الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحن بالأثر)) رواه الترمذي، قال: هذا حديث حسن غريب.
{الفصل الثالث}
1781-
(5) عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين! وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون،
ــ
وقيل: سلف الإنسان من تقدمه بالموت من الآباء وذوي القرابة، ولذا سمي صدر الأول من التابعين بالسلف الصالح-انتهى. (ونحن بالأثر) بفتحتين يعني تابعون لكم من وراءكم، لاحقون بكم. (رواه الترمذي) لم أجد من رواه غيره، ونسبه العيني في شرح البخاري (ج8ص69) إلى أحمد. (وقال) أي الترمذي. (هذا حديث حسن غريب) في سنده قابوس بن أبي ظبيان، وهو مختلف فيه.
1781-
قوله: (كلما كان ليلتها) أي في آخر عمره بعد حجة الوداع، قاله السندي. (من رسول الله صلى الله عليه وسلم)"من" متعلق بالليلة بمعنى النصيب، أو المحذوف أي التي تخصها منه. قال الطيبي:"كلما" ظرف فيه معنى الشرط والعموم وجوابه. (يخرج) وهو العامل فيه. وهذا حكاية معنى قولها لا لفظها، أي كان من عادته أنه إذا بات عندها أن يخرج. (من آخر الليل) أي في آخره. (إلى البقيع) أي بقيع الغرقد، وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها. في النهاية: هو المكان المتسع، ولا يسمى بقيعاً إلا وفيه شجر أو أصولها، والغرقد شجر، والآن بقيت الإضافة دون الشجرة. وقال النووي: البقيع مدفن أهل المدينة، سمي بقيع لغرقد كان فيه، وهو ما عظم من العوسج. وفي الحديث فضيلة الدعاء آخر الليل وفضيلة زيارة قبور البقيع. (دار قوم) دار منصوب على النداء. والتقدير: يا أهل دار قوم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقيل الدار مقحم. (وأتاكم) بالقصر أي جاءكم. قال ابن الملك: وإنما قال أتاكم؛ لأن ما هو آت كالحاضر-انتهى. أو لتحققه كأنه وقع. (ما توعدون) أي ما كنتم توعدون به من الثواب أو أعم منه ومن العذاب. (غداً) هو متعلق بما قبله، ويحتمل تعلقه بما بعده وهو قوله:(مؤجلون) أي أنتم مؤخرون وممهلون إلى غد باعتبار أجوركم استيفاء واستقصاء، فالجملة مستأنفة مبينة أن ما جاءهم من الموعود أمور إجمالية لا أجور تفصيلية. قال الطيبي: إعرابه مشكل إن حمل على الحال المؤكدة من واو توعدون على حذف الواو والمبتدأ كان فيه شذوذان. قال ابن حجر: وهو سائغ إذا دل عليه السياق، كما هنا. قال الطيبي: ويجوز حمله على الإبدال من "ما توعدون" أي أتاكم ما تؤجلونه أنتم، والأجل الوقت
اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)) رواه مسلم.
1782-
(6) وعنها، قالت:((كيف أقول يا رسول الله؟ تعني في زيارة القبور، قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون)) رواه مسلم.
1783-
(7) وعن محمد بن النعمان، يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة، غفر له وكتب براً))
ــ
المضروب والمحدود في المستقبل؛ لأن ما هو آت بمنزلة الحاضر-انتهى. قال القاري: وهو كما قال ابن حجر بعيد تكلف جداً، بل السياق ينبو عنه-انتهى. ورواه النسائي بلفظ: وإنا وإياكم متواعدون غداً ومتواكلون. قال السندي: متواعدون أي كان كل منا ومنكم وعد صاحبه حضور غد، أي يوم القيامة، ومتواكلون أي متكل بعضهم على بعض في الشفاعة والشهادة، والله تعالى أعلم. (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) أي مقبرة المدينة، وفيه الدعوة الإجمالية على وجه العموم كافية. (رواه مسلم) وأخرجه النسائي والبيهقي أيضاً.
1782-
قوله: (تعني) أي تريد عائشة رضي الله عنها بالسؤال كيفية المقال، وهذا تفسير من المصنف. (من المؤمنين والمسلمين) فيه تغليب الرجال على النساء. (المستقدمين) أي الذين تقدموا علينا بالموت. (منا) أي معشر المؤمنين. (والمستأخرين) أي المتأخرين في الموت، والسين فيها لمجرد التأكيد لا للطلب، أي الأموات منا والإحياء، وفي الحديث دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور عند وجود الشروط المعتبرة في حقهن. (رواه مسلم) وأخرجه النسائي والبيهقي أيضاً.
1783-
قوله: (وعن محمد بن النعمان) الظاهر أنه محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري أبوسعيد، ثقة من كبار التابعين. (يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بإسقاط الصحابي أو من دونه. (أو أحدهما) عطف على أبويه أي أو قبر أحدهما. (في كل جمعة) أي في كل يوم جمعة أو في كل أسبوع، ويؤيد الأول رواية ابن عدي من حديث أبي بكر بلفظ: من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة. (غفر له) ذنوبه الصغائر. (وكتب براً) بفتح الباء أي كان باراً بهما غير عاق بتضييع حقهما، فعدل منه إلى قوله "كتب" لمزيد الإثبات، وأنه من الراسخين ثبت في ديوان الأبرار، ومنه قوله تعالى:{فاكتبنا مع الشاهدين} [آل عمران: 53] . وفيه استحباب زيارة قبر الوالدين في
رواه البيهقي في شعب الإيمان مرسلاً.
1784-
(8) وعن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة)) رواه ابن ماجه.
1785-
(9) وعن أبي هريرة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوّارات القبور)) .
ــ
يوم الجمعة لكن الحديث مرسل، وكل ما يروي في ذلك ضعيف. (رواه البيهقي في شعب الإيمان مرسلاً) تقدم معنى المرسل، ولم أقف على إسناد هذا الحديث، فلا أدري كيف حاله. وفي الباب عن أبي بكر عند ابن عدي بإسناد ضعيف، وعن أبي هريرة عند الحكيم الترمذي وإسناده أيضاً ضعيف، قاله العزيزي في شرح الجامع الصغير. وحديث أبي هريرة عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (ج4ص59) إلى الطبراني في الأوسط والصغير وقال: وفيه عبد الكريم أبوأمية وهو ضعيف-انتهى. وروى الحاكم (ج1ص377) والبيهقي (ج3ص78) من حديث الحسين، أن فاطمة كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة. قال الحاكم: رواته ثقات، وتعقبه الذهبي فقال: هذا منكر جداً، وسليمان بن داود ضعيف.
1784-
قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) خوفاً عليكم من فعل الجاهلية من الجزع والنوح وذكر ما لا ينبغي في ابتداء إسلامكم، والآن استحكم فيكم الإسلام وصرتم أهل التقوى. (فزوروها) ندباً، ففيه جمع بين الناسخ والمنسوخ. (فإنها) أي زيارة القبور أو القبور أي رؤيتها. (تزهد في الدنيا) أي ترغب عنها وتحمل على التقليل منها. (وتذكر الآخرة) وتعين على الاستعداد لها. (رواه ابن ماجه) قال المنذري في الترغيب: بإسناد صحيح، وقال الحافظ في التلخيص: في إسناده أيوب بن هانىء، وهو مختلف فيه، وقال في الزوائد: إسناده حسن، وأيوب بن هانىء قال ابن معين: ضعيف، وقال أبوحاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات-انتهى. وأخرجه الحاكم (ج1ص375) والبيهقي (ج4ص77) وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: أيوب ضعفه ابن معين-انتهى. والظاهر أن الحديث حسن الإسناد، كما قال البوصيري.
1785-
قوله: (زوّرات القبور) قال القاري: لعل المراد كثيرات الزيارة، وقال القرطبي: حمل بعضهم حديث الترمذي في اللعن على من يكثر الزيارة منهن؛ لأن زوّارات للمبالغة، ويمكن أن يقال أن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهرة، والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها، ولما يخاف عليها من الصراخ وغير ذلك من المفاسد، وعلى هذا يفرق بين الزائرات والزوارات، ذكره العيني.
رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال: قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن برخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء.
ــ
وقال السيوطي: زوّارات جمع زوارة بمعنى زائرة. قلت: ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود والنسائي بلفظ "زائرات القبور"، فإنه يدل على أنه لا فرق بين الزائرات والزوارات، وأن الزوارات بمعنى الزائرات، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن اللعن محمول على زيارتهم بما لا يجوز كالتبرج والجزع والصياح وغير ذلك مما لا ينبغي، وأما إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن الزيارة عللت بتذكير الموت، ويحتاج إليه الرجال والنساء جميعاً. قال القاري بعد ذكر الأحاديث التي وردت في الرخصة في زيارة القبور: وقد عللت الزيارة فيها بأنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة والموت، وبأن فيها عبرة ما لفظه هذه الأحاديث بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن، وأما خبر: لعن الله زوّارات القبور، فمحمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه-انتهى. وقال القرطبي: وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك (أي تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك) فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء-انتهى. قال الشوكاني: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر-انتهى. (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه) وأخرجه ابن حبان والبيهقي (ج4ص78) أيضاً. وفي الباب عن ابن عباس، وقد تقدم في باب المساجد. وعن حسان بن ثابت، أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي. (وقال) أي الترمذي. (قد رأى) أي اعتقد. (بعض أهل العلم أن هذا) أي اللعن. (كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء)، قال الحافظ في الفتح: وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة، وممن حملهن الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة عنه كما تقدم في آخر باب دفن الميت. قال الشوكاني: استدل القائلون بالجواز بأدلة منها: دخولهن تحت الإذن العام بالزيارة، ويجاب عنه بأن الإذن العام مخصص بهذا النهي الخاص المستفاد من اللعن، إما على مذهب الجمهور فمن غير فرق بين تقدم العام وتأخره ومقارنته وهو الحق، وإما على مذهب البعض القائلين بأن العام المتأخر ناسخ فلا يتم الاستدلال به إلا بعد معرفة تأخره منها-انتهى. وقال شيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2ص138) : النهي ورد خاصاً بالنساء، والإباحة لفظها عام، والعام لا ينسخ الخاص، بل الخاص حاكم عليه ومقيد له. قال الشوكاني: ومنها ما رواه مسلم عن عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال: قولي السلام على
وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. تم كلامه.
1786-
(10) وعن عائشة، قالت:((كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني واضع ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلته إلا أنا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر)) .
ــ
أهل الديار الخ. (وهو ثاني أحاديث الفصل الثالث من هذا الباب)، ومنها ما أخرجه البخاري: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني-الحديث. (وقد تقدم في باب البكاء)، ومنها ما رواه الحاكم أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة الخ. قلت: هذا حديث ضعيف منكر كما تقدم عن الذهبي. (وقال بعضهم: إنما كره) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وروي بصيغة المجهول، قاله القاري. (زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن) يعني بقيت النساء تحت النهي لقلة صبرهن وكثرة جزعن، قال السندي: وهو الأقرب إلى تخصيصهن بالذكر في أحاديث اللعن. وأجاب القائلون بالجواز عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره، كما تقدم عن القرطبي والشوكاني والقاري. وبهذا تجمع الأحاديث المتخالفة في الظاهر، وهو الراجح عندي. والله تعالى أعلم. (تم كلامه) أي قال المصنف: تم كلام الترمذي.
1786-
قوله: (بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قبره أو دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسند الإمام أحمد (ج6ص202) : بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي. (وإني واضع) بالتنوين، والظاهر واضعة، فكأنه نزل منزلة الحائض، أو التذكير باعتبار الشخص، ويجوز إضافته إلى قولها:(ثوبي) أي بعض ثيابي، ولذا أفرد هنا وجمع فيما سيأتي، وفي المسند: فأضع ثوبي، بلفظ المتكلم من المضارع. (وأقول) وفي المسند: فأقول، أي في نفسي لبيان عذر الوضع. وقال الطيبي: القول بمعنى الاعتقاد، وهو كالتعليل لوضع الثوب. (إنما هو) أي الكائن هنا. (زوجي وأبي) أي إنما هو زوجي والآخر أبي، والضمير للشأن، أي إنما الشأن زوجي وأبي مدفونان فيه، أو الضمير للبيت، أي إنما هو مدفن زوجي وأبي على تقدير مضاف. (فلما دفن عمر معهم) فيه اختيار أن أقل الجمع اثنان. (فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر) فيه أنه ينبغي احترام الميت عند زيارة قبره كاحترامه حياً. قال الطيبي: في الحديث دليل بيّن على أنه يجب احترام أهل القبور، وتنزيل كل منزلته ما هو عليه في حياته من مراعاة الأدب معهم على قدر مراتبهم، والله أعلم- انتهى. وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن سليم بن غفر أنه مر على مقبرة وهو حاقن قد غلبه البول، فقيل له: لو نزلت فبلت، قال: سبحان الله، والله إني لأستحي
رواه أحمد.
ــ
من الأموات كما أستحي من الأحياء، ذكره القاري. (رواه أحمد) (ج6ص202) قال: ثنا حماد بن أسامة قال: أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أدخل الخ. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج8ص26) : رجاله رجال الصحيح.
هذا آخر كتاب الجنائز، وقد بقيت أحكام ومسائل كثيرة تتعلق بالميت والمحتضر محل ذكرها وبسطها كتب الفقه والفتاوى، من شاء الوقوف عليها رجع إلى المغني لابن قدامة وغيره من الكتب المؤلفة في الجنائز والمحتضر خاصة، ولشيخنا الأجل المباركفوري تأليف متوسط في هذا الموضوع في الأردوية سماه كتاب الجنائز، وقد رتبه على مقدمة وعشرة أبواب، قد استوعب فيها أحكام الجنائز ومسائلها، وهو مفيد جداً، لم يصنف مثله في اللغة الأردوية، وقد طبع مرتين.
بعون الله وحسن توفيقه تم الجزء الخامس من مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح،
ويليه الجزء السادس إن شاء الله تعالى، وأوله "كتاب الزكاة".