الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإذخر)) . رواه أحمد، والترمذي، إلا أنه لم يذكر: ثم أتى بكفنه إلى آخره.
(3) باب ما يقال عند من حضره الموت
{الفصل الأول}
1630-
1631- (1- 2) عن أبي سعيد، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقنوا موتاكم
ــ
(إذ جعلت) أي البردة (على رأسه قلصت) بفتحتين أي قصرت وانكشفت واجتمعت وانضمت (حتى مدت) بضم الميم أي وضعت ممدودة (وجعل على قدميه الإذخر) حشيشة معروفة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب وتجعل في القبور. قال الطيبي: لكن تستدعى المخالفة بالنفي والإثبات بين الكلامين لفظاً أو معنى، فأين المخالفة بينهما. قلت: المعنى إني تركت متابعة أولئك السعادة الكرام وما اقتفيت أثرهم حيث هيأت لكفني مثل هذا الثوب النفيس لكن حمزة سار بسيرهم فما وجد ما يواريه حيث جعل على قدميه الإذخر- انتهى. (رواه أحمد)(ج5ص111وج6ص395- 396)(والترمذي) في الجنائز (إلا أنه) أي الترمذي (لم يذكر ثم أتى بكفنه إلى آخره) لحديث حارثة بن مضرب ثلاث طرق: الأولى طريق شريك عن أبي إسحاق عن حارثة عند أحمد (ج5ص109) اقتصر فيها على ذكر النهي عن تمني الموت. والثانية طريق شعبة عن أبي إسحاق، وهي عند الترمذي، وكذا عند أحمد (ج5ص110) . والثالثة طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، وهي عند أحمد (ج6ص395- 396) وهي التي ذكر لفظها في المشكاة.
(باب ما يقال عند من حضره الموت) أي علامته.
1630-
1631- قوله: (لقنوا) أي ذكروا (موتاكم) أي الذين هم في سياق الموت سماهم الموتى، لأن الموت قد حضر لهم. قال الطيبي: أي من قرب منكم الموت سماه باعتبار ما يؤل إليه مجازاً، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: اقرؤا على موتاكم يس- انتهى. ويدل عليه أن ابن حبان روى هذا الحديث عن أبي هريرة
لا إله إلا الله)) رواه مسلم.
ــ
باللفظ المذكور وزاد فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه ما أصاب قبل ذلك، ذكره الحافظ في التلخيص. وقال فيه: وروى من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن جده بلفظ: من لقن عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة- انتهى. والتلقين أن يذكره عنده ويقوله بحضرته ويتلفظ به عنده حتى يسمع ليتفطن فيقوله لا أن أن يأمره به ويقول قل لا إله إلا الله إلا أن يكون كافراً فيقول له قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وللغلام اليهودي. والمقصود من هذا التلقين أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله كما في الحديث الآتي في الفصل الثاني من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، ولذلك قالوا إذا قال مرة لا تعاد عليه إلا أن يتكلم بكلام آخر. وفي الترمذي: روى عن ابن المبارك أنه لما حضرته الوفاة جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله ويكثر عليه فقال له عبد الله إذا قلت ذلك مرة فإنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام. قال النووي: والأمر بهذا التلقين أمر ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الإكثار عليه والموالاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق - انتهى. وقال القاري: الجمهور على أنه يندب هذا التلقين، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه وذهب إليه جمع بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه- انتهى. (لا إله إلا الله) قيل: أي ومحمد رسول الله، فالمراد كلمتا الشهادة. قال الزين بن المنير: قول لا إله إلا الله لقب جري على النطق بالشهادتين شرعاً- انتهى. وقال الدميري: نقل في الروضة عن الجمهور الاقتصار على لا إله إلا الله، ونقل جماعة من الأصحاب أنه يضيف إليها محمد رسول الله، لأن المراد ذكر التوحيد، والمراد موته مسلماً ولا يسمى مسلماً إلا بهما والأول أصح. أما إذا كان المحتضر كافراً فينبغي الجزم بتلقين الشهادتين لأنه لا يصير مسلماً إلا بهما، كذا في السراج المنير. قلت: كلمة لا إله إلا الله كلمة إسلام وكلمة ذكر فإذا قالها الكافر ليدخل في الإسلام، فهي كلمة إسلام وكلمة الإسلام هي كلمتا الشهادة جميعاً، وإذا ذكر بها المسلم فهي ذكر كسائر الأذكار، كما قال صلى الله عليه وسلم أفضل الذكر لا إله إلا الله، والظاهر أن المراد في حديث الباب تلقينها من حيث أنها كلمة ذكر فلا يشترط قول محمد رسول الله عند المحتضر فإنه ليس بذكر وإن كان ركن الإسلام، والمراد بموتاكم موتى المسلمين. وأما موتى غيرهم فيعرض عليهم الإسلام كما عرضه عليه السلام على عمه عند السياق وعلى الغلام الذمي الذي كان يخدمه. قال في المجموع: يذكر عند المحتضر لا إله إلا الله بلا زيادة عليها فلا تسن زيادة محمد رسول الله لظاهر الأخبار وقيل: تسن زيادته لأن المقصود بذلك التوحيد، ورد بأن هذا موحد، ويؤخذ من هذه العلة ما بحثه الأسنوي: أنه لو كان كافراً لقن الشهادتين وأمر بهما، قال القسطلاني (رواه مسلم) في الجنائز، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير. وقال: رواه أحمد، ومسلم والأربعة (الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه)
1632-
(3) وعن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرتم المريض، أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) رواه مسلم.
1633-
(4) وعنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به
ــ
عن أبي سعيد ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة والنسائي عن عائشة- انتهى. وفي الباب عن جماعة من الصحابة، كما في مجمع الزوائد والنيل. قال العقيلي: روى في الباب أحاديث صحاح عن غير واحد من الصحابة.
1632-
قوله: (وعن أم سلمة) أم المؤمنين (إذا حضرتم المريض أو الميت) أي الحكمي، وهو المحتضر فأو للشك أو الحقيقي فأو للتنويع، قاله القاري. وفي أبي داود والبيهقي: إذا حضرتم الميت من غير ذكر المريض (فقولوا خيراً) قال السندي: أي أدعوا له بالخير لا بالشر أو أدعوا بالخير مطلقاً لا بالويل ونحوه والأمر للندب، ويحتمل أن المراد فلا تقولوا شراً فالمقصود النهي عن الشر بطريق الكناية لا الأمر بالخير- انتهى. وقال المظهر: أي ادعوا للمريض بالشفاء وقولوا: اللهم اشفه وللميت بالرحمة والمغفرة وقولوا اللهم اغفر له وارحمه (فإن الملائكة) أي ملك الموت وأعوانه أو غيره (يؤمنون) بالتشديد من التأمين أي يقولون آمين (على ما تقولون) أي من الدعاء خيراً أو شراً ودعاء الملائكة مستجاب، وفي الحديث الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم، قاله النووي. (رواه مسلم) في الجنائز مطولاً. وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج3 ص384) وابن أبي شيبة (ج4 ص74) .
1633-
قوله: (ما من مسلم تصيبه مصيبة) أي مصيبة كانت لقوله صلى الله عليه وسلم كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة رواه ابن السني، قاله الزرقاني. (فيقول ما أمره الله به) المراد بالأمر الندب بالترغيب فيه وترتيب الأجر فإنه بمنزلة الندب وإلا فلا أمر في قوله تعالى:{وبشر الصابرين} الآية [البقرة:155} وقال الآبي: يحتمل الأمر أنه بوحي في غير القرآن، ويحتمل أن الأمر مفهوم من الثناء على قائل ذلك، لأن المدح على الفعل يستلزم الأمر به. وقال الباجي: لم يرد لفظ الأمر بهذا القول، لأنه إنما ورد القرآن بتبشير من قاله والثناء عليه، ويحتمل أن يشير إلى غير القرآن فيخبر صلى الله عليه وسلم عن أمر الباري لنا بذلك، ولذا وصله بقوله اللهم أجرني إلخ. وقال الطيبي: فإن قلت أين الأمر في الآية؟ قلت: لما أمره بالبشارة وأطلقها ليعم كل مبشر به، وأخرجه مخرج الخطاب ليعم كل أحد نبه على تفخيم الأمر وتعظيم شأن هذا القول، فنبه بذلك على كون القول مطلوباً وليس الأمر
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها. فلما مات أبوسلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
إلا طلب الفعل. وأما التلفظ بذلك مع الجزع فقبيح وسخط للقضاء. وقال القاري: والأقرب أن كل ما مدح الله تعالى في كتابه من خصلة يتضمن الأمر بها، كما أن المذمومة فيه تقتضي النهي عنها (إنا) بدل من ما أي إن ذواتنا وجميع ما ينسب إلينا (لله) ملكاً وخلقاً (وإنا إليه راجعون) في الآخرة (اللهم) ظاهره أنه من جملة ما أمره الله به، كما تقدم عن الباجي. قال ابن حجر: الظاهر أن الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم أمته أنه أمرهم أن يقولوا ذلك كله بخصوصه (أجرني) بسكون الهمزة وضم الجيم وبالمد وكسر الجيم على أنه من باب الأفعال. قال في النهاية: أجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء، وكذلك اَجَره يأجُرُه والأمر منها آجِرني وأجُرني (في مصيبتي) قال القاري: الظاهر أن في بمعنى باء السببية (واخلف لي خيراً منها) أي اجعل لي خلفاً مما فات عني في هذه المصيبة خيراً من الفائت فيها، ففي الكلام تجوز وتقدير. قال في النهاية: يقال خلف الله لك خلفاً بخير واخلف عليك خيراً أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه. وقيل: إذا اذهب للرجل ما يخلفه مثل المال والولد. قيل: أخلف الله لك وعليك وإذا ذهب له ما لا يخلفه غالباً كالأب والأم. قيل: خلف الله عليك، وقد يقال: خلف الله عليك إذا مات لك ميت أي كان الله خليفة عليك وأخلف الله عليك أي أبدلك- انتهى. وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: واخلف لي هو بقطع الهمزة وكسر اللام، قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك مثله فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم أو أخ لمن لا جد له ولا والد له. قيل: خلف الله عليك بغير ألف كان الله خليفة منه عليك - انتهى. (فلما مات أبوسلمة) تعني زوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (قلت) في نفسي أو باللسان تعجباً (أي المسلمين خير) وفي رواية لمسلم: مَن خير من أبي سلمة. قال الطيبي: تعجب من تنزيل قوله صلى الله عليه وسلم: إلا أخلف الله خيراً منها على مصيبتها استعظاماً لأبي سلمة انتهى يعني على زعمها (أول بيت) استئناف فيه بيان للتعجب وتعليل له، والتقدير فإنه أول بيت أي أول أهل بيت (هاجر) أي مع عياله، قاله القاري. وقال الآبي: تعجبت أم سلمة لاعتقادها أنه لا أخير من أبي سلمة ولم تطمع أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من هذا العموم وتعني بقولها من خير من أبي سلمة بالنسبة إليها فلا يكون خيراً من أبي بكر، لأن الأخير في ذاته قد لا يكون خيراً لها، ويحتمل أن تعني أنه خير مطلقاً والإجماع على أفضلية أبي بكر إنما هو على من تأخرت وفاته
ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) . رواه مسلم.
1634-
(5) وعنها، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه سلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله،
ــ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل هو أفضل ممن تقدمت وفاته، فيه خلاف فلعلها أخذت بأحد القولين وقولها أول بيت هاجر يدل على أنه أرادت أنه أفضل مطلقاً بالنسبة إليها- انتهى. والظاهر أن الخيرية بالنسبة إليها وباعتبار نفسها والله اعلم. (ثم إني قلتها) أي كلمة الاسترجاع والدعاء المذكور بعدها (فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بأني جعلني زوجته وكان عوض خير لي من زوجي أبي سلمة (رواه مسلم) في الجنائز، وأخرجه أيضاً مالك وأبوداود فيه، والنسائي في اليوم والليلة، وأخرجه الترمذي في الدعوات وابن ماجه في الجنائز عن أم سلمة عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1634-
قوله: (وقد شق بصره) أي بقي بصره منفتحاً. قال النووي: هو بفتح الشين ورفع بصره، وهو فاعل شق، هكذا ضبطناه وهو المشهور، وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضاً والشين مفتوحة بلا خلاف قال القاضي: قال صاحب الأفعال يقال شق بصر الميت وشق بصر الميت وشق الميت بصره، ومعناه شخص، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعاً: ألم تروا أن الإنسان إذا مات شخص بصره قالوا بلى قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه. وقال ابن السكيت في الإصلاح، والجوهري حكاية عن ابن السكيت: يقال شق بصر الميت ولا يقال شق الميت بصره (يعني أن شق ههنا لازم لا متعد بمعنى انفتح لا فتح) وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه- انتهى. (فأغمضه) أي غمض رسول الله صلى الله عليه وسلم عيني أبي سلمة لئلا يقبح منظره، والإغماض بمعنى التغميض والتغطية (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) يحتمل أن يكون علة للإغماض كأنه قال أغمضته لأن الروح إذا خرج من الجسد تبعه البصر في الذهاب فلم يبق لانفتاح بصره فائدة، وأن يكون بياناً لسبب الشق، والمعنى أن المحتضر يتمثل له ملك الموت فينظر إليه ولا يرتد طرفه حتى تفارقه الروح ويضمحل بقايا قوى البصر فيبقى البصر على تلك الهيئة. قال التوربشتي: يحتمل هذا وجهين: أحدهما أن الروح إذا قبض تبعه البصر أي في الذهاب، فلهذا أغمضته لأن فائدة الانفتاح ذهبت بذهاب البصر عند ذهاب الروح، والوجه الآخر أن روح الإنسان إذا قبضها الملائكة نظر إليها الذي حضره الموت نظراً شزراً لا يرتد إليه طرفه حتى يضمحل بقية القوة الباصرة الباقية بعد مفارقة الروح الإنساني التي يقع لها الإدراك والتمييز دون الحيواني الذي به الحس والحركة وغير مستنكر من قدرة الله تعالى أن يكشف عنه الغطاء ساعتئذ حتى يبصر مالم يكن يبصره وهذا الوجه في حديث أبي هريرة (يعني الذي تقدم في كلام النووي) أظهر (فضج) بالجيم المشددة أي رفع الصوت بالبكاء وصاح (ناس من أهله) أي من أهل أبي سلمة