الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الأول}
1649-
(1) عن أم عطية، قالت:
ــ
من لم يقل بذلك. وقد توارد به القول والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه- انتهى. واستدل للوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: اغسلوه، وبقوله في حديث أم عطية اغسلنها كما سيأتي. قلت: غسل الأموات ثابت في هذه الشريعة ثبوتاً قطعياً ولم يسمع في أيام النبوة أنه مات ميت غير شهيد فترك غسله، بل هذه الشريعة في غسل الأموات ثابتة من لدن أبينا آدم عليه الصلاة والسلام، فقد روى الحاكم في المستدرك (ج2ص545) من طريق ثابت البناني عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما توفى آدم غسلته الملائكة بالماء وتراً وألحدوا له، وقالوا هذه سنة آدم في ولده. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (ج5ص136) مطولاً من طريق حميد عن الحسن عن عتي عن أبي بن كعب موقوفاً عليه، ورواه البيهقي (ج3ص404) مرفوعا من طريق خارجة ابن مصعب (وهو متروك) عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي عن أبي وموقوفاً من طريق هشيم عن يونس. واختلف في أن غسل الميت تعبد أو للنظافة، فالمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي فيشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة. وقال ابن شعبان وغيره من المالكية: إنه للتنظيف فيجزىء بالماء المضاف كماء الورد ونحوه وقال محمد بن شجاع البلخي: سبب وجوب الغسل هو الحدث، لأن الموت لا يخلو عن سابقة حدث لوجود استرخاء المفاصل وزوال العقل وهو القياس في الحي، لأن الإنسان لا ينجس لكرامته، وإنما اقتصر في الحي على الأعضاء للحرج لكثرة تكرر سبب الحدث، فلما لم يلزم سبب الحرج في الميت عاد الأصل، قال: وليس غسله للتطهير أي لإزالة نجاسة تحل بالموت، فإن الآدمي لا ينجس بالموت بتشرب الدم المسفوح في أجزاءه كرامة له؛ لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت، وقد روى عن ابن عباس أنه قال: المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً. وقال عامة مشائح الحنفية: إن غسله للتطهير من النجاسة، قالوا إن بالموت يتنجس الميت لما فيه من الدم المسفوح كما يتنجس سائر الحيوانات التي لها دم مسفوح إلا أنه إذا غسل يحكم بطهارته كرامة له فكانت الكرامة عندهم في الحكم عندهم في الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر في الجملة. والراجح عندنا أن غسله إنما هو للتعبد وأنه لا ينجس بالموت كما قال ابن عباس، والله اعلم.
1649-
قوله: (عن أم عطية) اسمها نسيبة بنت كعب الأنصارية وكانت تغسل الميتات، وقد شهدت غسل ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكت ذلك فأتقنت، وحديثها أصل في غسل الميت، ومدار حديثها على محمد وحفصة
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً
ــ
ابني سيرين، وحفظت منها حفصة ما لم يحفظ محمد بن سيرين. قال ابن المنذر: ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة (دخل علينا) أي معشر النسائي (ونحن نغسل ابنته) لم تقع في شيء من روايات البخاري ابنته هذه مسماه. والمشهور أنها زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه، وزينب أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها إلخ. وقيل: إنها أم كلثوم زوج عثمان، كما في ابن ماجه من رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. قال الحافظ: هذا الإسناد على شرط الشيخين، وكما وقع في المبهمات لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم- الحديث، وكما وقع في الذرية الطاهرة للدولابي من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: فيمكن ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة وفيه أنه وقع في رواية للبخاري قول ابن سيرين: ولا أدري أي بناته، وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وابن بشكوال ممن دون ابن سيرين، وأن أيوب لم يسمع تسميتها من حفصة بنت سيرين ولا ينافي هذا تسمية الآخر لها بزينب، لأنه علم ما لم يعلمه أيوب، وقد صرح عاصم في روايته عن حفصة عند مسلم أنها زينب. وأما رواية الدولابي فلا يلزم منها أن تكون البنت في حديث الباب أم كلثوم، لأن أم عطية كانت غاسلة الميتات، كما جزم به ابن عبد البر، فيمكن أن تكون حضرت لهما جميعاً (اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها من النساء. قال ابن بزيزة: استدل به على وجوب غسل الميت. قال ابن دقيق العيد: لكن قوله ثلاثاً ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله ثلاثاً غير مستقل بنفسه، فلابد أن يكون داخلاً تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل والندب بالنسبة إلى الايتار- انتهى. فمن جوز ذلك كالشافعية جوز الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب، ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة. واستدل على الوجوب بدليل آخر كما سبق (ثلاثاً أو خمساً) وفي رواية للنسائي اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً و"أو" هنا للترتيب لا للتخيير. قال النووي: المراد اغسلنها وتراً وليكن ثلاثاً فإن احتجن إلى زيادة فخمساً. وحاصله أن الايتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الانقاء بها لم يشرع ما فوقها، والأزيد وتراً حتى يحصل الانقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن- انتهى. وقال ابن العربي: في قوله: أو خمساً إشارة إلى أن المشروع هو الايتار، لأنه نقلهن
أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك بماء وسدر،
ــ
من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع (أو أكثر من ذلك) أي من الخمس بكسر الكاف، لأنه خطاب للمؤنث. ويدل الحديث على أنه لا تحديد في غسل الميت، بل المطلوب التنظيف، لكن لابد من مراعاة الايتار، فقد وقع في رواية للشيخين كما سيأتي: ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وفي رواية لهما ولأبي داود والنسائي: أو سبعاً أو أكثر من ذلك، وهذا ظاهر في شرعية الزيادة على السبع إن احتيج إلى ذلك (إن رأيتن ذلك) بكسر الكاف خطاب لأم عطية، فإنها كانت رئيستهن فخصت بالخطاب وعممن في قوله رأيتن. قال الطيبي: رأيت من الرأي أي إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو خمس للانقاء لا للتشهي فافعلنه. وفيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل، ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي. قال ابن المنذر: إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الايتار (بماء وسدر) بكسر السين شجر النبق، والنبق حمله وثمره. والمراد في الحديث ورق السدر، قيل الحكمة فيه: أنه يقلع الأوساخ وينقى البشرة وينعمها ويشد العصب. قال ابن التين: قوله: بماء والسدر هو السنة في ذلك، والخطمي مثله، فإن عدم فما يقوم مقامه كالأشنان والنطرون. قال الزين: قوله: بماء وسدر متعلق بقوله اغسلنها، وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف (أي الماء المقيد وهو الذي خالطه طاهر كالأشنان والصابون والزعفران والباقلاء فغير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه وبقي رقيقاً كالماء المطلق) لا يتطهر به (أي عند الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية) . قال الحافظ: وقد يمنع كون الماء يصير مضافاً بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك (أي يدلك) بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة، فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك وقال القرطبي: يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده، ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسله. وقيل. تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق. وحكى عن أحمد أنه أنكر ذلك، وقال يغسل في كل مرة بالماء والسدر. قال ابن قدامة: هذا المنصوص عن أحمد. قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر ثلاث غسلات. قلت: فيبقى عليه فقال: أي شيء يكون هو أنقى له. وذكر عن عطاء أن ابن جريج قال له إنه يبقى عليه السدر إذا غسل به كل مرة، فقال عطاء هو طهور. قال ابن قدامة. قول أحمد هذا دال على أن تغيير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته. وقيل الغسلة الأولى تكون بالماء وحده وفي الثانية تكون بماء وسدر، لأن الغسل أولاً هو الفرض، فوجب أن يكون بالماء وحده وما بعد ذلك فإنما هو على وجه التنظيف والتطييب فلا يضره ما خالطه مما يزيد في تنظيفه. وقيل: يغسل أولاً بالماء والسدر ثم بالماء وحده، لأن فرض الغسل إنما يجب أن يكون بعد المبالغة في تنظيفه. وقيل غير ذلك ولا يخفى أن هذه التأويلات كلها مخالفة لظاهر قوله اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك بماء وسدر
واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن آذنني، فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه، فقال: أشعرنها إياه. وفي رواية: اغسلنها وتراً ثلاثا أو خمساً أو سبعاً، وأبدأن
ــ
في حديث أم عطية، وقوله: اغسلوه بماء وسدر في حديث ابن عباس الآتي في المحرم، وقوله: اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر في حديث أم سليم عند الطبراني، فالراجح عندنا هو أنه يغسل في كل مرة بماء وسدر بأن يغلي الماء بالسدر ثم يغسل به، وقد روي أبوداود بإسناد صحيح عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية يغسل بالسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور. وقال ابن الهمام: الأولى كون الأوليين بالسدر كما هو ظاهر كتاب الهداية لما في أبي داود عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية يغسل بالسدر مرتين والثالث بالماء والكافور، وسنده صحيح- انتهى. (واجعلن في الآخرة) أي المرة الآخرة (كافوراً أو شيئاً من كافور) هو شك من الراوي أي اللفظتين قال. والأول محمول على الثاني، لأنه نكرة في سياق الإثبات، فيصدق بكل شئ منه. وجزم في رواية للبخاري باللفظ الأول. وظاهره أنه يجعل الكافور في الماء، ولا يضر الماء تغييره به. قيل: الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أنه فيه تجفيفاً وتبريداً وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتخلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الأرابيح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الغسلة الأخيرة، إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء، وإذا عدم الكافور قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها (فإذا فرغتن) من غسلها (آذنني) بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وفتح النون الأولى المشددة وكسر الثانية من الإيذان، وهو الأعلام، والنون الأول أصلية ساكنة، والثانية ضمير فاعل، وهي مفتوحة والثالثة للوقاية (فلما فرغنا) من غسلها (آذناه) بالمد أي أعلمناه بالفراغ (فألقى إلينا) وفي رواية: فأعطانا (حقوه) بفتح الحاء المهملة، ويجوز كسرها بعدها قاف ساكنة أي إزارة. والحقو في الأصل معقد الإزار فسمى به ما يشد على الحقو توسعاً للمجاورة (أشعرنها) بهمزة القطع أي زينب ابنته (إياه) أي الحقو أي اجعلنه شعارها. والشعار والثوب الذي يلي الجسد، لأنه يلى شعره يعني اجعلنه تحت الأكفان بحيث يلاقي بشرتها. والمراد إيصال البركة إليها والحكمة في تأخير الإزار إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولاً ليكون قريب العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين واختلف في صفة أشعارها إياه، فقيل: يجعل لها مئزراً. وقيل: تلف فيه، وهو الصواب. وفي الحديث جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل. وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك (وفي رواية) أي للشيخين (اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) ظاهره أنه لا يزاد على السبع، لأنه نهاية ما ورد في عدد التطهير، لكن ورد في رواية أخرى للشيخين وغيرهما الإذن بالزيادة عند الحاجة كما تقدم (أبدأن)
بميامنها ومواضع الوضوء منها، وقالت: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فألقيناها خلفها)) متفق عليه.
ــ
يجمع المؤنث من بدأ يبدأ (بميامنها) جمع ميمنة أي بالأيمن من بدنها من اليد والجنب والرجل يعني ابدأن بغسل أعضاء اليمين منها قبل المياسر في الغسل والوضوء (ومواضع الوضوء منها) أي وابدأن بغسل مواضع الوضوء قبل باقي الأعضاء، قال الحافظ: ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معاً. وقال الزين بن المنير: ابدأن يميامنها أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها أي في الغسلة المتصلة بالوضوء. وفيه دليل على شرعية الوضوء للميت. وأصرح منه ما ورد في حديث أم سليم عند الطبراني: فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلاً نقياً بماء وسدر فوضئيها وضوء الصلاة ثم اغسليها. قال العيني: وضوء الميت سنة كما في الاغتسال في حالة الحياة غير أنه لا يمضمض ولا يستنشق، لأنهما متعسران لتعذر إخراج الماء من الأنف والفم قال ابن قدامة في المغني: يوضأه وضوء الصلاة فيغسل كفيه ثم يأخذ خرقة خشنه، فيبلها ويجعلها على إصبعه فيمسح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ويكون ذلك في رفق ثم يغسل وجهه ويتم وضوءه، قال: ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم، كذلك قال سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأبوحنيفة. وقال الشافعي: يمضمض ويستنشق كما يفعل الحي (وقالت) أم عطية في جملة حديثها (فضفرنا) بالضاد المعجمة وتخفيف الفاء من الضفر (شعرها) أي نسجنا شعر رأسها عريضاً. قال العيني: الضفر نسج الشعر عريضاً، وكذلك التضفير. وقال الطيبي: من الضفيرة وهي النسج، ومنه ضفر الشعر وإدخال بعضه في بعض (ثلاثة قرون) أي ضفائر جمع القرن وهو الخصلة من الشعر (فألقيناها) أي الضفائر (خلفها) أي وراء ظهرها. وفي رواية: ضفرنا شعرها ناصيتها وقرنيها أي اجعلنا ناصيتها ضفيرة وقرنيها أي جانبي رأسها ضفيرتين. والمراد بالقرون في رواية الكتاب الضفائر والذوائب. ووقع في رواية: مشطناها ثلاثة قرون أي سرحنا شعرها بالمشط ثم جعلناه ثلاث ضفائر. وفيه حجة للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح شعر الميت وجعله ثلاث ضفائر وإلقاءها خلف ظهره. وقال ابن القاسم: لا أعرف الضفر. وقال العيني من الحنفية: يجعل ضفيرتين على صدرها فوق الدرع. وقال بعضهم: يسدل شعرها بين ثديها من الجانبين جميعاً تحت الخمار ولا يسدل شعرها خلف ظهرها، قالوا: ليس في الحديث إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأمور، وإنما المذكور فيه الأخبار عن أم عطية عن فعلهن، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك. وأجيب بأن الأصل أن لا يفعل بالميت شيء من القرب إلا بإذن من الشارع محقق. وقال النووي: الظاهر إطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له- انتهى. وهو عجيب، ففي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ولفظه: واجعلن لها ثلاثة قرون وترجم عليه ذكر البيان بأن أم عطية
متفق عليه.
1650-
(2) وعن عائشة، قالت: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب
ــ
إنما مشطت قرونها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا من تلقاء نفسها، وفي السنن لسعيد بن منصور: اغسلنها وتراً واجعلن شعرها ضفائر، وفي حديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهنها بالرجال. وقد ظهر بهذا بطلان قول من قال من الحنفية بأن ضفرها ومشطها وإلقاءها خلف ظهرها من باب الزينة، وهذه ليست بحال الزينة. (متفق عليه) إلا قولها فألقيناها خلفها، فإنه للبخاري فقط. والحديث أخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم.
1650-
قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن) بصيغة المجهول من التكفين. (في ثلاثة أثواب) في طبقات ابن سعد إزاراً ورداء ولفافة. وفيه رد على من قال: إن المشروع في كفن الرجل إلى سبعة ثياب. واستدل لذلك بما روى أحمد (ج1ص94، 102) والبزار وابن سعد في طبقاته (ج2ص67) ، وابن عدي في الكامل، وابن حبان في الضعفاء من حديث علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة أثواب. وأجيب عنه بأن في سنده عندهم عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وهم هو فيه. قال الحافظ في التلخيص (ص155) : هو سيء الحفظ لا يصلح حديثه للاحتجاج إذا خالف الثقات كما هنا، وقد خالف هو رواية نفسه، فإنه روى عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثوب نمرة. قال الحافظ: وروى الحاكم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية عقيل عن ابن الحنفية بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة. قلت: ويعارضه ما روى ابن ماجه من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث رياط بيض سحولية. قال في الزوائد: إسناده حسن. وقد قال الترمذي: تكفينه في ثلاثة أثواب أصح ما ورد في كفنه. وقال الحاكم: إنها تواترت الأخبار عن علي وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن مغفل وعائشة في تكفين النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، ذكره الشوكاني في النيل. وقال في السيل الجرار: لم يرو في عدد الأكفان شيء يعتمد عليه إلا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة، قال: ولم يثبت في تكفينه صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا، وكل ما روي في ذلك فهو لا يصلح لمعارضة هذا مع كونه في نفسه غير صحيح لا يحل العمل به فضلاً عن أن يعارض ما في الصحيحين وغيرهما. وفيه أيضاً رد على المالكية حيث أن المرجح عندهم في كفن الرجل خمسة ثياب: إزار ولفافتان وقميص وعمامة، وعلى الشافعي حيث قال بجواز الخمسة من غير استحباب، واستدل لذلك بما روى سعيد بن منصور أنه كفن ابنه واقداً في خمسة أثواب: قميص وعمامة وثلاث لفائف، ولا يخفى أنه فعل صحابي، وقد خالف فيه ما روى هو وغيره من الصحابة في تكفين النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أيضاً
يمانية، بيض سحولية، من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة)) .
ــ
رد على من استحسن من المتأخرين من الحنفية زيادة العمامة للعالم، وقال بأربعة أثواب في كفنه، واحتج بفعل ابن عمر المذكور. ولا يخفى ما فيه، فالصواب هو عدم الزيادة على الثلاثة. قال ابن قدامة: وتكره الزيادة على ثلاثة أثواب في الكفن لما فيه من إضاعة المال. (يمانية) بالتخفيف، وأصله يمنية بالتشديد نسبة إلى اليمن، لكن قدمت إحدى اليائين ثم قلبت الفاء أو حذفت وعوض عنها بألف على خلاف القياس. وقال الشوكاني: يمانية بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها. ووجه الأول أن الألف بدل من ياء النسبة فلا يجتمعان، فيقال يمنية بالتخفيف، وكلاهما نسبة إلى اليمن. (بيض) بكسر الباء جمع أبيض، فيستحب الثياب البيض للكفن؛ لأن الله تعالى لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل. وسيأتي حديث ابن عباس بلفظ: وكفنوا فيها. (أي في الثياب البيض) موتاكم. قال النووي: استحباب التكفين في البياض مجمع عليه. (سحولية) بضم السين والحاء المهملتين ولام، ويروي بفتح أوله نسبة إلى سحول قرية باليمن. وقال الأزهري: بالفتح المدينة، وبالضم الثياب. وقيل: النسبة إلى القرية بالضم. وأما بالفتح فنسبة إلى القصار؛ لأنه يسحل الثياب أي ينقيها، كذا في الفتح. وقال النووي بضم السين وفتحها وهو أشهر، وهو رواية الأكثرين قال في النهاية تبعاً للهروى: فالفتح منسوب إلى السحول وهو القصار؛ لأنه يسحلها أي يغسلها أو إلى سحول وهي قرية باليمن. وأما الضم فهو جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقي، ولا يكون إلا من قطن، وفيه شذوذ؛ لأنه نسب إلى الجمع. وقيل: إن اسم القرية بالضم أيضا-انتهى. وفي الصحاح السحل الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن، والجمع سحول وسحل مثل سقف، ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: ويقال سحول موضع باليمن وهي تنسب إليه. (من كرسف) بضم الكاف والسين بينهما راء ساكنة أي من قطن. ووقع في رواية للبيهقي: سحولية جدد. (ليس فيها قميص ولا عمامة) أي ليس موجوداً أصلاً، بل هي الثلاثة فقط. فالمقصود نفي وجودهما جملة. قال النووي: معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة، وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر، هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء، وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث. وقيل: معناه لم يكن القميص والعمامة من جملة الثلاثة، بل كانا زائدين على الثلاثة فيكون ذلك خمسة، وهو تفسير مالك. قال العراقي: وهو خلاف الظاهر. قال السندي: بل يرده حديث أبي بكر: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت عائشة: في ثلاثة أثواب، فقال أبوبكر لثوب عليه كفنوني فيه مع ثوبين آخرين، وهو حديث صحيح. (أخرجه مالك والبخاري وغيرهما) . قال بعض الحنفية: سألها أبوبكر وإن تولى تكفينه علي والعباس وابنه الفضل؛ لأنها كانت في البيت شاهدت ذلك-انتهى. قلت: ويؤيد التفسير الأول ما رواه ابن سعد في طبقاته عن عائشة بلفظ: ليس في كفنه
قميص ولا عمامة، والأفضل أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها، وإليه ذهب الجمهور. قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العمل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، والمستحب عند الحنفية ثلاثة ثياب كالجمهور، لكن الثلاثة عند الحنفية: إزار. (من القرن إلى القدم. وقيل: من الحقو إلى القدم كإزار الحي) ، وقميص غير مخيط ولا مكفوف ولا مزرر بلا جيب ودخاريص وكمين (من الرقبة إلى القدمين، وقيل: إلى نصف الساق) ولفافة، وكان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففاً مزرراً. واستدل الحنفية على استحباب القميص بما في قصة عبد الله بن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ابنه قميصه ليكفنه فيه. وفيه أن غاية ما فيه أنه يدل على جواز التكفين في القميص ولا اختلاف فيه، وإنما الاختلاف في الأفضلية، وفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تكرمة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وإجابة لسؤاله حين سأله ذلك ليتبرك به أبوه. وقيل: إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر، فيكون مختصاً بهذه القضية، على أن قميصه صلى الله عليه وسلم هذا كان مخيطاً مكفوف الأطراف ذا الكمين والجيب، والمستحب عند الحنفية هو غير هذا كما تقدم. واستدلوا أيضاً بما روى النسائي والطحاوي والبيهقي (ج4ص15- 16) في قصة الأعرابي من حديث شداد بن الهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في جبته صلى الله عليه وسلم. وفيه ما تقدم أنه إنما يدل على الجواز ولا اختلاف فيه، على أنه يخالف الحنفية من جهة أن المستحب عندهم إنما هو القميص الغير المخيط بلا كمين، والجبة المذكورة كانت مخيطة مكفوفة الأطراف ذات كمين واستدلوا أيضاً بما روى عن عبد الله بن مغفل أنه قال: إذا أنا مت فاجعلوا في غسلي كافوراً، وكفنوني في بردين وقميص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، أخرجه الحاكم (ج3ص578) والطبراني في الكبير، وابن سعد في طبقاته (ج2ص68) ، وبما روى البزار وابن عدي في الكامل عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض قميص وإزار ولفافة، وبما روى أحمد وأبوداود وابن ماجه والبيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة ثوبان وقميصه الذي توفي فيه، وبما روى محمد بن الحسن في كتاب الآثار، وابن سعد في طبقاته عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في حلة يمانية وقميص، وأخرجه ابن سعد أيضاً وعبد الرزاق عن الحسن نحوه، وبما روى الطبراني في الأوسط عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميص. قال الهيثمي: إسناده حسن، وبما روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال: يكفن الميت في ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة. وأجيب بأن هذه الأحاديث لا تنتهض لمعارضة حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما؛ لأنها كلها مدخولة، أما حديث ابن مغفل ففيه صدقة بن موسى. قال الحافظ:
صدوق، له أوهام. قلت: وضعفه ابن معين وأبوداود والنسائي والدولابي والساجي. وقال أبوأحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال الترمذي: ليس عندهم بذاك القوي. وقال البزار: ليس بالحافظ عندهم، وقال في موضع آخر: ليس به بأس. وأما حديث جابر بن سمرة فقد تفرد به ناصح بن عبد الله المحلمي، وهو منكر الحديث قاله البخاري غيره. وأما حديث ابن عباس ففيه يزيد بن أبي زياد وقد تغير، وهذا من ضعيف حديثه. قال النووي: هذا الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به؛ لأن يزيد بن أبي زياد مجمع على ضعفه، سيما وقد خالف روايته رواية الثقات. وقال السندي: ولا يخفى أن التكفين في القميص الذي مات فيه وغسل فيه مستبعد عادة أيضاً لكونه يبل الأكفان. وقال ابن الهمام: قد ذكروا أنه عليه الصلاة والسلام غسل في قميصه الذي توفي فيه فكيف يلبسونه الأكفان فوقه وفيه بللها-انتهى. على أنه يخالف الحنفية؛ لأن قميصه الذي توفي فيه كان مخيطاً مكفوف الأطراف ذا الجيب والدخاريص والكمين؛ لأنه هو المعتاد في قميص الحي. وهذا خلاف الحنفية، ولذا أول بعضهم حديث عائشة بأن المراد فيه نفي القميص ذي الكمين والدخاريص لا نفي القميص مطلقاً، قالوا: لو كفن أحد في قميصه قطع جيبه ولبته وكماه. وأما حديث إبراهيم النخعي فمرسل، وكذا حديث الحسن، المرسل ليس بحجة على الصحيح خصوصاً في مقابلة الحديث الصحيح. وأما حديث أنس ففي كونه حسناً قابلاً للاحتجاج نظر، فإن صحة الإسناد أو حسنه لا يستلزم صحة الحديث أو حسنه كما تقرر في مقره. وحديث أنس هذا وإن حسن الهيثمي إسناده فهو شاذ لكونه مخالفاً لحديث عائشة الصحيح المخرج في الصحيحين وغيرهما. على أنه لا يطمئن القلب بتحسين الهيثمي، فإن له أوهاماً في كتابه، وقد تتبع الحافظ أوهامه فيه فبلغه فعاتبه فترك التتبع. وأما أثر عبد الله بن عمرو فهو من قوله ورأيه، وقد خالف به ما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. هذا، وقد تأول بعض الحنفية حديث عائشة بأن معناه ليس فيها قميص أي جديد. وقيل: ليس فيها القميص الذي غسل فيها. وقيل: معناه ليس فيها قميص مخيط مكفوف الأطراف ذو الكمين والدخاريص، فإن قميص الكفن ليس له دخاريص ولا كمان حتى لو كفن في قميصه قطع جيبه ولبته وكماه، قاله الكبيري من الحنفية. وحاصل هذا أن محمل رواية عائشة نفي القميص المخيط مع الكمين، ومحمل الروايات المتقدمة المثبتة أن الثوب الواحد من الثلاثة كان على هيئة القميص. قلت: تفسير الشافعي ومن وافقه هو الظاهر وما عداه تعسف لا يخفى عسفه على المنصف، وإنما ارتكبه من ارتكبه تمشية للمذهب فلا يلتفت إليه. وأما الجمع فإنما يصار إليه عند المعارضة والمعادلة، ولا يعادل حديث الصحيحين أحاديث غيرهما، فالعمل على حديث عائشة هو الأولى. قال ابن قدامة: هو أصح حديث روي في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعرف
متفق عليه.
1651-
(3) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)) رواه مسلم.
1652-
(4) وعن عبد الله بن عباس، قال: ((إن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
بأحواله، ولهذا لما ذكر لها قول الناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد، قالت: قد أتى بالبرد، ولكنهم لم يكفنوه فيه، فحفظت ما أغفله غيرها، وقالت أيضاً: أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة يمنيه كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلة، وقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفن فيها! فتصدق بها، رواه مسلم. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد، ومالك، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم.
1651-
قوله: (إذا كفن) بتشديد الفاء. (أحدكم أخاه) وفي رواية النسائي: إذا ولي أحدكم أخاه بفتح الواو وكسر اللام المخففة من الولاية أي تولى أمر تجهيزه وتكفينه. (فليحسن) بضم الياء وفتح الحاء وتشديد السين المهملة المكسورة. وقيل: بإسكان الحاء وتخفيف السين. قال النووي: كلاهما صحيح. (كفنه) قيل بسكون الفاء مصدر أي تكفينه فيشمل الثوب وهيئته وعمله، والمعروف الفتح. قال النووي في شرح المهذب: هو الصحيح، والمراد بتحسين الكفن بياضه ونظافته ونقاءه وسبوغه وكثافتة (أي كونه صفيقاً) وستره وتوسطه، وكونه من جنس لباسه في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر، وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة (أي كونه غالي الثمن) ونفاسته لحديث علي الآتي: لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلب سلباً سريعاً. قال التوربشتي: معنى الحديث أن يختار لأخيه المسلم من الثياب أتمها وأنظفها وأنصعها لوناً على ما ورد به السنة، ولم يرد بالتحسين ما يؤثره المبذرون أشراً ورياء وسمعة من الثياب الرفيعة، فإن ذلك منهي عنه بأصل الشرع، وهو النهي عن إضاعة المال، ثم ذكر حديث علي، ثم قال: وفي حديث جابر هذا زيادة مبينة للمعنى الذي ذكرناه ولم يذكره في المصابيح، وقد ذكر مسلم الحديث بتمامه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل. (أي غير جيد يعني حقير غير كامل) وقبر ليلاً فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل ليلاً حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج3ص403) والحاكم (ج1ص369) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي قتادة.
1652-
قوله: (إن رجلاً) قال الحافظ: لم أقف على تسميته. (كان مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعرفة عند
فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) .
ــ
الصخرات راكباً على ناقته فوقع عنها. (فوقصته) بفتح الواو بعدها قاف ثم صاد مهملة. (ناقته) أي كسرت عنقه قال في النهاية: الوقص كسر العنق وقَصَت عنقه اقِصُها وقْصَاً ووقَصَت به راحلته كقولك: خذ الخِطامَ وبالخطام ولا يقال وقصت العنق نفسها ولكن يقال وقص الرجل فهو موقوص-انتهى. قال الكرماني: إن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فإسناد الوقص إلى الناقة مجاز، وإن حصل من الناقة بأن أصابته بعد أن وقع فحقيقة. (اغسلوه بماء وسدر) فيه دليل على وجوب غسل الميت. وفيه إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافاً لمن كرهه له، قاله ابن المنذر. (وكفنوه في ثوبيه) أي إزاره وردائه اللذين لبسهما في الإحرام، وفيه أن الوتر ليس بشرط في الصحة، وأن الثلاث في حديث عائشة المتقدم ليست واجبة، وإنما هي مستحبة، وهو قول الجمهور. وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق. وقيل: يحتمل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة. ويحتمل أنه لم يجد غيرهما. وفيه أن الكفن من رأس المال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به ولم يستفصل هل عليه دين مستغرق أم لا؟ وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأنه لا يكفن في المخيط. وفيه التكفين في الثياب الملبوسة وهو مجمع عليه. (ولا تمسوه بطيب) بضم المثناة الفوقية وكسر الميم من الإمساس. وقيل بفتح التاء والميم من المس. وفي رواية: لا تحنطوه. (ولا تخمروا) بالتشديد أي لا تغطوا ولا تستروا. (رأسه) في النهي عن تخمير الرأس دليل على بقاء حكم الإحرام، وكذا في المنع عن التحنيط. وأصرح من ذلك التعليل بقوله:(فإنه يبعث) أي يحشر (يوم القيامة ملبياً) أي بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من الحج قائلاً: لبيك اللهم لبيك. وفي رواية النسائي: فإنه يبعث يوم القيامة محرماً. والحديث دليل لما ذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وعطاء أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام فلا يغطى رأسه ولا يحنط ويكفن في ثوبي الإحرام. وخالف في ذلك مالك وأبوحنيفة. قال ابن دقيق العبد: وهو مقتضى القياس لانقطاع العبادة بزوال محل التكليف وهو الحياة، لكن اتبع الشافعي الحديث، وهو مقدم على القياس. قلت: استدل الحنفية والمالكية بما رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا مات ابن آدم انقطع عمله. وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده كغسله والصلاة عليه، فلا معنى لما ذكروه. وأجاب الحنفية والمالكية عن حديث ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته فهو خاص بذلك الرجل، وبأنه واقعة حال لا عموم لها، وبأنه علل بقوله: فإنه يبعث ملبياً، وهذا الأمر لا يتحقق في غيره وجوده، فيكون خاصاً به. قال الشيخ
متفق عليه. وسنذكر حديث خباب: قتل
ــ
عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد بعد ذكر هذه الأجوبة ما لفظه: ولا يخفى على المنصف أن هذا كله تعسف، فإن البعث ملبياً ليس بخاص به بل هو عام في كل محرم حيث ورد: يبعث كل عبد على ما مات عليه، أخرجه مسلم، وورد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة، أخرجه الحاكم. وورد أن المؤذن يبعث وهو يؤذن والملبي يبعث وهو يلبي، أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب. وورد غير ذلك مما يدل عليه أيضاً كما بسطه السيوطي في البدور السافرة، فهذا التعليل لا دلالة له على الاختصاص، وإنما علل به لأنه لما حكم بعدم التخمير المخالف لسنن الموتى نبه على حكمة فيه وهو أنه يبعث ملبياً، فينبغي إبقاءه على صورة الملبين، واحتمال الاختصاص بالوحي مجرد احتمال لا يسمع، وكونه واقعة حال لا عموم لها إنما يصح إذا لم يكن فيه تعليل. وأما إذا وجد وهو عام فيكون الحكم عاماً. والجواب عن أثر ابن عمر يعني الذي رواه محمد بن مالك عن نافع أن ابن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله وقد مات محرماً بالجحفة وخمر رأسه أنه يحتمل أنه لم يبلغه الحديث، ويحتمل أن يكون بلغه وحمله على الأولوية، وجوز التخمير. ولعل هذا هو الذي لا يتجاوز الحق عنه-انتهى كلام الشيخ اللكنوي. وقال الحافظ في الفتح: قال أبوالحسن بن القصار: لو أريد تعميم هذا الحكم في كل محرم لقال: فإن المحرم كما جاء أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دماً. وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك، وهي عامة في كل محرم. والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص. قال الحافظ: وأورد بعضهم أنه لو كان إحرامه باقياً لوجب أن يكمل به المناسك ولا قائل به. وأجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على مورد النص، ولا سيما وقد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد-انتهى. وفي الحديث أن الإحرام يتعلق بالرأس، وأن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبيت إتمامه الموت رجي له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الجنائز والحج، ومسلم في الحج، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي في الحج، وأبوداود والنسائي في الجنائز، وابن ماجه في الحج والبيهقي (ج3ص390) قال ابن الهمام عند قول صاحب الهداية:"والإزار من القرن إلى القدم واللفافة كذلك" لا إشكال أن اللفافة من القرن إلى القدم، وأما كون الإزار كذلك فلا أعلم وجه مخالفة إزار الميت إزار الحي من السنة. وقد قال عليه الصلاة والسلام في ذلك المحرم: كفنوه في ثوبيه وهما إزاره ورداءه، ومعلوم أن إزاره من الحقو، وكذا حديث ليلى بنت قانف قالت: كنت فيمن يغسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول ما أعطانا الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر. رواه أبوداود، وروى حقوه في حديث غسل زينب، وهذا ظاهر في أن إزار الميت كإزار الحي من الحقو فيجب كونه في المذكر كذلك لعدم الفرق في هذا-انتهى. (وسنذكر حديث خباب) بالتشديد. (قتل) قال الطيبي: مجهول حكاية ما في