المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(53) باب في الرياح ‌ ‌{الفصل الأول} 1524- (1) عن ابن عباس، قال: - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٥

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌((الفصل الثاني))

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تمنى الموت وذكره

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب البكاء على الميت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب زيارة القبور

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌(53) باب في الرياح ‌ ‌{الفصل الأول} 1524- (1) عن ابن عباس، قال:

(53) باب في الرياح

{الفصل الأول}

1524-

(1) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالصبا،

ــ

من حديث ابن عمر في أثناء حديث ولولا البهائم لم يمطروا، وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وهو ضعيف، وفي حديث أبي هريرة عند أبي يعلى والبزار والبيهقي، مهلاً عن الله مهلاً فاته لولا شباب خشع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صباً، وفي إسناده إبراهيم بن خثيم بن عراك، وقد ضعفوه، وأخرجه أبونعيم والبيهقي وابن عدي من طريق مالك بن عبيدة بن مسافع عن أبيه عن جده ومالك بن عبيده قال: أبوحاتم وابن معين مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي ليس له غير هذا الحديث، وله شاهد مرسل أخرجه أبونعيم أيضاً. فائدة إذا تأخر المطلوب أي لم يسقوا بعد الخروج إلى الصحراء وصلاة الاستسقاء كرروا الخروج في اليوم الثاني والثالث لا أكثر، وهذا عند الحنفية والحنابلة، وأما عند الشافعية والمالكية فيكرروا الخروج ثانياً وثالثاً وأكثر حتى يسقوا وإذا سقوا قبل الخروج وقد كانوا تأهبوا للخروج خرجوا وصلوا شكراً لله تعالى وحمدوه ودعوه وسألوه المزيد من فضله، وكذلك إذا خرجوا وسقوا قبل أن يصلوا فائدة أخرى إذا كثر المطر بحيث يضرهم، أو مياه الأنهار والعيون دعوا الله تعالى أن يخففه ويصرف عنهم مضرته ويجعله في أماكن تنفع ولا تضر كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: باللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ولأن الضرر بزيادة المطر أحد الضررين فيستحب الدعاء لإزالته كإنقطاعه، وأما النداء بكلمات الأذان المشروعة للإعلام بأوقات الصلوات الخمس لرفع المطر أو تخفيفه عند الضرر بكثرته كما يفعله القبوريون فليس في شيء من السنة ولم يعرف في عهد السلف الصالح من الصحابة والتابعين ولم يؤثر من أتباعهم.

(باب في الرياح) وفي بعض النسخ: باب الرياح بالإضافة، وفي بعضها: باب من غير ترجمة، وهو بالسكون على الوقف أو بالرفع منوناً على أنه خبر مبتدأ محذوف، وعلى النسختين الأوليين ما ذكر فيه من الرياح وقع بطريق التبع فلذا لم يتعرض له بالترجمة، ووجه ذكر ترجمة للرياح عقب باب الاستسقاء إن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر والريح في الغالب تعقبه.

1254-

قوله: (نصرت) بضم النون (بالصبا) بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصورة هي الريح الشرقية

ص: 194

وأهلكت عاد بالدبور)) .

ــ

(وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال وتخفيف الموحدة المضمومة، هي الريح الغربية. قال الطيبي: الصبا الريح التي تجيئ من قبل ظهرك إذا استقبلت القبلة، ويقال لها: القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبهاً من مشرق الشمس ومطلعها، والدبور هي التي تجيئ من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضاً فهي تأتي من دبرها ومهبهاً من مغرب الشمس قيل هذا في ديار خراسان وما وراء النهر وما في حكمهما من الأماكن التي قبلتها السمت الغربي دون الروم والعرب. وقال ابن الأعرابي: الصبا مهبهاً من مطلع الثريا إلى بنات نعش، والدبور من مسقط النسر الطائر إلى سهيل، وفرق بين تفسير الطيبي وتفسير ابن الأعرابي: فإن الأول يشمل سعة المشرق والمغرب كلها، والثاني الناحية منها، قيل إن الصبا هي التي حملت ريح يوسف عليه السلام إلى يعقوب قبل البشير إليه فإليها يستريح كل مخزون، والدبور هي الريح العقيم ونصرته صلى الله عليه وسلم بالصبا كانت يوم الخندق الذي يقال له غزوة الأحزاب، وكانوا زهاء أثني عشر ألفاً أو أكثر حين حاصروا المدينة فأرسل الله عليهم ريح الصبا باردة في ليالي شاتية شديدة البرد فسقت التراب والحصى في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقطعت خيامهم فانهزموا من غير قتال {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها} - الآية. ومع ذلك فلم يهلك منهم أحد ولم يتأصلهم لما علم الله من رأفة نبيه عليه الصلاة والسلام بقومه رجاء أن يسلموا، وأما عاد فإنه ابن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام فتفرعت أولاده فكانوا ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الأحقاف وبلادها وكانت ديارهم بالدهناء وعالج وبثرين ودبار وعمان إلى حضر موت وكانت أخصب البلاد وأكثرها جناناً، فلما سخط الله عليهم جعلها مفاوز فأرسل الله عليهم الدبور فأهلكتهم وكانت عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً أي متتابعة ابتدأت غدوة الأربعاء وسكنت في آخر الثامن واعتزل هو ونبي الله عليه السلام ومن معه من المؤمنين، قيل:وكانوا أربعة آلاف في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلذ الأعين وكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت ومن لم يكن في بيته منهم أهلكته في البراري والجبال، وكان ترفع الظعينة بين السماء والأرض حتى ترى كأنها جرادة وترميهم بالحجارة فتدق أعناقهم، قيل: كان طول أحدهم أثني عشرة ذراعاً، وقيل: كان أكثر من عشرة، وقيل: غير ذلك، وفي التفسير: أن الريح كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فذلك قوله: {كأنهم أعجاز نخل خاوية} [الحاقة:6]، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر والطبراني من حديث ابن عباس رفعاه ما فتح الله على عاد من الريح إلا موضع الخاتم فمرت بأهل البادية فحلمتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فرأهم الحاضرة فقالوا: هذا عارض ممطرنا فألقتهم عليهم فهلكوا جميعاً، والحديث قد استنبط منه ابن بطال تفضيل بعض المخلوقات على بعض يعني أن المقصود منه تفضيل الصبا على الدبور من جهة إضافة النصر للصبا والإهلاك للدبور وتعقب بأن كل واحدة منهما أهلكت أعداء الله ونصرت

ص: 195

متفق عليه.

1525-

(2) وعن عائشة، قالت:((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى أرى منه لهواته، إنما كان يبتسم، فكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف في وجهه))

ــ

أنبياءه وأولياءه، وقيل المقصود: بيان أن الأشياء والعناصر مسخرة تحت أمر الله تعالى وإرادته رداً على الطبيعيين والحكماء المتفلسفيين، فالريح مأمورة تجيئ تارة بأمره تعالى لنصرة قوم وتارة لإهلاك قوم، وفيه أيضاً إخبار المرأ عن نفسه بما فضله الله تعالى به على سبيل تحديث النعمة لا على الفخر، ومن الرياح الجنوب وهي التي مهبهاً من جهة يمين القبلة والشمال وهي التي تهب من جهة شمالها، فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع ولكل من الأربعة طبع فالصبا حارة يابسة، والدبور باردة رطبة، والجنوب حارة رطبة، والشمال باردة يابسة وهي ريح الجنة التي تهب عليهم كما في صحيح مسلم (متفق عليه) أخرجه البخاري في الاستسقاء وبدأ الخلق والأنبياء والمغازي ومسلم في الاستسقاء، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1:ص222-228-324-341-355-373) والنسائي في التفسير من السنن الكبرى والبيهقي (ج3:ص364) .

1525-

قوله: (ضاحكاً) حال أو مفعول ثان، وفي رواية للشيخين: مستجمعاً ضاحكاً. قال الحافظ في رواية الكشمهيني: مستجمعاً ضحكاً، أي مبالغاً في الضحك لم يترك منه شيئاً، يقال: استجمع السيل اجتمع من كل موضع واستجمعت للمرأ أموره اجتمع له ما يحبه، فعلى هذا قوله: ضاحكاً منصوب على التمييز وإن كان مشتقاً مثل لله دره فارساً، أي ما رأيته مستجمعاً من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكاً تاماً مقبلاً بكليته على الضحك (حتى أرى) أي أبصر (منه لهواته) بفتح اللام والهاء جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك. قاله الأصمعي وقيل: هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم وقيل: هي اللحمات في سقف أقصى الفم. وقيل: اللهاة قعر الفم قريب من أصل اللسان (إنما كان يتبسم) لا ينافي هذا الحديث ما جاء في الحديث الآخر: أنه ضحك حتى بدت نواجذه؛ لأن ظهور النواجذ وهي الأسنان التي في مقدم الفم أو الأنياب لا يستلزم ظهور اللهاة. قاله الحافظ: وقيل: كان التبسم على سبيل الأغلب وظهور النواجذ على سبيل الندرة (فكان) وفي الصحيحين قالت (أي عائشة) وكان (إذا رأى غيماً) أي سحاباً (عرف) بضم العين وكسر الراء مبنياً للمفعول أي التغيير (في وجهه) قال الطيبي: أي ظهر أثر الخوف في وجهه مخافة أن يحصل من ذلك السحاب أو الريح ما فيه ضرر الناس، دل نفي الضحك البليغ على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فرحاً لاهياً بطراً، ودل إثبات التبسم على طلاقة وجهه، ودل أثر خوفه من رؤية الغيم أو الريح على رأفته ورحمته على الخلق وهذا هو الخلق العظيم، كذا في المرقاة. وهذا

ص: 196

متفق عليه.

1526-

(3) وعنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، وإذا تخيلت السماء، تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سرى عنه، فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال: لعله يا عائشة

ــ

القدر المذكور من حديث عائشة طرف من حديث طويل. أخرجه البخاري في تفسير سورة الأحقاف، ومسلم في الإستسقاء وبعده قالت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاءً أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال يا عائشة: ما يؤمني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا، وارجع لشرح هذا إلى الفتح من سورة الأحقاف (متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير مطولاً وفي الأدب مختصراً إلى قوله: إنما كان يبتسم. وأخرجه أيضاً مطولاً أبوداود في الأدب، والبيهقي في الاستسقاء (ج3:ص360) .

1526-

قوله: (إذا عصفت الريح) أي اشتد هبوبها (اللهم إني أسألك خيرها) أي خبر ذاتها (وخير ما فيها) أي من منافعها (وخير ما أرسلت به) أي بخصوصها في وقتها، وهو بصيغة المفعول، ويجوز أن يكون بصيغة الفاعل. قال الطيبي: يحتمل الفتح على الخطاب وشرما أرسلت على بناء المفعول ليكون من قبيل أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: الخير بيديك والشر ليس إليك (وإذا تخيلت السماء) أي تهيأت السحاب للمطر. قال الطيبي: السماء هنا بمعنى السحاب وتخيلت السماء إذا ظهر في السماء أثر المطر. وقال أبوعبيدة: تخيلت من المخيلة بفتح الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة، وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة يعني سحابة يخال فيها المطر وتكون مظنة للمطر. وقال الجزري: المخيلة السحابة التي يظن أن فيها مطراً وتخيلت السماء إذا تغيمت (تغير لونه) من خشية الله ومن رأفته على أمته وتعليماً لهم في متابعته (وخروج) من البيت تارةً (ودخل) أخرى (وأقبل وأدبر) فلا يستقر في حال من الخوف (فإذا مطرت) أي السحاب. وفي رواية البخاري: فإذا أمطرت السماء من الأمطار. قال الحافظ: فيه رد على من زعم أنه لا يقال أمطرت إلا في العذاب، وأما الرحمة فيقال مطرت- انتهى. ومطر السحاب وأمطرت بمعنى (سري عنه) بضم المهملة وتشديد الرأي بلفظ المجهول، أي كشف عنه الخوف والحزن وأزيل (فعرفت ذلك) أي التغيير (فسألته) أي عن سببه (لعله) أي لعل هذا

ص: 197

كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا} )) . وفي رواية: ويقول إذا رأى المطر رحمة - متفق عليه.

ــ

المطر. وقيل: لعل هذا السحاب (كما قال قوم عاد) الإضافة للبيان، أي مثل الذي قال في حقه قوم عاد هذا عارض ممطرنا قال تعالى:{فلما رأوه} أي السحاب {عارضاً} أي سحاباً عرض {مستقبل أوديتهم} أي صحاريهم ومحال مزارعهم. قال الجزري: العارض السحاب الذي يعرض في السماء (قالوا) ظناً أنه سحاب ينزل منه المطر {هذا عارض ممطرنا} ، أي سحاب عرض ليمطر قال تعالى رداً عليهم:{بل هو ما استعجلتم به} أي من العذاب {ريح فيها عذاب أليم} {تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} [الأحقاف:25] فظهرت منه ريح فأهلكتهم فلا يجوز لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى. قال النووي: في الحديث الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند إختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العضاة، وفيه تذكر ما يذهل المرأ عنه مما وقع للأمم الخالية والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم. وفيه شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى، فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى:{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال:33] ، والجواب إن في الآية احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبة عدم الأمن من مكر الله، (ويقول إذا رأى المطر رحمة) بالنصب أي اجعله رحمة لا عذاباً وبالرفع أي هذا رحمة (متفق عليه) فيه نظر؛ لأن لفظ الرواية الأولى بالسياق المذكور من رواية ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة من إفراد مسلم والرواية الثانية أيضاً من إفراده أخرجها من طريق جعفر بن محمد عن عطاء عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقل وأدبر فإذا مطرت سربه، وذهب عنه ذلك قالت عائشة: فسألته فقال: إني خشيت أن يكون عذاباً سلط على أمتي ويقول إذا رأى المطر رحمة، وأما البخاري فأخرجه في أوائل بدء الخلق عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة مختصراً بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا مطرت سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما أدري لعله كما قال قوم {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم} الآية، فظهر بهذا أن قوله متفق عليه لا يخلو عن نظر اللهم إلا أن يقال إن المراد اتفاق الشيخين على أصل الحديث، ومعناه وقد أخرجه بسياق المشكاة البيهقي (ج3:ص360) وأخرجه الترمذي في الدعوات مختصراً إلى قوله وشر ما أرسلت به وأخرجه ابن ماجه في الدعاء بنحو رواية البخاري.

ص: 198

1527-

(4) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية))

ــ

1527-

قوله: (مفاتيح الغيب) بوزن مصابيح جمع مفتاح، وهو الآلة التي يفتح بها (خمس) يعني العلوم التي يتوصل بها إلى الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، وروى مفاتح بوزن مساجد، وهو جمع مفتح بفتح الميم، وهو المخزن أي مخازن الغيب جعل للأمور الغيبية مخازن يخزن فيها على طريق الاستعارة أو جمع مفتح بكسر الميم، وهو المفتاح جعل للأمور الغيبية مفاتيح يتوصل بها إلى ما في المخازن منها على طريق الاستعارة أيضاً وقد عقد البخاري على هذا الحديث في تفسير سورة الأنعام باب قوله:{وعند مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59] وأراد بذلك أن يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر آية الأنعام بتلك الخمس المذكورة في سورة لقمان. قال الحافظ: المفاتح جمع مفتح بكسر الميم الآلة التي يفتح بها مثل منجل ومناجل، وهي لغة قليلة في الآلة، والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء، وقد قرئ بها في الشواذ قرأ ابن السميفع وعنده مفاتيح الغيب وقيل: بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان، ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري مفاتح الغيب خزائنة-انتهى. قال القسطلاني: وعلى الأول قد جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة؛ لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها فهو عالم، وكذلك ههنا لما كان الله تعالى عالماً بجميع المعلومات ما غاب منها وما لم يغب عبر عنه بهذه العبارة إشارة إلى أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره وهذا هو الفائدة في التعبير بعند- انتهى. وقال في النهاية: المفاتيح والمفاتح جمع مفتاح ومفتح وهما في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها والمعنى لا يعلم كلياتها غير الله وقد يطلع بعض أصفيائه على جزئيات منهن، والغيب ما غاب عن الخلق وسواء كان محصلاً في القلوب أو غير محصل ولا غيب عند الله عزوجل ذكره العيني. وقال البيضاوي: الغيب هو الأمر الخفي الذي لا يدركه الحس ولا يقتضيه بداهة العقل، وهو قسمان: قسم لا دليل عليه وهو المعنى بقوله تعالى: {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام:59]، وقسم نصب عليه دليل عقلي أو نقلي كالصانع وصفاته واليوم الآخر وأحواله وهو المراد في قوله:{يؤمنون بالغيب} [البقرة:3]- انتهى. (ثم قرأ) أي بياناً لتلك الخمس (إن الله عنده) أي لا عند غيره (علم الساعة) أي علم وقت قيامها فلا يعلم ذلك نبي مرسل ولا ملك مقرب، لا يجليها لوقتها إلا هو (وينزل) بالتشديد (الغيث) أي يرسل المطر الذي يغيث البلاد والعباد في وقته المقدر له والمحل المعين له في علمه وبالكمية والكيفية المقررتين عنده لا يعلم ذلك إلا هو (الآية) بالنصب أي اقرأ، أو أذكر بقية الآية وبالجر أي إلى آخر الآية وهو {ويعلم ما في الأرحام} مما يريد أن يخلقه من ذكر أو أنثى تام

ص: 199

رواه البخاري.

1528-

(5) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليست السنة

ــ

أو ناقص أبيض أو أسود طويل أو قصير سعيد أو شقي وغير ذلك مما لا يعلم تفصيله إلا هو. قال القاري: ولا يعلم مجملة بحسب خرق العادة إلا من قبله تعالى. وقال القسطلاني: لكن إذا أمر به علمته ملائكته المؤكلون به {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً} في الدنيا من الخير والشر والطاعة والمعصية، وفي الآخرة من الثواب والعقاب {وما تدري نفسٌ بأي أرض تموت} أي في بلدها أم في غيرها فليس أحد من الناس يدري أين مضجعة من الأرض أفي بر أو بحر سهل أو جبل (إن الله عليم) أي بما ذكر وغيره من الكليات والجزئيات إلا يعلم من خلق (خبير) أي مطلع على خفايا الأمور، فإن قيل الغيوب التي لا يعلمها إلا الله كثيرة ولا يعلم مبلغها إلا الله تعالى، وقال الله تعالى:{وما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر:31] فما وجه التخصيص بالخمس. قلت: أجيب عنه بوجوه: الأول: أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد، والثاني: أن ذكر هذا العدد في مقابلة ما كان القوم يعتقدون أنهم يعرفون من الغيب هذه الخمس، والثالث: أنهم كانوا يسألونه عن هذه الخمس، والرابع: أن أمهات الأمور هذه لأنها إما أن تتعلق بالآخرة، وهو علم الساعة وإما بالدنيا وذلك إما متعلق بالجماد أو بالحيوان، والثاني إما يحسب مبدأ وجوده أو بحسب معاده أو بحسب معاشه. قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس لهذا الحديث (يعني حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وفيه خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلى النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله عنده علم الساعة} الآية [لقمان:34] وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام:59] بهذه الخمس، وهو في الصحيح قال فمن أدعى علم شئ منها غير مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذباً في دعواه قال: وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم، كذا في الفتح (رواه البخاري) أي هكذا مختصراً في تفسير سورة الأنعام على رواية أبي ذر، وفي تفسير سورة لقمان وأخرجه أيضاً في الاستسقاء وتفسير سورة الرعد والتوحيد بألفاظ، وقد بسط الشيخ أبومحمد بن جمرة في شرح هذا الحديث وأجاد ولخص كلامه الحافظ في الفتح في شرح باب قوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلخ. من كتاب التوحيد من أحب الوقوف عليه رجع إلى الفتح، والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج2:ص24و58-85-122) والطبري (ج2:ص56) وأخرجه ابن حبان (ج1:ص228-229) وأحمد أيضاً (ج2:ص52) بتفصيل الأنواع الخمسة بدل تلاوة الآية.

1528-

قوله: (ليست السنة) بفتح السين الجدب والقحط، ومنه قوله تعالى:{ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} [الأعراف:130] قال في النهاية: السنة الجدب، وهي من الأسماء الغالبة، ويقال: أسنتوا إذا أجدبوا، قلبوا

ص: 200