المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رواه أحمد، والنسائي. 1611 - (76) وعن جابر، أن رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: رواه أحمد، والنسائي. 1611 - (76) وعن جابر، أن رسول الله

رواه أحمد، والنسائي.

1611 -

(76) وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه له أجر شهيد)) رواه أحمد.

(2) باب تمنى الموت وذكره

{الفصل الأول}

1612-

(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنى

ــ

أيضاً ما روى الطبراني في الكبير. وقال الحافظ: أخرجه أحمد بسند حسن عن عقبة بن عبد السملي رفعه يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون نحن شهداء فيقال أنظروا، فإن كان جراحهم كجراح الشهداء تسيل دماً وريحها كريح المسك فهم شهداء فيجدونهم كذلك (رواه أحمد) (ج4:ص128-129) (والنسائي) في الجنائز. قال الحافظ: بسند حسن.

1611-

قوله: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) أي جهاد الكفار فكما يحرم الفرار من الزحف يحرم الخروج من بلد وقع فيها الطاعون بقصد الفرار والزحف في الأصل مصدر أطلق على الجيش العظيم، لأنه يرى لكثرته كأنه يزحف باسته أي دبره على الأرض. قال الطيبي: شبه به في ارتكاب الكبيرة والزحف الجيش الدهم الذي لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيباً من زحف الصبي إذا دب على أسته قليلاً قليلاً سمى بالمصدر (والصابر فيه) أي في الطاعون (له أجر شهيد) سواء مات به أو لا، لما في إثبات من الرضا والوقوف مع المقدور (رواه أحمد) بسند حسن، قاله المنذري. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه أيضاً البزار والطبراني في الأوسط وابن خزيمة. قال الحافظ: وسنده صالح للمتابعات وله شاهد جيد من حديث عائشة مرفوعاً في أثناء حديث قلت يارسول الله فما الطاعون؟ قال غدة كغدة الإبل المقيم فيها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف أخرجه أحمد وابن خزيمة. قال الحافظ: بسند حسن، وأبويعلى والطبراني في الأوسط. قال الهيثمي رجال أحمد ثقات.

(باب تمنى الموت) أي حكم تمنيه (وذكره) أي فضل ذكر الموت.

1612-

قوله: (لا يتمنى) قال الحافظ: كذا للأكثر بإثبات التحتية وهو لفظ نفي بمعنى النهى، ووقع في رواية الكشمهيني: لا يتمن على لفظ النهى أي بدون الياء، ووقع في رواية معمر في كتاب التمنى، بلفظ: لا يتمنى للأكثر،

ص: 285

أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب))

ــ

وبلفظ: لا يتمنين للكشمهيني بزيادة نون التأكيد بعد التحتية – انتهى. وقال الطيبي: الياء في قوله: لا يتمنى مثبتة في رسم الخط في كتب الحديث، فلعله نهى ورد على صيغة الخبر، أو المراد منه لا يتمن فأجرى مجرى الصحيح. وقيل: هو لفظ النهى وأشبعت الفتحة. قيل: والنفي بمعنى النهى أبلغ وآكد لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه وعدم وقوعه عنه بالكلية أو لأنه قدر أن المنهى حين ورد النهى عليه انتهى عن المنهى عنه، وهو يخبر عن انتهائه ولو ترك على النهى المحض ما كان أبلغ (أحدكم) الخطاب للصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموماً (الموت) قال التوربشتي: النهى عن تمنى الموت وإن أطلق في هذا الحديث، فالمراد منه المقيد، كما في حديث أنس الآتي، فعلى هذه يكره تمنى الموت من ضر أصابه في نفسه أو ماله، لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله في أمر يضره في دنياه وينفعه في آخرته ولا يكره للخوف في دينه من فساد (إما محسناً) قال ابن الملك: بكسر الهمزة أصله "إن ما" فأدغمت، و"ما" زائدة عوضاً عن الفعل المحذوف أي إن كان محسناً. وقال المالكي: تقديره إما أن يكون محسناً، وإما أن يكون مسيئاً، فحذف يكون مع إسمها مرتين وأبقى الخبر وأكثر ذلك إنما يكون بعد أن، ولو قال زين العرب كقوله الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وقال السندي: إما بكسر الهمزة بتقدير يكون أي لا يخلو التمنى إما يكون محسناً فليس له أن يتمنى فإنه لعله يزداد خيراً بالحياة وإما مسيئاً فكذلك ليس له أن يتمنى فإنه لعله أن يستعتب أي يرجع عن الإساءة ويطلب رضاءالله تعالى بالتوبة. وجملة إما محسناً إلخ بمنزلة التعليل للنهى، ويمكن أن يكون إما بفتح الهمزة، والتقدير إما إن كان محسناً فليس له التمنى لأنه لعله يزداد بالحياة خيراً فهو مثل قوله تعالى:{فأما إن كان من المقربين} [الواقعة:88] والله تعالى أعلم – انتهى. (فلعله) جواب إن الشرطية (أن يزداد خيراً) أي من فعل الخير (وإما مسيئاً فلعله أي يستعتب) أي يرجع عن موجب العتب عليه. وقيل: أي يطلب العتبى وهو الرضا أي يطلب رضاءالله تعالى بالتوبة ورد المظالم وتدارك الفائت. وقال الحافظ: يستعتب أي يسترضى الله بالإقلاع والاستغفار والاستعتاب طلب الأعتاب. والهمزة للإزالة أي يطلب إزالة العتاب عاتبه لامه واعتبه أزال عتابه. قال الكرماني: وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال إنما ينبني من الثلاثي لا من المزيد. قال ابن الملك: لعل هنا بمعنى عسى. وقال القسطلاني: لعل في الموضعين للرجاء المجرد من التعليل وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو {وأتقو الله لعلكم تفلحون} [آل عمران:200،130] انتهى. قال الحافظ: وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهى عن تمنى الموت والدعاء به هو انقطاع العمل وبالموت فإن الحياة يتسبب منها العمل وبالعمل يحصل زيادة الثواب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد، فهو أفضل الأعمال ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد عن الإيمان، لأن ذلك نادر والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك وقد وقع لكن نادراً فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها

ص: 286

رواه البخاري.

1613 -

(2) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع أمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً))

ــ

طال عمره أو قصر فتعجيله لطلب الموت لا خير له فيه- انتهى. (رواه البخاري) في المرضى، وفي التمني وأخرجه أيضاً أحمد في مواضع والنسائي في الجنائز، والدارمي والبيهقي (ج3:ص377) .

1613 – قوله: (لا يتمنى) وفي مسلم: لا يتمنين بزيادة نون التأكيد، وهكذا في جامع الأصول (ج3:ص108) (أحدكم الموت) أي بقلبه (ولا يدع) أي بلسانه (به) أي بالموت. وقال الحافظ: الدعاء بالموت أخص من تمنى الموت وكل دعاء تمنى من غير عكس. قال ابن الملك: قوله: لا يدع بحذف الواو على أنه نهى. قال الزين: وجه صحة عطفه على النفي من حيث أنه بمعنى النهى. وقال ابن حجر: فيه إيماء إلى أن الأول نهى على بابه، ويكون قد جمع بين لغتي حذف حرف العلة وإثباته (من قبل أن يأتيه) قال الحافظ: وهو قيد في الصورتين، ومفهومه أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك، وهو كذلك ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة: اللهم اغفرلي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، إشارة إلى أن النهى مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره ما كان استحضاره وإيثاره الأخفى على الأجلى تشحيذاً للأذهان (إنه) بكسر الهمزة والضمير للشأن وهو استئناف فيه معنى التعليل (إذا مات) أي أحدكم (انقطع أمله) أي رجاءه من زيادة الخير. قال الطيبي: بالهمزة في الحميدى وجامع الأصول، وفي شرح السنة بالعين- انتهى. قلت: وكذا وقع في النسخ الموجودة عندنا لصحيح مسلم عمله أي بالعين المهملة، وكذا ذكره المنذري في الترغيب، وكذا وقع في جامع الأصول (ج3:ص108) وقال النووي: هكذا هو في بعض النسخ عمله، وفي كثير منها أمله، وكلاهما صحيح لكن الأول أجود وهو المكرر في الأحاديث (وإنه) أي الشأن (لا يزيد المؤمن عمره) بضم الميم ويسكن أي طول عمره (إلا خيراً) لصبره على البلاء وشكره على النعماء ورضاه بالقضاء وامتثاله أمر المولى. قال الحافظ: واستشكل بأنه قد يعمل السيئات فيزيد عمره شراً وأجيب بأجوبة: أحدها حمل المؤمن على الكامل، وفيه بعد. والثاني أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه إما من إجتناب الكبائر وإما من فعل حسنات أخر قد تقاوم بتضعيفها سيئاته ومادام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير. والثالث يقيد ما أطلق في هذه الرواية بما وقع في الرواية المتقدمة من الترجي حيث جاء بقوله لعله والترجي مشعر بالوقوع غالباً لا جزماً، فخرج الخبر مخرج تحسين الظن بالله وأن المحسن يرجو من الله الزيادة بأن يوفقه للزيادة من

ص: 287

رواه مسلم.

1614-

(3) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)) متفق عليه.

ــ

عمله الصالح وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله ولا قطع رجاءه (رواه مسلم) في الدعوات، وأخرجه أيضاً أحمد.

1614 – قوله: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر) بضم الضاد وتفتح أي من أجل ضرر مالي أو بدني (أصابه) فإنه يدل على الجزع في البلاء وعدم الرضاء بالقضاء. قال الحافظ: قوله من ضر أصابه. حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهى، ويمكن أن يؤخذ من رواية ابن حبان لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا على أن في هذا الحديث سببية أي بسبب أمر من الدنيا وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب كما في الموطأ: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. وعند أبي داود من حديث معاذ مرفوعاً فإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون (فإن كان) أي أحدكم (لا بد فاعلاً) ما ذكر من تمنى الموت، ففي رواية للبخاري فإن كان لا بد متمنياً للموت (فليقل إلخ) أي فلا يتمن صريحاً بل يعدل عنه إلى التعليق بوجود الخير فيه. قال الحافظ: هذا يدل على أن النهى عن تمنى الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن في التمنى المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المختوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء، وقوله: فإن كان لا بد إلخ. فيه ما يصرف عن حقيقته من الوجوب والاستحباب، ويدل على أنه لمطلق الإذن لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته (اللهم أحيني) أي أبقني على الحياة (ما كانت الحياة) أي مدة بقاءها (خيراً لي) أي من الموت، وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية والأزمنة خالية عن الفتنة والمحنة (وتوفني) أي أمتني (إذا كانت الوفاة خيراً لي) من الحياة بأن يكون لأمر عكس ما تقدم. قال العراقي في شرح الترمذي: لما كانت الحياة حاصلة وهو متصف بها حسن الإتيان بما أي ما دامت الحياة متصفة بهذا الوصف، ولما كانت الوفاة معدومة في حال التمنى لم يحسن أن يقول ما كانت بل أتى بإذا الشرطية فقال إذا كانت أي إذا آل الحال إلى أن تكون الوفاة بهذا الوصف (متفق عليه) أخرجه البخاري في المرضى والدعوات، ومسلم في الدعوات، وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي في الجنائز وابن ماجه في الزهد والبيهقي (ج3:ص377) .

ص: 288

1615-

(4) وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه،

ــ

1615-

قوله: (من أحب لقاء الله) أي المصير إلى الدار الآخرة بمعنى أن المؤمن عند الغرغرة يبشر برضوان الله فيكون موته أحب إليه من حياته، قيل: الحب هنا هو الذي يقتضيه الإيمان بالله والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلة. وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا فلا يجب استمرار الإقامة فيها بل يستعد للارتحال عنها والكراهة بضد ذلك، واللقاء على وجوه منها الرؤية، ومنها البعث كقوله تعالى:{قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [الأنعام: 31] أي بالبعث ومنها الموت كقوله: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} . وقال الجزري في النهاية: المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله (وعدم الركون إلى الدنيا والرضا بحياتها والاطمينان بها) وليس الغرض به الموت، لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا، وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت، وقوله: والموت دون لقاء الله يبين أن الموت غير اللقاء لكنه معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه، ويحتمل مشاقه حتى يصل بعده إلى الفوز باللقاء. قال الطيبي: يريد أن قول عائشة "إنا لنكره الموت" يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت، وليس كذلك، لأن لقاء الله غير الموت. بدليل قوله: في الرواية الأخرى، والموت دون لقاء الله لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله. قال الحافظ: وقد سبق ابن الأثير إلى تفسير لقاء الله بغير الموت الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام فقال: ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة قال ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوماً بحب الحياة فقال:{إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} . قلت: الصواب في معنى الحديث ما فسره به قائله صلى الله عليه وسلم وهو أن هذه المحبة محمولة على حالة النزع والاحتضار والمعاينة. قال النووي: هذا الحديث يفسر آخره أوله وبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله وكره لقاء الله، ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم- انتهى. (أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله) حين يرى ماله من العذاب عند الغرغرة (كره الله لقاءه) أي أبعده عن

ص: 289

فقالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت

ــ

رحمته وأدناه من نقمته، فإن قيل: الشرط ليس سبباً للجزاء بل الأمر بالعكس. أجيب بأن المعنى فليفرح أو فأخبره بأن الله يحب لقاءه. قال الكرماني: مثله مؤل بالإخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه، وكذلك الكراهة. قال الحافظ في قوله: أحب الله لقاءه. العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيماً وتعظيماً ودفعاً لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر، ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى، وأيضاً فعود الضمير على المضاف إليه قليل. وقال ابن الصائغ في شرح المشارق: يحتمل أن يكون لقاء الله مضافاً للمفعول فأقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول أو للفاعل الضمير أو للموصول، لأن الجواب إذا كان شرطاً فالأولى أن يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديراً (فقالت عائشة أو بعض أزواجه) كذا في هذه الرواية بالشك، وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة عند مسلم بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردد. قال الحافظ: وهذه الزيادة في هذا الحديث لا تظهر صريحاً هل هي من كلام عبادة والمعنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مراجعة عائشة أو من كلام أنس (راوي الحديث عن عبادة) بأن يكون حضر ذلك فقد وقع في رواية حميد عن أنس عند أحمد وغيره بلفظ: فقلنا يا رسول الله فيكون أسند القول إلى جماعة وإن كان المباشر له واحداً وهي عائشة، ويحتمل أيضاً أن يكون من كلام قتادة (الراوي عن أنس عن عبادة) أرسله في رواية همام (الراوي عن قتادة) ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة عنه عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة (عند مسلم) فيكون في رواية همام إدراج، وهذا أرجح في نظري، فقد أخرجه مسلم عن هداب بن خالد عن همام مقتصراً على أصل الحديث دون قوله: فقالت عائشة إلخ ثم أخرجه من رواية سعد بن عروبة موصولاً تاماً، وكذا أخرجه هو وأحمد من رواية شعبة والنسائي من رواية سليمان التيمي كلاهما عن قتادة، وكذا جاء عن أبي هريرة وغير واحد من الصحابة بدون المراجعة. وقد أخرجه أبويعلى عن هدبة بن خالد عن همام تاماً، كما أخرجه البخاري عن حجاج عن همام، وهدبة هو هداب شيخ مسلم فكان مسلماً، حذف الزيادة عمداً لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة، وقد رمز البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره أبوداود وعمر وعن شعبة، وكذا أشار إلى رواية سعيد تعليقاً، وهذا من العلل الخفية جداً -انتهى كلام الحافظ. (إنا لنكره الموت) وفي رواية سعد بن هشام: فقلت. يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت أي بحسب الطبع وخوفاً مما بعده (ليس ذلك) بكسر الكاف أي ليس الأمر كما ظننت يا عائشة إذ ليس كراهة المؤمن الموت لخوف شدته كراهة لقاء الله، بل تلك الكراهة هي كراهة الموت لإيثار الدنيا على الآخرة والركون إلى الحظوظ العاجلة إذا بشر بعذاب الله وعقوبته عند حضور الموت (ولكن المؤمن)

ص: 290

بشر برضوان الله وكرامته، فليس أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه)) . متفق عليه.

ــ

بتشديد نون لكن، ولأبي ذر: ولكن المؤمن بالتخفيف ورفع المؤمن (بشر برضوان الله) بضم الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة (مما أمامه) بفتح الهمزة أي مما يستقبله بعد الموت (فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه) وفي حديث حميد عن أنس عند أحمد: ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه (وإن الكافر إذا حضر) على بناء المفعول أي حضره الموت (بشر) فيه تهكم نحو {فبشرهم بعذاب أليم} ، أو مشاكلة للمقابلة، أو أريد المعنى اللغوي أي أخبر (بعذاب الله له) في القبر (وعقوبته) وهي أشد العذاب في النار (فليس شيء) يومئذ (أكره إليه مما أمامه) أي قدامة (فكره لقاء الله وكره الله لقاءه) وفي حديث عائشة عند عبد بن حميد مرفوعاً: إذا أراد الله بعبد خيراً قيض له قبل موته بعام ملكاً يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شراً قيض له قبل موته بعام شيطاناً فأضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعد له من العذاب جزعت نفس فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه وفي الحديث فوائد: منها أن المحتضر إذا ظهر عليه علامات السرور كان ذلك دليلاً على أنه بشر بالخير، وكذا بالعكس. ومنها أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت، لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كأن تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره، وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة، وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي، بل هي مستحبة. ومنها أن في كراهة الموت في حال الصحة تفصيلاً فمن كرهه إيثاراً للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة كان مذموماً، ومن كرهه خشية أن يفضي إلى المؤاخذة كأن يكون مقصراً في العمل لم ستعد له بالأهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب فهو معذور، لكن ينبغي لمن وجد ذلك أن يبادر إلى أخذ الأهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله (متفق عليه) فيه نظر فإن الحديث من رواية عبادة مع الزيادة المذكورة. أعني قوله فقالت عائشة أو بعض أزواجه إلى آخره من أفراد البخاري، أخرجه في أواخر الرقاق، ورواه مسلم بدون هذه الزيادة، فإنه أخرجه أولاً عن هداب بن خالد عن همام عن قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة مقتصراً على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة إلخ. وكذا أخرجه أحمد والترمذي في الجنائز والزهد، والنسائي في الجنائز من طرق أخرى عن

ص: 291

1616-

(5) وفي رواية عائشة والموت قبل لقاء الله.

1617-

(6) وعن أبي قتادة: أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال: مستريح، أو مستراح منه،

ــ

قتادة بدون المراجعة، وكذا جاء عن أبي هريرة، ثم أخرجه مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقلت يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت قال ليس كذلك ولكن المؤمن. فذكره. والحاصل أن المراجعة المذكورة ليست عند مسلم في حديث عبادة بل هي في حديث عائشة كما رأيت، فالصواب أن يعزو المصنف الحديث للبخاري فقط أو يذكر لفظ "متفق عليه" بعد قوله:"كره الله لقاءه" ثم يقول وزاد البخاري في رواية من طريق همام عن قتادة فقالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذلك الخ، وحديث عائشة مع المراجعة المذكورة أخرجه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي كلاهما في الجنائز، وابن ماجه في الزهد.

1616-

قوله: (وفي رواية عائشة إلخ) هذه الرواية عند مسلم وحده أخرجها من رواية الشعبي عن شريح ابن هانيء عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه والموت قبل لقاء الله، وعزاها الحافظ في الفتح لمسلم والنسائي وذكرها بلفظ: والموت دون لقاء الله، قال وهذه الزيادة من كلام عائشة فيما يظهر لي ذكرتها استنباطاً مما تقدم- انتهى. (والموت قبل لقاء الله) يعني لا تمكن رؤية الله قبل الموت بل بعده، أو المراد أن من أحب لقاء الله أحب الموت، لأنه يتوصل به إلى لقاءه ولا يتصور وجوده قبله، وفيه دلالة على أن اللقاء غير الموت. وقال الحافظ: وفي الحديث إن الله تعالى لا يراه في الدنيا أحد من الأحياء وإنما يقع ذلك للمؤمنين بعد الموت أخذاً من قوله والموت دون لقاء الله وقد تقدم أن اللقاء أعم من الموت فإذا انتفى اللقاء انتفت الرؤية، وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة مرفوعاً في حديث طويل وفيه: واعلموا أنكم لن تروه حتى تموتوا.

1617-

قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر) بضم الميم وتشديد الراء على البناء المجهول من المرور (عليه بجنازة) قال الحافظ: لم أقف على اسم المار ولا المرور بجنازته (فقال) صلى الله عليه وسلم (مستريح) أي هو مستريح. قال في النهاية: يقال أراح الرجل واستراح إذا رجعت إليه نفسه بعد الإعباء (أو مستراح منه) أو للتنويع أو للترديد أي لا يخلو الميت عن أن يكون من أحد هذين القسمين، فعلى الأول يراد بالميت الجنس استطراداً، وعلى الثاني

ص: 292

فقالوا: يا رسول الله! ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب)) .

ــ

الشخص الحاضر. وفي الصحيحين والمؤطا والنسائي مستريح أو مستراح منه أي بالواو بدل أو. قال السندي: الواو بمعنى أو، والتقدير هذا الميت أو كل ميت إما مستريح أو مستراح منه، أو بمعناها على أن هذا الكلام بيان لمقدر يقتضيه الكلام كأنه قال: هذا الميت أو كل ميت أحد رجلين فقال مستريح ومستراح منه. وقال الحافظ: الواو فيه بمعنى أو، وهي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم (فقالوا) أي الصحابة. قال الحافظ: ولم أقف على اسم السائل منهم بعينه إلا أن في رواية إبراهيم الحربي عند أبي نعيم قلنا فيدخل فيهم أبوقتادة، فيحتمل أن يكون هو السائل- انتهى. وهذا لفظ النسائي. وفي المؤطا والصحيحين قالوا بدون الفاء (ما المستريح والمستراح منه) أي ما معناهما. وفي رواية الدارقطني: ما المستراح منه بإعادة ما (فقال) كذا في جميع النسخ، وهكذا في جامع الأصول (ج11ص446) وفي الأصول قال بدون الفاء (العبد المؤمن) يحتمل أن يراد به التقى خاصة أي المؤمن الكامل، ويحتمل كل مؤمن (يستريح) أي يجد الراحة بالموت (من نصب الدنيا) بفتحتين أي من تعبها ومشقتها (وأذاها) من عطف العام على الخاص، كذا ذكره الحافظ قال السندي بعد نقله عن السيوطي: قلت وما أشبهه بعطف المتساويين (إلى رحمة الله) أي ذاهباً وواصلاً إليها، ومن ثم قال مسروق: ما غبطت شيئاً لشيء كمؤمن في لحده أمن من عذاب الله واستراح من الدنيا (والعبد الفاجر) أي الكافر أو ما يعمه والعاصي. قيل: الظاهر حمله على الكافر لمقابلته بالمؤمن، وعليه حمله النسائي حيث ترجم على الحديث بالاستراحة من الكفار. قلت: آخر الحديث أي الجملة الآتية يدل على أن المراد بالفاجر ما هو أعم من الكافر فإن الظلم والفساد والفجور يحصل من المسلم أيضاً كما يحصل من الكافر فيستريح العباد والبلاد من الفاجر المسلم كما تستريح من الفاجر الكافر، فالأولى حمل الفاجر هنا على العموم، كما قال القاري هو أعم من الكافر (يستريح منه) أي من شره (العباد) من جهة ظلمة عليهم ومن جهة أنه حين فعل منكراً أن منعوه آذاهم وعاداهم وإن سكتوا عنه أضر بدينهم ودنياهم (والبلاد) لما يأتي به من المعاصي فإنه يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل أو لما يقع له من غصبها ومنعها من حقها وصرفه في غير وجهه (والشجر) لقلعه إياها غصباً أو غصب ثمرها أو بما يحصل من الجدب لشوم معاصيه (والدواب) لاستعماله لها فوق طاقتها وتقصيره في علفها وسقيها أو للجدب بمعاصيه. قال النووي: معنى استراحة العباد من الفاجر اندفاع أذاه عنهم، وأذاه كون من وجوه منها ظلمة لهم، ومنه ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك وربما نالهم ضرره وإن سكتوا عنه أثموا، وتعقب هذا

ص: 293

متفق عليه.

1618-

(7) وعن عبد الله بن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل،

ــ

بأن من ناله الأذى من أهل المنكر لا يأثم بترك الإنكار عليهم، ويكفيه أن ينكره بقلبه أو بوجه لا يناله به أذاه. قال النووي: واستراحة الدواب منه لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا يطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك واستراحة البلاد والشجر لأنها تمنع القطر بمعصية، ولأنها يغصبها ويمنعها حقها من الشرب. وقال الطيبي: أما استراحة البلاد والأشجار فإن الله تعالى بفقده يرسل السماء عليكم مدراراً ويحي به الأرض والشجر والدواب بعد ما حبس بشوم ذنوبه الأمطار (متفق عليه) أخرجه البخاري في آخر الرقاق، ومسلم في الجنائز، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5 ص302،296،304) ومالك، والنسائي في الجنائز والبيهقي (ج3 ص379) .

1618-

قوله: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي) بكسر الكاف الموحدة وتخفيف التحتية مجمع العضد والكتف. قال الحافظ وضبط في بعض الأصول بمنكبتي بلفظ التثنية (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) قال الطيبي: أو يجوز أن تكون للتخيير والإباحة. والأحسن أن تكون بمعنى بل كما في قول الشاعر: بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح، قال الجوهري: يريد بل أنت في العين أملح شبه النبي صلى الله عليه وسلم الناسك السنالك أولاً بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ولا سكن يسلبه ثم ترقى وأضرب عنه بقوله أو عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة ويقيم فيها بخلاف عابر السبيل القاصد للبلد الشاسع وبينه وبينها أودية مردية ومفاوز مهلكة وهو بمرصد من قطاع طريق، فهل له أن يقيم لحظة أو يسكن لمحة كلا، ومن ثم عقبه بقوله (عند أحمد والترمذي وابن ماجه) وعد نفسك في أهل القبور. وقال ابن عمر: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء أي سر دائماً ولا تفتر من السير ساعة فإنك إن قصرت في السير انقطعت عن المقصود وهلكت في تلك الأودية، وهذا معنى المشبه به، وأما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك لمرضك يعني عمرك لا يخلو من الصحة والمرض فإذا كنت صحيحاً سر سيرك القصد بل لا تقنع به وزد عليه ما عسى أن يحصل لك الفتور بسبب المرض وفي قوله: ومن حياتك لموتك إشارة إلى أخذ نصيب الموت وما يحصل فيه من الفتور من السقم يعني لا تقعد بسبب المرض من السير كل القعود بل ما أمكنك منه فاجتهد فيه حتى تنتهي إلى لقاء الله وما عنده من الفلاح والنجاح وإلا خبت وخسرت- انتهى. وقال النووي: معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء

ص: 294

وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)) . رواه البخاري.

ــ

فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه. وقيل: المراد أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشيء من بلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه ويجعل إقامته في الدنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع إلى وطنه، وهذا شأن الغريب أو يكون كالمسافر لا يستقر في مكانه بعينه بل هو دائم السير إلى بلد الإقامة ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهمته تحصيل الزاد للسفر فليس له همة للاستكثار من طلب متاع الدنيا (وكان ابن عمر يقول) وفي رواية: ليث عن مجاهد عند الترمذي فقال لي ابن عمر إذا أصبحت إلخ وهو مقولة مجاهد أي قال ابن عمر مخاطباً لي (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) وصية ابن عمر هذه مأخوذة من الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح وإذا أصبح لم ينتظر المساء بل يظن أن أجله يدرك قبل ذلك. قال القاري أي ليكن الموت في إمسائك وإصباحك نصب عينك مقصراً للأمل مبادراً للعمل غير مؤخر عمل الليل إلى النهار وعمل النهار إلى الليل (وخذ من صحتك) أي زمن صحتك (لمرضك) وفي رواية الترمذي: قبل سقمك أي خذ زاداً من وقت صحتك لوقت مرضك أي اغتنم صحتك واغتنم العمل فيها، والمعنى إشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض لا تجبر بذلك (ومن حياتك لموتك) أي اغتنم الأعمال الصالحة في الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وزاد في رواية الترمذي: فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غداً يعني لعلك غداً من الأموات دون الأحياء أي لا يدري هل يقال لك حي أو ميت؟ وهذا القدر الموقوف من الحديث قد جاء معناه من حديث ابن عباس مرفوعاً أخرجه الحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم والموعوظ عند الموعظة، وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالباً إلا بمن يميل إليه، وفيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الخير لأمته والحض على ترك الدنيا والاقتصار على ما لابد منه (رواه البخاري) في الرقاق وأخرجه أيضاً الترمذي في الزهد، والبيهقي (ج3 ص369) وأخرجه أحمد (ج2 ص41،24،132) وابن ماجه في الزهد مقتصراً على الحديث المرفوع، وزاد أحمد، والترمذي، وابن ماجه: وعد نفسك في أهل القبور.

ص: 295

1619-

(8) وعن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)) رواه مسلم.

ــ

1619-

قوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام) يفيد كمال ضبط الراوي وأحكام المروى (يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) قال القاري: أي لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة، وهي حسن الظن بالله بأن يغفر له، فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت وليس إليه ذلك حتى ينتهي، لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل كيلا يصادفه الموت عليها، وفي الحديث حث على الأعمال الصالحة المقتضية لحسن الظن- انتهى. وقال السندي: أي دوموا على حسن الظن وأثبتوا عليه حتى يجيء الموت وأنتم عليه قيل الأمر بحسن الظن يستلزم الأمر بحسن العمل إذ لا يحسن الظن إلا عند حسن العمل. قال الخطابي: إنما يحسن الظن بالله من حسن عمله فكأنه قال أحسنوا أعمالكم بحسن ظنكم بالله تعالى إذ من ساء عمله ساء ظنه. وقد يكون أيضاً حسن الظن بالله من جهة الرجاء وتأميل عفوه عزوجل. وقال الطيبي: أي أحسنوا أعمالك الآن حتى يحسن ظنكم بالله عند الموت فإن من ساء عمله قبل الموت يسوء ظنه عند الموت. وقال النووي في شرح المهذب: معنى تحسين الظن بالله أن يظن إن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه ورحمته وما وعد به أهل التوحيد وما يسره لهم من رحمته يوم القامة كما قال الله تعالى في الحديث الصحيح: أنا عند ظن عبدي بي. هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء، وشذ الخطابي فذكر تأويلاً آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه، وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتر به، وقال في شرح مسلم هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومعنى إحسان الظن بالله أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه قالوا وفي حالة الصحة يكون خائفاً راجياً ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح فإذا دنت إمارات الموت غلب الرجاء أو محضه، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن الافتقار إلى الله تعالى والإذعان له، ويؤيده حديث يبعث كل عبد على ما مات عليه. قال العلماء: معناه يبعث على الحال التي مات عليها ومثله حديث ثم بعثوا على نياتهم- انتهى. وسيأتي شيء من الكلام على هذا في شرح أنس آخر أحاديث الفصل الثاني من هذا الباب (رواه مسلم) في صفة النار، وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود في الجنائز، وابن ماجه في الزهد، والبيهقي، (ج3 ص378) .

ص: 296