الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الأول}
1468-
(1) عن أنس قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين،
ــ
أنها واجبة، وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر، وقد ظهر بما ذكرنا رجحان قول من ذهب إلى أن الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة، يكره تركها لمن يقدر عليها، ووهن قول من ذهب إلى وجوبها، وذهب الشوكاني إلى وجوبها إذ قال في السيل الجرار بعد ذكر دلائل الوجوب: وبهذا تعرف أن الحق ما قاله الأقلون من كونها واجبة، ولكن هذا الوجوب مقيد بالسعة، فمن لا سعة له لا أضحية عليه – انتهى. واعلم أنه يتعين عندنا التضحية وإراقة الدم سواء كانت الأضحية سنة أو واجبة، ولا يكفي الصدقة بقيمتها؛ لأنه لم ينقل ولو بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده آثروا الصدقة على الأضحية قط، ولأن الصدقة بقيمتها تفضي إلى ترك شعار عظيم من شعائر الإسلام، فإراقة الدم والذبح متعين لمن يقدر عليه، والله تعالى أعلم.
1468-
قوله (ضحى) من التضحية، وفي رواية: كان يضحي، وفيها إشعار بالمداومة على ذلك، فتمسك به من قال الضأن في الأضحية أفضل ضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يداوم إلا على ما هو الأفضل، وسيأتي الكلام في ذلك (بكبشين) الكبش – بفتح فسكون – فحل الضأن في أي سن كان، واختلف في ابتدائه، فقيل: إذا أثنى، وقيل: إذا أربع – أي خرجت رباعيته -، واستدل به على اختيار العدد في الأضحية، ومن ثم قال الشافعية: إن الأضحية بسبع شياه أفضل من البعير؛ لأن الدم المراق فيها أكثر والثواب يزيد بحسبه، وأن من أراد أن يضحي بأكثر من واحد يعجله، وحكى الروياني من الشافعية: التفريق على أيام النحر، قال النووي: هذا أرفق بالمساكين، لكنه خلاف السنة، كذا قال. والحديث دال على اختيار التثنية، ولا يلزم منه أن من أراد أن يضحي بعدد فضحى أول يوم باثنين ثم فرق البقية على أيام النحر أن يكون مخالفاً للسنة، قاله الحافظ، وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى؛ لأن لحمه أطيب (أملحين) بالحاء المهملة تثنية أملح من الملحة، وهي بياض يخالطه سواد كالملح محركة، كذا في القاموس، وفي معنى الأملح أقوال؛ قال العراقي: أصحها أنه الذي فيه بياض وسواد، والبياض أكثر، وقيل: هو الأبيض الخالص، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية، وقيل: هو الأغبر أي الأبيض المشوب بشيء من السواد، وقيل: هو الأسود الذي يعلوه حمرة، وقيل: هو الذي يخالط بياضه حمرة، وقيل: هو الأبيض الذي في خلال صوفه الأبيض طبقات سود، واختار هذه الصفة لحسن منظره. وقيل: لشحمه وطيب لحمه (أقرنين) أي لكل منهما قرنان معتدلان، قاله الحافظ. وقال النووي: الأقرن الذي له قرنان حسنان، وقيل: طويل القرنين أو عظيمهما، وقيل: سالم القرنين، وفيه استحباب التضحية بالأقرن،
ذبحهما بيده وسمى وكبر، قال: رأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، ويقول: بسم الله والله أكبر.
ــ
وأنه أفضل من الأجم مع الاتفاق على جواز التضحية بالأجم، وهو الذي لم يخلق له قرن، واستدل به على مشروعية استحسان الأضحية صفة ولوناً، قال الماوردي: إن اجتمع حسن المنظر مع طيب المخبر في اللحم فهو أفضل، وإن انفردا فطيب المخبر أولى من حسن المنظر. وقال أكثر الشافعية: أفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ثم البلقاء ثم السوداء (ذبحهما بيده) وهو المستحب لمن يعرف آداب الذبح ويقدر عليه، وإلا فليحضر عند الذبح؛ لما روى الحاكم والبيهقي بسند ضعيف عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ((قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه
…
)) الحديث، وروي أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الحاكم، وفيه عطية، وقد قال أبوحاتم: إنه حديث منكر، ورواه الحاكم أيضاً، والبيهقي من حديث علي، وفيه عمرو بن خالد الواسطي، وهو متروك، قال المظهر: في الحديث أن السنة أن يذبح كل واحد أضحيته بيده؛ لأن الذبح عبادة والعبادة أفضلها أن يباشر كل بنفسه، ولو وكل غيره جاز، أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم استناب من نحر باقي بدنه بعد ثلاث وستين، وهذا لا شك فيه، قال الحافظ: وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر، لكن عند المالكية رواية بعدم الإجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم يكره، لكن يستحب أن يشهدها، ومذهب الشافعية أن الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها ولا تباشر الذبح بنفسها (وسمى وكبر) أي قال: بسم الله والله أكبر. والواو الأولى لمطلق الجمع، فإن التسمية قبل الذبح، وفيه مشروعية التسمية عند الذبح، وهي شرط في صفة الذبح مع الذكر، وتسقط بالسهو والنسيان عند مالك والثوري وأبي حنيفة، وهو المشهور من مذهب أحمد، وهو المروي عن ابن عباس، وعن أحمد: أنها مستحبة غير واجبة في عمد ولا سهو، وبه قال الشافعي. والقول الراجح عندنا هو ما ذهب إليه الجمهور. وأما التكبير فهو مستحب عند الجميع، قال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب التكبير مع التسمية خلافاً، ولا في أن التسمية مجزئة – انتهى. ثم الجمهور على أنه تكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وخالفهم الشافعي وقال: إنه يستحب، والراجح عندنا قول الجمهور. (قال) أي أنس (رأيته) صلى الله عليه وسلم (واضعاً) حال (قدمه) بالنصب على صفاحهما – بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة – جمع صفح – بفتح فسكون -، وهو الجنب. وقيل: جمع صفحة وهو عرض الوجه، وقيل: صفحة كل شيء جانبه، وجمع وإن كان وضعه صلى الله عليه وسلم قدمه إنما كان على صفحتيهما إما باعتبار أن الصفحتين من كل واحد في الحقيقة موضوع عليهما القدم المبارك؛ لأن إحداهما مما يلي الأخرى مما يلي الرجل أو هو من باب قطعت رؤس الكبشين. قال العيني: لعله على مذهب من قال: إن أقل الجمع اثنان، كقوله تعالى:{فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4]، فكأنه قال: صفحتيهما، وإضافة المثنى إلى المثنى تفيد التوزيع، فكان معناه وضع رجله على صفحة كل منهما، وقال الحافظ: الصفاح الجوانب، والمراد الجانب الواحد
متفق عليه.
1469-
(2) وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبشين أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، قال:((يا عائشة! هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر)) ،
ــ
من وجه الأضحية وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل ذلك في كل منهما فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بإرادة التوزيع، وفعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه أو تنجسه، قال الحافظ: وفيه استحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذبح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار – انتهى. وقال ابن القاسم: الصواب أن يضجعها على شقها الأيسر وعلى ذلك عمل المسلمين، فإن جهل فأضجعها على الشق الآخر لم يحرم أكلها. (متفق عليه) فيه أن قوله: ويقول بسم الله والله أكبر، من أفراد مسلم دون البخاري، والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج9 ص259 و283) وغيرهم.
1469-
قوله (أمر بكبش) أي بأن يؤتى به إليه (يطأ) الأرض ويمشي (في سواد) أي في قوائمه سواد (ويبرك) أي يتنوخ (في سواد) أي في بطنه وصدره سواد (وينظر في سواد) أي مكحول في عينيه سواد وباقيه أبيض، وهو أجمل، وقيل: ينظر في سواد أي حوالي عينيه سواد، قال النووي: قوله: ((يطأ في سواد
…
)) الخ معناه أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه سود، وقال الخطابي: يريد أن أظلافه ومواضع البروك منه وما أحاط بملاحظ عينيه من وجهه أسود، وسائر بدنه أبيض – انتهى. وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وأبوداود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد، ولا اختلاف بينهما وبين حديث أنس المتقدم لحملهما على حالين، فكان ما في حديث عائشة وأبي سعيد في مرة أخرى. (فأتي به) أي فجيء بالكبش (ليضحي به) علة لأمره – عليه السلام – (هلمي المدية) أي هاتيها، قال الطيبي: بنو تميم تثني وتجمع وتؤنث، وأهل الحجاز يقولون هلم في الكل – انتهى. ومنه قوله تعالى:{قل هلم شهداءكم} [الأنعام: 150] أي أحضروهم، والمدية – بضم الميم وكسرها وفتحها – وهي السكين، قيل: بضم الميم أصح من الكسر والفتح (أشحذيها) بفتح الحاء المهملة وبالذال المعجمة، أي حدديها (بحجر) من الأحجار، يقال: شَحَذْتُ السيف والسكين، إذا حددته بالمسن
ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال:((بسم الله، الله تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) ، ثم ضحى به.
ــ
وغيره مما يستخرج به حدها، وكذلك شحثتها – بالثاء -؛ لأن الثاء والذال متقاربان، وهذا موافق لحديث شداد بن أوس عند مسلم في الأمر بإحسان الذبح وإحداد الشفرة، ففيه استحباب إحسان الذبح وكراهة التعذيب كأن يذبح بما في حده ضعف. (وأخذ الكبش فأضجعه) على جنبه الأيسر (ثم ذبحه) أي أراد ذبحه (ثم ضحى به) أي فعل الأضحية بذلك الكبش، قاله القاري. وقال الطيبي: ثم في قوله: "ثم قال: بسم الله" للتراخي في الرتبة وأنها هي المقصودة الأولية، وإلا فالتسمية مقدمة على الذبح، ومن ثم كنى بها عن الذبح في قوله تعالى:{والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فاذكروا اسم الله عليها} [الحج: 36] قال: وقوله: "ثم ضحى به" أي غدى، كما في الأساس يعني غدى الناس به، أي جعله طعام غداء لهم، وقال النووي: هذا الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره: فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلاً: بسم الله
…
الخ مضحياً به ولفظة " "ثم" ههنا متأولة على ما ذكرته بلا شك، وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة؛ لأنه أرفق بها، وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع المسلمون عليه، قال: وفي قوله: ((اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير: اللهم تقبل مني، قال أصحابنا: ويستحب معه: اللهم منك وإليك تقبل مني، فهذا مستحب عندنا وعند الحسن وجماعة، وكرهه أبوحنيفة وكره مالك: اللهم منك وإليك، وقال: هي بدعة – انتهى. وقال ابن قدامة: إن زاد أي على التسمية والتكبير فقال: اللهم هذا منك ولك اللهم تقبل مني أو من فلان فحسن، وبه قال أكثر أهل العلم. وقال أبوحنيفة: يكره أن يذكر اسم غير الله لقول الله تعالى: {وما أهل لغير الله به} [المائدة: 3]، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بكبش ليضحي به فأضجعه ثم قال: اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد ثم ضحى به. رواه مسلم. وفي حديث جابر – عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر)) ثم ذبح، وهذا نص لا يعرج على خلافه – انتهى. قال الخرقي: وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن؛ لأن النية تجزئ. قال ابن قدامة: لا أعلم خلافاً في أن النية تجزئ، وإن ذكر من يضحى عنه فحسن، لما روينا من الحديث. قال الحسن: يقول بسم الله والله أكبر، هذا منك ولك، تقبل من فلان، وكره أهل الرأي هذا، كما ذكرنا – انتهى. وفيه دليل على أنه إذا ذبح واحد عن أهل بيته بشاة تأدت السنة لجميعهم. وبهذا قال أحمد والليث والأوزاعي وإسحاق، وروى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة، وقال الثوري وأبوحنيفة: لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة، والحديث يرد عليهما، وتأويله بإشراك الآل في الثواب خلاف الظاهر، والقول بالنسخ أو التخصيص مردود؛ لأه مجرد دعوى. قال الخطابي في المعالم: قوله ((تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهله وإن كثروا.
رواه مسلم.
1470-
(3) وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة،
ــ
وروي عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يفعلان ذلك، وأجاز مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - انتهى. وفي الباب أحاديث ذكرها شيخنا في شرح الترمذي (ج2 ص357، 358) ، وبسط الكلام فيه فارجع إليه (رواه مسلم) في الأضاحي، وأخرجه أيضاً أبوداود والبيهقي (ج3 ص267، 272، 286) .
1470-
قوله (لا تذبحوا إلا مسنة) - بضم الميم وكسر السين وبالنون المشددة - اسم فاعل من أسنت إذا طلع سنها لا من أسن الرجل إذا كبر، قاله السندي في حاشية النسائي، وقال ابن عابدين في رد المحتار (ج2 ص24) - في شرح قوله: وفي أربعين مسن ذو سنتين - قوله "مسن" - بضم الميم وكسر السين - مأخوذ من الأسنان، وهو طلوع السن في هذه السنة لا الكبر، قهستاني عن ابن الأثير - انتهى. وقال في (ج2 ص31) : سميت بذلك لأن عمرها يعرف بالسن واحدة الأسنان بخلاف الآدمي - انتهى. وفي القاموس وشرحه (ج9 ص243) يقال: أسن البعير إذا نبت سنه الذي يصير به مسناً من الدواب وفيهما أيضاً. وفي لسان العرب (ج17 ص86) والبقرة والشاة يقع عليهما اسم المسن إذا أثنيا فإذا سقطت ثنيتهما بعد طلوعها فقد أسنت، وليس في معنى أسنانها كبرها كالرجل، ولكن معناه طلوع ثنيتها - انتهى. وقال الجزري في النهاية (ج2 ص118) قال الأزهري: البقرة والشاة يقع عليها اسم المسنة إذا أثنيا يثنيان في السنة الثالثة، وليس معنى أسنانها كبرها كالرجل، ولكن معناه طلوع سنها في السنة الثالثة - انتهى. وقال الفيومي في المصباح (ج1 ص140) : أسن الإنسان وغيره أسناناً إذا كبر فهو مسن، والجمع مسان، قال الأزهري: ليس معنى أسنان الإبل والشاة كبرها كالرجل، ولكن معناه طلوع الثنية - انتهى. وقال الحافظ في الفتح (ج23 ص328) : حكى ابن التين عن الداودي أن المسنة التي سقطت أسنانها للبدل، وقال أهل اللغة: المسن الثني الذي يلقي سنه
…
الخ، وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات (ج1 ص649) : وجه تسميه بمسنة - آن است كه وي مي اندازد دو دندان بيش راكه آن راثنايا كويند درين عمر - وقال الشيخ سلام الله الدهلوي في شرح الموطأ في شرح قول نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تُسِنّ ما لفظه - بضم التاء وكسر السين وفتح النون المشددة - أي يتقي التي لم تكن مسنة، وهي الثنية - انتهى. وحكى الجزري في النهاية (ج2 ص118) عن ابن قتيبة أنه قال في معناه: هي التي لم تَنْبُت أسنانُها كأنها لم تُعْطَ أسناناً، كما يقال: لم يُلبن فلان أي لم يُعْطَ لبناً، وأراد ابن عمر أنه لا يضحي بأضحية لم تُسِنّ أي لم تصر ثنية، فإذا أثْنَت فقد أسَنَّت، وكذا ذكر في تاج العروس (ج9 ص243) ، وفي لسان
.................................
ــ
العرب (ج17 ص86) : وقال ابن عبد البر في التمهيد: والزرقاني في شرحه (ج3 ص70-71) قوله: "لم تسن" روي بكسر السين من السن، وروي بفتح السين أي التي لم تنبت أسنانها، كأنها لم تعط أسنانها، كما تقول: لم يُلْبَن ولم يُسْمَن ولم يُعْسَل، أي لم يعط ذلك، وقال غيره: معناه لم تبدل أسنانها، وهذ أشبه بمذهب ابن عمر؛ لأنه يقول في الأضاحي والبدن الثني فما فوقه ولا يجوز عنده الجذع من الضأن – انتهى. وقال الزمخشري في الفائق (ج1 ص306) لم تستن أي لم تثن وإذا أثنت فقد أسنت؛ لأن أول الأسنان الإثناء، وهو أن تنبت ثنيتاها وأقصاه في الإبل البزول، وفي البقر والغنم الصلوع، ورواه القتبي بفتح النون في لم تسن، وقال: أي لم ينبت أسنانها كأنها لم تعط أسناناً كقولهم لبن وسمن وعسل إذا أُعطي شيئاً منها، والأول أي كسر النون هو الرواية عن الأثبات – انتهى. وقال المطرزي الحنفي في المغرب (ج1 ص266) : والسن هي المعروفة ثم سمى بها صاحبها كالناب – للمسنة – من النوق ثم استعيرت لغيره كابن المخاض وابن اللبون، ومن المشتق منها الأسنان وهو في الدواب أن تنبت السن التي يصير بها صاحبها مسناً أي كبيراً وأدناه في الشاة والبقر الثني
…
الخ، ومنه حديث ابن عمر: يتقى من الضحايا التي لم تسنن أي لم تثن – انتهى. وقال النووي: قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها – انتهى. وقال الإمام محمد في كتاب الآثار: المُسِنّة الثنية فصاعدا – انتهى. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي: يجوز من جميع هذه الأقسام الثني، وهو المراد من المسنة، وقال السندي: الثني هو المسن، وروى أبوعبيد في الأموال (ص384) عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: المسن الثني فما زاد – انتهى. وقال في لسان العرب (ج18 ص133) : والثني من الإبل الي يلقي ثنيته، وذلك في السادسة، وإنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته وأثنى البعير صار ثنياً، وقيل: كل ما سقطت ثنيته من غير الإنسان، ثنى وأثنى أي ألقى ثنيته، وقال الجوهري في الصحاح (ج2 ص454) الثني الذي يلقي ثنيته، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة، وقال ابن سيده في المحكم: الثني من الإبل الذي يلقي ثنيته، وذلك في السادسة، وإنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته، وقال الأزهري في التهذيب: إنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته، وقال الفيومي في المصباح (ج1 ص43) والثني الذي يلقي ثنيته يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة، ومن ذوات الخف في السنة السادسة، وهو بعد الجذع، وأثنى إذا ألقى ثنيته فهو ثني، فعيل بمعنى الفاعل، وقال في مختار الصحاح: الثني الذي يلقي ثنيته. وقال الثعالبي في فقه اللغة (ص104) فإذا كان في السادسة وألقى ثنيته فهو ثني. وقال المطرزي في المغرب (ج1 ص69-70) : الثنايا هي الأسنان المقدمة اثنتان فوق واثنتان أسفل قال: ومنها الثني من الإبل الذي أثنى أي ألقى ثنيته، وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ومن الظلف ما استكمل الثانية ودخل في الثالثة ومن الحافر ما استكمل الثالثة ودخل في الرابعة وهو في كلها بعد
إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن.
ــ
الجذع، وقيل: الرباعي والجمع ثنيان وثناء – انتهى. وقال الدميري في حياة الحيوان (ج1 ص266) الثني الذي يلقي ثنيته أو قال في الصراح (ج2 ص433) ثنى على فعيل دندان بيش افنكنده، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة، وقال أبوداود في السنن في باب تفسير أسنان الإبل نقلاً عن أهل اللغة: فإذا دخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذٍ ثني حتى يستكمل ستاً – انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال أهل اللغة: المسن الثني الذي يلقي سنه، ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة، وقال في الكفاية (ج1 ص124) شرح الهداية أما تفسير كتب اللغة كالصحاح والديوان والمغرب وغيرها الثني الذي يلقي ثنيته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة. وفي الخف في السنة السادسة. وقال السقاقي في النهاية شرح الهداية: الثني من الإبل الذي أثنى أي ألقى سنه، وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة، ومن الظلف ما استكمل الثانية ودخل في الثالثة – انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (ج8 ص623) : قال الأصمعي وأبوزيد الكلابي وأبوزيد الأنصاري: إذا مضت السنة الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذٍ ثني، ونرى إنما سمي ثنياً لأنه ألقى ثنيه – انتهى. وقال أبوعبيدة: إذا أتت عليه أي على الإبل الخامسة فهو حذع، فإذا ألقى ثنيته في السادسة فهو ثني، كذا في المنتقى (ج3 ص86) لأبي الوليد الباجي، هذا وقد تحصل بما ذكرنا من أقوال أهل اللغة - وهم العمدة في ذلك - وأصحاب شروح الحديث والفقه: أن المسنة والمسن من الأسنان بمعنى طلوع السن واحدة والأسنان لا بمعنى الكبير؛ لأن عمر الدواب يعرف بالسن التي هي عظم نابت في فم الحيوان بخلاف الآدمي فإن عمره يعرف بالسنة والحول، وأن المُسِنّ والثني والمُسِنّة والثنية شيء واحد، وأن المُسِنّ والثني من البعير والبقر والغنم ما ألقى ثنيته، وهي أسنان مقدم الفم، وأن العبرة في معنى المُسنّ والثني وفي سنّ الأضحية لإلقاء الثنية ونبات السن وطلوعها لا للعمر والكبر والسنة فلا يلتفت إلى عمرها، ولا يجوز التضحية من البعير والبقر والمعز إلا بما ألقى ثنيته، ولا يجزئ في الأضحية من هذه الأقسام إلا الذي أنبت أسنانه، وأما الضأن فسيأتي حكمه (إلا أن يعسر) أي يصعب (عليكم) أي ذبحها بأن لا تجدوها، أو لا تجدوا ثمنها (فتذبحوا جذعة) بفتحتين، قال في القاموس: الجذع محركة قبل الثني، وهي بهاء اسم له في زمن وليس بسن تنبت أو تسقط والشاب الحدث جمع جِذاع وجُذعان، ومثل ذلك في عامة كتب اللغة كلسان العرب وتاج العروس والصحاح والمصباح المنير وغيره (من الضأن) قال في القاموس: الضائن خلاف الماعز من الغنم جمع ضأن، ويحرك وكأمير وهي ضائنة جمع ضوائن. وقال في المصباح: الضأن ذوات الصوف من الغنم، والمعز اسم جنس لا واحد له من لفظه: هي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة وهي مؤنثة، والغنم اسم جنس يطلق على
..........................
ــ
الضأن والمعز – انتهى. وقال في الصراح: ضائن ميش نر خلاف معز، والجمع ضأن مثل راكب وركب، وضأن بالتحريك أيضاً مثل حارس وحرس – انتهى. وقال الجزري في النهاية: أصل الجذع من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شاباً فتياً، فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل: البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل: أقل منها، ومنهم من يخالف بعض هذا في التقدير – انتهى. وقال الحافظ في الفتح (ج23 ص324) : جذعة – بفتح الجيم والذال المعجمة – هو وصف لسِن معين من بهيمة الأنعام، فمن الضأن ما أكمل السنة، وهو قول الجمهور، وقيل: دونها، ثم اختلف في تقديره، فقيل: ابن ستة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة، وحكى الترمذي عن وكيع أنه ابن ستة أشهرو أو سبعة أشهر، وعن ابن الأعرابي أن ابن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة، وابن الهرمين يجذع لثمانية إلى عشرة، قال: والضأن أسرع أجذعاً من المعز، وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر ما أكمل الثالثة، ومن الإبل ما دخل في الخامسة – انتهى. قال في الأزهار: النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا)) للحرمة في الإجزاء والتنزيه في العدول إلى الأدنى، وهو المقصود في الحديث بدليل ((إن أن يعسر عليكم)) والعسر قد يكون لغلاء ثمنها، وقد يكون لفقدها وعزتها، ومعنى الحديث الحمل والحث على الأكمل والأفضل، وهو الإبل ثم البقر ثم الضأن، وليس المراد الترتيب والشرط – انتهى. قلت: الحديث دليل على أنه لا يجوز التضحية بما عدا المسنة مما دونها، ونص في أنه لا يجزئ الجذع من الضأن إلا إذا عسر على المضحي المسنة فذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة، فلا يجوز مع عدم التعسر، وفيه أيضاً أنه لا يجزئ الجذع من غير الضأن، لكن ذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وغيرهم إلى أنه يجوز الجذع من الضأن سواء وجد غيره أم لا، وقال ابن عمر والزهري: إن الجذع لا يجزئ مطلقاً لا من الضأن ولا من غيره، وبه قال ابن حزم، وعزاه لجماعة من السلف، وأطنب في الرد على من أجازه، وقال عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس مطلقاً، والجمهور حملوا الحديث – كما قال النووي – على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن، قال النووي: وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن، وأنها لا تجزئ بحال، قال: وقد أجمعت الأمة على أن الحديث ليس على ظاهره؛ لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فيتعين تأويله على ما ذكرنا من الاستحباب. قلت: ويدل للجمهور على الإجزاء جذع الضأن مع وجود غيره وعدمه حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني بلفظ: ((نعمت الأضحية الجذع من الضأن)) ، وحديث عقبة بن عامر: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن. أخرجه النسائي بسند قوي، وحديث أم هلال بنت بلال عن أبيها رفعه:((يجوز الجذع من الضأن أضحية)) ، أخرجه أحمد وابن ماجه
........................
ــ
وابن جرير الطبري والطبراني في الكبير والبيهقي. قال الشوكاني: رجال إسناده بعضهم ثقة وبعضهم صدوق وبعضهم مقبول. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وحديث مجاشع الآتي وغير ذلك من الأحاديث الدالة على مذهب الجمهور المقتضية للتأويل المذكور، وهي ترد على ما ذهب إليه ابن عمر والزهري وعطاء وصاحبه الأوزاعي، فالحق هو ما ذهب إليه الجمهور من إجزاء الجذع من الضأن سواء وجد غيره أم لا، وعدم إجزاء غيره من جذع الإبل والبقر والمعز مطلقاً، والله تعالى أعلم. قال إبراهيم الحربي: إنما يجزئ الجذع من الضأن؛ لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يكون ثنياً. واختلف الجمهور القائلون بإجزاء جذع الضأن في سنه على آراء؛ أحدها: أنه ما أكمل سنة ودخل في الثانية، وهو الأصح عند الشافعية، وهو الأشهر عند أهل اللغة. ثانيها: نصف سنة، وهو قول الحنفية والحنابلة. ثالثها: سبعة أشهر، وحكاه صاحب الهداية عن الزعفراني. رابعها: سنة أو سبعة، حكاه الترمذي عن وكيع. خامسها: التفرقة بين ما تولد بين شابين فيكون له نصف سنة أو بين هرمين فيكون ابن ثمانية. سادسها: ابن عشر. سابعها: لا يجزئ حتى يكون عظيماً. قال صاحب الهداية: إنه إذا كانت عظيمة بحيث لو اختلطت بالثنيات اشتبهت على الناظر من بعيد أجزأت، كذا في الفتح (ج23 ص329)، واعلم أنه لا يجزئ في الأضحية غير بهيمة الأنعام لقوله تعالى:{ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 34] ، وهي الإبل والبقر والغنم الأهلية، وأما الجاموس فمذهب الحنفية وغيرهم جواز التضحية به، قالوا: لأن الجاموس نوع من البقر، ويؤيد ذلك أن الجاموس في الزكاة كالبقرة، فيكون في الأضحية أيضاً مثلها، ويذكرون في ذلك حديثاً صريحاً أورده المناوي في كنوز الحقائق بلفظ: الجاموس في الأضحية عن سبعة، وعزاه الديلمي في مسند الفردوس، والأمر عندي ليس واضحاً كما زعموا، فإنهم قد اعترفوا بأن الجاموس في ما يتعارف الناس نوع آخر غير البقر لما بينهما من الاختلاف العظيم في الظاهر والمخبر، ولذلك صرحوا بأن من حلف أن لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجاموس لا يكون حانثاً، وإن حلف بالطلاق لم تطلق زوجته بأكل لحم الجاموس. وأما ما ينسب إلى بعض أهل اللغة أنه قال: إن الجاموس نوع أو ضرب من البقر، فالظاهر أنه وقع منه التساهل في ذلك، والأصل فيه أن يقال: الجاموس كالبقرة أو بمنزلة البقرة كما روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال: الجاموس بمنزلة البقر، وعلى هذا فليس الجاموس من البقر، ولعله لما رأى الفقهاء مالكاً والحسن وعمر بن عبد العزيز وأبايوسف وابن مهدي ونحوهم أنهم جعلوا الجاموس في الزكاة كالبقر فهم من ذلك أن الجاموس ضرب من البقر، فعبر عن ذلك بأنه نوع منه، ولا يلزم من كون الجاموس في الزكاة كالبقر أن يكون في الأضحية مثلها، كما لا يخفى. وأما الحديث المذكور فليس مما يعرج عليه لما لا يعرف حاله،
رواه مسلم.
1471-
(4) وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا، فبقي عتود، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ضح به أنت – وفي رواية – قلت: يا رسول الله ! أصابني جذع، قال: ضح به)) .
ــ
والأحوط عندي أن يقتصر الرجل في الأضحية على ما ثبت بالسنة الصحيحة عملاً وقولاً وتقريراً، ولا يلتفت إلى ما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم، ومن اطمأن قلبه بما ذكره القائلون باستنان التضحية بالجاموس ذهب مذهبهم ولا لوم عليه في ذلك، هذا ما عندي والله أعلم. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج9 ص269، 279)، وكان مقتضى عادة المصنف أن يجمع بينه وبين الحديث الأول ويقول: رواهما مسلم.
1471-
قوله (غنماً) يشمل الضأن والمعز (على صحابته) ويروى على أصحابه، قيل: الضمير فيه يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون لعقبة. قلت: الظاهر أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه قيل: يحتمل أن يكون الغنم ملكاً للنبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقسمتها بينهم تبرعاً، ويحتمل أن يكون من الفيء، وإليه مال القرطبي حيث قال في الحديث: إن الإمام ينبغي له أن يفرق الضحايا على من لم يقدر عليها من بيت مال المسلمين. وقال ابن بطال: إن كان قسمها بين الأغنياء فهي من الفيء، وإن كان خص بها الفقراء فهي من الزكاة. (ضحايا) حال من الضمير في يقسمها (فبقي) أي بعد قسمتها (عتود) بفتح العين المهملة وضم المثناة الفوقية الخفيفة، وهو من أولاد المعز خاصة، وهو ما قوي ورعى وأتى عليه حول، كذا في النهاية وغيرها من كتب اللغة، وجمعه أعتدة وعتدان، وتدغم التاء في الدال، فيقال: عُدّان. وقال ابن بطال: العتود الجذع من المعز ابن خمسة أشهر، وهذا يبين المراد بقوله في الرواية الأخرى:((جذعة وأنها كانت من المعز)) ، وزعم ابن حزم أن العتود لا يقال إلا للجذع من المعز، وتعقب بما وقع في كلام صاحب المحكم أن العتود الجدي – بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ذكر ولد المعز – الذي استكرش – أي عظم بطنه وأخذ في الأكل -، وقيل: الذي بلغ السفاد، وقيل: هو الذي أجذع – انتهى. (فذكره) أي عقبة بقاء العتود (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضح به أنت) قال القاري: فيه دليل على جواز التضحية بالمعز إذا كان له سنة، وهو مذهبنا، وقال صاحب اللمعات: العتود إن كان ما تم عليه الحول فهو جائز عندنا مطلقاً، وإن كان ما تم عليه أكثر الحول فأجزأه عنه خصوصية له، كما جاء في حديث أبي بردة في جذع المعز:((اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك)) – انتهى.
متفق عليه.
ــ
قلت: روى البيهقي (ج9 ص270) حديث عقبة من طريق عبد الله البوشجي – أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم – رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري، وزاد فيها:((ولا رخصة فيها لأحد بعدك)) ، وهذه الزيادة صريحة في أن إجزاء العتود عنه خصوصية له سواء كان المراد من العتود والجذع في حديث عقبة ما تم عليه الحول كما عليه عامة أهل اللغة أو كان المراد ما تم عليه أكثر الحول، وفيه دليل لقول الجمهور إن الجذع من المعز لا يجزئ، ورد على الحنفية على تفسير أهل اللغة في قولهم بجواز التضحية بالمعز إذا كانت له سنة، والحق أنه لا يجوز الجذع من المعز، وإنما يجوز منها الثني، وهو الذي ألقى ثنيته كما تقدم. واعلم أن بين قوله صلى الله عليه وسلم لعقبة:((ولا رخصة فيها لأحد بعدك)) وبين قوله لأبي بردة بن نيار: ((ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك)) منافاة ظاهرة، فإن في كل منهما صيغة عموم، فأيهما يقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، فقيل: يحتمل أن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك؛ لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحاً، وذكر بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة لكن ليس التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي، ولم يشاركهما أحد في ذلك، نعم وقعت المشاركة في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير لزيد بن خالد، رواه أبوداود وأحمد، وصححه ابن حبان، ولسعد بن أبي وقاص رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، وأخرجه الحاكم من حديث عائشة، ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله! هذا جذع من الضأن مهزول، وهذا جذع من المعز سمين، وهو خيرهما أفأضحي به؟ قال:((ضح به فإن لله الخير)) ، وفي سنده ضعف، قال الحافظ: لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزئ، واختص أبوبردة وعقبة بالرخصة في ذلك، قال: والمشاركة إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير، قال: وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي زيد الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار: ((اذبحها ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك)) فهذا يحمل على أنه أبوبردة بن نيار فإنه من الأنصار، وكذا ما أخرجه أبويعلى والطبراني: أن رجلاً ذبح قبل الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ عنك، قال: إن عندي جذعة، فقال: تجزئ عنك ولا تجزئ بعد)) فلم يثبت الإجزاء لأحد، ونفيه عن الغير إلا لأبي بردة وعقبة وإن تعذر الجمع الذي تقدم، فحديث أبي بردة أصح مخرجاً، والله أعلم – انتهى كلام الحافظ (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج9 ص269-270) .
1472-
(5) وعن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى. رواه البخاري.
1473-
(6) وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة)) .
ــ
1472-
قوله (يذبح) أي الشاة أو البقرة (وينحر) أي الإبل (بالمصلى) أي بعد أن يصلي العيد، فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالإبل والبقر؛ لأن النحر لا يجوز في الغنم، وإنما هو في الإبل وعلى تكرُّهٍ في البقر، فيكون ذلك قرينة واضحة على أن قول أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين – ليس للدوام، ويؤيد ذلك ما وقع في بعض الروايات قول أنس بلفظ: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فليس فيه دليل على كون الضأن أفضل في الأضحية، وحديث ابن عمر هذا قد تقدم في آخر الفصل الأول من باب صلاة العيد، ذكره هنا لبيان مكان الذبح، إذ الذبح في المصلى مستحب لإظهار الشعار، وذكره ثمه لبيان وقت الذبح؛ لأنه إذا ذبح بالمصلى علم أن الذبح بعد الصلاة لا قبلها (رواه البخاري) تقدم ذكر من أخرجه غيره.
1473-
قوله (البقرة عن سبعة) أي تجزئ عن سبعة أشخاص (والجزرو) بفتح الجيم، وهو ما يجزر أي ينحر من الإبل خاصة ذكراً كان أو أنثى (عن سبعة) أي يجزئ عن سبعة أنفس أو يضحى عن سبعة أشخاص، والحديث رواه مسلم وغيره بألفاظ، ففي رواية لمسلم: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، وفي رواية قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة، وفي رواية قال: اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة، فقال رجل لجابر: أيشترك في البقرة ما يشترك في الجزور؟ فقال: ما هي إلا من البدن، وفي لفظ رواه البرقاني على شرط الشيخين:((اشتركوا في الإبل والبقر كل سبعة في بدنة)) ، وفي هذه الروايات دلالة على أن الحديث الذي ذكره البغوي إنما هو في الهدي لا في الأضحية، وظاهر هذه الروايات جواز الاشتراك في الهدي، وهو قول الشافعي وأحمد، وبهذا قال أكثر أهل العلم من غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضين أو متطوعين أو بعضهم مفترضاً وبعضهم متنفلاً أو مريداً للحم. وقال أبوحنيفة: يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين، وعن داود وبعض المالكية يجوز الاشتراك في هدي التطوع دون الواجب، وقال مالك: لا يجوز مطلقاً، وروي عن ابن عمر نحو ذلك، ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع، واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال: يجزئ الجزور عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه، وإليه ذهب ابن خزيمة، واحتج له في صحيحه وقواه، واحتج له بحديث رافع بن خديج
رواه مسلم، وأبوداود، واللفظ له.
ــ
أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير، وفيه أن هذا قياس فاسد؛ لأن هذا التعديل كان في القسمة وهي غير محل النزاع، ويؤيد كون الجزور عن سبعة فقط ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن علي بدنة وأنا موسر ولا أجدها فأشتريها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن، أخرجه أحمد وابن ماجه، فإنه لو كانت البدنة تعدل عشراً لأمره بإخراج عشر شياه؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وأما الأضحية فقال الجمهور بجواز الاشتراك فيها كالهدي، سواء كان المشتركون من البيت الواحد أو من أبيات شتى أقارب كانوا أو أباعد، واشترط أبوحنيفة أن يكون المشتركون كلهم متقربين، وقال مالك: لا يجوز الاشتراك فيها في الذات بأن يحصل الاشتراك في الثمن، نعم يجوز الاشتراك لأهل البيت الواحد في الأجر بأن ينحر الرجل عنه وعن أهل بيته وإن كانوا أكثر من السبع البدنة، ويذبح البقرة هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها، فإما أن يشتري البدنة أو البقرة ويشتركون فيها فيخرج كل إنسان منهم حصته من ثمنها، ويكون له حصته من لحمها، فإن ذلك يكره عنده، قال ابن حزم: قال مالك: يجزئ الرأس الواحد من الإبل أو البقر أو الغنم عن واحد وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعة إذا أشركهم فيها تطوعاً، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم شركة ولا عن أجنبيين فصاعداً، واختلف القائلون بالاشتراك في البدنة، فقال الشافعي وأحمد وأبوحنيفة: إنها تجزئ عن سبعة كالهدي، وقال إسحاق وابن خزيمة وابن المسيب: إنها تجزئ عن عشرة. قال الشوكاني: وهذا هو الحق هنا، أي في الأضحية؛ لحديث ابن عباس يعني الذي يأتي في الفصل الثاني، والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة، يعني بها الروايات التي ذكرناها من حديث جابر. وأما البقرة فتجزئ عن سبعة فقط في الهدي والأضحية – انتهى. وأورد البغوي حديث جابر في باب الأضحية مع أنه في الهدي لا في الأضحية كما تدل عليه الروايات الأخر إما نظراً إلى إطلاق اللفظ أو ليثبت الاشتراك في الأضحية. وأن البدنة والبقرة كليهما عن سبعة بالقياس على الهدي، ولا حاجة إلى القياس مع وجود النص في الأضحية وهو حديث ابن عباس الآتي. (رواه مسلم وأبوداود) وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وابن ماجه والبيهقي (ج9 ص279، 294) . (واللفظ له) أي لفظ الحديث لأبي داود ولمسلم معناه، وهذا هو الداعي للمصنف إلى ذكر أبي داود مع أن ما في الفصل الأول لا يسنده لغير الصحيحين، لكن البغوي لما أخذ لفظ أبي داود الثابت معناه في صحيح مسلم وجعله في الفصل الأول أوهم أن اللفظ لأحد الصحيحين، فبين المصنف أن الذي في مسلم هو المعنى، ولأبي داود اللفظ، قاله القاري. وقيل: فيه تعريض بالاعتراض على البغوي حيث أورده في الفصل الأول اعتباراً بمعناه، وكان الأولى أن يورده في الفصل الثاني، وأخرجه الدارقطني (ص265) بلفظ: سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة والجزور عن سبعة، وأخرجه الطبراني في الثلاثة من حديث عبد الله بن
1474-
(7) وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً – وفي رواية – فلا يأخذن شعراً، ولا يقلمن ظفراً -، وفي رواية: من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره -)) .
ــ
مسعود مرفوعاً: البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة في الأضاحي، قال الهيمثي (ج4 ص20) : وفيه حفص بن جميع، وهو ضعيف – انتهى.
1474-
قوله (إذا دخل) وفي مسلم: ((إذا دخلت)) (العشر) أي أول عشر ذي الحجة (وأراد بعضكم أن يضحي) قال في شرح السنة: في الحديث دلالة على أن الأضحية غير واجبة؛ لأنه فوض إلى إرادته حيث قال: ((وأراد)) ولو كانت واجبة لم يفوض – انتهى. وقيل: لا حجة فيه؛ لأن الواجب قد يفوض إلى الإرادة ويعلق عليها، فالوصية قد علقت على الإرادة في قوله – عليه السلام: ((ما حق امرئ له شيء يريد أن يوصي فيه
…
)) الحديث، وليس هذا اللفظ دليلاً على عدم وجوب الوصية عند الظاهرية القائلين بافتراض الوصية. وأجاب عن هذا ابن حزم بأن الوصية عندنا فرض؛ لأنه قد جاء نص آخر بإيجاب الوصية في القرآن والسنة، قال تعالى:{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية} الآية [البقرة: 180] ، فأخذنا بهذا ولم يأت نص بإيجاب الأضحية، ولو جاء لأخذنا به – انتهى. وأجاب السندي عن الحديث بأن هذا لو قلنا بالوجوب على الكل، وأما إذا قلنا بالوجوب على من يملك النصاب وبالندب في حق غيره فلا دلالة (فلا يمس) بفتح السين المهملة أي بالقطع والإزالة (من شعره) بفتح العين وتسكن (وبشره) بفتحتين (شيئاً – وفي رواية فلا يأخذن) بنون التأكيد، أي لا يزيلن (ولا يقلمن) بكسر اللام مع فتح الياء، وقيل: بالتثقيل أي لا يقطعن، قال السندي: يقال: قلم الظفر كضرب وقلم بالتشديد أي قطعه، والتشديد للمبالغة، فالتخفيف ههنا أولى فافهم (ظفراً) بضمتين (وفي رواية) هذه الرواية عند النسائي والترمذي، وليست عند مسلم (من رأى هلال ذي الحجة) أي أبصره أو علمه (وأراد أن يضحي فلا يأخذ) كذا في رواية للنسائي بغير نون التأكيد، وعند الترمذي:((فلا يأخذن)) أي بنون التأكيد (من شعره ولا من أظفاره) زاد النسائي ((حتى يضحي)) ، قال أصحاب الشافعي: المراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره، والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه، قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي: حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر، ودليله الرواية السابقة ((فلا يمس من شعره وبشره شيئاً)) ، وفي الحديث دليل على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب سعيد بن المسيب
......................
ــ
وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، واحتج هؤلاء بحديث أم سلمة؛ لأن النهي ظاهر في التحريم، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، ليس بحرام، وحكي عنه أن ترك الحلق والتقصير والقلم لمن أراد التضحية مستحب، وقال أبوحنيفة: هو مباح لا يكره ولا يستحب، والحديث يرد عليه، وقال مالك في رواية: لا يكره، وفي رواية: يكره، وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب، واحتج الشافعي بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه، أخرجه الشيخان، قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك – انتهى. فجعل هذا الحديث مقتضياً لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه، قال الشوكاني: ولا يخفى أن حديث أم سلمة أخص منه مطلقاً، فيبنى العام على الخاص، ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم، ولكن على من أراد التضحية – انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (ج8 ص619) : حديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه فذكرها، ثم قال: ولأن عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له – انتهى. وأجاب الطحاوي عن حديث أم سلمة بأنه موقوف، وقد أعله الدارقطني أيضاً بالوقف، قال الطحاوي في شرح الآثار بعد رواية حديث أم سلمة موقوفاً ما لفظه: فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة – رضي الله عنها – انتهى. وتعقب بأنه لا شك في أن بعض الرواة روى حديث أم سلمة موقوفاً، لكن أكثرهم رووه بأسانيد صحيحة مرفوعاً، وقد بسط هذه الأسانيد مسلم والنسائي، وتلك الطرق المرفوعة كلها صحيحة، فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث، بل الظاهر أن المرفوع هو أصل الحديث، وأفتت أم سلمة على وفق حديثها المرفوع، فروى بعضهم موقوفاً عليها من قولها. والحاصل أن حديث أم سلمة مرفوعاً صحيح، وهو حديث قولي ولم يجئ ما يعارضه، فالأخذ به متعين، ومقتضى النهي التحريم، فالراجح عندنا ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه، والله تعالى أعلم. واختلفوا في بيان حكمة النهي، فقيل: للتشبه بالمحرم، قال التوربشتي: وهذا قول إذا أطلق لم يستقم؛ لأن هذا الحكم لو شرع للتشبه بهم لشاع ذلك في سائر محظورات الإحرام، ولما خص بما يؤخذ من أجزاء البدن كالشعر والظفر والبشر، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا الوجه غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم، وتعقب بأن التشبه لا يلزم من جميع الوجوه، وقيل: الحكمة أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، قال التوربشتي: إن المضحي يجعل أضحيته فدية يفتدي بها نفسه من عذاب يوم القيامة ويرتاد بها القربة لوجه الله الكريم، فكأنه لما اكتسب عن السيئات وأتى به من التقصير في حقوق الله رأى نفسه مستوجبة أن يعاقبه
رواه مسلم.
1475-
(8) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر،
ــ
بأعظم العقوبات وهو القتل، غير أنه أحجم عن الإقدام عليه إذ لم يؤذن له فيه، فجعل قربانه فداء لنفسه فصار كل جزء منه فداء كل جزء منها، وعمت ببركته أجزاء البدن، فلم تخل منها ذرة ولم تحرم عنها شعرة، وإذا كانت هذه الفضيلة ملحقة بالأجزاء المتصلة بالمتقرب دون المنفصلة عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمس شيئاً من شعره وبشره لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي ليتم له الفضائل ويتنزه عن النقائص – انتهى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والطحاوي والبيهقي (ج9 ص266) وغيرهم، واستدركه الحاكم فوهم.
1475-
قوله (ما من أيام العمل الصالح) بالرفع مبتدأ يشمل أنواع العبادات كالصلاة والتكبير والذكر والصوم وغيرها (فيهن) متعلق بالعمل (أحب) بالرفع (إلى الله من هذه الأيام العشر) أي الأول من ذي الحجة، ففي رواية أبي داود الطيالسي في مسنده:((ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة)) ، وكذا في رواية الدارمي. ووقع في رواية أخرى له ((ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى)) ، وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان:((ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة)) ، قال السندي: كلمة "من" في قوله ((ما من أيام)) زائدة لاستغراق النفي، وجملة ((العمل الصالح
…
)) الخ صفة أيام، والخبر محذوف أي موجودة أو خير، وهو الأوجه، وقوله:((من هذه الأيام)) متعلقة بأحب، والمعنى على حذف المضاف أي من عمل هذه الأيام ليكون المفضل والمفضل عليه من جنس واحد – انتهى. وقال الطيبي: العمل مبتدأ وفيهن متعلق به والخبر أحب، والجملة خبر ما أي واسمها أيام ومن الأولى زائدة والثانية متعلقة بأفعل وفيه حذف، كأنه قيل: ليس العمل في أيام سوى العشر أحب إلى الله من العمل في هذه العشر – انتهى. وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره لجمعه الفضيلتين. قال السندي: المتبادر من هذا الكلام عرفاً أن كل عمل صالح إذا وقع فيها فهو أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وهذا من باب تفضيل الشيء على نفسه باعتبارين وهو شائع، وأصل اللغة في مثل هذا الكلام لا يفيد الأحبية، بل يكفي فيه المساواة؛ لأن نفي الأحبية يصدق بالمساواة، وهذا واضح وعلى الوجهين لا يظهر لاستبعادهم المذكور بلفظ:((ولا الجهاد)) معنى إذ لا يستبعد أن يكون الجهاد في هذه
.........................
ــ
الأيام أحب منه في غيرها أو مساوياً للجهاد في غيرها، نعم لو كان المراد أن العمل الصالح في هذه الأيام مطلقاً أي عمل كان أحب من العمل في غيرها مطلقاً أي عمل كان حتى أن أدنى الأعمال في هذه الأيام أحب من أعظم الأعمال في غيرها لكان الاستبعاد موجهاً، لكن كون ذلك مراداً بعيد لفظاً ومعنى، فلعل وجه استبعادهم أن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج، فينبغي أن يكون في غيرها أحب منه فيها، وحينئذٍ قوله صلى الله عليه وسلم:((إلا رجل)) أي جهاد رجل بيان لفخامة جهاده وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغاً لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه – انتهى كلام السندي. وذكر السيد: أنه اختلف العلماء في أن هذه العشرة أفضل أم عشرة رمضان؟ فقال بعضهم: هذا العشر أفضل لهذا الحديث. وقال بعضهم: عشر رمضان أفضل للصوم ولليلة القدر، والمختار أن أيام هذا العشر أفضل لوجود يوم عرفة فيها، وليالي عشر رمضان أفضل لوجود ليلة القدر فيها؛ لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة، وليلة القدر أفضل ليالي السنة، ولذا قال:((ما من أيام)) ولم يقل: من ليال، كذا في الأزهار، ذكره القاري. وقال القسطلاني: الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعاً، وقد أقسم الله تعالى بها، فقال:{والفجر. وليالٍ عشر} [الفجر: 1] وقد زعم بعضهم أن ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر. قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جداً، ولو صح حديث أبي هريرة المروي في الترمذي – يعني الذي يأتي في آخر الفصل الثاني -:((قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر)) لكان صريحاً في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جميع لياليه متساوية، والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء أن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها – انتهى. واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد، وأجيب بأنه محمول على الغالب. ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر؛ لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير تردد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل، ولا يرد على ما ذكرنا من كون الحديث دليلاً على فضل صيام عشر ذي الحجة ما يأتي في الصيام من حديث عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط. لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته، كما رواه الشيخان من حديث عائشة أيضاً، وقيل: قولها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام العشر قط – لا ينافي صوم بعضها، قيل: الحكمة في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها: الحج والصدقة والصيام والصلاة، ولا يتأتى ذلك في غيرها، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال، وقيل: المراد بالعمل الذكر، ويؤيد ذلك ما روى الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، عن ابن عباس مرفوعاً: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيها من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح
قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) .
ــ
والتهليل والتحميد والتكبير)) ، وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً نحوه، ويؤيد التعميم ما وقع من الزيادة بعد الأمر بالإكثار من التحميد والتكبير في حديث ابن عباس عند البيهقي:((وإن صيام يوم منها يعدل صيان سنة، والعمل بسبعمائة ضعف)) ، وما سيأتي من حديث أبي هريرة في آخر الفصل الثاني، لكن إسناده ضعيف، وكذا إسناد حديث ابن عباس، وحديث ابن عمر عند أحمد وحديث ابن عباس عند الطبراني والبيهقي يدلان على مشروعية التكبير من أول ذي الحجة، واختلف العلماء في حكم تكبير عيد الأضحى، أي تكبير التشريق، فأوجبه بعض العلماء لقوله تعالى:{واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203]، ولقوله تعالى:{كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم} [الحج: 37] . وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة للرجال والنساء، ومنهم من خصه بالرجال. وأما وقته فظاهر الآية والآثار عن الصحابة أنه لا يختص بوقت دون وقت، إلا أنه اختلف العلماء، فمنهم من خصه بعقب الصلاة مطلقاً، ومنهم من خصه بعقيب الفرائض دون النوافل، ومنهم من خصه بالجماعة دون الفرادى، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبالأمصار دون القرى، وأما ابتداؤه وانتهاؤه ففيه خلاف أيضاً، فقيل في الأول من صبح يوم عرفة، وقيل: من ظهره، وقيل: من عصره، وفي الثاني إلى ظهر ثالثه، وقيل: إلى آخر أيام التشريق، وقيل: إلى ظهره، وقيل: إلى عصره، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء من ذلك حديث. وأصح ما ورد فيه عن الصحابة عن أبي هريرة وابن عمر تعليقاً أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، وذكر البغوي والبيهقي ذلك. قال الطحاوي: كان مشايخنا يقولون بذلك التكبير أيام العشر جميعها، ذكره العلامة الأمير اليماني في سبل السلام، قلت: الظاهر أن التكبير مشروع ومستحب من أول ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، ولا يختص استحبابه بعقب الصلوات ولا بالرجال ولا بالفرائض ولا بالمؤداة ولا بالجماعة والمقيم والأمصار، بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام ولكل أحد من المسلمين، كما يدل على ذلك حديث ابن عمر وحديث ابن عباس وآثار ابن عمر وأبي هريرة، والله تعالى أعلم. (قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد) بالرفع (في سبيل الله) أي ولا الجهاد في أيام أخر أحب إلى الله من العمل في هذه الأيام (قال) عليه الصلاة والسلام (ولا الجهاد في سبيل الله) أي أحب من ذلك (إلا رجل) أي إلا جهاد رجل (فلم يرجع من ذلك) أي مما ذكر من نفسه وماله (بشيء) أي صرف ماله ونفسه في سبيل الله، فيكون أفضل من العامل في أيام