المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثاني} 1620- (9) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثاني} 1620- (9) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول

{الفصل الثاني}

1620-

(9) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شئتم أنبأتكم: ما أول ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول يقولون له؟ قلنا نعم يا رسول الله! قال: إن الله يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا! فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك، فيقول: قد وجبت لكم مغفرتي)) رواه في شرح السنة، وأبو نعيم في الحلية.

ــ

1620-

قوله: (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (ما) أي بالذي هو (أول ما يقول الله) وقال القاري: ما الأولى استفهامية والثانية موصولة (للمؤمنين) بلا واسطة أو بواسطة ملك (يوم القيامة وما أول ما يقولون) أي المؤمنون (له) أي لله تعالى (قلنا نعم) أخبرنا (يا رسول الله) وهذا توطئة للتهيؤ بالإصغاء للكلام ليحصل الإدراك على الوجه التام (هل أحببتم لقائي) قد تقدم أن المراد باللقاء المصير إلى دار الآخرة وطلب ما عند الله (فيقولون نعم يا ربنا) استعطاف لمزيد عطاءه ورضوانه (فيقول لم) أي لأي شيء أحببتم لقائي (رجونا عفوك ومغفرتك) فيه أن من حسن الظن بالله أحب لقاء الله، ولعل حكمة الاستفهام مع علمه تعالى ببواطنهم إعلام السامعين بسبب محبتهم للقاءه على حد أو لم تؤمن قال بلى (فيقول قد وجبت لكم مغفرتي) أي ثبتت لأن الله تعالى عند ظن عبده به (رواه) البغوي (في شرح السنة وأبونعيم) هو الحافظ الكبير محدث العصر أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن إسحاق الأصبهاني الصوفي الأحول صاحب حلية الأولياء، كان من الأعلام المحدثين، وأكابر الحفاظ الثقات أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. قال المؤلف: هو من مشائخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم كبير القدر ولد سنة (334) وقيل (336) ومات في صفر، وقيل: في العشرين من المحرم سنة (430) بأصبهان وله من العمر (96) سنة، وبسط الذهبي ترجمته في التذكرة (ج3 ص291-296) (في الحلية) قال ابن خلكان هو من أحسن الكتب. وقال السلفي: لم يصنف مثل كتاب حلية الأولياء. وقال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون لما صنف أبونعيم كتاب الحلية حمل الكتاب في حياته إلى نيسابور فاشتروه بأربع مائة دينار، وله تصانيف أخرى مشهورة ككتاب معرفة الصحابة، والمستخرج على البخاري، والمستخرج على مسلم ودلائل النبوة، وفضائل الصحابة. وحديث معاذ بن جبل هذا أخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص238) والطبراني في الكبير، وفيه عبيد الله بن زجر. قال الهيثمي: وهو ضعيف قلت: قال أبوزرعة الرازي صدوق، وقال النسائي لا بأس به، وحسن الترمذي غير ما حديث له.

ص: 297

1621-

(10) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت) رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

1622-

(11) وعن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء،

ــ

1621-

قوله: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) بالذال المعجمة بمعنى قاطعها أو بالمهملة من هدم البناء، والمراد الموت وهو هاذم اللذات إما لأن ذكره يزهد فيها أو لأنه إذا جاء ما يبقى من لذائذ الدنيا شيئاً. قال ميرك: وصحح الطيبي بالدال المهملة حيث قال شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة، ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما يجب عليه من التزود إلى دار القرار- انتهى كلامه. لكن قال الأسنوي في المهمات: الهاذم بالذال المعجمة هو القاطع، كما قاله الجوهري. وهو المراد هنا، وقد صرح السهيلي في الروض الأنف: بأن الرواية بالذال المعجمة ذكر في غزوة أحد في الكلام على قتل وحشي لحمزة. وقال الجزري: هادم يروي بالدال المهملة أي دافعها أو مخربها وبالمعجمة أي قاطعها، وأختاره بعض من مشائخنا، وهو الذي لم يصحح الخطابي غيره وجعل الأول من غلط الرواة، كذا في المرقاة. وقال الحافظ في التلخيص (ص152) ذكر السهيلي في الروض أن الرواية فيه بالذال المعجمة، ومعناه القاطع، وأما بالمهملة فمعناه المزيل للشيء وليس ذلك مراداً هنا وفي هذا النفي نظر لا يخفى- انتهى كلام الحافظ. قال الأمير اليماني: يريد أن المعنى على الدال المهملة صحيح فإن الموت يزيل اللذات كما يقطعها ولكن العمدة الرواية والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت (الموت) بالجر عطف بيان وبالرفع خبر مبتدأ محذوف هو هو وبالنصب على تقدير أعني يعني أذكروه ولا تنسوه لأنه أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة وهذا تفسير من بعض الرواة ففي الترمذي وابن ماجه يعني الموت (رواه الترمذي) في الزهد وحسنه (والنسائي) في الجنائز (وابن ماجه) في الزهد، وأخرجه أحمد، وصححه ابن حبان والحاكم (ج4 ص321) وابن السكن وابن طاهر كلهم من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأعله الدارقطني بالإرسال، كذا في التلخيص وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط بإسناد حسن والبيهقي في شعب الإيمان، وفي الباب عن أنس وابن عمرو أبي سعيد ذكرهم المنذري في الترغيب (ج4 ص70-71) والمتقي في الكنز (ج8 ص70-71) .

1622-

قوله: (ذات يوم) قيل: ذات مقحم. وقيل: صفة لمدة. وقيل: غير ذلك (لأصحابه) ليس هذا اللفظ في مسند الإمام أحمد ولا في الترمذي (استحيوا من الله حق الحياء) أي حياء ثابتاً لازماً صادقاً، قاله المناوي. وقيل:

ص: 298

قالوا: إنا نستحي من الله يا نبي الله! والحمد لله، قال: ليس ذلك، ولكن من استحي من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء))

ــ

أي اتقوا الله حق تقاته (قالوا إنا نستحي من الله يا نبي الله) وفي المسند: قال قلنا يا رسول الله إنا نستحي، وفي الترمذي: قلنا يا نبي الله إنا لنستحي. قال القاري: لم يقولوا حق الحياء اعترافاً بالعجز عنه (والحمد لله) على توفيقنا به (قال ليس ذلك) أي ليس حق الحياء من الله تعالى ما تحسبونه (فليحفظ الرأس) أي عن استعماله في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبراً على عباد الله (وما وعى) من الوعي وهو الحفظ أي ما جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل (وليحفظ البطن) أي عن أكل الحرام (وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى. قال الطيبي: أي ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه، وقوله: عما لا يرضاه فليحفظ رأسه وما وعاه من الحواس الظاهرة والباطنة من السمع والبصر واللسان حتى لا يستعملها إلا في ما يحل والبطن وما حوى أي لا يجمع فيها إلا الحلال ولا يأكل إلا الطيب، وقوله: ليس ذلك رد لحملهم الحياء على ما تعورف مطلقاً لما ضم إليه من التقييد بقوله حتى الحياء ولذلك أعادها في الجواب يعني حق الحياء، أن لا يترك شيئاً منها وما يتصل بها وما يتفرغ عليها إلا أن يتحرى ويقام به كما قال الله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102] قال صاحب الكشاف: أي واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالواجب واجتناب المحارم ونحوه فاتقوا الله ما استطعتم يريد بالغوا بالتقوى حتى لا تتركوا في المستطاع منها شيئاً- انتهى. (وليذكروا الموت والبلى) بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقاً متفتتاً يعني وليذكر صيرورته في القبر عظاماً بالية، لأن من ذكر هذا هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة (ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القاري. وقال المناوي: لأنهما ضرتان فمتى أرضيت أحديهما أغضبت الأخرى، واللفظ المذكور لأحمد، ولفظ الترمذي: ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ويذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى (فمن فعل ذلك) أي جميع ما ذكر (فقد استحي من الله حق الحياء) قال الطيبي: المشار إليه جميع ما سبق فمن أهمل من ذلك شيئاً لم يخرج من عهدة الاستحياء فظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي وأن الله سبحانه وتعالى

ص: 299

رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1623 -

(12) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تحفة المؤمن الموت)) رواه البيهقي في شعب الإيمان.

ــ

هو العالم والواقف على ما ينشأ منها من القبائح فحق الحياء أن يستحي منه ويصونها عما يعاب فيها (رواه أحمد)(ج1ص387)(والترمذي) في الزهد (وقال) أي الترمذي (هذا حديث غريب) إنما نعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد - انتهى. قلت: أبان بن إسحاق الأسدي ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة. وثقة العقيلي، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن معين: ليس به بأس، والصباح بن محمد البجلي الأحمسي ضعيف، أفرط فيه ابن حبان. وقال العقيلي: في حديثه وهم، ويرفع الموقوف. وقال الذهبي في الميزان: رفع حديثين هما من قول عبد الله يعني هذا، والذي رواه أحمد في مسنده (ج1ص387) بلفظ إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم- الحديث. وحديث الباب رواه الحاكم في المستدرك (ج4ص323) ولكن سمي رواية الصباح بن محارب. قال الشيخ أحمد شاكر: وهو خطأ عجيب فليس للصباح بن محارب رواية في هذا الحديث ولا هو من هذه الطبقة بل هو متأخر عن الصباح بن محمد ثم الحديث حديث الصباح بن محمد دون شك وأعجب منه أن يوافقه الذهبي على ذكر الصباح بن محمد وعلى تصحيح الحديث- انتهى. والحاصل أن سنده ضعيف، ويؤيده ما روى عن عائشة مرفوعاً بنحوه عند الطبراني في الأوسط، ذكره المنذري في الترغيب (ج4ص71) .

1623-

قوله: (وعن عبد الله بن عمرو) بالواو (تحفة المؤمن الموت) لما كانت الدنيا دار همّ وبالموت يستريح الشخص من مشقة مجاهدة النفس وغيرها، وبه يصل المحبوب إلى محبة والحياة سجن كأن الموت تحفة، وهي اسم لما كان به العبد من النفائس. وقيل: التحفة البر واللطف والطرفة، فالمراد أن الموت لطف من الله تعالى للمؤمن وبر منه ونعمة هنيئة له يوصله إلى جنته وقربه ويذهب عنه مشقة الدنيا وشدتها. وقال الطيبي: اعلم أن الموت ذريعة إلى وصول السعادة الكبرى ووسيلة إلى نيل الدرجات العلى وهو أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم المقيم وهو انتقال من دار إلى دار، فهو وإن كان في الظاهر فناء واضمحلالاً ولكنه في الحقيقة ولادة ثانية وهو باب من أبواب الجنة منه يتوصل إليها ولو لم يكن الموت لم يكن الجنة. وفي النهاية: التحفة طرفة الفاكهة وقد تفتح الحاء ثم تستعمل في غير الفاكهة من الألطاف. قال الأزهري: أصلها وحفة فأبدلت الواو تاء يريد به ماله عند الله من الخير الذي لا يصل إليه إلا بالموت- انتهى. (رواه البيهقي إلخ) وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير، وأبونعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك كما في الجامع الصغير، ونسبه المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع

ص: 300

1624-

(13) وعن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)) رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

1625-

(14) وعن عبيد الله بن خالد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

الزوائد إلى الطبراني. قال المنذري: إسناده جيد. وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وفي الباب عن جابر عند الدارقطني كما في الكنز (ج8ص77) .

1624 – قوله: (المؤمن يموت بعرق) بفتح العين المهملة والراء (الجبين) أي متلبساً بعرق الجبين، والحديث قد اختلف في معناه، فقيل: إن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت فقد تبقى عليه بقية من الذنوب فيشدد عليه وقت الموت ليخلص منها أو يكون ذلك لما يشدد عليه عند الموت لتزيد درجته، والمعنى أن حالة الموت ونزوع الروح شديد عليه فهو صفة لكيفية الموت وشدته على المؤمن وقيل هو من الحياء فإنه إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل وحياء من الله تعالى فيعرق لذلك جبينه وقيل يحتمل أن عرق الجبين علامة جعلت لموت المؤمن وإن لم يعقل معناه وقيل كناية عن كده في طلب الحلال وتضييقه على النفس بالصوم والصلاة إلى وقت الموت، والمعنى أنه يدركه الموت في حال كونه على هذه الحالة الشديدة التي يعرق منها الجبين فهو صفة للحال التي يفاجئه الموت عليها (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه) في الجنائز، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص350، 357، 360) والحاكم في المستدرك (ج1ص361) وقال على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال بعض أهل الحديث: لا نعرف لقتادة سماعاً من عبد الله بن بريدة- انتهى. قلت: قتادة بن دعامة السدوسي حافظ ثقة ثبت، لكنه مدلس ولم يصرح هنا بالتحديث. وقال البخاري: لا نعرف له سماعاً من ابن بريدة، وذكره الحافظ في تهذيب التهذيب (ج8ص355) وعبد الله بن بريدة من ثقات التابعين إلا أنه تكلم في روايته عن أبيه بريدة. قال البغوي: عن محمد بن علي الجوزجاني عن أحمد أنه ضعفه فيما يروي عن أبيه. وقال إبراهيم الحربي: عبد الله أشهر من أخيه سليمان ولم يسمعا من أبيهما وفيما روى عبد الله عن أبيه أحاديث منكرة وسليمان أصح حديثاً- انتهى. وله في البخاري من روايته عن أبيه فرد حديث ووافقه مسلم على إخراجه، وفي الباب عن ابن مسعود أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات ورجال الصحيح، قاله الهيثمي (ج2ص320) .

1625-

قوله: (وعن عبيد الله بن خالد) كذا في جميع النسخ، وهو غلط، والصواب عبيد بن خالد وهو عبيد بن خالد السلمي البَهْزي، صحابي مهاجري، يكنى أباعبد الله، سكن الكوفة. وروى عنه جماعة من

ص: 301

((موت الفجاءة أخذة الأسف)) رواه أبوداود،

ــ

الكوفيين، منهم سعد بن عبيدة، وتميم بن سلمة، شهد صفين مع علي، وبقي إلى إمرة الحجاج (موت الفجاءة) بضم الفاء والمد، أو بفتح الفاء وسكون الجيم بلا مد أي الموت بغتة. قال الجزري في النهاية: يقال فَجِئَه الأمر وَفَجأهُ فَجاءة بالضم والمد، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد- انتهى. (أخذة الأسف) هكذا في جميع النسخ. وفي أبي داود: أخذة أسف بدون اللام، وكذا في مسند الإمام أحمد والبيهقي، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج11ص398) والسيوطي في الجامع الصغير، وعلى المتقى في الكنز، والأسف روى بفتح المهملة بمعنى السخط والغضب، وبكسرها ككتف بمعنى الساخط والغضبان. قيل وهذه الإضافة فيه بمعنى من نحو خاتم فضة. قال الزين: لأن اسم الغضب يقع على الأخذة وقوع اسم الفضة على الخاتم يعني أن موت الفجاءة من آثار غضب الله وسخطه حيث لم يتركه، لأن يستعد للآخرة بالتوبة والعمل ولم يمرضه ليكون كفارة لذنوبه، وهذا للكافر ولمن ليس على طريقة محمودة (أي الفاسق الغير المتأهب للموت) بدليل الرواية الأخرى. قال التوربشتي: والمعنى أن موت الفجاءة من آثار غضب الرب. لأنه أخذ بغتة فلم يتفرغ لأن يستعد لمعاده على سنة من درج من عصاة الأولين. قال الله تعالى: {أخذناهم بغتة} [الأنعام: 44] قال: والحديث مخصوص بالكفار للحديث الآخر، والظاهر أن موت الفجاءة مما لا يحمد ويستعاذ منه بالله- انتهى. قلت: روى الطبراني في الأوسط عن أبي أمامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من موت الفجاءة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت. قال الهيثمي: وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي، وهو متروك، وروى أحمد والبزار والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات موت الفجاءة ومن لدغ الحية- الحديث. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة (رواه أبوداود) في الجنائز وأخرجه أيضاً أحمد (ج3ص424) والبيهقي (ج3ص378) واختلف فيه على شعبة عن منصور، فرواه يحيى بن سعيد عن شعبة مرة مرفوعاً مرة أخرى موقوفاً من قول عبيد بن خالد، ورواه عنه روح بن عبادة فرفعه، كما في البيهقي، ورواه محمد بن جعفر عنه فوقفه، كما في مسند الإمام أحمد، والبيهقي. قال المنذري في مختصر السنن: قد روى هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود (عند البيهقي واختلف في رفعه ووقفه) وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة (حديث عائشة أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط، وذكر البيهقي الاختلاف في رفعه ووقفه، وفيه أيضاً عبيد الله بن الوليد الوصافي. قال الهيثمي: متروك) وفي كل منها مقال. وقال الأزدي: ولهذا الحديث طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المنذري: وحديث عبيد هذا رجال إسناده ثقات والوقف فيه لا يؤثر فإن مثله لا يؤخذ بالرأي وكيف وقد أسنده مرة الراوي- انتهى.

ص: 302

وزاد البيهقي في شعب الإيمان، ورزين في كتابه: أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن.

1626-

(15) وعن أنس، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله! وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف)) . رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

ــ

(وزاد البيهقي في شعب الإيمان ورزين في كتابه) التجريد، وقول المصنف زاد إلخ. يدل بظاهره على أن الزيادة "للكافر ورحمة للمؤمن" وقع عند البيهقي ورزين في حديث عبيد بن خالد، وفيه نظر، فإن الرواية مع الزيادة المذكورة حديث آخر مستقل مروي عن عائشة. أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى (ج3ص379) وقد تقدم الكلام فيه آنفاً (أخذة الأسف) وفي بعض النسخ: أخذة أسف، كما في البيهقي وغيره، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (للكافر) وعند البيهقي وأحمد والطبراني الفاجر وهو يعم الكافر والفاسق الغير المتأهب للموت (ورحمة) بالرفع (للمؤمن) أي المتأهب المراقب له.

1626-

قوله: (وهو في الموت) أي في سكراته (كيف تجدك) قال ابن الملك: أي كيف تجد قلبك أو نفسك في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة أراجياً رحمة الله أو خائفاً من غضب الله (أرجو الله) أي أجدني أرجو رحمته (وإني) أي مع هذا (أخاف ذنوبي) قال الطيبي: علق الرجاء بالله والخوف بالذنب، وأشار بالفعلية إلى أن الرجاء حدث عند السياق (النزع) وبالاسمية والتأكيد بأن إلى أن خوفه كان مستمراً محققاً (لا يجتمعان) أي الرجاء والخوف (في مثل هذا الموطن) أي في هذا الوقت، وهو زمان سكرات الموت ومثله كل زمان يشرف على الموت حقيقة أو حكماً كوقت المبارزة وزمان القصاص ونحوهما. فلا يحتاج إلى القول بزيادة المثل. وقال الطيبي: مثل زائدة، والموطن إما مكان أو زمان كمقتل الحسين رضي الله تعالى عنه (ما يرجو) أي من الرحمة (وآمنه مما يخاف) أي من العقوبة بالعفو والمغفرة. قال السندي: والحديث يدل على أنه ينبغي وجود الأمرين (الرجاء والخوف) على الدوام حتى في ذلك الوقت (أي وقت الإشراف على الموت) وأنه لا ينبغي أن يغلب في ذلك الوقت بحيث لا يبقي من الخوف شيء- انتهى. فالحديث مؤيد لمن قال لا يهمل عند الإشراف على الموت جانب الخوف أصلاً بحيث يجزم أنه آمن، وفيه رد على من استحب الاقتصار على الرجاء في ذلك الوقت. والله تعالى اعلم (رواه الترمذي) في الجنائز (وابن ماجه) في الزهد، وأخرجه أيضاً ابن السني

ص: 303