المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثالث} 1729- (23) عن أنس، قال: ((شهدنا بنت رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثالث} 1729- (23) عن أنس، قال: ((شهدنا بنت رسول الله

{الفصل الثالث}

1729-

(23) عن أنس، قال: ((شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف

ــ

ورواه القضاعي من وجه آخر عنها، وزاد: في الإثم، وأخرجه ابن ماجه من حديث أم سلمة، وفيه هذه الزيادة، وفي سنده عبد الله بن زياد، وهو مجهول.

1729-

قوله: (شهدنا) أي حضرنا. (بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جنازتها، وهي أم كلثوم زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، بينه الواقدي في روايته عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أنس، أخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة، وكذلك رواه الطبري والطحاوي، وكانت وفاتها سنة تسع، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية، أخرجه البخاري في تاريخه الأوسط، والحاكم في المستدرك، وقد رده البخاري حيث قال: ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها. قال الحافظ: وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضاً في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت: نزل في حفرتها أبوطلحة. (تدفن) أي في حال دفنها. (ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) جملة حالية. (على القبر) أي على جانب القبر وشفيره وهو الظاهر. (تدمعان) بفتح الميم أي تسيلان دمعاً. وفيه جواز البكاء على الميت بعد موته حيث لا صياح ولا غيره مما ينكر شرعاً، وأما قوله "فإذا وجبت فلا تبكين باكية" فهو محمول على الصياح ورفع الصوت، أو على الأولوية، أو أنه مخصوص بالنساء؛ لأنه قد يفضي بكاءهن إلى ما يحذر من النياحة لقلة صبرهن، فيكون من باب سد الذريعة. (هل فيكم من أحد) من زائدة. (لم يقارف) من المقارفة بالقاف والفاء. قال في النهاية: قارف الذنب إذا أتاه ولاصقه، وقارف امرأته إذا جامعها. وفي جامع الأصول: لم يقارف أي لم يذنب ذنباً. ويجوز أن يراد الجماع فكنى عنه، ذكره الطيبي. وبالثاني جزم ابن حزم قال: ومعاذ الله أن يتزكى أبوطلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنباً تلك الليلة-انتهى. ويقويه أن في رواية ثابت عن أنس عند البخاري في التاريخ الأوسط: لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة، فتنحى عثمان. وحكى عن الطحاوي أنه قال "لم يقارف" تصحيف، والصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام؛ لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء. وتعقب بأنه تغليظ للثقة لغير مستند. قيل: سبب قوله صلى الله عليه وسلم إن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة. فتلطف صلى الله عليه وسلم -

ص: 450

الليلة؟ فقال أبوطلحة: أنا. قال: فانزل في قبرها، فنزل في قبرها)) رواه البخاري.

1730-

(24) وعن عمرو بن العاص قال لابنه وهو في سياق الموت: ((إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا عليّ التراب شناً،

ــ

في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح. واستبعد أن يكون عثمان جامع في تلك الليلة التي حدث فيها موت زوجته لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف. وأجيب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يكن يظن موتها تلك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، بل ولا حين احتضارها. (الليلة) أي البارحة بقرينة السؤال. (فقال أبوطلحة) زيد بن سهل الأنصاري. (أنا) لم أقارف الليلة. (قال) عليه الصلاة والسلام:(فانزل في قبرها) فيه دليل على أنه لا ينزل في قبر الميت إلا الرجال متى وجدوا وإن كان الميت امرأة بخلاف النساء لضعفهن عن ذلك غالباً، ولأنه معلوم أنه كان لبنت النبي صلى الله عليه وسلم محارم من النساء كفاطمة وغيرها. وفيه أنه يقدم الرجال الأجانب الذين بعد عهدهم بالملاذ في مواراة الميت على الأقارب الذين قرب عهدهم بذلك كالأب والزوج. وعلل بعضهم من لم يقارف بأنه حينئذٍ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة. قال النووي لا يشكل هذا الحديث على قولهم: إن المحارم والزوج أولى من صالح الأجانب لاحتمال أنه عليه الصلاة والسلام وعثمان كان لهما عذر منعهما نزول القبر، نعم يؤخذ من الخبر أنه لو كان ثمة صلحاء، وأحدهم بعيد العهد بالجماع قدم. (فنزل) أي أبوطلحة. (في قبرها) زاد في بعض الروايات: فقبرها أي لحدها. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي والترمذي في الشمائل.

1730-

قوله: (قال لابنه) أي عبد الله. (وهو) أي عمرو. (في سياق الموت) في مسلم: سياقة الموت. قال النووي: بكسر السين أي حال حضور الموت-انتهى. يقال: ساق المريض نفسه وسيق إذا شرع في نزع الروح. (إذا أنا مت) بضم الميم وكسرها. (فلا تصحبني) بفتح الحاء من باب سمع أي لا تترك أن يكون مع جنازتي. (نائحة) أي صائحة بالبكاء ونادبة بالنداء. (ولا نار) كان من عادة الجاهلية إرسال النار مع الميت، وقد هدم النبي صلى الله عليه وسلم شعار الجاهلية وأبطله. وقيل: لأنه سبب للتفاؤل القبيح. وقيل: المراد به البخور الذي يوضع في المجمر. (فإذا دفنتموني) أي أردتم دفني. (فشنوا) بضم الشين، أمر من شن الماء إذا صبه متفرقاً. (عليّ) بتشديد الياء. (التراب شناً) قال النووي: سنوا علي التراب سناً، ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة، وكذا قال القاضي: إنه بالمعجمة والمهملة قال: وهو الصب. وقيل: بالمهملة الصب في سهولة ورفق، وبالمعجمة التفريق.

ص: 451

ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي)) رواه مسلم.

1731-

(25) وعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه فاتحة البقرة، وعند رجليه بخاتمة البقرة))

ــ

(أقيموا حول قبري) للدعاء بالتثبيت. (قدر ما ينحر جزور) بفتح الجيم وهي من الإبل، قاله النووي. وقال القاري: أي بعير وهو مؤنث اللفظ وإن أريد به المذكر، فيجوز تذكير "ينحر" وتأنيثه. (حتى أستأنس بكم) أي بدعائكم واستغفاركم وسؤالكم التثبيت. (وأعلم) أي من غير وحشة. (ماذا أراجع) أي أجاوب به. (رسل ربي) أي سؤال الملكين. وفي الحديث فوائد: منها إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين، وهو مذهب أهل الحق، ومنها استحباب المكث عند القبر بعد دفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر. (رواه مسلم) في كتاب الإيمان في حديث طويل، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج5ص56) .

1731-

قوله: (فلا تحبسوه) أي لا تؤخروا دفنه من غير عذر. قال ابن الهمام: يستحب الإسراع بتجهيزه كله من حين يموت. (وأسرعوا به إلى قبره) هو تأكيد وإشارة إلى سنة الإسراع في الجنازة، وقد سبق الكلام فيه. (وليقرأ) بالتذكير وبسكون اللام ويكسر. (عند رأسه) أي بعد الدفن. (فاتحة البقرة) أي إلى المفلحون. (وعند رجليه بخاتمة) وفي بعض النسخ: خاتمة (البقرة) أي من {آمن الرسول} الخ قال الطيبي: لعل تخصيص فاتحتها لاشتمالها على مدح كتاب الله، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بالخلال الحميدة من الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وخاتمتها لاحتوائها على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. وإظهار الاستكانة وطلبت الغفران والرحمة، والتولي إلى كنف الله تعالى وحمايته-انتهى. وفيه دليل على جواز قراءة أول البقرة وخاتمتها عند القبر بعد الدفن. ويدل عليه أيضاً ما روى البيهقي (ج4ص56) عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال لبنيه: إذا أدخلتموني قبري فضعوني في اللحد، وقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسُنّوا علي التراب سناً، واقرؤوا عند رأسي أول البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن عمر يستحب ذلك، وهذا موقوف على ابن عمر، كما ترى، وليس بمرفوع، وكذا الحديث الذي نحن في شرحه، كما سيأتي، ونقل الزيلعي حديث عبد الرحمن بن العلاء عن الطبراني بلفظ: عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال لي أبي اللجلاج أبوخالد: يا بني إذا أنا مت فالحد لي، فإذا وضعتني في اللحد فقل: باسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن التراب على شناً، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 452

يقول ذلك، وهذا كما ترى مرفوع، وقد سكت عنه الزيلعي. وقال الهيثمي: رجاله موثقون. وقد استدل بالحديثين على إهداء ثواب قراءة القرآن للميت. وفيه نظر، فإنه ليس فيهما ذكر للإهداء وجعل ثواب القراءة للميت. والظاهر أن قراءة أول البقرة وخاتمتها عند القبر كانت ليأنس بها الميت فيختص ذلك بأن يكون عند القبر عقب الدفن لا مطلقاً. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن وغيرها من العبادات البدنية للميت كالصلاة والصوم والذكر، بعد ما اتفقوا على أنه ينتفع الميت بما تسبب إليه في حياته، وبدعاء المسلمين، واستغفارهم له، والصدقة والحج. فذهب أحمد وأبوحنيفة إلى وصول ثواب القراءة وغيرها من العبادات البدنية. واستدل لهما بأحاديث ذكرها القاري في المرقاة نقلاً عن شرح الصدور للسيوطي، وقد نقلها شيخنا في شرح الترمذي (ج2 ص26) وفي كتاب الجنائز له (ص103-104) ، وهي ضعيفة كلها لا تصلح للاستدلال والاحتجاج، وبالقياس على الدعاء والصدقة والحج. وذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يصل. واستدل لهما بدلائل ذكرها ابن القيم في كتاب الروح (ص196- 197) ثم بسط في الجواب عنها، ولبعض شيوخنا رسالة لطيفة في الأردوية في هذه المسألة رتبها على مقدمة ومقصد وخاتمة، وسماها "إهداء ثواب" وبسط الكلام في تحقيق المقام فأجاد، فعليك أن تطالعها، وقد اختار هو القول بعدم وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت، وإليه يميل قلبي، فإنه لم يقم على إهداء ثواب القراءة دليل شرعي لا من قرآن ولا من سنة صريحة صحيحة ولا من إجماع، ولا يكفي في مثل هذه المسألة حديث ضعيف أو أثر صحابي فضلاً عن القياس أو أثر التابعي ومن دونه. وقد صرح ابن القيم الذي هو قائل بوصول ثواب القراءة إلى الميت بأنه لم يصح عن السلف شيء في ذلك، واعتذر عن هذا بأنهم كانوا يخفون أعمال البر، واعترض عليه بأنه لو كان معروفاً لكان عن اعتقاد مشروعيته، وحينئذٍ يبلغونه ولا يكتمونه، بل لتوفرت الدواعي على نقله عنهم بالتواتر؛ لأنه من رغائب جميع الناس. هذا، وقد رد صاحب تفسير المنار (ج8 ص257- 258) على ابن القيم رداً حسناً فيما طول له الكلام من إثبات إهداء الثواب إلى الأموات، فارجع إليه إن شئت. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقسية والآراء. فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما- انتهى. وفي الاختيارات لشيخ الإسلام تقى الدين بن تيمية: ولم يكن من

ص: 453

رواه البيهقي في شعب الإيمان وقال: والصحيح أنه موقوف عليه.

1732-

(26) وعن ابن أبي مليكة، قال: ((لما توفي عبدارحمن بن أبي بكر بالحبشى، وهو موضع، فحمل إلى مكة فدفن بها، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت:

... وكنا كندماني جذيمة حقبة

من الدهر، حتى قيل: لن يتصدعا

ــ

عادة السلف إذا صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرؤوا القرآن، يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل- انتهى. (رواه البيهقي في شعب الإيمان) ونقله الهيثمي عن الطبراني في الكبير، وقال: وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي. وهو ضعيف- انتهى. قلت: هو يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتى أبوسعيد الحراني ضعفه أبوزرعة وغيره. وقال أبوحاتم لا يعتد به. وقال ابن عدى: له أحاديث صالحة تفرد ببعضها، وأثر الضعف على حديثه بين. وقال الحافظ في التقريب: ضعيف. وقال الخليلي: شيخ مشهور أكثر عن الأوزاعي، وطعنوا في سماعه عنه. قال ابن معين: لم يسمع والله من الأوزاعي شيئاً. (وقال) البيهقي. (والصحيح أنه موقوف عليه) أي على ابن عمر.

1732-

قوله: (وعن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي ملكية بالتصغير تقدم ترجمته. (عبد الرحمن بن أبي بكر) أي الصديق أمه أم رومان والدة عائشة فهو شقيق عائشة، كان أسن ولد أبي بكر، أسلم قبيل الفتح، وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة أو عبد العزى، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الرحمن، وكان امرأًً صالحاً لم يجرب عليه كذبه قط، وكان أشجع رجال قريش وأرماهم بسهم، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من كبارهم، وشهد الفتوح الأخرى وشهد الجمل مع أخته عائشة، وكان أخوه محمد يومئذٍ مع علي رضي الله عنهم أجمعين، وأبى عبد الرحمن على معاوية البيعة ليزيد، وبعث إليه معاوية بعد ذلك بمائة ألف درهم فردها عليه وأبى أن يأخذها، وقال: لا أبيع ديني بدنياي، فخرج إلى مكة فمات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد. وقيل: مات بطريق مكة فجأة سنة (53) وقيل بعد ذلك، وتوفيت عائشة بعد ذلك بيسير سنة (59) . (بالحبشى) بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، موضع قريب بمكة على اثني عشر ميلاً من مكة. وقيل: على نحو عشرة أميال منها. وقال الجوهري: جبل بأسفل مكة. (وهو موضع) تفسير من الراوي. (فحمل) أي نقل من الحبشى. (فلما قدمت عائشة) أي إلى مكة حاجة. (فقالت) أي منشدة مشيرة إلى أن طول الاجتماع في الدنيا بعد زواله يكون كأقصر زمن وأسرعه، كما هو شأن الفاني جميعه. (وكنا كندماني جذيمة) قال الشمني في شرح المغني: هذا البيت لتميم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً الذي قتله خالد بن الوليد في خلافة

ص: 454

فلما تفرقنا، كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً

ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك)) .

ــ

أبي بكر الصديق. وجذيمة بفتح الجيم وكسر الذال. قال الطيبي: جذيمة هذا كان ملكاً بالعراق والجزيرة وضم إليه العرب وهو صاحب الزباء- انتهى. وفي القاموس: الزباء ملكة الجزيرة وتعد من ملوك الطوائف، أي كنا كندمانى جذيمة وجليسيه، وهما مالك وعقيل كانا منادميه وجليسيه وأنيسيه مدة أربعين سنة. (حقبة) بالكسر أي المدة طويلة. (حتى قيل لن يتصدعا) أي إلى أن قال الناس لن يتفرقا. (فلما تفرقنا) أي بالموت. (كأني ومالكاً) هو أخو الشاعر الميت. (لطول اجتماع) قيل اللام بمعنى مع أو بعد كما في قوله تعالى:{أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء:78] ومنه: صوموا لرويته، أي بعد رؤيته. (لم نبت ليلة معاً) أي مجتمعين. (ثم قالت) أي عائشة:(لو حضرتك) أي وقت الدفن. (ما دفنت) بصيغة المجهول. (إلا حيث مت) أي منعتك أن تنقل من مكان إلى مكان، بل دفنت حيث مت، وقد سبق الكلام في نقل الميت فيما تقدم، وكأنها ذهبت إلى منع النقل مطلقاً. (ولو شهدتك) أي حضرت وفاتك. (ما زرتك) قال الطيبي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور-انتهى. ويرد عليه أن عائشة كيف زارت مع النهي وإن كانت لم تشهد وقت موته ودفنه، ويمكن أن يجاب عنه بأن النهي محمول على تكثير الزيارة؛ لأنه صيغة مبالغة، ولذا قالت: لو شهدتك ما زرتك؛ لأن التكرار ينبىء عن الإكثار. وفيه أنه ورد اللعن على مطلق الزيارة في بعض الروايات أي بغير صيغة المبالغة. فقد روى أحمد وأبوداود وغيرهما عن ابن عباس مرفوعاً: لعن الله زائرات القبور. وقد تقدم في باب المساجد مع الكلام عليه. وقيل: النهي محمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه. واختلف العلماء في زيارة القبر للنساء، فذهب الأكثر إلى الجواز. ومحله ما إذا أمنت الفتنة، ويؤيد الجواز حديث أنس الآتي في باب البكاء قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبرها، فقال: اتقي الله واصبري الخ. فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره حجة. قال البيهقي: ليس في خبر أنس أنه نهاها إلى الخروج إلى المقبرة، ويؤيد الجواز أيضاً ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله تعني إذا زرت القبور، قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين-الحديث. سيأتي في باب زيارة القبور، وممن حمل الإذن في زيارة القبور على عمومه للرجال والنساء عائشة، كما يدل عليه حديث الباب وأصرح منه ما روى الحاكم (ج1:ص376) والبيهقي (ج4:ص78) والأثرم في سننه كلهم من طريق ابن أبي مليكة أنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها، وسيأتي مزيد الكلام عليه في باب

ص: 455

رواه الترمذي.

1733-

(27) وعن أبي رافع، قال:((سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبره ماء)) . رواه ابن ماجه.

1734-

(28) وعن أبي هريرة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى القبر فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً)) . رواه ابن ماجه.

ــ

زيارة القبور. (رواه الترمذي) ولم يحكم عليه بشيء من الصحة والضعف. قال شيخنا: ورجاله ثقات إلا أن ابن جريح مدلس، ورواه عن عبد الله بن أبي مليكة بالعنعنة.

1733-

قوله: (سلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً) أي ابن معاذ بأن وضع السرير في مؤخر القبر ثم حمل سعداً من قبل رأسه وأدخله في القبر، وهو الأفضل عند الشافعي وأحمد، وقد سبق الكلام فيه مفصلاً. (ورش على قبره ماء) فيه مشروعية رش القبر بالماء ولا خلاف فيها. (رواه ابن ماجه) بإسناد ضعيف. قال في الزوائد في إسناده مندل بن علي ضعيف، ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع متفق على ضعفه-انتهى. قلت: محمد بن عبيد الله هذا. قال البخاري فيه: منكر الحديث. وقال أبوحاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث جداً وذاهب. وقال الدارقطني: متروك، وله معضلات. وقال ابن معين: ليس بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات، كذا في تهذيب الحافظ. وقال الزيلعي في نصب الراية (ج2:ص300) بعد ذكر الحديث: ومندل بن علي ضعيف-انتهى. فالحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج بإنفراده، لكن قد تقدم في الرش والسل أحاديث أخرى، وهي تؤيد حديث أبي رافع هذا.

1734-

قوله: (فحثى عليه) أي رمى على قبره بالتراب. (ثلاثاً) أي ثلاث حثيات. (رواه ابن ماجه) قال الحافظ في التلخيص (ص165) بعد نقل هذا الحديث عن ابن ماجه: وقال أبوحاتم في العلل: هذا حديث باطل قلت: (قائله الحافظ) إسناده ظاهره الصحة. قال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ثنا يحيى بن صالح ثنا سلمة بن كلثوم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة الخ، ليس لسلمة بن كلثوم في سنن ابن ماجه وغيرها إلا هذا الحديث الواحد، ورجاله ثقات، وقد رواه ابن أبي داود في كتاب "التفرد" له من هذا الوجه، وزاد في المتن أنه كبر عليه أربعاً، وقال بعده: ليس يروى في حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة أربعاً إلا هذا، فهذا حكم منه بالصحة على هذا الحديث، لكن أبوحاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له، وأظن العلة فيه عنعنة الأوزاعي وعنعنة شيخه، وهذا كله

ص: 456