المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ونحن نمشي حوله)) . رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1681- (22) عن المغيرة - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ونحن نمشي حوله)) . رواه مسلم. ‌ ‌{الفصل الثاني} 1681- (22) عن المغيرة

ونحن نمشي حوله)) . رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

1681-

(22) عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الراكب يسير خلف الجنازة،

ــ

بفتح مهملتين وسكون حاء مهملة أولى. قال الحافظ في الإصابة (ج1ص191) : هو ثابت بن الدحداح بن نعيم ابن غم بن أياس حليف الأنصار، ويقال: ثابت بن الدحداحة، ويكنى أبا الدحداح، وأبا الدحداحة. روى الطبراني من طريق ابن إسحاق حدثني موسى بن يسار عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ثابت بن الدحداح- الحديث. وهو في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة، لكن لم يسمه قال: صلينا على ابن الدحداح. وفي رواية علي أبي الدحداح. قال الواقدي في غزوة أحد حدثني عبد الله بن عمار الخطمي قال: أقبل ثابت بن الدحداحة يوم أحد فقال: يا معشر الأنصار إن كان محمد قتل فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم، فحمل بمن معه من المسلمين، فطعنه خالد فأنفذه فوقع ميتاً. قال الواقدي وبعض أصحابنا يقول: إنه جرح ثم برأ من جراحاته تلك ومات على فراشه من جرح كان أصابه ثم انتقض به مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية. قال الحافظ: وهو الراجح. (ونحن نمشي حوله) قال النووي: فيه مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة، وإنما يكره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعيين، أو خيف إعجاب أو نحو ذلك من المفاسد-انتهى. والحديث يدل على جواز الركوب عند الانصراف من الجنازة، ويدل عليه أيضاً ما روي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له فقال: إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت. أخرجه أبوداود، وسكت عنه هو والمنذري. وقال الشوكاني: رجال إسناده رجال الصحيح. قال العلماء: لا يكره الركوب في الرجوع من الجنازة اتفاقاً؛ لانقضاء العبادة. (رواه مسلم) وفي رواية له صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ثم أتى بفرس عرى فعقله رجل فركبه، فجعل يتوقص به ونحن نتبع به نسعى خلفه-انتهى. والحديث أخرجه أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي أيضاً.

1681-

قوله: (الراكب يسير خلف الجنازة) أي الأفضل في حقه ذلك. وفيه دليل على جواز الركوب في الذهاب مع الجنازة. ويعارضه ما سيأتي من حديث ثوبان قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرآى ناساً ركباناً، فقال: ألا تستحيون أن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب! قال شيخنا في شرح الترمذي: والجمع بين هذين الحديثين بوجوه: منها أن حديث المغيرة في حق المعذور بمرض أو شلل أو عرج ونحو ذلك.

ص: 402

والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها، وعن يسارها قريباً منها، والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)) رواه أبوداود. وفي رواية أحمد، والترمذي، والنسائي وابن ماجه

ــ

وحديث ثوبان في حق غير المعذور، ومنها أن حديث ثوبان محمول على أنهم كانوا قدام الجنازة أو طرفها، فلا ينافي حديث المغيرة، ومنها أن حديث المغيرة لا يدل على عدم الكراهة، وإنما يدل على الجواز، فيكون الركوب جائزاً مع الكراهة-انتهى. (والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها) أي كلما يكون أقرب منها في الجوانب الأربعة فهو أفضل للمساعدة في الحمل عند الحاجة. وفيه دليل على جواز المشي أمام الجنازة وخلفها وعن يمينها وعن شمالها، وأن جميع الجهات في حق الماشي سواء. وفيه خلاف بين العلماء، كما ستعرف. (والسقط) قال في القاموس: السقط مثلثة الولد لغير تمام-انتهى. (يصلى عليه) إذا استهل أو تيقنت حياته، ثم مات عند الجمهور، ومطلقاً عند أحمد إذا ولد بعد نفخ الروح فيه وتمام أربعة أشهر وعشر. (ويدعى لوالديه) إن كانا مسلمين. (بالمغفرة) وفي رواية لأحمد والحاكم: بالعافية. (والرحمة) أي في الصلاة عليه. وظاهره أنه لا يجب الدعاء له بخصوصه، ونقل ميرك عن الأزهار أنه ليس المراد به الاقتصار على ذلك، بل يجب له ويستحب لهما بقوله: اللهم اجعله شفيعاً لأبويه وسلفاً وذخراً وعظة واعتباراً، وثقل به موازينهما، وافرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، واغفرلهما وله-انتهى. وسيأتي شيء من الكلام على الدعاء للطفل في آخر الفصل الثالث. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4:ص248-249) والحاكم (ج1:ص363) لكن لم يذكر في الماشي خلفها وأمامها، وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود والحاكم، وسكت عنه أبوداود والمنذري. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري. (وفي رواية أحمد)(ج4:ص247-252) . (والترمذي والنسائي وابن ماجه) وأخرجها أيضاً الحاكم (ج1:ص355-363) وقال: حديث صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. قلت: مدار الحديث بلفظيه عند من خرجه على زياد بن جبير، وقد اختلف عليه أصحابه، فرواه عن يونس بن عبيد موقوفاً أوشك في رفعه، كما وقع عند أبي داود والحاكم (ج1:ص363) وأحمد (ج4:ص249) وأبي داود الطيالسي وابن أبي شيبة، ورواه عنه سعيد بن عبيد الله فرفعه، كما وقع عند أحمد (ج4:ص252) والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم (ج1:ص355-363) وابن أبي شيبة وابن عبد البر في التمهيد، وكذا رواه مرفوعاً المغيرة بن عبيد الله عند النسائي والمبارك عند أحمد (ج2:ص248) ، والجزم مقدم على الشك فالراجع رفعه. والمحفوظ أنه رواه زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة، كما وقع عند جميع المخرجين. وأما ما وقع

ص: 403

قال: ((الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه)) . وفي المصابيح عن المغيرة بن زياد.

1828-

(23) وعن الزهري، عن سالم عن أبيه، قال:((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر يمشون أمام الجنازة))

ــ

عند ابن ماجه في باب شهود الجنائز "زياد بن جبير سمع المغيرة بن شعبة"، فهو شاذ أو رواه زياد عن أبيه عن المغيرة، ثم سمعه عن المغيرة مباشرة أو بالعكس، والله أعلم. (الراكب خلف الجنازة) قال السندي: أي اللائق بحالة أن يكون خلف الجنازة. (والماشي حيث شاء منها) أي يمشي حيث أراد من الجنازة أمامها وخلفها وعن يمينها وعن يسارها. فإن حاجة الحمل تدعو إلى جميع ذلك. (والطفل يصلى عليه) هذا بعمومه يشمل من استهل ومن لا، وبه أخذ أحمد وغيره. ولكن الجمهور أخذوا بحديث جابر الآتي في آخر الفصل الثالث بلفظ: الطفل لا يصلى عليه حتى يستهل، ترجيحاً للنهي على الحل عند التعارض، وحملاً للمطلق على المقيد. ويأتي الكلام هناك مفصلاً. (وفي المصابيح عن المغيرة بن زياد) الظاهر أنه من خطأ الناسخ، إذ ليس في عدد الصحابة والتابعين أحد بهذا الاسم والنسب.

1682-

قوله: (وعن الزهري عن سالم عن أبيه) أي عبد الله بن عمر. (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر) زاد في رواية عند أحمد وابن حبان والنسائي والبيهقي ذكر عثمان. (يمشون أمام الجنازة) فيه دليل على أن المشي أمام الجنازة أفضل؛ لأنه حكاية عادة، وكانت عادتهم اختيار الأفضل، واختلف العلماء بعد الاتفاق على جواز المشي أمام الجنازة وخلفها ويمينها ويسارها اختلافاً في الأولوية على أقوال: الأول: أن المشي أمامها أولى وأفضل. قال ابن قدامة: وإليه ذهب أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمرو وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة وأبي أسيد وعبيد بن عمير وشريح والقاسم بن محمد والزهري ومالك والشافعي. وروى البيهقي بسنده عن زياد بن قيس الأشعري قال: أتيت المدينة، فرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار يمشون أمام الجنازة، وروى مثله عن أبي صالح أيضاً، كما في المغني والمحلى. الثاني: أن المشي خلفها أفضل، وبه قال أبوحنيفة وأصحابه وأهل الظاهر، ويروى ذلك عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء وعمرو بن العاص، وبه قال إبراهيم النخعي والأوزاعي، واستدل لذلك بحديث ابن مسعود الذي بعده، وهو حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال، كما ستعرف، وبحديث أبي هريرة المتقدم في أول الجنائز في ذكر حقوق المسلم بلفظ: إتباع الجنائز، وبلفظ:: إذا مات فاتبعه، وبحديث أبي هريرة أيضاً في الفصل

ص: 404

رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: وأهل الحديث كأنهم يرونه مرسلاً.

ــ

الأول من هذا الباب بلفظ: من اتبع جنازة مسلم الخ. قالوا: والإتباع لا يكون إلا إذا مشى خلفها. وقد أسلفنا جوابه في أول الجنائز نقلاً عن الفتح فتذكر. واستدلوا أيضاً بأحاديث سردها الزيلعي في نصب الراية (ج2: ص290-293) لا يخلوا واحد منها عن كلام، ورجحوا تلك الأحاديث بالمعنى؛ لأن المشي خلفها أقرب إلى الاتعاظ والاعتبار والانتباه؛ لأنه يعاين الجنازة، ولأنه يكون الماشي خلفها مستعداً للمساعدة والمعاونة في حمل الجنازة عند الحاجة. قالوا: والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز أو لتسهيل الأمر على الناس عند الازدحام، وهو تأويل فعل أبي بكر وعمر لما روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة (ج4:ص100-101) عن ابن ابزى. الثالث: التخيير والتوسعة، وأن الكل سواء. قيل: هو قول الثوري، وإليه ميل البخاري، ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (ج4:ص100) عن أنس. الرابع: التفصيل يعني أن أمام الجنازة أفضل في حق الماشي وخلفها أفضل في حق الراكب، وإليه ذهب أحمد، كما يظهر من المغني، وكما صرح به الزيلعي. الخامس: أن الماشي يمشي حيث شاء والراكب خلفها لحديث المغيرة المتقدم، نسب هذا القول الأمير اليماني إلى الثوري. السادس: إن كان مع الجنازة مشى أمامها، وإلا فخلفها، حكاه الحافظ في الفتح عن النخعي. والظاهر عندي هو القول الثاني، والله تعالى أعلم. (رواه أحمد) (ج2:ص8) . (وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه) وأخرجه أيضاً الدارقطني وابن حبان والبيهقي وابن أبي شيبة كلهم من طريق ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه، ورواه أيضاً موصولاً عن الزهري ابن أخيه محمد بن عبد الله عند أحمد (ج2:ص122) ومنصور وبكر بن وائل عند الترمذي والنسائي، وزياد بن سعد عند الترمذي والنسائي. قال ابن عبد البر: وصله عن الزهري عن سالم عن أبيه جماعة ثقات من أصحاب الزهري، منهم ابن عيينة ومعمر ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وابن أخي ابن شهاب وزياد بن سعد وعباس بن الحسن الحراني على اختلاف على بعضهم، ثم أسند رواياتهم، ذكره السيوطي في شرح الموطأ. (وقال الترمذي: وأهل الحديث كأنهم يرونه مرسلاً) عبارة الترمذي في جامعه: وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفاظ عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة، وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح، ثم روى الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: حديث الزهري في هذا مرسلاً أصح من حديث ابن عيينة، وقال النسائي: وصله خطأ، وهم فيه ابن عيينة، وخالفه مالك. فرواه عن الزهري مرسلاً، وهو الصواب، قال: وإنما أتي عليه فيه من جهة أن الزهري رواه عن سالم عن أبيه أنه

ص: 405

1683-

(24) وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجنازة متبوعة ولا تتبع، ليس معها من تقدمها))

ــ

كان يمشي أمام الجنازة قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر يمشون أمام الجنازة. فقوله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم " إلى آخره من كلام الزهري لا من كلام ابن عمر-انتهى. وبهذا اللفظ الذي أشار إليه النسائي رواه أحمد في (ج2:ص37) عن عبد الرزاق وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب الخ. وفي (ج2:ص140) عن حجاج ثنا ليث ثنى عقيل بن خالد عن ابن شهاب الخ. وعن حجاج قال: قرأت على ابن جريج حدثني زياد بن سعد أن ابن شهاب قال: حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أنه كان يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان يمشون أمامها. قال في التلخيص: قال عبد الله: قال أبي ما معناه: القائل "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلى آخره هو الزهري، والحديث عن الزهري مرسل، وحديث سالم فعل ابن عمر، وحديث ابن عيينة وهم. وقد ذكر الدارقطني في العلل اختلافاً كثيراً فيه على الزهري. قال: والصحيح قول من قال عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي، قال: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر، واختار البيهقي ترجيح الموصول؛ لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ. وعن علي بن المديني قال: قلت لابن عيينة: يا أبا محمد! خالفك الناس في هذا الحديث، فقال: استيقن الزهري حدثني مراراً لست أحصيه يعيده ويبديه، سمعته من فيه عن سالم عن أبيه. قلت:(القائل هو الحافظ) : وهذا لا ينفى عنه الوهم، فإنه ضابط؛ لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجاً، لعل الزهري أدمجه، إذ حدث به ابن عيينة وفصله لغيره. وقد أوضحته في المدرج بأتم من هذا، وجزم أيضاً بصحته ابن المنذر وابن حزم، وقد روى يونس عن الزهري عن أنس مثله، أخرجه الترمذي، وقال: سألت عنه البخاري فقال: هذا خطأ، أخطأ فيه محمد بن بكر-انتهى كلام الحافظ.

1683-

قوله: (الجنازة متبوعة) أي يسن لمن شيع جنازة أن يمشي خلفها. (ولا تتبع) وفي رواية لأحمد: وليست يتابعه، وكذا عند ابن ماجه. قال "لا تتبع" بفتح التاء والباء ويرفع العين على النفي، وبسكونها على النهي، أي لا تتبع هي الناس فلا تكون عقيبهم، وهو تصريح بما علم ضمناً. (ليس معها من تقدمها) أي لا يعد مشيعاً لها. قال الطيبي: قوله "لا تتبع" صفة مؤكدة أي متبوعة غير تابعة، وقوله "ليس معها من تقدمها" تقرير بعد تقرير يعني من تقدم الجنازة ليس ممن يتبعها فلا يثبت له الأجر-انتهى. وبه أخذ أبوحنيفة ومن وافقه. والحديث ضعيف غير صالح للاحتجاج، كما ستعرف وقوله "ليس معها" كذا هو في أبي داود وابن ماجه، وكذا في البيهقي وابن أبي شيبة، وكذا ذكره الزيلعي في نصب الراية، والجزري في جامع الأصول (ج1:ص419) نقلاً

ص: 406

رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه، قال الترمذي: وأبوماجد الراوي رجل مجهول.

1684-

(25) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تبع جنازة وحملها ثلاث مرار، فقد قضى ما عليه من حقها)) رواه الترمذي.

ــ

عن الترمذي وأبي داود. والذي في الترمذي "ليس منها"، وكذا وقع عند أحمد (ج1:419) ، وكذا ذكر الحافظ في التلخيص، ووقع عند أحمد (ج1:ص394، 415) "ليس منا". والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير ونسبه لابن ماجه. قال المناوي:"ليس منا" كذا رأيته بخط المؤلف يعني السيوطي. وفي نسخ أي للجامع الصغير "منها" وهو أوضح-انتهى. (رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجه) وأخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وأبويعلى والطحاوي، كلهم من حديث يحيى الجابر عن أبي ماجد الحنفي عن عبد الله بن مسعود. وقد ضعف هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي وابن عدي والبيهقي وغيرهم؛ لأن أبا ماجد الحنفي مجهول، قاله الدارقطني وأحمد بن حنبل والترمذي والساجي وابن عدي والبيهقي. (قال الترمذي: وأبوماجد) ويقال: أبوماجدة الحنفي العجلي الكوفي، اسمه عائذ بن نضلة، قاله أبوحاتم. (رجل مجهول) وقال الدارقطني: مجهول متروك. وقال ابن عدي: لا يعرف. وقال الساجي: مجهول منكر الحديث: وقال ابن المديني: لم يرو عنه غير يحيى الجابر، وله غير حديث منكر. وقال الترمذي في علله الكبرى: قال البخاري: أبوماجد منكر الحديث، وكذا قال النسائي في الضعفاء (ص33)، وقال البخاري في الكنى (ص687) : قال الحميدي: قال ابن عيينة: قلت ليحيى: من أبوماجد؟ قال طائر طرأ علينا، فحدثنا وهو منكر الحديث، وقال نحو هذا في الضعفاء (ص38) والصغير (ص112) .

1684-

قوله: (من تبع جنازة) لإنسان مسلم، سواء كان بجنبها أو أمامها أو خلفها، خلافاً لمن خص التبعية بالخلف، فالمراد تبيعيتها من أي جهة. (وحملها ثلاث مرار) والذي في الترمذي "مرات" وكذا في جامع الأصول (ج11:ص418) . قال المناوي: يحتمل أن المراد أن يحمل حتى يتعب فيستريح، ثم يفعل كذلك ثانياً وثالثاً. وقال ابن الملك: يعني يعاون الحاملين في الطريق ثم يتركها ليستريح ثم يحملها في بعض الطريق، يفعل كذلك ثلاث مرات. (فقد قضى ما عليه من حقها) أي من حق الجنازة بيان لما قال ميرك أي من جهة المعاونة لا من دين وغيبة ونحوهما-انتهى. وقد عدّ صلى الله عليه وسلم فيما مر أول كتاب الجنائز أن من جملة الحقوق التي للمؤمن على المؤمن أن يشيع جنازته من غير أن يقيده بحملها ثلاث مرات. (رواه الترمذي) من طريق عباد بن منصور عن أبي المهزم عن أبي هريرة، وأخرجه ابن أبي شيبة (ج4:ص103) موقوفاً من هذا الطريق.

ص: 407

وقال: هذا حديث غريب.

1685-

(26) وقد روى في شرح السنة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين)) .

ــ

(وقال: في هذا حديث غريب) وقال أيضاً: ورواه بعضهم بهذا الإسناد ولم يرفعه. وأبو مهزم اسمه يزيد بن سفيان وضعفه شعبة-انتهى. وقال البخاري: تركه شعبة. وقال مسلم بن إبراهيم عن شعبة: رأيت أبا المهزم ولو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً. قال الحافظ: وفي رواية عنه: لوضع، ذكرها الحاكم، وزاد روى المناكير. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة لا شيء. وقال الدارقطني: ضعيف يترك، كذا في تهذيب التهذيب للحافظ: فحديث أبي هريرة هذا ضعيف. قال شيخنا: لم يحكم الترمذي عليه بالضعف، وهو ضعيف؛ لأن في سنده أبا المهزم، وهو متروك –انتهى.

1685-

قوله: (وقد روى) أي البغوي. قال القاري: وفي نسخة بصيغة المجهول. (في شرح السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين) بفتح العين أي قائمتي السرير، ورواه ابن سعد في الطبقات عن الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن شيوخ من بني عبد الأشهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ من بيته بين العمودين حتى خرج به من الدار. قال الواقدي: والدار تكون ثلاثين ذراعاً-انتهى. قلت: الواقدي مكشوف الحال، وابن أبي حبيبة ضعيف، وشيوخه مجاهيل. وقال النووي في الخلاصة، ورواه الشافعي بسند ضعيف، وقال في شرح المهذب (ج5:ص269) ذكره البيهقي في كتاب المعرفة، وأشار إلى تضعيفه. وقال الحافظ في التلخيص: رواه الشافعي من بعض أصحابه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين، ورواه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن شيوخ بني عبد الأشهل-انتهى. والحديث فيه دليل على مشروعية الحمل للميت، وأنه ليس دناءة في حمل الجنازة، وأنه من حملها وضع السرير على كاهله بين العمودين المقدمين، وبه قال الشافعي، لكن الحديث ضعيف. نعم ثبتت الآثار في الباب عن الصحابة وغيرهم. واختلف العلماء في ذلك. قال ميرك نقلاً عن الأزهار: هذا أي حمل الجنازة على الكاهل بين العمودين مذهب الشافعي، بأن يحملها ثلاثة يقف أحدهم قدامها بين العمودين واثنان خلفها كل واحد منهما يضع عموداً على عاتقه، هذا عند حمل الجنازة من الأرض، ثم لا بأس أن يعاونهم من شاء كيف شاء، والأفضل عند أبي حنيفة التربيع، بأن يحملها أربعة يأخذ كل واحد عموداً على عاتقه-انتهى. وذهبت الحنابلة إلى أن التربيع سنة، وأنه أفضل من الحمل بين العمودين، وإن حمل بين العمودين كان حسناً ولم يكره. وذهب مالك

ص: 408

إلى أنه يحمل كما شاء الحامل، إن شاء من أحد قوائمه، وإن شاء بين العمودين. قال ابن قدامة: التربيع سنة في حمل الجنازة لقول ابن مسعود: إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع، ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة، رواه سعيد بن منصور في سننه. وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت: وأخرجه أيضاً ابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي وأبوداود الطيالسي وعبد الرزاق والطبراني، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً. وفي الباب آثار عن أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة، وفيه عامر بن جَشِيب وثقه الدارقطني، وقال: إنه لم يسمع من أبي الدرداء، وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة أيضاً، وفيه مندل العنزى، وهو ضعيف، وعن ابن عمر عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة أيضاً، وعن أبي هريرة عند عبد الرزاق، وفيه أبوالمهزم وهو ضعيف. قال ابن قدامة: وصفة التربيع المسنون أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت، ثم يضع القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى، ثم يعود أيضاً إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه، وبهذا قال أبوحنيفة والشافعي. وعن أحمد أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة، وهو مذهب إسحاق، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب، ولأنه أخف، ووجه الأول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول. فأما الحمل بين العمودين فقال ابن المنذر: روينا عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير، وقال به الشافعي وأحمد وأبوثور وابن المنذر، وكرهه النخعي والحسن وأبوحنيفة وإسحاق، والصحيح الأول؛ لأن الصحابة قد فعلوه، وفيهم أسوة حسنة. وقال مالك: ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء، ونحوه قال الأوزاعي، واتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه وقالوه أحسن وأولى-انتهى كلام ابن قدامة. قلت: الآثار المروية عن الصحابة في الحمل بين العمودين، روى بعضها ابن سعد في الطبقات (ج8ص60) وسعيد بن منصور في سننه، كما في المحلى (ج5ص168- 169) والطبراني في معجمه، وروى أكثرها الشافعي في كتاب الأم (ج1ص231) ورواها البيهقي من طريق الشافعي في المعرفة وفي السنن (ج4ص20) وقد ذكرها الزيلعي في نصب الراية (ج2ص288) والحافظ في التلخيص (ص156) . قال النووي في شرح المهذب (ج5ص269) : والآثار المذكورة عن الصحابة رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إلا أثر سعد بن أبي وقاص فصحيح، والله أعلم-انتهى. قلت: وقد صح عن ابن عمر أيضاً الحمل بين العمودين، رواه سعيد بن منصور في سننه كما في المحلى (ج5ص168) . والقول الراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد أن التربيع سنة، وهو أفضل من الحمل بين العمودين، وإن حمل بين العمودين كان حسناً ولم يكره، والله تعالى أعلم.

ص: 409

1686-

(27) وعن ثوبان، قال:((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى ناساً ركباناً، فقال: ألا تستحيون؟! إن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب)) . رواه الترمذي وابن ماجه، وروى أبوداود نحوه، قال الترمذي: وقد روى عن ثوبان موقوفاً.

1687-

(28) وعن ابن عباس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب)) .

ــ

1686-

قوله: (ألا تستحيون إن ملائكة الله) إن هذه بكسر الهمزة. (وأنتم على ظهور الدواب) وفي رواية ابن ماجه: إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم ركبان، أي تمشون ركباناً. والحديث يدل على كراهة الركوب لمن كان متبعاً للجنازة، ويعارضه حديث المغيرة المتقدم من إذنه للراكب أن يمشي خلف الجنازة، وتقدم وجه الجمع بينهما. وقال السندي في شرح حديث ثوبان: إنه يدل على أنه لا ينبغي الركوب في جنائز الصلحاء الذين يرجى حضور الملائكة في جنائزهم، وأنه ترك الأولى، وإلا فالركوب قد جاء ما يدل على جوازه-انتهى. (رواه الترمذي وابن ماجه) واللفظ للترمذي، أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن ثوبان، وأخرجه ابن ماجه من طريق بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم. (وروى أبوداود نحوه) أي بمعناه، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبي أن يركب، فلما انصرف أتي بدابة فركب فقيل له، فقال: إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت-انتهى. وقد سكت عنه أبوداود والمنذري. وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح. (قال الترمذي: وقد روي) أي الحديث المذكور (عن ثوبان موقوفاً) أخرجه البيهقي من طريق بقية ثنا أبوبكر بن أبي مريم حدثني راشد بن سعد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في جنازة فرأى ناساً خروجاً على دوابهم ركباناً فقال لهم ثوبان: ألا تستحيون ملائكة الله على أقدامهم وأنتم ركبان. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوف، ثم رواه البيهقي من طريق عيسى بن يونس مرفوعاً، ثم قال ورواه ثور بن يزيد عن راشد بن سعد موقوفاً عن ثوبان. وفي ذلك دلالة على أن الموقوف أصح، وكذا قاله البخاري-انتهى. لكن هذا الموقوف في حكم المرفوع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، ولم يتكلم الترمذي على حديث ثوبان المرفوع بحسن ولا ضعف، وفي إسناده أبوبكر بن أبي مريم، كما تقدم، وهو ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط، قاله الحافظ في التقريب. والحديث أخرجه أيضاً الحاكم (ج1ص356) مرفوعاً من طريق أبي بكر بن أبي مريم، وسكت عنه هو والذهبي.

1687-

قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة) أي في الصلاة على الجنازة. (بفاتحة الكتاب)

ص: 410

رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه.

1688-

(29) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)) رواه أبوداود، وبن ماجه.

1689-

(30) وعنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة، قال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا،

ــ

بعد التكبيرة الأولى كما تقدم. (رواه الترمذي) من طريق إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس. ومن هذا الوجه أخرجه ابن ماجه، قال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي. إبراهيم بن عثمان هو أبوشيبة الواسطي منكر الحديث. والصحيح عن ابن عباس قوله: من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، ثم أسنده الترمذي من طريق طلحة بن عبد الله بن عوف، قال الحافظ بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه: هذا مصير منه يعني من الترمذي إلى الفرق بين الصيغتين. (أي بين قوله "إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب" وبين قوله "من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب") ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال-انتهى. (وأبوداود) ولفظه: عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: إنها من السنة-انتهى. فنسبة الحديث مرفوعاً صريحاً إلى أبي داود غير صحيح.

1688-

قوله: (فأخلصوا له الدعاء) أي أدعوا له بالإخلاص التام؛ لأن القصد بهذه الصلاة إنما هو الشفاعة للميت، وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال. وقيل: معناه خصوه بالدعاء، ولا يخفى ما فيه. قال الشوكاني: فيه دليل على أنه يتعين دعاء مخصوص من الأدعية الواردة، وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له، سواء كان محسنا أو مسيئاً، فلأن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم، ولذلك قدموه بين أيديهم وجاءوا به إليهم. (رواه أبوداود) وسكت عنه (وابن ماجه) وأخرجه أيضاً ابن حبان والبيهقي، وفيه ابن إسحاق وقد عنعن، لكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحاً بالسماع، كذا في التلخيص (ص161) .

1689-

قوله: (وشاهدنا) أي حاضرنا. (وصغيرنا وكبيرنا) ههنا إشكال وهو أن المغفرة مسبوقة بالذنوب، فكيف تتعلق بالصغير ولا ذنب له، وذكروا في دفعه وجوهاً، فقال السندي: المقصود في مثله التعميم. وقال ابن حجر: الدعاء بالمغفرة في حق الصغير لرفع الدرجات. وقال القاري: يمكن أن يكون المراد بالصغير والكبير الشاب والشيخ. وقال التوربشتي: سئل أبوجعفر الطحاوي عن معنى الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم، فقال

ص: 411

وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده)) . رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه.

ــ

معناه السؤال من الله أن يغفر لهم ما كتب في اللوح المحفوظ أن يفعلوه بعد البلوغ من الذنوب حتى إذا كانوا فعلوه كان مغفوراً، وإلا فالصغير غير مكلف لا حاجة له إلى الاستغفار-انتهى. وسيأتي زيادة تحقيق لهذا المبحث في أواخر الفصل الثالث. (وذكرنا وأنثانا) قال الطيبي: المقصود من القرائن الأربع الشمول والاستيعاب، فلا يحمل على التخصيص نظراً إلى مفردات التركيب، كأنه قيل: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كلهم أجمعين. (فأحيه على الإسلام) أي الاستسلام والإنقياد للأوامر والنواهي. (فتوفه على الإيمان) أي التصديق القلبي، إذ لا نافع حينئذٍ غيره. قيل: خص الوفاة بالإيمان لأن الإسلام أكثر ما يطلق على الأعمال الظاهرة وليس هذا وقتها. (لا تحرمنا أجره) بفتح التاء وكسر الراء من باب ضرب، أو بضم أوله من باب أفعل. قال السيوطي: بفتح التاء وضمها لغتان فصيحتان، والفتح أفصح، يقال: حرمه وأحرمه أي منعه، والمراد أجر موته، فإن المؤمن أخو المؤمن، فموته مصيبة عليه يطلب فيها الأجر، نقله في عون المعبود عن فتح الودود. (ولا تفتنا) بتشديد النون من باب ضرب. (بعده) أي لا تجعلنا مفتونين بعد الميت بل اجعلنا معتبرين بموته عن موتنا ومستعدين لرحلتنا. وقال ابن الملك أي لا تلق علينا الفتنة بعد الإيمان، والمراد بها ههنا خلاف مقتضى الإيمان. (رواه أحمد وأبوداود) وفي رواية أبي داود: فأحيه على الإيمان، وتوفه على الإسلام وفي آخره: لا تضلنا بعده. (والترمذي) وانتهت روايته عند قوله "فتوفه على الإيمان". (وابن ماجه) وفي روايته: لا تضلنا بعده، كما في رواية أبي داود: والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقد سكت عليه أبوداود. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي، قال الحاكم: وله شاهد صحيح على شرط مسلم، فرواه من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة نحوه، وأخرجه البيهقي من طريق الحاكم. وأعله الترمذي بعكرمة بن عمار، وقال: إنه يهم في حديثه، واختلف في حديث أبي هريرة، فرواه هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وعلي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. ورواه أيوب بن عتبة وهقل بن زياد وشعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولاً. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فقال: الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة، إنما يقولون أبوسلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن، والصحيح أنه مرسل-انتهى. ورواه همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه أحمد (ج4ص170) والبيهقي.

ص: 412

1690-

(31) ورواه النسائي عن أبي إبراهيم الأشهلى، عن أبيه، وانتهت روايته عند قوله:((وأنثانا)) . وفي رواية أبي داود: ((فأحيه على الإيمان، وتوفه على الإسلام)) . وفي آخره: ((ولا تضلنا بعده)) .

1691-

(32) وعن واثلة بن الأسقع، قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك

ــ

1690-

قوله: (ورواه النسائي) وكذا أحمد (ج4ص170) والترمذي والبيهقي كلهم من طريق يحيى بن أبي كثير. (عن أبي إبراهيم الأشهلى) المدني الأنصاري. قال الحافظ في التقريب: مقبول من الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين. قال الترمذي: سألت البخاري عن اسم أبي إبراهيم الأشهلى فلم يعرفه، وقد توهم بعض الناس أنه عبد الله بن أبي قتادة وهو غلط، أبوإبراهيم من بني عبد الأشهل وأبوقتادة من بني سلمة. (عن أبيه) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة على الميت: اللهم اغفرلنا الخ، قال الترمذي: حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح، قال: سمعت محمداً يعني البخاري يقول: أصح هذه الروايات حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلى عن أبيه، ولوالده صحبة، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة وأبي قتادة غير محفوظ، وأصح حديث في هذا الباب حديث عوف بن مالك. (وانتهت روايته) أي رواية النسائي. (عند قوله وأنثانا) وكذا رواية أحمد والترمذي والبيهقي. (وفي رواية أبي داود: فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام) ، قال في فتح الودود: المشهور الموجود في رواية الترمذي وغيره: فأحيه على الإسلام وتوفه على الإيمان، وهو الظاهر المناسب لأن الإسلام هو التمسك بالأركان الظاهرية، وهذا لا يتأتى إلا في حالة الحياة. وأما الإيمان فهو التصديق الباطني وهو الذي المطلوب عليه الوفاة، فتخصيص الأول بالإحياء والثاني بالإماتة هو الوجه-انتهى. وقال القاري: الرواية المشهورة هي العمدة، ورواية أبي داود إما من تصرفات الرواة نسياناً، أو بناء على زعم أنه لا فرق بين التقديم والتأخير وجواز النقل بالمعنى، أو يقال: فأحيه على الإيمان أي وتوابعه من الأركان، وتوفه على الإسلام أي على الانقياد والتسليم؛ لأن الموت مقدمة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم-انتهى. وقال الشوكاني: لفظ فأحيه على الإسلام هو الثابت عند الأكثر. (ولا تضلنا بعده) من الإضلال، أي لا توقعنا في الضلال بعد موته.

1691-

قوله: (إن فلان بن فلان) فيه دليل مشروعية تسمية الميت باسمه واسم أبيه، وهذا إن كان معروفاً، وإلا جعل مكان ذلك إن عبدك هذا أو نحوه. (في ذمتك) أي في أمانك وعهدك وحفظك. قال ابن الأثير في جامع الأصول (ج7ص535) : الذمة والذمام الضمان، تقول: فلان في ذمتي أي في ضماني. وقيل:

ص: 413

وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له، وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم)) . رواه أبوداود، وابن ماجه.

1692-

(33) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم))

ــ

الذمة والذمام الأمان والعهد. (وحبل جوارك) بكسر الجيم. قيل: عطف تفسيري. وقيل: الحبل العهد أي في كنف حفظك وعهد طاعتك. وقيل: أي في سبيل قربك، وهو الإيمان. والأظهر أن المعنى أنه متمسك ومتعلق بالقرآن، كما قال تعالى:{واعتصموا بحبل الله} [آل عمران: 103] وفسره جمهور المفسرين بكتاب الله، والمراد بالجوار: الأمان، والإضافة بيانية يعني الحبل الذي يورث الاعتصام به الأمن والأمان والإسلام والإيمان، قاله القاري. وقال ابن الأثير في جامع الأصول: الحبل العهد والأمان، ومنه قوله تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعاً} أي بعهده، وكان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضاً، فكان الرجل إذا أراد سفراً أخذ عهداً من سيد قبيلة، فيأمن بذلك مادام في حدوده. (أي مجاوراً أرضه) حتى (ينتهي) إلى آخر فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار أي العهد والأمان مادام مجاوراً أرضه. وقال الطيبي: الحبل العهد والأمان "وحبل جوارك" بيان لقوله "في ذمتك"، نحو أعجبني زيد وكرمه، والأصل أن فلاناً في عهدك، فنسب إلى الجوار ما كان منسوباً إلى الله تعالى، فجعل للجوار عهداً مبالغة في كمال حمايته، فالحبل مستعار للعهد لما فيه من التوثقة وعقد القول بالأيمان المؤكدة. (فقه) صيغة أمر من الوقاية بالضمير أو بهاء السكت. (من فتنة القبر) أي امتحان السؤال فيه أو من أنواع عذابه من الضغطة والظلعة وغيرهما. (وأنت أهل الوفاء) أي بالوعد، فإنك لا تخلف الميعاد. (والحق) أي أنت أهل الحق، فالمضاف مقدر. (رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري.

1692-

قوله: (اذكروا محاسن موتاكم) جمع حسن على غير قياس، والأمر للندب. (وكفوا) بضم الكاف أمر للوجوب أي امتنعوا. (عن مساويهم) جمع سوء على غير قياس أيضاً، أي لا تذكروهم إلا بخير، ويستثنى منه الثناء على الميت بالشر عند رؤية الجنازة قبل الدفن لما تقدم من حديث أنس، وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم. والمراد بالفاسق من ارتكب بدعة يفسق بها ويموت عليها، وأما الفاسق بغير ذلك فإن علمنا أنه مات وهو مصر على فسقه والمصلحة في ذكره جاز ذكر مساوية وإلا فلا. قال حجة الإسلام: غيبة الميت أشد من غيبة الحي، وذلك لأن عفو الحي واستحلاله ممكن ومتوقع في الدنيا بخلاف الميت. وفي الأزهار قال العلماء: وإذا رأى الغاسل من

ص: 414

رواه أبوداود، والترمذي.

1693-

(34) وعن نافع أبي غالب، قال: ((صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل، فقام حيال رأسه، ثم جاؤا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة! صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد:

ــ

الميت ما يعجبه كاستنارة وجهه وطيب ريحه وسرعة انقلابه على المغتسل استحب أن يتحدث به، وإن رأى ما يكره كنتنه وسواد وجهه أو بدنه أو انقلاب صورته حرم أن يتحدث به. (رواه أبوداود والترمذي) وأخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي من طريقه كلهم من رواية عمران بن أنس المكي عن عطاء عن ابن عمر، وسكت عنه أبوداود. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث غريب سمعت محمداً يعني البخاري يقول: عمران بن أنس المكي منكر الحديث، وروى بعضهم عن عطاء عن عائشة-انتهى. ويؤيده ما تقدم من حديث عائشة: لا تسبوا الأموات، ويؤيده أيضاً ما رواه النسائي عن عائشة قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء، فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير.

1693-

قوله: (وعن نافع) ويقال: رافع أبوغالب الباهلي مولاهم الخياط البصري، ثقة من صغار التابعين، وثقة ابن معين وأبوحاتم وموسى بن هارون الحمال وابن حبان. (أبي غالب) عطف بيان. قال الطيبي: كأن الكنية كانت أعرف وأشهر فجيء بها بياناً لنافع. (صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل) أي عبد الله بن عمير، كما في رواية أبي داود، وكذا نقله ابن الأثير في جامع الأصول (ج7:ص148) ، وكذا وقع في رواية البيهقي، ولم أجد ترجمته في شيء من الكتب، ووقع في بعض النسخ من سنن أبي داود: عبد الله بن عمر مكبراً، وليس هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، فإن الظاهر أن هذه القصة وقعت بالبصرة لما أن أنس بن مالك قطن البصرة، وهو آخر من مات بها من الصحابة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب مات بمكة، ودفن بذي طوى، وصلى عليه الحجاج. قيل: المحفوظ في رواية أبي داود: عبد الله بن عمير بالتصغير، وعبد الله بن عمر تصحيف، والله أعلم. (حيال رأسه) بكسر الحاء أي حذاءه ومقابله. وفي أبي داود: عند رأسه. (بجنازة امرأة من قريش) وفي رواية أبي داود: المرأة الأنصارية. قال القاري: فالقضية إما متعددة وإما متحدة، فتكون المرأة قرشية أنصارية-انتهى. (فقالوا) أي أولياؤها:(يا أبا حمزة) كنية أنس. (حيال وسط السرير) بسكون السين وفتحها بمعنى، فلذا جوز الوجهان، وقد فرق بعضهم بينهما. (العلاء بن زياد) هو العلاء بن زياد بن مطر بن شريح العدوي أبونصر

ص: 415