المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت

بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً)) رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

1529-

(6) عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا به من شرها)) .

ــ

لامها تاء (بأن لا تمطروا) أي لا ينزل عليكم المطر يعني عدم المطر فالباء زائدة (ولكن) بالتخفيف (السنة) أي قد تكون (أن تمطروا وتمطروا) التكرير للتأكيد والتكثير أي تمطروا المرة بعد الأخرى مطراً كثيراً (ولا تنبت الأرض شيئاً) أي لإمساكه تعالى لها من الإنبات والمعنى لا تظنوا أن الرزق والبركة من المطر بل الرزق من الله تعالى فرب مطر لا ينبت منه شيء فالقحط الشديد ليس بأن لا يمطر بل بأن يمطر ولا ينبت لأن حصول الشدة بعد توقع الرخاء وظهور مخائله وأسبابه أفظع مما إذا كان اليأس حاصلاً من أول الأمر (رواه مسلم) في الفتن وأشراط الساعة وأخرجه أيضاً أحمد والشافعي والبيهقي (ج3:ص363) .

1529-

قوله: (الريح) أي الهواء المسخر بين السماء والأرض (من روح الله) قيل: الروح بفتح الراء النفس والفرج والرحمة أي من رحمته تعالى يريح بها عباده ومنه قوله تعالى {فروح وريحان} [الواقعة:89] وقوله {ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف:87] فإن قيل: كيف يكون الريح من رحمته مع أنها تجيء بالعذاب؟ قلت: إذا كان عذاباً للظلمة فيكون رحمة للمؤمنين حيث يتخلصون من الكفار الفجار، وأيضاً الروح بمعنى الرائح أي الجائي من حضرة الله بأمره تارة للكرامة وأخرى للعذاب فلا يعيب فإنه تأديب والتأديب حسن (تأتي بالرحمة) من إنشاء سحاب ماطر مثلا لمن أراد الله تعالى أن يرحمه (وبالعذاب) لمن أراد أن يهلكه (فلا تسبوها) أي بلحوق ضرر منها فإنها مأمورة مقهورة مسخرة (وسلوا الله) وروى واسألوا (من خيرها) أي خير ما أرسلت به (وعوذوا به) بفتح العين وتشديد الواو من التعويذ يقال عوذ الرجل إذا دعا له بالحفظ، وقال له أعيذك بالله، ولفظ أبي داود استعيذوا، وابن ماجه تعوذوا يقال تعوذ واستعاذة بالله فأعاذه وعوذه أي حفظه (من شرها) أي من شر ما أرسلت به. قال المظهر: فإن قيل: كيف تكون الريح من روح الله أي رحمته مع أنها تجيء بالعذاب فجوابه من وجهين: الأول أنه عذاب لقوم ظالمين رحمة لقوم مؤمنين. قال الطيبي: يؤيده قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام:45] الكشاف، فيه إيذان بوجوب الحمد عند إهلاك الظلمة، وهو من أجل النعم، الثاني بأن الروح مصدر بمعنى الفاعل أي الرائح. فالمعنى أن الريح من روائح الله تعالى أي من الأشياء التي تجيء من حضرته بأمره ليس لأحد مدخل في مجيئها فتارة تجيء بالرحمة وأخرى

ص: 201

رواه الشافعي، وأبوداود، وابن ماجه، والبيهقي في الدعوات الكبير.

1530-

(7) وعن ابن عباس، أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((لا تلعنوا الريح، فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً له بأهل رجعت اللعنة عليه)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1531-

(8) وعن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون

ــ

بالعذاب فلا يجوز سبها بل تجب التوبة عند التضرر بها وهو تأديب من الله تعالى وتأديبه رحمة للعباد- انتهى. (رواه الشافعي) في الأم (ج1:ص224) وفي المسند (ج6:ص114)(وأبوداود) في الأدب وسكت عليه هو والمنذري (وابن ماجه) في الدعاء وأخرجه أيضاً أحمد (ج2:ص250-268) والبخاري في الأدب المفرد (ص132) والحاكم في المستدرك (ج4:ص285) وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وعزاه المنذري في تلخيص السنن للنسائي والشوكاني في تحفة الذاكرين لابن حبان أيضاً، ولعل النسائي أخرجه في السنن الكبرى.

1530-

قوله: (إن رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث. رواه أبوداود أيضاً ولفظه في رواية: إن رجلاً نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها (لا تلعنوا الريح) لفظ الترمذي وأبي داود: لا تلعن الريح (فإنها مأمورة) إما بالرحمة أو بالنقمة، وقيل: أي بأمر منا والمنازعة من خاصيتها ولوازم وجودها عادة أو فإنها مأمورة حتى بهذه المنازعة أيضاً ابتلاء لعباده (وإنه) أي الشأن (من لعن شيئاً ليس) أي ذلك الشيء (له) أي اللعن (بأهل) أي بمستحق (رجعت اللعنة عليه) أي على اللاعن لأن اللعنة، وكذا الرحمة تعرف طريق صاحبها. قال الطيبي: ليس له صفة شيئاً واسمه ضمير راجع إليه والضمير في "له" راجع إلى مصدر لعن، وفي عليه إلى من على تضمين رجعت معنى استقلت يعني استقلت اللعنة عليه راجعة لأن اللعن طرد عن رحمة الله فمن طرد ما هو أهل لرحمة الله عن رحمته جعل مطروداً (رواه الترمذي) في باب اللعنة من أبواب البر والصلة (وقال هذا حديث غريب) وفي بعض نسخ الترمذي: حديث حسن غريب وبعده لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر- انتهى. والحديث أخرجه أبوداود في الأدب وسكت عنه، وقال المنذري بعد نقل كلام الترمذي المذكور ما لفظه وبشر بن عمر هذا هو الزهراني احتج به البخاري ومسلم- انتهى.

1531-

قوله: (لا تسبوا الريح) فإن المأمور معذور (فإذا رأيتم ما تكرهون) أي ريحاً تكرهونها

ص: 202

فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به)) رواه الترمذي.

1532-

(9) وعن ابن عباس، قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وقال:((اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً)) . قال ابن عباس في كتاب الله تعالى:

ــ

لشدة حرارتها أو برودتها أو تأذيتم لشدة هبوبها (فقولوا) أي راجعين إلى خالقها وآمرها (اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح) أي باعتبار ذاتها (وخير ما فيها) أي باعتبار صفاتها (وخير ما أمرت به) على بناء المفعول أي من خالقها لطفاً وجمالاً (رواه الترمذي) في الفتن وصححه وأخرجه أيضاً ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص98) .

1532-

قوله: (ما هبت ريح) أي ثارت وهاجت يعني اشتدت (إلا جثا) بالألف من الجثو بمعنى القعود على الركب فقوله (على ركبتيه) تأكيد أو تجريد وكان هذا منه صلى الله عليه وسلم تواضعاً لله تعالى وخوفاً على أمته وتعليماً لهم في تبعيته. قال الأمير اليماني: أي برك على ركبتيه وهي قعدة المخافة لا يفعلها في الأغلب إلا الخائف، ورواه الطبراني بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه ومد يديه، وقال: اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به اللهم اجعلها رحمة إلخ (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) وجه هذا إن العرب تقول لا تلقح الشجر إلا من الرياح المختلفة ولا تلقح من ريح واحدة فهو صلى الله عليه وسلم دعاء بأن يجعلها رياحاً تلقح ولا يجعلها ريحاً لا تلقح. قال الخطابي: إن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثرت الأمطار فزكت الزروع والأشجار وإذا لم تكثر وكانت ريحاً واحدة فإنها تكون عقيمة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح. وقيل: إن الرياح هي المذكورة في آيات الرحمة والريح هي المذكورة في آيات العذاب كقوله عزوجل {الريح العقيم} {وريحاً صرصراً} لكن قد عرف مما تقدم من حديث عائشة وأبي هريرة وأبي بن كعب، ومن رواية الطبراني لهذا الحديث إن الريح قد تأتي بالخير وقد تأتي بالشر، فلعل وجه قوله في هذا الحديث اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً أن الرياح لا تأتي إلا بالخير والريح تأتي تارة بهذا وتارة بهذا فسأل الله أن يجعلها رياحاً لأنها خير محض ولا يجعلها ريحاً تحتمل الخير والشر وسيأتي مزيد الكلام في ذلك (قال ابن عباس في كتاب الله تعالى) أورد المؤلف قول ابن عباس تائيداً لقوله عليه الصلاة

ص: 203

{إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً} و {أرسلنا عليهم الريح العقيم} و {أرسلنا الرياح لواقح} و {أن يرسل الرياح مبشرات}

ــ

والسلام رياحاً وريحاً فقوله في كتاب الله خبر مقدم وقوله: {إنا أرسلنا عليهم} مبتدأ بتقدير هذه الآيات الدالة على أن الرياح للخير والريح بالأفراد للشر والجملة مقول القول {ريحاً صرصراً} أي شديدة البرد والهبوب والآية من سورة القمر {وأرسلنا عليهم الريح العقيم} أي ما ليس فيه خير سميت عقيماً؛ لأنها أهلكت قوم عاد وقطعت دابرهم والمرأة العقيم التي لا تلد ولا تلقح والآية من سورة الذاريات {وأرسلنا الرياح لواقح} يعني تُلقِح الأشجار وتجعلها حاملة بالأثمار، قيل: أصله مَلاقح جمع مُلقِحة فحذفت الميم تخفيفاً وزيدت الواو بعد اللام وهو من النوادر، وهذا قول أبي عبيدة يقال اَلقَحَ الفَحلُ الناقة احبلها واَلقَحتِ الريحُ الشجر أو السحاب اَحمَلَتها، وقيل: هي جمع لاقحة بمعنى حاملة. قال البغوي في تفسيره: لواقح أي حوامل؛ لأنها تحمل الماء إلى السحاب، وهي جمع اللاقحة - انتهى. وقال البيضاوي: أي حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه مالا يكون كذلك بالعقيم، وقيل: اللواقح بمعنى الملقحات للشجر أو السحاب، ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات- انتهى. وإطلاق اللواقح على الملقحات إما على الإسناد المجازي بأن يوصف الرياح بصفة ما هي أسباب له أو المجاز اللغوي بإعتبار السببية؛ لأن لقح الرياح سبب لالقاحها أو بإعتبار ما كان فإن الملقح كان أولاً لاقحاً أو من باب النسبة (أي ذات اللقاح) كلابن وتامر على حذف الزوائد نحو أثقل فهو ثاقل كذا قيل ذكره في اللمعات، وقيل اللواقح من الرياح التي تحمل اللقاح (ما تلقح به النخلة) إلى الشجر والتي تحمل الندى ثم تمجه في السحاب فإذا اجتمع في السحاب صار مطراً والآية من سورة الحجر {وأن يرسل الرياح مبشرات} بالمطر كقوله سبحانه وتعالى:{بشراً بين يدي رحمته} [الأعراف: 57] والآية من سورة الروم. قال الأمير اليماني: قول ابن عباس بيان أنها جاءت مجموعة في الرحمة ومفردة في العذاب فاستشكل ما في الحديث من طلب أن تكون رحمة وأجيب بأن المراد لا تهلكنا بهذه الريح لأنهم لو هلكوا بهذه الريح لم تهب ريح أخرى فتكون ريحاً لا رياحاً- انتهى. قال الطيبي: معظم الشارحين على أن تأويل ابن عباس غير موافق للحديث نقل التوربشتي عن أبي جعفر الطحاوي أنه ضعف هذا الحديث جداً وأبى أن يكون له أصل في السنن وأنكر على أبي عبيدة تفسيره كما فسره ابن عباس، ثم استشهد أي الطحاوي بقوله تعالى:{وجرين بهم بريح طيبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصف} الآية [يونس: 22] . وبالأحاديث الواردة في هذا الباب فإن جل استعمال الريح المفردة في الباب في الخير والشر، ثم قال التوربشتي: والذي قاله أبوجعفر وإن كان قولاً متيناً فإنا نرى أن

ص: 204

رواه الشافعي، والبيهقي في الدعوات الكبير.

ــ

لا نتسارع إلى رد هذا الحديث، وقد تيسر لنا تأويله على وجه لا يكون مخالفاً للنصوص المذكورة ثم ذكره بنحو ما تقدم عن الأمير اليماني من شاء الوقوف عليه رجع إلى شرح المصابيح للتوربشتي وشرح المشكاة للقاري. وقال الطيبي: معنى كلام ابن عباس في كتاب الله معناه إن هذا الحديث مطابق لما في كتاب الله تعالى فإن استعمال التنزيل دون أصحاب اللغة إذا حكم على الريح والرياح مطلقين كان إطلاق الريح غالباً في العذاب والرياح في الرحمة، فعلى هذا لا ترد تلك الآية على ابن عباس؛ لأنها مقيدة بالوصف ولا تلك الأحاديث؛ لأنها ليست من كتاب الله وإنما قيدت الآية بالوصف ووحدت؛ لأنها في حديث الفلك وجريانها في البحر فلو جمعت لأوهمت اختلاف الرياح وهو موجب للعطب أو الاحتباس ولو أفردت ولم تقيد بالوصف لآذنت بالعذاب والدمار؛ ولأنها أفردت وكررت ليناط به مرة طيبة وأخرى عاصف ولو جمعت لم يستقم التعلق- انتهى. وقال السيوطي في الإتقان (ج1ص192) ذكرت الريح مجموعة ومفردة فحيث ذكرت في سياق الرحمة جمعت أو في سياق العذاب أفردت أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب، لهذا ورد في الحديث: اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً، وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والهيآت والمنافع وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكانت في الرحمة رياحاً، وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع، وقد أخرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة يونس:{وجرين بهم بريح طيبة} وذلك لوجهين: لفظي وهو المقابلة في قوله: {جاءتها ريح عاصف} ، ورب شيء يجوز في المقابلة، ولا يجوز استقلالاً نحو {ومكروا ومكر الله} . ومعنوي وهو أن تمام الرحمة هناك أنما يحصل بوحدة الريح لا باختلافها فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد فإذا اختلف عليها الرياح كانت سبب الهلاك فالمطلوب هناك ريح واحدة ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب وعلى ذلك أيضاً جرى قوله:{إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد} [الشورى: 33] وقال ابن المنير: إنه على القاعدة لأن سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن- انتهى. (رواه الشافعي) في الأم (ج1ص224) وفي المسند (ج6ص114) قال أخبرني من لا أتهم عن العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس، وأخرجه أبويعلى والطبراني في الدعاء وفي الكبير من طريق حسين ابن قيس الرحبي الواسطي عن عكرمة وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10ص135- 136) للطبراني فقط وقال: فيه حسين بن قيس الرحبي الملقب بحنش، وهو متروك، وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله رجال الصحيح- انتهى. وفي تهذيب التهذيب (ج2ص365) زعم أبومحصن حصين بن نمير أنه أي حصين بن قيس شيخ صدوق- انتهى. وقد ضعفه جميع من عداه.

ص: 205

1533-

(10) وعن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصر ناشئاً من السماء ـ تعني السحاب ـ ترك عمله واستقبله، وقال:((اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه، فإن كشفه حمد الله، وإن مطرت، قال: اللهم سقياً نافعاً)) . رواه أبوداود، والنسائي، وابن ماجه، والشافعي، واللفظ له.

1534-

(11) وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد

ــ

1533-

قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصر ناشئاً) أي سحاباً خارجاً يعني حادثاً مرتفعاً ظاهراً (من السماء) قال التوربشتي: سمي السحاب ناشئاً؛ لأنه ينشأ من الأفق يقال: نشأ أي خرج أو ينشأ في الهواء أي يظهر، أو لأنه ينشأ من الأبخرة المتصاعدة من البحار والأراضي النزه ونحو ذلك. وقال الجزري: الناشى من السحاب هو الذي لم يتكامل اجتماعه واصطحابه فهو في أول أمره (تعني) أي تريد عائشة بقولها ناشئاً (السحاب) جملة معترضة لتفسير اللغة بين الشرط وجزاءه وهو قولها ترك. ولفظ أبي داود: كان إذا رأى ناشئاً في أفق السماء. ولفظ النسائي وابن ماجه: كان إذا رأى سحاباً مقبلاً من أفق من الآفاق أي من ناحية من النواحي (ترك) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عمله) المشتغل به من الأمور المباحة، قاله القاري. وفي رواية أبي داود: ترك العمل وإن كان في صلاة. ولفظ النسائي وابن ماجه ترك ما هو فيه وإن كان في صلاته (واستقبله) أي السحاب. وفي رواية النسائي وابن ماجه: حتى يستقبله. وليس عند أبي داود شيء منهما (من شر ما فيه) وعند النسائي وابن ماجه، من شر ما أرسل به وانتهت رواية النسائي إلى هذا (فإن كشفه) أي أذهب الله ذلك السحاب ولم يمطر (حمد الله) أي على النجاة مما كان يخاف من العذاب. وقيل: أي من حيث أن الخير فيما اختاره الله، ولعل الشر كان في ذلك السحاب فيجب الحمد على دفع الشر، كأنه صلى الله عليه وسلم تذكر قوله تعالى في قوم عاد:{فلما رأوه عارضاً} الآية [الأحقاف: 24] . وليست هذه الجملة عند أبي داود (وإن مطرت قال اللهم سقياً نافعاً) قال القاري: بفتح السين وضمها أي اسقنا سقياً أو أسألك سقياً، فهو مفعول مطلق أو مفعول به. ولفظ ابن ماجه: إن أمطر قال: اللهم سيباً نافعاً مرتين أو ثلاثة. وعند أبي داود: إن مطر قال: اللهم صيباً هنيئاً ودعا بذلك خوفاً من الضرر الذي قد يكون في المطر (رواه أبوداود) في الأدب وسكت عنه هو والمنذري (والنسائي) في عمل اليوم والليلة (وابن ماجه) في الدعاء (والشافعي) في الأم (ج1ص224) والمسند (ج6ص114)(والفظ له) أي لفظ الحديث للشافعي وللباقين معناه.

1534-

قوله: (كان إذا سمع صوت الرعد) بإضافة العام إلى الخاص للبيان، فإن الرعد هو الصوت

ص: 206

والصواعق،

ــ

الذي يسمع من السحاب، كذا قاله ابن الملك. والصحيح أن الرعد ملك مؤكل بالسحاب، فقد روى عن ابن عباس أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد، فقال: ملك من الملائكة مؤكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله، وسألوا عن الصوت الذي يسمع من السحاب، فقال زجرة بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر، أخرجه الترمذي وصححه. ونقل الشافعي عن الثقة عن مجاهد أن الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق السحاب بها، ثم قال: وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن. قال بعضهم: وعليه فيكون المسموع صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه. ونقل البغوي عن أكثر المفسرين أن الرعد ملك يسوق السحاب، والمسموع تسبيحه. وقيل: البرق لمعان سوط الرعد يزجر به السحاب. وأما قول الفلاسفة: إن الرعد صوت اصطكاك أجرام السحاب، البرق ما يقدح من اصطكاكها فهو من حرزهم وتخمينهم فلا يعول عليه، كذا في المرقاة. وقال الآلوسي: للناس في الرعد والبرق أقوال: والذي عول عليه أن الأول صوت زجر الملك المؤكل بالسحاب، والثاني لمعان مخاريقه التي هي من نار، والذي اشتهر عند الحكماء أن الشمس إذا أشرقت على الأرض اليابسة حللت منها أجزاء نارية يخالطها أجزاء أرضية فيركب منهما دخان ويختلط بالبخار، وهو الحادث بسبب الحرارة السماوية إذا أثرت في البلة، ويتصاعدان معاً إلى الطبقة الباردة، وينعقد ثمة سحاب ويحتقن الدخان فيه، ويطلب الصعود إن بقي على طبعه الحار، والنزول إن ثقل وبرد وكيف كان يمزق السحاب بعنفه، فيحدث منه الرعد وقد تشتعل منه لشدة حركته ومحاكته نار لامعة، وهي البرق إن لطفت، والصاعقة إن غلظت. وربما كان البرق سبباً للرعد، فإن الدخان المشتعل ينطفيء في السحاب، فيسمع لإنطفاءه صوت، كما إذا أطفأنا النار بين أيدينا، والرعد والبرق يكونان معاً إلا أن البرق يرى في الحال، لأن الأبصار لا يحتاج إلا إلى المحاذاة من غير حجاب، والرعد يسمع بعد، لأن السماع إنما يحصل بوصول تموج الهواء إلى القوة السامعة، وذلك يستدعى زماناً كذا قالوه، وربما يختلج في ذهنك قرب هذا، ولا تدري ماذا تصنع بما ورد عن حضرة من أسرى به ليلاً بلا رعد ولا برق على ظهر البراق، وعرج إلى ذي المعارج فرجع، وهو أعلم خلق الله على الإطلاق، فأنا بحول الله تعالى أوفق لك بما يزيل الغين عن العين وسر جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الآلوسي توجيهاً لذلك يشبه طريق الصوفية من كان له ذوق بذلك فليرجع إلى روح المعاني (ج1ص171)(والصواعق) جمع صاعقة. والظاهر أنها في الأصل صفة من الصعق وهي الصراخ. وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث، أو للمبالغة إن لم تقدر كرواية، أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية كحقيقة. وقيل: إنها مصدر كالعافية والعاقبة، وهي اسم لكل هائل مسموع أو مشاهد. والمشهور أنها الرعد الشديد معه قطعة من نار لا تمر بشيء إلا أتت عليه، وقد يكون معه جرم حجري أو حديدي، كذا قال الآلوسي. وفي الجلالين: الصاعقة شدة صوت الرعد

ص: 207