الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الثاني}
1515-
(6) عن عبد الله بن زيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله، رواه أبوداود.
1516-
(7) وعنه أنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها، فيجعله أعلاها، فلما ثقلت قلبها على عاتقيه.
ــ
1515-
قوله (فجعل عطافه) بكسر العين المهملة، أي طرف ردائه (الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن) قال في المجمع: العطاف والعطف الرداء، سمي عطافاً لوقوعه على عطفي الرجل، وهما ناحيتا عنقه، إنما أضاف العطاف إلى الرداء لأنه أراد أحد شقي العطاف، فالهاء ضمير الرداء، ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ويريد بالعطاف جانب الرداء وطرفه (ثم دعا الله) أي لرفع القحط ونزول الغيث، وفي الحديث بيان المراد من تحويل الرداء، وهو أن يجعل الأيمن منه أيسر والأيسر منه أيمن، وليس فيه ذكر الصلاة، وهو محمول على نسيان الراوي أو أنه اختصره. (رواه أبوداود) وسكت عنه، وأخرجه أيضاً البيهقي (ج3 ص350) من طريق أبي داود.
1516-
قوله (وعليه خميصة) أي كساء أسود مربع له علمان في طرفيه من صوف وغيره، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (سوداء) صفة لخميصة، وفيه تجريد، وقال الجزري في النهاية: الخميصة ثوب خز أو صوف معلم. وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديماً، وجمعها الخمائص – انتهى. (فلما ثقلت) أي الخميصة يعني عسر عليه جعل أسفلها أعلاها (قلبها) أي الخميصة بتخفيف اللام. وقيل: بتشديدها (على عاتقيه) بأن جعل جانبها الأيمن على عاتقه الأيسر، والجانب الأيسر على عاتقه الأيمن. قال الطحاوي بعد رواية الأحاديث التي فيها ذكر صفة قلب الرداء ما لفظه: ففي هذه الآثار قلبه لردائه وصفة قلب الرداء كيف كان وإنه إنما جعل ما على يمينه منه على يساره، وما على يساره على يمينه لما ثقل عليه أن يجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، فكذلك نقول ما أمكن أن يجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، فقلبه كذلك هو وما لا يمكن ذلك فيه حوله فجعل الأيمن منه أيسر والأيسر منه أيمن – انتهى. قلت: اختلفوا في حكم التنكيس – وهو أن يجعل
رواه أحمد وأبوداود.
1517-
(8) وعن عمير مولى آبي اللحم، أنه
ــ
أسفله أعلاه -، فقال الجمهور: مالك وأحمد باستحباب التحويل فقط، وروي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وهشام بن إسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان يقول به الشافعي ثم رجع فاستحب فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف، وتقدم مذهب الحنفية في كلام الطحاوي، وزعم القرطبي كغيره إن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله، والذي في كتاب الأم أنه اختار التنكيس مع التحويل. قال الحافظ في الفتح: ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط – انتهى. وذلك لأنه اختار الجمع بين التحويل والتنكيس كما تقدم، وإذا كان مذهبه ما ذكره عنه القرطبي فليس بأحوط، واستدل الجمهور بحديث العطاف. قال ابن قدامة: وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك والزيادة التي نقلوها – يعني في التنكيس – إن ثبتت فيه ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله، ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء – انتهى. قلت: الزيادة المذكورة لا تنحط عن درجة الحسن، بل هي صحيحة، وهي إخبار عن مشاهدة، وفيها الجمع بين الروايات، فالأحوط عندنا هو ما ذكره الشافعي في الأم من استحباب التنكيس مع التحويل، والله تعالى أعلم. (رواه أحمد)(ج4 ص41-42) ، (وأبوداود) وأخرجه الحاكم (ج1 ص327) والبيهقي (ج3 ص351) وأبوعوانة وابن حبان، وأخرجه النسائي مختصراً، أي إلى قوله: وعليه خميصة سوداء، والحديث قد سكت عنه أبوداود والمنذري، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال في الإلمام: إسناده على شرط الشيخين.
1517-
قوله (وعن عمير) بالتصغير مولى آبي اللحم الغفاري، صحابي شهد خيبر مع مولاه، وعاش إلى نحو السبعين. (مولى آبى اللحم) بألف ممدودة اسم فاعل من أبى بمعنى امتنع. قال الحافظ: آبى اللحم – بالمد – بلفظ اسم الفاعل من الإباء، صحابي مشهور غفاري، يقال: إن اسمه خلف، وقيل غير ذلك، شهد حنيناً، ومعه مولاه عمير، وإنما لقب بآبي اللحم لأنه كان يأبى أن يأكل اللحم مطلقاً، وقيل: لأنه كان لا يأكل ما ذبح للأصنام في الجاهلية، قال ابن عبد البر: هو من قدماء الصحابة وكبارهم، ولا خلاف أنه شهد حنيناً وقتل بها، قيل: هو الذي يروي هذا الحديث ولا يعرف له حديث سواه، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة آبي اللحم: له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في الاستسقاء، روى عنه عمير مولاه (أنه) الضمير لعمير.
رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت، قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي، رافعاً يديه قِبَل وجهه لا يجاوزه بهما رأسه، رواه أبوداود، وروى الترمذي، والنسائي نحوه.
ــ
(رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت) قال ياقوت الحموي: موضع بالمدينة، قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء، وقال العمراني: أحجار الزيت موضع بالمدينة داخلها، وقال القاري: موضع بالمدينة من الحرة، سمي بذلك لسواد أحجاره كأنها طليت بالزيت – انتهى. (قريباً) أي حال كونه قريباً أو في مكان قريب (من الزوراء) بفتح الزاء المعجمة وسكون الواو موضع عند سوق المدينة مرتفع كالمنارة قرب المسجد (قائماً) أي يستسقي قائماً (يدعو يستسقي) حالان أي داعياً مستسقياً (رافعاً يديه) وفي رواية لأحمد: رافعاً كفيه (قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي قبالته (لا يجاوز بهما) أي بيديه حين رفعهما (رأسه) قال القاري: لا ينافي ما مر عن أنس أنه كان يبالغ في الرفع للاستسقاء لاحتمال أن ذلك كان أكثر أحواله، وهذا في نادر منها أو بالعكس – انتهى. وزاد أحمد في روايته: مقبل بباطن كفيه إلى وجهه، وهذا لا يخالف ما مر من حديثه أيضاً أنه كان يشير بظهر كفيه إلى السماء في الاستسقاء، أي يجعل بطون يديه مما يلي الأرض؛ لأنه يحتمل أنه كان يفعل تارة كذا وتارة كذا، والله تعالى أعلم. والحديث استدل به لأبي حنيفة على عدم استنان الصلاة في الاستسقاء؛ لأنه ليس فيه ذكر الصلاة، وقد تقدم الجواب عنه. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاًُ أحمد (ج5 ص223) وسكت عنه أبوداود. (وروى الترمذي والنسائي نحوه) أي معناه كلاهما عن قتيبة عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى آبي اللحم عن آبي اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي، وهو مقنع بكفيه يدعو، قال الترمذي: كذا قال قتيبة في هذا الحديث "عن آبي اللحم" ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وله صحبة – انتهى. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي: هكذا روى الترمذي والنسائي عن قتيبة أنه زاد في الإسناد "عن آبي اللحم"، ولكن رواه أحمد عن قتيبة نفسه من حديث عمير مولى آبي اللحم ولم يذكر عن آبي اللحم، وذكر الحديث في مسند عمير، فلعل قتيبة لم يحفظ هذا الحديث جيداً، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا، وقد أخطأ في إسناده خطأ آخر إذ جعل الرواية عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عمير مباشرة، والصواب أن يزيد رواه عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمير كما في رواية أحمد وأبي داود من طريق حيوة وعمر بن مالك عن ابن الهاد – انتهى. قلت: ورواه الحاكم (ج1 ص327) من طريق يحيى بن بكير عن الليث، فجعله من حديث عمير مولى آبي اللحم، ولم يذكر "عن آبي اللحم" وقال: صحيح الإسناد، وعمير مولى آبي اللحم له صحبة – انتهى. وهذا يؤيد أن الحديث
1518-
(9) وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الاستسقاء متبذلاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً، رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.
ــ
من مسند عمير لا من مسند مولاه آبي اللحم، وأن قتيبة لم يحفظ جيداً، ووافق الذهبي الحاكم في تصحيح الحديث، لكن زاد في السند لفظ "عن آبي اللحم" وروى أحمد (ج4 ص36) وأبوداود من طريق شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه، اللفظ لأبي داود، قال الحافظ في مبهمات التقريب، وتهذيب التهذيب: محمد بن إبراهيم التيمي أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت، هو عمير مولى آبي اللحم – انتهى. وهو أيضاً يرجح كون الحديث من مسند عمير لا من مسند مولاه آبي اللحم.
1518-
قوله (يعني في الاستسقاء) أي يريد ابن عباس أنه – عليه الصلاة والسلام – خرج إلى المصلى في الاستسقاء، وهو من كلام البغوي، وأول الحديث قال إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة: أرسلني الوليد بن عتبة - وكان أمير المدينة – إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء فأتيته فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (متبذلاً) بمثناة فوقية ثم موحدة ثم ذال معجمة، أي لابساً ثياب البذلة، تاركاً لثياب الزينة، تواضعاً لله تعالى وإظهاراً للحاجة. قال في النهاية: التبذل ترك التزين والتهيء بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع (متواضعاً) في الظاهر (متخشعاً) في الباطن، وقال الشوكاني: قوله: متخشعاً، أي مظهراً للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل، زاد في رواية ابن ماجه والحاكم، وكذا في رواية لأحمد (ج1 ص230) والبيهقي (ج3 ص344) : مترسلاً، أي متأنياً غير مستعجل في مشيه، يقال: ترسل الرجل في كلامه ومشيه: إذا لم يعجل (متضرعاً) أي مظهراً للضراعة، وهي التذلل عند طلب الحاجة والمبالغة في السؤال والرغبة، ووقع عند أبي داود فيما روى عن عثمان بن أبي شيبة: حتى أتى المصلى فرقى على المنبر، وكذا وقع ذكر الجلوس على المنبر عند النسائي من رواية أبي جعفر محمد بن عبيد بن محمد النحاس الكوفي المحاربي، وعند البيهقي من رواية أبي ثابت محمد بن عبيد الله بن محمد المدني، ووقع عند الثلاثة، وكذا عند الترمذي وغيره: فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيدين، ولفظ أبي داود: ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد، وقد تقدم الكلام على معناه (رواه الترمذي)
…
الخ، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1 ص230، 269، 355) ، وأبوعوانة وابن حبان والحاكم (ج1 ص326) ، والدارقطني والبيهقي (ج3 ص344) ، وصححه الترمذي وأبوعوانة وابن حبان.
1519-
(10) وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: ((اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)) رواه مالك وأبوداود.
1520-
(11) وعن جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يواكيء
ــ
1519-
قوله (عن أبيه) شعيب (عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى) أي طلب الغيث عند الحاجة (قال) أي في دعائه (اللهم اسق) بهمزة الوصل والقطع (عبادك) من الرجال والنساء والعبيد والإماء والصغير والكبير، وفي الإضافة إليه تعالى مزيد الاستعطاف (وبهيمتك) أي بهائمك من جميع دواب الأرض وحشراتها، قال في القاموس: البهيمة كل ذات أربع قوائم، ولو في الماء، أو كل حي لا يميز – انتهى. وهذا لفظ مالك في الموطأ، وعند أبي داود: وبهائمك، بلفظ الجمع (وانشر) بضم الشين، أي ابسط وعمم (رحمتك) أي المطر ومنافعه وبركاته، قال تعالى:{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته} [الشورى: 28]، (وأحي) أمر من الإحياء (بلدك الميت) بتشديد الياء أن بإنبات الأرض بعد موتها أي جدبها ويبسها كأنه تلميح إلى قوله تعالى:{فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها} [الروم: 50] وإلى قوله: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها} [فاطر: 9]، وإلى قوله:{وأحيينا به بلدة ميتاً} [ق: 11]، قال الطيبي: يريد به بعض البلاد المبعدين عن مظان الماء الذي لا ينبت فيها عشب للجدب فسماه ميتاً على الاستعارة ثم فرع عليه الإحياء، والحديث دليل على استحباب الدعاء بما اشتمل عليه عند الاستسقاء (رواه مالك وأبوداود) ظاهر هذا أنهما روياه موصولاً، وليس كذلك، فإن حديث مالك مرسل، قال الزرقاني: رواه مالك وجماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ورواه آخرون عن يحيى عن عمرو عن أبيه عن جده مسنداً، منهم الثوري عند أبي داود – انتهى. قلت: وأخرجه البيهقي (ج3 ص356) من طريق عبد الرحيم بن سليمان الأشل عن الثوري موصولاً، قال الحافظ في التلخيص (ص151) : ورجح أبوحاتم إرساله – انتهى.
1520-
قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يواكئ) بضم الياء المثناة تحت وآخره همزة بصيغة المضارع من المواكأة، هكذا وقع في جميع النسخ من المصابيح والمشكاة، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7 ص140) ، وهكذا ذكره الخطابي في معالم السنن (ج1 ص254)، ثم فسره فقال: معناه يتحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكؤ على العصا وهو التحامل عليها – انتهى. قال القاري: المواكأة والتوكؤ والاتكاء: الاعتماد، والتحامل على الشيء في النهاية، أي يتحامل على يديه أي يرفعهما ويمدهما في الدعاء، ومنه
فقال: ((اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً، مريعاً،
ــ
التوكؤ على العصا، وهو التحامل عليها، هكذا قال الخطابي في معالم السنن، والذي جاء في سنن أبي داود:"بواكئ" بالباء الموحدة، هكذا جاء في الكتاب فيما قرأناه، وبحثت عنه في نسخ أخرى فوجدته كذلك – انتهى. قلت: وهكذا وقع بالباء الموحدة المفتوحة عند الحاكم في المستدرك، أي جاءت عند النبي صلى الله عليه وسلم نفوس باكية أو نساء باكيات لانقطاع المطر عنهم، ملتجئة إليه، قال في فتح الودود: هذه هي الرواية المعتمدة في سنن أبي داود، وقد صحف كثير منهم نسخ السنن بوجوه متعددة لا يظهر لبعضها معنى صحيح – انتهى. وقال المنذري: هكذا وقع في روايتنا وفي غيرها مما شاهدناه "بواكئ" بالباء الموحدة المفتوحة، وذكر الخطابي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُواكئ – بضم الياء باثنتين من تحتها – انتهى. قال الحافظ في التلخيص: وقد تعقبه النووي في الخلاصة وقال: وهذا الذي ادعاه الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه، بل ليس هو واضح المعنى، وصحح بعضهم ما قال الخطابي. قال الحافظ: وقد رواه البزار بلفظ يزيل الإشكال، وهو عن جابر أن بواكي أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعله الدارقطني في العلل بالإرسال، وقال: رواية من قال عن زيد الفقير من غير ذكر جابر أشبه بالصواب، وكذا قال أحمد بن حنبل كما في البيهقي (ج3 ص355)، وجرى النووي في الأذكار على ظاهره فقال: صحيح على مسلم – انتهى. قلت: وفي رواية للبيهقي: أتت النبي صلى الله عليه وسلم هوازن بدل بواكي. (اللهم أسقنا) بالوصل والقطع (غيثاً) أي مطراً يغيثنا من الجدب، فقوله (مغيثاً) بضم الميم تأكيداً وتجريداً، وأريد به المنقذ من الشدة على ما في النهاية. قال الطيبي: عقب الغيث وهو المطر الذي يغيث الخلق من القحط على الإسناد المجازي وإلا فالمغيث في الحقيقة هو الله سبحانه – انتهى. وقال القاري: مغيثاً بضم أوله أي معيناً من الإغاثة بمعنى الإعانة، وقيل: أي مشبعاً (مريئاً) بفتح الميم وبالمد وبالهمزة أي هنيئاً محمود العاقبة لا ضرر فيه من الغرق والهدم، في النهاية: مرأني الطعام وامرأني: إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيباً، وقيل: بفتح الميم وتشديد الياء بغير همز، أبدلت الهمزة ياء ثم أدغمت، وقيل: هو ناقص، ومعناه: كثيراً غزيراً، المري والمرية: الناقة العزيرة الدر، من المري وهو الحلب، قال التوربشتي: في شرح المصابيح: مريئاً أي صالحاً كالطعام الذي يمرأ، ومعناه الخلو عن كل ما ينقصه كالهدم والغرق، ويحتمل أن يكون بغير همزة، ومعناه مدراراً، من قولهم: ناقة مري، أي كثير اللبن ولا أحققه رواية – انتهى. (مريعاً) بفتح الميم وسكون التحتية – أي ذا مراعة، وهي الخصب، فعيل من مرع الأرض – بالضم – مراعة، أي صارت كثيرة الماء والنبات، وقيل: بضم الميم وسكون التحتية أي أسقنا غيثاً كثير النماء ذا ريع، من أراعت الإبل إذا كثرت أولادها، ويقال: راع الطعام وأراع إذا صارت له زيادة في العجين والخبز، وروي مربعاً – بضم الميم وكسر الباء الموحدة – أي منبتاً للربيع، وهو النبات الذي يرعاه الشاء في الربيع من أرْبَع الغيث إذا أنبت الربيع، وقيل: معناه مقيماً للناس مغنياً لهم عن