الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(49) باب العتيرة
{الفصل الأول}
1491-
(1) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا فرع ولا عتيرة)) .
ــ
وغيرهما كلهم عن عائذ الله عن أبي داود عن زيد بن أرقم. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، قال المنذري: بل واهية، عائذ الله هو المجاشعي، وأبوداود هو نفيع بن الحارث الأعمى، وكلاهما ساقط – انتهى. وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده أبوداود نفيع بن الحارث، وهو متروك واتهم بوضع الحديث، وحكى البيهقي عن البخاري أنه قال: عائذ الله المجاشعي عن أبي داود لا يصح حديثه، وقال ابن التركماني: أبوداود نفيع متروك، ذكره الذهبي في كتابيه الكاشف والضعفاء.
(باب العتيرة) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء فهاء تأنيث، بوزن عظيمة فعيلة بمعنى مفعولة، وهي النسيكة أي الذبيحة التي تعتر أي تذبح، وكانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية، كما في حديث محنف الآتي، ونقل النووي اتفاق العلماء على تفسير العتيرة بهذا. وفيه نظر فقد قال أبوعبيد: العتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم. وقال غيره: العتيرة نذر كانوا ينذرونه من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأساً في رجب. وذكر ابن سيدة: أن العتيرة إن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغ إبلي مائة عترت منها عتيرة، زاد في الصحاح في رجب. وقال الترمذي: العتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون شهر رجب؛ لأنه أول شهر من أشهر الحرم. وأما الفرع المذكور في الحديث، وهو بفتح الفاء والراء بعدها عين مهملة. ويقال فيه الفرعة – بالهاء – فاختلف في تفسيره أيضاً. فقيل: هو أول نتاج البهيمة الناقة أو الشاة، كان أهل الجاهلية يذبحونه يطلبون به البركة في أموالهم ولا يملكونه رجاء البركة فيما يأتي بعده أي في كثرة نسلها، هكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وجماعة من أهل العلم. منهم الشافعي كما في السنن الكبرى (ج9 ص313) للبيهقي. وقيل: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم، وهي طواغيتهم، هكذا جاء تفسيره في آخر حديث أبي هريرة الآتي. وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه، قال شمر: قال مالك: كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكراً فنحره لصمنه ويسمونه الفرع.
1491-
قوله (لا فرع ولا عتيرة) هكذا جاء بلفظ النفي، والمراد به النهي، وقد ورد بصيغة النهي في
قال: والفرع: أول نتاج كان ينتج لهم، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة: في رجب.
ــ
رواية للنسائي، وللإسماعيلي بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية لأحمد: لا فرع ولا عتيرة في الإسلام، كذا في الفتح، وقيل: لعل صيغة النهي في رواية النسائي والإسماعيلي من بعض الرواة لزعمه أن المراد بالنفي النهي على أنه من قبيل قوله: {فلا رفث ولا فسوق} ، فعبر بالنهي لقصد النقل بالمعنى، والله تعالى أعلم. (قال: والفرع) قيل: هذا التفسير من سعيد بن المسيب، ففي سنن أبي داود من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: الفرع أو النتاج
…
الحديث، جعله موقوفاً على سعيد بن المسيب، وقال الخطابي: أحسب التفسير فيه من قول الزهري. قال الحافظ: قد صرح عبد المجيد بن أبي رواد عن معمر فيما أخرجه أبوقرة موسى بن طارق في السنن له بأن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري. (أول نتاج) بكسر النون بعدها مثناة خفيفة وآخره جيم. (كان ينتج لهم) بضم أوله وفتح ثالثه، يقال: نتجب الناقة – بضم النون وكسر التاء الفوقية -، ولا يستعمل هذا الفعل إلا هكذا وإن كان مبنياً للفاعل. (كانوا) في الجاهلية (يذبحونه لطواغيتهم) أي لأصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، جمع طاغوت. وقيل: جمع طاغية ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها، زاد أبوداود عن بعضهم: ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر، وفيه إشارة إلى علة النهي، واستنبط منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعاً بينه وبين أحاديث جواز الفرع (والعتيرة) بالرفع (في رجب) أي شاة كانت تذبح في رجب، واعلم أنه اختلفت الأحاديث في حكم الفرع والعتيرة، فبعضها يدل على المنع، وهو حديث أبي هريرة هذا، وحديث ابن عمر عند ابن ماجه، وبعضها يدل على تأكد أمرهما، وهو حديث محنف الآتي، وحديث نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه والحاكم (ج4 ص236) والبيهقي (ج9 ص312) ، وحديث عائشة عند أبي داود والحاكم والبيهقي وعبد الرزاق، وحديث أنس وابن عمر عند الطبراني في الأوسط، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي. وبعضها يدل على مجرد الجواز والإباحة من غير تأكد، وهو حديث الحارث بن عمرو عند أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي، وحديث أبي رزين العقيلي عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان، وحديث يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه عند الطبراني في الكبير والأوسط، وحديث سمرة عند الطبراني في الكبير، وحديث ابن عباس عند الطبراني أيضاً، ذكر أكثر هذه الأحاديث الشوكاني في النيل، والعيني والحافظ في شرحيهما للبخاري، والنووي في شرح مسلم، واختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والروايات القاضية بالمنع. فقيل: إنه يجمع بينها بحمل أحاديث الجواز على الندب، وأحاديث المنع على نفي الوجوب، قال الشافعي بعد تفسير الفرع بما حكينا عنه فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عما كانوا يصنعون في الجاهلية خوفاً أن يكره في الإسلام فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم اختياراً واستحباباً أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله، وقوله: ((الفرع
.............................
ــ
حق)) في حديث عبد الله بن عمرو، أي ليس بباطل، وهو كلام عربي خرج على جواب السائل ولا مخالفة بينه وبين حديث:((لا فرع ولا عتيرة)) ، فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة. وقيل: النهي موجه إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، فيكون المنع غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة. وقيل: المراد بالنفي المذكور أنهما ليسا كالأضحية في تأكد الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة، والجمع الأول أولى. وقال النووي: نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان، ويؤيده حديث نبيشة قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال:((اذبحوا لله في أي شهر كان)) ، قال: إنا نفرع في الجاهلية. قال: ((في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير)) ، وفي رواية:((السائمة مائة)) ، ففي هذا الحديث أنه – عليه السلام – لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما وإنما أبطل صفة من كل منهما، فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب. وقال ابن قدامة: المراد بحديث أبي هريرة نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروهاً. وذهب جماعة إلى أن أحاديث الجواز منسوخة بأحاديث المنع. قال ابن المنذر: النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، وما قال أحمد أنه كان ينهى عنهما ثم أذن في فعلهما. وقال ابن قدامة: حديث أبي هريرة في النهي متأخر عن الأمر بها فيكون ناسخاً، ودليل تأخره أمران: أحدهما أن راويه أبوهريرة، وهو متأخر الإسلام فإنه أسلم عند فتح خيبر سنة سبع من الهجرة. والثاني أن فعل الفرع والعتيرة كان أمراً متقدماً على الإسلام، فالظاهر بقاؤهم إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له، ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر – انتهى. هكذا قرر النسخ ولا يخفى ما فيه، وادعى عياض أن جماهير العلماء على النسخ، وبه جزم الحازمي، وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم، وقد كان ابن سيرين يذبح العتيرة في رجب، وقال وكيع بن عدس – راوي حديث أبي رزين -: لا أدعه، وجزم أبوعبيد بأن العتيرة تستحب، ونقل الطحاوي عن ابن عون أنه كان يفعله، وفي هذا تعقب على من قال إن ابن سيرين تفرد بذلك، وقال في شرح السنة: كانوا يذبحون الفرع لآلهتهم في الجاهلية، وقد كان المسلمون يفعلونه في بدء الإسلام، أي لله سبحانه ثم نسخ ونهي عنه أي للتشبه. وقال القاري: الظاهر أن حديث نبيشة كان في صدر الإسلام ثم وقع النهي العام للتشبه بأهل الأصنام – انتهى. قلت: أعدل الأقوال عندي هو الجمع بين الأحاديث بما ذكره الشافعي ومن وافقه،