الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر)) رواه مسلم.
{الفصل الثاني}
1714-
(8) عن عروة بن الزبير، قال: ((كان بالمدينة رجلان: أحدهما يلحد، والآخر لا يلحد، فقالوا: أيهما جاء أولاً عمل عمله، فجاء الذي يلحد،
ــ
(فتحرق) بضم التاء وكسر الراء من الإحراق، وضميره للجمرة. (ثيابه) بالنصب. (فنخلص) بضم اللام أي تصل. (إلى جلده) بكسر الجيم. قال الطيبي: جعل الجلوس على القبر وسراية مضرته إلى قلبه، وهو لا يشعر بمنزلة سراية النار من الثوب إلى الجلد. (خير له) أي أحسن له وأهون (من أن يجلس على قبر) قال صاحب البذل: ظاهر الحديث يدل على النهي عن القعود مطلقاً سواء كان للتغوط أو لغيره-انتهى. قلت: لا ريب أن الحديث ظاهر في أنه لا يجوز الجلوس على القبر مطلقاً، وقد تقدم النهي عن ذلك صريحاً، وأن الجمهور ذهبوا إلى التحريم، وأن المراد القعود على حقيقته لا للحدث. وأما ما روى الطحاوي من طريق محمد بن كعب عن أبي هريرة مرفوعاً: من جلس على قبر يبول عليه أو يغوط فكأنما جلس على جمرة، فإسناده ضعيف، وما روي عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبر، يحمل على أنه لم يبلغه النهي، والله تعالى أعلم. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي.
1714-
قوله: (كان بالمدينة رجلان) أي حفاران للقبور. (أحدهما) وهو أبوطلحة زيد بن سهل الأنصاري. (يلحد) بفتح الياء والحاء من لحد كمنع، وبضم الياء وكسر الحاء من الحد أن يحفر اللحد. (والآخر) وهو أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرة. (لا يلحد) بل يشق ويضرح أي يفعل الضريح، وهو الشق في وسط القبر. قال الباجي: يقتضي أن الأمرين جائزان ولو كان أحدهما محظوراً لما استدام عمله، ومثل هذا لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم من عمله؛ لأنه من الأمور الظاهرة، لا سيما والذي كان لا يلحد من أفضل الصحابة وأكثرهم اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى. (فقالوا) أي الصحابة يعني اتفقوا بعدما اختلفوا في الشق واللحد على أن (أيهما جاء أولاً) بالتنوين منصوباً. قال القاري: وفي نسخة "أول" بالفتح والضم. قيل: الرواية في أول بالضم؛ لأنه مبني كقبل، ويجوز الفتح والنصب-انتهى. والحديث أخرجه مالك في موطئه، واختلفت النسخ المطبوعة من الموطأ في هذه اللفظة، فوقع في الهندية أولاً وفي المصرية أول. قال الزرقاني: أو بمنع الصرف للوصف ووزن الفعل، وروي أولاً بالصرف. (عمل عمله) من اللحد أو الشق في قبر النبي صلى الله عليه وسلم. (فجاء الذي يلحد) أي قبل الآخر كما سبق في علم الله تعالى من اختياره لمختاره صلى الله عليه وسلم. (فلحد)
فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه في شرح السنة.
1715-
(9) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللحد لنا، والشق لغيرنا)) .
ــ
بفتح الحاء. (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حفر له اللحد. (رواه) أي البغوي. (في شرح السنة) وأخرجه أيضاً هكذا مرسلاً مالك في الموطأ، قال الزرقاني: وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة-انتهى. قلت: ووصله أيضاً أبوحاتم من هذا الطريق. قال الحافظ في التلخيص: رواه أبوحاتم في العلل عن أبي الوليد عن حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة وقال: إنه خطأ، والصواب المحفوظ مرسل، وكذا رجح الدارقطني المرسل-انتهى. وله طريق أخرى عن عبيد بن طفيل المقري عن عبد الرحمن بن أبي مليكة القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة، رواه ابن ماجه عن عمر بن شبة عن عبيد بن الطفيل. قال الحافظ في التلخيص: وإسناده ضعيف-انتهى. قلت: عبيد بن الطفيل مجهول، وعبد الرحمن بن أبي مليكة ضعيف، ورواه أحمد وابن ماجه من حديث أنس، قال الحافظ: وإسناده حسن، ورواه أحمد (ج1:ص260-292) وابن ماجه أيضاً وابن سعد (ج3:ص47) وابن هشام في السيرة (ج2:ص375) والبيهقي (ج3:ص48) من حديث ابن عباس وبين أن الذي كان يضرح هو أبوعبيدة، وأن الذي كان يلحد هو أبوطلحة. قال الحافظ في التلخيص والدراية: وفي إسناده ضعف، يعني لضعف حسين بن عبد الله بن عباس عبيد الله بن الهاشمي، تركه أحمد وابن المديني والنسائي. وقال البخاري: يقال: إنه كان يتهم بالزندقة، وقواه ابن عدي.
1715-
قوله: (اللحد لنا والشق لغيرنا) معنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع الميت فيه وينصب عليه اللبن. ومعنى الشق: أن يحفر في وسط أرض القبر شقاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشيء. قال في اللمعات: إن كان المراد بضمير الجمع في "لنا" المسلمون، "ولغيرنا" اليهود والنصارى مثلاً، فلا شك أنه يدل على أفضلية اللحد بل على كراهة غيره، وإن كان المراد بغيرنا الأمم السابقة، ففيه إشعار بالأفضلية، وعلى كل تقدير ليس اللحد واجباً والشق منهياً، وإلا لما كان يفعله أبوعبيدة، وهو لا يكون إلا بأمر من الرسول الله صلى الله عليه وسلم أو تقريره، ولم يتفقوا على أن أيهما جاء أولاً عمل عمله-انتهى. وقال زين العرب: تبعاً للتوربشتي أي اللحد آثرو أولى لنا والشق آثر وأولى لغيرنا، أي هو اختيار من قبلنا من أهل الإيمان، وفي ذلك بيان فضيلة اللحد، وليس فيه نهي عن الشق؛ لأن أبا عبيدة مع جلالة قدره في الدين والأمانة كان يصنعه، ولأنه لو كان منهياً لما قالت الصحابة: أيهما جاء أولاً عمل عمله، ولأنه قد يضطر إليه لرخاوة الأرض-انتهى. وقال الطيبي: ويمكن أنه عليه الصلاة والسلام عني بضمير الجمع نفسه، أي أوثر لي اللحد، وهو إخبار عن الكائن فيكون معجزة-انتهى. وقيل: معناه اللحد لنا معاشر الأنبياء والشق جائز لغيرنا. قلت: ويؤيد ما قاله التوربشتي حديث جرير بن عبد الله عند أحمد (ج4:ص362-363)
رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.
1716-
(10) ورواه أحمد عن جرير بن عبد الله.
1717-
(11) وعن هشام بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد:
ــ
بلفظ: اللحد لنا والشق لأهل الكتاب. وفي سنده أبواليقظان عثمان بن عمير البجلي، وهو ضعيف. وفي رواية له (ج4:ص359) : الحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا، وفي سنده أبوجناب الكلبي، رواه عن زاذان عن جرير، واسمه يحيى بن أبي حية، وقد ضعفوه لكثرة تدليسه. (رواه الترمذي) وقال: حديث غريب. (وأبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والنسائي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً ابن سعد، والبيهقي كلهم عن ابن عباس. قال الحافظ: وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو ضعيف، وصححه ابن السكن. وقال الشوكاني: وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه.
1716-
قوله: (ورواه أحمد عن جرير بن عبد الله) رواه أحمد في (ج4:ص357) من طريق حجاج عن عمرو بن مرة عن زاذان عن جرير وفي (ج4:ص359) من طريق أبي جناب عن زاذان، وفي (ج4:ص362-363) من طريق أبي اليقظان عثمان بن عمير عن زاذان، وهذا معلول بأبي اليقظان، والثاني بأبي جناب الكلبي، وحديث جرير أخرجه أيضاً ابن ماجه والطيالسي (ص92) وابن أبي شيبة (ج3:ص127) والبيهقي (ج3:ص408) والطبراني والبزار وأبونعيم في الحلية كلهم من طريق أبي اليقظان، وفي الباب عن جابر عند ابن شاهين. قال الحافظ في الدراية: وسنده ضعيف. وأحاديث الباب تدل على استحباب اللحد، وأنه أولى من الضرح، وإلى ذلك ذهب الأكثر، كما قال النووي، وحكى في شرح مسلم إجماع العلماء على جواز اللحد والشق. قال الشوكاني: ولا يقدح في صححه حديث ابن عباس وما في معناه تحير الصحابة عند موته صلى الله عليه وسلم هل يلحدون له أو يضرحون؟ بأن يقال: لو كان عندهم علم بذلك لم يتحيروا؛ لأنه يمكن أن يكون من سمع منه صلى الله عليه وسلم ذلك لم يحضر عند موته-انتهى.
1717-
قوله: (وعن هشام بن عامر) بن أمية بن الحسحاس بمهملات النجاري الأنصاري صحابي ابن صحابي، يقال كان اسمه شهاباً، فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم، سكن البصرة، ومات بها، وقد عاش إلى زمن زياد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه سعد وحميد بن هلال وأبوالدحلة قرفة بن بهيس العدوى وغيرهم، وذكر أبوحاتم أن رواية حميد بن هلال عنه مرسلة. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي حينما جاءته الأنصار وقالوا: أصابنا قرح وجهد والحفر علينا لكل إنسان شديد. (يوم أحد) أي وقت انتهاء غزوته عند إرادة
((احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآناً)) رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وروى ابن ماجه إلى قوله: وأحسنوا.
ــ
دفن الشهداء. (احفروا) أي القبور بهمزة وصل من باب ضرب. (وأوسعوا) بقطع الهمزة. (وأعمقوا) كذلك. قال في القاموس: أعمق البئر جعلها عميقة، وفيه دليل على مشروعية إعماق القبر. وقد اختلف في حد الإعماق، فقال الشافعي: قامة. وقال عمر بن عبد العزيز: إلى السرة. وقال مالك: لا حد لإعماقه. وقيل: إلى الثدي، وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال: أعمقوا القبر إلى قدر قامة وبسطة، ذكره في النيل، وفي المغني (ج2ص497) قال أحمد: يعمق إلى الصدر، الرجل والمرأة في ذلك سواء، كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر. وروى سعيد أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة ولا يعمقوا. وذكر أبوالخطاب أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة، وهو قول الشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبوداود، ولأن ابن عمر أوصى بذلك في قبره، ولأنه أحرى أن لا تناله السباع وأبعد على من ينبشه، والمنصوص عن أحمد أن المستحب تعميقه إلى الصدر؛ لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم أعمقوا ليس فيه بيان لقدر التعميق، ولم يصح أنه أوصى بذلك في قبره، ولو صح عند أبي عبد الله يعني الإمام أحمد لم يعده إلى غيره-انتهى. وقالت الحنفية: يعمق إلى الصدر وإلا فالسرة. (وأحسنوا) أي إلى الميت في الدفن، قاله في الأزهار. وقال زين العرب تبعاً للمظهر: أي اجعلوا القبر حسناً بتسوية قعره ارتفاعاً وانخفاضاً وتنقيته من التراب والقذاة وغيرهما. (وأدفنوا الاثنين والثلاثة) بالنصب أي من الأموات. (في قبر واحد) فيه جواز الجمع بين جماعة في قبر واحد، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة، كما في مثل هذه الواقعة وإلا كان مكروهاً، كما ذهب إليه أبوحنيفة والشافعي وأحمد. (وقدموا أكثرهم قرآناً) أي إلى جدار اللحد ليكون أقرب إلى الكعبة، وفيه إرشاد إلى تعظيم المعظم علماً وعملاً حياً وميتاً. (رواه أحمد)(ج4ص19- 20) . (والترمذي) في الجهاد وصححه. (وأبوداود) في الجنائز، وسكت عنه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. (والنسائي) في الجنائز، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3ص413وج4ص34) . (وروى ابن ماجه) في الجنائز. (إلى قوله: أحسنوا) قال الحافظ في التلخيص بعد عزو حديث هشام هذا إلى أحمد وأصحاب السنن الأربعة ما لفظه: واختلف فيه على حميد بن هلال راويه عن هشام، فمنهم من أدخل بينه وبينه ابنه سعد بن هشام، ومنهم من أدخل بينهما أبا الدهماء ومنهم من لم يذكر بينهما أحداً، ورواه أحمد (ج5ص408) وأبوداود والبيهقي (ج3ص414) من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن
1718-
(12) وعن جابر، قال:((لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا القتلى إلى مضاجعهم)) .
ــ
رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه. إسناده صحيح-انتهى.
1718-
قوله: (جاءت عمتي) اسمها فاطمة بنت عمرو بن حرام الأنصارية. قال الحافظ في الإصابة: ثبت ذكرها في الحديث الصحيح من رواية شعبة عن ابن المنكدر عن جابر قال: لما قتل أبي جعلت أكشف التراب عن وجهه، والقوم ينهوني، فجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكيه-الحديث. وهذا لفظ رواية الطيالسي عن شعبة. (بأبي) الباء للتعدية. (لتدفنه في مقابرنا) أي في المدينة ليقرب على أقاربه زيارة قبره والدعاء له أو لفضل اعتقدته في الدفن بالبقيع. (ردوا) بضم الراء. (القتلى) جمع القتيل وهو المقتول أي الشهداء. (إلى مضاجعهم) كذا في جميع النسخ، وكذا وقع في جامع الأصول (ج11ص429) . والذي في جامع الترمذي: إلى مضاجعها، أي إلى محالهم التي قتلوا فيها، والمعنى لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم بل أدفنوهم حيث قتلوا، وهو يحتمل أن المراد منع النقل إلى أرض أخرى أو الدفن في خصوص البقعة التي قتلوا فيها، والله تعالى أعلم، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا قد نقلوا إلى المدينة، ورواه البيهقي بلفظ: لما كان يوم أحد حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، بعد ما حملت أمي أبي وخالي عديلين لتدفنهم في البقيع فردوا-انتهى. قال في الأزهار: الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: ردوا القتلى للوجوب، وذلك أن نقل الميت من موضع إلى موضع يغلب فيه التغير حرام، وكان ذلك زجراً عن القيام بذلك والإقدام عليه، وهذا أظهر دليل وأقوى حجة في تحريم النقل وهو الصحيح، نقله السيد. قال القاري. والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء؛ لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة ولم ينكروا كما تقدم، والأظهر أن يحمل النهي على نقلهم بعد دفنهم لغير عذر، ويؤيده لفظ مضاجعهم، لعل وجه تخصيص الشهداء قوله تعالى:{قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} [آل عمران: 154] وفيه حكمة أخرى، وهو اجتماعهم في مكان واحد حياة وموتاً وبعثاً وحشراً، ويتبرك الناس بالزيارة إلى مشاهدهم-انتهى كلام القاري. وقيل المنع من النقل كان في الابتداء أي ابتداء أحد، وأما بعده فلا، لما روي أن جابراً جاء بأبيه عبد الله الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع ودفنه بها. وقال الطيبي: لعل الظاهر أنه إذا دعت ضرورة إلى النقل نقل وإلا فلا. قال القاري: وهذا القول هو القول؛ لأنه لا يظن بجابر أنه ينقل بعد النهي عن أن ينقل-انتهى.
رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، والدارمي، ولفظه للترمذي.
1719-
(13) وعن ابن عباس، قال:((سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه)) .
ــ
قال الحافظ في الفتح: اختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل: يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل: يستحب، والأولى تنزيل ذلك على حالتين، فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة. وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل، كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها والله اعلم-انتهى. وقال ابن قدامة: يستحب دفن الشهيد حيث قتل. قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادفنوا القتلى في مصارعهم، فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الأوزاعي وابن المنذر. قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة. (وفي رواية البيهقي)(ج4ص57) بالحبشي على رأس أميال من مكة، فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك، ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز. وقال أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد آخر بأساً. وسئل الزهري عن ذلك فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة-انتهى. وعند الحنفية لا بأس بنقله قبل الدفن أو تسوية اللبن، قيل: مطلقاً، وقيل: إلى ما دون مدة السفر، وقيده محمد بقدر ميل أو ميلين؛ لأن مقابر البلد ربما بلغت هذه المسافة فيكره فيما زاد، وأما نقله بعد دفنه فلا يجوز مطلقاً إلا لعذر. قال في التجنيس: والعذر أن يظهر أن الأرض مغصوبة أو يأخذها شفيع. (رواه أحمد)(ج3ص297، 308) . (والترمذي) في الجهاد وصححه وأقر المنذري تصحيحه. (وأبوداود) في الجنائز وسكت عنه. (والنسائي) فيه. (والدارمي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه والبيهقي (ج4ص57) . (ولفظه) أي لفظ الحديث، والمراد هذا اللفظ. (للترمذي) قد تقدم أن في الترمذي: مضاجعها بدل قوله مضاجعهم. وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه البزار، قال الهيثمي (ج3ص43) : إسناده حسن.
1719-
قوله: (سلّ) بتشديد اللام على صيغة المجهول، في النهاية: هو إخراج الشيء بتأن ورفق وتدريج، أي جر بلطف. (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في القبر. (من قِبل رأسه) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهة رأسه وجانبه. قال السندي في حاشية ابن ماجه: السل بتشديد اللام الإخراج بتأن وتدريج، وهو بأن يوضع السرير في مؤخر القبر ويحمل الميت منه فيوضع في اللحد، وهذا هو المعمول به اليوم وهو الأسهل، وعن أصحابنا الحنفية: أنه يدخل
الميت القبر من قبل القبلة، فيوضع في اللحد فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ، والخلاف في الأفضل-انتهى. قلت: الأفضل عند الشافعي وأحمد والأكثرين هو إدخال الميت في القبر من قبل الرأس، بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ثم يدخل الميت القبر ويسل كذلك. واستدل لذلك بحديث ابن عباس هذا، وسيأتي الكلام فيه. وبما روى أبوبكر النجاد عن ابن عمر مثله، وبما روى أحمد كما في المغني وأبوداود والبيهقي من طريقه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن أبي إسحاق أن الحارث (الأعور) أوصى أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السنة، وقد سكت عنه أبوداود والمنذري والحافظ في التلخيص. وقال الشوكاني: رجال إسناده رجال الصحيح. وقال ابن الهمام: إسناده صحيح. وقال البيهقي إسناده صحيح، وهو كالمسند لقوله من السنة، وذكر الزيلعي كلام البيهقي هذا وأقره، وبما سيأتي من حديث أبي رافع قال: سلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبره ماء، وإسناده ضعيف كما ستعرف، وبما روى ابن شاهين في الجنائز عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الميت من قبل رجليه ويسل سلاً. قال الحافظ في الدراية: إسناده ضعيف، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح لكنه موقوف على أنس-انتهى. وعزا الهيثمي أثر أنس إلى أحمد وقال: رجاله ثقات، وبما روى ابن أبي شيبة أيضاً عن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر عن ابن عمر أنه أدخل ميتاً من قبل رجليه، وبما روى الطبراني في الكبير عن صفوان بن عمرو السكسكي قال: خرجنا في جنازة فإذا أهلها يدخلونها القبر من قبل القبلة فقال كرب اليحصى: قال النعمان بن بشير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن لكل بيت باباً، وباب القبر من تلقاء رجليه. قال الهيثمي: وفيه جماعة لم يعرفوا-انتهى. واختار أبوحنيفة أخذ الميت من قبل القبلة؛ لأن جانب القبلة معظم فيستحب الإدخال منه. واستدل له بحديث ابن عباس الذي يأتي بعد هذا، وهو حديث ضعيف وإن حسنه الترمذي؛ لأن مداره على الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس ولم يذكر سماعاً، وبما روي عن ابن عباس أيضاً قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر يدخلون الميت من قبل القبلة. رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الله بن خراش، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ وضعفه غيره: البخاري وأبوزرعة وأبوحاتم والدارقطني والنسائي وابن عدي الساجي، ورماه ابن عمار بالكذب. وبما روى ابن أبي شيبة أن علياً أدخل ابن المكفف من قبل القبلة، وأن ابن الحنفية أدخل ابن عباس من قبل القبلة، وبما روى ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من قبل القبلة واستل استلالاً، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف مدلس وقد عنعن. وبما روى ابن عدي في الكامل ومن طريقه البيهقي عن بريدة قال: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة-الحديث. وفيه أبوبردة عمرو بن يزيد التميمي الكوفي، وهو ضعيف في الحديث، وبما روى أبوداود في المراسيل وابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة ولم يسل سلاً. قال البيهقي: والذي ذكره الشافعي من أنه أدخل النبي صلى الله عليه وسلم من قبل رجلي القبر أشهر في أرض
رواه الشافعي.
1720-
(14) وعنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له بسراج، فأخذ من قبل القبلة، وقال: رحمك الله، إن كنت لأواهاً
ــ
الحجاز، يأخذه الخلف عن السلف فهو أولى بالإتباع والله اعلم. وقال الشافعي: ولا يتصور إدخاله من جهة القبلة لأن القبر في أصل الحائط، ذكره الزيلعي وسكت عنه. وأجاب عنه ابن الهمام بما لا يلتفت إليه، ثم قال ابن الهمام: ولو ترجح ما أسنده الشافعي فإنما كان للضرورة، وغاية فعل غيره أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك وقد وجدنا التشريع المنقول عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع خلافه. قلت: أراد به حديث ابن عباس الآتي، وهو ضعيف كما عرفت، على أنه فعل عارضه حديث عبد الله بن يزيد وهو حديث صحيح مسند على القول الصحيح وحديث أبي رافع، وحديث أنس، وحديث النعمان بن بشير، وهذه الأحاديث بعضها فعل وبعضها قول، فهي مقدمة على حديث ابن عباس، وأثر علي قد عارضه أثر أنس وأثر ابن عمر. (رواه الشافعي) في الأم (ج1ص242) : أخبرنا الثقة عن عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. قال الحافظ في التلخيص: قيل: إن الثقة هنا هو مسلم بن خالد الزنجي، قال الشافعي: وعن ابن جريج عن عمران بن موسى مرسلاً مثله، وعن بعض أصحابه عن أبي الزناد وربيعة وأبي النضر كذلك قال لا يختلفون في ذلك، وكذا أبوبكر وعمر من طريق الشافعي رواها البيهقي (ج4ص54) وقال: هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز. وقال الشافعي في الأم: هو من الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث-انتهى.
1720-
قوله: (دخل قبراً) أي قبر ميت ليدفنه. (ليلاً) فيه دليل على أن دفن الميت ليلاً لا يكره، وقد تقدم الكلام عليه. (فأسرج) ماض مجهول. (له) أي للميت أو للنبي صلى الله عليه وسلم. (بسراج) أقيم مقام الفاعل والباء زائدة. (فأخذ) كذا في جميع النسخ الحاضرة عندنا، وفي الترمذي فأخذه، وكذا نقله الجزري أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميت، قيل: هو عبد الله بن عبد نهم المزني ذو البجادين، دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في غزوة تبوك فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً. (من قبل القبلة) قال في الأزهار: احتج أبوحنيفة بهذا الحديث على أن الميت يوضع في عرض القبر في جانب القبلة بحيث يكون مؤخر الجنازة إلى مؤخر القبر، ورأسه إلى رأسه ثم يدخل الميت القبر. وقال الشافعي: والأكثرون يسل من قبل الرأس، بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ثم يدخل الميت القبر-انتهى. (إن كنت) إن مخففة من المثقلة أي أنك كنت. (لأواهاً) بتشديد الواو أي كثير التأوه من خشية الله. قال في النهاية: الأواه المتأوه المتضرع. وقيل: هو
تلاءً للقرآن)) رواه الترمذي، وقال في شرح السنة: إسناده ضعيف.
1721-
(15) وعن ابن عمر، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله)) وفي رواية:((وعلى سنة رسول الله)) . رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وروى أبوداود الثانية.
ــ
الكثير البكاء أو الكثير الدعاء. (تلاء) بتشديد اللام أي كثير التلاوة. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة والبيهقي كلهم من حديث المنهال بن خليفة عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس. قال الترمذي: حديث حسن. قال الزيلعي: وأنكر عليه (أي على الترمذي) ؛ لأن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ولم يذكر سماعاً. قال ابن القطان: ومنهال بن خليفة ضعفه ابن معين. وقال البخاري: فيه نظر-انتهى. (وقال) أي البغوي (في شرح السنة: إسناده ضعيف) يشير إلى كون الحجاج بن أرطاة والمنهال بن خليفة في سنده، والحجاج كثير الخطأ والتدليس، والمنهال ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان وغيرهم.
1721-
قوله: (كان إذا أدخل) روى مجهولاً ومعلوماً. (الميت) بالرفع أو النصب. (القبر) مفعول ثان. (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (بسم الله) أي وضعته أو وضع أو أدخله. (وبالله) أي بأمره وحكمه أو بعونه وقدرته. (وعلى ملة رسول الله) أي على طريقته ودينه. (وفي رواية وعلى سنة رسول الله) أي على طريقته وشريعته، والمراد بملة رسول الله وسنته واحد. قال الطيبي: قوله "أدخل" روى معلوماً ومجهولاً، والثاني أغلب، فعلى المجهول لفظ كان بمعنى الدوام، وعلى المعلوم بخلافه، لما روى أبوداود عن جابر قال: رأى نأس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وهو يقول: ناولوني صاحبكم فإذا هو بالرجل الذي يرفع صوته بالذكر. قال السندي: وفيه نظر؛ لأنه إذا فرض أنه يداوم عليه إذا أدخله شخص أي شخص كان فلأن يداوم عليه إذا أدخله هو بنفسه أوفى، بل أدخل بناء المفعول يشمل إدخاله أيضاً، فكيف يستقيم الدوام فيه إذا فرض عدم الدوام عند إدخاله بنفسه، وهذا ظاهر فليتأمل-انتهى. وقال ميرك: فيه أي في كلام الطيبي نظر؛ لأنه على تقدير المعلوم يحتمل الدوام أيضاً، وعلى تقدير المجهول يحتمل عدمه أيضاً كما لا يخفى. قال القاري: وفيه أن إدخاله عليه الصلاة والسلام الميت بنفسه الأشرف لم يكن دائماً بل كان نادراً لكن قوله: بسم الله يمكن أن يكون دائماً مع إدخاله وإدخال غيره تأمل-انتهى. (رواه أحمد)(ج2ص27، 41، 59، 69، 128) . (والترمذي) وحسنه. (وابن ماجه) أي كلهم الروايتين. (وروى أبوداود الثانية) أي الرواية الثانية وصنيع المصنف يدل على أن الحديث عند الأربعة كلهم فعلى، وفيه نظر فإن الإمام أحمد رواه فجعله حديثاً قولياً لا فعلياً، وكذا هو عند ابن حبان والحاكم والبيهقي وابن
1722-
(16) وعن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلاً ((أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعاً،
ــ
الجارود وابن أبي شيبة والطبراني. والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني والنسائي الوقف، ورجح غيرهما الرفع، وهو الصواب عندي، وارجع إلى نصب الراية (ج2ص301- 302) والتلخيص (ص164) وشرح المسند (ج7ص28) للشيخ أحمد شاكر. وفي الباب عن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله عليه وسلم: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} ، بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله -الحديث. أخرجه أحمد (ج5ص254) والحاكم (ج2ص348) والبيهقي. قال الحافظ في التلخيص (ص164) والهيثمي (ج3ص42) سنده ضعيف. وقال الذهبي: لم يتكلم عليه الحاكم وهو خبر واهٍ؛ لأن علي بن يزيد متروك، وعن واثلة عند الطبراني في الكبير، وفيه بسطام بن عبد الوهاب وهو مجهول، وعن عبد الرحمن بن اللجلاج عن أبيه عند الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي (ج3ص44) : رجاله موثقون، وعن أبي حازم مولى الغفاريين عن البياضي عند الحاكم.
1722-
قوله: (وعن جعفر) أي الصادق (بن محمد عن أبيه) أي محمد الباقر. (مرسلاً) ؛ لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحذف الصحابي، وغالب روايته عن جابر. (حثى) كرمى أي قبض التراب ورماه. (على الميت) المراد به الجنس. (ثلاث حثيات) أي حفنات. قال القاري: وروى أحمد بإسناد ضعيف أنه يقول مع الأولى: منها خلقناكم، ومع الثانية: وفيها نعيدكم، ومع الثالثة: ومنها نخرجكم تارة أخرى-انتهى. وقال الشوكاني: ويستحب أن يقول عند ذلك أي عند الحثى على الميت: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} ، ذكره أصحاب الشافعي-انتهى. والحديث الذي أشار إليه القاري لم أقف على مخرجه ولا على أنه من أين أخذ هذا الحديث، ولم أجد أحداً ذكره ولا يطمئن القلب بنقل القاري، فإنه ليس من أهل هذا الشأن. (بيديه جميعاً) قال ابن الملك: فالسنة لمن حضر الميت على رأس القبر أن يحثي التراب ويرميه في القبر بعد نصب اللبن، وروى البيهقي عن أبي أمامة قال: توفى رجل، فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها في قبر فغفرت له ذنوبه، وروى أبوالشيخ في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة مرفوعاً: من حثى على مسلم احتساباً كتب الله له بكل ثراة حسنة. قال الحافظ إسناده ضعيف، وفي الباب عن عامر بن ربيعة عند البيهقي والبزار والدارقطني قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلى عليه وكبر عليه أربعاً وحثي على قبره بيده ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه، وزاد البزار فأمر فرش عليه الماء، وعزاه الهيثمي إلى البزار، وقال: رجاله موثقون إلا أن شيخ البزار
وأنه رش على قبر ابنه إبراهيم، ووضع عليه حصباء)) رواه في شرح السنة، وروى الشافعي من قوله: رش.
1723-
(17) وعن جابر، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبور، وأن يكتب عليها،
ــ
ومحمد بن عبد الله لم أعرفه-انتهى. وعن أبي المنذر عند أبي داود في المراسيل، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه، ويأتي في الفصل الثالث، وعن علي وابن عباس عند البيهقي من فعلهما. (وأنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (رش) أي الماء. (على قبر ابنه إبراهيم) قال ابن الملك: ويسن حيث لا مطر رش القبر بماء بارد وطاهر طهور تفاؤلاً بأن الله يبرد مضجعه. وقال ابن قدامة: يستحب أن يرش على القبر ماء ليلتزق ترابه، ثم ذكر حديثي جابر وأبي رافع في رش القبر بماء، وقد ذكرهما المصنف وسيأتي الكلام فيهما. (ووضع عليها حصباء) بالمد الحصى الصغار، ففي القاموس: الحصباء الحصى، والحصى صغار الحجارة. وفي النهاية: الحصباء الحصى الصغار. قال ابن الملك: وهو يدل على أن وضع الحصا على القبر سنة. قال الشافعي فيما نقله البيهقي عنه: والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح. قال ابن التركماني في الجوهر: قد يكون بأعلى القبر تسطيع يسير يوضع فيه الحصباء ولا يخرجه ذلك عن كونه مسنماً باعتبار الغالب-انتهى. (رواه) أي صاحب المصابيح. (في شرح السنة وروى الشافعي من قوله: رش) أخرج الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد الأسلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً في حديثين أحدهما إلى جميعاً والآخر أنه رش على قبر ابنه الخ. وقدم حديث الرش على حديث حثي فجميع الحديث عند الشافعي، وهو خلاف ما قاله المصنف، وحديث الرش رواه البيهقي (ج3ص411) من طريق الشافعي. قال النيموي في آثار السنن (ج2ص125) بعد عزوه إلى الشافعي: إسناده مرسل جيد. وقال الحافظ في التلخيص (ص165) وروى أبوداود في المراسيل والبيهقي (ج3ص411) من طريق الدراوردي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه نحوه، وزاد: وأنه أول قبر رش عليه وقال بعد فراغه: سلام عليكم، ولا أعلمه إلا قال: حثا عليه بيديه، رجاله ثقات مع إرساله-انتهى. وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.
1723-
قوله: (أن يجصص القبور) بالتذكير في جمع النسخ، وفي الترمذي: تجصص بالتأنيث، وفي جامع الأصول (ج11ص434) أن يجصص القبر أي بالتذكير وبإفراد القبر. (وأن يكتب عليها) قال السندي نقلاً عن العراقي: يحتمل النهي عن الكتابة مطلقاً ككتابة اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته أو كتابة شيء
وأن توطأ)) رواه الترمذي.
1724-
(18) وعنه، قال: ((رُش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الذي رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة،
ــ
من القرآن وأسماء الله تعالى ونحو ذلك للتبرك؛ لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل. وقال الحاكم في المستدرك (ج1:ص370) بعد تخرج هذا الحديث: هذه الأسانيد صحيحة، وليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف. وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه لا نعلم صحابياً فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين ولم يبلغهم النهي-انتهى. وقال ابن حجر: وأخذ أئمتنا أنه يكره الكتابة على القبر سواء اسم صاحبه أو غيره في لوح عند رأسه أو غيره. وقال الشوكاني: فيه تحريم الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها، وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزه لا على وجه الزخرفة، قياساً على وضعه صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان وهو من التخصيص بالقياس، وقد قال به الجمهور، لا أنه قياس في مقابلة النص، كما قال في ضوء النهار. ولكن الشأن في صحة هذا القياس-انتهى. (وأن توطأ) أي بالأرجل والنعال لما فيه من الاستخفاف، قال في الأزهار: والوطء لحاجة كزيارة ودفن ميت لا يكره. قال القاري: في وطء للزيارة محل بحث-انتهى. قال الشوكاني: فيه دليل على تحريم وطء القبر. (رواه الترمذي) : وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي. قال الحافظ: وصرح بعضهم بسماع أبي الزبير عن جابر، وهو في مسلم بدون الكتابة. وقال الحاكم: الكتابة على شرط مسلم، وهي صحيحة غريبة. وفي رواية لأبي داود والنسائي "أو يزاد عليه"، وبوب عليه البيهقي (ج3:ص410) : لا يزاد في القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً. قال السندي: قوله: أو "يزاد عليه" بأن يزاد التراب على التراب الذي خرج منه، أو بأن يزاد طولاً وعرضاً عن قدر جسد الميت-انتهى.
1724-
قوله: (رش) بصيغة المجهول. (قبر النبي صلى الله عليه وسلم) قال الطيبي: لعل ذلك إشارة إلى استنزال الرحمة الإلهية والعواطف الربانية على القبر، كما ورد في الدعاء: اللهم اغسل خطاياه بالماء والثلج والبرد، أو إلى الدعاء بالطراوة وعدم الدروس. قال ميرك: ولعل الحكمة فيه أن القبر إذا رش بالماء كان أكثر بقاء وأبعد عن التناثر والاندراس-انتهى. وقال في اللمعات: وذلك لمصلحة رآها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة في رش قبر غيره صلى الله عليه وسلم التفاؤل باستنزال الرحمة وغسل الخطايا وتطهير الذنوب، وعلل أيضاً بأن يمسك تراب القبر عن الانتشار ويمنع من الدروس. (بلال بن رباح) بالرفع وقيل بالنصب. (بقربة) بكسر القاف. (بدأ) أي ابتدأ
بدأ من قبل رأسه حتى انتهى إلى رجليه)) . رواه البيهقي في دلائل النبوة.
1725-
(19) وعن المطلب أبي بن وداعة، قال: ((لما مات عثمان بن مظعون، أخرج بجنازته فدفن،
ــ
في الرش. (من قبل رأسه) من شقه الأيمن لشرفه واستمر. (حتى انتهى إلى رجليه) ظاهره أنه مرة، ويحتمل مراراً. وفيه دليل على مشروعية الرش على القبر، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبوحنيفة وغيرهم. (رواه البيهقي في دلائل النبوة) وأخرجه أيضاً في السنن الكبرى (ج3:ص411) من طريق الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله، والكلام في الواقدي معروف. وفي الباب عن عامر بن ربيعة وعائشة، وقد تقدما في شرح حديث جعفر بن محمد عن أبيه. وروى سعيد بن منصور والبيهقي (ج3:ص411) من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً: أن الرش على القبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1725-
قوله: (وعن المطلب) بتشديد الطاء. (بن أبي وداعة) بفتح الواو القرشي السهمي، واسم أبي وداعة الحارث بن صُبَيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، وأم المطلب بن أبي وداعة أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، صحابي أسلم يوم فتح مكة، ثم نزل الكوفة، ثم نزل بعد ذلك المدينة، وله بها دار، وبقي دهراً ومات بها، روى عنه أهل المدينة، اعلم أن هذا الحديث رواه أبوداود. (ومن طريقه البيهقي ج3:ص412) ولم ينسب المطلب راويه، وكذا في المصابيح وقع غير منسوب. وذكره الجزري في جامع الأصول (ج11:ص435) منسوباً إلى عبد الله، والمصنف جعله منسوباً إلى أبي وداعة، وأخطأ في ذلك، فإن الحديث من رواية المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي المدني وهو تابعي صدوق، وليس من رواية المطلب بن أبي وداعة الصحابي. قال ميرك: قال الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح، والسلمي في تخريجه: رواه أبوداود من حديث المطلب بن عبد الله المدني، وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، وهو تابعي يروي عن أبي هريرة وعائشة وابن عمر وابن عباس، ففي الحديث إرسال، وهو الظاهر من السياق حيث قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره، والدليل على خطأ ما وقع في المشكاة ما رواه ابن سعد في الطبقات قال: حدثنا محمد بن عمر حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما مات عثمان بن مظعون دفن بالبقيع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فوضع عند رأسه، وقال: هذا علامة قبره يدفن إليه يعني من مات بعده-انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص166) : رواه أبوداود من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب وليس صحابياً، ولكنه قد بين أن مخبراً أخبره به ولم يسمه، ولا يضر إبهام الصحابي-انتهى. فالحديث موصول، وليس بمرسل، كما توهم ميرك. (عثمان) تقدم ترجمته. (بن مظعون) بالظاء المعجمة. (أخرج بجنازته) كأنه من باب حذف
أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حملها، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي)) . رواه أبوداود.
ــ
العاطف، أي وأخرج جنازته وقوله:(أمر النبي صلى الله عليه وسلم) جواب "لما" كذا قيل: والأظهر أن جواب "لما" هو "أخرج" لوقوعه في محله "وأمر" حذف عاطفه، ويدل عليه ما في بعض نسخ السنن لأبي داود فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ذكره الحافظ في التلخيص، والجزري في جامع الأصول (ج11ص435) . (بحجر) أي كبير لوضع العلامة. وفي حديث أنس: أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة. (فلم يستطع) أي ذلك الرجل وحده. (حملها) قال ابن الملك: تأنيث الضمير على تأويل الصخرة. وفي بعض نسخ أبي داود "حمله" بتذكير الضمير، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول، والحافظ في التلخيص. (فقام إليها) أي الصخرة. (وحسر) أي كشف الثوب. (عن ذراعيه) بكسر الذال أي ساعديه. (ثم حملها) أي الصخرة وحده. (فوضعها عند رأسه) أي رأس قبر عثمان. (أعلم) مضارع متكلم من الإعلام. (بها) أي أعلم الناس بهذه الصخرة. وفي جامع الأصول: أتعلم أي من العلم. (قبر أخي) سماه أخاً لأخوة الإسلام تعظيماً له أو لقرابة، فإنه كان قرشياً، أو لأنه أخوه من الرضاعة، وهو الأصح، قاله القاري. (وأدفن إليه) أي إلى قربه. وقال الطيبي: أي أضم إليه في الدفن. (من مات من أهلي) قيل: أول من ضم إليه إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أن وضع العلامة على القبر، كنصب حجر أو نحوه ليعرفه الناس سنة، وكذلك دفن بعض الأقارب بقرب بعض. (رواه أبوداود) وأخرجه البيهقي من طريقه. قال المنذري: في إسناده كثير بن زيد مولى الأسلميين، وقد تكلم فيه غير واحد. وقال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب وهو صدوق، وقد بين المطلب أن مخبراً أخبره به ولم يسمه، ولا يضر إبهام الصحابي، ورواه ابن ماجه وابن عدي مختصراً من طريق كثير بن زيد أيضاً عن زينب بنت نبيط عن أنس. قال أبوزرعة: هذا خطأ، وأشار إلى أن الصواب رواية من رواه عن كثير عن المطلب، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بإسناد آخر فيه ضعف، ورواه الحاكم في المستدرك (ج3ص190) في ترجمة عثمان بن مظعون بإسناد آخر فيه الواقدي من حديث أبي رافع فذكر معناه-انتهى.
1726-
(20) وعن القاسم بن محمد، قال:((دخلت على عائشة، فقلت: يا أماه! اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء)) . رواه أبوداود.
1727-
(21) وعن البراء بن عازب، قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة،
ــ
1726-
قوله: (وعن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. (يا أماه) بسكون الهاء وهي عمته، لكن قال: يا أماه لأنها بمنزلة أمه، أو لكونها أم المؤمنين. ووقع في جامع الأصول (ج11ص 394) يا أمه، أي بحذف الألف وسكون الهاء. (اكشفي لي) أي أظهري وارفعي الستارة. (وصاحبيه) أي ضجيعية، وهما أبوبكر الصديق وعمر رضي الله عنهما. (لا مشرفة) أي مرتفعة غاية الارتفاع، وقيل: أي عالية أكثر من شبر. (ولا لاطئة) بالهمزة والياء أي لازقة ولاصقة بالأرض. وقال القاري: أي مستوية على وجه الأرض، يقال: لطأ بالأرض أي لصق بها. (مبطوحة) صفة لقبور أي مفروشة. (ببطحاء العرصة) أي برمل العرصة وحصاها وهي موضع. وقال الطيبي: العرصة جمعها عرصات. وهي كل موضع واسع لا بناء فيه. والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والمراد بها هنا الحصى لإضافتها إلى العرصة. (الحمراء) صفة للبطحاء أو العرصة. والحديث قد استدل به للشافعي ومن وافقه على أن تسطيح القبر أفضل من تسنيمه، وقد سبق بسط الكلام وتحقيقه في شرح حديث سفيان التمار. (رواه أبوداود) وأخرجه الحاكم (ج1ص369) والبيهقي (ج4ص3) وزاد: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً، وأبابكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم. وفي صفة القبور الثلاثة اختلاف كثير بسطها السمهودى في الفصل الحادي والعشرين من الباب الرابع من كتابه "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى"(ص550- 556) ، فعليك أن تراجعه. وحديث القاسم هذا سكت عنه أبوداود والمنذري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
1727-
قوله: (في جنازة رجل من الأنصار) لم أقف على تسميته. (فانتهينا) أي فوصلنا. (ولما يلحد) بصيغة المجهول. وفي النسائي: ولم يلحد، وكذا في بعض نسخ أبي داود، وليست هذه الجملة عند ابن ماجه. (بعد) أي لم يفرغ من حفر اللحد بعد مجيئنا. (فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة) فيه دليل على استحباب استقبال القبلة في
وجلسنا معه) رواه أبوداود، والنسائي، وابن ماجه، وزاد في آخره: كأن على رؤسنا الطير.
1728-
(22) وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كسر عظم الميت ككسره حياً)) رواه مالك، وأبوداود، وابن ماجه.
ــ
الجلوس لمن كان منتظراً دفن الجنازة. (وجلسنا معه) هذا لفظ أبي داود، وللنسائي: وجلسنا حوله. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والنسائي وابن ماجه) قال الشوكاني: رجال إسناد هذا الحديث رجال الصحيح على كلام في المنهال بن عمرو وشيخه زاذان. قلت: تقدم هذا الحديث مطولاً في "باب ما يقال عند من حضره الموت" في الفصل الثالث منه، وسبق الكلام فيه هناك مفصلاً. (وزاد) أي ابن ماجه، وفي بعض النسخ "وزادا" بلفظ التثنية، وهو الراجح، فإن الزيادة المذكورة عند النسائي أيضاً. (كأن على رؤسنا الطير) تقدم معناه.
1728-
قوله: (كسر عظم الميت) قال السيوطي في حاشية أبي داود في بيان سبب الحديث: عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظماً ساقاً أو عضداً، فذهب ليكسره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تكسرها، فإن كسرك إياها ميتاً ككسرك إياها حياً، ولكن دسه في جانب القبر. (ككسره) أي العظم. (حياً) يعني في الإثم، كما في رواية القضاعي، وكذا في حديث أم سلمة عند ابن ماجه. قال الطيبي: إشارة إلى أنه لا يهان ميتاً كما لا يهان حياً. وقال الباجي: يريد أن له من الحرمة في حال موته مثل ما له منها حال حياته، وأن كسر عظامه في حال موته يحرم كما يحرم كسرها حال حياته، قال: ولا يتساويان في القصاص وغيره، وإنما يتساويان في الإثم. قال الزرقاني: الاتفاق على حرمة فعل ذلك به في الحياة والموت لا في القصاص والدية، فمرفوعان عن كاسر عظم الميت إجماعاً-انتهى. وكذا قال الطحاوي في مشكله. وحاصله أن عظم الميت له حرمة مثل ما لعظم الحي من الحرمة، فكان كاسره في انتهاك الحرمة ككاسر عظم الحي لكن لا حياة فيه، فينتفى القصاص والأرش لأنعدام المعنى الذي يوجبه وهو الحياة-انتهى. ويحتمل أن الميت يتألم كما يتألم الحي. ويؤيده ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته. قال ابن عبد البر: يستفاد منه أن الميت يتألم بجميع ما يتألم به الحي، ومن لازمه أن يستلذ بما يستلذ به الحي. (رواه مالك وأبوداود وابن ماجه) الحديث أخرجه مالك موقوفاً من قول عائشة أنه بلغه أنها كانت تقول: كسر عظم الميت ميتاً ككسره وهو حي. قال ابن عبد البر: كذا الأكثر الرواة، ولبعضهم مالك عن أبي الرجال عن عائشة موقوفاً، ولا أعلم أحداً رفعه عن مالك-انتهى. وأخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي مرفوعاً، وسكت عنه أبوداود والمنذري، وحسنه ابن القطان. وقال ابن دقيق العيد والحافظ في بلوغ المرام: إنه على شرط مسلم،