الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه البخاري.
{الفصل الثاني}
1453-
(14) عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) .
ــ
القرب العامة، فإظهارها أفضل؛ لأن فيه إحياء لسنتها، وقال ابن بطان: هو سنة للإمام خاصة عند مالك، قال مالك: إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحد قبله، وليذبحوا بعده على يقين مع ما فيه من تعليمهم صفة الذبح، وقال القسطلاني: قال مالك: لا يذبح أحد حتى يذبح الإمام، نعم أجمعوا على أن الإمام لو لم يذبح للناس إذا دخل وقت الذبح فالمدار على الوقت لا الفعل. قلت: قد تقدم أن الراجح أنه لا يشترط التأخير إلى نحر الإمام، وأنه هو والناس في وقت الأضحية سواء (رواه البخاري) في العيدين وفي الأضاحي، وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج9 ص277) .
1453-
قوله (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة) أي من مكة مهاجراً (ولهم) أي لأهل المدينة (يومان يلعبون فيهما) وهما يوم النيروز ويوم المهرجان، كذا قال الشراح، وفي القاموس: النيروز أول يوم السنة، معرب نوروز – انتهى. والنوروز مشهور، وهو أول يوم تتحول الشمس فيه إلى برج الحمل، وهو أول السنة الشمسة، كما أن غرة شهر المحرم أول السنة القمرية، وأما المهرجان فالظاهر بحكم مقابلته بالنيروز أن يكون أول يوم الميزان، وهما يومان معتدلان في الهواء لا حر ولا برد، ويستوي فيه الليل والنهار، فكأن الحكماء المتقدمين المتعلقين بالهيئة اختاروهما للعيد في أيامهم، وقلدهم أهل زمانهم لاعتقادهم بكمال عقول حكمائهم، فجاء الأنبياء وأبطلوا ما بنى عليه الحكماء (في الجاهلية) أي في زمن الجاهلية قبل أيام الإسلام (قد أبدلكم الله) هذا لفظ النسائي، ولفظ أبي داود: إن الله قد أبدلكم (بهما) أي في مقابلتهما (خيراً منهما) يريد أن نسخ ذينك اليومين، وشرع في مقابلتهما هذين اليومين، وقال القاري: الباء هنا داخلة على المتروك، وهو الأفصح، أي جعل لكم بدلاً عنهما خيراً منهما في الدنيا والأخرى. و "خيراً" ليست أفعل تفضيل، إذ لا خيرية في يوميهما (يوم الأضحى) بفتح الهمزة، جمع أضحاة شاة يضحي بها، وبه سمي يوم الأضحى، قال المظهر: في الحديث دليل على أن تعظيم النيروز والمهرجان وغيرهما من أعياد الكفار منهي عنه، وقال الحافظ في الفتح: استنبط منه كراهة الفرع في أعياد المشركين والتشبه بهم.
رواه أبوداود.
1454-
(15) وعن بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي.
ــ
وبالغ الشيخ أبوحفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه أي في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى – انتهى. وقال القاضي أبوالمحاسن الحسن بن منصور الحنفي: من اشترى فيه شيئاً لم يكن يشتريه في غيره أو أهدى فيه هدية إلى غيره، فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظمه الكفرة فقد كفر، وإن أراد بالشراء التنعم والتنزه، وبالإهداء التحاب جرياً على العادة فلم يكن كفراً، لكنه مكروه كراهة التشبه بالكفرة حينئذٍ فيحترز عنه – انتهى. قال ابن حجر: قد وقع في هذه الورطة أهل مصر ونحوهم، فإن كثيراً من أهلها يوافقون اليهود والنصارى في أعيادهم على صور تعظيماتهم كالتوسع في المأكل والزينة على طبق ما يفعله الكفار، ومن ثم أعلن النكير عليهم في ذلك ابن الحاج المالكي في مدخله، وبين تلك الصور، وكيفية موافقة المسلمين لهم فيها، كذا في المرقاة. قلت: وكذلك كثير من مسلمي الهند والباكستان يوافقون الكفار من الهنادك والسيخ والنصارى وعباد النار في أعيادهم، ويفعلون ما يفعلون فيها، فإلى الله المشتكى. (رواه أبوداود) في الصلاة، وأخرجه أيضاً النسائي وابن حبان والحاكم (ج1 ص294) ، والبيهقي (ج3 ص277)، قال الحافظ في الفتح وبلوغ المرام: إسناده صحيح، وسكت عنه أبوداود والمنذري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
1454-
قوله (وعن بريدة) بالتصغير (حتى يطعم) بفتح العين أي يأكل (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) وفي رواية ابن ماجه والبيهقي: حتى يرجع، وزاد أحمد والدارقطني والبيهقي: فيأكل من أضحيته، ورواه الأثر بلفظ: حتى يضحي، وفي رواية للبيهقي: وكان إذا رجع أكل من كبد أضحيته، والحديث يدل على أن السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، والحكمة في تأخير الأكل في يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها، فاستحب أن يكون فطره على شيء منها، قال الأمير اليماني: لما كان إظهار كرامة الله تعالى للعباد بشرعية نحر الأضاحي كان الأهم الابتداء بأكلها شكراً لله على ما أنعم به من شرعية النسيكة الجامعة لخير الدنيا وثواب الآخرة، وقال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتها الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها – انتهى. وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح، قال ابن قدامة: قال أحمد: والأضحى لا يأكل فيه حتى يرجع إذا كان له ذبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من ذبيحته، وإذا لم يكن له ذبح
رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
1455-
(16) وعن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة.
ــ
لم يبال أن يأكل (رواه الترمذي) في العيدين (وابن ماجه) في الصيام (والدارمي) في العيدين، وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والأثرم والدارقطني والحاكم (ج1 ص294) ، والبيهقي (ص3 ص283) ، وصححه ابن القطان وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
1455-
قوله (عن جده) أن عن جد كثير، وهو عمرو بن عوف المزني أبوعبد الله الصحابي (كبر في العيدين في الأولى) أي في الركعة الأولى (سبعاً) أي سبع تكبيرات، وهذا يحتمل أن السبع بتكبيرة الإحرام، وأنها من غيرها، والأظهر بل المتعين أنها من دونها، ففي حديث عائشة عند الدارقطني (ص180) ، والحاكم (ج1 ص298) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين اثني عشر تكبيرة سوى تكبيرة الاستفتاح، وفيه ابن لهيعة، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند الدارقطني (ص181) سوى تكبيرة الإحرام. وفي رواية له وللبيهقي: سوى تكبيرة الصلاة (وفي الآخرة) في وفي الركعة الثانية (خمساً) أي خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، فيكون في الأولى ثمانية مع تكبيرة التحريم، وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام، والحديث دليل على أنه يكبر في الأولى من ركعتي العيد سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة، وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة، منهم الخلفاء الراشدون، والتابعين والأئمة بعدهم، قال العراقي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة، قال: وهو مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة، وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول، وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أنه قال الشافعي والأوزاعي وإسحاق وابن حزم: إن السبع في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقال مالك وأحمد: السبع في الأولى مع تكبيرة الإحرام، واتفقوا على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة النهوض، وذهب أبوحنيفة إلى أنه يكبر في الأولى ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام أم قبل القراءة، وفي الثانية ثلاثاً بعد القراءة غير تكبيرة الركوع، وهو مروي عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وأبي مسعود الأنصاري البدري وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وابن المسيب، وهو قول سفيان الثوري، وفي عدد التكبيرات، وفي مواضعها أقوال أخرى غير ما ذكرنا نحو من عشر ذكرها ابن المنذر والشوكاني، والمشهور منها ما أوردنا. واحتج لمن ذهب إلى أن التكبير سبع في الأولى، وخمس في الثانية، والقراءة بعدهما
.......................
ــ
كلتيهما بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة. أخرجه أحمد (ج2 ص180) ، وأبوداود وابن ماجه والدارقطني (ص181) ، والبيهقي (ج3 ص285)، قال أحمد: أنا أذهب إلى هذا، وفي رواية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التكبير في العيد سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيها)) أخرجه أبوداود والدارقطني والبيهقي، وهذا حديث صحيح أو حسن صالح للاحتجاج، قال الحافظ العراقي: إسناده صالح، ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال: إنه حديث صحيح، كذا في النيل (ج3 ص282) ، والسنن الكبرى (ج3 ص286)، والخلاصة للنووي. وقال الحافظ في التلخيص (ص144) : صححه أحمد وعلي والبخاري فيما حكاه الترمذي – انتهى. وسكت عنه أبوداود، وسكوته تصحيح أو تحسين منه كما قال ابن الهمام وغيره، وقال صاحب العرف الشذى: أخرجه أبوداود بسند قوي صححه البخاري، كما نقل الترمذي في العلل الكبرى – انتهى. هذا وقد تكلم على هذا الحديث ابن القطان، كما في نصب الراية (ج2 ص217) ، والطحاوي في شرح الآثار (ج2 ص398) ، وابن التركماني في الجوهر النقي (ج3 ص285)، ولم يكن حاجة إلى ذكر كلامهم ثم الرد عليهم بعد ما صححه أئمة هذا الشأن الجهابذة النقاد: أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري، واحتج به الأئمة المجتهدون، وهو تصحيح منهم للحديث على ما قال به صاحب الأوجز، لكن لما أخذ كلامهم صاحب البذل وصاحب آثار السنن، واعتمدا عليه وجب علينا أن نذكره مع الجواب عنه، ولما كان كلام صاحب الآثار أخصر، واعتمد عليه صاحب البذل في نقد الحديث في مواضع أخرى اقتصرنا على إيراده واكتفينا بذكره ثم رده. قال النيموي في آثار السنن بعد ذكر حديث عبد الله بن عمر: وإسناده ليس بالقوي، وقال في تعليقه: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه كلام – انتهى. وقد أجاب عنه شيخنا في شرح الترمذي فقال: قول النيموي ليس مما يعول عليه، والتحقيق أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح أو حسن قابل للاحتجاج إذا كان السند إليه صحيحاً، وقد قال الحافظ في الفتح: وترجمة عمرو قوية على المختار حيث لا تعارض – انتهى. ثم قال النيموي: ومع ذلك مداره على عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، قال الذهبي في الميزان: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: صويلح، وقال مرة: ضعيف، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وكذا قال أبوحاتم – انتهى. قلت: وقال الذهبي في الميزان بعد هذه العبارة ما لفظه: وقال ابن عدي: أما سائر حديثه فعن عمرو بن شعيب، وهي مستقيمة – انتهى. وهو من رجال مسلم. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: له في مسلم حديث واحد كاد أمية أن يسلم، وفيه وقال العجلي: ثقة، وحكى ابن خلفون: أن ابن المديني وثقه، فإسناد هذا الحديث إلى عمرو حسن صالح،
..............................
ــ
وترجمة عمرو قوية على المختار، فالحديث حسن قابل للاحتجاج، كيف وقد قال العراقي: إسناده صالح، وصححه أحمد وعلي بن المديني والبخاري؟ ثم قال النيموي: أما تصحيح الإمام أحمد فيعارضه ما قال ابن القطان في كتابه: وقد قال أحمد بن حنبل ليس في تكبير العيدين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح – انتهى. قلت: قد عرفت أن الإمام أحمد قال بما يدل عليه هذا الحديث، وذهب إليه، فقوله به يدل على أن تصحيحه متأخر من كلامه الذي ذكره ابن القطان. ثم قال النيموي: وأما تصحيح البخاري ففيه نظر؛ لأن قوله: وحديث عبد الله الطائفي
…
الخ يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، قال الزيلعي في نصب الراية (ج2 ص217) بعد ما خرج حديث عمرو بن عوف المزني: قال الترمذي حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب – انتهى. وقال في علله الكبرى: سألت محمداً عن هذا، فقال: ليس شيء في هذا الباب أصح منه، وبه أقول، وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي أيضاً صحيح، والطائفي مقارب الحديث – انتهى. قال ابن القطان: هذا ليس بصريح في التصحيح، فقوله "هو أصح شيء في الباب" يعني أشبه ما في الباب وأقل ضعفاً، وقوله:"وبه أقول" يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، أي وأنا أقول إن هذا الحديث أشبه ما في الباب، وكذا قوله "وحديثه أيضاً صحيح" يحتمل أن يكون من كلام الترمذي – انتهى. قلت: هذا الاحتمال بعيد جداً، بل الظاهر المتعين هو ما فهمه الحافظ ابن حجر وغيره من أن قوله:"وبه أقول" من كلام البخاري، والمعنى أن بهذا الحديث أقول، وإليه أذهب، والدليل عليه أن الترمذي ينقل عن شيخه الإمام البخاري مثل هذا الكلام كثيراً في الجرح والتعديل وبيان علل الحديث، ولا يقول بعد نقل كلامه: "وبه أقول البتة، وإن كنت في شك منه ففتش وتتبع المقامات التي تقل الترمذي فيها عن البخاري مثل هذا الكلام تجد ما قلت لك حقاً صحيحاً، فالحاصل أن حديث عبد الله بن عمرو حسن صالح للاحتجاج، ويؤيده الأحاديث المرفوعة التي نذكرها، وهي وإن كانت ضعافاً ولكن يشد بعضها بعضاً، ويصلح كل واحد منها للاستشهاد والاعتضاد والمتابعة، ومجموعها للاحتجاج والاستدلال. فمنها حديث عمرو بن عوف المزني، وهو حديث الباب، وفيه كثير بن عبد الله وقد ضعفوه جداً، بل رماه بعضهم بالكذب، لكن حسن الترمذي حديثه، والظاهر أنه حسنه لشواهده، وقيل: تحسين الترمذي للحديث توثيق للراوي، وذهاب منه إلى أنه لم يرض الكلام فيه، والعجب من البغوي أنه ذكر حديث كثير بن عبد الله، وهو ضعيف، وترك حديث عبد الله بن عمرو، وهو حديث صحيح أو حسن، ولعله فعل ذلك تبعاً للترمذي وموافقة له إذ اقتصر على رواية حديث كثير، وقال بعد تحسينه: هو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: حديث عائشة قالت:
...........................................
ــ
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في الأولى بسبع تكبيرات، وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرة الركوع، أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه والحاكم (ج1 ص298) ، والطحاوي والدارقطني والبيهقي (ج3 ص286) ، وفيه ابن لهيعة وقد تفرد به، وقد استشهد به مسلم في موضعين. ومنها: حديث سعد القرظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه ابن ماجه والحاكم (ج3 ص607) ، وفيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار، روى عن أبيه، وعبد الرحمن ضعيف، وأبوه سعد بن عمار مستور لا يعرف حاله، ورواه البيهقي (ج3 ص287) أيضاً، وفي سنده بقية، وهو مدلس، وقد رواه عن الزبيدي بالعنعنة، نعم صرح بالتحديث في رواية الحاكم (ج3 ص608) لكن ليس فيها ذكر تكبيرات العيدين، ورواه الدارمي والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده، وفيه أيضاً عبد الرحمن بن سعد كما ترى. ومنها: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج له العنزة في العيدين حتى يصلي إليها، وكان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة، وكان أبوبكر وعمر يفعلان ذلك، أخرجه البزار، وفيه الحسن بن حماد البجلي، قال الهيثمي (ج2 ص204) : لم يضعفه أحد ولم يوثقه، وقد ذكره المزي للتمييز، وبقية رجاله ثقات – انتهى. وقال الشوكاني في النيل: الحسن بن حماد لين الحديث، وقال الحافظ في التلخيص: صحح الدارقطني إرساله. ومنها: حديث ابن عمر مثل حديث عمرو بن شعيب، أخرج الدارقطني (ص181) ، والطحاوي (ص399)، والبزار: قال البخاري فيما حكاه الترمذي: تفرد به فرج بن فضالة، وهو ضعيف. ومنها: حديث جابر قال: مضت السنة أن يكبر في العيدين سبعاً وخمساً يذكر الله ما بين كل تكبيرتين، أخرجه البيهقي (ج3 ص292) وفي سنده من يحتاج إلى كشف حاله. ومنها حديث ابن عباس قال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، وصلى ركعتين، وكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، أخرجه البيهقي (ج3 ص348) ، والدارقطني (ص189) ، والحاكم (ج1 ص326) كلهم من طريق محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه – انتهى، وفي تصحيحه نظر؛ لأن محمد بن عبد العزيز هذا قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبوحاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن القطان: أبوه عبد العزيز مجهول الحال، فاعتل الحديث بهما، كذا في التعليق المغني، ولابن عباس حديث آخر عند الطبراني في الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين ثنتي عشرة تكبيرة، في الأولى سبعاً، وفي الآخرة خمساً، قال الهيثمي: في إسناده سليمان بن أرقم، وهو ضعيف.
..........................
ــ
ومنها حديث أبي واقد الليثي وعائشة، أخرجه الطحاوي (ج2 ص399) والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وقد اضطرب في إسناده، وقال أبوحاتم: إنه باطل. ومنها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التكبير في العيدين سبعاً قبل القراءة، وخمساً بعد القراءة)) أخرجه أحمد (ج2 ص357) ، وفيه أيضاً ابن لهيعة، وقال الحافظ في التلخيص: صحح الدارقطني في العلل أنه موقوف، وقال البخاري: الصحيح ما أخرج مالك يعني في الموطأ وغيره من الحفاظ عن نافع عن أبي هريرة موقوفاً يعني فعله. ومنها حديث عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمساً، أخرجه الدارقطني (ص181) ، والدارمي والبيهقي (ج3 ص288) ، وفيه أيضاً عبد الرحمن بن سعد بن عمار المتقدم، وهو حديث مرسل على أن يعود الضمير في جده إلى عبد الله بن محمد أو هو الحديث الثالث من الأحاديث التي ذكرناها للاستشهاد على أن يعود الضمير إلى محمد والد عبد الله. ومنها حديث جابر بن محمد الآتي، وسيأتي الكلام فيه، وفي الباب آثار جمع من الصحابة تؤيد الأحاديث المرفوعة، وهي وإن كانت موقوفة لكنها مرفوعة حكماً؛ فإنه لا مساغ فيها للاجتهاد، فلا تكون رأياً إلا توقيفاً يجب التسليم لها. واحتج لأبي حنيفة بحديث سعيد بن العاص الآتي، وهو حديث موقوف لا مرفوع، كما ستعرف، وبما روى الطحاوي في شرح الآثار (ج2 ص400) من طريق عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة قال: حدثني الوضين بن عطاء أن القاسم أباعبد الرحمن حدثه قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فكبر أربعاً أربعاً، ثم أقبل علينا بوجهه حين انصرف، فقال: لا تنسوا كتكبير الجنازة، وأشار بأصبعه، وقبض إبهامه، قال الطحاوي: هذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم كلهم أهل رواية معروفون بصحة الرواية – انتهى. قلت: في كون هذا الحديث حسن الإسناد نظر، بل هو ضعيف، فإن الوضين بن عطاء الدمشقي واهي الحديث سيء الحفظ، وقد تفرد به، قال ابن التركماني في الجوهر النقي (ج1 ص29) : هو واهٍ، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث، وقال الجوجاني: واهي الحديث، وقال ابن قانع: ضعيف، وقال الحافظ: صدوق سيء الحفظ، والقاسم بن عبد الرحمن أبوعبد الرحمن الشامي الدمشقي ذكر ابن التركماني في الجوهر النقي (ج2 ص20) عن ابن حبان أنه قال: يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات، ويأتي عن الثقات المقلوبات حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها- انتهى. ولا يغتر بتحسين الطحاوي، فإنه ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم، ولم يكن له معرفة بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً باختلاف المذاهب.
..........................
ــ
قال ابن تيمية في منهاج السنة: ليست عادته نقد الحديث نقد أهل العلم، ولهذا روى في شرح معاني الآثار الأحاديث المختلفة، وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة، ويكون أكثره مجروحاً من جهة الإسناد ولا يثبت، فإنه لم يكن له معرفة بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالما به – انتهى. واحتج له أيضاً بما أخرج الطحاوي في الجنائز بسنده عن إبراهيم النخعي قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مختلفون في التكبير على الجنازة
…
الحديث، وفي آخره: فتراجعوا الأمر بينهم (في خلافة عمر) فأجمعوا أمرهم على أن يجعلوا التكبير على الجنائز مثل التكبير في الأضحى والفطر، أربع تكبيرات، فأجمع أمرهم على ذلك، قال بعض الحنفية: فهذا كالنص في أن تكبيرهما أربعاً كان مجمعاً عليه، أرجعوا إليها تكبيرات الجنازة – انتهى. وقال صاحب العرف الشذى (ص240) : وأعلى ما في الباب لنا ما هو من إجماعيات عمر، روه إبراهيم النخعي مرسلاً في معاني الآثار (ص286) . قلت: إبراهيم النخعي قال ابن المديني فيه: إنه لم يلق أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبوحاتم: لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة، ولم يسمع منها، وأدرك أنساً ولم يسمع منه، فالحكاية منقطعة موقوفة لا يجوز الاحتجاج بها، لاسيما وقد عارضها الأحاديث المرفوعة الموصولة التي ذكرناها، والآثار المروية عن الصحابة التي أشرنا إليها. واحتج له أيضاً بما روي عن ابن مسعود وغيره موقوفاً عليهم من فعلهم ولا حجة فيه؛ لأنه رأي منهم للقياس مدخل فيه، فلعلهم قاسوا ذلك على تكبير الجنائز، كما يشير إليه قوله في رواية الطحاوي المرفوعة ((لا تنسوا كتكبير الجنازة)) وقوله في حديث سعيد بن العاص الآتي: كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز، بخلاف أقاويل الصحابة في السبع والخمس فإنه لا مدخل للقياس فيه، فهي كنقل عدد الركعات، ولو سلم أن أثر ابن مسعود وغيره مرفوع حكماً فهو لا يقاوم الأحاديث المرفوعة حقيقة، ولذلك قال البيهقي في السنن (ج3 ص291) بعد ذكر أثر ابن مسعود: هذا رأي من جهة عبد الله، والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع، وقال أيضاً (ج3 ص292) : نخالف ابن مسعود في عدد التكبيرات وتقديمهن على القراءة في الركعتين جميعاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فعل أهل الحرمين وعمل المسلمين إلى يومنا هذا – انتهى. تنبيه: قال في الهداية: وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس لأمر الخلفاء من بني العباس به، قال في الظهيرية: وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد، فإنهما فعلا ذلك، لأن هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جده ففعلا ذلك امتثالاً له لا مذهباً واعتقاداً – انتهى. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: وإنما كان عمل المسلمين بقول ابن عباس؛ لأن أولاده الخلفاء أمروهم بذلك، فتابعوهم خشية الفتنة لا رجوعاً عن مذاهبهم واعتقاداً لصحة رأي ابن عباس في ذلك -
............................
ــ
انتهى. قلت: ظاهر كلام هؤلاء يدل على أن الاختلاف بين الأئمة في ذلك اختلاف في الجواز والصحة، وأن عمل المسلمين بما ذهب إليه مالك ومن وافقه كان خشية الفتنة لا اعتقاداً لصحته وجوازه، وفيه نظر ظاهر، لكونه دعوى مجردة من غير برهان، بل لحق أنهم عملوا بذلك اعتقاداً لصحته؛ لكونه موافقاً للسنة المرفوعة، ولسنة الخلفاء الراشدين، ولأن الحق أن اختلافهم في ذلك اختلاف في الأولوية والأفضلية لا في الجواز وعدمه. قال الإمام محمد في موطئه بعد ما روى عن مالك عن نافع قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة بخمس تكبيرات قبل القراءة – قال صاحب التعليق الممجد: وهذا لا يكون رأياً إلا توقيفاً يجب التسليم له – انتهى. والظاهر أن هذا كان في إمارة أبي هريرة على المدينة في أيام معاوية أو مروان، وهو يدل على إجماع المسلمين من الصحابة والتابعين وتبعهم في المدينة، إذ ذاك على كون تكبيرات الزوائد ثنتي عشرة قبل القراءة في الركعتين -. قد اختلف الناس ي التكبير في العيدين فما أخذت به فهو حسن، وأفضل ذلك عندنا ما روي عن ابن مسعود....الخ قال: وهو قول أبي حنيفة – انتهى. وقال الشامي في رد المحتار (ج1 ص780) : ومنهم من جزم بأن ذلك رواية عنهما – أي عن أبي يوسف ومحمد – بل في المجتبى: وعن أبي يوسف أنه رجع إلى هذا ثم ذكر غير واحد من المشايخ أن المختار العمل برواية الزيادة، أي زيادة تكبيرة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الأضحى عملاً بالروايتين وتخفيفاً في الأضحى لاشتغال الناس بالأضاحي، قال وذكر في البحر أن الخلاف في الأولوية، ونحوه في الحلية – انتهى. وقال في الدر المختار: ولو زاد أي الإمام التكبير على الثلاث تابعه، قال الشامي: لأنه تبع لإمامه فتعجب عليه متابعته، وترك رأيه برأي الإمام لقوله – عليه السلام:((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) ، فما لم يظهر خطؤه بيقين كان اتباعه واجباً، ولا يظهر الخطأ في المجتهدات، فأما إذا خرج عن أقوال الصحابة فقد ظهر خطؤه بيقين، فلا يلزمه اتباعه، قال: وأشار بقوله ندباً – في قوله: ويوالي ندباً بين القراءتين – إلى أنه لو كبر في أول كل ركعة جاز؛ لأن الخلاف في الأولوية كما مر عن البحر – انتهى. وقال صاحب التعليق الممجد (ص138) بعد ذكر الأحاديث والآثار المختلفة: وهذا الاختلاف الوارد في المرفوع والآثار كلها اختلاف في المباح، كما أشار إليه محمد بقوله: فما أخذت به فهو حسن، فلا يجوز لأحد أن يعنف على خلاف ما يراه، واختلاف الأئمة في ذلك إنما هو اختلاف في الراجح، كما أشار إليه محمد بقوله: وأفضل ذلك
…
الخ، فإن اختار أحد غير ما روي عن ابن مسعود فلا بأس به أيضاً – انتهى. وقال صاحب العرف الشذي (ص241) وأما ثنتا عشرة تكبيرة فجائزة عندنا، فإن في الهداية أن أبايوسف أتى بها حين أمره هارون الرشيد ولا يتوهم أنه كان من أولى الأمر فإنه لو كان غير جائز عنده كيف اتبعه، وإن كان والي الأمر فلابد من أن يقال: إنه قائل بجوازها، وأيضاً في الهداية: لو زاد الإمام التكبيرات على الستة يتبعه إلى ثنتي عشرة تكبيرة، فدل على الجواز، ولقد صرح محمد
.....................................
ــ
في موطئه بجوازها، فإنه قال:"وما أخذت به فهو حسن"- انتهى. قلت: والأولى للعمل عندنا والأفضل هو أن يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً والقراءة بعدهما كلتيهما؛ لوجهين: الأول: أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة. وبعضها صحيح أو حسن، والباقية مؤيدة له، وأما ما ذهب إليه أبوحنيفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي موسى الأشعري الآتي، وستعرف أنه لا يصلح للاحتجاج، وغير حديث الوضين بن عطاء عند الطحاوي، وقد عرفت أنه حديث ضعيف، قال ابن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق كثيرة حسان أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية، من حديث عبد الله بن عمرو وابن عمر وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني، ولم يرو من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا، وهو أولى ما عمل به، ذكره ابن قدامة. والوجه الثاني: أنه قد عمل به أبوبكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم، وقد قال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار: الوجه الحادي والثلاثون أن يكون أحد الحديثين قد عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد، ولذلك قدم رواية من روى في تكبيرات العيدين سبعاً وخمساً على رواية من روى أربعاً كأربع الجنائز؛ لأن الأول قد عمل به أبوبكر وعمر، فيكون إلى الصحة أقرب والأخذ به أصوب – انتهى. ثم ههنا مسائل من متعلقات التكبير، نذكرها مختصراً تتميماً للفائدة: إحداها: حكم هذه التكبيرات، قال ابن قدامة: التكبيرات سنة وليست بواجبة، فإن نسي التكبير وشرع في القراءة لم يعد إليه، قاله ابن عقيل: لأنه سنة فلم يعد إليه بعد الشروع في القراءة كالاستفتاح. وقال القاضي: فيها وجه آخر أنه يعود إلى التكبير؛ لأنه ذكره في محله، وهو القيام فيأتي به كما قبل الشروع في القراءة – انتهى مختصراً. وذهب الحنفية إلى وجوبها، كما في البدائع وغيره. قال الحصفكي في الواجبات: وتكبيرات العيدين وكذا أحدها. قال ابن عابدين: أفاد أن كل تكبير واجب مستقل – انتهى. وقالت الشافعية: إن كل تكبيرة سنة مؤكدة، فإذا ترك الإمام أو المنفرد تكبيرة منها سجد للسهو عنها، ولا شيء على المأموم في ترك السنن ولو عمداً إذا أتى بها الإمام. قال الشوكاني: والظاهر عدم الوجوب لعدم وجدان دليل يدل عليه. والثانية: محل دعاء الاستفتاح، قال ابن قدامة: يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الأولى، ثم يكبر تكبيرات العيد، ثم يتعوذ ثم يقرأ، وهذا مذهب الشافعي – وإليه ذهب الحنفية كما في فروعهم، وهو الراجح عندنا -، وعن أحمد رواية أخرى أن الاستفتاح بعد التكبيرات اختارها الخلال وصاحبه، وهو قول الأوزاعي؛ لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة وهي قبل القراءة، ولنا أن الاستفتاح شرع ليستفتح به الصلاة، فكان في أولها كسائر الصلوات، والاستعاذة شرعت للقراءة فهي تابعة لها، فتكون عند الابتداء بها لقول الله تعالى:{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] وقد روى أبوسعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ قبل القراءة، قال: وأياً ما فعل كان جائزاً، والثالثة: رفع اليدين مع التكبيرات الزوائد، قال ابن قدامة:
..............................
ــ
يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيرة حسب رفعهما مع تكبرة الإحرام، وبه قال عطاء والأوزاعي وأبوحنيفة والشافعي، وقال مالك والثوري: لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الإحرام، لنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير. قال أحمد: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله. وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد، رواه الأثرم. ولا يعرف له مخالف في الصحابة – انتهى. قلت: أثر عمر رواه البيهقي أيضاً (ج3 ص293) وفيه ابن لهيعة. والحديث الذي استدل به أحمد على رفع اليدين مع التكبيرات الزائد قيل: هو محمول على الصلاة المكتوبة لما روى ابن ماجه بسند ضعيف عن عمير بن حبيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة – انتهى. والحق أنه ليس في رفع اليدين مع تكبيرات العيدين حديث صريح مرفوع لا قوي ولا ضعيف، وأقوى ما استدل به القائلون بالرفع إنما هو عموم بعض الأحاديث وإطلاقه، فقد روى أبوداود والدارقطني (ص108)، والبيهقي (ج3 ص293) من طريق بقية – وقد تابعه في ذلك ابن أخي الزهري عند الدارقطني (ص108) – ثنا الزبيدي عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه
…
الحديث، وفي آخره: ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته، قال الحافظ في التلخيص (ص145) : احتج به ابن المنذر والبيهقي، أي على رفع اليدين في تكبيرات العيدين بناءً على أن المراد بقوله:"ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع" العموم في كل تكبيرة تقع قبل الركوع، فيندرج في ذلك تكبيرات العيدين لا العموم في تكبيرات الركوع، كما توهم ابن التركماني. والأولى عندي ترك الرفع لعدم ورود نص صريح في ذلك، ولعدم ثبوته صريحاً بحديث مرفوع صحيح، ومن رفع مستدلاً بعموم حديث ابن عمر وإطلاقه، وبما روي عن عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت من فعلهم فلا بأس به، هذا ما عندي، والله تعالى أعلم. والرابعة: هل يشرع الموالاة بين التكبيرات أو يشرع الفصل بينها بشيء من التحميد والتسبيح ونحو ذلك؟ قال ابن قدامة: إذا فرغ من الاستفتاح حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فعل هذا بين كل تكبيرتين، فإن قال: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً فحسن، وإن قال غيره نحو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر أو ما شاء من الذكر فهو جائز، وبهذا قال الشافعي، وقال أبوحنيفة ومالك والأوزاعي: يكبر متوالياً لا ذكر بينه؛ لأنه لو كان بينه ذكر مشروع نقل كما نقل التكبير – انتهى. وقال الرافعي: يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة. هذا لفظ الشافعي، وقد روي مثل ذلك عن ابن مسعود قولاً وفعلاً. قلت: الراجح عندي ما ذهب إليه مالك وأبوحنيفة؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بين التكبيرات، ولم يرو ذلك في حديث مسند، ولا نقل عن أحد من السلف إلا ما جاء في حديث جابر المتقدم مع ما فيه من الكلام، وفي ما روي عن ابن مسعود موقوفاً عند
رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
1456-
(17) وعن جعفر بن محمد مرسلاً ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر كبروا في العيدين والاستسقاء سبعاً وخمساً.
ــ
البيهقي بسند فيه من يحتاج إلى كشف حاله، وعند الطبراني من طريق إبراهيم النخعي أن الوليد بن عقبة دخل المسجد، وابن مسعود وأبوحذيفة وأبوموسى في عرصة المسجد
…
الحديث، قال الهيثمي: وإبراهيم لم يدرك واحداً من هؤلاء الصحابة، وهو مرسل، ورجاله ثقات، وعند الأثرم ولم أقف على سنده. (رواه الترمذي) وحسنه قال: وهو أحسن شيء روى في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر جماعة تحسينه على الترمذي؛ لأن في سنده كثير بن عبد الله، وقد عرفت حاله، وأجاب النووي في الخلاصة عن الترمذي في تحسينه، فقال: لعله اعتضد بشواهد وغيرها، وقال العراقي: والترمذي إنما تبع في ذلك البخاري، فقد قال في كتاب العلل المفردة: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول – انتهى. وقيل: تحسين الترمذي وتصحيحه توثيق للراوي وذهاب منه إلى أنه لم يرض الكلام فيه، وأما قول البخاري: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، ففيه أن الظاهر أن حديث عبد الله بن عمر أصح شيء الباب، والله تعالى أعلم. (وابن ماجه والدارمي) كذا في جميع النسخ الموجودة عندنا، والظاهر أن قوله "والدارمي" خطأ من الناسخ، والصحيح الدارقطني، فإني لم أجد هذا الحديث في سنن الدارمي، ولم يعزه أحد المخرجين إليه، والله تعالى أعلم، وأخرجه أيضاً ابن خزيمة والبيهقي والطحاوي وابن عدي.
1456-
قوله (وعن جعفر بن محمد) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبوعبد الله المدني المعروف بالصادق، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت أبي بكر، فلذلك كان يقول: ولدني أبوبكر مرتين، وروي عنه أنه قال: والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابة أبي بكر، روى عن أبيه محمد الباقر وغيره، وروى عنه الأئمة الأعلام نحو يحيى بن سعيد الأنصاري، وشعبة، وسفيانان، ومالك، وأبوحنيفة. قال الحافظ: صدوق فقيه إمام، ووثقه الشافعي وابن معين وأبوحاتم وابن عدي والنسائي، قال مالك: اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال، إما مصلٍّ وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدث إلا على طهارة، ولد سنة (80) ، ومات سنة (148) ، وهو ابن (68) سنة، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجده علي زين العابدين (مرسلاً) أي منقطعاً (كبروا في العيدين والاستسقاء) أي في صلاة عيد الفطر وصلاة الأضحى وصلاة الاستسقاء (سبعاً) أي سبع تكبيرات، يعني في الركعة الأولى (خمساً)
وصلوا قبل الخطبة، وجهروا بالقراءة)) . رواه الشافعي.
1457-
(18) وعن سعيد بن العاص
ــ
في الثانية، وبه قال الشافعي، وسيأتي الكلام في التكبير في صلاة الاستسقاء في موضعه (وصلوا قبل الخطبة) أي في العيد والاستسقاء، وتقدم أن في صلاة العيد قبل الخطبة إجماع، وأنه لا عبرة بمن خالف فيه من بني أمية (وجهروا بالقراءة) أي فيهما، وهو اتفاق، بل حكي فيه الإجماع. قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه يسن الجهر بالقراءة في صلاة العيدين إلا أنه روي عن علي – رضي الله عنه – أنه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه ولم يجهر ذلك الجهر. وقال ابن المنذر: أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة، وفي أخبار من أخبر بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أنه كان يجهر، ولأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة – انتهى. والحديث دليل لمن قال إن التكبيرات الزوائد في العيدين سبع في الركعة الأولى، وخمس في الثانية، لكنه منقطع وهو من أقسام الضعيف. (رواه الشافعي) في كتاب الأم (ج1 ص209) وفي مسنده (ج6 ص109) قال: أنا إبراهيم، قال: حدثني جعفر بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
الخ، فالحديث منقطع، بل معضل، فالمراد بالمرسل في قول المصنف المنقطع، وروى الشافعي أيضاً في الأم (ج1 ص209) وفي المسند (ج6 ص109) عن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي – رضي الله عنه – أنه كبر في العيدين والاستسقاء سبعاً وخمساً وجهر بالقراءة – انتهى. ورواه عبد الرزاق في مصنفه قال: أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان علي يكبر في الأضحى والفطر والاستسقاء سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخرى، ويصلي قبل الخطبة، ويجهر بالقراءة، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك – انتهى. كذا في نصب الراية (ج2 ص219) ، وذكره ابن حزم في المحلى (ج5 ص83)، وقال: إلا أن في الطريق إبراهيم بن أبي يحيى، وهو أيضاً منقطع – انتهى. قلت: محمد الباقر والد جعفر لم ير هو ولا أبوه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه.
1457-
قوله (وعن سعيد بن العاص) كذا قال المصنف تبعاً للجزري، والأولى أنه يقول: وعن أبي عائشة جليس أبي هريرة أنه حضر سعيد بن العاص سأل أباموسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان
…
الخ، أو يقول: وعن أبي موسى وحذيفة أن سعيد بن العاص سألهما كيف كان
…
الخ، وسعيد هذا هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ولد عام الهجرة، قتل أبوه يوم بدر كافراً، ومات جده أبوأُحيحة قبل بدر مشركاً، وكان سعيد من أشراف قريش وفصحائهم، ولذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، وكان حليماً وقوراً، قال ابن سعد: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين، وذكر في الصحابة؛ لأن له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وكان ممن اعتزل الجمل وصفين وولي إمرة الكوفة لعثمان، وإمرة المدينة لمعاوية، وغزا طبرستان ففتحها،
قال: سألت أباموسى وحذيفة، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبوموسى: كان يكبر أربعاً، تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق)) . رواه أبوداود.
ــ
وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، مات في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، ودفن بالبقيع سنة (58)، وقيل غير ذلك (في الأضحى والفطر) أي في صلاتهما (كان يكبر) قال القاري: أي في كل ركعة (أربعاً) أي مع تكبير الإحرام في الأولى ومع تكبير الركوع في الثانية، قاله القاري. (تكبيره) أي مثل عدد تكبيره، قاله القاري، وقال ابن حجر: أي مثل تكبيره على الجنائز. (فقال حذيفة) بن اليمان (صدق) أي أبوموسى، فقال أبوموسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت (أميراً) عليهم. وقد استدل به الحنفية لمذهبهم، لكن الحديث ضعيف، كما ستعرف (رواه أبوداود) ، وأخرجه أيضاً أحمد (ج4 ص416) ، والطحاوي (ص400) ، والبيهقي من طريق أبي داود (ج3 ص289-290)، وسكت عنه أبوداود والمنذري. قلت: في سنده أبوعائشة الأموي مولاهم، جليس أبي هريرة، وهو مجهول الحال، قال الذهبي: أبوعائشة جليس لأبي هريرة غير معروف، وقال الزيلعي نقلاً عن التنقيح: ولكن أبوعائشة قال ابن حزم فيه: مجهول. وقال ابن القطان: لا أعرف حاله – انتهى. وقال ابن حزم في المحلى (ج5 ص84) : أبوعائشة مجهول لا يدرى من هو، ولا يعرفه أحد، ولا تصح عنه رواية لأحد – انتهى. وقد تفرد أبوعائشة هذا برفع هذا الحديث، ورواه جماعة من الثقات وهم علقمة والأسود عند عبد الرزاق، كما في نصب الراية (ص213) ، وعبد الله بن قيس عند الطحاوي في شرح الآثار، وكردوس عند ابن أبي شيبة، كما في الجوهر النقي، فوقفوه على ابن مسعود، وعلى هذا فزيادة الرفع منكرة، والموقوف هو المحفوظ، وزيادة الرفع إنما تقبل إذا كان راويها ثقة حافظاً ثبتاً، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، وبشرط أن لا تكون شاذة، والأمر ههنا ليس كذلك، كما لا يخفى على المنصف الغير المتعسف، وأيضاً في سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي الزاهد الصالح، وهو متكلم فيه، فكان علي بن المديني ودحيم وأبوداود حسن الرأي فيه، وقال أحمد: لم يكن بالقوي في الحديث، وأحاديثه مناكير، وقال العجلي وأبوزرعة الرازي: لين، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس بثقة، وقال ابن معين: ضعيف، يكتب حديثه على ضعفه، وكذا قال ابن عدي: ومع هذا فقد تغير عقله في آخر عمره، كما قال أبوحاتم، ولم يتابعه أحد على رفع هذا الحديث. قال البيهقي في السنن الكبرى (ج 3 ص290) : قد خولف راوي هذا الحديث في موضعين، أحدهما: في رفعه، والآخر في جواب أبي موسى، والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فأفتاه ابن مسعود بذلك، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه أبوإسحاق السبيعي عن عبد الله بن موسى أو ابن أبي موسى أن سعيد بن العاص أرسل
…
الخ.
1458-
(19) وعن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه. رواه أبوداود.
ــ
وعبد الرحمن بن ثوبان ضعفه ابن معين – انتهى. وقال في معرفة السنن بعد نقل تضعيف عبد الرحمن عن ابن معين، والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود في الأولى قبل القراءة وأربع في الثانية بعد القراءة، ويركع برابعة، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه أبوإسحاق السبيعي وغيره عن شيوخهم، ولو كان عند أبي موسى فيه علم عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يسأله عن ابن مسعود، وروي عن علقمة عن عبد الله أنه قال: خمس في الأولى، وأربع في الثانية، وهذا يخالف الرواية الأولى – انتهى. وقد ظهر بهذا أن هذا الحديث لا يصلح للاستدلال وإن سكت عنه أبوداود والمنذري، وقد تقدم الكلام في سكوتهما فتذكر، ولشيخنا رسالة مستقلة بالأردية في مسألة التكبيرات الزوائد وما يتعلق بها، سماها "القول السديد فيما يتعلق بتكبيرات العيد"، فعليك أن تطالعها.
1458-
قوله (نوول) بووين على وزن نودي صيغة ماضٍ مجهول من المناولة أي أعطي، كذا وقع في جميع نسخ المشكاة، وفي بعض نسخ أبي داود، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7 ص95) ، ووقع في أكثر نسخ أبي داود "نُوِّل" بواو واحد على بناء المجهول الماضي، من باب التفعيل، قال في القاموس: أنلته إياه ونوَّلته ونَوَّلت عليه، وله: أعطيته. (يوم العيد) أي الأضحى، كما في رواية أحمد والبيهقي (قوساً فخطب) أي متوكئاً (عليه) وفي رواية أحمد والبيهقي: أعطي قوساً أو عصاً فاتكأ عليه، فحمد الله وأثنى عليه
…
الخ، وفي الحديث مشروعية الاعتماد على قوس أو عصا حال الخطبة، قيل: والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث، وقيل: إنه أربط للجأش (رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري. وأخرجه أيضاً أحمد وطوله، والبيهقي (ج3 ص300) ، والطبراني، وصححه ابن السكن، وله شواهد من حديث الحكم بن حزن الكلفي عند أبي داود والبيهقي في حديث أوله: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه
…
الحديث، وفيه: شهدنا الجمعة معه، فقام متوكئاً على عصا أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه. قال الحافظ: إسناده حسن، فيه شهاب بن خراش، وقد اختلف فيه، والأكثر وثقوه، وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة – انتهى. ومن حديث ابن الزبير عند الطبراني في الكبير والبزار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمخصره، وفيه ابن لهيعة، ومن حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم في السفر متوكئاً على قوس، وفيه أبوشيبة وهو ضعيف، ومن حديث سعد القرظ عند الطبراني أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الجمعة خطب على عصا، قال الهيثمي: ذكر هذا في أثناء حديث طويل، وإسناده ضعيف – انتهى. قلت: وروى البيهقي (ج3 ص206)
1459-
(20) وعن عطاء مرسلاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يعتمد على عنزته اعتماداً. رواه الشافعي.
1460-
(21) وعن جابر قال: شهدت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، فلما قضى الصلاة قام متكئاً على بلال، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ الناس،
ــ
من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد حدثني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا، وقال الحافظ في التلخيص (ص137) بعد ذكر حديث الحكم والبراء: وفي الباب عن ابن عباس وابن الزبير رواهما أبوالشيخ بن حبان في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم له – انتهى.
1459-
قوله (وعن عطاء) أي ابن يسار، قاله القاري، وهو تابعي مشهور كان كثير الرواية عن ابن عباس، قاله المؤلف، والظاهر أن المراد به هنا عطاء بن أبي رباح (على عنزته) بفتح المهملة والنون بعدها زاي معجمة، رمح قصير في طرفها زُجٌّ أي نصل. قال الحافظ في الفتح: العنزة – بفتح النون – عصى أقصر من الرمح لها سنان. وقيل: هي الحربة القصيرة، وقيل: عصا عليه زج أي سنان. (اعتماداً) مفعول مطلق أي اعتماداً كلياً (رواه الشافعي) في كتاب الأم (ج1 ص211) ، وفي مسنده (ج6 ص110) عن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عطاء مرسلاً، وليث ضعيف، وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (ج3 ص206) من طريق جعفر بن عون عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إذا خطب على عصا؟ قال: نعم، وكان يعتمد عليها اعتماداً.
1460-
قوله (شهدت) أي حضرت (الصلاة) أي صلاة العيد (في يوم عيد) أي يوم عيد الفطر، كما هو مصرح في رواية للشيخين (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة) فيه تقديم العيد على الخطبة، وترك الأذان والإقامة لصلاة العيد، وقد تقدم البسط في ذلك (قام متكئاً) كذا في جميع النسخ الموجودة للمشكاة، من الإتكاء، والظاهر أنه خطأ من النساخ، والصحيح متوكئاً أي من التوكأ، كما في المصابيح، وهكذا في مسلم والنسائي والبيهقي (ج3 ص296) ، وهكذا ذكره المجد بن تيمية في المنتقى، وعزاه إلى مسلم والنسائي، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7 ص89) ، وعزاه للنسائي (على بلال) أي متحاملاً عليه، ومنه التوكؤ على العصا، وهو التحامل عليها، والمراد أنه كان معتمداً على يد بلال، كما يفيده رواية الشيخين وأبي داود، وفيه أن الخطيب ينبغي أن يعتمد على شيء كالقوس والعصا والعنزة، أو يتكئ على إنسان (ووعظ الناس)
وذكرهم، وحثهم على طاعته، ومضى إلى النساء ومعه بلال، فأمرهن بتقوى الله، ووعظهن وذكرهن. رواه النسائي.
1461-
(22) وعن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره.
ــ
قال الراغب: الوعظ زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، فقوله (وذكرهم) بالتشديد عطف تفسيري، قاله القاري، وقال ابن حجر:"ذكرهم" أي العواقب يدل مما قبله، وقيل: معنى وعظهم: نصحهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكرهم بأحوال القيامة والنار والجنة (وحثهم) أي رغبهم وحضهم (على طاعته) أي طاعة الله تعالى، ومنها طاعته – عليه السلام، وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لأنه يشمل مكارم الأخلاق، أو المراد عبادته النافلة، قاله القاري. قلت: ولفظ مسلم بعد قوله "على بلال": "ثم أمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكره". (ومضى إلى النساء) ولفظ النسائي: ثم مال إلى النساء، والمراد أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال، كما صرح بذلك في رواية الشيخين، وفيه إشعار بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم (فأمرهن) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بتقوى الله) أي الجامعة لامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (ووعظهن) بتخويف العقاب (وذكرهن) بتحصيل الثواب، وهو تفسير لـ"وعظهن" أو تأكيد له. ولفظ مسلم: ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، واكتفى في رواية لمسلم بالتذكير، وكذا في رواية البخاري وأبي داود، فيه أنه يستحب للإمام إذا لم يسمع النساء الخطبة أن يأتيهن بعد فراغه ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب عليه مفسدة، وفيه أيضاً تمييز مجلس النساء إذا حضرن مجامع الرجال؛ لأن الاختلاط ربما كان سبباً للفتنة الناشئة عن النظر أو غيره، وبعد ذلك في رواية النسائي ومسلم: وحمد الله وأثنى عليه، ثم حثهن على طاعته، ثم قال:((تصدقن، فإن أكثركن خطب جهنم)) ، فقالت امرأة من سفلة النساء، سفعاء الخدين: لِمَ يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير)) ، فجعلن ينزعن قلائدهن وأقرطهن وخواتيمهن يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به، لفظ النسائي. (رواه النسائي) وأخرجه أيضاً مسلم والبيهقي (ج3 ص296) ، فكان من حقه أن يذكر في الصحاح أي الفصل الأول، وذهل المصنف فعزاه للنسائي، وترك مسلماً، وأصل الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في "باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة"، وفي باب "موعظة الإمام النساء يوم العيد"، وأخرجه أيضاً أبوداود في باب الخطبة يوم العيد، وذهل المنذري في مختصره فعزاه للنسائي، وترك البخاري ومسلماً.
1461-
قوله (إذا خرج يوم العيد) ذاهباً (في طريق رجع في غيره) أي في طريق غيره
رواه الترمذي والدارمي.
1462-
(23) وعنه، أنه أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد. رواه أبوداود، وابن ماجه.
ــ
(رواه الترمذي والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم (ج1 ص296) ، والبيهقي (ج3 ص308) ، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي على شرط الشيخين، وأخرجه البخاري والبيهقي من حديث جابر، قال الترمذي تبعاً للبخاري: وحديث جابر كأنه أصح، وتقدم الكلام في هذا.
1462-
قوله (وعنه) أي عن أبي هريرة (أنه) أي الشأن (أصابهم) أي الصحابة (مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد) أي مسجد المدينة. قال ابن الملك: يعني كان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العيد في الصحراء إلا إذا أصابهم مطر فيصلي في المسجد، فالأفضل أداءها في الصحراء في سائر البلدان، وفي مكة خلاف – انتهى. قلت: الحديث يدل على أن ترك الخروج إلى الجبانة وفعل الصلاة في المسجد عند عروض عذر المطر غير مكروه، وقد اختلف هل الأفضل في صلاة العيد الخروج إلى الجبانة أي الصحراء أو الصلاة في مسجد البلد إذا كان واسعاً؟ الثاني قول الشافعي، أنه إذا كان مسجد البلد واسعاً صلوا فيه ولا يخرجون، فكلامه يقضي بأن العلة في الخروج طلب الاجتماع، ولذا أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج العواتق وذوات الخدور، فإذا حصل ذلك في المسجد فهو أفضل، ولذلك فإن أهل مكة لا يخرجون لسعة مسجدها وضيق أطرافها، والقول الأول لمالك وأحمد وأبي حنيفة: إن الخروج إلى الجبانة أفضل ولو اتسع المسجد للناس، وحجتهم محافظته صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يصل في المسجد إلا لعذر المطر، ولا يحافظ صلى الله عليه وسلم إلى على الأفضل، وتقدم أن هذا القول هو الراجح عندنا. (رواه أبوداود وابن ماجه) وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1 ص295) والبيهقي (ج3 ص310) وسكت عنه أبوداود والمنذري. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي على شرطهما. وقال الحافظ في التلخيص: إسناده ضعيف – انتهى. قلت: في سنده رجل مجهول، وهو عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة الأموي مولاهم، قال فيه الحافظ في التقريب: مجهول. وقال الذهبي في الميزان: لا يكاد يعرف، وقال: هذا حديث منكر، قال ابن القطان: لا أعلم عيسى هذا مذكوراً في شيء من كتب الرجال ولا في غير هذا الإسناد – انتهى. وروى البيهقي (ج3 ص310) من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة: إن الناس مطروا على عهد عمر بن الخطاب فامتنع الناس من المصلى فجمع عمر الناس في المسجد فصلى بهم، ثم قام عمر على المنبر فقال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج بالناس إلى المصلى يصلي بهم؛ لأنه أرفق بهم وأوسع عليهم، وأن المسجد كان لا يسعهم، فإذا كان هذا المطر فالمسجد أرفق.
1463-
(24) وعن أبي الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران: ((عجّل الأضحى، وأخّر الفطر، وذكّر الناس)) .
ــ
1463-
قوله (وعن أبي الحويرث) بالتصغير، اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحُوَيرث الأنصاري، الزرقي، المدني، مشهور بكنيتة. قال الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، فأبوالحويرث هذا من أتباع التابعين، والحديث مرسل كما قال الحافظ في التلخيص، والمجد ابن تيمية في المنتقى، والبيهقي في السنن الكبرى، واختلف فيه قول ابن معين، فقال الدوري عنه: ليس يحتج بحديثه، وقال عثمان الدارمي وغيره عنه: ثقة، وقال أبوحاتم: ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال مالك والنسائي: ليس بثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يتكلم فيه البخاري بشيء. (كتب إلى عمرو بن حزم) الأنصاري، صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق، وله خمس عشرة سنة، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران سنة عشر، وقد تقدم ترجمته (وهو بنجران) بفتح النون وسكون الجيم، فراء، فألف، فنون على وزن سلمان، بلد باليمن، كان عمرو والياً فيه (عجل الأضحى) أي صلاته ليشتغل الناس بذبح الأضاحي (وأخر الفطر) أي صلاته لتوسع على الناس إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، قاله ابن الملك. (وذكر الناس) أي بالموعظة في خطبتي العيدين، قال الشوكاني: الحديث يدل على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر، ولعل الحكمة في ذلك ما تقدم من استحباب الإمساك في صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة، فإنه ربما كان ترك التعجيل لصلاة الأضحى مما يتأذى به منتظر الصلاة لذلك، وأيضاً فإنه يعود إلى الاشتغال بالذبح لأضحيته بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك ولا ذبيحة، وأحسن ما ورد من الأحاديث في تعيين وقت صلاة العيدين حديث جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى قيد رمح. أخرجه الحسن بن أحمد البناء في كتاب الأضاحي له من طريق وكيع عن المعلى بن هلال عن الأسود بن قيس عن جندب، ذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه، قلت: معلى بن هلال المذكور في سنده من رجال ابن ماجه، وقد اتفق النقاد على تكذيبه، فالحديث ضعيف جداً، قال الشوكاني: قال في البحر: وهي من بعد انبساط الشمس إلى الزوال، ولا أعرف فيه خلافاً – انتهى. قلت: دعوى عدم الخلاف خطأ؛ فإنهم اختلفوا في أول وقت صلاة العيد وآخره، فعند الشافعية وقتها بين ابتداء طلوع الشمس ولو للبعض ولا يعتبر تمام الطلوع وزوالها ولا نظر لوقت الكراهة؛ لأن هذه صلاة لها سبب متقدم ويسن تأخيرها لترتفع الشمس قيد رمح خروجاً من الخلاف، وعند المالكية والحنابلة والحنفية أول وقتها وقت حل النافلة، وهو من ارتفاع الشمس قدر رمح من رماح العرب إلى قبيل الزوال، وهذا هو الراجح عندنا، ويدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد وكراهة تأخيرها عن وقتها المجمع عليه - وهو انبساط الشمس وارتفاعها
رواه الشافعي.
1464-
(25) وعن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
قدر رمح أو رمحين، وهو وقت حل صلاة النافلة – ما روى أحمد وأبوداود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن يزيد بن خمير قال: خرج عبد الله بن بُسر – صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر ابطاء الإمام، فقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح. قال الحافظ: أي وقت صلاة السبحة، وذلك إذا مضى وقت الكراهة، وفي رواية صحيحة للطبراني: وذلك حين تسبيح الضحى، وقال الكرماني: حين التسبيح أي حين صلاة الضحى، أو حين صلاة العيد؛ لأن صلاة العيد سبحة ذلك اليوم – انتهى. وروى البيهقي من طريق الشافعي: انبأ الثقة أن الحسن كان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى الأضحى والفطر حين تطلع الشمس فيتتام طلوعها. قال البيهقي: هذا مرسل، وشاهده عمل المسلمين بذلك، أو بما يقرب منه مؤخراً عنه – انتهى. (رواه الشافعي) في كتاب الأم (ج1 ص205) ، وفي مسنده (ج6 ص107) عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث به، وهو مرسل، وضعيف أيضاً، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3 ص282) من طريق الشافعي، وقال: هذا مرسل، وقد طلبته في سائر الروايات لكتابه إلى عمرو بن حزم، فلم أجده – انتهى. قال ابن حجر: وهو وإن كان ضعيفاً إلا أنه يعمل به في مثل ذلك اتفاقاً.
1464-
قوله (وعن أبي عمير) بالتصغير (بن أنس) بن مالك الأنصاري، قال الحاكم أبوأحمد: اسمه عبد الله، وكان أكبر أولاد أنس، قلت: ذكر الباوردي حديثه هذا، وسماه في مسنده عبد الله، قال الحافظ: ثقة من الرابعة، وهي طبقة تلي الطبقة الوسطى من التابعين، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح حديثه البيهقي والنووي في شرح المهذب والخلاصة وأبوبكر بن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي، وتصحيحهم توثيق لرواته أبي عمير وغيره. وقال ابن عبد البر: هو مجهول، قال الحافظ في التلخيص: كذا قال، وقد عرفه من صحح له – انتهى. قال المؤلف: عمر بعد أبيه أنس زماناً طويلاً. (عن عمومة له) بضم العين جمع عم، كالبعولة جمع بعل، وفي رواية ابن ماجه والبيهقي: حدثني عمومتي من الأنصار (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) صفة عمومة، قال النووي في الخلاصة: عمومة أبي عمير صحابة لا يضر جهالة أعيانهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وقال البيهقي (ج3 ص316) : عمومة أبي عمير من أصحابه – عليه السلام – لا يكونون إلا ثقات، وقال أيضاً (ج4 ص249) : الصحابة كلهم ثقات سموا أو لم يسموا – انتهى. وقال النووي في التقريب: الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به، فإذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك حجة وإن لم يسم ذلك الرجل، ولا يضر الجهالة لثبوت
أن ركباً جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنه رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم. رواه أبوداود والنسائي.
ــ
عدالتهم على العموم (أن ركباً) جمع راكب، كصحب وصاحب (جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنه رأوا الهلال بالأمس) يعني لم يروا الهلال في المدينة ليلة الثلاثين من رمضان فصاموا يوم الثلاثين، فجاء قافلة في أثناء ذلك اليوم وشهدوا أنهم رأوا الهلال ليلة الثلاثين، وفي رواية أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي: أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس. وفي رواية الطحاوي: أنهم شهدوا بعد الزوال، وبه أخذ أحمد وأبوحنيفة وغيرهما أن وقتها إلى زوالها إذ لو كانت صلاة العيد تؤدى بعد الزوال لما أخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغد (فأمرهم) أي الناس (أن يفطروا) أي ذلك اليوم؛ لأنه ثبت أنه يوم عيد الفطر (وإذا أصبحوا) أي في اليوم الثاني من شوال (أن يغدوا) أي يذهبوا في الغدوة أي جميعاً (إلى مصلاهم) لصلاة العيد، كما في رواية ابن ماجه وغيره، قال الشوكاني: الحديث دليل لمن قال: إن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إن لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته، وإلى ذلك ذهب الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبوحنيفة وأبويوسف ومحمد، وهو قول للشافعي، وظاهر الحديث أن الصلاة في اليوم الثاني أداء لا قضاء – انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج1 ص252) : وإلى هذا الحديث ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق. وقال الشافعي: إن علموا بذلك قبل الزوال خرجوا وصلى الإمام بهم صلاة العيد، وإن لم يعلموا إلا بعد الزوال لم يصلوا يومهم ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت إذا جاز ذلك الوقت لم يعمل في غيره، وكذلك قال مالك وأبوثور، قال الخطابي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب – انتهى. قلت: وروى البيهقي عن الشافعي ما يدل على أنه علق القول به على صحة هذا الحديث، وقد تقدم أن الحديث صحيح، صححه غير واحد من الأئمة، فالقول به واجب. (رواه أبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه في الصيام والدارقطني والبيهقي (ج3 ص316) ، وابن حبان في صحيحه، وسكت عنه أبوداود والمنذري، وصححه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. فائدة: اختلف العلماء فيمن لم يدرك صلاة العيد مع الإمام، فذهب المزني ومالك وأبوحنيفة إلى أنه لا يقضيها، وبه قال أحمد، قال ابن قدامة: من فاتته صلاة العيد أي مع الجماعة، فلا قضاء عليه – انتهى. وذهب الشافعي إلى أنه يقضيها، واختلفوا أيضاً في أنه كيف يقضي، فقال أبوحنيفة: إن شاء صلى وإن شاء لم يصل، فإن شاء صلى أربعاً وإن شاء صلى ركعتين، وإليه ذهب أحمد، قال ابن قدامة: من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه، فإن أحب قضاءها فهو مخير إن شاء صلاها أربعاً، روي هذا