الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1706-
(47) وعن أبي مسعود الأنصاري، قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه، يعني أسفل منه)) . رواه الدارقطني في المجتبى في كتاب الجنائز.
(6) باب دفن الميت
{الفصل الأول}
1707-
(1) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: ((ألحدوا ليّ لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم))
ــ
1706-
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم) أي من أن يقف. (الإمام) أي وحده في صلاة الجنازة والمكتوبة وغيرها مما تشرع فيه الجماعة. (فوق شيء والناس خلفه) أي خلف ذلك الشيء. (يعني أسفل منه) ويعلم النهي من العكس بالطريق الأولى، والحديث يدل على كراهة ارتفاع الإمام عن المؤتمين، وقد سبق الكلام عليه في باب الموقف. (رواه الدارقطني في المجتبى) اسم كتاب له، قاله القاري. والظاهر أن المراد به كتاب السنن للدارقطني المشهور. (في كتاب الجنائز) فيه إيماء إلى وجه مناسبة، ذكره في هذا الباب مع أن الأنسب ذكره في باب الموقف من هذا الكتاب. والحديث أخرجه الحاكم والبيهقي، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وأخرجه أبوداود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي أيضاً عن همام: أن حذيفة أمّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبومسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني.
(باب دفن الميت)
1707-
قوله: (هلك) أي مات. (ألحدوا) بوصل الهمزة من لحد، كمنع، أو بقطع الهمزة من الحد. (لي) أي لأجلي. (لحداً) بفتح اللام مفعول مطلق من بابه، أو من غيره، أو مفعول به على تجريد في الفعل، أي اجعلوا لي لحداً، واللحد الشق الذي يعمل في جانب القبر القبلي لوضع الميت. (وانصبوا) بكسر الصاد من ضرب أي أقيموا. (علي) أي فوقى. (اللبن) بكسر الباء، في القاموس: اللبن ككتف المضروب من الطين مربعاً للبناء. (كما صنع برسول الله) أي بقبره. قال النووي: فيه استحباب اللحد ونصب اللبن؛ لأنه فعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم -
رواه مسلم.
1708-
(2) وعن ابن عباس، قال:((جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء)) .
ــ
باتفاق الصحابة، وقد نقلوا أن عدد لبناته صلى الله عليه وسلم تسع-انتهى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص169، 173، 184) ، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي. وفي الباب عن جابر عند ابن حبان والبيهقي، وعن ابن عمر عند أحمد، وعن عائشة عند ابن حبان، وعن علي عند الحاكم، وعن بريدة عند ابن عدي في الكامل، والطبراني في الأوسط.
1708-
قوله: (جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء) هي كساء له خمل، وهو الهُدّاب، وهداب الثوب الخيوط التي تبقى في طرفيه من عرضيه دون حاشيتيه، وجعل بضم الجيم مبني للمفعول، والجاعل لذلك هو شُقْران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروى الترمذي من حديثه قال: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وقال: حسن غريب. وروى ابن إسحاق في المغازي، والحاكم في الإكليل من طريقه، والبيهقي (ج3ص408) عنه من طريق ابن عباس قال: كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة كان يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك فدفنت معه. وروى الواقدي عن علي بن حسين: أنهم أخرجوها. وبذلك جزم ابن عبد البر حيث قال في الاستيعاب: وطرح في قبره سمل قطيفة كان يلبسها، فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وهالوا التراب على لحده-انتهى. وقال الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة: وفرشت في قبره قطيفة. وقيل: أخرجت، وهذا أثبت. والحديث يدل على جواز افتراش الثوب في القبر تحت الميت، وإليه ذهب البغوي وابن حزم، وذهب الجمهور إلى كراهته، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران فرشها من غير علم الصحابة بذلك. قال النووي: قال العلماء وإنما جعلها شقران برأيه، ولم يوافقه أحد من الصحابة، ولا علموا بفعله. وفي رواية للترمذي إشارة إلى هذا، ذكره الزيلعي. وقيل: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقيل: دفنت معه ثم استخرجت قبل أن يهال التراب. قال النووي في شرح مسلم: هذه القطيفة ألقاها شقران، وقال: كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة أو نحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب: لا بأس بذلك لهذا الحديث، والصواب كراهته، كما قاله الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك ولم يوافقه غيره من الصحابة ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهة أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ويفترشها، فلم تطب نفس شقران أن يتبذلها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه غيره، فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره
رواه مسلم.
1709-
(3) وعن سفيان التمار: ((أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً)) .
ــ
أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره-انتهى كلام النووي. (رواه مسلم) وأخرجه النسائي وابن حبان أيضاً، قال الحافظ في التلخيص: وروى ابن أبي شيبة، وأبوداود في المراسيل عن الحسن نحوه، وزاد: لأن المدينة أرض سبخة-انتهى.
1709-
قوله: (وعن سفيان التمار) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الميم، هو سفيان بن دينار التمار أبوسعيد العصفري الكوفي، ثقة من كبار أتباع التابعين، وقد لحق عصر الصحابة، ولم تعرف له رواية عن صحابي، ووقع في جامع الأصول (ج11ص394) عبد الله بن عباس مكان سفيان التمار، وهو خطأ واضح وغلط بين. (أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً) بتشديد النون المفتوحة، ورواه ابن أبي شيبة وزاد: وقبر أبي بكر وقبر عمر كذلك، وكذلك رواه أبونعيم وذكر هذه الزيادة التي ذكرها ابن أبي شيبة. قال الطيبي: تسنيم القبر هو أن يجعل كهيئة السنام، وهو خلاف تسطيحة. وقال السيد جمال الدين: المسنم المحدب كهيئة السنام خلاف المسطح. وقال في القاموس: التسنيم ضد التسطيح وقال: سطحه كمنعه بسطه. واستدل بهذا على أن المستحب تسنيم القبور. وقد اختلف العلماء في الأفضل من التسنيم والتسطيح أي التربيع بعد الاتفاق على جواز الكل، فذهب مالك وأحمد وأبوحنيفة وكثير من الشافعية منهم المزني إلى أن تسنيم القبر أفضل من تسطيحه، وذهب الشافعي وأكثر الشافعية إلى أن التسطيح أفضل، وتمسك الأولون بقول سفيان التمار المذكور، وبما في مصنف ابن أبي شيبة: ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي حصين عن الشعبي: رأيت قبور شهداء أحد جثى مسنمة، وبما قال الطبري: ثنا ابن بشار ثنا عبد الرحمن ثنا خالد بن أبي عثمان قال: رأيت قبر ابن عمر مسنماً، وبما قال إبراهيم النخعي: أخبرني من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه مسنمة ناشزة من الأرض عليها مرمر أبيض ذكره العيني، وبما قال الطبري: إن هيئة القبور سنة متبعة، ولم يزل المسلمون يسنمون قبورهم، وبما قال المزني: إن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم فإنه ليس موضع الجلوس، وقد نهى عن الجلوس على القبور، وبما قال ابن قدامة إن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو أشبه بشعار أهل البدع يعني الرافضة. واستدل القائلون بأفضلية التسطيح، بما قال الشافعي: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه الحصباء ورش عليه الماء. قال القسطلاني: وفعله صلى الله عليه وسلم حجة لا فعل غيره، وفيه أن هذا البلاغ مرسل أو معضل فلا يكون حجة، وبحديث أبي الهياج الأسدي الآتي. قال الشوكاني في السيل الجرار: حديث أبي الهياج يدل على أن التربيع
رواه البخاري.
1710-
(4) وعن أبي الهياج الأسدي،
ــ
أفضل؛ لأن في التسنيم بعض أشراف. وأجيب عنه بأنه محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء الحسن العالي، قاله ابن الجوزي. وقال ابن الهمام: هذا الحديث محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء العالي، وليس مرادنا ذلك بتسنيم القبر بل بقدر ما يبدو من الأرض ويتميز عنها. وقال الطبري: تسوية القبور ليست بتسطيح، وبما في حديث القاسم بن محمد في آخر الفصل الثاني من هذا الباب فكشفت (عائشة) لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. قال ابن الملك: أي مسوأة مبسوطة على الأرض. قال ابن حجر: هو صريح في أن القبور الثلاثة مسطحة لا مسنمة-انتهى. قيل: ولا حجة في قول سفيان التمار، كما قال البيهقي، والنووي، والبغوي، لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه لم تكن مسنمة في الأزمنة الماضية بل كانت مسطحة، ثم لما بنى جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك غيروها وصيروها مسنمة. قال البيهقي: حديث القاسم يدل على التسطيح، وهو أصح وأولى أن يكون محفوظاً. وفيه أن هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن بل حديث التمار أصح؛ لأنه مخرج في صحيح البخاري، وحديث القاسم لم يخرج في شيء من الصحيح. قال ابن قدامة: حديث التمار أثبت من حديث القائلين بالتسطيح وأصح فكان العمل به أولى-انتهى. على أن في إسناده عمرو بن عثمان بن هانيء، وهو مستور، كما في التقريب، فلا يكون حديثه هذا صحيحاً فضلاً عن أن يكون أصح من حديث التمار وإن سكت عنه أبوداود والمنذري والزيلعي والحافظ، ولو سلم صحته فليس فيه دليل على التسطيح فإن المعنى. (لا مشرفة) أي مرتفعة غاية الارتفاع، وقيل: أي عالية أكثر من شبر. (ولا لاطئة) أي مستوية على وجه الأرض. (مبطوحة بالبطحاء العرصة) أي ملقاة فيها البطحاء. قال الطحاوي بعد ذكر حديث القاسم: ليس في هذا دليل على تربيع ولا تسنيم؛ لأنه يجوز أن تكون مبطوحة بالبطحاء، وهي مسنمة، وفي التجريد للقدوري: يحتمل أن تكون مبطوحة والتسنيم في وسطها فهذا الخبر محتمل، وحديث التمار صريح في التسنيم، فليس بينهما مخالفة حتى يحتاج إلى الجمع والتوفيق هذا، وقد رجح الشوكاني التسطيح، والأفضل عندي هو التسنيم، والله تعالى أعلم. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة (ص134) والبيهقي (ج4ص3) .
1710-
قوله: (وعن أبي الهياج) بفتح الهاء وتشديد الياء المثناة من تحت وآخره جيم. (الأسدي) بفتح السين وبسكن اسمه حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية وآخره نون، ابن حصين الكوفي من ثقات التابعين،
قال: قال لي علي: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)) . رواه مسلم.
1711-
(5) وعن جابر، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يجصص القبر،
ــ
وليس له في مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي إلا هذا الحديث الواحد. (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ألا أرسلك للأمر الذي أرسلني له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر تعديته بحرف "على" لما في البعث من معنى الاستعلاء والتأمير، أي أجعلك أميراً على ذلك، كما أمرني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (أن لا تدع)"أن" مصدرية و "لا" نافية خبر مبتدأ محذوف، أي هو أن لا تدع. وقيل:"أن" تفسيرية و "لا" ناهية أي لا تترك. (تمثالاً) أي صورة، والمراد صورة ذي روح. (إلا طمسته) أي محوته وأبطلته بقطع رأسه وتغيير وجهه ونحو ذلك. (ولا قبراً مشرفاً) بكسر الراء من أشرف إذا ارتفع، والمراد هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصا والحجر ليعرف فلا يوطأ، ولا فائدة في البناء عليه فلذلك نهي عنه. (إلا سويته) قال في المجمع: الجمهور على أن الارتفاع المأمور إزالته ليس هو التسنيم، ولا ما يعرف به القبر كي يحترم، وإنما هو ارتفاع كثير تفعله الجاهلية، فإن التسنيم صفة قبره صلى الله عليه وسلم انتهى. وتقدم كلام ابن الهمام بنحو هذا، وفي الأزهار قال العلماء: يستحب أن يرفع القبر قدر شبر، ويكره فوق ذلك، ويستحب الهدم، ففي قدره خلاف، قيل: إلى الأرض تغليظاً، وهذا أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية. وقال الشوكاني في النيل: قوله "ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" فيه أن السنة أن لا يرفع القبر رفعاً كثيراً من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك. وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص96و 111و 129و 145) والترمذي، وأبوداود، والنسائي، والبيهقي، والحاكم.
1711-
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر) أي عن تجصيص القبر أي بناءه
وأن يبني عليه، وأن يقعد عليه)) .
ــ
بالقصة. وفي رواية لمسلم: نهى عن تقصيص القبور بالقاف والصاد المهملتين، وهو التجصيص. والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص. قال في الأزهار: النهى عن تجصيص القبور للكراهة، وهو يتناول البناء بذلك. وتجصيص وجهه. قلت: الحديث دليل على تحريم تجصيص القبر؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ولا يعرف صارف عن هذا الأصل. قال العراقي: ذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار، وحينئذٍ فلا بأس بالتطيين، كما نص عليه الشافعي، وقال ابن قدامة بعد ذكر هذا الحديث: فيه دليل على الرخصة في تطيين القبر لتخصيصه التجصيص بالنهي، نهى عمر بن عبد العزيز أن يبنى على القبر بآجر فأوصى بذلك، وأوصى الأسود بن يزيد أن لا تجعلوا على قبري آجراً، وقال إبراهيم: كانوا يكرهون الآجر في قبورهم. وقال ابن قدامة: سئل أحمد عن تطيين القبور فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، ورخص في ذلك الحسن والشافعي، وروى أحمد بإسناده عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر، قال نافع: وتوفي ابن له، وهو غائب، فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه، وروي عن الحسن عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره. أو قال ما لم يطو قبره-انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص165) : ذكر صاحب مسند الفردوس عن الحاكم: أنه روى من طريق ابن مسعود مرفوعاً: لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره. وإسناده باطل، فإنه من رواية محمد بن القاسم الطالقاني، وقد رموه بالوضع، قال: وقد روى أبوبكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبراً وطين بطين أحمر من العرصة-انتهى. واختلفت الحنفية في ذلك فكرهه الكرخي. وقال في الفتاوى المنصورية والمضمرات والخانية: لا بأس به. (وأن يبنى عليه) يحتمل أن المراد البناء على نفس القبر ليرتفع عن أن ينال بالوطأ، أو المراد البناء حول القبر مثل أن يتخذ حوله متربة أو مسجد ونحو ذلك. قال العراقي: وعليه حمله النووي في شرح المهذب، وقال التوربشتي: يحتمل وجهين: أحدهما البناء على القبر بالحجارة وما يجرى مجراها، والآخر أن يضرب عليه خباء ونحوه، وكلاهما منهى عنه؛ لأنه من صنيع أهل الجاهلية، ولأنه اضاعة المال. وقال الشوكاني: فيه دليل على تحريم البناء على القبر، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك المباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، ولا دليل على هذا التفصيل. وقد قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، ويدل على الهدم حديث علي المتقدم-انتهى. قلت: الأمر كما قال الشوكاني. (وأن يقعد عليه) بالبناء للمفعول كالفعلين السابقين. قال الطيبي: المراد من القعود هو الجلوس، كما هو الظاهر، وقد نهى عنه لما فيه من الاستخفاف بحق أخيه المسلم، وحمله جماعة على قضاء الحاجة، والأول هو الصحيح، لما أخرجه الطبراني والحاكم عن عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر فقال: يا صاحب القبر انزل من على القبر، لا تؤذي صاحب القبر
ولا يؤذيك. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود: أنه سئل عن الوطء على القبر، قال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته، كذا في المرقاة. وحديث عمارة هذا عزاه الهيثمي للطبراني في الكبير، وقال: وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وقد وثق. وذكر أثر ابن مسعود بلفظ: لأن أطأ على جمرة أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم، وعزاه للطبراني أيضاً قال: وفيه عطاء بن سائب وفيه كلام، وقد اختلف العلماء في الجلوس على القبر لغير قضاء الحاجة. فقال الحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وأحمد وإسحاق وأبوسليمان داود، وكثير من الشافعية منهم النووي بتحريم الجلوس مطلقاً. قال العيني: ويروى ذلك أي كراهة الجلوس على القبر مطلقاً أيضاً عن عبد الله وأبي بكرة وعقبة بن عامر وأبي هريرة وجابر، وإليه ذهبت الظاهرية. وقال ابن حزم في المحلى لا يحل لأحد أن يجلس على قبر، وهو قول أبي هريرة، وجماعة من السلف، واستدل لذلك بحديث جابر، وما في معناه من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، وهي كثيرة. وذهب أبوحنيفة وصاحباه، وجماعة من الشافعية إلى أن القعود على القبر لغير قضاء الحاجة مكروه فقط، أي يكره تنزيهاً لا تحريماً، وكذا وطؤه والاتكاء إليه. قال في الأزهار: نقلاً عن بعض العلماء: الأولى أن يحمل من هذه الأحاديث ما فيه التغليظ على الجلوس للحدث، فإنه يحرم، وما لا تغليظ فيه على الجلوس المطلق فإنه مكروه، والاتكاء والاستناد كالجلوس المطلق، نقله السيد جمال الدين. وقال مالك والطحاوي: لا يكره الجلوس على القبر، وحمل مالك أحاديث النهي على الجلوس لقضاء الحاجة. قال النووي: هو تأويل ضعيف أو باطل. وقال أحمد: ليس هذا بشيء، ولم يعجبه رأي مالك، واحتج الطحاوي لذلك القول بما روي عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور. وأخرج عن علي نحوه، وعن زيد بن ثابت: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر لحدث غائط أو بول، ورجال إسناده ثقات. قال السندي: ويؤيد الحمل على ظاهره ما جاء من النهي عن وطئه. وقال الحافظ: ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد (والنسائي) عن عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعاً: لا تقعدوا على القبور. وفي رواية له، أي لأحمد عنه: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر، فقال: لا تؤذ صاحب القبر، إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته. ورد ابن حزم التأويل المتقدم بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، قال: وما عهدنا أحداً يقعد على ثيابه للغائط، فدل على أن المراد القعود على حقيقته. وقال ابن بطال: التأويل المذكور بعيد؛ لأن الحدث على القبر أقبح من أن يكره الجلوس المتعارف-انتهى. والراجح عندي هو قول الجمهور أنه يحرم الجلوس على القبر مطلقاً، والله تعالى أعلم.
رواه مسلم.
1712-
(6) وعن أبي مرثد الغنوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم.
1713-
(7) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة
ــ
(رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وسيأتي لفظه وابن حبان والحاكم والبيهقي.
1712-
قوله: (وعن أبي مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة. (الغنوي) بمعجمة ونون مفتوحتين، نسبة إلى غني بن يعصر، اسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون وآخره زاي. ابن الحصين بن يربوع صحابي بدري، مشهور بكنيته، حليف حمزة بن عبد المطلب، وكان تربه. قال ابن عبد البر: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبادة بن الصامت، شهد سائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات سنة (12) من الهجرة في خلافة أبي بكر وهو ابن (66) سنة، وكان فيما قيل رجلاً طويلاً كثير الشعر، ويعد في الشاميين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الباب، وروى عنه واثلة بن الأسقع. (لا تجلسوا على القبور) هذا دليل واضح على تحريم الجلوس على القبر مطلقاً، وإليه ذهب الجمهور، وهو الصحيح. قال ابن الهمام: وكره الجلوس على القبر ووطؤه، وحينئذٍ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليه خلق من وطأ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه، ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة بل أولى، ويكره كل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها. والدعاء عندها قائماً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في الخروج إلى البقيع-انتهى. (ولا تصلوا إليها) أي مستقبلين إليها لما فيه من التعظيم البالغ. قال القاري: ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن تكون كراهة تحريم. قلت: الحديث يدل على تحريم الصلاة إلى القبر مطلقاً، ويدل عليه أيضاً ما روي عن ابن عباس مرفوعاً: لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر. رواه الطبراني في الكبير. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن كيسان المروزي، ضعفه أبوحاتم، ووثقه ابن حبان. وما روى عن واثلة بن الأسقع قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي إلى القبور أو نجلس عليها. أخرجه الطبراني أيضاً، وفيه الحجاج بن أرطاة. وما روي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور. أخرجه البزار. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4:ص135) وأبوداود والترمذي والبيهقي، وعزاه المنذري في مختصر السنن، والنابلسي في ذخائر المواريث للنسائي أيضاً.
1713-
قوله: (لأن يجلس) بفتح اللام مبتدأ خبره خير من أن يجلس على قبر. (على جمرة) أي من النار.