109

1489-

(22) وعن ابن عمر قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه الترمذي.

1490-

(23) وعن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم – عليه السلام)، قالوا: فما لنا يا رسول الله؟ قال: ((بكل شعرة حسنة)) ، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟، قال:((بكل شعرة من الصوف حسنة)) ، رواه أحمد، وابن ماجه.

ــ

انتهى. وروى البيهقي (ج9 ص290) عن الحسن البصري قال: نهى عن جداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل، وهو وإن كانت الصيغة مقتضية للرفع مرسل وأيضاً في آخره "وإنما كان ذلك من شدة حال الناس، كان الرجل يفعله ليلاً فنهى عنه ثم رخص في ذلك"، وهذا خلاف ما ذهب إليه مالك وأصحابه.

1489-

قوله (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي) أي كل سنة، واستدل به على وجوب الأضحية. قال القاري: مواظبته دليل الوجوب، وتعقب بأن مجرد مواظبته صلى الله عليه وسلم على فعل ليس دليل الوجوب، كما لا يخفى (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج2 ص38) قال الترمذي: حديث حسن، قلت: في إسناده حجاج بن أرطاة، وهو كثير الخطأ والتدليس، ورواه عن نافع بالعنعنة.

1490-

قوله (ما هذه الأضاحي) أي من خصائص شريعتنا أو سبقتنا بها بعض الشرائع (قال: سنة أبيكم) أي طريقته التي أمرنا باتباعها فهي من الشرائع القديمة التي قررتها شريعتنا (إبراهيم – عليه السلام وفي بعض النسخ "صلى الله عليه وسلم" وليس في مسند الإمام أحمد والسنن لابن ماجه جملة الدعاء (فما لنا) وفي المسند "ما لنا" أي بغير الفاء (فيها) أي في الأضاحي من الثواب يا رسول الله (بكل شعرة) بالسكون والفتح (حسنة) أي فضلاً عن اللحم والشحم والجلد، والباء للبدلية أو للسببية، قال الطيبي: الباء في "بكل شعرة" بمعنى في ليطابق السؤال أي أيّ شيء لنا من الثواب في الأضاحي؟ فأجاب: في كل شعرة منها حسنة، ولما كان الشعر كناية عن المعز كنوا عن الضأن بالصوف (قالوا: فالصوف يا رسول الله) أي فالضأن ما لنا فيه؟ فإن الشعر مختص بالمعز، كما أن الوبر مختص بالإبل. قال تعالى:{ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين} [النحل: 80] ولكن قد يتوسع بالشعر فيعم، قال (بكل شعرة) أي طافة (من الصوف حسنة) فكذا بكل وبرة حسنة. (رواه أحمد)(ج4 ص386)(وابن ماجه) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج9 ص261) ، وذكره المنذري في الترغيب، وقال: رواه ابن ماجه والحاكم

ص: 110