المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثالث} 1465- 1466- (26-27) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثالث} 1465- 1466- (26-27) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن

{الفصل الثالث}

1465-

1466- (26-27) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى، ثم سألته – يعني عطاء – بعد حين عن ذلك، فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبد الله أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعد ما يخرج،

ــ

عن ابن مسعود، وهو قول الثوري، قال ابن مسعود: من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعاً - أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح -، وإن شاء أن يصلي ركعتين، كصلاة التطوع، وهو قول الأوزاعي، وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير وحده أو في جماعة، نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعد، واختاره الجوزجاني، وهذا قول النخعي ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر أنه يصليها كما يصلي مع الإمام إلا أن مالكاً استحب له ذلك من غير إيجاب، وذلك لما روى البيهقي عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال: كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد، وروى ابن أبي شيبة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: من فاته العيد يصلي ركعتين ويكبر؛ ولأنه قضاء صلاة فكان على صفتها كسائر الصلوات. قلت: وإليه ذهب البخاري، كما يدل عليه تبويبه، وهو قول الراجح عندنا.

1465-

1466- قوله (عن ابن جريج) بضم الجيم الأولى مصغراً، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، أصله رومي، ثقة، فقيه، فاضل، وكان يدلس ويرسل، مات سنة (150) أو بعدها، وقد جاوز السبعين. قال ابن جريج: لزمت عطاء بن أبي رباح سبع عشرة سنة، وقال ابن عيينة: سمعت أبي عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج ما دون العلم تدويني أحد، وقال أحمد: أول من صنف الكتب ابن جريج وابن أبي عروبة (أخبرن عطاء) أي ابن أبي رباح (لم يكن) أي الشأن (يؤذن) أن بالصلاة بفتح الذال المشددة مبنياً للمفعول خبر كان واسمها ضمير الشأن (يوم) عيد (الفطر ولا يوم) عيد (الأضحى) أي في زمنه صلى الله عليه وسلم، واليوم منصوب على الظرفية، قال ابن جريج (ثم سألته يعني عطاء) تفسير للضمير المنصوب من المصنف (بعد حين عن ذلك) أي عن تفصيله أو الإعادة لتأكيد الإفادة احتياطاً (فأخبرني) أي عطاء بالتفصيل الآتي (قال) أي عطاء (أخبرني جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن) بالتخفيف (لا أذان) أي مشروع (للصلاة) أي لصلاة العيد (يوم الفطر) ترك يوم عيد الأضحى للاكتفاء (حين يخرج الإمام) أي للصلاة (ولا بعد ما يخرج) أي

ص: 65

ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة. رواه مسلم.

1467-

(28) وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته، قام فأقبل على الناس، وهم جلوس في مصلاهم، فإن كانت له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق النساء، ثم ينصرف، فلم يزل كذلك حتى كان مروان ابن الحكم،

ــ

للخطبة، وقال القاري: حين يخرج الإمام أي أول الوقت ولا بعد ما يخرج أي عند إرادته الصلاة (ولا إقامة ولا نداء) تأكيد (ولا شيء) من ذلك قط، وهو تأكيد للنفي (لا نداء) بلا واو (يومئذٍ ولا إقامة) قال الطيبي: تأكيد على تأكيد أن كان من كلام جابر وأن كان من كلام عطاء. ذكره تفريعاً لابن جريج، يعني حدثت لك أنه لم يؤذن ثم سألتني عن ذلك بعد حين – انتهى. واستدل بقوله: ولا إقامة ولا نداء ولا شيء أنه لا يقال إمام صلاة العيد شيء من الكلام، وقد سبق الكلام فيه. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3 ص284)، وأخرجه البخاري مختصراً عن عطاء عن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.

1467-

(كان يخرج) أي لصلاة العيد (يوم) عيد (الأضحى ويوم) عيد (الفطر، فيبدأ بالصلاة) أي قبل الخطبة (فإذا صلى صلاته) أي فرغ منها، ووقع في مسلم بعد صلاته لفظ "وسلم"(قام) أي للخطبة (وهم جلوس في مصلاهم) أي مستقبلي القبلة، وهي جملة اسمية حالية (فإن كانت له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (حاجة ببعث) أي ببعث عسكر لموضع (ذكره) أي البعث بتفصيله أو المبعوث ممن يريد بعثه (أو كانت له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (حاجة بغير ذلك) أي بغير البعث من مصالح المسلمين العامة أو الخاصة (وكان يقول) في أثناء خطبته (تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا) التثليث للتأكيد اعتناء بأمر الصدقة؛ لعموم نفعها وشح النفوس بها أو باعتبار من بحذائه ويمينه وشماله (وكان أكثر من يتصدق النساء) قال القاري: أكثر النسخ على رفع أكثر، ونصب النساء، وذلك لأنه – عليه الصلاة والسلام – كان يبالغ في حثهن على الصدقة أكثر، ويعلل ذلك بأنه رآهن أكثر أهل النار لكفرانهن العشير وإكثارهن اللعن والشكاة (ثم ينصرف) أي يرجع إلى بيته (فلم يزل) أي الأمر (كذلك) أي مثل ذلك، على ذلك النوال من تقديم الصلاة على الخطبة، والخطبة بالقيام على الأرض دون المنبر (حتى كان مروان ابن الحكم) قال الطيبي: كان تامة، والمضاف محذوف

ص: 66

فخرجت مخاصراً مروان حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت

ــ

أي حدوث عهده، أو أمارته يعني على المدينة من قبل معاوية، وهو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي أبوعبد الملك الأموي، وهو ابن عم عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة اثنتين من الهجرة، وقيل: عام الخندق سنة أربع أو خمس، وقيل: ولد يوم أحد، يعني سنة ثلاث، وقيل غير ذلك. وقال ابن شاهين: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين، يقال له رؤية، والصحيح أنه لاي ثبت له صحبة، جزم به جماعة منهم البخاري، قال ابن عبد البر: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا يعقل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفى أباه الحكم الذي أسلم يوم الفتح إليها فلم يزل بها حتى ولي عثمان بن عفان فرده عثمان فقدم المدينة هو وولده في خلافة عثمان، وتوفي أبوه فاستكتبه عثمان وضمه إليه، فاستولى إليه إلى أن قتل عثمان، وكان هو من أسباب قتله، ثم شهد الجمل مع عائشة، ثم صفين مع معاوية، ثم ولى إمرة المدينة لمعاوية ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية، فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة، وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية، فبايعه بعض أهل الشام سنة (64) في قصة طويلة ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس، وكان أميراً لابن الزبير فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام، ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها ثم بغته الموت، فعهد إلى ولده عبد الملك فكانت خلافته تسعة أشهر، ومات في صدر رمضان سنة (65) وله (63) أو (61) سنة، وهو أول من ضرب الدنانير الشامية التي يباع الدينار منها بخمسين، وكتب عليها قل هو الله أحد، وكان يعد في الفقهاء، قال عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتماداً على صدقه، وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقلته، ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى. قال الحافظ: فأما قتل طلحة فكان متأولاً فيه، كما قرره الإسماعيل وغيره، وأما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبوبكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميراً عندهم في المدينة قبل أن يبدو منه في الخلافة على ابن الزبير ما بدا. والله تعالى أعلم، وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم – انتهى. (فخرجت) لصلاة العيد (مخاصراً) حال من الفاعل (مروان) مفعوله، والمخاصرة أن يأخذ رجل بيد رجل يتماشيان فيقع يد كل واحد منهما عند خاصرة صاحبه عبارة عن شدة التصاقهما في المشي (فإذا) للمفاجأة (كثير بن الصلت) كثير ضد القليل، والصلت – بفتح الصاد المهملة وسكون اللام ثم مثناة فوقية -، وهو كثير بن الصلت بن معدي كرب الكندي المدني، ثقة من كبار التابعين، ووهم من جعله صحابياً، قاله الحافظ في التقريب، وقال في الفتح: تابعي كبير، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، جزم به البخاري وأبوحاتم

ص: 67

قد بنى منبراً من طين ولبن،

ــ

والعسكري وابن حبان وابن منده وابن عبد البر وغيرهم. وقدم المدينة هو وإخوته بعده فسكنها وحالف بني جمح، وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى نافع قال: كان اسم كثير بن الصلت قليلاً فسماه عمر كثيراً، ورواه أبوعوانة فوصله بذكر ابن عمر، ورفعه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أصح، وقد صح سماه كثير من عمر فمن بعده وكان له شرف وذكر، وهو ابن أخي جَمْدٍ أحد ملوك بني كندة الذين قتلوا في الردة، وقد ذكر أبوه الصلت في الصحابة لابن منده، وفي صحة ذلك نظر – انتهى. وقال الذهبي في التجريد: الصلت الكندي مختلف في صحبته – انتهى. قلت: وذكر الحافظ كثيراً هذا في الإصابة في القسم الثاني من حرب الكاف فيمن له رؤية اعتماداً على رواية أبي عوانة وشاهدها الذي ذكره الفاكهي، قال: ولهذا ساغ ذكره في هذا القسم، فكأنه كان ولد قبل أن يهاجر أبوه وهاجر به معه ثم رجع إلى بلده ثم هاجر كثير – انتهى. (قد بنى منبراً من طين ولبن) بكسر الباء الآجر قبل الطبخ لتكون الخطبة عليه، واختص كثير ببناء المنبر بالمصلى لأن داره كانت مجاورة للمصلى، كما في حديث ابن عباس عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت. قال ابن سعد: كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلى في العيدين، وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي في وسط المدينة – انتهى. قال السمهودي: وليس المراد أنها متصلة بوادي بطحان، بل بينهما بُعد، ودار كثير هذه كانت قبله للوليد بن عتبة ثم اشتهرت بكثير بن الصلت، وهو من التابعين، ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوقع التعريف بداره ليقرب إلى ذهن السامع فهم ذلك، وليس كثير بن الصلت هو الذي اختطها خلافاً لما وقع في كلام الحافظ ابن حجر، حيث قال: وإنما بنى كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلى بمجاورتها، فتعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع، وإلا فداره محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على أنه لم يكن في المصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر، وأن أول من اتخذه مروان، وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال: أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت، وهذا معضل وما في الصحيحين أصح، فقد رواه البخاري نحو رواية مسلم، وقد ذكرنا لفظه في شرح أول حديث الباب، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبوسعيد، كذا في الفتح، ولا يخالف هذا ما روى أحمد وأبوداود وابن ماجه عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: أخرج مروان المنبر يوم عيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال: يا مروان خالفت السنة

الحديث؛ لأنه يمكن الجمع بينهما فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلى، ولا بُعد في أن ينكر عليه تقديم

ص: 68

فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أباسعيد! قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم – ثلاث مرار – ثم انصرف. رواه مسلم.

ــ

الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى (فإذا مروان) هي كالتي قبلها للمفاجأة، أي فاجأنا مكان المنبر زمان الإتيان والمنازعة (ينازعني) أي يجازبني (يده) بالرفع بدل بعض من ضمير الفاعل وينصب على أنه مفعول ثانٍ (فلما رأيت ذلك) أي عزمه المنجر إلى الإصرار وعدم الانقياد بالانجرار (منه) أي من مروان (قلت) له (أين الابتداء بالصلاة) أي تقديم الصلاة على الخطبة (فقال: لا) أي لا يبتدأ بالصلاة أو لا يعتقد أن تقديم الصلاة هو السنة (يا أباسعيد قد ترك ما تعلم) أي من تقديم الصلاة على الخطبة، وقد أتينا بما هو خير من ذلك، ولذلك أجابه بقوله: لا تأتون بخير مما أعلم، لأني أعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين بعده (كلا) كلمة ردع (ثلاث مرار) راءين أي قال أبوسعيد ذلك ثلاث مرات، وإنما كرره لينزجر عن إحداثه (ثم انصرف) أي أبوسعيد من جهة المنبر إلى جهة الصلاة؛ لما في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد ذلك، ولفظه: فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أباسعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة – انتهى. فيه أن الخطبة على الأرض عن قيام أولى من القيام على المنبر، وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى؛ لأن أباسعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، والله أعلم. (رواه مسلم) أي بهذا السياق، ورواه البخاري بمعناه بزيادة، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3 ص280، 297) . هذا وقد بقيت مسائل من باب العيدين لم يذكر المصنف أحاديثها، وهي مما لا غنى عنه للطالب، ولنذكر طائفة من هذه المسائل مع الإشارة إلى أحاديثها وآثارها، ومن أحب البسط والتفصيل رجع إلى مظانها من كتب الفقة الجامع وشروح الحديث كالمغني لابن قدامة والروضة الندية والنيل، فمنها أنه يستحب الاغتسال للعيدين بالإجماع، وقد ورد فيه حديثان ضعيفان، حديث ابن عباس عند ابن ماجه، وحديث الفاكه بن سعد عند البزار والبغوي وابن قانع وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، ورواه البزار من حديث أبي رافع، وسنده ضعيف أيضاً، وفي الباب من الموقوف عن علي رواه الشافعي، وعن ابن عمر رواه مالك، ووقت الغسل بعد طلوع الفجر، وقيل: قبل

ص: 69

..........................

ــ

الفجر وبعده، وهو لليوم فيستوي فيه الذاهب إلى الصلاة والقاعد، ويندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الأطياب، لما روي فيه من حديث الحسن بن علي عند الطبراني في الكبير والحاكم، ولحديث جابر عند ابن خزيمة وحديث ابن عباس عند الطبراني في الأوسط، ومنها أنه يستحب أن يخرج إلى العيدين ماشياً وعليه السكينة والوقار؛ لعموم قوله:((إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون)) ، ولحديث علي عند الترمذي وابن ماجه وحديث عمر وسعد القرظ عند ابن ماجه وحديث سعد بن أبي وقاص عند البزار، وهذه الأحاديث الأربعة ضعيفة، وإن كان له عذر أو كان مكانه بعيداً فركب فلا بأس، ومال البخاري إلى التسوية بين المشي والركوب، كما يدل عليه تبويبه؛ لما رأى من عدم صحة الأحاديث في المشي فرجع إلى الأصل في التوسعة، ومنها أنه يشرع التكبير في العيدين عند الجماهير، وهو واجب فيهما عند بعض العلماء، والأكثر على أنه سنة، وهو الراجح لعدم ما يدل على الوجوب فيبقى على الأصل، ومنها أنه يستحب أن يكبر في طريق العيدين ويجهر بالتكبير إلى أن يصلي؛ لحديث ابن عمر عند الدارقطني والحاكم والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً وصحح البيهقي وقفه. قال الحاكم: هذه سنة تدولها أئمة الحديث، وقد صحت به الرواية عن ابن عمر وغيره من الصحابة، وفي الصغير والأوسط للطبراني عن أبي هريرة مرفوعاً:((زينوا أعيادكم بالتكبير)) ، قال الحافظ: إسناده غريب، وقال الهيثمي: فيه عمر بن راشد، ضعفه أحمد وابن معين والنسائي، وقال العجلي: لا بأس به، وفي الباب عن الزهري مرسلاً عند أبي بكر النجاد وابن أبي شيبة. قال ابن الهمام: الخلاف في الجهر بالتكبير في الفطر لا في أصله؛ لأنه داخل في عموم ذكر الله تعالى، فعندهما يجهر به كالأضحى وعنده لا يجهر، وعن أبي حنيفة كقولهما – انتهى. ومنها أنه يستحب عند كثير من أهل العلم أن يفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع تكبيرات تترى، أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن تفتتح

الخ، وهو من فقهاء التابعين، وليس قول التابعي من السنة ظاهراً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن القيم: وأما قول كثير من الفقهاء أنه تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة، والسنة تقتضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد – انتهى. ويستحب أن يكثر التكبير في أثناء الخطبة، لما روى ابن ماجه بسند ضعيف عن سعد بن قرظ المؤذن قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين، وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً. أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، وقيل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أخرجه الدارقطني عن جابر مرفوعاً، وقيل غير ذلك، وهو يدل على التوسعة في الأمر، وإطلاق الآية يقتضي ذلك. ومنها أنه إذا أدرك الإمام في التشهد جلس معه فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة فقضاها على صفتها كسائر الصلوات.

ص: 70