المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم صبر، عوضته منهما الجنة يديد عينيه)) رواه البخاري. ‌ ‌((الفصل الثاني)) 1564- - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ثم صبر، عوضته منهما الجنة يديد عينيه)) رواه البخاري. ‌ ‌((الفصل الثاني)) 1564-

ثم صبر، عوضته منهما الجنة يديد عينيه)) رواه البخاري.

((الفصل الثاني))

1564-

(29) عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يعود مسلماً غدوة

ــ

الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات روية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه (ثم صبر) قال الطيبي: ثم ههنا لتراخي الرتبة. وفي البخاري: فصبر أي بالفاء يدل ثم، وزاد الترمذي وابن حبان في روايتهما عن أبي هريرة واحتسب، وكذا لابن حبان من حديث ابن عباس أيضاً. قال الحافظ: والمراد أنه يصبر مستحضراً ما وعد الله به الصابر من الثواب لا أن يصبر مجرداً عن ذلك، لأن الأعمال بالنيات، وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه، بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة فإذا تلقى ذلك بالرضاء تم له المراد، وإلا يصبر كما جاء في حديث سلمان: أن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وأن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل أخرجه البخاري في الأدب المفرد (وابن أبي شيبة) موقوفاً (عوضته منهما) أي بدلهما أو من أجل فقدهما (الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب أو منازل مخصوصة فيها، وقال الحافظ: هذا أعظم العوض، لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقاءها، وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور، ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت، فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في وقوع البلاء فيفوض ويسلم، وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة، ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود. وورد في حديث أنس (الآتي في باب البكاء على الميت) إنما الصبر عند الصدمة الأولى، وقد وقع في حديث العرباض بن سارية فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه: إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثواباً دون الجنة، إذا هو حمدني عليهما ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق، وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يراد في رفع الدرجات- انتهى. (يريد) أي النبي صلى الله عليه وسلم بحبيبتيه (عينيه) قال القاري: والظاهر أن هذا التفسير من أنس. وقال الحافظ: قد فسرهما آخر الحديث بقوله: يريد عينيه، ولم يصرح بالذي فسرهما (رواه البخاري) في المرضى، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي في الزهد، والبيهقي (ج3:ص375) وفي الباب عن جماعة من الصحابة ذكرها أحاديثهم المنذري في الترغيب، والهيثمي في مجمع الزوائد.

1564-

قوله: (غدوة) بضم الغين ما بين صلاة الغداوة وطلوع الشمس، كذا قاله ابن الملك. والظاهر

ص: 244

إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة)) رواه الترمذي، وأبوداود.

1565-

(30) وعن زيد بن أرقم، قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني.

ــ

أن المراد به أول النهار ما قبل الزوال (إلا صلى عليه) أي دعا له بالمغفرة (حتى يمسى) بضم التحتية من الإمساء، أي يدخل في المساء. وقال القاري: أي يغرب بقرينة مقابلته (وإن عاده) إن نافية بدلالة إلا ولمقابلتها ما (عشية) أي ما بعد الزوال أو أول الليل (وكان له) أي للعائد (خريف) أي بستان. وهو في الأصل الثمر المجتنى أو مخروف من ثمر الجنة، فعيل بمعنى مفعول، قاله القاري. وقال الجزري: الخريف الثمر الذي يخترف أي يجنى ويقطف، فعيل بمعنى مفعول (رواه الترمذي وأبوداود) في الجنائز، واللفظ للترمذي. قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن. وقد روى عن علي هذا الحديث من غير وجه ومنهم من وقفه ولم يرفعه- انتهى. قال المنذري في الترغيب. بعد إيراد الحديث ونقل كلام الترمذي. ما لفظه: ورواه أبوداود موقوفاً على علي، ثم قال وأسند هذا عن علي من غير وجه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه مسنداً بمعناه. ولفظ الموقوف: ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسى، وكان له خريف في الجنة، ورواه بنحو هذا أحمد وابن ماجه مرفوعاً، وزادا في أوله إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة- الحديث. وليس عندهما خريف في الجنة، ورواه ابن حبان في صحيحه مرفوعاً أيضاً. ولفظه: ما من مسلم يعود مسلماً إلا يبعث إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه في أي ساعات النهار حتى يمسى وفي أي ساعات الليل حتى يصبح. ورواه الحاكم مرفوعاً بنحو الترمذي وقال صحيح على شرطهما- انتهى. قلت: في سند الترمذي ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف روى البخاري في الكبير والصغير عن الثوري قال: كان ثوير من أركان الكذب. ولعل الترمذي حسنه لتعدد طرقه، فقد رواه أحمد بطرق أخرى (ج1:ص81-97-118-121) مرفوعاً وموقوفاً، وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة (ج4:ص73) ، والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً (ج3:ص380-381) .

1565-

قوله: (عادني النبي صلى الله عليه وسلم من وجع) أي من رمد، كما في رواية أحمد، وفي حديث أنس عند الحاكم (كان بعيني) بفتح النون وتشديد الياء. قال ابن الملك: هذا يدل على أن من به وجع يجلس لأجله في بيته ولم يقدر أن يخرج منه فعيادته سنة. وقال في الأزهار: فيه بيان استحباب العيادة وإن لم يكن المرض مخوفاً

ص: 245

رواه أحمد، وأبوداود.

1566-

(31) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسباً، بوعد من جهنم مسيرة ستين خريفاً)) رواه أبوداود.

ــ

كالصداع ووجع الضرس، وأن ذلك عيادة حتى يحوز بذلك أجر العيادة. وروى عن بعض الحنفية أن العيادة في الرمد ووجع الضرس خلاف السنة. والحديث يرده ولا أعلم من أين تيسر لهم الجزم بأنه خلاف السنة مع أن السنة خلافه نعوذ بالله من شرور أنفسنا. وقد ترجم عليه أبوداود في سننه، فقال "باب العيادة من الرمد" ثم أسند الحديث والله الهادي، ذكره ميرك. وأما ما أخرجه البيهقي والطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ثلاثة لا يعادون صاحب الرمد وصاحب الضرس وصاحب الدملة، ففيه مسلمة بن على الخشني البلاطي وهو ضعيف متروك. وقال الحافظ في الفتح: صحح البيهقي أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمة مسلمة المذكور. أخرج له العقيلي من رواية سعيد بن أبي مريم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي جعفر عن أبي هريرة رفعه: ثلاثة لا يعادون صاحب الرمد والضرس والدمل، قال ورواه بقية عن الأوزاعي عن ابن أبي كثير من قوله، وقال هذا أولى. قال أبوحاتم: هذا باطل منكر- انتهى. (رواه أحمد)(ج4 ص375)(وأبوداود) في الجنائز وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي (ج3 ص381) والحاكم (ج1 ص342) وقال صحيح على شرط الشيخين، قال: وله شاهد صحيح من حديث أنس بن مالك، فرواه بإسناده عن أنس قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم من رمد كان به، وقد وافقه الذهبي الحاكم على تصحيح الحديثين.

1566-

قوله: (فأحسن الوضوء) أي أتى به كاملاً (وعاد أخاه المسلم) قال الطيبي: فيه أن الوضوء سنة في العيادة، لأنه إذا دعا على الطهارة، كان أقرب إلى الإجابة. وقال زين العرب: ولعل الحكمة في الوضوء هنا أن العيادة عبادة، وأداء العبادة على وجه الأكمل أفضل (محتسباً) أي طالباً للأجر والثواب (بوعد) ماض مجهول من المباعدة والمفاعلة للمبالغة (خريفاً) أي عاماً سمي بذلك لاشتماله عليه إطلاقاً للبعض على الكل. والخريف في الأصل فصل بين الصيف والشتاء (رواه أبوداود) في الجنائز من طريق الفضل بن دلهم الواسطي البصري، وقد تفرد هو بزيادة الوضوء للعيادة. قال أبوداود فيما رواه أبوالحسن بن العبد عنه حديثه منكر، وليس هو برضي، كذا في تهذيب التهذيب. وقال المنذري: في إسناده الفضل بن دلهم. قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة حديثه صالح. وقال أحمد: لا يحفظ وذكر أشياء مما أخطأ فيها، وقال مرة ليس به بأس. وقال ابن حبان:

ص: 246

1567-

(32) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يعود مسلماً فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفى، إلا أن يكون قد حضر أجله)) رواه أبوداود، والترمذي.

1568-

(33) وعنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن يقولوا:

ــ

كان ممن يخطئ فلم يفحش خطأه حتى يبطل الاحتجاج به ولا اقتضى أثر العدول فيسلك به سننهم فهو غير محتج به إذا انفرد- انتهى.

1567-

قوله: (ما من مسلم) ما للنفي ومن زائدة (يعود مسلماً) أي يزوره في مرضه. ولفظ الترمذي: ما من عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله، ولفظ أبي داود من عاد مريضاً لم يحضر أجله (فيقول) أي العائد في دعاءه له (سبع مرات) هذا العدد من أسرار النبوة، فليس لأحد أن يطلب العلة لذلك أو يبحث عن السبب، وهكذا كل عدد يرد عن الشارع صلى الله عليه وسلم (أسأل الله العظيم) أي في ذاته وصفاته (أن يشفيك) بفتح أوله مفعول ثان (إلا شفى) على بناء المجهول أي ذلك المسلم المريض. والحصر غالبي أو مبني على شروط لابد من تحققه. ولفظ الترمذي: إلا عوفي. ولفظ أبي داود: إلا عافاه الله من ذلك المرض (إلا أن يكون قد حضر أجله) أي فلا ينفعه شيء كما قال الشاعر: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألقيت كل تميمة لا تنفع. ويمكن أن يهون الله عليه الموت ببركة هذا الدعاء (رواه أبوداود) في الجنائز (والترمذي) في الطب واللفظ الذي ذكره المصنف ليس للترمذي ولا لأبي داود. وقد ذكره الجزري في جامع الأصول (ج8:ص355) بلفظ أبي داود وعزاه للترمذي وأبي داود والحديث أخرجه أيضاً ابن السني في اليوم والليلة (ص174)، والحاكم (ج1:ص342) و (ج4:ص213) كلهم من طريق يزيد بن عبد الرحمن عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. والحديث قد حسنه الترمذي، وسكت عنه أبوداود، وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وقال المنذري: في إسناده يزيد بن عبد الرحمن أبوخالد الدالاني وقد وثقه أبوحاتم الرازي وتكلم فيه غير واحد- انتهى. قلت: وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم أيضاً عن طريق عبد ربه بن سعيد عن المنهال به. قال الحاكم: هذا شاهد صحيح غريب ووافقه الذهبي. والحديث أخرجه ابن حبان أيضاً كما في الترغيب.

1568-

قوله: (كان يعلمهم) أي أصحابه (من الحمى) أي من أجلها (أن يقولوا) أي المرضى أو عوادهم، وهذا لفظ ابن ماجه، وعند الترمذي وابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم (ج4:ص414) :

ص: 247

بسم الله الكبير، أعوذ بالله العظيم، من شر كل عرق نعار، ومن شر حز النار)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، لا يعرف إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل وهو يضعف في الحديث.

1569-

(34) وعن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له،

ــ

أن يقول أي المريض أو عائده (أعوذ بالله) كذا في الترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة ولفظ ابن السني والحاكم نعوذ بالله (من شر كل عرق) بكسر فسكون منوناً (نعار) بفتح النون وتشديد العين المهملة وبالراء المهملة أي الممتلى من الدم أو فوار الدم يقال: نعر العرق ينعر بالفتح فيهما إذا فار منه الدم استعاذ، لأنه إذا غلب لم يمهل. وقال الطيبي: نعر العرق بالدم إذا ارتفع وعلا وجرح نعار ونعور إذا صوت دمه عند خروجه. وقال القاضي أبوبكر ابن العربي في شرح الترمذي: النعار هو الذي يرتفع دمه ويزيد فيحدث فيه الحر. وفي رواية لابن ماجه: من شر عرق يعار بفتح المثناة التحتية وتشديد العين المهملة أي صوات بخروج الدم. وأصل اليعار صوت الغنم يقال: يعرت العنز تيعر بالكسر يعاراً بالضم أي صاحت (ومن شر حر النار) فمن قال ذلك ولازمه بنية صادقة نفعه من جميع الآلام والأسقام. وفي الحديث إشارة إلى أن الحمى تكون من فوران الدم في البدن، وأنها نوع من حر النار. وقد وردت أحاديث في أن الحمى من فيح النار، وأنها تبرد بالماء (رواه الترمذي) في الطب، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1:ص299) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص181) ، وابن ماجه في الطب، والحاكم (ج4:ص414) ، وابن أبي شيبة والبيهقي في الدعوات الكبير، وابن أبي الدنيا (وقال) أي الترمذي (هذا حديث غريب لا يعرف) وفي الترمذي لا نعرفه (إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل) أي ابن أبي حبيبة الأنصاري الأشهلي (وهو يضعف في الحديث) ضعفه ابن معين والنسائي. وقال البخاري في التاريخ الكبير والضعفاء، وأبوحاتم: منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك الحديث ووثقه أحمد والعجلي. وقال الحربي: شيخ مدني صالح له فضل ولا أحسبه حافظاً. وقال ابن سعد: كان مصلياً عابداً صام ستين سنة، وكان قليل الحديث. وقال العقيلي: له غير حديث لا يتابع على شيء منها، ثم ضرب المثل بهذا الحديث. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد (ج4:ص257) بعد ذكر أقوال الجارحين: والظاهر عندي أن من تكلم فيه إنما تكلم في حفظه وفي خطئه في بعض ما يروي، ثم ذكر كلام الحربي وابن سعد والعقيلي المذكور، ثم قال: ومثل هذا لا يقل حديثه عن درجة الحسن- انتهى. قلت: وقال الحاكم بعد روايته: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيصه: إبراهيم قد وثقه أحمد.

1569-

قوله: (من اشتكى منكم شيئاً) أي من الوجع في جسده (أو اشتكاه) قال القاري: الضمير عائد

ص: 248

فليقل: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أغفرلنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك، على هذا الوجع، فيبرأ)) رواه أبوداود.

ــ

إلى شيئاً. وقيل: التقدير أي اشتكى إليه (ربنا الله) بالرفع فيهما على الابتداء والخبر (الذي في السماء) صفة وهو كقوله تعالى: {وهو الله في السماوات وفي الأرض} [الأنعام:3] وقوله: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} (تقدس إسمك) خبر بعد خبر أو استئناف. وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي تطهرت وتنزهت عما لا يليق بك. قال الطيبي: ربنا مبتدأ، الله خبره، الذي صفة مادحة عبارة عن مجرد العلو والرفعة، لأنه منزه عن المكان، ومن ثمة نزه اسمه عما لا يليق فيلزم منه تقديس المسمى بطريق الأولى (أمرك في السماء والأرض) أي نافذ وماض وجار (كما رحمتك) بالرفع على أن ما كافة مهيئة لدخول الكاف على الجملة (في السماء) أي لجميع من في السماء من الملائكة وأرواح الأنبياء والصلحاء. قال في الفائق: الأمر مشترك بين السماء والأرض، لكن الرحمة شأنها أن تخص بالسماء دون الأرض، لأنها مكان الطيبين المعصومين. قال ابن الملك: ولذلك أتى بالفاء الجزائية، فالتقدير إذا كان كذلك (فاجعل رحمتك في الأرض) أي لكل مؤمن من أهل الأرض، فالمراد الرحمة الخاصة المختصة بالمؤمنين، وإلا فالرحمة العامة شاملة للجميع. قال تعالى:{ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف:156](أغفر لنا حوبنا) بضم الحاء المهملة وفتحها أي ذنبنا وإثمنا. وقال الجزري: حوبنا بضم الحاء الإثم وبالفتح مثله. وقيل: إن الضم لغة أهل الحجاز، والفتح لغة تميم- انتهى. والمراد الذنب الكبير. وفي رواية الحاكم ذنوبنا يدل حوبنا (وخطايانا) أي صغائرنا أو المراد بالحوب العمد، وبالخطأ ضده (أنت رب الطيبين) أي الطاهرين من المعاصي. والإضافة تشريفية. خصوا بالذكر لشرفهم وفضلهم، وإلا فهو رب كل شيء من الخبيث والطيب، ولا ينسب إلى الله إلا الطيب. قيل هذا بمنزلة العلة لطلب المغفرة أي أغفرلنا آثامنا لنكون طاهرين من الذنوب مستحقين لتربيتك ورحمتك الخاصة (أنزل) بفتح الهمزة. وفي رواية الحاكم: فأنزل، وكذا نقله الجزري (ج7:ص351) عن أبي داود (رحمة) خاصة عظيمة (من رحمتك) الواسعة التي وسعت كل شيء. قال الطيبي: هذا إلى آخره تقرير للمعنى السابق (على هذا الوجع) بفتح الجيم أي المرض أو بكسر الجيم أي المريض (فيبرأ) بفتح الراء وضم الهمزة من البرء أي فهو يتعافى (رواه أبوداود) في الطب، وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1:ص344) والنسائي في الكبرى، كما في تلخيص المنذري وتهذيب التهذيب (ج3:ص392) : وأول حديث الحاكم عن فضالة بن عبيد. أن رجلين أقبلا يلتمسان الشفاء من البول فانطلق بهما إلى أبي الدرداء، فذكرا وجع اثنيهما له.

ص: 249

1570-

(35) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً أو يمشى لك إلى جنازة) رواه أبوداود.

ــ

فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اشتكى إلخ. وذكره الجزري في جامع الأصول (ج8:ص351) بلفظ: أتاه (أي أباالدرداء) رجل يذكر أن أباه أصابه الأسر وهو احتباس البول فعلمه رقية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكى أخ له فليقل إلخ. قال الجزري: ولم يذكر مجيء الرجل إليه وما قال له – انتهى. والحديث قد سكت عنه أبوداود، وفي سنده زيادة بن محمد الأنصاري. قال البخاري والنسائي وابن حبان وأبوحاتم: منكر الحديث. وقال الحاكم في المستدرك: هو شيخ من أهل مصر قليل الحديث. قال الذهبي في التلخيص: قال البخاري وغيره منكر الحديث.

1570-

قوله: (ينكأ) بفتح الياء في أوله وبالهمزة في آخره مجزوماً على جواب الأمر. وروى بالرفع أي فهو ينكأ (لك) أي لمرضاتك (عدوا) أي يجرحهم ويقتلهم. والمعنى يغزو في سبيك، يقال: نكأ القرحة ينكأ من باب فتح نكأ قشرها قبل أن تبرأ فنديت ونكأ العدو في العدو قتل فيهم وجرح أثخن. وقال في النهاية: أو ينكى لك عدواً من نكيت في العدو وأنكى إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك. وقد يهمز لغة، يقال نكأت القرحة أنكأها إذا قشرتها. وقال في جامع الأصول (ج7:ص574) (ينكأك عدواً) نكأت العدو في الغزو إذا أثرت فيه أثراً بيناً من قتل أو نهب أو غير ذلك- انتهى. ولا يخفى أن قول الجزري في النهاية يدل على أن ينكأ من المعتل، وقد يهمز فيفيد الضبط بالهمزة والياء، والهمزة ضعيف بالنسبة إلى الناقص، لكن نسخ المشكاة وأبي داود والمستدرك على كتابة بالألف وضبطه بالهمز على خلاف في رفعه وجزمه فلو كان من الناقص اليائي كما ذكره صاحب النهاية لكان يكتب بالياء. ثم رأيت القاموس ذكر في الناقص اليائي نكى العدو وفيه نكاية قتل وجرح والقرحة نكأها، وقال في المهموز: نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت والعدو نكأهم. وحاصل هذا أنهما لغتان، وأن الحديث من المهموز ورفعه أقوى لقوله: أو يمشي لك إلى جنازة. وقال الطيبي: ينكأ مجزوم على جواب الأمر، ويجوز الرفع أي فانه ينكأ (أو يمشي) بالرفع أي أو هو يمشي. قال ميرك: كذا ورد بالياء وهو على تقدير ينكأ بالرفع ظاهر، وعلى تقدير الجزم فهو وارد على قراءة من يتق ويصبر (لك) أي لأمرك وابتغاء وجهك أو لأجلك طلباً لرضاك وامتثالاً لأمرك (إلى جنازة) أي إلى إتباعها للصلاة لما جاء في رواية ابن السني والحاكم: إلى صلاة، وهذا توسع شائع. قال الطيبي: ولعله جمع بين النكاية وتشييع الجنازة، لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله، والثاني سعى في إيصال الرحمة إلى ولي الله- انتهى. (رواه أبوداود)

ص: 250

1571-

(36) وعن علي بن زيد، عن أمية أنها سألت عائشة عن قول الله عزوجل:{إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}

ــ

في الجنائز، وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً ابن السني في اليوم والليلة (ص175)، وابن حبان والحاكم (ج1:ص344) وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي.

1571-

قوله: (وعن علي بن زيد) هو علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، أصله من مكة وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان بضم الجيم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين، ينسب أبوه إلى جد جده. قال العجلي: لا بأس به. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث وإلى اللين ما هو. وقال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. وقال الساجي: كان من أهل الصدوق ويحتمل لرواية الجلة عنه، وليس يجرى مجرى من أجمع على ثبته، وضعفه آخرون، روى له مسلم مقروناً بغيره. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه (عن أمية) بالتصغير بنت عبد الله، ويقال أمينة وهي أم محمد إمرأة والد علي بن زيد بن جدعان وليست بأمه، ذكرها الذهبي في الميزان في فصل المجهولات. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: أمية بنت عبد الله عن عائشة وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان وقيل: عن علي عن أم محمد وهي إمرأة أبيه واسمها أمينة. ووقع في بعض النسخ من الترمذي عن علي بن زيد بن جدعان عن أمه وهو غلط، فقد روى علي بن زيد عن إمرأة أبيه أم محمد عدة أحاديث- انتهى. (إن تبدوا) أي إن تظهروا (ما في أنفسكم) أي ما في قلوبكم من السوء بالقول أو الفعل (أو تخفوه) أي تضمروه مع الإصرار عليه، إذ لا عبرة بخطور الخواطر. وقال الآلوسي في تفسيره (ج3:ص64) : (إن تبدوا) أي تظهروا للناس (ما في أنفسكم) أي ما حصل فيها حصولاً أصلياً بحيث يوجب اتصافها به كالملكات الرديئة والأخلاق الذميمة كالحسد والكبر والعجب والكفران وكتمان الشهادة (أو تخفوه) بأن لا تظهروه {يحاسبكم به الله} أي يجازيكم به يوم القيامة. وأما تصور المعاصي والأخلاق الذميمة فهو لعدم إيجابه اتصاف النفس به لا يعاقب عليه ما لم يوجد في الأعيان. وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم أي إن الله تعالى لا يعاقب أمتي على تصور المعصية، وإنما يعاقب على عملها، فلا منافاة بين الحديث والآية، ولا يشكل على هذا أنهم قالوا إذا وصل التصور إلى حد التصميم والعزم يؤاخذ به لقوله تعالى:{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة:225] لأنا نقول المؤاخذة بالحقيقة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان، وهو أيضاً من الكيفيات النفسية التي تلحق بالملكات ولا كذلك سائر ما يحدث في النفس- انتهى. {يحاسبكم به الله} أي

ص: 251

وعن قوله: {من يعمل سوء يجز به} فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها، فيفزع لها، حتى

ــ

يجازيكم بسركم وعلنكم أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم (وعن قوله) تعالى {من يعمل} ظاهراً وباطناً {سوء} أي صغيراً أو كبيراً {يجز به} أي في الدنيا والعقبى إلا ما شاء ممن شاء (فقالت) عائشة (ما سألني عنها) أي عن هذه المسألة (منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عنها (فقال هذه) إشارة إلى مفهوم الآيتين المسؤل عنهما أي محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال (معاتبة الله العبد) أي مؤاخذة العبد بما اقترف من الذنب (بما يصيبه) أي في الدنيا، وهو صلة معاتبة ويصح كون الباء سببية (من الحمى) وغيرها مؤاخذة المعاتب، وإنما خصت الحمى بالذكر، لأنها من أشد الأمراض وأخطرها. قال في المفاتيح: العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته، يعني ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة، بل معناها أنه يلحقهم بالجوع والعطش والمرض والحزن وغير ذلك من المكاره حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب. قال الطيبي: كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا صادرة عن مبدأ عناية ورحمة على ما هو معهود من ذي عاطفة وإشفاق على معطوف عليه يراقب أوقاته وأخواله وينبهه لطريق السعادة كلما ازورّ عن سواء الطريق يرده إليه لطفا وقهرا، فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول لها: لا تظني أن هذه المحاسبة مؤاخذة سخط وغضب وأنها مخصوصة بالآخرة إنما هي مؤاخذة عتاب يجرى بين المتعاتبتين، ولهذا جاء بصلة المعاتبة توضيحاً لها وتحقيقاً لمعناها في قوله: بما يصيبه من الحمى- انتهى. (والنكبة) بفتح النون أي المحنة وما يصيب الإنسان من حوادث الدهر (حتى البضاعة) بالجر عطفاً على ما قبلها وبالرفع على الابتداء، وهي بالكسر قطعة من المال تعين للتجارة والأصل فيها البضع وهو جملة من اللحم تبضع أي تقطع (يضعها في يد قميصه) أي كمه سمى باسم ما يحمل فيه، ووقع في بعض النسخ من الترمذي: في كم قميصه (فيفقدها) أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها لسقوطها أو أخذ سارق لها منه يقال فقدت الشيء أفقده فقداً أي طلبته بعد ما غاب قال الله تعالى: {ماذا تفقدون} [يوسف:71](فيفزع لها) أي يحزن لضياع البضاعة، فيكون كفارة، كذا قاله ابن الملك. وقال الطيبي: يعني إذا وضع بضاعة في كمه، ووهم أنها غابت فطلبها وفزع لذلك كفرت عنه ذنوبه، وفيه من المبالغة ما لا يخفى يقال فزع له أي تغير وتحول من حال إلى حال. قال في النهاية: يقال: فزعت لمجئ فلان إذا تأهبت له متحولاً من حال إلى حال (حتى) أي لا يزال يكرر

ص: 252

إن العبد ليخرج من ذنوبه، كما يخرج التبر الأحمر من الكير)) رواه البخاري.

1572-

(37) وعن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله تعالى عنه أكثر، وقرأ {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}

ــ

عليه تلك الأحوال حتى (إن العبد) بكسر الهمزة. وفي بعض النسخ بالفتح: وأظهر العبد موضع ضميره إظهاراً لكمال العبودية المقتضي للصبر والرضا بأحكام الربوبية. وقال الطيبي: كأنه قيل: يخرج عبدي ومن هو تحت عنايتي ولطفي (ليخرج من ذنوبه) بسبب الابتلاء (كما يخرج التبر) بالكسر أي الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنانير فإذا ضربا كانا عيناً. وفي رواية ابن أبي الدنيا: الذهب بدل التبر (من الكير) بكسر الكاف متعلق بيخرج (رواه الترمذي) في تفسير البقرة. وأخرجه أيضاً ابن جرير وابن أبي حاتم. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة- انتهى. قال ابن كثير وشيخه علي بن زيد بن جدعان ضعيف يغرب في رواياته، وهو يروي هذا الحديث عن إمرأة أبيه أم محمد أمية بنت عبد الله عن عائشة وليس عنها في الكتب سواه - انتهى.

1572-

قوله: (لا يصيب عبداً) التنوين للتنكير (نكبة) أي محنة وأذى والتنوين للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما بعدها عليها بالفاء وهو (فما فوقها) أي في العظم (أو دونها) أي في المقدار. وقال ابن حجر: فما فوقها في العظم أو دونها في الحقارة ويصح عكسه (إلا بذنب) أي يصدر من العبد (وما يعفو الله)"ما" موصولة أي الذي يغفره ويمحوه (أكثر) مما يجازيه (وقرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم {وما أصابكم} خطاب للمؤمنين، و "ما" شرطية أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط {من مصيبة} أي بليه وشدة {فبما كسبت أيديكم} أي كسبتم من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها {ويعفو عن كثير} أي من الذنوب فلا يعاقب عليها بمصيبة عاجلاً قيل وآجلاً. قال ابن كثير:{ويعفو عن كثير} أي من السيئآت فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} -انتهى. وهذا في المذنبين، وأما غيرهم فما يصيبهم في الدنيا يكون لرفع درجاتهم في الآخرة أو لحكم أخرى خفيت علينا. وأما الأطفال والمجانين فغير داخلين في الخطاب، لأنه للمكلفين، وبفرض دخولهم أخرجهم للتخصيص بأصحاب الذنوب فما يصيبهم من المصائب فهو لحكم خفية. وقيل: في مصائب الطفل رفع درجته ودرجة أبويه أو من يشفق عليه بحسن الصبر ثم أن المصائب قد تكون عقوبة على الذنب وجزاء عليه بحيث لا يعاقب عليه يوم القيامة، ويدل على ذلك ما رواه أحمد

ص: 253

رواه الترمذي.

1573-

(38) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا كان على طريقه حسنة من العبادة، ثم مرض، قيل للملك المؤكل به: أكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتى أطلقه، أو أكتفه إلى)) .

1574-

(39) وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ابتلى المسلم ببلاء في جسده، قيل للملك:

ــ

(ج1:ص85) وغيره من حديث علي قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير} ، وسأفسرها لك يا علي ما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله تعالى فمنه في الدنيا فالله سبحانه أكرم من أن يعود بعد عفوه، ولا استحالة في كون الدنيا دار تكليف ويقع فيها لبعض الأشخاص ما يكون جزاء له على ذنبه أي مكفراً له (رواه الترمذي) في تفسير سورة الشورى من طريق عبيد الله بن الوازع الكلابي عن شيخ من بني مرة عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى به، وعبيد الله وشيخه مجهولان وبلال بن أبي بردة قاضي البصرة كان ظلوماً، وذكره أبوالعرب الصقلي في الضعفاء، وابن حبان في الثقات، فالحديث ضعيف، وله شاهد من حديث علي عند أحمد وغيره، وتقدم لفظه وفيه: أزهر بن راشد الكاهلي وهو ضعيف، ويؤيده حديث معاوية عند أحمد (ج4:ص98) وابن أبي شيبة (ج4:ص71) وحديث أبي سعيد، وحديث ابن مسعود المتقدمان في الفصل الأول.

1573-

قوله: (وعن عبد الله بن عمرو) بالواو (إن العبد إذا كان على طريقه حسنة) أي على جهة المتابعة الشرعية (من العبادة) أي نوع من أنواعها من النوافل بعد قيامه بالفرائض (ثم مرض) ولم يقدر على تلك العبادة (قيل) أي قال الله تعالى، كما في رواية، ودل عليه قوله: هنا حتى أطلقه (إذا كان طليقاً) أي مطلقاً من المرض الذي عرض له غير مقيد به من أطلقه إذا رفع عنه القيد أي إذا كان صحيحاً لم يقيده المرض عن العمل، كذا ذكره ميرك (حتى أطلقه) بضم الهمزة أي أكتب إلى حين أرفع عنه قيد المرض (أو أكفته إلى) بفتح الهمزة وكسر الفاء بعدها تاء مثناة فوق أي أضمه إلى وأقبضه. قال في النهاية: أي أضمه إلى القبر، وكل ضممته إلى شيء فقد كفته، ومنه قيل للأرض كفأت. وقال المظهر: أي أميته. قيل: الكفت الضم والجمع وهنا مجاز عن الموت.

1574-

قوله: (إذا ابتلى المسلم ببلاء في جسده قيل للملك) وذكره الحافظ في الفتح، والمنذري في

ص: 254

أكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه)) رواهما في شرح السنة.

1575-

(40) وعن جابر بن عتيك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهادة سبع، سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد،

ــ

الترغيب، والهيثمي في مجمع الزوائد نقلاً عن أحمد بلفظ: إذا ابتلى الله عزوجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عزوجل للملك: أي صاحب يمينه، وهو كاتب الحسنات (أكتب له صالح عمله) أي مثله (الذي كان يعمل) قال القاري: الظاهر من الحديث أنه يكتب له نفس العمل، وقيل ثوابه، والأول أبلغ فانه يشمل التضاعف (فإن شفاه) الله عزوجل (غسله) بالتشديد ويخفف أي نظفه (وطهره) من الذنوب؛ لأن المرض كفرها، والواو تفسيرية أو تأكيدية (وإن قبضه) أي أمر بقبضه وأماته (غفر له) من السيئآت (ورحمه) بقبول الحسنات أو تفضل عليه بزيادة المثوبات (رواهما) أي روى صاحب المصابيح الحديثين السابقين (في شرح السنة) الحديث الأول أخرجه أيضاً عبد الرزاق وأحمد (ج2:ص203-205) والبيهقي (ج3:ص374) قال المنذري: إسناده حسن. وقال الهيثمي (ج2:ص303) إسناده صحيح، وأخرج أيضاً نحوه أحمد (ج2:ص159-194-198) والدارمي وابن أبي شيبة والبزار والطبراني والحاكم (ج1:ص348) وصححه. والحديث الثاني أخرجه أيضاً أبويعلى وأحمد وابن أبي شيبة (ج4:ص72) قال المنذري، والهيثمي: رجاله ثقات، وذكره الحافظ في الفتح، وسكت عنه.

1575-

قوله: (وعن جابر بن عتيك) بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة الفوقية. قال الحافظ في التقريب: جابر بن عتيك بن قيس الأنصاري صحابي جليل، اختلف في شهوده بدراً مات سنة (61) وهو ابن (91) سنة (الشهادة) أي الحكمية (سبع سوى القتل في سبيل الله) أي غير الشهادة الحقيقية، وقد تقدم أن العدد ليس للحصر (المطعون شهيد) قال الطيبي: هو إلى آخره بيان للسبع بحسب المعنى (والغريق) بالياء، وفي رواية: الغرق بفتح فكسر بلا ياء (وصاحب ذات الجنب) قال في النهاية: ذات الجنب الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الدبيلة إلا أن ذو للمذكر وذات للمؤنث وصارت ذات الجنب علماً لها وإن كانت في الأصل صفة مضافة- انتهى. وقال في جامع الأصول (ج3:ص376) : ذات الجنب دمل أو قرحة تعرض في جوف الإنسان تنفجر إلى داخل فيموت صاحبها وقد تنفجر إلى خارج. وقال القاري: هي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع

ص: 255

وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد)) رواه مالك، وأبوداود والنسائي.

1576-

(41) وعن سعد، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل،

ــ

وذلك وقت الهلاك ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال وهي في النساء أكثر. وقال الحافظ ابن القيم: ذات الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي وغير حقيقي، فالحقيقي ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع، وغير الحقيقي ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقي إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقي ناخس، قال: ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض: وهي الحمى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النفس، والنبض المنشاري- انتهى (وصاحب الحريق) أي المحرق وهو الذي يموت بالحرق، وهذا لفظ أبي داود، وعند النسائي، وصاحب الحرق. قال السندي: بفتحتين النار وصاحب النار من قتله النار، وفي الموطأ: والحرق شهيد، وهو بفتح فكسر بمعنى من يموت حريفاً في النار (والذي يموت تحت الهدم) بفتح الدال أي البناء المهدوم يعني الذي وقع عليه بناء أو حائط فمات تحته (والمرأة تموت بجمع) قال الجزري: قيل هي التي تموت وفي بطنها ولد، وقيل التي تموت بكراً، والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخير بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة- انتهى (رواه مالك وأبوداود) في الجنائز واللفظ له (والنسائي) في الجنائز وفي الجهاد وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص446) وابن ماجه في الجهاد، وابن حبان والحاكم (ج1ص352) وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال النووي في شرح مسلم: هذا الحديث صحيح بلا خلاف وإن لم يخرجه الشيخان.

1576-

قوله: (وعن سعد) بن أبي وقاص (قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية لأحمد، والبيهقي، والحاكم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية ابن ماجه: قال: قلت يا رسول الله (أي الناس أشد) أي أكثر أو أصعب (بلاء) أي محنة ومصيبة بدليل السياق وإن كان البلاء يطلق على المنحة للاختبار أيضاً فيعطي بعض الناس الصحة والعلم والسعة ليختبر هل يقوم بشكر تلك النعمة (قال الأنبياء) أي هم أشد في الابتلاء، لأنهم يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء، ولأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية وليتوهن على الأمة الصبر على البلية، ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعاً والتجاء إلى الله تعالى (ثم الأمثل فالأمثل) أي الأفضل فالأفضل

ص: 256

يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاءه، وإن كان في دينه رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض ماله ذنب)) . رواه الترمذي. وابن ماجه، والدارمي،

ــ

على ترتيبهم في الفضل، فكل من كان أفضل فبلاءه أشد. قال الحافظ: الأمثل أفعل من المثالة، والجمع أماثل وهم الفضلاء. وقال الخطابي: الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم. وقال ابن الملك: أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة يعني من هو أقرب إلى الله بلاءه أشد ليكون ثوابه أكثر. قال الطيبي: ثم فيه للتراخي في الرتبة، والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلاً من الأعلى إلى الأسفل، واللام في الأنبياء للجنس. قال القاري: ويصح كونها للاستغراق إذ لا يخلو واحد منهم من عظيم محنة وجسيم بلية بالنسبة لأهل زمنه، ويدل عليه قوله (يبتلى) بالبناء للمفعول (الرجل) وفي رواية ابن ماجه، العبد (على حسب) بالتحريك (دينه) أي مقداره ضعفاً وقوة ونقصاً وكمالاً يعني بقدر قوة إيمانه وضعفه. قال الطيبي: الجملة بيان للجملة الأولى، واللام في الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية (فإن كان) تفصيل للابتلاء وقدره (في دينه صلباً) بضم فسكون أي قوياً شديداً، وهو خبر كان، واسمه ضمير راجع إلى الرجل، والجار متعلق بالخبر (اشتد بلاءه) أي كمية وكيفية (وإن كان) أي هو (في دينه رقة) أي ضعف ولين، والجملة خبر كان، ويحتمل أن يكون رقة اسم كان. قال الطيبي: جعل الصلابة صفة له والرقة صفة لدينه مبالغة وعلى الأصل. وقال القاري: وكان الأصل في الصلب أن يستعمل في الجثث، وفي الرقة أن تستعمل في المعاني، ويمكن أن يحمل على التفنن في العبارة- انتهى. (هون) على بناء المفعول أي سهل (عليه) أي البلاء، وفي رواية لأحمد: فإن كان في دينه صلابة زيد في بلاءه وإن كان في دينه رقة خفف عنه- انتهى. والسر في ذلك أن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت النعمة عليه أكثر فبلاءه أغزر (فما زال) أي الرجل المبتلى. قال الطيبي: الضمير راجع إلى اسم كان الأول (كذلك) أي أبدا يصيب الصالح البلاء ويغفر ذنبه بإصابته إياه (حتى يمشي على الأرض ماله) أي عليه (ذنب) كناية عن خلاصة من الذنوب فكأنه كان محبوساً ثم أطلق وخلى سبيله يمشي ما عليه بأس، ولفظ الحديث من قوله: هون عليه إلى آخره ليس لواحد ممن نسب إليه الحديث. والظاهر أن البغوي ذكر معنى آخر الحديث اختصاراً، ولفظ الترمذي: ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، وعند ابن ماجه: ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه من خطيئة، ونحوه في رواية لأحمد والحاكم والبيهقي، ولفظ الدارمي: فإن كان في دينه صلابة زيد صلابة وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ماله خطيئة، وفي رواية ابن حبان: فمن ثخن دينه اشتد بلاءه ومن ضعف دينه ضعف بلاءه إلخ (رواه الترمذي) في الزهد (وابن ماجه) في الفتن (والدارمي) في

ص: 257

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

1577-

(42) وعن عائشة، قالت: ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي، والنسائي.

1578-

(43) وعنها، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بالموت،

ــ

الرقاق، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص172، 174، 180، 185) والنسائي في الكبرى، وابن حبان والحاكم (ج1ص41) وابن أبي شيبة (ج4ص72) وابن أبي الدنيا، والبيهقي (ج1ص372)(وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح) وصححه أيضاً الحاكم، والبغوي في المصابيح، وله شاهد من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه، وابن أبي الدنيا، والحاكم (ج1ص40) والبيهقي (ج3ص372) بلفظ: قال الأنبياء قال ثم من قال العلماء قال ثم من قال الصالحون- الحديث. وليس فيه ما في آخر حديث سعد، وفي الباب أيضاً عن فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة عند أحمد (ج6ص369) والنسائي في الكبرى وقد صححه الحاكم (ج4ص404) وحسنه الهيثمي.

1577-

قوله: (ما أغبط) بكسر الباء يقال غبطت الرجل أغبطه إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله وأن يدوم عليه ما هو فيه أي ما أحسد (أحداً) ولا أتمنى ولا أفرح لأحد (بهون الموت) الهون بالفتح الرفق واللين أي بسهولة موت، والإضافة فيه إضافة الصفة إلى الموصوف، وفي جامع الأصول (ج11ص385) يهون عليه الموت (بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات وإلا لكان صلى الله عليه وسلم أولى الناس به فلا أكره شدة الموت لأحد ولا أغبط أحداً يموت من غير شدة (رواه الترمذي والنسائي) أي في الجنائز، واللفظ للترمذي أخرجه من طريق عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عن ابن عمر عن عائشة به، وقال: إنما أعرفه من هذا الوجه-انتهى. قال شيخنا: لم يحكم (الترمذي) عليه بشيء من الصحة والضعف، والظاهر أنه حسن- انتهى. ولفظ النسائي، وقد أخرجه من غير طريق الترمذي: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتني وذاقنتني ولا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في الفصل الأول من رواية البخاري، وسياق الكتاب نسبه النابلسي في ذخائر المواريث (ج4ص202) للترمذي فقط.

1578-

قوله: (وهو بالموت) أي مشغول أو ملتبس به، وفي رواية ابن ماجه: وهو يموت

ص: 258

وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه، ثم يقول:((اللهم اعني على منكرات الموت أو سكرات الموت)) . رواه الترمذي، وابن ماجه.

1579-

(44) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله تعالى بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه يوم القيامة)) .

ــ

(وعنده قدح) بفتحتين معروف (وهو يدخل) وعند ابن ماجه: فيدخل (ثم يمسح وجهه) أي بالماء كما في الترمذي وابن ماجه وسقط لفظ "بالماء" من نسخ المشكاة والمصابيح وكان صلى الله عليه وسلم يمسح تخفيفاً للحرارة أعنى ما سأل دفع تلك المكروهات عنه بل سأل الإعانة على حملها، ففيه أن ذاك خير لرفع الدرجات، قاله السندي. وقيل: أو دفعاً للغشيان وكربه (اللهم اعني على منكرات الموت أو سكرات الموت) قال القاري: قيل أو للشك، وبه جزم ابن حجر، ويحتمل أن تكون للتنويع، ويراد من منكرات الموت ما يقع من تقصير في تلك الحال من المريض أو وساوس الشيطان وخطراته وتزيين خطراته ومن سكرات الموت شدائده التي لا يطيقها المحتضر فيموت جزعاً فزعاً، والمطلوب أنه لا يموت إلا أنه مسلم ومسلم محسن للظن بربه، وفي هذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام لأمته- انتهى. قلت: هكذا وقع في المصابيح والمشكاة على منكرات الموت أو سكرات الموت، والذي في الترمذي على غمرات الموت وسكرات الموت، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج11ص385) قال في مجمع البحار: غمرات الموت شدائده. وقال في القاموس: غمرة الشيء شدته ومزدحمة ج غمرات وغمار- انتهى. وسكرات جمع سكرة بفتح السين وسكون الكاف وهي شدة الموت. قال سراج أحمد في شرح الترمذي: هو عطف بيان لما قبله، والظاهر أن يراد بالأولى الشدة وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة، وقال القاضي في تفسير قوله تعالى:{وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] أن سكرته شدته الذاهبة بالعقل-انتهى. (رواه الترمذي وابن ماجه) في الجنائز، وأخرجه أيضاً النسائي في اليوم والليلة، وفي سنده موسى بن سرجس، وهو مستور.

1579-

قوله: (عجل) بالتشديد أي أسرع (له بالعقوبة) أي الابتلاء بالمكاره (في الدنيا) ليخرج منها وليس عليه ذنب ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به والمنية عليه (أمسك) أي أخر (عنه) ما يستحقه من العقوبة (بذنبه) أي بسببه (حتى يوافيه) أي يجازيه جزاءً وافياً (به) أي بذنبه (يوم القيامة) قال الطيبي الضمير المرفوع راجع إلى الله تعالى. والمنصوب إلى العبد، ويجوز أن يعكس- انتهى. قال القاري: ولعل الموافاة حينئذ بمعنى الملاقاة قال: والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الآخرة متوافر الذنوب وافيها فيستوفي حقه من

ص: 259

1580-

(45) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عزوجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي، وابن ماجه.

1581-

(46) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة

ــ

العقاب - انتهى. قلت: وفي الترمذي حتى يوافي به أي بدون الضمير المنصوب أي حتى يأتي العبد بذنبه يوم القيامة ونقله الجزري هكذا "حتى يوافي يوم القيامة"(رواه الترمذي) في الزهد، وهو حديث حسن، وأخرجه الحاكم في الجنائز (ج1ص349) والحدود (ج4ص377) من حديث عبد الله بن مغفل وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

1580-

قوله: (إن عظم الجزاء) أي عظمة الأجر وكثرة الثواب (مع عظم البلاء) بكسر العين المهملة وفتح الظاء فيهما، ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن كان ابتلاءه أعظم فجزاءه أعظم (ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا (فمن رضي) أي بما ابتلاه الله به (فله الرضا) منه تعالى وجزيل الثواب. قال السندي: قوله: فمن رضي فله الرضا أي رضا الله تعالى عنه جزاء لرضاه أو فله جزاء رضاه، وكذا قوله فله السخط، ثم الظاهر أنه تفصيل لمطلق المبتلين لا لمن أحبهم فابتلاهم إذا الظاهر أنه تعالى يوفقهم للرضا فلا يسخط منهم أحد- انتهى. (ومن سخط) بكسر الخاء أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضاءه (فله السخط) منه تعالى وأليم العذاب {ومن يعمل سوء يجز به} ، والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه (رواه الترمذي) في الزهد بسند الحديث الذي قبله وقال: حديث حسن غريب (وابن ماجه) في الفتن، وفي الباب عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الرضا ومن جزع فله الجزع. أخرجه أحمد قال المنذري، والهيثمي: رواته ثقات، ومحمود بن لبيد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في سماعه منه.

1581-

قوله: (لا يزال) في الترمذي ما يزال، وكذا وقع في رواية الحاكم (ج4ص314) وهكذا نقله المنذري في الترغيب والجزري في جامع الأصول (ج11ص357) عن الترمذي نعم وقع في رواية أحمد والحاكم (ج1ص346) وابن أبي شيبة والبيهقي لا يزال (البلاء بالمؤمن) أي ينزل بالمؤمن الكامل (أو المؤمنة)

ص: 260

في نفسه وماله وولده، حتى يلقي الله تعالى وما عليه من خطيئة)) رواه الترمذي، وروى مالك نحوه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

1582-

(47) وعن محمد بن خالد السلمي، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

قال القاري: أو للتنويع، ووقع في أصل ابن حجر: بالواو فقال الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير أي في نفسه وماله وولده، وهو مخالف للنسخ المصححة والأصول المعتمدة يعني من المشكاة. قلت: وفي نسخ الترمذي الموجودة عندنا وقع بالواو وكذا في الترغيب للمنذري وجامع الأصول للجزري، وهكذا رواه البيهقي وابن أبي شيبة ووقع عند أحمد بلفظة "أو" (وولده) بفتح الواو واللام وبضم فسكون أي أولاده (حتى يلقي الله) أي يموت (وما عليه من خطيئة) وفي الترمذي: وما عليه خطيئة أي بحذف من، وهكذا في الترغيب وجامع الأصول، وكذا في رواية الحاكم (ج4ص314) ووقع عند أحمد والحاكم (ج1ص346) والبيهقي وابن أبي شيبة من خطيئة. قال القاري: بالهمز والإدغام أي وليس عليه سيئة لأنها زالت بسبب البلاء. وقال الباجي: يحتمل أن يريد أنه يحط لذلك عنه خطاياه حتى لا يبقى له خطيئة، ويحتمل أن يريد أنه يحصل له على ذلك من الأجر ما يزن جميع ذنوبه فيلقي الله تعالى وليس له ذنب يزيد على حسناته فهو بمنزلة من لا ذنب له وإنما هذا لمن صبر واحتسب، وأما من سخط ولم يرض بقدر الله تعالى فإنه أقرب إلى أن يأثم لتسخطه فيكثر بذلك سائر آثامه (رواه الترمذي) في الزهد، وأخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة (ج4ص71) والبزار والحاكم (ج1ص346ج4ص314، 315) والبيهقي (ج3ص374)(وروى مالك) في الجنائز (نحوه) أي بمعناه، ولفظه ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامته حتى يلقي الله وليست له خطيئة (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) وصححه أيضاً البغوي في المصابيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

1582-

قوله: (وعن محمد بن خالد السلمي) بضم السين وفتح اللام مجهول من طبقة كبار أتباع التابعين (عن أبيه) خالد وهو مجهول أيضاً من أوساط التابعين. قال الهيثمي: محمد بن خالد وأبوه لم أعرفهما (عن جده) أي جد محمد بن خالد، زاد في روايات من خرج حديثه هذا وكانت له (أي لجد محمد بن خالد) صحبة، يقال اسمه اللجلاج بجيمين وفتح اللام الأولى. زيد، ويكنى أباخالد. قال الحافظ في الأسماء من الإصابة: اللجلاج بن حكيم السلمي أخو الجحاف، ذكره ابن مندة وقال له صحبة عداده في أهل الجزيرة، وقال في الكنى منه أبوخالد السلمي جد محمد بن خالد، أورده البغوي في الكنى، وأورد من طريق أبي المليح عن محمد بن خالد

ص: 261

((إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله)) رواه أحمد، وأبوداود.

1583-

(48) وعن عبد الله بن شخير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع

ــ

السلمي عن أبيه عن جده وكانت له صبحة، فذكر حديثاً وسماه ابن مندة اللجلاج. وقال ابن الأثير: أبوخالد السلمي له صحبة سكن الجزيرة حديثه عند أولاده روى أبوالمليح عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث. وقال أخرجه ابن مندة وأبونعيم (إن العبد إذا سبقت له) أي في علم الله أو في قضاءه وقدره (من الله منزلة) أي مرتبة عالية في الجنة (لم يبلغها بعمله) لعجزه عن العمل الموصل إليها. قال القاري: وفيه دليل على أن الطاعات سبب للدرجات، قيل ودخول الجنة بفضل الله تعالى وإيمان العبد والخلود بالنية. وقال الطيبي: فيه إشعار بأن للبلاء خاصية في نيل الثواب ليس للطاعة ولذا كان الأمثل فالأمثل أشد بلاء (ابتلاءه الله في جسده أو في ماله أو في ولده) أو في الموضعين للتنويع باعتبار الأوقات أو بإختلاف الأشخاص (ثم صبره) بالتشديد أي رزقه الصبر (حتى يبلغه) الله بالتشديد، وقيل: بالتخفيف. قال الطيبي: "حتى" هذه إما للغاية وإما بمعنى كي، والمعنى حتى يوصله الله تعالى (المنزلة) أي المرتبة العليا (التي سبقت له) أي إرادتها (من الله) تعالى شأنه (رواه أحمد)(وأبوداود) في الجنائز وسكت عنه، قال في عون المعبود: والحديث ليس من رواية اللؤلؤي، ولذا لم يذكره المنذري في مختصره. وقال المزي في الأطراف: هذا الحديث في رواية ابن العبد وابن داسة، ولم يذكره أبوالقاسم- انتهى. وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3ص374) من طريق أبي داود وأبويعلى والطبراني في الكبير والأوسط. قال المنذري في الترغيب: محمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المليح الرقي ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد- انتهى. وله شاهد جيد من حديث أبي هريرة بلفظ: إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمله فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغها، وفي رواية يكون له عند الله المنزلة الرفيعة. أخرجه أبويعلى. قال الهيثمي: ورجاله ثقات، وابن حبان في صحيحه من طريقه وغيرهما.

1583-

قوله: (مثل) بضم الميم وتشديد المثلثة أي صور وخلق (ابن آدم) بالرفع نائب الفاعل، وقيل: مثل ابن آدم بفتحتين وتخفيف المثلثة، ويريد به صفته وحاله العجيبة الشأن، وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده أي الظرف وتسعة وتسعون مرتفع به أي حال ابن آدم أن تسعة وتسعين منية متوجهة إلى نحوه منتهية إلى جانبه، وقيل: خبره محذوف والتقدير مثل ابن آدم مثل الذي يكون إلى جنبه تسعة وتسعون منية، ولعل الحذف من بعض الرواة (وإلى جنبه) الواو للحال أي بقربه (تسع) وفي المصابيح: تسعة، وكذا في جامع الترمذي

ص: 262

وتسعون منية، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت)) . رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1584-

(49) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطي أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض))

ــ

(وتسعون) أراد به الكثرة لا الحصر (منية) بفتح الميم أي بلية مهلكة. وقال بعضهم: أي سبب موت (إن أخطأته المنايا) قال الطيبي: المنايا جمع منية، وهي الموت لأنها مقدرة بوقت مخصوص من المنى، وهو التقدير سمي كل بلية من البلايا منية لأنها طلائعها ومقدماتها- انتهى. أي أسباب الموت كثيرة متعددة كالأمراض والجوع والغرق والحرق والهدم وغير ذلك، فإن جاوزه واحد وقع في الآخر فإن جاوزه فرضاً الجميع مرة بعد أخرى (وقع في الهرم) قال في القاموس: الهرم محركة أقصى الكبر (حتى يموت) أي وقع في السبب الذي يفضى إلى الموت ولا محالة وهو الهرم. وقال بعضهم: يريد أن أصل خلقة الإنسان من شأنه أن لا تفارقه المصائب والبلايا والأمراض والأدواء كما قيل البرايا أهداف البلايا، وكما قال صاحب الحكم ابن عطاء: ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع إلا كدار فإن أخطأته تلك النوائب على سبيل الندرة أدركه من الأدواء الداء الذي لا دواء له وهو الهرم، وحاصله أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والمصائب كفارة لذنوبه، فينبغي للمؤمن أن يكون صابراً على حكم الله راضياً بما قدره الله تعالى وقضاه (رواه الترمذي) في أواخر القدر وقال: حديث حسن غريب، وأعاده في أواخر الزهد سنداً ومتناً، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ولعله صححه ههنا لشواهد رويت في ذلك والله اعلم. والحديث أخرجه أيضاً الضياء المقدسي في المختارة، كما في الجامع الصغير.

1584-

قوله: (يود) أي يتمنى (أهل العافية) أي في الدنيا (يوم القيامة) ظرف يود (حين يعطي) بالبناء للمفعول (الثواب) مفعول ثان أي كثيرا وبلا حساب لقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10](قرضت) بالتخفيف، ويحتمل التشديد للمبالغة والتأكيد أي قطعت (في الدنيا) قطعة قطعة (بالمقاريض) جمع المقراض ليجدوا ثواباً كما وجد أهل البلاء. قال الطيبي: الود محبة الشيء وتمنى كونه له، ويستعمل في كل واحد من المعنيين من المحبة والتمني، وفي الحديث هو من المودة التي هي بمعنى التمني وقوله لو أن إلخ منزلة مفعول يود كأنه قيل يود أهل العافية ما يلازم لو أن جلودهم كانت مقرضة في الدنيا وهو الثواب المعطي. قال ميرك: ويحتمل أن مفعول يود الثواب على طريق التنازع وقوله لو أن جلودهم حال أي متمنين أن جلودهم إلخ أو قائلين لو أن جلودهم على طريقة الالتفات من التكلم إلى الغيبة- انتهى. قلت: ورواه

ص: 263

رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1585 -

(50) وعن عامر الرام، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسقام، فقال: ((إن المؤمن إذا أصابه السقم، ثم عافاه الله عزوجل منه، كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي، كان كالبعير عقله أهله

ــ

البيهقي بلفظ: يود أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء (رواه الترمذي) في الزهد، وأخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا والبيهقي (ج3ص375) كلهم من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أبي الزبير عن جابر، وابن مغراء هذا صدوق تكلم في حديثه عن الأعمش. وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وابن أبي الدنيا من رواية عبد الرحمن بن مغراء، وبقية رجاله ثقات. وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وفيه رجل لم يسم. قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات، وفي الباب عن ابن عباس أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه مجاعة بن الزبير. قال الهيثمي (ج2ص305) وثقة أحمد وضعفه الدارقطني.

1585-

قوله: (وعن عامر الرام) بحذف الياء تخفيفاً كما في المتعال، ويقال الرامي لأنه كان ارمي العرب صحابي، روى له أبوداود وحده. قال الحافظ في تهذيبه: عامر الرام، وقيل: الرامي أخو الخضر بن محارب عداده في الصحابة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا ابتلى ثم عافاه الله كان كفارة لذنوبه- الحديث. وقال في الإصابة: عامر الرامي أخو الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين المحاربي من ولد مالك بن مطرف ابن خلف بن محارب وكان يقال لولد مالك الخضر لأنه كان شديد الأدمة وكان عامر رامياً حسن الرمي فلذلك قيل له الرامي (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسقام) جمع سقم أي الأمراض وثوابها (إذا أصابه السقم) بضم فسكون وبفتحتين أي المرض (ثم عافاه الله) من المعافاة وفي أبي داود أعفاه الله أي من الإعفاء، وكذا في الترغيب للمنذري وجامع الأصول للجزري (ج5ص277) يقال أعفا الله فلاناً أي عافاه وأعفاه من الأمر برأه (منه) أي من ذلك السقم (كان) أي السقم (وموعظة له) أي تنبيهاً للمؤمن فيتوب ويتقي (فيما يستقبل) من الزمان. قال الطيبي: أي إذا مرض المؤمن ثم عوفي تنبه وعلم أن مرضه كان مسبباً عن الذنوب الماضية فيندم ولا يقدم على ما مضى فيكون كفارة لها (وإن المنافق) وفي معناه الفاسق المصر (إذا مرض ثم أعفي) بمعنى عوفي كما تقدم، والاسم منه العافية (كان) أي المنافق في غفلته (كالبعير عقله أهله) أي شدوه وقيدوه، يقال: عقل البعير أي ثنى وظيفة مع ذراعه فشدهما معا بحبل هو العقال، وهو كناية عن المرض استئناف مبين

ص: 264

ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه. فقال رجل: يا رسول الله! وما الأسقام؟ والله ما مرضت قط، فقال: قم عنا فلست منا)) . رواه أبوداود.

1586-

(51) وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله، فإن ذلك لا يرد شيئاً، ويطيب

ــ

لوجه الشبه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله، وهو كناية عن العافية (فلم يدر) أي لم يعلم (لم) أي لأي سبب (عقلوه ولم أرسلوه) يعني أن المنافق لا يتعظ بما حصل له ولا يستيقظ من غفلته ولا يتوب فلا يفيد مرضه لا فيما مضى ولا فيما يستقبل (وما الأسقام) قال الطيبي: عطف على مقدر أي عرفنا ما يترتب على الأسقام وما الأسقام (قم عنا) أي تنح وأبعد (فلست منا) أي لست من أهل طريقتنا حيث لم تبتل ببلية ومصيبة، وشأن المؤمن أن يبتلى بالبلايا حتى يطهر من الذنوب في الدنيا، وقيل: الظاهر أن هذا الرجل كان منافقاً (رواه أبوداود) في أول الجنائز، وأخرجه أيضاً أحمد وابن السكن وابن أبي شيبة وغيرهم كلهم من طريق ابن إسحاق عن أبي منظور عن عمه عن عامر الرامي، وأبومنظور وعمه مجهولان. قال الحافظ في التقريب في ترجمة عامر الرامي: صحابي له حديث يروي بإسناد مجهول.

1586-

قوله: (إذا دخلتم على المريض) أي لعيادته (فنفسوا له في أجله) من التنفيس، وأصله التفريج يقال: نفس الله عنه كربته أي فرجها، وتعديته بفي لتضمين معنى التطمع أي طمعوه في طول عمره، واللام بمعنى عن وقال الطيبي: اللام للتأكيد وهذا التنفيس إما أن يكون بالدعاء بطول العمر أو بنحو يشفيك الله وإما الجزم فلا يمكن. وقال القاري: أي اذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهوراً ويطول الله عمرك ويشفيك ويعافيك أو وسعوا له في أجله فينفس عنه الكرب، والتنفيس التفريج. وقال الجزري: نفست عن المريض إذا منيته طول الأجل وسألت الله أن يطيل عمره. وقال في اللمعات: التنفيس التفريج أي فرجوا له واذهبوا كربه فيما يتعلق بأجله بأن تدعوا له بطول العمر وذهاب المرض، وأن تقولوا لا بأس طهور ولا تخف سيشفيك الله وليس مرضك صعباً وما أشبه ذلك فإنه وإن لم يرد شيئاً من الموت المقدر ولا يطول عمره لكن يطيب نفسه ويفرحه ويصير ذلك سببا لانتعاش طبيعته وتقويتها فيضعف المرض- انتهى. (فإن ذلك) أي تنفيسكم له (لا يرد شيئاً) أي من القدر والقضاء قيل: قوله فإن ذلك تعليل لما يفهم من المقام كأنه قيل: هل يزيد بذلك العمر أو ماذا فائدته، فقال: لا، فإن التنفيس لا يرد شيئاً مما أريد بالمريض (ويطيب) من طاب يطيب والباء في قوله

ص: 265

بنفسه)) رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

1587 -

(52) وعن سليمان بن صرد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتله بطنه لم يعذب في قبره)) رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

ــ

(بنفسه) للتعدية أو زائدة على الفاعل، كما قيل: ويحتمل أنه من طيب بالتشديد والباء زائدة. وفي الترمذي: ويطيب نفسه أي بدون الباء، وهكذا نقله الجزري (ج7:ص402) ولفظ ابن ماجه: وهو يطيب بنفس المريض. قال المناوي: يعني لا بأس عليكم بتنفيسكم له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطيب نفسه فلا يضركم ذلك ومن ثم عدوا من آداب العيادة تشجيع العليل بلطيف المقال وحسن الحال- انتهى. وارجع لمزيد الكلام إلى زاد المعاد (ج2:ص94)(رواه الترمذي) في الطب (وابن ماجه) في أول الجنائز وأخرجه أيضاً ابن السني في اليوم والليلة وابن أبي شيبة (ج4:ص74)(وقال الترمذي هذا حديث غريب) لم يحكم الترمذي عليه بشيء من الصحة والضعف، وفي إسناده موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني. قال البخاري: وأبوزرعة والنسائي وأبوحاتم وأبوأحمد الحاكم منكر الحديث، فالحديث ضعيف.

1587-

قوله: (وعن سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء ابن الجون الخزاعي أبومطرف الكوفي صحابي. قال ابن عبد البر: كان خيراً فاضلاً وكان اسمه في الجاهلية يسار فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان سكن الكوفة وكان له سن عالية وشرف وقدر وكلمة في قومه وشهد مع علي صفين وهو الذي قتل حوشب ذا ظليم الألهاني بصفين مبارزة وكان فيمن كتب إلى الحسين يسأله القدوم إلى الكوفة فلما قدمها ترك القتال معه فلما قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجية الفزاري في آخرين إذ لم يقاتل معه ثم قالوا مالنا من توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه فخرجوا فعسكروا بالنخيلة وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسموه أمير التوابين ثم ساروا فالتقوا بمقدمة عبيد الله بن زياد في أربعة آلاف بموضع يقال له عين الوردة فقتل سليمان والمسيب في ربيع الآخر سنة (65) وقيل رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقلته وحمل رأسه ورأس المسيب إلى مروان بن الحكم وكان سليمان يوم قتل ابن (93) سنة (من قتله بطنه) إسناده مجازي أي من مات من مرض بطنه، وهو يحتمل الإسهال والاستسقاء والنفاس (لم يعذب في قبره) وفي رواية لأحمد "فلن يعذب في قبره" لأنه لشدته كان كفارة لسيئته. قال المناوي: وإذا لم يعذب في قبره لم يعذب في غيره لأنه أول منازل الآخرة فإن كان سهلاً فما بعده أسهل. وصح في مسلم وغيره أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين أي إلا حقوق الآدميين (رواه أحمد)(ج4:ص262)(والترمذي) في الجنائز وأخرجه أيضاً النسائي في الجنائز، وابن حبان (وقال هذا حديث غريب) وفي

ص: 266